المؤتمر الدولي للغة العربية بوجدة

تحميل اللغة بالمعرفة.. طريقها للعولمة

 

حميد الأبيض - صحفي وناقد فني مغربي.

 

تبدو اللغة العربية غريبة بين أهلها بفعل واقع الجحود والمضايقة الذي تعاني منه في الدول الناطقة والمقرة بها دستوريا، مما يتطلب من أهلها التحلي بإرادة البقاء والصمود في وجه كل الذين يعملون ضدها لاستئصال أمة واجتثاث تاريخ وحضارة عريقين من الوجود في عالم لغوي جديد يراهن صناعه على إقبار 90% من لغات العالم التي تفوق 6 آلاف لغة.

تلك أهم الخلاصات التي خرج بها نحو 50 باحثا ومهتما وأستاذا جامعيا من 20 دولة عربية وإسلامية وغربية، شاركوا بين 15 و18 من أبريل 2008، في المؤتمر الدولي الأول حول "اللغة العربية والتنمية البشرية.. الواقع والرهانات" الذي احتضنته قاعة "نداء السلام" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة (شرق المغرب).

 

ومن المحاور التي ناقشها المؤتمر: "اللغة العربية والتنمية المعرفية"، و"اللغة العربية في التعليم"، و"السياسات اللغوية في العالم العربي"، و"دور الترجمة والتعريب في تنمية اللغة"، و"المقاربات الحاسوبية للغة العربية"، و"البحث التربوي والتعليم الإلكتروني".

 

اللغة.. والمعرفة

 

أجمع المشاركون في هذا المؤتمر على المساهمة الفعالة للغة كقدرة تمكن من الإبداع وحمل المعرفة وإنتاجها، في تنوير المجتمع وتنميته، لذلك ألحوا على ضرورة تحميل اللغة بالمعرفة الضرورية كأساس لبناء المجتمع الذي يهيئ اللغة للاضطلاع بوظائفها باقتدار، وأكدوا أن كل متكلم طبيعي للغته، عليه أن يحملها معارف مختلفة حتى تصير لغة المعرفة.

 

أكد رشيد لحبيب رئيس المؤتمر أن الوضع الاجتماعي للغة يفرض بلورة إستراتيجية لتحسين وضعها وضمان قيامها بوظائفها دون تهديد أو تهميش مع الحفاظ على السلم والأمن اللغويين في إطار سياسة لغوية تحافظ على التوازنات اللغوية داخل البلد.

 

وأبرز أن تهيئة اللغات من أجل المواكبة والاستيعاب والإنتاج أضحت ضرورة في ظل التراكم السريع للمعرفة الحديثة والمعلومات المتنوعة، هذه التهيئة اللغوية تستدعي وضع اللغة ومتنها اللساني الداخلي في المجتمع كتحدٍ واجب دخوله لتأهيل اللغة لمواكبة التطورات الحديثة، وذكر باهتمام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي -في تقارير عديدة له- بمجتمع المعرفة ومعوقاتها اللغوية التي من شأن تجاوزها إتاحة الفرصة لاكتساب المعرفة واستشراف مستقبل البحث العلمي في العالم عموما والعربي بالخصوص.

 

وتبقى العربية معنية بمواكبة حركة التنمية البشرية، لدورها الأساسي في بناء مجتمع المعرفة والتنمية الاقتصادية والمعرفية والإنسانية، ومرونتها وغناها المعجمي وفي الإمكانيات التحويلية، وهو الطموح الذي اقترح المشاركون لوصوله دخول رهان حوسبتها وتحديث المعرفة عبر التعريب والترجمة وصناعة المعاجم المتخصصة ونشر التعليم وتشجيع البحث العلمي في التربية والتكوين.

 

العربية قابلة للتحديث

 

شدد محمد الأوراغي أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، على دور اللغة في إخراج الإنسان العربي من واقع التخلف، وأشار إلى أن اللغة العربية "ديوان ثقافي ونسق رمزي وأساس التنمية في وطنها سواء كان هذا الوطن دماغا أو فضاء جغرافيا"، ونفى أن تكون لأي لغة أخرى قدرة على مشاركتها في هذه التنمية المطلوب مضاعفة الجهود لوصولها.

 

وقال في مداخلته في المؤتمر: "لا يمكن أن تجد إنسانا متحضرا ولغته متخلفة، كما لا يمكن أن تجد إنسانا متخلفا ولغته متقدمة"، مشيرا إلى أن وظيفة اللغة العربية "هي صياغة الإنسان بالمحمول الثقافي المضمر فيها"، وأكد أنها مؤهلة لذلك بالنظر إلى دورها في حمل المعرفة وإنتاجها وإشاعتها في العديد من الدول.

 

وانتقد الأوراغي من جهته مقلدي الغرب من اللسانيين العرب الذين يرددون كل صغيرة وكبيرة تظهر لدى اللسانيين الغربيين، على الرغم من أن تراث اللسانيين العرب والمسلمين أكثر تقدما من اللسانيين المحدثين، خاصة أنه "ليس كل ما يقوله كبار اللسانيين الغربيين، صحيحا". وطالب بإدخال نظرية تشومسكي الموحدة للألسنة، إلى متحف تاريخ اللسانيات، لأنه "لا يجوز البتة استعمالها".

 

اللغة..تاريخ الأمة

 

ورأى أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في كلمته التي تلاها رمضان يحياوي عضو المجلس العلمي بوجدة نيابة عنه في افتتاح المؤتمر، أن نمو اللغة العربية في المغرب مرتبط بانتشار التعليم العتيق وإدخال العربية إلى المعاهد والمدارس العليا جنبا إلى جنب مع الفرنسية والإنجليزية حتى يحصل التخصيب الضروري للتطور والتقدم، وأكد أن اللغة العربية كقضية فكر ومستوى حضارة "لن تنمو في فراغ" بل يجب أن تنمو وتتطور بالترجمة والممارسة السليمة واكتساب المتكلمين بها للقدرة الكافية على الإبداع والابتكار، فاللغات تتطور وتنمو مثل الكائنات، في بيئة متوازنة، مبديا قلقه لضعف المهارات اللغوية عند التلاميذ، ونفى أن تكون ثمة مخاطر تهدد اللغة العربية في كينونتها وقدرتها على التحديث.

 

تشكل اللغة مؤسسة اجتماعية تدَع فيها الجماعة ذاكرتها وتاريخها وتطلعاتها نحو النهضة والريادة باعتبارها مشروعا علميا كبيرا تتعدد زوايا نظره ومقاصده، فهي بذلك تبقى "لغة الحياة" بنظر مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة الذي رأى أن اللغة العربية "تختزل حياة وتاريخ الأمة العربية في تقدمها وازدهارها، وتحمل ذاتيتها وخصوصيتها"، ولهذا السبب يؤكد بنحمزة استحالة إلغاء العربية على الرغم من التحديات الجمة التي تواجهها في النمو والارتقاء والتطور؛ لأن ذلك مرتبط بإلغاء الخصوصية والحضارة والتاريخ العربي، وذلك بالنظر إلى أهميتها "كأداة للتواصل والتنمية في العديد من المجالات العلمية والمعرفية ومختلف القطاعات التي تعنى بالتطور والتنمية البشرية"، ودعا إلى تنسيق السياسات العربية في مجال اللغة وإغنائها بالترجمة وصياغة المفاهيم.

 

كما أنه لا بد للغة العربية من تحسين وضعها في المجتمع وصيانة متنها لمواكبة المستجدات، وتطوير البحث العلمي خاصة المتعلق منه بالبحث اللساني بتداخلاته مع العلوم المعرفية الأخرى الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والديداكتيكية والحاسوبية.

 

ولن يتحقق طموح تبوؤ العربية لدور مفتاح التنمية واستعادة إشعاعها في البلدان الناطقة بها ومختلف بلدان المعمور، إلا بالقطع مع واقع الجحود بدورها ومضايقتها ومحاولات استئصالها، وما تعانيه من تحديات متعددة وتراجع ناجم عن ضعف فعالية المجامع اللغوية وعدم التنسيق فيما بينها وضعف التنظير اللغوي والتعقيدات في المزاحمة اللغوية وندرة البرامج اللغوية، ومن التحديات المعيقة لتطور العربية، يذكر رشيد لحبيب أستاذ الأدب العربي بجامعة وجدة، كونها تبدو كالغريبة على مستوى الإدارة والإعلام والتعليم في البلدان الناطقة بها على الرغم من طابعها الدستوري.

 

 

المصدر: إسلام أونلاين. نت.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك