التسامح.. فريضة الأسرة الغائبة

هبة عبد الحفيظ

الشد والجذب بات صورةً مألوفةً للحياة الزوجية خلال السنوات الماضية، وربما يكون للضغوط المادية والحياتية بشكلٍ عام الأثر الأكبر في تشكيل المشهد الأسري، إلا أن علماء النفس وخبراء الاجتماع يلفتون إلى أن غياب خلق التسامح داخل الأسرة قد يتشارك في المسئولية ويهدد استقرار الأسرة كلها.

ولأهمية الموضوع استطلعنا آراء متزوجين ورد العلماء وسبل العلاج في التحقيق التالي:
رضوى السيد، مدرسة وأم لطفلين، تقول في بداية الزواج كانت الحياة تسير بهدوء وسعادة وبمرور الوقت وزيادة المسئوليات وضغط العمل ومتطلبات الأبناء أصبحتُ أنا وزوجي في عراك وعصبية في أغلب الأوقات وعلى أمور بسيطة مما أثر على البيت والأبناء.

فأخبرت صديقة لي في العمل، ونصحتني بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "وخيرهما من يبدأ بالسلام"، وبالفعل بدأت بالسلام مع زوجي وحاولت أن أنسى كل ما حدث ولم يكن ذلك سهلاً إلا أني تذكرت كل حسنات زوجي فوجدت كفة الحسنات تزيد عن السيئات، وبدأت أغير طريقة تعاملي معه، في البداية لم يتغير إلا أني كنت أدفع بالحسنة السيئة إلى أن أصبح زوجي هادئ الطبع وبالفعل اختلفت حياتي بعد ذلك حتى أبنائي تحسن مستواهم الدراسي كثيرًا بعد ذلك.

وتقول و. أ (مطلقة وأم لطفلين) كل من كان يراني أنا وزوجي في بداية زواجنا كان يتعجب من هذا الحب الكبير الذي يربط بيننا، ولكن ما حدث بعد ذلك كان أصعب من أن يتحمله أحد بالرغم من أني أحب زوجي إلا أن ما كان يفعله جعلني أفضل الحياة بعيدًا عنه بدلاً من أن أكون معه.

البداية كانت بألفاظ جارحة وإهانات ثم تطور الأمر إلى الضرب أمام الأبناء وكانوا وقتها صغارًا جدًّا على هذا المشهد، وبدأت أنا في محاولات الثأر لكرامتي، ولكن ذلك لم يزده إلا قسوة وساءت الأمور بيننا كثيرًا فطلبت الطلاق، ووافق وحاليًا أنا في مشاكل معه على الشقة فهو يريدها، وأنا أريد أن أربي أبنائي فيها.

وتضيف لو كنا نستطيع أن نغفر لبعضنا ونتسامح ما كان الأمر وصل لهذا السوء.

محمد علي (مهندس وأب لثلاثة أطفال) يقول إن أكثر ما يغضب الزوج هو أن يرى زوجته منشغلة عنه بأمور أخرى فيراها تقصر في طلباته، أو في الحديث معه، واختلافها عن بداية الزواج فيتخد موقفًا متعنتًا تجاه عملها، أو خروجها بشكل عام.

ويضيف: ويبدأ في انتقاد نظافة البيت أو مذاكرة الأبناء كل هذا ليس إلا محاولة منه كي يستعيد اهتمام زوجته هذه المحاولة قد تفهمها الزوجة خطأ مما يزيد المشاكل والخلافات بينهما ويرى أن الزوجة الذكية تقوم بكل شئون حياتها إلا أنها تشعر زوجها أنه الملك على عرش قلبها والرجل الحكيم هو الذي يسامح زوجته على التقصير البسيط في حقه.

 سيكولوجية التسامح

من جانبه، يوضح د. رشاد علي أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة الأزهر أن التسامح قيمة أخلاقية إسلامية حث عليها الإسلام لتكون سمة من سمات المسلم عندما يتعامل مع غيره وخصوصًا بين الأزواج، مؤكدًا أن التسامح يحافظ على الحياة الزوجية بل ويوطدها
ويخلف العديد من الآثار النفسية الصحية ومنها:  

- التصالح مع النفس فلا يعاني أي من الزوجين من التوتر الزائد في البيت، والذي يؤثر بنسبة كبيرة على باقي جوانب الحياة كالعمل والعلاقات الإنسانية الأخرى.

 - تسامح أحد الزوجين مع الآخر يجعله يشعر بقيمته والحب، فيما يشعر المتسامح بنشوة نفسية مع خالقه؛ حيث إنه ينتصر على نفسه من أجل الله عز وجل.

- كما يخلق التسامح من صاحبه شخص يتسم بالصلابة والقوة النفسية ومهارة إدارة المشاعر حيث إنه بتسامحه يكون هو المتحكم في أفعاله والمسيطر على نفسه بعكس الشخص غير المتسامح الذي تسيطر عليه مشاعر الغضب ويقوم بردود أفعال عنيفة يندم عليها بعد ذلك.

- يؤثر الوفاق الناتج عن التسامح بين الزوجين بالإيجاب على حالة الأبناء النفسية، ويقوم بعمل وقائي لهم من الاضطرابات النفسية الكثيرة التي تنتج من العلاقات المشوشة بين الوالدين فيصبحوا هم الضحية الأولى لعدم التسامح بين والديهم.

ويشير د. رشاد إلى أن التسامح مع أهميته صعب تحقيقه عند بعض الأشخاص الذين لم يعتادوا عليه منذ الصغر أو نشأوا في أسر مضطربة، إلا أنه يمكن بالتدريب والممارسة الفعلية التحلي بالتسامح كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحمل والصبر بالتصبر".

ويوضح أن هناك شعرة تفصل بين الشخص المتسامح والشخص الضعيف أو السلبي ملخصها (العفو عند المقدرة)، فالزوجة التي يضربها الزوج باستمرار بسبب، وبدون سبب، ولا يوجد لديها القدرة للدفاع عن نفسها أو إيقاف هذا الزوج عند حده وتضطر إلى السكوت خوفًا من الطلاق هذا لا يعد تسامحًا بل هو الضعف بعينه، أما الأمور التي يتواجد فيها لدي كلا الزوجين القدرة على الانتقام وإيذاء الآخر ولكنهما يؤثران التغاضي عن الأمر أو أخذ رد فعل مناسب فهذا هو التسامح والذي يعتبر أعلى درجات القوة.

ويؤكد أن التسامح لا يعني السكوت وغض الطرف عن الأخطاء إنما يعني أخذ رد فعل هادئ ومناسب بدافع الحب لا الكراهية أو الانتقام أو الثأر للكرامة، ويلفت إلى أن التسامح الإيجابي له سقف فلا تسامح في الأمور التي تمس الشرع، أو حدود الأخلاق فلا بد من الوقوف عندها، وعدم التهاون في تغييرها وإصلاحها.

القوامة والطاعة

وترى د. إنشراح الشال أستاذ الإعلام الاجتماعي بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن الرجل هو القائد وربان السفينة الزوجية ولذلك يقع عليه الجزء الأكبر من عدم الوفاق والمشاكل القائمة داخل الأسرة وأدانت الثقافة التي ينشرها المجتمع عن قوامة الرجل، وتجعله في كثير من الأحيان ينسى الهدف والغاية من القوامة ومنها الرعاية والاحتواء والحكمة في التعامل ويرى أن التسامح للضعفاء فقط.

وتضيف أن على الزوجة أيضًا أن تتحلى بالحكمة والتسامح في التعامل مع زوجها، وإذا كنا نطالب الزوج بحسن ممارسة القوامة فالزوجة عليها أيضًا حسن تطبيق الطاعة والاحترام والتقدير لزوجها وألا تنسى في غمرة اهتماماتها ومسئولياتها وظيفتها الأساسية في الحياة وهي حسن التبعل لزوجها والتربية السليمة لأبنائها، ولا ينقص هذا من قدرها بل يعليه في الدنيا والآخرة، وكما عرفنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل درجات الصيام والقيام والجهاد في سبيل الله.

وتوضح د. إنشراح أن بث روح التسامح بين الزوجين تكون بـ:

- حفظ اللسان ومراقبة الكلام خاصة أثناء الغضب.

- اتفاق الزوجين من البداية على نظام يسمى إدارة المشكلات وهو عبارة عن وضع أسس للتعامل عند حدوث المشكلة وكيفية التعامل معها ومن هم الأطراف الممكن اللجوء إليهم عند الحاجة، وما هي الأمور التي تضايق الطرفين حتى يتحاشاها كلا منهما.

- غرس قيمة التسامح عند الأطفال منذ الصغر والتوعية بالمفاهيم الصحيحة للكرامة والرجولة والقوامة حتى إذا صاروا أزواجًا كان التسامح أمرًا سهلاً وميسورًا.

- تذكر ثواب العفو والتسامح وأن الله قد سمَّى الزواج بالميثاق الغليظ ولا بد من المحافظة على هذا الميثاق حتى يظلوا في معية الله تعالى.

- إذا كان الأمر خطيرًا لا مانع من الذهاب لبعض المراكز المتخصصة في الاستشارات الزوجية ومحاولة تقبل الحلول التي تقدمها للسعي إلى حياة أكثر هدوءًا واستقرارًا.

تغيير مشترك

وتشدد فيروز محمد خبيرة التنمية البشرية على أهمية دور الزوجة في احتواء زوجها إليها مرة أخرى وأن تتسامح فيما مضى لأنها هي المستفيد الأول من استقرار الحياة الأسرية، وعدم السماح لمشكلات صغيرة أن تهدم علاقتهم السامية بدافع عدم إظهار الضعف.

كما تلفت الزوج إلى أهمية دوره في قيادة الأسرة، والعمل لمصلحتها مذكرة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، تقترح بعض الوسائل المستخدمة للتدريب على التسامح والعفو وهي:  

- تأجيل النقاش عند حدوث خلاف، ويمكن للزوجة والزوج الوقوف أمام المرآه لعمل بروفة كيف سأتكلم أمام الآخر ويدرب نفسه على رد فعل حكيم وبحزم لا يخلو من الهدوء.

- أن تقوم الزوجة أو الزوج بالتسجيل لنفسها عن طريق الموبيل لتستمع لطريقتها، وصوتها أثناء الحوار ثم تعدل من طريقتها تدريجيًّا.

- عمل جلسة مصارحة بين الزوجين وأن يذكر كل منهما للآخر ما يضايقه، وماذا يريد من الطرف الآخر، ومن الممكن إذا كانت المشاكل بينهما كبيرة أن ينظم هذه الجلسة أحد المقربين الثقة.

- العلاقة الخاصة بين الزوجين قد تكون هي السبب وراء كل المشاكل فإذا كانت هناك مشكلة فيها فليسارع الزوجان بحلها وبعدها ستهدأ الكثير من المشاكل.

- أن يركز كل منهما على ايجابيات شريكه أكثر من سلبياته، مع المحافظة على تمارين الاسترخاء.

- أن يكون هناك عهد متفق عليه بينهما ألا يبيت أحدهما والآخر غير راضٍ عنه.

ليسا ملائكة

ويقول د. هاشم البحيري رئيس قسم علم النفس بكلية التربية جامعة الأزهر: إن كثيرًا من المشاكل بين الزوجين خصوصًا حديثي الزواج تنتج عن تصور كل طرف للآخر بأنه ملاك، لذا لا بد أن يعلم الطرفان أنهما يتعاملان مع بشر يخطئ ويصيب، ومن ثَمَّ وجب التعامل بحكمة وصبر مع الخطأ والتسامح فيه.

ويشدد على أهمية التدريب مسبقًا قبل الزواج على التسامح وتوقع الحياة الزوجية اللاحقة لضمان نجاحها وذلك عن طريق أخذ دورات تدريبية إما في المراكز المتخصصة أو عن طريق الإنترنت والقراءة والاطلاع وتعلم مهارات التفاوض والإنصات وكيفية التعامل مع الأخطاء.

ويقترح أن تقوم الجامعات بتدريس مادة من المواد لإعداد الشباب والفتيات للزواج، مؤكدًا أنها من أهم الجوانب التي يغفلها التعليم في مصر.

تسعة أعشار الخلق

ويوضح الشيخ محمد عبد الله الخطيب، من علماء الأزهر الشريف، أن النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام علم صحابته والمسلمين خلق التسامح وجعل له النصيب الأكبر من الأخلاق كلها، ولذلك نجده في بيته نموذجًا يحتذي به في التسامح مع زوجاته أمهات المؤمنين فعندما كسرت السيدة عائشة صحن السيدة حفصة، وسكبت الطعام أمام سيدنا أبو بكر وعمر قال في هدوء وتسامح غارت أمكم، وطلب منها أن تعد طعامًا آخر، وتصفه السيدة عائشة في بيته (كأحدكم يخيط ثوبه، ويرقق نعله، ويقطع لنا اللحم)، هذا بالإضافة لخلق التغافل الذي قال فيه الإمام أحمد بن حنبل (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل).

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.qeyamhome.net/uploads/exp...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك