الدراما بين العرف والدين

علاء مشذوب عبود

أكبر مسرح ظهر أمام أعين الإنسان، حتى الآن، هو مسرح الطبيعة بزلازلها ورعودها وبراكينها وفيضان أنهارها وشراسة حيواناتها وحرّها وبردها، ليبدأ الإنسان محاكاتها من أجل التخلص من تلك القوى التي لا يستطيع حماية نفسه منها، لذلك كان يستعين بأبسط الصور والطرق التي تساعده على القيام بتلك الأعمال، لأن الإنسان في ذلك الوقت لم يكتشف إنسانيته بعد، فكان يقوم بتلك الأعمال في باحة بسيطة وسط قبيلته وأمام وجهائها؛ ذلك المكان الذي سوف يتطور ليصبح مكاناً خاصًّا اسمه المسرح الذي «كان يحتوي مناظر واقعية قصيرة مُجَمَّلة تستمد موضوعاتها وشخصياتها من أبسط حوادث الحياة اليومية، لتنتقل بعد ذلك وتتطور ليصبح لها كيان له مفاهيمه وأدواته على يد الإغريق».

ويمكن اعتبار أسخيلوس (525-456 ق.م)، بكل إنصاف، أبا المسرح الأوروبي. إنه هو الذي غير وضع الممثل الوحيد الى الكورس؛ الوضع الشعائري الرئيس في الاحتفالات الأثينية المأساوية، بإضافة ممثل ثان، وبذلك وضع الدراما المميزة على قائمتيها، ليبدأ مفهوم الدراما ينمو ويتطور في عهد أرسطو (384-322ق.م) بعد أن وضع بين هلالين تعريفاً للدراما، يرجع لهذا التعريف كل الكتاب والباحثين، وبعد بزوغ القرن العشرين تم اكتشاف السينما، وهنا  تغير الكثير من أصول اللعبة، خصوصاً بعد اكتشاف الصوت واللون والمنظر والستوديو... وبدأت تظهر ملامح جديدة للدراما تتفق في الموضوع وتختلف في الشكل مع المسرح، فهي تتفق في الموضوع لأنها تعالج مفهوم الدراما كمحاكاة، وتختلف في الشكل في أن لها طريقة تختلف عن طريق المسرح في معالجتها.

تبع ذلك، بعد نصف قرن، اكتشاف التلفاز، وقد انتشر كالنار في الهشيم بين البيوت بل تضاعفت أعداده في البيت الواحد، وفي المقابل زاد الإنتاج السينمائي والتلفازي، مثلما تنوعت الموضوعات التي يعرضها، لكن الفاصل في الأمر أنه بعد أحداث 11/9/2001 ( في أميركا) اختلف وضع العالم، ومن ضمن ما اختلف وضع الدراما، بعدما شاعت الصحون الفضائية والانترنت داخل البيوت، وأعقب ذلك التغيرات التي تبعته ومنها تغيير الأنظمة في الدول العربية، وشيوع التطرف الأصولي بين القوميات والطوائف، حتى تخندقت تلك الطوائف وأصبح كلُّ بما لديهم فرحين.

ومن ثم استخدمت الدراما السينمائية والتلفزيونية كأحد أنواع الدعاية والتبشير بتلك المذاهب، حتى أصبحت الحكومات تنفق مئات الملايين من الدولارات من أجل إقامة فضائيات دينية؛ يغلب عليها الطابع المذهبي، وكل ذلك قد يتجلى في شهر رمضان خصوصاً، ومن ثم تعاد تلك المسلسلات بعد انتهاء شهر رمضان مرةً أخرى، ومنهم من ذهب الى أن يخصص قنوات فضائية للترويج والدفاع عن طائفته والطعن بالطائفة الأخرى، حتى أصبحت تلك الفضائيات السلاح الأكثر تطوّرًا في تلك الحرب، بعدما فقدت الكتب والمجلات بريقها في جعل الوسطية سبيلا للتعايش في ما بينها.

ربما كان السبب وراء ذلك، هو أن المشاهد البسيط والاعتيادي يميل الى الصورة التلفزيونية أكثر مما يحتاج الى قراءة كتاب، أو الاستماع الى محاضرة من قبل رجل دين، بل ذهبت الفضائيات الى أبعد من ذلك، من خلال قيامها ببرامج تفاعلية بين المشاهدين والضيف عن طريق الاتصالات مع استمرار الشريط الإخباري أسفل الشاشة للترويج لكل من يريد إبداء رأيه (مع تحكم خلفيّ لذلك)، وهنا نقطة مهمة هي أن الجانب الآخر الذي يحكم المجتمع هو العرف والتقاليد السائدة بين المجتمع بكل إيجابياتها وسلبياتها، وتكاد تكون تلك التقاليد هي التي تحكم الناس. لكن شيوع ذلك التعصب والتطرف كلُّ الى مذهبه، جعل الدراما تقف في مفترق طرق، منها أن جميع البلدان العربية هي من أصول عربية بالعموم تحكمها التقاليد العشائرية، والأعراف الاجتماعية، ومن ثـَمّ، يجب على صانع العمل أن يتناولها بالحيادية الممكنة بحيث لا تثير حفيظة الآخر، الذي يشترك في عموم التقاليد والأعراف ويختلف في اعتقاده معه. وعليه فإن الدراما التلفزيونية والسينمائية اليوم هي في أخطر مراحلها، وهي تقف حائرة مع صانعي العمل ما بين الفكرة التي أنشئت من أجلها أصلاً، والتغيرات التي تصيب المجتمع العربي عمومًا، والعراقي خصوصًا، وسط تعدد المذاهب والقوميات، وما ينتجه الوضع القائم من صراع ما بين العرف والدين.
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك