مناط التفاضل والمساواة بين الأفراد في شريعة الإسلام

ينحو العصر الحديث نحو المساواة ومحو الفوارق في  الاعتبار من اللون والجنس والعنصرية بين بين الإنسان، وإن الباحث في شريعة القرآن يجدها أقرت التفاضل بين البشر في جوهر الفضل، ومحت الفوارق في باب الفروق والعدل، إقرارا بالحق وحفظا للأمن ومصالح المجتمع في الوجود، فقالت الآية: (إن أكرمكم عند الله أثقاكم) وقال الرسول عليه السلام لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود إلى بالتقوى، فالتقوى يزيد الفضل ويكثر الفرق بين الأفراد وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الأخيار من الأشرار بين جماعة المسلمين فقال: (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) والتفاضل في الكمالات الإنساني والروحانية بتطهير النفس والأعمال الصالحة لا يمكن نكرانه من أي منصف.
أما في باب الحقوق والواجبات فقد سبق الإسلام إلى جوهر المساواة بين جميع المؤمنين في أول ما يشهدون بعقيدة التوحيد ورسالة محمد عليه السلام فكان شعار الدعوة إلى الإسلام من أجاب الدعوة له ما لنا وعليه ما علينا، جاء في رسالة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص حين افتتح العراق قوله: وقد كنت أمرتك أن تدعو من لقيت إلى الإسلام قبل القتال فمن أجاب إلى ذلك قبل القتال فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وله سهم في الإسلام أي وقت قسمة الغنائم بين المجاهدين، رواه أبو يوسف في كتاب الخراج.
فهذا المبدأ الذي هو شعار دعوة الإسلام قد محا العنصرية والشعوبية ومحا الجنسية التي صارت الآن ذات قوانين واقتلع جذورها من المجتمع الإسلامي فلا تبعية لقطر من الأقطار ولدولة من الدول والأوطان الإسلامية عامة لجميع المسلمين دون اعتبار لون ولا جنس فالمسلمين إخوة وقانونهم واحد هو الشرع الإسلامي وربهم واحد وأمتهم واحدة، على هذا الأساس السليم عاشت الخلافة الإسلامية في خير القرون فلم تكن لدى الحكومة الإسلامية شروط في الجنسية ولا أعرف لتبعية أفراد معينين غير اتحاد العقيدة والدين.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الموضوع بعض الحقوق المدنية والجنائية التي يحصل فيها اشتباه في باب المساواة، من ذلك قضية القصاص في القتلى هذه القضية أقر  فيها أئمة المالكية عدم المساواة بين الحر المسلم وبين الكافر بينما أقر فيها المساواة أئمة الحنفية والكل يستدل بالآية (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) فالحنفية يقولون بالقصاص في عموم القتلى، ويرون ذكر الأمثلة بعض نص العموم لا يخصص العموم وقد وقعت مناظرة عجيبة بين الزورني من عظماء الحنفية وبين عطاء المقدسي إمام الشافعية بمحضر الحافظ ابن العربي الذي نقل خلاصة من تلك المناظرة عند تفسير آية القصاص فالحنفية يقولون إن المسلم والكافر متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاص هو حرمة الدم الثابتة على التأييد فإن الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم كذلك وكلاهما قد صارا من أهل دار الإسلام والذي يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم فدل على مساواته لدمه إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه وكذلك يرى الحنفية أن الحر يقتل بالعبد لعموم صدر آية القصاص كما يقتل الذكر بالأنثى.
ونحن عندما نذكر صلاحية شريعة الإسلام لكل زمان ومكان لا ننظر إليها من خلال مذهب معين بل ننظر إلى أصولها وجها لوجه من غير تقييد بمذهب خاص، وعلى هذا فمبدأ المساواة في القصاص يتحقق على مذهب الحنفية وهذا هو المناسب لحرمة الأنفس وحفظ الأمن في البلاد ويؤيده قتل الجماعة إذا اعتدت على الفرد الواحد مشتركة في قتله. وقد يرد هنا تساؤل عن الرق الذي شرع له الإسلام شرائع في المعاملات فنقول أن الأرقاء هم في الأصل أسرى حروب يمكن لإمام المسلمين أن يحررهم ويقبل الفداء عنهم أو يسترقهم إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وقد شرع الإسلام لهم من الحقوق أن يطعمهم مولاهم مما يأكل ويكسوهم مما يلبس ولا يكفلون من العمل ما لا يطيقون كما فتح لتحررهم وعتقهم في الكفارات من الإيمان وفي غير الكفارات من القربات ما لا يبقى معه أي رقيق مع الأيام، ونحن نعلم أن الحرب الدولية الأولى والثانية في هذا القرن خلفت من الأسرى العدد العظيم وقد لاقى هؤلاء من الإرهاق والقتل بالجملة ما يعد التشريع الإسلام في جانبه أرقى ما عرف في التاريخ الإنساني من الرفق والعطف على هؤلاء.
وقد اعتبر الإسلام مساواتهم في رواية الكتاب والسنة كما اعتبر شهادتهم في الحقوق وإن ألغاها بعض المذاهب فذكر الحافظ بن القيم في كتابه الطرق الحكمية الحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما يقبل فيه شهادة الحر والحرة قال وهذا هو الصحيح من مذهب أحمد وعنه تقبل في كل شيء إلا في الحدود والقصاص لاختلاف العلماء في قبول شهادته فلا ينتهض سببا لإقامة الحدود التي مبناها على الاحتياط والصحيح الأول.
وقد حكى إجماع قديم حكاه الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ما علمت أحدا رد شهادة العبد، وهذا يدل على أن ردها إنما حدث بعد عصر الصحابة واشهر هذا القول لما ذهب إليه مالك والشافعي وأبي حنيفة وصار لهم اتباع يفتون ويقضون بأقوالهم فصار هذا القول عند الناس هو المشهور ولما كان مشهورا بالمدينة في زمن مالك قال: ما علمت أحدا قبل شهادة العبد، وأنس بن مالك يقول ضد ذلك، وقبول شهادة العبد هو موجب الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وصريح القياس وأصول الشرع وليس مع من ردها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس انتهى كلامه.
ونحن نعلم أن عهد الأرقاء الأفراد قد مضى ولم يبق غير استرقاق الأمم التي تمسكت بعض دول أوربا به وهو في طريق الزوال بحول الله، ولكن يهمنا في الدرجة الأولى أن نثبت سمو التشريع الإسلامي لنبين فضل هذه الشريعة في الوجود ونسير على مقتضاها في حياتنا والله ولي المومنين.

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/828

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك