نظرة الإسلام في التمثيل والأفلام السينمائية حسب أثر ذلك في المجتمع

إن هذا الموضوع شائك، حيث أن تيار حضور الروايات التمثيلية والأفلام السينمائية غلب على جانب كبير من الجمهور، فشب عليه الصغير وشاب عليه الكهل، وقد اعتقد الكثير أن التمثيل والسينما من الفنون الجميلة في المجتمع التي يقال عنها أنها ترقى الشعور، وتهذب العواطف، وعلى هذا فالكلام عليها بالنقد للتحبيد والتزييف قد يعده البعض فضولا من القول، بل يعده نوعا من اللغو، لأن القافلة سائرة ولا تتوقف، والتيار جارف لا يوقفه صاد ولا رادع، ولكن كلامنا في هذه الأحاديث مع من يعترف بأن للإسلام مبادئ عالية تعتبر ميزانا للكرامة الإنسانية، بحيث يكون الوزن بها للترغيب في الصالح والتنقير من الفاسد تأييدا للقيم الروحية التي هي قوام رقي المجتمعات، ومن طبعت نفسه على الفطرة القويمة نظر إلى الحقائق واللباب دون القشور والمظاهر.
وعلى هذا فلا ينبغي لفقهائنا أن يبقوا جامدين أمام المصلحة، كما لا يجوز للشبان ولعموم الجماهير أن يبقوا مندفعين متهورين في ظلام المفسدة، لأن الأخلاق الفاضلة هي عصمة المجتمعات من الانحلال، كما قال الشاعر شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
              فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن المعلوم أن التقليد من طبيعة الإنسان، وأنه يتأثر بما يسمعه ويراه من حوادث سواء منها ما يصدر في واقع حياة الناس أو ما يفرض وقوعه وتمثل أدواره فرضا وتمثيلا يحاكي بهما الواقع في قصة ورواية تمثل ويشاهد القائمون بها على المسارح أحياء، أو تسجل في أفلام وتشاهد صورهم أشباحا.
والتقليد والتمثيل يكون في الشر ويكون في الخير ولكل حكمه، فقد كانت في الجاهلية شجرة عند العرب ينوطون بها أسلحتهم أي يعلقونها عليها تسمى ذات أنواط فقال بعض الصحابة عليه السلام اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلاها كما لهم آلهة. فهذا تقليد في الشر نهى عنه النبي عليه السلام ونفر منه.
وهناك تعليم بالمنال وارد في قصص القرءان ينبغي الاقتداء به. قال الله تعالى في  قصة ابني آدم عليه السلام (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه) فقد جهل ابن آدم قابيل ما يصنع بأخيه هابيل بعد ارتكاب جريمة قتله فبعث الله هذا الغراب لتعليمه، قال أبو حيان في تفسيره: (والظاهر أنه غراب بعثه الله يبحث في الأرض ليري (أي يعلم) قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل فاستفاد قابيل ببحثه في الأرض أن يبحث هو في الأرض فيستر فيها أخاه) هـ.
وعلى هذا الأساس يمكن الحكم على التمثيل والأفلام فقد تكون الرواية السينمائية علمية تفيد مشاهديها علما وخبرة في الطب أو الصناعة أو الفلاحة وطرق استصلاح الأراضي واستغلالها، وما شابه ذلك حتى أن بعض المعاهد العلمية تلقى فيها دروس علمية بواسطة التشخيص السينمائي كما أن هناك أنواعا من الروايات السينمائية أخلاقية تشيد بالوفاء والأمانة والعفة والسخاء والتفاني في خدمة المثل العليا، فالرواية العلمية والأخلاقية مفيدة وفيها مصلحة للأمة ليس فيها ما يمنعه التشريع الإسلامي الذي يدور مع المصالح الحقيقية للعباد وجودا وعدما، نعم يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الظلام كما هو الحال في المسارح سدا للذريعة، وهذا ضرر يمكن تلافيه بتخصيص جانب للنساء وحدهن وجانب للرجال وحدهم كما حصل ذلك في مدينة طنجة قديما.
ولكن توجد أنواع من الروايات هي أقرب إلى الاجرام وإفساد الأخلاق وهي روايات اللصوصية وطرق الاحتيال لسلب الأموال، وهتك الأعراض، وروايات رقصة البطن والرقص الخليع، والتهتك الشنيع، وقد شوهدت آثار سيئة في كل المجتمعات التي تمثل فيها هذه الروايات الغرامية التي تشحذ الغرائز الجنسية فتنطلق في ميدان الإباحية تقتل المروءة  والعفة قتلا يندى له جبين الإنسانية خجلا، والتشريع الإسلامي الذي يراعي درء المفاسد يمنع قطعا عرض هذه الأفلام التي تدفع المجتمعات إلى هوة سحيقة من الانحلال، ولذلك نرى من الواجب على الأمم الإسلامية جمعاء أن تفرض رقابة أخلاقية على عرض جميع الأفلام والروايات، ولا تبيح عرض ما يخل بالمروءة والشرف والكرامة الإنسانية.
وقد كان البطل محمد عبد الكريم الخطابي استنكر في مصر هذه الروايات الخليعة، وبعد مدة زار الملحق بسفارة الجمهورية المصرية باسبانيا الأستاذ عبد المنعم التجار شمال المغرب فاستفسرته بمحضر زعيم حزب الإصلاح وكاتبه العام الأستاذين عبد الخالق الطريس والطيب بنونة عن موقف الجمهورية المصرية من مراقبة هذه ا لروايات، فاخبر بتأليف لجنة لمراقبتها ولكن يظهر أن اللجنة لم تقم بعملها أو تكونت ممن لا يهمهم مراعاة القيم الأخلاقية في فن التمثيل فبقيت دور الأفلام في مصر تنتج ما يكثر رواجه، وان ظهر ضرره واعوجاجه وأضر ذلك ببلدان العروبة أيما ضرر.
وقد وجد نوع شعبي من التمثيل في بلاد العرب قديما يتوخى فيه تشجيع المخلصين العادلين وترهيب الخائنين الظالمين فقد نقل ابن عبد ربه في العقد الفريد عن العتبي قال: سمعت عبد الرحمن بشرا يقول: كان في زمن المهدي رجل صوفي وكان عاقلا عاملا فيجد ليجد السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يركب قصبة في كل جمعة يومين الإثنين والخميس فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان فيصعد تلا وينادي بأعلى صوته: ما فعل النبيئون والمرسلون أليسو في أعلى عليين؟ فيقولون نعم قال هاتوا أبا بكر الصديق فأخذ غلام فأجلس بين يديه فيقول جزاك الله خيرا أبا بكر عن الرعية، فقد عدلت وقمت بالقسط، وخلفت محمدا عليه الصلاة والسلام في حسن الخلافة ووصلت حبل الدين بعد حل وتنازع وفرغت منه إلى أوثق عروة وأحسن ثقة اذهبوا به إلى أعلى عليين، ثم ينادي هاتوا عمر فأجلس بين يديه غلام فقال جزاك الله خيرا أبا حفص عن الإسلام، فقد فتحت الفتوح ووسعت الفيء وسلكت سبيل الصالحين، وعدلت في الرعية اذهبوا به إلى أعلى عليين بحداء أبي بكر، ثم يقول هاتوا عثمان فأتي بغلام فاجلس بين يديه فيقول له خلطت في تلك السنين ولكن الله تعالى يقول: خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليه. ثم يقول اذهبوا به إلى صاحبيه أعلى عليين ثم يقول هاتوا علي بن أبي طالب فاجلس غلام بين يديه، فيقول جزاك الله عن الأمة خيرا أبا الحسن، فأنت الوصي وولي النبي بسطت العدل وزهدت في الدنيا واعتزلت الفيء فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر، وأنت أبو الذرية المباركة وزوج الزكية الطاهرة، اذهبوا به إلى أعلى عليين الفردوس، ثم يقول هاتوا معاوية فاجلس بين يديه صبي فقال أنت القاتل عمارا وخزيمة ابن ثابت ذا الشهادتين وحجر بن الادبر الكندي الذي اخلقت وجهه العبادة، وأنت الذي جعل الخلافة ملكا واستأثر بالفيء وحكم بالهوى واستبطر بالنعمة وأنت أول من غير سنة رسول الله ونقض أحكامه، وقام بالبغي اذهبوا به فاوقفوه مع الظلمة ثم قال هاتوا يزيد فاجلس بين يديه غلام فقال له يا كذا أنت الذي قتلت أهل الحرة وأبحت المدينة ثلاثة أيام وانتهكت حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأويت الملحدين، وبؤت باللعنة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمثلت بشعر الجاهلية :
ليت أشياخي ببدر شهدوا
                 جزع الخزرج من وقع الاسل
وقتلت حسينا وحملت بنات رسول الله (ص) سبايا على حقائب الإبل اذهبوا به إلى الدرك الأسفل من النار، ولا يزال يذكر واليا بعد وال حتى بلغ إلى عمر بن عبد العزيز فقال هاتوا عمر فأتى بغلام فاجلس بين يديه فقال جزاك الله خيرا عن الإسلام فقد احييت العدل بعد موته، وألنت القلوب القاسية وقام بك عمود الدين على ساق بعد شقاق ونفاق، اذهبوا به فألحقوه بالصديقين ثم ذكر من كان بعده من الخلفاء إلى أن بلغ دولة بني العباس فسكت قبيل له هذا أبو العباس أمير المومنين قال فبلغ أمرها إلى بني هاشم؟ ارفعوا حساب هؤلاء جملة واقذفوا بهم في النار جميعا).
فهذه حلقة من فن التمثيل الشعبي الهزلي لا بد أن تكون لها أخوات وهي تعطينا فكرة عن حرية النقد في ذلك العهد لأن ابن عبد ربه نقل ذلك القول الجافي في حق معاوية وذريته وهو في مقر الأموية بالأندلس كما اصدر ذلك الصوفي رأيه ضد العباسيين وهو في بلد حكمهم وكلامه يدل على معرفته بالأوضاع السياسية والنصوص الشرعية وتوجيه التهم التي تدعم الحكم الصادر في حقهم كأنه في محكمة الثورة وأن تدرع وتستر بركوب القصبة واستصحاب الصبيان وعلى كل حال فإن شريعة الإسلام تفرض على المسلمين أن يلتزموا أخلاقه وآدابه وتقاليده الصالحة حتى لا تنحل رابطتهم والله ولي التوفيق.

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/624

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك