السينما من وجهة الدين

أدلى الأستاذ الأكبر بهذا الحديث إلى مجلة الإذاعة قال: إن السينما بالنظر إلى ذاتها وبغض النظر عن قصصها وموضوعها وما يقترن بها، جهاز طيب صالح لاستخدامه في الاسترشاد بالمبادئ الإنسانية التي تضمنها التاريخ والسنن الاجتماعية «قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض» والواقع أنه ما من شيء إلا وفيه جانب الخير وجانب الشر، فلو خلينا جوانب الشر ونحيناها وأخذنا جوانب الخير وركزناها لكان لنا هذا الجهاز الصالح في التهذيب والتوجيه والإرشاد وبناء جيل قوي في مبادئه ومناهجه وأسسه وخططه ولعلك قد لمست الآن أن السينما عندنا بوضعها الحالي أداة تهدم ولا تبني، بل وتغري بالفساد وقد تدفع إليه، فإن أكثر جمهور نظارتها هم الشباب والشباب مشبوب العاطفة متأجج النظرات يتخطف ما يروي ظمأ وجدانه أو يرضي تياراته المتنازعة في نفسه المتزاحمة تزاحما يطغى على نضوج العقل وسلامة التفكير.
وطبيعة الحياة تقضي بألا يقدم لكل إنسان إلا ما يناسبه في حياته من طعام وشراب وكذلك في جانب القراءة والمعرفة وفي جانب الاطلاع بأي لون كان، سواء أكان في الإذاعة أو في السينما كذلك يجب أن ينتقي له ما يناسبه ويحفظ له كل مقوماته ويأخذ بيده إلى البناء لا إلى الهدم، والشباب كالمريض الذي يمر بدور النقاهة عرضة للعدوى بأي جرثومة ومن أي ميكروبة، لذا كان لا بد من اتخاذ الحيطة والحذر بالنسبة له وخاصة في الموضوعات السينمائية التي تحتل من نفسه المكانة الأولى. فالآفة إذن هي في الموضوع الذي يختار ليقدم لجيلنا ولمجتمعنا الذي نرجو له الخير في كل نواحيه وكذلك في شكل العرض وطريقة الإخراج.
وأنا لا أحب أبدا أن يقال أن الجيل الجديد من الشبان يتطلب كذا وكذا ويحتاج إلى مسايرة المدينة ولا بد أن تطوع أحكام الإسلام لمقتضيات الجيل، لا أحب أبدا أن أقوله ولا أحب أن أسمعه فإن تطويع الدين لغير الجهة التي حددها خروج عن وضعه وإفساد لتعاليمه.
وإنما علينا أن نفهم ديننا فهما صحيحا ولا نحكم فيه رغباتنا وشهواتنا، والإسلام بطبيعته، يدعو إلى التقدم الرزين وإلى النهضة القويمة وإلى المدينة السليمة ثم إلى العزة والكرامة، وحسب الفتيات عندنا والفتيان أن تغرس فيهم هذه المبادئ فتعرج بهم في مدارج الكمال وتسعى بهم صعدا إلى قمم المجد والسؤدد.
وأمتنا أمة ذات رسالة فلا يجوز أن تتخلى عنها ولا أن تتجاهل قيمتها ولا أن تتخلف عن حملها، لأن التخلف عن حملها يؤدي إلى إيجاد ثغرة بين ماضينا الإسلامي الزاهر وحاضرنا في النهضة المتوثبة المتوجهة إلى البناء والتعمير.
إن القصص الوافدة علينا في أفلام براقة تطوي بين جنباتها سهاما قاتلة وتنفث في مجتمعنا سموما تحطم الآمال في هذا المجتمع الجديد وترسم في عقول الشباب خطوط الفساد، وقد تخط في أذهانهم ما يدفعهم في وقت ما إلى ما يؤذيهم أو يؤذي مجتمعهم وما هذه الحوادث التي تقع من كثير من الشباب إلا أثر من آثار الأفلام التي تعرضها دور السينما في غير ما حياطة ولا حذر.
وإننا – نحن المتعاونين في هذا البناء المخلصين فيه –يجب أن نرقب في صحو ويقظة من يرى السوء ثم لا ينحيه، فإننا أمة ذات حضارة وذات دين وذات موقف خاص في الوسط الدولي الإسلامي فيجب ألا ننأى عن مقاييسنا ومبادئنا وقيمنا بل نظل على الحفاظ عليها والتمسك بها، «وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله».
القصص والموضوعات التي ارشحها السينما التاريخية الأخلاقية التي تجمع أمجاد المسلمين من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا كل من رسم خطا من خطوط النهضات الإصلاحية المتوالية، والموضوعات الأخلاقية لها من الأثر في دعم مجتمعنا دعما يقوم على الأسس السليمة حتى يصبح مجتمعنا مجتمعا قويا صنع من فولاذ من الإيمان الذي لا تهده عواصف ولا تزعزه صواعق ولا أعاصير ولا مبادئ هدامة وافدة، وأن القصص التي تعرض من النوع التاريخي الأخلاقي سبيل للدعوة إلى إحياء الوعي التاريخي الخلقي بشرط أن تنقي مما يثير الغرائز وأن توجه عواطف الشباب بما يتفق مع الدعوة إلى مكارم الأخلاق.
كما أننا نرى أن تكون سبيلا من سبل التعليم ونشره، فإن التطبيق العلمي في كل شيء مدعاة الفهم الصحيح، ومتى فهمت الموضوعات فهما صحيحا استطعنا أن نحل مشاكلنا.
وأما الأفلام التي شاهدتها فهي أفلام تتصل كل الاتصال بما رسمنا وما نرجوه للأفلام المعروضة، ولقد شاهدت قصة ظهور الإسلام وهي تعريف بما ينبغي أن نعرفه فإنه من التاريخ الموجه الذي يبين مزايا التضحية وآثار العقيدة الصالحة القوية في بناء المجتمع ودعمه وكيف يستسهل الصعب في سبيل الفكرة السليمة والإيمان العميق. لقد لمسنا فيه التعبير عن مبادئ الإسلام من الحرية والمساواة وانعدام العصبية أن الناس جميعا سواء لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالعمل الصالح والإيمان المنتج، وشاهدت كذلك قصة خالد بن الوليد واشتركت في وضع  أصول كثيرة من مشاهدها، مثل هذه الأفلام التي تبرز المبادئ وتوضح المثل هي التي نحتاج إليها ويجب أن نحرص عليها، لقد أصبح المشرفون على الأفلام الوافدة والمنتجون للأفلام المحلية لا يعنيهم من أمر شبابنا ولا من أمر جيلنا شيء من فكرة الإصلاح التي يجب أن تكون رائدنا وهدفنا.
إن لمجتمعنا مشاكل لو أنها عولجت عن طريق السينما لحلت هذه المشاكل ولغدت السينما جهازا قويا موجها وبانيا ولاعتبرت حقا جزء من مدينة يجب أن نخلقها نحن ونضع أسسا لنخرج إلى الناس مدنية تفيض بمبادئ الإسلام وتوجيهاته.
وليس يعنينا أن تكسد صناعة السينما أو تنجح، فنجاح مجتمعنا هو الذي نرجوه وننشده ونحرص عليه وكل فكرة لا تحرص على ذلك فإنها فكرة غير صالحة ينبغي أن نطرحها ولا نعاون عليها وإن جمعت لصاحبها ما جمعت الدنيا لقارون.
وكلمة عامة صريحة، يجب تنقية الإذاعة والصحف والسينما من كل ما يؤذي مجتمعنا أو يسبب انتكاس القوى التي ترفع شأنه وتقوي لبناته من أفراد وجماعات، تقوية تجعل بناء المجتمع بناء مثاليا فاضلا.
وهذه دعوتي وتلك نصيحتي أوجهها إلى إخواني موجهي هذه الأجهزة والمشرفين عليها فإنهم بعملهم ووطنيتهم شركاء في الدعوة إلى الله وبناء أمتنا ومجتمعنا بناء على أساس الحق والقوة، هدانا الله جميعا إلى الحق وإلى الطريق المستقيم.

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/634

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك