ظاهرة العداء للإسلام: بين النقد الراديكاليّ والخوف المَرَضيّ

كلاوديا منده
 
 
لفترة طويلة لم تُواجه البروباغندا المحملة بالكراهية تجاه المسلمين مواجهة جديّة باعتبارها خطراً حقيقيّاً على الديمقراطية. غير أنّ ذلك بدأ يتغيّر بعد الاغتيالات التي وقعت في النرويج، وبعد سلسلة جرائم القتل التي ارتكبتها الخليّة الإرهابيّة اليمينيّة المتطرّفة في "تسفيكاو" بشرق ألمانيا.... إنّ أحزاباً مثل "الحرية" و"من أجل الحركة" أو الحركة التي يقوم بها مواطنون تحت شعار "باكس أوروبا" ترسم صورة مرعبة لما يسمّونه "أسلمة أوروبا". هذه الأحزاب لا تنظر إلى الإسلام باعتباره ديناً، بل تتّهمه بأنّه إيديولوجيا شموليّة عنيفة.
 

في مواقع على الإنترنت، مثل "غير صائب سياسيّاً" Politically Incorrect أو "نورنبرغ 2.0" "Nürnberg 2.0 يستطيع المرء أن يضع دون تنقية كتابات تخلو في العادة من اسم المؤلف، كتابات تنضح بالكراهيّة والإهانات الموجّهة إلى المسلمين جميعاً. ومن المعتاد لدى الأفراد الذين يقومون بذلك أن يقوموا بالشوشرة على الندوات التي تعرّف بالإسلام أو الاندماج أو حوار الأديان.

بين الارتياب المضمر والكراهيّة الصريحة

في المدونات المعادية للإسلام يُتّهم المسلمون بأنّ "لديهم جميعاً عقليّة سلبيّة لا تقيم وزناً للفرد"، مثلما يقول هاينر بيلفلت، المكلّف من الأمم المتّحدة بكتابة تقارير عن حريّة الأديان. وتعبّر المشاعر المعادية للمسلمين عن نفسها بنبرة تتراوح بين الارتياب المضمر والكراهية العنصريّة الصريحة. وفي بعض الأحيان يصعب وضع حدود فارقة بين الأمرين. إنّ التّحفظات تجاه المهاجرين ونحو الإسلام متغلغلة لدى الطبقة الوسطى في المجتمع الألمانيّ. ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسّسة فريدريش إيبرت في عام 2010 حول المواقف اليمينيّة المتطرفة في ألمانيا يؤيّد أكثر من نصف الألمان (58,4 %) تقييد حريّة ممارسة العقيدة بالنسبة للمسلمين.

ومعاداة الإسلام ليس لها أيّة علاقة بالنّقد. ففي مجتمع مفتوح ينبغي على الجميع أن يتعايش مع النّقد، حتى إذا كان عنيفاً. "ليس من حقّ أيّ شخص أن يكون معصوماً عن النّقد"، هكذا أعلن في النّدوة هاينر بيلفلت، المكلّف من الأمم المتّحدة بكتابة تقارير حول حريّة الأديان. ويؤكّد بيلفلت أنّ حريّة العقيدة الدينيّة لا تعني حماية الأديان، بل هي تؤكّد حقّ الفرد في الحريّة. غير أنّ المدونات المعادية للإسلام تتهم المسلمين بأنّ "لديهم جميعاً عقليّة سلبيّة لا تقيم وزناً للفرد". وبهذا يتمّ نزع سمات الفرديّة عن إحدى الأقليّات، ما يسمّم المناخ في المجتمع.

بين الصور النمطيّة والاتّهامات المشينة

"ماذا حدث في مجتمعنا؟"، يتساءل مانفريد شميت، رئيس دائرة الهجرة الاتحادية في نورنبرغ. شميت يرى في أشكال العنصريّة، مثل معادة السامية والإسلاموفوبيا، صمّاماً ينفّس عن السّخط والقلق اللذين يبدو أنّهما منتشران في ألمانيا. ولكن لماذا لا تُلاحق المواقع والمنتديات الالكترونيّة قضائيّاً؟ في المدوّنات المعادية للإسلام، وفي بعض المواقع المعروفة بمواقفها الصّريحة، نجد "جرائم سبّ وقذف وتشويه سمعة يُعاقب عليها القانون"، تقول أنتيه فون أونغيرن ــــ شتيرنبرغ، الباحثة القانونيّة في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، وتضيف: "ليس هناك قوانين خاصّة بالنسبة لحريّة التعبير عن الرأي في الإنترنت، فهي تخضع لنفس الحدود والقيود مثل أشكال التعبير عن الرأي الأخرى".

برغم ذلك، فإنّ البلاغات المُقدّمة في هذا الصدد نادرة للغاية. غير أنّ النيابة العامة في ميونيخ تحقّق منذ فترة قصيرة بسبب تهمة التحريض مع ميخائيل شتورتسنبرغر، النائب السّابق عن الحزب الاجتماعي المسيحيّ، والمتحدّث باسم حزب "الحريّة" في ولاية بافاريا.

تطابق بين معاداة الإسلام والتطرف اليميني

وبإمكاننا أن نجد تقاطعات إيديولوجيّة بين الجماعات المعادية للإسلام وبين المتطرفين اليمينيين. "المتطرفون اليمينيون يتفوهون بعبارات معادية للإسلام على نحو متزايد"، تقول ميريام هايغل من قسم مناهضة التطرف اليمينيّ في مدينة ميونيخ. وترى هايغل أنّ المواقف المعادية للإسلام يمكن أن تكون أساساً للبروباغندا اليمينية المتطرفة. ولهذا فإنّ أجهزة المخابرات الداخليّة تضع المجموعات المعادية للإسلام تحت مجهرها وتراقبها بدقّة.

وحسبما يتردّد في جهاز المخابرات الداخليّ في كولونيا، فإنّ "أجهزة المخابرات الداخليّة في الولايات الألمانيّة، وعلى مستوى الجمهورية كلّها تقوم بالفحص الدقيق لمعرفة ما إذا كانت أبعاد النشاط المعادي للإسلام في شبكة الإنترنت تتّسم بتوجّه متطرّف أيضاً"، وذلك منذ وقوع حوادث القتل في النرويج في ربيع 2011. غير أن الرقابة الرسمية ــــــ التي تتضمن المراقبة الشخصيّة ووجود مخبرين داخل الجماعات ــــــ لا يمكن أن تتمّ إلا بعد انتهاء عملية الفحص التي تقوم بها أجهزة المخابرات، وعندما تجد تلك الأجهزة "دلائل فعليّة تشير إلى مساعي متطرّفة"...

غير أنّ الملاحقة القضائيّة والرقابة المحتملة التي تقوم بها أجهزة المخابرات ليست بالوسيلة الفعّالة، بالنسبة للمجتمع لكي يواجه العنصريّة والإسلاموفوبيا. هذه النقاشات لا بدّ أن تجري في المقام الأوّل على الصعيد السياسيّ. لكنّ السياسة ما زالت حتّى الآن تخشى من أن تنطق بكلمات واضحة في هذا الموضوع. على العكس، فخلال النقاش الذي تفجّر في عام 2010 حول كتاب زاراتسين ــــــ الذي يتناول موضوع اندماج الأجانب، وخاصّة المسلمين، في المجتمع الألمانيّ ـــــــ فقد سبح العديد من السياسيين في موجة الشعبويّة مع المؤلف.

"تتعامل السياسة بصعوبة مع هذا الموضوع، لأنّ الحدود بين نقد الإسلام ومعاداة الإسلام متداخلة ومائعة، كما أنّ هذه الأفكار متغلغلة في عمق المجتمع"، تقول لاله أكغون في ندوة توتسينغ. السياسيّة المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي من ولاية شمال الراين وستفاليا تعتبر نفسها "مسلمة مرّت بعمليّة إصلاح دينيّ"، وفي رأيها فإنّ الالتزام بقدر أكبر من اللازم من الصوابيّة السياسيّة أمر "غير مثمر".

أمّا "مارتين نويماير"، المكلّف بشؤون الاندماج في الحكومة البافاريّة، وعضو الحزب الاجتماعيّ المسيحيّ، فقد أبدى تحفّظات واضحة على الاتّجاهات المعادية للإسلام. وأكّد نويماير أن علينا "ألا نوجّه شبهة العنصرية إلى منتقدي الإسلام"، لكنّه من "غير المقبول" من ناحية أخرى أن يُحمّل المسلمون "ذنباً جماعياً" مثلما يحدث في مواقع إلكترونيّة معيّنة.

الشعور بالتفوّق الثقافيّ، واتّهام المسلمين بـ"التقية" وتشويه دينهم باعتباره إيديولوجيا شموليّةّ، وبالتالي نزع سمة الدين عن الإسلام: كلّ هذه الأحكام العامة قد تؤدّي إلى "صور خطيرة مُتوهَمة مثلما هو الحال في ما يتعلّق بمعاداة الساميّة". ويُحذّر نويماير من وجود مساحات في الإنترنت لا تخضع لسيطرة القانون، ولذلك يدعو إلى تجريم "التحريض على الآخرين بشكل رادع، أياً كان الجانب الذي يجيء منه التحريض".

ومن ناحيته ساهم الدور المزدوج والمتناقض لوسائل الإعلام في جعل معاداة الإسلام موضوعاً منتشراً للغاية. فالتقارير ليست صالحة دائماً لنشر توعية موضوعيّة ولتجنّب استخدام الصّور النمطيّة. وقد قام كارل غابرييل، كبير أساتذة قسم "الدّين والسياسية" في جامعة مونستر، ببحث موقف النّخبة الإعلاميّة بالنسبة لموضوع الدين. وتصل الدراسة التي أجراها عام 2011 تحت عنوان "الدّين لدى صنّاع الرأي العام" إلى النتيجة التالية: إنّ وسائل الإعلام الرائدة قد زادت فيها المؤثرات الثقافيّة المسيحيّة، وكذلك موقف "الدفاع الثقافيّ" في مواجهة الإسلام.

ويؤدّي هذا إلى أنّ وسائل الإعلام تستخدم المسيحيّة "كعنصر من عناصر الدفاع الثقافيّ". ويعتبر غابرييل هذا الموقف "مصدراً من مصادر الصراعات مع الإسلام". فالدين يتحوّل هكذا إلى "دعامة تستند عليها الهويّة التي تتعرّض للنّقد والهجوم" – وذلك في عصر تُغذّي فيه العولمة مشاعر الخوف من فقدان الذات.

مثل هذه المخاوف تعمّدت جماعة "من أجل الحركة" أن تنشرها في ولاية شمال الراين وستفاليا، في عام 2012، عندما دخلت الانتخابات بشعار مثل "الغرب في يد مسيحيّة". بالرغم من ذلك، فإن جماعة مثل "من أجل الحركة" أو "الحريّة" ليس لها من الناحية السياسيّة سوى أهميّة هامشيّة. وهكذا أخفق حزب "من أجل ألمانيا"، بقيادة العضو السّابق في الحزب الديمقراطي المسيحيّ رينيه شتاتكيفيتس، في الانتخابات الأخيرة في برلين، ولم يحقق سوى 1.2 في المئة من الأصوات.

صحيح أنّ خمسة نواب من "من أجل كولونيا" يجلسون في مجلس المدينة، غير أنّ ذلك أثار أيضاً اعتراضات هائلة في المدينة المشهورة بكاتدرائيّتها الضّخمة. ولكن يمكن القول بشكل عام إنّ النقاش السياسيّ والمجتمعيّ بهذا الشأن ما زال في بدايته. "النداءات لا تُثمر شيئاً"، تقول لاله أكغون، ثمّ تضيف: حتّى وإن كان ذلك صعباً، فإنّ علينا أن نحثّ مجتمع الأغلبية على الابتعاد عن أعداء الإسلام".

المصدر: /القنطرة

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك