الحوار الاقتصادي بين الشّمال والجنوب

نجيب الشامسي
 
 
بعد أزمات عنيفة اقتصاديّة وسياسيّة تعرّضت لها دول العالم خلال العقود الماضية، وفي ضوء تحدّياتٍ صعبةٍ داخليّةٍ وخارجيّةٍ تشهدها السّاحة الدوليّة، وفي ظلّ أزماتٍ صعبةٍ تتفاعل لترسم معالم الدول ومسارات التنمية، ومنها الأزمة الغذائيّة، التلوّث، وتغيّر المناخ مع ارتفاع درجة الحرارة، التّضخّم، الفقر والجوع، أزمة المياه، التخلّف وتفشّي الأمّيّة، والتّطرّف والإرهاب على مختلف صوره وأشكاله، وأشدّها شراسةً الإرهاب الاقتصاديّ، كيف نستطيع رسم مستقبل عالمنا؟ أو هل نستطيع مواجهة تلك التّحدّيات الصّعبة؟
 

إنّ تحقيق الاستقرار والأمن السياسيّ والاجتماعيّ مرهونٌ بمدى قدرتنا على إرساء دعائم الاستقرار الاقتصاديّ والمعيشيّ، وهذا لا يأتي إلّا من خلال حوارٍ اقتصاديٍّ متكافئٍ في الفرص والمسؤوليّات، حوار مبنيّ على أساس احترام مصالح مختلف أطراف الحوار، والإقرار بأحقّيتها في العيش بأمنٍ، وفي ظلّ تنميةٍ حقيقيّةٍ تصنعها تلك الأطراف، من خلال طاقاتها الاقتصاديّة والماليّة والطبيعيّة والبشريّة الذاتيّة، أو من خلال مساعدة دولٍ متقدّمةٍ صناعيّةٍ تؤمن بأحقّية الطّرف الآخر بتحقيق أهدافه الاستراتيجيّة.

إنّ ذلك الحوار أو القناعة بأهمّية الحوار الذي يُفضي إلى تحقيق التنمية والاستقرار لمختلف شعوب الأرض هو السبيل الوحيد نحو الاستقرار العالميّ، وعلى مختلف الأصعدة والمسارات؛ لكن ما يحدث الآن في السّاحه الدوليّة، لاسيّما في ميدانها الاقتصاديّ، لم يكن قطّ حواراً مبنيّاً على تلك الأسس أو المصالح المشتركة أو تكافؤ الفرص أو حتّى الإقرار بأحقيّة الطرف الآخر بالعيش.

إنّه حوارٌ مبنيٌّ على مفردات لغة الغطرسة والاستغلال والإرهاب والابتزاز الدوليّ الذي تُمارسه دولٌ صناعيّةٌ تُطلق على نفسها أنّها دولٌ (متقدّمة) أو (متحضّرةٌ)، لكنّها في حقيقة أمرها تؤمن بوجودها فحسب وإلغاء الغير، وبَنَتْ حضارتها الماديّة ومازالت على حساب شعوب العالم الثالث الذي يفتك به الفقر والظلم والجوع والأمية والتخلف، على الرّغم ممّا يمتلكه من ثرواتٍ طبيعيّةٍ وحتّى ماليّة، لكنّها ثروةٌ تتعرّض للنّهب اليوميّ من قبل مسؤولين وفئات متسلّقة تبيع كلّ تلك الثروات الطبيعية وبأسعارٍ بخسةٍ لدولٍ صناعيّةٍ تبني حضارتها على أنقاض دول العالم الثالث وقبور شعوب هذه الدول، فأيّ حوارٍ يُمكن أن يُبنى بين السّارق والمسروق، وبين القويّ والضّعيف، وبين الجاني والمجنيّ عليه، وبين الشّمال المدجّج بأسلحة التّخويف والابتزاز ودولٍ جنوبيّةٍ لا تملك شعوبها حتّى حقّ التّعبير عن ذاتها أو عن مشاعرها؟

إنّها معادلةٌ صعبةٌ في عصر الابتزاز، لا عصر النّهضة والحضارة والتنمية، وفي عصر تتراجع فيه المثل والقيم الأخلاقيّة والمبادئ الإنسانيّة، وتحكمه معايير الظلم والاستبداد والتّرهيب والتّخويف، إذ إنّ لغة الغاب هي التي تحكم عالمنا، فهل يُمكن أن يكون بعد هذا حوار؟

المصدر: "الإمارات اليوم"

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك