نحو قيادة دعوية للمجتمع

نحو قيادة دعوية للمجتمع

 

أحمد صلاح

 

كم هو عدد الإخوان المسلمين في مصر؟

ربما شغل هذا السؤال بال العديد من القوى السياسية كثيرًا، سواء المعارضة منها أو المؤيدة أو المتعاطفة مع الإخوان، فضلاً عن قطاع من الإخوان أنفسهم لفترة من الزمن؛ من أجل التوقف على قوة أكبر فصيل سياسي منظم في مصر.

ورغم تداول عدد من الأرقام الاستنتاجية التي تخضع للمنطق حينًا وللعواطف أحيانًا و"للتفزيع" أحيانًا أخرى؛ كانت المفارقة أن أجمل إجابة سمعتها لم تكن تحتوي على أي رقم أو إشارة إلى أي رقم: "الإخوان لا يقدَّرون بعددهم، ولكنهم يقدَّرون بمدى تأثيرهم في المجتمع".

كانت روعة هذه الإجابة أنها تنبع من صميم فلسفة الإسلام في تقدير قوة البشر؛ فالإسلام لا يقدِّر قوة المسلمين بعددهم، وإنما بمدى فاعليتهم وتأثيرهم فيمن حولهم، تلك الفاعلية النابعة من قوة إيمانهم بالله وفكرتهم، وقدرتهم على حمل الرسالة بإخلاص يشعر به الناس من حولهم أينما تحركوا وأينما تحدثوا، ولهذا لم تزعج قضية العدد المسلمين الأوائل كثيرًا، وكانت كل الغزوات التي شهدت انتصارًا للمسلمين على أعدائهم لم تسجل زيادة في العدد..

(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين) (البقرة) إلا في غزوة حنين، والتي أوشك المسلمون على الهزيمة فيها عندما تسلَّل إليهم الشعور بأن عددهم ضامن للنصر، وعندما  طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: "أما بعد.. فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد".

إذًا القضية كانت دائمًا قضية (كيف؟) وليس (كم؟)، قضية ماذا تستطيع أن تفعل؟ وليست قضية كم عدد من يفعل؟

في البرنامج الرائع (رياح التغيير) شخَّص المبدع الدكتور طارق سويدان الأزمات الرئيسة لأمة تريد أن تستعيد نهضتها ومكانتها الطبيعية، ووضع أزمة القيادة كإحدى الأزمات الرئيسية التي يعول عليها في عملية النهضة والتقدم بشدة، وإنه مهما كانت القاعدة فاعلة وجيدة فلن تتقدم أمة بدون قيادة توجهها وترشدها بإخلاص ووعي ونضج وعلم وحكمة.. (يؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (البقرة: 269). 

وعندما نتحدث عن حاجة المجتمع لدور قيادي لجماعة بحجم جماعة الإخوان المسلمين، فإننا نتحدث من موقع المسئولية تجاه هذا الشعب الكريم، وأمام الله سبحانه وتعالى؛ الذي عاهدناه على تحمل هذ العبء مخلصين له، راجين عفوه ورضاه، ولا نتحدث إطلاقًا من موقع التعالي أو الوصاية أو الإقصاء، بل إنه من صميم دورنا القيادي أن ندفع الجميع للعمل كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وأن نتقدم ساعة الشدة، ونتأخر ساعة النصر والنجاح، رافعين أيدينا الى الله بالقبول والفلاح.  

والمجتمع الآن في أمسِّ الحاجة إلى قيادة لعدة أسباب:

1- المجتمع في حالة توهان، لا يعرف إلى أين سيسير؟ وإلى أين سيتجه؟ والأحداث أصبحت تلاحقه كل ساعة دون أن يدري هل ما حدث يقف في صفه أم ضده، وأصبحت الخطوط الفاصلة بين الصح والخطأ والحق والباطل دقيقةً دقةً تدعو إلى الحيرة والتخبُّط، وتجعلنا في حاجة ماسَّة إلى أن ندعو ليل نهار: اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

2- المجتمع يتسلل إليه الإحباط شيئًا فشيئًا، بعد أن تعلق بآمال كبيرة بعد الثورة، بدأت تتضاءل شيئًا فشيئًا؛ لتهدد إيمانه بالثورة نفسها، وهي مشاعر تحدث في وقت الهزات الكبرى للمجتمع، نحتاج لاجتيازها أن يرزقنا الله الصبر والثبات.. (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)) (البقرة).

3- المجتمع في حاجة إلى أن يستوعب مجموعةً من القيم القادرة على أن تحمله إلى عالم جديد يريده، عالم سمع عنه فقط لكنه لم يجربه واقعًا ملموسًا، عالم متقدم يطمح إليه ويحلم به، وإذ لم يتدرب على هذه القيم فسيرى نفسه عاجزًا لا يقدر إلا على الكلام والشكوى.

ما معنى قيادة المجتمع؟

عندما أتحدث هنا عن قيادة المجتمع فأنا لا أتحدث عن قيادة سياسية؛ فهي قيادة لها مسارها المعروف عبر الانتخابات، ولكني أتحدث عن قيادة دعوية، عن أفكار وأشخاص يسيرون بين الناس، يقومون بدور توعية وإرشاد وتحفيز للهمم، ودعوة الجميع للعمل والحركة والنشاط؛ من أجل تغيير أنفسهم وإصلاح المجتمع والنهضة بوطنهم، هي دعوة إلى العمل والنشاط والحركة لا تنفصل أبدًا عن الإيمان بالله والسير في هداه، بل تظل دائمًا هي الوقود المشتعل المحفز للعمل والأمل معًا.

وليس معنى ذلك أيضًا أننا سنتوقف عن نشاطنا في دعوة الأفراد وإدماجهم في محاضن تربوية لتحسين أخلاقهم وربطهم بالله سبحانه وتعالى وتبصيرهم بدينه، ولكني أريد أن نضيف إلى خططنا بعدًا آخر يتجه إلى المجتمع، وأن نخرج من أوراقنا سهمًا أو أسهمًا أخرى، تتجه إلى المؤسسات والشوارع والمقاهي لتتفاعل معهم عبر مشروعات قومية (محلية) في الاتجاهات الآتية:

أولاً: مشروعات إصلاحية لمؤسسات الدولة الخدمية (مؤسة التعليم كمثال)، عن طريق التعاون مع هذ المؤسسات والاتفاق معها على خطة لحل المشكلات التي تعاني منها، سواء كانت مشكلات فنية أو مادية.

ثانيًا: مشروعات إصلاحية للأسرة، وهي تقوم على إصلاح العلاقة بين الآباء والأبناء من ناحية، وبين الأزواج من ناحية أخرى، عن طريق عملية إطلاق حركة توعية تربوية تقوم على برامج فعالة عبارة عن دورات وندوات حوارات من أجل إصلاح اللبنة الأساسية للبناء فى المجتمع (تابع أنشطة مؤسسة "مدى للتنمية الإعلامية" في مجال النهوض بالأسرة).

ثالثًا: مشروعات خدمية تهدف لدراسة ولو مشكلة واحدة من مشكلات المجتمع المزمنة (مثل مشكلة النظافة مثلاً)، وتقديم دراسة لحل المشكلة جذريًّا بالتعاون مع مؤسسات الدولة (سواء الآن أو بعد الانتخابات) ومع رجال الأعمال.

مثال على الاتجاه الأول:

تم الاقتراح على إدارة إحدى المدارس الإعدادية بأننا يمكننا المساهمة بالقيام بعملية إصلاح تربوي وعلمي للطلبة داخل المدرسة عن طريق:

1- رفع المستوى التربوي والأخلاقي للطلبة، عن طريق برنامج تربوي موضوع خصيصًا للمرحلة بصورة منهجية فعالة.

 

2- المساهمة في حل بعض المشكلات العلمية للطلبة الذين يعوقهم عن المواصلة مع المعلم المنهج؛ نتيجة لضعفهم في عملية القراءة والكتابة مثلاً، عن طريق فصول تقوية هدفها فقط سد الثغرة التي تمنع التواصل مع عملية التعليم، أو رفع مستوى الطالب إلى المستوى الذي يمكنه من رؤية المنهج رؤية واضحة، تمكنه من استكمال الطريق.

3- رفع كفاءة المدرسين تربويًّا ومهنيًّا عن طريق توفير عدد من المدربين في مجال كيفية التعامل، مع مرحلة المراهقة ومجال طرق تدريس المناهج.

وبالفعل.. رحَّبت إدارة المدرسة بالاقتراح، وتفاعل عدد من المدرسين المخلصين للفكرة، وبدأ وضع هيكل إداري وخطة للعمل.

هذا النموذج حقق عدة أهداف:

أولاً: التفكير في حل مشكلة تهم كل أسرة؛ بحيث تجعل الناس يشعرون بتفاعل الدعوة معهم، وأنها تسير في طريق حل مشكلاتهم، وأنها تقترب منهم جدًّا حتى إنها تستطيع أن تشارك في إجراء عملية جراحية للمريض بشجاعة وقدرة وكفاءة؛ لا أن تظل تتحدث من بعيد عن واجب إغاثة المريض.

ثانيًا: أنها تساعد مخطط الحكومة المنتخبة بإذن الله، في بدء عملية إصلاح المؤسسات، والاتجاه بها في طريق النهضة المطلوب بسرعة أكبر.

ثالثًا: أنها تفعل طاقات المجتمع (من داخل المدرسة وخارجها) في المشاركة في عملية إصلاح حقيقية، ستعود بالنفع على الجميع بعد حين.

مضاعفة القوة

ربما سيكون سؤالنا الأول إذا بدأنا التفكير في القيام بهذه الأعمال هو: من أين نأتي  بالقوة البشرية التي تمكننا من القيام بهذه الأعمال؟!

والجواب سيكون حاضرًا بشرط أن نضع أنفسنا في موضع قيادة المجتمع، وعندها سنكون قادرين بإذن الله على دراسة الفكرة جيدًا، ثم إقناع مجموعات من المتطوعين للعمل معنا في هذا المشروع، وساعتها لن نحسب قوتنا بعددنا الفعلي، بل بقدرتنا على إقناع غيرنا بالفعل وتأثيرنا فيهم، وساعتها ستتضاعف قوتنا أضعافًا مضاعفةً (بشريةً وماديةً عن طريق المتحمسين من الموسرين لما نقوم به)، (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) (هود: من الآية 52)؛ لأننا أصبحنا نستمدها من المجتمع، بشرط أن نحسن توظيف طاقات من يعمل معنا، وأن نجد صيغةً توافقيةً بين قواعد التنظيم، وطريقة إدارة الأفراد من المتطوعين بصورة تحقق ذاتهم وتشعرهم بفاعليتهم، وعندها سنجد أنفسنا قد اكتشفنا كنوزًا من الطاقات والمهارات والمواهب ما كنا لنراها إلا بهذه الطريقة، وسنجد أعدادًا من المخلصين والمجتهدين كانت لديهم النوايا الحسنة والطاقات الكبيرة، لكنهم كانوا ينتظرون من يأخذ بأيديهم ويهديهم الطريق.

أعلم أن ما أقوله صعب، وربما يخرج عن النطاق التقليدى للعمل الدعوي، ولكني أرى أنه أمر حيوي ومهم في مرحلة قادمة، يجب أن نجتازها بنجاح، خصوصًا ونحن في صدارة المشهد، شئنا أم أبينا.

 

(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)) (الأعراف).

 

المصدر: موقع الاخوان المسلمين.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك