رسالة إلى حُكّام المسلمين

رسالة إلى حُكّام المسلمين

 

الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد

محاضر بجامعة أفريقيا العالمية

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله الصادق الوعد المبين.
وبعد..
التفرُّق، والتشتت، والتشرذم الذي أصاب الأمة في القرن الهجري المنصرم وبداية القرن الحالي، والذي أدى إلى ضعفها، وذلِّها، وهوانها، وتكالب الأمم عليها، له عدة أسباب رئيسة(1)، هي:
الفرقة: وقد دلَّ عليها قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات)(2).
اتباع المتشابه من القرآن والسنة والأحكام: وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلا أولوا الألباب)(3).
اتباع الهوى: ودلَّ عليه قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم)(4)، وقوله: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله)(5).
حكام المسلمين: وبادئ ذي بدء لا بد من التنبيه على أن جميع شرائح المجتمع مسؤولة عن ذلك ـ من حكام وعلماء، ودعاة وعامة، مع تفاوت مسؤولياتهم واختلاف تقصيرهم ـ مسؤولية تامة، ولها دور في الذي حدث ويحدث الآن، ولكن دور الحكام أكبر، ومسؤوليتهم أخطر وأعظم، ولهذا سأقصر حديثي على حكام المسلمين ومسؤوليتهم فيما أصاب الأمة، وأحب أن أذكر أن حديثي هذا شامل لكل حكام المسلمين ممن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس خاصة لطائفة منهم دون غيرهم، لأن الدين النصيحة كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم))، وسأقصر حديثي كذلك في جانب واحد فقط، وهو جانب اختلاف المواقف وتباين الرؤى في القضية الواحدة المعينة من وجه نظر الدين، لما لهذه القضية من أثر بليغ في توسيع دائرة الخلاف، وزعزعة ثقة العامة في الخاصة، ولله درُّ عمر عندما غضب لاختلاف أُبيٍّ وزيد في مسألة فرعية، وقال: "من أين يصدر الناس؟".
ولهذا أسباب عديدة فيما يتعلق بالحكام، ألخصها في الآتي:
استجابة حكام المسلمين للسياسة التي انتهجها أعداء الإسلام بعد القضاء على الدولة العثمانية وتقسيمها إلى دويلات وأسلاب صغيرة، وهي سياسة (فرِّق تَسُدْ)، فقد عملوا على زعزعة الثقة بين الحكام المسلمين، وقد أججوا نار ذلك بالحدود السياسية الوهمية التي بين الدول.
طلب العزة والوحدة في غير الإسلام: في النزعات الوطنية، والقومية، والعرقية، كالطورانية، والعربية، والهندية. ومن طلب العزة في غير الإسلام أذله الله.
حرص الحكام على كراسيهم وأنظمتهم أكثر من حرصهم على الإسلام، بحيث إذا تعارضت المصلحتان ضربوا بالإسلام عرض الحائط ولم يبالوا.
اعتماد جل الحكام على أحزاب علمانية.
تخويف الكفار للحكام من الجماعات والأحزاب الإسلامية، وتحذيرهم لهم منهم؛ مما جعل حاجزاً وهمياً منيعاً بين الحكام وبين هذه الجماعات.
موالاة كثير من الحكام للكفار، إن رغبة أو رهبة، وثقتهم بهم، وقيام تحالفات بينهم وبين الكفار.
عمل كثير من الحكام على نشر الفاحشة واللهو في الذين آمنوا، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، والرياضة، واللهو، ليلهوهم عن الجادة، ويشغلوهم عن معالى الأمور بسفاسفها.
عدم تحكيم جلُّ الحكام لشرع الله واستعاضتهم عن ذلك بالقوانين الوضعية.
إضعاف المنظمات التي كانت تمثل كل الدول الإسلامية والعربية: جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، بسبب الخلافات، والاستعاضة عنها بمنظمات إقليمية ضعيفة: مجلس التعاون الخليجي، منظمة الدول الإفريقية، كل ذلك أدى إلى ضعف التضامن الإسلامي.
انتشار الفساد أدى إلى إفراط وتفريط: طائفة استجابت للفساد، وطائفة غلت.
كسر شوكة العلماء وإلزامهم بتبني ما تراه الدولة، مما نتج عنه تضارب في الفتاوى والمواقف، كما حدث ويحدث في سلسلة الحروب الصليبية التي قادتها أمريكا على أفغانستان والعراق.
اعتماد الحكام على الوزراء والمستشارين العلمانيين الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
شراء الدول الغنية لبعض وسائل الإعلام وبعض الأقلام الرخيصة.
نتج عن كل ذلك:
غياب عقيدة الولاء والبراء، حيث أصبح المسلم يوالي الكافر ويعادي أخاه المسلم، بل يقاتل جنباً إلى جنب تحت راية الكفار للقضاء على دولة مسلمة وأرض مسلمة، دونما خجل ولا مواراة.
الجهل بأبسط قواعد الشرع: درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، أي قاعدة أخف الضررين التي هي أساس الدين.
الخضوع والاستكانة للكفار، وتسلطهم على المسلمين، والتدخل في أخص خصائصهم، مثل تعديل مناهج وأساليب التربية.
انقلاب الموازين، بحيث اعتبر دفاع المظلومين عن أعراضهم وأنفسهم إرهاباً وجريمة يعاقب عليها حكام المسلمين قبل رواد الكفر.
ضعف روح العزة والاعتداد بالدين لدى كثير من المسلمين.
استسلام كثير من المسلمين إلى اليأس والقنوط والرضا بالواقع.
هيمنة قوى الشر والطغيان وتحكُّمها في مصير العالم، وأصبح لسان حالها: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، كما قال الطاغية فرعون لعنه الله.
تداعي قوى الشر على الإسلام والمسلمين كما تداعى الأكلة على قصعتها:

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
----------
(1) ذكر الثلاثة الأولى الإمام الشاطبي في كتابه (الاعتصام).
(2) سورة آل عمران: 105.
(3) سورة آل عمران: 7.
(4) سورة الجاثية: 23.
(5) سورة القصص: 5.

المصدر: http://www.meshkat.net/node/10883

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك