القرصنة الفكرية.. "تهديد حضاري" يواجه الأمة

القرصنة الفكرية.. "تهديد حضاري" يواجه الأمة

 

حسن الأشرف

 

 

إن فرض احترام الأعمال الأدبية والعلمية والفنية لا يمكن أن يتأتى إلا من أصحاب هذه الأعمال. فالأمر يعنيهم بالدرجة الأولى... إلا أننا ندق ناقوس الخطر من جديد، ونحذر من "التهديد الحضاري" الذي يواجه الأمة التي لا ترعى حقوق ملكيتها الفكرية.

 

تؤرق قضية الملكية الفكرية المؤلفين في العالم العربي، حيث تذهب حقوقهم في هذا المجال سدى بسبب النقص في القوانين الوطنية التي تقنن ملكيتهم الفكرية، والتي تعاقب كلّ من يتطاول عليها، وذلك على الرغم من نداءات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) المتكررة. إلا أن تقاعس المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الصدد، لا تتحمل مسؤوليته الهيئات الرسمية، بقدر ما يتحملها المؤلف، والذي غالباً ما يجهل حقوقه.

 

مؤخراً احتفلت (الويبو) بالذكرى السنوية لليوم العالمي للملكية الفكرية في 26 أبريل، تحت شعار: "تصميم المستقبل"، بهدف زيادة الوعي بإسهام حماية حقوق الملكية الفكرية في دعم الإبداع والابتكار، فضلا عن الحث على احترام حقوق الملكية الفكرية المملوكة للآخرين.

 

هذه الجوانب تناولها الخبير القضائي والحكم الدولي المُعتمَد في حقوق الملكية الفكرية، عبد السعيد الشرقاوي الذي أكد في حوار مع "إسلام أون لاين"، أن المؤلفين لا يعرفون دائما حقوق المؤلف، كما أنهم يعانون غالبا من نقص الموارد المالية اللازمة للمطالبة بالحماية.

 

كما أبرز الخبير المغربي، أن الناشرين بدورهم لا يعرفون دائما حقوقهم على الوجه الأكمل، حيث لا يعرفون مثلا أن المكتبات ومراكز التوثيق التي تقوم باستنساخ إنتاجاتهم أو منشوراتهم أو مقالاتهم، إنما هي مؤسسات للقرصنة".

وفيما يلي نص الحوار:

 

شكوى وبلاغ

 

*   كثير من المؤلفين العرب يشتكون من سرقات مقالاتهم، أو دراساتهم، أو كتبهم أيضا، برأيك ما الإجراءات الأولية التي ينبغي عليهم اتخاذها فور إطلاعهم على السرقة؟

 

يجب فور وقوعها تقديم شكوى، وبلاغ بها للسلطات المختصة من طرف أي فرد يعنيه الأمر أو لديه معلومات عن الجريمة، أو من طرف المؤلف ضحية الاعتداء بواسطة محام وباستشارة خبير اختصاصي، أو من طرف هيئة المؤلفين، أو جمعية الأدباء والعلماء ، أو رابطة الناشرين، أو اتحاد الكتاب أو نقابة الصحفيين... والتي تهمها مصلحة الوطن وتريد حقا الدفاع عن حقوق ومصالح أعضائها.

 

وحيث إن العالم العربي لا يعتبر سرقة مقال أو دراسة أو كتاب جريمة سرقة يكون مرتكبها عرضة لرفع دعوى ضده شأن غيره من المعتدين على سائر الحقوق القانونية، بل يعتبرها "سرقة أدبية" تساهم في "إشعاع الثقافة ونشر المعرفة"، والعالم العربي يخلو من أية جمعية أو شركة أو مكتب أو رابطة مهنية أو هيئة رسمية تهتم بشؤون المبدعين المحليين وتحفظ مختلف أعمالهم: المبينة في القوانين الوطنية والاتفاقيات العالمية، ولعوامل أخرى كثيرة نقول إنه في مثل هذه الحالات لا يبقى أمام المؤلفين ضحايا انتهاك لحقوقهم.

 

إلا أن يتحملوا المعاناة ويقوموا بجهود خاصة ويتخذوا إجراءات بمفردهم، وغالبا لا تسفر هذه الإجراءات عن نتيجة. والمؤلفون، وكذا جل رجال القضاء والقانون، لا يعرفون دائما حقوق المؤلف، كما أنهم يعانون غالبا من نقص الموارد المالية اللازمة للمطالبة بالحماية ويواجهون صعوبات في الاهتداء إلى طريقهم خلال شعاب القانون والإجراءات المعقدة .

 

ولا يبقى أمام المبدعين والمفكرين وأولي الألباب من البلدان العربية إلا الارتماء في أحضان الدول الغربية؛ لكي تزداد نموا وتقدما وغنى وازدهارا، فيما يزداد العالم العربي فقرا وبؤسا وتخلفا.

 

*     ماذا عن دور الناشر فيما يخص حماية حقوق المؤلف؟

 

الناشرون في بلادنا العربية، رغم ما يقومون به من مجهودات مشكورة للحد من القرصنة، بدورهم لا يعرفون دائما حقوقهم على الوجه الأكمل. لا يعرفون مثلا أن المكتبات والمحفوظات ومراكز التوثيق التي تقوم باستنساخ إنتاجهم أو منشوراتهم أو مقالاتهم، إنما هي مؤسسات للقرصنة... عكس ما هو عليه الحال في الدول المتقدمة، حيث تأسست جمعيات وشركات واتحادات وتحالفات على الصعيدين الوطني والعالمي، مكونة من مؤلفين كتاب وصحفيين ورسامين ومصورين وناشرين للكتب والصحف.

 

ويقوم دورها على منح الرخص اللازمة واستخلاص الحقوق المشروعة الخاصة بأعضائها من جميع الخزانات أو المكتبات والمحفوظات ومراكز التوثيق المحلية والوطنية والدولية، العمومية والخاصة، الرسمية وغير الرسمية، التجارية وغير التجارية... وما أكثر المؤسسات في البلاد العربية التي تستغل وتستنسخ الكتب والمقالات والدراسات، تنتفع من أعمال المؤلفين العرب وتجحد بحقوقهم.

 

وهذه مسؤولية المؤلفين -الصحفيين والكتاب في جميع المجالات- والناشرين الذين يجب عليهم أن يتفاوضوا، في إطار القانون المعمول به عالميا، مع هؤلاء المنتفعين الذين ليسوا مجرد أفراد، بل مؤسسات وجماعات قوية يجب على المؤلفين أن ينظموا صفوفهم جيدا في مواجهتهم.

 

ناقوس الخطر

 

*       هذا يفضي بنا إلى التساؤل حول تداعيات عدم احترام الملكية الفكرية والأدبية على المؤلف كفرد وعلى المجتمع وعلى المنظومة الإنسانية أيضا؟

 

في رأيي، إن فرض احترام الأعمال الأدبية والعلمية والفنية لا يمكن أن يتأتى إلا من أصحاب هذه الأعمال. فالأمر يعنيهم بالدرجة الأولى... إلا أننا ندق ناقوس الخطر من جديد، ونحذر من "التهديد الحضاري" الذي يواجه الأمة التي لا ترعى حقوق ملكيتها الفكرية.

 

 *    بالانتقال إلى الملكية الفكرية بالمغرب، انخرط هذا البلد في اتفاقيات عديدة في هذا المجال.. هل هذا كاف لاحترام هذه الملكية؟

 

إن الحديث عن الملكية الفكرية في المغرب يصعب اختصاره، ولا يمكن حصره ولو في كتاب خاص به. ذلك أن المغرب -منذ بداية الحماية الفرنسية- أجاز أول قانون لحماية حقوق المؤلفين عام 1916، ووقع على "اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية" عام 1917، وأنشأ عام 1943 "المكتب الإفريقي لحقوق المؤلفين"، و"المكتب الإفريقي لرجال الآداب ومؤلفي المحاضرات": من أجل حماية حقوق المؤلفين والملحنين والناشرين للموسيقى والمسرح والآداب، المنخرطين في الشركات الفرنسية.

 

وفي عام 1965 بعد حصول المغرب على استقلاله، أصبح اسم "المكتب المغربي لحقوق المؤلف" يطلق على المكتبين المذكورين" ليدبر داخل تراب المملكة المغربية شؤون مصالح مختلف الشركات الأجنبية للمؤلفين في نطاق الاتفاقيات أو الأوفاق المبرمة معها". كما أن المغرب، كما هو معروف، قد وقع على عدة اتفاقيات لحماية حقوق الملكية الفكرية، متعددة الأطراف وأخرى ثنائية.

قانون مستورد

 

*   هل من أمثلة على هذه الاتفاقيات الهادفة إلى حماية الملكية الفكرية؟

على سبيل المثال لا الحصر نذكر منها: "اتفاقية الغات" و"اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية"، والتي أصبح المغرب بمقتضاها يتولى حماية حقوق التأليف التي هي في ملكية الشركات المتعددة الجنسيات، ويرعى مصالح المؤلفين والناشرين والمنتجين والمستثمرين الأجانب، المالكين الأصليين للحقوق الاقتصادية، كي يواصلوا جهودهم لتحقيق الخلق والإبداع في مجال التأليف والنشر الأدبي والإلكتروني والاستثمار السينمائي والإنتاج الغنائي.

 

وهذا جعل الحكومة تطبخ سرا والبرلمان يزكي بدون تحفظ، في غياب المهتمين والمعنيين بالأمر ودون استشارة أهل الخبرة والاختصاص من أبناء الوطن، قانونا مستوردا من الخارج، فرضته الشركات المتعددة الجنسيات المنتجة للكتابات الإلكترونية (برامج الحاسوب) والأفلام والموسيقى برعاية الإدارة الأمريكية، وأملت أحكامه المنظمة العالمية للملكية الفكرية وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي... وصفقت له جهات مغربية متطفلة على الميدان، وأخرى تخرب بيوتها بأيديها وأيدي "المكتب المغربي لحقوق المؤلفين".

 

*    إذن ما أبرز تحفظاتكم على هذا القانون؟

 

قانون عام 2000 يجمع بين سلبيات "اتفاقية الغات" و"اتفاقية التبادل التجاري الحر"، ويتعارض مع الآداب الإسلامية والمصالح الوطنية والمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية والهوية الثقافية والسيادة الوطنية؛ ولا يخدم بالأساس إلا المصالح الاقتصادية والتجارية للأشخاص الاعتباريين كيفما كانت جنسياتهم، والمقصود هم جماعات الضغط الأمريكية.

 

لذلك، برز في البلاد دور "الشرطي والجابي والقاضي" الذي يقوم به أحسن قيام "المكتب المغربي لحقوق المؤلفين" بالتعاون مع بعض الوزارات والسفارات المهتمة، والتي يتجلى دورها في محاربة القرصنة التي تطال الأغاني والأفلام وبرامج الحاسوب، دون غيرها من الأعمال التي تشكل تراث وثروة الوطن؛ والتي تم تهميشها واستثناؤها فأصبحت ملكية سائبة، لا هي ملكية خاصة ولا هي بالملكية العمومية أو العامة، معرضة للنهب والسلب، في الداخل والخارج، من طرف الشبكات العالمية المتخصصة في قرصنة الأعمال الوطنية الأصيلة، والتي تزاول أنشطتها بكل حرية، على مرأى ومسمع من الجميع، على نطاق تجاري واسع، فيما بقي المؤلفون المغاربة والعرب يشتكون ... ولا حياة لمن تنادي.

 

ومن ثمة، نقول إن التوقيع على الاتفاقيات شيء؛ وفرض احترام حقوق ملكيتنا الفكرية الخاصة بمجتمعنا وتقاليدنا وهويتنا الحضارية... شيء آخر تماما.

 

الحقوق المعنوية

 

*      تشير الأرقام الرسمية إلى أن المغرب على رأس الدول التي تستشري فيها القرصنة الفكرية والفنية والأدبية وتخلف خسائر مادية ومعنوية هائلة.. مثلا ما بين 400 و600 ألف قرص مدمج منسوخ بطريقة غير قانونية يوزع في المغرب أسبوعيا. برأيك كيف يمكن التقليص من هذه الخسائر؟

 

هذا ما تدعيه الشركات العابرة للقارات المنتجة للأغاني والأفلام وبرامج الحاسوب، ويروج له "المكتب المغربي لحقوق المؤلفين" الذي له نصيب من محصول المداخيل، وتردده وكالات ووسائل الإعلام الغربية والعربية التي تعتبر المغرب "أوكارا للقرصنة" تكبد "الاقتصاد الأجنبي والاستثمار الخارجي" خسائر مادية هائلة.

 

والحقيقة أن المغرب هو الذي يتكبد خسائر مادية ومعنوية جسيمة؛ ليس هذا مجال التفصيل فيها... و"اللبيب بالإشارة يفهم". فهل من إحصائيات عن القرصنة التي تتعرض لها الملكية الفكرية المغربية، العربية والإسلامية بصفة عامة، من لدن الأجانب؟ وهل من أرقام رسمية تبين مدى ما تجنيه الشركات الأجنبية في المغرب وحده من حقوق النسخ على الأقراص المدمجة المؤدى عليها مسبقا، قبل استيرادها وبالعملة الصعبة؟..

 

وهل من أرقام إحصائية عن الأرباح الناتجة عن استنساخ الكتب والموسوعات والمحاضرات والدراسات والصحف والمقالات التي هي من تأليف المغاربة والعرب والمسلمين، والتي تدر أموالا طائلة على المكتبات ومصالح التوثيق الغربية؟

 

من يحمي من جرائم القرصنة والاستنساخ والاستغلال، هذه الأعمال الأدبية والعلمية، الثقافية والحضارية المتميزة التي منها ما سقط ومنها ما لم يسقط بعد في الملك العام؟ ومن يحمي الحقوق المعنوية لهذه الأعمال التي تتعرض على يد الغير للتحويل والتحوير والترجمة والتحريف والبتر والتشويه... مما يمس بشرف أصحابها ويضر بسمعتهم وسمعة أوطانهم ؟

 

وهل من جهة، في البلاد العربية، تتولى استخلاص الحقوق الاقتصادية المترتبة عن استنساخ واستغلال واستعمال هذه الأعمال؟ ومن يستخلص ويوزع على المؤلفين العرب المكافآت المالية الواجب أداؤها للمؤلفين، شرعا وبقوة القوانين الوطنية والاتفاقيات العالمية؟ ومن يوفر الحماية اللازمة للكتب والمكتوبات والمصاحف المشمولة أصلا بالحماية القانونية، وعلى رأسها "القرآن الكريم"؟ 

 

ومن يدفع عنها جرائم الاعتداء؟ ومن يقاضي المعتدين بالتصوير والرسم الكاريكاتوري على صورة رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم مثلا؟ وهو ما يشكل انتهاكات لقانون الملكية الفكرية.

 

  • حوار موقع أسلام اون لاين مع الخبير الدولي عبد السعيد الشرقاوي

 

المصدر: إسلام اون لاين.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك