بين آدم وحواء .. تناصح وتشاور

بين آدم وحواء .. تناصح وتشاور

 

آدم : سلام من الله عليك ياأختي في العقيدة والإسلام ....لعل مما هو معلوم لشخصك الكريم أن إخوانك الرجال قد سبقوك إلى ميادين الدعوة وما ذاك إلا لأن خروجهم إلى هذه الميادين هو الأصل فيها ....ومع ذلك فآدم يعلم علم اليقين أن النساء شقائق الرجال ...ولذا فهو يسعد بأن يمد يد النصيحة والمشورة إلى أخته في الدين حواء فهل تقبلها ؟

حواء: وكيف لحواء أن ترفض ذلك وهي تعلم أنها قد شغلت برعاية بيتها وأسرتها وحسن تبعلها لزوجها وتربيتها لأبنائها ...ومع ذلك فهي تود أن تسهم في حقل الدعوة ولعل آدم يعينها على أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون وشعارها في ذلك ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) لكن لعل هناك نقاط لا بد أن توضع على الحروف ؟

آدم : ما هي النقاط وأي حروفٍ تعني يا رعاك الله؟

حواء : الضوابط الشرعية لمثل هذا التعاون.

آدم : طالمنا قد علمنا أن مبدأ التعاون في الدعوة بين الرجل والمرأة لا حرج فيه شرعاً كما أوردت ذلك الأدلة , بقي توضيح ما أسميته أنت بالضوابط الشرعية فهلا وضحتي مقصودك؟

حواء: حدثني أنت أولاً : كيف تقرأ فقه علاقة الرجل بالمرأة؟

آدم: بمعنى؟

حواء: التعامل الشرعي بين الأجانب من الرجال مع أخواتهن من النساء الأجنبيات.

آدم: بوجه عام أتصور أن حياة المسلمين رجالاً ونساءً كانت حياة عادية بعيدة عن التكلف الذي نمارسه الآن فالمرأة كانت تبيع وتشتري وتطلب العلم من العلماء الذكور وتعلم الذكور في المساجد بل وتطلب العون من الرجل في كافة شعاب الحياة التي تجمعهما معاً وفي كافة مصالحها ورغائبهاالتي تطلب نيلها.

حواء: أما طلب المرأة العلم من الرجال فصحيح وأما كونها تدرس الذكور في المساجد تحديداً فلا علم لي بذلك لكن بإمكاني القول أن هذا الفعل إن صحّ فليس هو الأصل؟

آدم: ماذا تعنين بأنه ليس الأصل؟

حواء: أقصد ليس الأصل أن تعلم وتدرس المرأة الذكور وهذا مشاهد معلوم بدهي لا أعتقد أنه يحتاج دليلاً بل أن قامت حواء بمثل هذا الأمر فسيكون من باب والنادر لا حكم له .

آدم : إذا يبقى الأصل في اعتقادك هو تدريس الرجال للنساء ولا يصح العكس؟

حواء: قد يكون الأصل هو اكتفاء مجتمعات الرجال بالرجال وكذلك مجتمعات النساء بالنساء فإن حدث تعاون أو تداخل أو احتياج فيكون من الرجال للنساء كأصل ومن النساء للرجال كطاريء.

آدم : ربما يصح هذا القول.

حواء : وأما قولك عن ممارسات اليوم في تعاملهم مع النساء كونها تكلفاً فلا أتفق معك بل أراه سداً للذريعة في زمان الفساد الذي نعيشه؟

آدم: أحياناً يكون الأمرين معاً فبعض الرجال يخافون الفتنة وبعضهم يتكلف ويصطنع وطرف ثالث يظنه ديناً

حواء: ما هو الصحيح إذاً؟

آدم : الشريعة لم تنه عن أصل التعامل وإنما هذبته وضبطته بضابط الشرع والدليل : ( ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً) نهت الآية عن الخضوع ولم تأمر في المقابل بالصمت بل أمرت بالقول المعروف.

حواء: ما هو القول المعروف في اعتقادك؟

آدم : هو ما نسميه (الكلام العادي) دون خضوع أو تكسر أو لين؟

حواء: لا أتفق معك فربما صارت أحاديثنا العادية سبباً للفتنة وأشتغال القلوب لا سيما في أوساط الدينين والذين يتسم تعاملهم مع (المرأة) بنوع من الحس العالي ورهافة المشاعر.

آدم : إذا ما هو تفسيرك لمعنى ( القول المعروف ) ؟

حواء : هو القول الذي لا مطمع للرجال فيه؟

آدم : وكيف نحدد ( أطماع) الرجال هذه؟

حواء : هو أمر تقديري يٌستصحب فيه نصيحة المشايخ في هذا الشأن بالإضافة إلى العُرف السائد في المجتمعات الطاهرة النظيفة وأخيراً الشخص نفسه له علاقة كبيرة بقضية ( الأطماع) هذه؟

آدم: ماذا تقصدين (بالشخص ) نفسه؟

حواء : حديث المرأة مع السائق أو البائع مثلاً بخلاف حديثها مع أرحامها الأجانب بخلاف حديثها مع مشايخها بخلاف حديثها مع من لا تعرفهم أصلاً وعلى هذا فقس ؟

آدم : وما الرابط الذي يجمع بين كل هذه الأحاديث مع كل هذه الفئات؟

حواء : أحسنت , الرابط هو أمن الفتنة باعتدال دون تكلف ووسوسة ودون تقصير وتفريط.

آدم : إذاً ما هو رأيك فيمن ترفض الحديث جملةً وتفصيلاً مع الرجال؟

حواء : لا نعيب عليها فعلها هذا إن كان من باب الورع بل قد يُحمد لها لكن بشرط أن تتعدى بورعها هذا لتتهم من يقلن قولاً معروفاً.

آدم: كيف هو قولك في الحوارات الهادفة والنقاشات الجادة بين الجنسين؟

حواء: أما مادة النقاش والحوار فقد تكون فعلاً كما ذكرتم هادفة وجادة لكن ليس هذا كل شيء؟

آدم : ماذا تعنين؟

حواء : الفطرة هي ميل الرجل للمرأة والعكس , وليس من عيبٍ في هذه الفطرة ولا يدع مدعٍ أنه يجب تجاهلها أو محاولة مغالبتها ولو لدواعٍ مثل المصلحة فمثل هذا ينطبق عليه قول من قال: ومكلف الأشياء فوق طباعها متطلباً في الماء جذوة نار.

آدم: ولكن آلا ينبغي تهذيب هذه الفطرة بالدين وضبطها بالشريعة وإلجامها بلجام الحكمة والعقل؟

حواء : صحيح تماماً لكن ما بين الرجل والمرأة وصفه حبيبنا عليه الصلاة والسلام بأنه من أشد الفتن والمغريات فهو ليس مثل شهوة الطعام والشراب فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) وأعتقد أن النكرة هنا في سياق العموم.

آدم : حيرتني , أين الصواب إذاً ؟

حواء : قد أسلفنا أن القول المعروف هو ما لامطمع للرجال فيه لكني قد أضيف إلى ذلك شروطاً؟

آدم : بأي حقٍ تضيفين مثل هذه الشروط ؟ هل أنت فقيهة ؟

حواء : لا أزعم ذلك , لكن لعلها التجربة والواقع ويمكننا من بعد ذلك الاحتكام للعلماء؟

آدم : إذا ما هي هذه الشروط؟

حواء : أما التعامل فالحجاب الشرعي شرط فيه كذلك يحرم النظر ومن باب أولى بالطبع المصافحة وهذا يقود بالعقل الصحيح قبل النص الصريح إلى حرمة الأختلاط , بعدها لم يتبق إلا التحدث والكلام ...

آدم : ماذا عن التحدث والكلام بين الرجال والنساء؟

يجوز ويباح حين يكون معروفاً وحتى يكون معروفاً ينبغي اتصافه بما يلي:
أ/ مادة الحوار شرعية أو مادة هادفة موضوعية وباختصار مادة مفيدة فائدةً دينية أو دنيوية.
ب/ يُطرح الحوار في جوٍ من الجد ولا أقول الصرامة فليسا بمتلازمان.
ج/ أصل الكلام إنما هو لحاجة ...ليس لمجرد الكلام وليس فقط في حال الضرورة.
د/ لا ينبغي الإطالة ولو اقتضى الأمر ذلك لأن التطويل قد يحدث نوعاً من الإلفة بالفطرة ...أي أن هذه الإلفة تحدث غصباً عن النفوس وتقع رغماً عن الأنوف.
هـ/ إن كان ولا بد من الإطالة فليتخلل الأمر فترات انقطاع معتبرة تعيد النفوس إلى وضعها الأول وكأن شيئاً لم يكن....شرط أن لا نعيش حال الانقطاع هذا على أمل اللقيا.
و/ أهم شرط – في تقديري الشخصي – هو تعاهد القلوب ومراقبتها بصدق فإن وجدنا منها تحركاً في الاتجاه الذي لا نوده فالهروب حينها هو الشجاعة بعينها....ولا داعٍ لأن نخدع أنفسنا أونستحي من مواجهتها فالعواقب قد تكون وخيمة.

آدم : يبدو أن الأمر أعقد مما توقعت.

حواء: هو كذلك لا سيما في هذا الزمان ولذا كانت كلمته عليه الصلاة والسلام الجامعة الثابتة في الصحيح : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أخلب للب الرجل الحازم من إحداكن ...).

آدم : الآن فهمت وقد أجد المبرر – وليس العذر - لبعض الدينين الذي يتعاملون مع المرأة وكأنها شيطان !

حواء : لا أوافق على هذه النظرة بالطبع لكن ليس كل الرجال بذات القدر من القوة أو أمن الفتنة أو العصمة بل قد يعتري كثير منهم ضعف شديد تجاه المرأة كما قد يعتريهم تجاه شهواتٍ أخرى مثل المال والجاه وحب السلطة إلخ

آدم : ماذا تقصدين بقدرٍ من العصمة؟

حواء : لا عصمة لمخلوق لكني عنيت أن الطاعة تعين صاحبها على الصمود أمام المغريات وبعكسها تماماً المعصية التي تعين الشيطان والنفس الأمارة بالسوء على صاحبها.

آدم : هل هذا ما يعنيه المشايخ بقولهم (شؤم المعصية ) ؟

حواء : هو ذاك .....هل لي أن اسأل سؤالاً ؟

آدم : تفضلي

حواء : يقول الرجال أو النساء لا أدري بالضبط من منهما , لكن يقولون أن تأثير المرأة على الرجل بخلاف العكس , كيف ترى هذا القول؟

آدم : ربما يصح أصل هذا القول ذاك أن الرجل يفتتن بالمرأة بأكثر مما يحدث لها هي ...لكن في المقابل يجد الرجل في شخصه عقلاً يضبطه فيترفع مع فطرته الشديدة هذه في النساء عن ما قد تفعله المرأة إن غلبت عاطفتها...

حواء : الفطرة هي الميل الشديد من الطرفين وإن لم يكن بذات القدر .... الرجل عاقل ( ولذا كان هو ربان السفينة )... المرأة عاطفية (ولذا كانت هي صدر الرجل الحنون ونبع حنان أطفالها الدائم الذي لا ينضب ) سبحانك ربي كم هي حكيمة هذه الشريعة؟

آدم : ما من شكٍ في ذلك ...لكن لدي تساؤل؟

حواء: تفضل

آدم : هل في من حرج ؟ أقصد حرج شرعي؟

حواء : ما لم نتبناها فلا حرج ألبتة ؟

آدم : ماذا تعنين بتبني أحاديث النفس؟

حواء : إن كانت هذه الأحاديث حبيسة الخاطر والفؤاد لم تغادرهما ولم تتحرك الجوارح لتفعل وتتصرف بتوجيهات هذه الأحداث والخواطر فلا حرج ...لكن كما هو واضح أن في الأمر صعوبة تحديداً حال موضوع نقاشنا هذا..

آدم : أوضحي مقصودك أكثر

حواء : إن حدثت آدم نفسه عن حواء أو حدثت حواء نفسها عن آدم ....ثم كان بينهما تواصل وتلاقي فلا شك أن هذا الحديث لن يظل حديث نفس ...بل سيعلن عن نفسه ولو بعد حين

آدم : كيف المشورة إذاً ؟

حواء : أن نؤثر السلامة حينها وما عند الله أبقى

آدم : إذاً هل نفعلها الآن ؟

حواء : من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه .....سلام من الله عليك ورحمة منه وبركات ..

آدم : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

المصدر: http://www.meshkat.net/node/12902

الأكثر مشاركة في الفيس بوك