حكم الأغلبية بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الديمقراطية

حكم الأغلبية بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الديمقراطية

أصبح من الضروري أن نناقش التفاوت الكبير بين الشريعة الإسلامية وبين الديمقراطية في النظر إلي مبدأ “الأغلبية العددية” ، وحجية هذا المبدأ في الحكم علي القضايا والمسائل التي تمس الصالح العام للمسلمين ، ونشأت هذه الضرورة التي أعتبرها ملحة في هذا الوقت من الإرتفاع الملحوظ لوتيرة الحديث عن “الديمقراطية الإسلامية” أو ما شابه هذه المصطلحات التي تحول الدمج بين مبادئ الديمقراطية الغربية وبين مبادئ الحكم والسياسة في الشريعة الإسلامية ، ولما كان مبدأ “حكم الأغلبية العددية” هو أساس الديمقراطية الأول ، ووسيلتها ألأصيلة لاتخاذ القرار السياسي ، أصبح الحديث عن توافق مبدأ (الأغلبية العددية) بمفهومه الديمقراطي مع الشريعة من عدمه يمثل لب النقاش ومقصد المقارنة.

 

المقال التالي يعرض وجهة نظر كلٍ من الشريعة الإسلامية والديمقراطية في “حكم الأغلبية” لبيان عمق تعارض وجهتي النظر ، وبيان إستحالة الجمع بين الديمقراطية القائمة علي مبدأي الأغلبية العددية والمساواة والشريعة الإسلامية.

 

 

القسم الأول : حكم الأغلبية في الشريعة الإسلامية

 

 

1. الشريعة الإسلامية تعتبر أن للإنسان روح ومادة ، وتعتبر أن الجانب الروحي مقدم على الجانب المادي في كل مناحي الحياة تقريباً

الدليل على ذلك : قول الله عزوجل “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ” آل عمران – 10

وقول الله عز وجل : “لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” المجادلة – 17

ومقصود ذلك أن أهمية الروح تأتي أولاً ، وتتحقق بالإيمان بالله ورسله وتزكية النفس  والقيام بالواجبات الشرعية ، ثم تأتي بعد ذلك أهمية المادة وتتحقق بإخضاع الإمكانات البشرية والمادية لتحقيق مقاصد الشريعة من إعمار الأرض ونشر التوحيد وبسط العدل والحق

2. الشريعة الإسلامية نظام شامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية ، والعمل بها أحد مقتضيات الإيمان بالله وبرسوله صلي الله عليه وسلم

 

والدليل علي شمولية الشريعة الإسلامية لكل مناحي الحياة ، هو قول الله عزوجل: “وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ” النحل – 89

أما الدليل علي وجوب الحكم بالشريعة فقوله تبارك وتعالي: “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)” المائدة – 48-50

 

وقوله عز وجل: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)” النساء – 60-65

 

والمقصود أنه لما كانت الشريعة الإسلامية هي أكمل الشرائع وأحكمها ، وذلك ثابت بالعقل والنقل ، فأراد الخالق جل وعلا أن يتحاكم أهل هذه الشريعة لها وأن يطبقوها في حياتهم سواءً في ذلك الحياة الفردية أو الإجتماعية ، ثم رتب ربنا جل في علاه علي ترك التحاحكم للشريعة عقوبات شتي ، من أهمها اعتبرا أن التارك للشريعة ، مع قدرته علي تحكيمها ، يعتبر علي أحسن الأحوال منافقاً فاسد الإيمان ، كما أفادت الآيات السابقة من سورة النساء ، ويترتب علي هذه الأحكام ضرورة معرفة حكم الشريعة الإسلامية في كل ما يمس حياة الفرد والمجتمع ، وعلي هذا مر تاريخ الأمة الإسلامية علي مدي أربعة عشر قرناً من الزمان ، وتأسست علوم كاملة تختص بهذه القضية ، وهي أصول الفقه والفقه وأصول الدين والسياسة الشرعية ، والتي ألفت فيها المؤلفات الموسعة التي تهدف لمعرفة مصادر التشريع وحجية كل مصدر منها وكيفية استنباط الأحكام التفصيلية لكل ما يهم حياة الإنسان منها ، وقد قامت علي هذه الشريعة أكبر حضارات في تاريخ البشرية ، والأساس الذي قام عليه التقدم الماديّ الحديث ، وأصبحت هذه الحضارات السابقة في دمشق وبغداد والأندلس وتركيا أدلة خالدة علي جدوي تطبيق الشريعة كأساس عقدي لقيام حضارات بالغة التقدم والتطور من الناحيتين المادية والروحية.

 

 

3. الشريعة الإسلامية لا تصنف الناس بحسب المادة ، ولكن بحسب الرقي الروحي

الدليل على ذلك : قول الله عزوجل “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” الشمس – 7:10

وحديث النبي صلي الله عليه وسلم : ” إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” – رواه مسلم

ومقصود ذلك أن الشريعة الإسلامية – التي هي وسيلة تحقيق مراد الله من العباد – لا تعترف بالتفوق المادي للبشر كوسيلة للمفاضلة بينهم ، وإنما تعترف فقط بالتفوق الروحي كوسيلة لهذه المفاضلة ، فالتفاضل بين المسلمين وبعضهم البعض وبينهم وبين غيرهم إنما يكون علي أساس التفوق الروحيّ الذي يتجسد في تحقيق الإيمان وأركانه واستكمال مكارم الأخلاق كالصدق والعدل والسعي إلي الخير وما لإلي ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات.

 

4. معرفة منزلة الإنسان الروحية في الدنيا  على وجه التأكيد مستحيلة ، وإنما يتخذ العلم مؤشراً على تلك المنزلة.

الدليل علي ذلك : قول الله عزوجل “لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا” النساء – 162

وقول الله تبارك وتعالي “قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا” – الإسراء 107

وقول الله عزوجل “وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ” القصص – 80

وقول النبي صلي الله عليه وسلم ” من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة . وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم . وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض . حتى الحيتان في الماء . وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . أن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما . إنما ورثوا العلم . فمن أخذه أخذ بحظ وافر” – أخرجه ابن ماجه في سننه

ومقصود ذلك أنه لما استحال الحكم على مستوي إيمان الناس في الحياة الدنيا ، لأن الإيمان محله القلب والإطلاع على مافي قلوب الناس مستحيل ، أراد الله عزوجل أن يجعل لنا مقياساً نحتكم له لكي نعرف من هم الأرقي روحياً في أي مجتمع وهذا المقياس هو العلم ، ويقصد بالعلم : علم الشريعة أولاً ، فإن تحقق فعلم الدنيا يأتي بعد ذلك ، وذلك لأن الإرتقاء الروحي في الإسلام لا يتحقق في وجود الجهل إذ أن الشريعة هي الأحكام ، وتنفيذ تلك الأحكام يفتقر إلي العلم بها وبأدلتها ووسائلها ، بهذا يكون العلم الشرعي ثم العلم الدنيوي – بالترتيب – هما مقياسان للحكم على الناس من حيث الإرتقاء الروحي

5. إستحالة تحصيل كل الناس للعلم بما يحقق نفس درجة الإرتقاء الروحي لهم جميعاً ، بل إن هذا ممكن لفئة معينة من الناس هم الذين يبذلون الجهد والنفس ويضحون في سبيل تحصيل ذلك العلم

الدليل على ذلك : قول الله تبارك وتعالي “وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” الروم – 6

وقوله عز وجل “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” سبأ – 26

وقول عزوجل ” لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” غافر – 57

وقول النبي صلي الله عليه وسلم “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن قبض العلم قبض العلماء فإذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فيسألون فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا” أخرجه الدارمي في سننه

والمقصود هنا أن هناك فئة محددة من البشر هم الذين يحصلون العلم الذي يدل على الإرتقاء الروحي ، وهذه الفئة لا تضم كل الناس بطبيعة الحال ، وإنما هي مجموعة قليلة من البشر ، بينما يغلب علي أكثر الناس الجهل وافتقاد هذا النوع من العلم ، وهذا طبيعي ومنطقي إذ أنه متحقق كذلك حتي في الرقي المادي ، فإن أغلب البشر لا يغلب عليهم الثراء الدال علي الرقي المادي ، بل إن أغلب البشر يغلب عليهم الفقر أو التوسط المادي ، فكذلك العلم الدال على الرقي الروحي ، لا يتوافر إلي في فئة محدودة من الناس.

6. بناءً علي ما سبق ، فإن قضايا الحكم وما يتعلق بها من تحديد مصالح المسلمين العامة موكلة إلي فئة محددة من المجتمع تضم كل من وصل إلي مرتبة معينة من الإلمام بعلوم الدين والدنيا

 

 

وتسمي هذه الفئة اصطلاحاً بأهل الحل والعقد ، وهم الذين تدور الشوري بينهم ، وكما هو معلوم فإن نظام الحكم في الإسلام يضم أربعة أركان: الحاكم وأهل الحل والعقد والقضاء والشعب ، فأهل الحل والعقد هم الذين يكون لهم حق الرقابة علي الحاكم ويجب علي الحاكم أن يشاورهم في كل قراراته وأن يلتزم بما يجمعون عليه.

وهناك أمرين في غاية الأهمية في هذا السياق: الأول أن الأغلبية العددية في الشريعة الإسلامية يقصد بها أغلبية أهل الحل والعقد ، وليس أغلبية الشعب ، لأن رأي أهل الحل والعقد هو المعترف به لأنه مبنيٌ علي العلم والإدراك لقواعد الدين ، والإلمام بمتطلبات الواقع وأمور الدنيا ، لهذا يجب أن يضم أهل الحل والعقد إليهم المختصين في كل المجالات كالطب والهندسة والاقتصاد والسياسة الدولة ، إلي آخر الإختصاصات التي تحتاج إليها الدولة لتسيير شئونها الداخلية والخارجية ، ويجب أن يتحقق شرطان في قرارات أهل الحل والعقد: أولاً موافقتها لقواعد الشريعة الإسلامية المطهرة وثانياً تحقيقها لمتطلبات تنمية الدولة وتطويرها ورقيها العلمي والإقتصادي والاجتماعي ، وهذه القرارات تكون بمثابة الشوري الملزمة للحاكم الذي يبحث بدوره كيفية تنفيذها وتطبيقها.

 

أما الأمر الثاني فهو أن القضاء هو الجهة الموكلة بالرقابة علي “أهل الحل والعقد” وقراراتهم من حيث تماشيها مع الشريعة الإسلامية ، ومن حيث توافقها مع احتياجات الدولة ، وأنه من الخطأ الفادح أن نتصور أن عمل أهل الحل والعقد في تقديم المشورة للحاكم يكون عملاً ذو سلطة مطلقة ، بل يجب أن يخضع لرقابة القضاء الذي يكون مستقلاً تماماً عن كل أجهزة الدولة بدوره ووظيفته.

 

القسم الثاني : حكم الأغلبية في النظام الديمقراطي

 

"حكم الأغلبية" لرسام الكاريكاتير الأمريكي الشهير مارك فوار

 

1- النظام الديمقراطي مؤسس علي أيدولوجية اللادينية (الإلحاد) وبالتالي فإنه لا يعترف بأي فروق روحية بين البشر

 

إن نظرية الإلحاد تنص علي أن الوجود الكوني كله محض العديد من الأحداث العشوائية Random Events التي صنعت الكون بكل عناصره التي يشاهدها الإنسان ، و بالتالي فإن المجتمع الإنساني ووجوده وبقاؤه أيضاً خاضع لمجموعة مماثلة من الأحداث العشوائية باعتبار المجتمع الإنساني جزء من الوجود الكوني ككل ، وعلي ذلك فإن المنظومات التي تحكم هذا المجتمع الإنساني (النظم السياسية) يجب أن تكون متماشية ومتناسبة مع تلك الأحداث العشوائية التي تتحكم في المجتمع الإنساني ، وعلي هذا تصبح الديمقراطية كنظام حكم يستند إلي (إرادة الشعب) التي تمثل أحد مظاهر التطور الإنساني أنسب تطبيق عملي لنظرية الإلحاد ما يخص الحياة العامة للمجتمع الإنساني.

يقول تشارلز تايلور في كتاب “عصرٌ عالمانيٌ” [1] : (هناك نوع من الترابط أو الإنتظام بين حقوق الإنسان ، والديمقراطية ، والإلحاد)

ويقول أكسل هادينيس في كتاب “نصر الديمقراطية وأزمتها” [2]: (إن الديمقراطية في معناها السياسي تعني تحرر المجتمعات liberalization of societies ، وهذا التحرر هو نتيجة طبيعية لتطور الواقع السياسي الإنساني ، وعلي هذا فإن الدين يكون متوافقاً مع الديمقراطية – فقط – عندما لا تعتبر الديمقراطية مصدراً للسلطات. الديمقراطية لا دينية Democracy is areligious).

2- الأغلبية العددة في الإطار الديمقراطي لا تعترف بأي فروق بين (الجماعة الوطنية – المواطنين) من حيث حجية صوت كل منهم في صناعة القرار الديمقراطي

 

فيكون صوت أستاذ علوم الفيزياء والفلك مساوٍ لصوت أستاذ العلوم السياسية ، وكل منهما مساوٍ لصوت إحدي الراقصات أو فتيات الليل ، التي صوتها بدوره مساوٍ لصوت مدمن الخمر أو لاعب القمار !!! فمبدأ الأغلبية العددية يشكل قاطرة رهيبة تجر النظام السياسي للبلاد ككل خلف إرادة الدهماء والسوقة والعامة الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من أي مجتمع في يومنا هذا ، ونت هذا تنشأ الأخطار التي قد تحدثنا عنها من قبل مثل “طغيان الأغلبية” و “خداع الأغلبية” ، وتتعرض القرارات المتخذة من خلال الإقتراع الديمقراطي في تلك الحالات للتأثير الجسيم من قبل عناصر غير محايدة كبعض تيارات الإعلام أو التيارات الفكرية التي تستطيع الوصول للقاع الشعبي وحضد رأيه في اتجاه معين ، ونسهل ذلك فقدان الأغلبية الساحقة من الشعب لطرق التفكير النقدي ومن ثم فقدانهم لطرق منطقية وسليمة للحكم علي الإختيارات المتاحة في الواقع السياسي

الخلاصة

 

من الواضح تماماً أن مفهوم الأغلبية العددية في الشريعة الإسلامية يختلف إختلافاً كلياً عنه في النظم الديمقراطية ، مما يجعل القول بأن الديمقراطية تتصادم مع الشريعة الإسلامية من حيث أهم وسائل اتخاذ القرار فيها (الأغلبية العددية) قولاً منطقياً ويدل عليه الأدلة السابقة.

ومن ثم ، فتصبح الدعوة إلي (ديمقراطية إسلامية) أو (مدنية إسلامية) دعوة تدل علي جهل صاحبها التام إما بالشريعة الإسلامية أو بأصول النظام الديمقراطي ، أو بالطبع بكليهما معاً…!

 

المراجع

[1] Charles Taylor (2007) A secular age, Harvard University Press

[2] Axel Hadenius (1997) Democracy’s victory and crisis, Cambridge University Press

المصدر: http://articulare.wordpress.com/2011/04/

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك