ثقافة الانغلاق و التعصب تهديد للهوية العربية باسرها

ثقافة الانغلاق و التعصب تهديد للهوية العربية باسرها
د سليم نزال
name : salim nazzal
email : salim_nazzal@yahoo.com
subject : ثقافة الانغلاق و التعصب تهديد للهوية العربية باسرها
message :
ثقافة الانغلاق و التعصب تهديد للهوية العربية باسرها

د سليم نزال

الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة و هو عمل ليس الاول من نوعه اذ تم قتل العديد من رجال الكنيسة العراقية وتهجير عشرات الالاف من المسيحيين من منازلهم. و كذلك الاعتداء على اقليات اخرى مثل الصابئة واليزيدية و كذا اعمال القتل البشعةعلى خلفية امتلاك الحقيقة .
المطلقة

. لا شك ان ادانة هذه الاعمال امر مهم جدا لانه من الضرورى الوقوف بكل جدية ضد الاعمال الارهابية التى تهدد بالفعل الارهابى و بثقافة الالغاء النسيج الاجتماعى لمنطقتنا العربية من المشرق العربى الى مصر الى الجزيرة العربية الى المغرب العربى.

لكن بات مطلوبا اكثر من ادانة امريكا فقط رغم انها تتحمل مسؤولية هامة فى كل الذى جرى فى العراق قبل احتلاله و بعد الاحتلال. ان تاريخ الاستعمار يعلمنا الكثير بهذا الصدد.
من المفهوم ان يكون للاحتلال مصلحة لاضعاف المجتمع الذى يحتله لزعزعة مناعته.و من المفهوم ايضا ان يعمل الاحتلال على اضعاف تماسك النسيج الاجتماعى للبلد الذى يحتله لاجل اضعاف مقاومته.ومن المفهوم كذلك ان يعمل الاحتلال على تهيئة اجواء مضطربة فى البلد المحتل و هذه امور حصلت بهذا القدر او ذاك فى معظم او كل الاحتلالات فى تاريخ العالم.
كذلك من المفهوم ان تقوم المقاومة بضرب العناصر المتعاملة مع الاحتلال.لكن من غير المفهوم ان تقوم قوى بقتل و تهجير مجموعات بشرية تعيش معها فى ذات البلد و تدفع معها ضريبة الحصار و الاحتلال .
و هذه الاعمال الاجرامية تحصل على اساس اعتقاد هذا الطرف انه يمتلك الحقيقة المطلقة الامر الذى يقدم له مسوغات القتل و الارهاب.
كذلك من الصعب الاقتناع ان اى احتلال قادر فى غضون بضعة اعوام ان ينجح فى تغيير ثقافى يطال البنى الاساسية فى التفكير, خاصة ان قصر مدة الاحتلال الامريكى فى العراق لم يتح له الفرصة لتغيير مناهج التعليم التى تعتبر احد المصادر الاساسية فى تزويد الناشئة بالقيم المجتمعية و القيم الثقافية .و اكثر من ذلك فان ثقافة الغاء الاخر المختلف عنه لم تعد مقتصرة على العراق و هذا هو الامر الذى يفترض ان يكمن مثار قلق حقيقى لان الامر بات يطرح تساءلات حول مستقبل الثقافة العربية باسرها .

لذا تكمن اهمية العودة للتاريخ لاجل تسليط ما يسمح به المقال على تلك الظواهر التى وجدت فى مجتمعاتنا منذ فترات طويلة لمواجهة الحقيقة للقول بوجود مثل هذه الظواهر فى مراحل سابقة.

و لذا بات لزاما علينا ان نوجه الاسئلة المتعلقة بالثقافة العربية الحاضرة فى محاولة لفهم الاسباب التى ادت الى انتشار ظواهر خطيرة مثل ظاهرة قتل الاخر المختلف عنه فى الدين او المذهب.
لماذا وصلت مجتمعاتنا الى هذا المستوى من التفكير الذى باتت معه فكرة الغاء الاخر المختلف عنه فكرة تجد لها قبولا لدى اصحاب الخط الدينى المتزمت و المتشدد و المتعصب و المنغلق و الذى يزعم باحتكاره الحقيقة المطلقة.
بطبيعة الحال مقالة واحدة لا تكفى ان تجيب على هذه الاسئلة التى تتناول العديد من القضايا التى تراكمت عبر قرون و التى تشكل فى تقديرى عوامل فعلية او محتملة لوصول منطقتنا الى ما وصلت اليه من ثقافة باتت تفتقر للحد الادنى من ثقافة التسامح.
لكن دعنى اورد بعض الملاحظات المتعلقة مباشرة باحداث العنف التى حصلت فى كنيسة سيدة النجاة.
لان مسالة الخلط ما بين الغزاة الاوروبيين و المسيحيون العرب ليست مسالة جديدة.
.
.ففى اثناء الحروب الصليبية حصل هذا الخلط و حصلت حوادث انتقام ضد المسيحيين العرب التى جاءت على شكل ردات فعل وقعت هنا و هناك على العلم ان المسيحيون العرب خاصة الارثوذوكس فى بلاد الشام كما هو معروف دفعوا ثمن الغزو الاوروبى الذى اتخذ لبوسا دينيا مسيحيا . و اكثر من ذلك قاوم جل العرب المسيحيون فى بلاد الشام الغزو الفرنجى.فالحملات الصليبة تمت لدواع اقتصادية توسعية و ان تم توظيف الدين و الغيرة الدينية لاقناع البسطاء من الاوروبيين للانخراط فى تلك الحروب. و الغزو الصهيونى الراهن لفلسطين و تجييش العالم اليهودى ووضعه فى صراع بلا افاق حل ضد سكان فلسطين الاصليين و المنطقة عموما هو نموذج واضح للجميع لكيفية استغلال الدين لصالح خدمة اهداف توسعية.

لكن ردات الفعل التى حصلت اثناء مرحلة الغزوات الصليبية ضد بعض العرب المسيحيين لم تصل الى مرحلة التنظير الفكرى الدينى الذى يعزز بطريقة مباشرة او غير مباشرة فكرة الغاء الاخر من المواطنين المختلفين فى العقيدةعن الطرف الذى يزعم فيه انه يملك الحقيقة كلها.و هذا ما قد يفسر على سبيل المثال ان المؤرخين العرب استخدموا تعبير الغزو الفرنجى بدل تعبير الحروب الصليبية الذى هو من صياغة المؤرخين الاوروبيين. و يبدو ان هنال علاقة وطيدة ما بين مراحل الانحطاط التى مرت بها مجتمعاتنا و ما بين بروز تلك الظواهر المرضية التى رافقتها تنظيرات قدمت مسوغا فكريا دينيا لحملات الالغاء. ففى المرحلة المملوكية على سبيل المثال و التى يمكن ادراجها ضمن مراحل التخلف العام الذى ساد المنطقة تم تجريد العديد من الحملات العسكرية و التى عرفت بالحملات الكسروانية فى القرن الرابع عشر و التى استهدفت كافة الطوائف التى لا تؤمن بالخط الرسمى للدولة المملوكية. و قد طالت هذه الحملات بنسب متفاوتة السكان المسيحيين الموارنة فى تلك المناطق.

اما فى الزمن الحالى جاء الاسلام السياسى المعاصر خاصة الاكثر تشددا و عنفا فى مرحلة فى مرحلة تحولات كبرى يشهدها العالم و منها منطقتنا. و لعل ابرز ظواهرها هو الضعف العام للدول القطرية التى يبدو انها اخفقت فى حل العديد من الاشكاليات المتعلق بالتنمية و الحريات العامة الى ما هناك من قضايا تتعلق بحياة الناس. و هذه الامور ادت او كانت نتيجة ضعف الثقافة العقلانية فى المجتمعات العربية حيث لم يزل الموروث الثقافى الستاتيكى يحتل مساحة هامة فى حياة المجتمعات العربية الامر الذى يسمح ببروز ظواهر التطرف .
و انا اعتقد ان تاسيس الدولة الصهيونية فى فلسطين لعب دورا هاما فى تشجيع تلك الظواهر لانها قدمت مفهومين جديدين للمنطقة.
المفهوم الاول انها قدمت نموذجا للدولة القائمة على اساس دينى رغم علمانية النخب المؤسسة للمشروع الصهيونى و لكنها تنازلت للتيارات الدينية الاصولية لاجل غايات حزبية ضيقة الافق ساهمت الى اضعاف التيار العلمانى و تنامى التيار الحريدى الاصولى الذى بات يحكم الدولة الصهيونية الان.
النموذج الثانى الذى قدمته اسرائيل كان فكرة الغاء الاخر و ذلك عبر حملات الطرد الجماعية للسكان الاصلليين و التى حدثت فى ظل اجواء قتل جماعى طال سكان فلسطين مسلمين و مسيحيين.
و كذلك فى ظل استمرار الحرب المستمرة منذ ما يقارب القرن و التى ساهمت فى اضطراب العديد من مجتمعاتنا الامر الذى ادى لانتشار الثقافة العسكرية التى تم التعبير عنها فى مراحل سابقة بالانقلابات العسكرية.
و هكذا فى ظل اجواء تراجع العقلانية العربية و كذلك فى ظل هزائمها امام اسرائيل و كذلك فى ظل تراجع الطبقات الوسطى فى المجتمع لصالح احزاب قومية جاء معظم قياداتها من اوساط ريفية لا تملك خبرات ادارة الدولة الحديثة. الامر الذى ادى الى التعامل مع المجتمع على اساس انه ثكنة عسكرية الامر الذى ادى الى بروز ما يمكن تسميته باالمجتمع الثكنه الذى ينفذ و لا يعترض. و الذى ادى فشله الى بروز ظواهر رد الفعل القوية التى نشهدها الان , و هى ظواهر تكون عادة متصلة بمراحل التحولات الكبرى و اوقات الازمات المجتمعية العميقة.
بهذا الاطار يمكن لنا فهم ما حصل و يحصل من انتشار لثقافة الغاء الاخر التى تعبر عن نفسها بالعنف اللفظى حينا و الجسدى حينا اخر.
و لذا فان مسالة الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة مسالة لا تهدد فقط اقليات المنطقة العربية بل باتت مصدر تهديد لهوية الثقافة العربية باسرها التى تطمح ان تطور نفسها فى اطار ثقافة التسامح و قبول الاخر فى اطار الشعار الذى اطلقه فارس الخورى رئيس وزراء سورية فى ثلاثينيات القرن الماضى: الدين لله و الوطن للجميع.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك