الانقلاب الفكري في العقل العربي

الانقلاب الفكري في العقل العربي

بقلم د. حسن يوسف الشريف – يقظة فكر

لا أدري ماذا حدث للعقل العربي؟!. أهو ضعف ثقافي؟!، أم غياب للوعي ؟!، أم إنقلاب فكري؛ في صورة تنكر لثقافتنا وقوميتنا ومقدساتنا؟!. لقد أصبح الكثير من مفكرينا يبتعد قصداً عن الحديث عن ضرورة المقاومة والجهاد لتحرير المسجد الأقصى وفلسطين!!، أو الكتابة عن إسرائيل كعدوٍ استراتيجى للمصالح العربية، أو عن عداء السياسة الأمريكية للمصالح العربية!!.
وأصبحت إسرائيل تتحرك لتهويد القدس ومشاريع الاستيطان بوتيرة متسارعة (المفوضية الأوربية)، ويومياً تنقل لنا وسائل الإعلام عدد المنازل التي تم هدمها بالقدس، والمنازل التي يتم تسليم أهلها اقرارات إخلاء، وبعضها يحتلها الصهاينة بالقوة، بينما مفكرونا ومثقفونا ووسائل إعلامنا وشعوبنا وحكوماتنا كأنها لا ترى ولا تسمع ولا تعقل ولا تتكلم !!.
أعلنت إسرائيل مؤخراً ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال إلى ما يسمى بـ”التراث اليهودى” !!، وكان البعض يتوقع أن الحكومات والجيوش والشعوب العربية ستنتفض.. ولكن لم يحدث شيئاً من هذا!! .. يا للكارثة.. إنه الموت الفكري والسياسي والوجداني والاجتماعي لأمتنا!!.

منذ سنوات كان المفكر الفرنسي (روجيه جارودي) يخوض حرباً ضد الصهيونية في فرنسا، و(ناعوم تشومسكي) في أمريكا، و(جورج غالوى) في بريطانيا، يدافعون عن الحق الفلسطينى في تحقيق المصير، ويتعرضون للمتاعب والتضحيات، بل وصدور أحكام ضد بعضهم!!. بينما المفكرون والمثقفون والساسة العرب نسوا فلسطين والقدس والأقصى!!.. أين الحكام والملوك العرب؟!، أين وزراء الخارجية العرب؟!، أين جامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة؟!. إن هذا الصمت هو إنقلاب فكري ضد ثوابتنا العربية والإسلامية.. إن الأمر أخطر من كل تصور !!.
قارن بين ما يحدث على أرض الواقع وما يجب أن يكون، وما سطره كبار علماء الجغرافيا والتاريخ، واسمع إلى ما كتبه المفكر المصرى الدكتور (جمال حمدان): “إن فلسطين جزءٌ من صميم أرض الرسالة في الإسلام، إن مهد الإسلام يمتد كمحور طولي بين الحجاز وفلسطين، وكل من هذين القطبين، الشمالي والجنوبي، وهي بحق عاصمة الإسلام دينياً، إن مكانة فلسطين في العالم الإسلامي تتلخص ببساطة وبما فيه الكفاية في أنها منطقة النواة وقدس الأقداس، فيه أرضاً وديناً” (العالم الإسلامي المعاصر ص 150). ثم يتحدث الدكتور (جمال حمدان) عن الحد الأدنى الذي يجب على العالم الإسلامي أن يقوم به لنصرة فلسطين عاصمة الإسلام: “.. ولكنه على الأقل أن يشارك في مقاطعة العدو المشترك الدخيل الغاصب، ومحاصرته سياسياً واقتصادياً، وهو أضعف الإيمان، وليس من المتصور على الإطلاق أن تعترف دولة إسلامية بكيان العدو، بأي شكل من أشكال الاعتراف، أو أن نتعامل معه دبلوماسياً أو تجارياً …”. المصدر السابق.

رحم الله الدكتور (جمال حمدان) كيف لو عاش ورآى ما يحدث اليوم؟!!. لقد رحمه الله بالموت قبل أن يموت كمداً وحسرة! .. وفى كتابه “استراتيجية الاستعمار والتحرير”؛ قال: “الاستعمار العالمي هو الذي خلق إسرائيل بالسياسة والحرب، وهو الذي يمدها بكل وسائل الحياة من أسلحة وأموال، ثم هو الذي يحميها ويضمن بقاءها علناً، … فقد كانت بريطانيا (الاستعمار القديم) هي التي خلقتها، ولكنها سلمتها بعد ذلك طواعية لوصاية أمريكا “الاستعمار الجديد”، فكانت الأولى بمثابة الأب البيولوجي، والثانية بمثابة الأب الاجتماعي”.

إن السياسة العربية المعاصرة تعتبر بريطانيا وأمريكا من أحسن أصدقائها، بدلاً من تقديم زعمائهم كمجرمي حرب، شاركوا الزعماء الصهاينة في قتل العرب “راجع كتاب النبوءة والسياسة – جريس هالسل”. إن أمريكا وبريطانيا ومعهم أوروبا هم الذين ضغطوا على العرب ليقبلوا هجرة اليهود إلى فلسطين، هروباً من جحيم هتلر، لقد قالها اللورد (كارادون) للكاتبة الأمريكية (جريس هالس): “لقد فُرض على العرب أن يدفعوا ثمن جرائم هتلر !”.
إن موت المشاعر والوجدان وعدم استشعار المخاطر والتحديات هو إنذار بموت الإنسان، وإن كان حياً من وجهة نظر الطب وعلم البيولوجي.

إن أول واجبات المفكرين هو: إيقاظ أمتنا من غفلتها ونومها، وزراعة الأمل في قلوب اليائسين. أين مراكز البحوث والدراسات التي تساهم في تفعيل العقل العربي وإيقاظه من غفلته؟!، أين كبار العلماء والمفكرين الذين يرفعون همة الأمة؟!.

ـ العقلاء يستفيدون من أخطائهم ويصححون مسيرتهم.
ـ العقلاء يستفيدون من أعدائهم وخصومهم ويتعلمون منهم.

وها هي إسرائيل الدولة الصغيرة بعد تجميع اليهود من العالم أعلنت قيام دولة لهم على أرض فلسطين، فلماذا انتصروا وحققوا أهدافهم في قيام دولة لهم عام 1948؟، ولماذا لم ينجح العرب في هزيمة الصهيونية واسترجاع فلسطين حتى الآن 2010 ؟!!. إن وجود إسرائيل يزداد قوة يوماً بعد يوم، فلماذا لا تقوى الدول العربية نفسها يوما يعد يوم؟!.
بعد خروج فرنسا من الجزائر؛ بدأت ترى أن مصالحها في الشرق الأوسط لن تكون إلا بالصداقة العربية؛ فبدأت سياستها الموالية للعرب، لأن الحكومات والشعوب العربية يومها كانت تعمل بإخلاص وصدق لصالح أمتهم، وكان هذا يبشر – يومها- بتقدم وقوة الأمة العربية، ولكن لما بدأت الأمة تضعف؛ بسبب تراجع أنظمتها وضعف سياساتها، أعلنت فرنسا تراجعها عن سياساتها الموالية للعرب بعد حرب الخليج الثانية 1990، وعلى لسان وزير خارجيتها الأسبق (رولان دوما) قائلاً: “إن فرنسا في سياستها الموالية للعرب قبل حرب الخليج إنما هي سياسة ساذجة؛ لأنها كانت مبنية على خرافتين: الأولى: أن هناك وحدة عربية. والثاينة: أن هناك سياسة عربية. وما دام ليست هناك وحدة عربية ولا سياسة عربية فلا فائدة في أن تكون سياسة فرنسا موالية للعرب”.

هذه التصريحات يجب ألا نقابلها بالغضب، بل يجب أن نستفيد منها ونكتشف عيوبنا وتقصيرنا.. وهناك تصريح آخر جاءنا أيضاً من فرنسا، ولكن ليس من رجل سياسي .. إنه من عميد الاستشراق الفرنسى (جاك بيرك) يقول: “إن العالم العربي والإسلامي منذ حصوله على الاستقلال لم يحسن علاقاته – للأسف – بالأوساط الإفريقية والتركية والإيرانية، ويبدو لي أن صياغة مكان إسلامي في بحر أبيض متوسطي اقتصادي وسياسي وثقافي على المدى الطويل يمثل رؤية إيجابية.. ثم يضيف (جاك بيرك): ويبدو أن أمام هذه الرؤية بعض العقبات مثل حقد الاستثمار الأمريكي …”. (الأهالى 1/1/1992). أين عقلاء الأمة وقادة الفكر فيها ؟!!.

إن وضع الأمة الحالي لا يحتاج إلى مزيد شرح وتفسير، ولا مزيد وقت وتأخير، بل على الكل أن يشارك برأية وفكره وجهده وماله؛ للمشاركة في مسيرة إصلاح أمتنا.

إن السياسة والدبلوماسية العربية ومؤسساتتا التعليمية والإعلامية ومفكرينا وعلماءنا مدعون للمساهمة في توعية أمتنا بعدالة قضايانا، مع الإهتمام بتوحيد الصف العربي وتقويته على كل المستويات، وعلينا أن نستشعر المخاطر التي تهدد أمتنا، وأن نعرف كيف ننتصر على التحديات التي تواجهنا.

يخشى بعض الغيورين أن تكون الأمة قد ماتت، ولم يبقَ إلإ إعلان الوفاة !!، ونرجو أن يكون هذا نوماً وليس موتاً. وعلى المفكرين والعلماء والمثقفين والعقلاء أن يساهموا في إيقاظ أمتنا من نومها؛ لتستعيد وتسترد حقوقها ومقدساتها.

http://feker.net/ar/2010/04/13/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d9%82%d9%84%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a/

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك