الأسس العلمية لاختلاف الصحوة الإسلامية

الأسس العلمية لاختلاف الصحوة الإسلامية

محمد فؤاد البرازي

من رحمة الله تعالى بعباده إكرامه إياهم بهذا الدين ، وتعهده بحفظه حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

ولعل من الأمور التي جعلها الله عزَّ وجلَّ سبباً في حفظ هذا الدين وجودَ صحوة إسلامية لدى الشباب المسلم ، دفعته إلى العودة لدينه ، والاعتزاز بعقيدته رغم المؤامرات الداخلية والخارجية ، التي لم تَزِدْهُ مع الأيام إلا صلابة وقوة وتحدياً للمخاطر.

 

وليس بِدْعاً من الأمر أن تجد هذه الصحوة الإسلامية من أعدائها كل كيد وعدوان ، وكذب وبهتان ، وتربص وطغيان ، لأن ذلك من سنة الله في الدعوات التي قاد ركبها الأنبياء والمرسلون صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين مصداقاً لقول الله عزَّ وجلَّ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ... } [الفرقان : 31]. ولعل الحكمة في ذلك تمحيص الصفوف المؤمنة ، وابتلاء النفوس المصابرة ، { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [آل عمران : 186]. وقال تعالى : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ % وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } [آل عمران : 140-141].

 

إن الله تعالى لا يريد أن يكون النصر رخيصاً تناله النفوس المريضة ، والعزائم الفاترة التي لا تقدم لدينها أي جهد ، ولا تتحمل من أجله أيَّ عناء ، بل يريد أن يكون ثمرة للجهد المخلص ، والابتلاء الذي ينجح فيه صاحبه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة : 214].

 

نعم ليس غريباً أن تجد الصحوة الإسلامية إرجاف المرجفين ، وتربص المتربصين وكيد الخائنين ، ولكن الأخطر من ذلك أن يدب داء الاختلاف بين أفرادها وجماعاتها ، وفصائلها ، فيُخَلِّفَ تدابراً ، ويورثَ تناحراً ، ويُحيل الحب بغضاً ، والوصال هجراً ، لغياب " فقه الاختلاف " عن رجال أتقنوا النقد ، ومهروا في التجريح ، ولهثوا وراء الجدل ، وخاصموا الآخرين على أمور تقبل أكثر من وجهة نظر.

 

ويجري هذا كله لا من أجل أصل من أصول الإسلام جُحد ، أو كلية من كلياته أُنكرت ، ولكن لقناعة لهؤلاء لم توافقهم عليها جماعات إسلامية أخرى أو لأسلوب في المعالجة يرى غيرهم المصلحة فيما سواه ، أو في فروعٍ علميةٍ للعلماء فيها أكثرُ من اجتهاد.

 

ولو أن هؤلاء الأشخاص ، أو تلك الجماعات - أيّاً كانت انتماءاتها - اقتنعت بالاجتماع مع الآخرين على ما تتفق عليه ، وعَذَرتهم فيما اختلفت معهم فيه ، وتركت التعصب للرأي ، وكان اهتمامها في نقاط الاتفاق لا مواضيع الاختلاف لأراحت واستراحت ، وعملت عملاً تؤجر عليه.

 

لكنَّ غياب " فقه الاختلاف " عن هذا الفريق جعل غياهب سوداء أمام أنظارهم ، راحوا ينظرون من خلالها إلى الآخرين ، فأساؤا بهم الظن ، والله تعالى يقول : {... إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... } [الحجرات : 12].

 

كما أن غياب " فقه الأولويات " جعل الرؤية مختلة ، والموازين مضطربة والفتاوى متسرعة ، دون اعتماد على إحصاءات دقيقة ، ودراسات عميقة ، وأدلة صحيحة.

 

والعمل الإسلامي متشعب الجوانب ، متعدد المجالات ؛ وكل جانب يخدم غرضاً من أغراضه ، ويسد ثغرة من ثغراته ، والمسلمون بحاجة لتلك الجوانب كلها ، وكل جماعة منهم قد وفقها الله تعالى لعمل نرجو أن تؤجر عليه ، إذ لا ضير في تعدد تلك الجماعات ما دامت تتعاون مع الآخرين على خدمة الإسلام لتحكيمه في الأرض.

 

غير أن التزام جانب من هذه الجوانب ، وتسفيهَ من عَمِلَ بغيره دون نظر في الجوانب الإسلامية الأخرى التي قد تكون أولى منه ، إنما يعني جهلاً بـ " فقه الأولويات ".

 

فقد تقتضي الأمور في مرحلة من المراحل موازنةً بين عمل دَعَوي تُرَدُّ فيه عن الإسلام شبهات ، وتدحض عن حِماه مفتريات ، وبين عمل سياسي يسعى لفرض الإسلام في بعض المجالات ، وعمل آخر جهادي يقاوم الملحدين ، ويرد المعتدين ، ويخضد شوكة الظالمين. ولا أرى ضيراً على من يُؤْثر في مرحلة من المراحل أحد هذه الأعمال على غيرها ترجيحاً لمصلحة كبرى ، أو دفعاً لمفسدة عظمى ، عملاً بهذا الفقه الذي هو من صميم هذا الدين.

 

والموازنة تحتاج إلى رجل عليم ، ومختص خبير ، يجيد ترتيب هذه الأولويات ، فيقدم الأهم على المهم دون إغفال الجوانب الأخرى.

 

لذا كان على الجماعات الإسلامية أن يكون لديها أمثالُ هؤلاء ، أو تبحثَ عنهم فتسألهم - إن لم يكونوا في صفوفها - ليعطوها الرؤية الصحيحة لتوازن - قبل أن تجابه أو تهادن - بين مصلحة يجب تقديمُها ، وأخرى ينبغي تأخيرها ، كما أن عليها أن تعرف عملياً لا نظرياً الموازنة بين مفسدتين ، فتجنح إلى أخف المفسدتين وأهونِ الضررين إن لم يكن من أحدهما بُدّ ، وتسكتَ عن مفسدة إذا كان إنكارها سيؤدي إلى مفسدة أكبر منها.

 

ومن واجبها أيضاً أن تفقهَ الموازنة بين المصالح والمفاسد ، أو المنافع والمضار عند التعارض ، ففي هذه الحالة يُتسامح بمفسدة يسيرة من أجل مصلحة كبيرة ، كما يُتساهل بمفسدة مؤقتة من أجل مصلحة طويلة الأمد. أما في الحالات العادية فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

 

ولغياب هذا الفقه المتين - القائم على السياسة الشرعية التي قَعَّدَ قواعدها العلماء الراسخون في العلم - عن بعض العاملين في الحقل الإسلامي ينشأ الخلاف حول قضايا كثيرة معاصرة ، لو أدرك أصحابها هذا الفقه لما اختلفوا حولها. لكنَّ آفة العلم جهلُه تارة ، ونسيانُه تارة أخرى.

 

وإلى أن يفقهَ البعض من رجال الصحوة الإسلامية هذا الفقه ، فإن عليهم أن يضعوا نصب أعينهم أسساً لا بد منها عند اختلاف وجهات النظر.

 

ولن يضيرنا تعدد الجماعات الإسلامية التي نذرت نفسها لخدمة الإسلام طالما أن كلاً منها يخدم نوعاً من أنواع العمل الإسلامي ، ويسعى بإخلاص للتنسيق والتعاون مع الآخرين على نحو يحقق التكامل في العلم والعمل. كما لن يضيرنا اختلاف الاجتهادات بطروح متعددة تتسع لجميع الناس ، ومدى طاقاتهم واستعداداتهم..

 

ونجمل أهم هذه الأسس فيما يأتي :

 

- التعاون في القضايا المتفق عليها :

 

وهو أساس من الأسس الهامة في التقاء جماعات الصحوة الإسلامية ، وتعاونها ، وإيجاد الألفة والمودة فيما بينها.

 

غير أن بعض الناس أولعوا بالمسائل المختلف عليها ، فيُشهرون الحسام في وجه مخالفيهم ، ويقيمون الخطب والمحاضرات والدروس انتصاراً لآرائهم ، وحملاً للناس على وجهة نظرهم ، بحيث تأتي على الأُخُوة ، وتستهلك الوقت ، وتصرف الناس عن قضايا مهمة يمكن اللقاء عليها..

 

- لمصلحة من نختلف إلى حدِّ المنابذة حول صلاة التراويح أهي ثماني ركعات أم عشرون ؟ حتى أدى ذلك إلى أن يضرب الناس بعضهم بعضاً في أحد المساجد.

 

- لمصلحة من نختلف إلى حدِّ التكفير فيمن يؤول آيات وأحاديث الصفات وفي علماء الأمة وجهابذتها من يقول بذلك عند الاقتضاء ؟!! مع اعتقادنا ، واتفاق جميع الأمة أن مذهب السلف الصالح أعلم وأسلم وأرجح..

 

ليست المشكلة - يا قوم - مع هؤلاء ولا أولئك طالما أنهم مؤمنون موحدون ، ولكن المشكلة مع من يتوجه بالدعاء إلى الأنبياء والمرسلين ، أو ينكر صفات رب العالمين.

 

- لمصلحة من نقيم جدلاً عقيماً حول دخول البرلمانات النيابية - إذا كان نواب الحركة الإسلامية ابتداءً لا يوافقون على أي تشريع غير إسلامي ، ويرفعون صوت الإسلام داخل البرلمان -.. أقول : لمصلحة من نتجادل في ذلك وفي الأمة عدد كبير من العلماء الموثوقين ، والدعاة المرموقين الذين قالوا بجواز ذلك ؟!! بل إن منهم من رشحته الأمة لهذا المنصب نفسه ، ليؤديَ من خلاله مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل أقول لمصلحة من يحدث ذلك وفي الأمة من لا يرى الإسلام صالحاً لهذا الزمان ، وينادي بفصل الدين عن الحياة.

 

إن الأجدى بنا أن نعذر مخالفينا طالما أن لهم من الشرع الحكيم مستنداً ، ومن أقوال علماء الأمة حجة ، ولْنتعاونْ على ما نتفق أنه حق يجب علينا تحقيقه ، ولْتتضافر قوانا على ما نعتقد أنه منكر تجب محاربته.

 

ألا يجدر بنا أن نتفق - في إطار من الأخوة والمحبة - على نشر الإسلام ، وإعلاء كلمة الإيمان !!

 

أليس الأجدر بنا أن نتفق على تعميق المعاني الإيمانية في نفوس المسلمين ؟!!

 

أليس الأولى بنا أن نتعاون على حمل الناس على مكارم الأخلاق ؟ !!

 

أليس الأولى بنا أن نرسخ العقيدة في النفوس لنحميَها من الزيغ والإلحاد ؟!!

 

أليس الأولى بنا أن نتفق على تعميق معنى ( إنِ الحكمُ إلا لله ) وأن كل حكم غير إسلامي هو حكم جاهلي ، وإن تباينتْ بيننا الأساليب في إصلاحه وتقويمه.

 

أليس الأولى بنا أن نتفق على القدر الذي لا يُختلف فيه لنواجه معاً حرباً شرسة شنَّها الأعداء ضد الصحوة الإسلامية ، تارة باسم الأصولية ، وأخرى باسم الإرهاب ؟!!

 

إن نقاط الاتفاق بين جماعات الصحوة الإسلامية كثيرة جداً لا تستوعبها محاضرة ولا محاضرات ، فلمَ لا نعقِدُ عليها الخناصر ، ونشُدُّ عليها الأواصر ، ونوحد الصفوف ، ونضم الجهود ، وننسى الخلافات التي لكل فريق فيها وجهة ، وله عليها دليل وحجة !!

 

ولسنا فيما نقول نرشح لاجتهاد دون آخر ، أو ننتصر لمذهب على مذهب طالما أن الخلاف ضمن أسسه الشرعية ، ومواصفاته الأخوية ، وفي إطار القضايا الفقهية..

 

- الإعذار في القضايا المختلف فيها :

 

إن على جماعات الصحوة الإسلامية أن لا تتعصب لاجتهاد دون اجتهاد ، ولا لأسلوب في العمل دون أسلوب ، ولا لقول دون قول ، بل عليها أن تتسامح في الأمور التي تقبل أكثر من وجهة نظر ، وتعذُرَ مخالفيها في سلوك الطريق الذي يختارونه ما لم تكن فيه مخالفة شرعية مقطوع بها ، ومُجمع عليها. وقديماً رفع الشيخ محمد رشيد رضا شعاراً تبنَّاه - من بعده - الإمام الشهيد حسن البنا حيث قال : “ نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ”. نعم يكفينا أن نلتقي على القطعيات من الأحكام ، ونتفق على مجموعة من الظنيات ، ونمضي في العمل والبناء ، مع إعذار البعض للبعض الآخر في ظنيات أخرى تختلف فيها الاستنباطات ، وتتعدد أساليب المعالجة ، لاحتمال أن يكون الصواب مع الآخرين.

 

والصواب قد يتعدد كما ذهب إليه فريق من أهل العلم ، كالإمام أبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه التي نقلها الإمام محمد ، وأبو الحسن الكرخي ، وإبراهيم ابن عباس ، وقال بذلك أيضاً أصحابه وآخرون من أهل العلم. وذهب من لا يقول بذلك إلى أن المجتهد إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد.

 

وليكن معلوماً أن للزمان اعتباره في الفتوى ، كما أن للبيئة اعتبارها في الحكم على بعض القضايا ، ألا ترى أن لدار الكفر أحكاماً تختلف عن دار الإسلام ، يضاف إلى ذلك أن للأحوال التي تعرض للمجتمعات ظروفَها التي تأتي الفتوى الشرعية لمعالجتها. وقديماً قال الفقهاء : “ الفتوى تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً ”.

 

في المسائل الفقهية أمثلة كثيرة توضح ذلك :

 

- منها : إيقاف سيدنا عمر سهم المؤلفة قلوبهم ، لأنه رأى أن مشروعية ذلك كانت في زمن ضعف المسلمين. ولما قويت شوكة الإسلام والمسلمين - في عهده - انتفت العلة التي من أجلها شرع ذلك الحكم. والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً كما قرره الأصوليون.

 

- ومنها : تضعيف سيدنا عمر حدَّ الشرب ، حيث جعله ثمانين جلدة حين تمادى الناس في الشراب ، فرأى أن يزيد على الحد أربعين جلدة زجراً لهم.

 

ولئن صحَّ هذا في المسائل الفقهية ، فإنه بالأحرى يصح في المسائل السياسية ، والأساليب الدعوية ، ما لم تصادم نصاً ، وتخرج عن أصل من أصول الشريعة.

 

لهذا قال كثير من أهل العلم والفتوى الموصوفين بالتقى والورع بجواز المشاركة في المجالس النيابية إذا قام هؤلاء النواب الإسلاميون بمعارضة التشريعات الوضعية ، وسعوا إلى تعطيلها ، وطرحوا البديل الإسلامي ، لأن هذا نوع من الجهاد اللساني والإعلامي الذي يكون سبيلاً من سبل مقارعة المنحرفين ، وأسلوباً من أساليب الدعوة إلى الله رب العالمين.

 

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي : “ ربما يعين على التسامح فيما يَختلف فيه العاملون للإسلام اليوم : أن كثيراً من ألوان الخلاف الذي نشهده على الساحة الإسلامية ليس خلافاً على الحكم الشرعي من حيث هو عند الفقهاء العالمين ، ولكنه خلاف على تكييف الواقع الذي يترتب عليه الحكم الشرعي ، وهو ما يسميه الفقهاء : " تحقيق المناط ".

 

فالجميع متفقون على أن الحاكم الذي يَدَعُ الحكم بما أنزل الله إنكاراً ورفضاً له ، أو استخفافاً به ، وتفضيلاً لحكم البشر عليه هو كافر بلا نزاع ، ولا يستحق أن يكون في زمرة المسلمين ، وينطبق عليه ظاهر قوله تعالى : {... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } [المائدة : 44] دون أي حاجة إلى تأويل ، بخلاف من يتركه ضعفاً ، أو خضوعاً أمام القوى الأجنبية ، أو حرصاً على الكرسي.. الخ ، ولكن يأتي الخلاف في أن حكام البلد الفلاني ، هؤلاء هل هم من الصنف الأول أو من الصنف الآخر ؟

 

هنا يقول البعض : إن هؤلاء رافضون جاحدون ، مستخفون ، فهم كفرة مرتدون مارقون.

 

ويقول آخرون : بل هم قوم ضعفاء مهازيل ، عبيد للمناصب ، ليس لديهم من قوة الدين ، ولا من قوة النفس ما يجعلهم يقولون بملء أفواههم : لا.

 

وغيرهم يحاول أن يبرر موقفهم بأنه من إملاء الضرورة ، لأن الأجنبي ما زال يتحكم في مقدَّراتهم ، ونفوذه لم يبرح قائماً وإن جَلَتْ جيوشه ، ورحلت عساكره ، فهو الذي يُمِدُّ بالسلاح ، ويعطي القروض ، ويمنح المعونات.

 

ومثل ذلك : الموقف من تغيير المنكر بالقوة. فلا خلاف أن من مَلكَ القدرة والاستطاعة ، ولم يخشَ أذىً ولا ضررَ أحدٍ يعجز عن احتماله هو ومن يَحملُ تبِعتهُ ولم يخفْ من وقوع منكر أكبرَ من المنكر الذي يريد تغييره ، فإن له - بل عليه - أن يغير المنكر بيده ، وإلا انتقل من اليد إلى اللسان ، ثم إلى القلب ، وذلك أضعف الإيمان.

 

ولكن الخلاف يظهر هنا في تحقيق هذا المناط ، أعني هل فلان خاصة ، أو هذه الفئة من الناس : أهي قادرة على إزالة المنكر بيدها بالشروط التي ذكرناها أم لا ؟ هنا تختلف الأنظار ، وتتفاوت الأفكار.

 

فمن الناس من يبالغون في تقدير قُوَّتهم الذاتية بحيث يحسبون أنهم على تغيير المنكر قادرون ، لمجرد أنهم يستطيعون أن يحرقوا حانة ، أو يحطموا زجاجة خمر ، أو يفضوا حفلاً ماجناً بالعنف ، غافلين عما قد يسببه ذلك من آثار وأضرار قد تكون أضعاف المنكر نفسه الذي أريد تغييره.

 

وفي مقابل هؤلاء قوم يَغْلون في تقليل حجمهم ، وإظهار أنفسهم بمظهر الضعف ، حتى إنهم لا ينكرون المنكر بمجرد القول والبيان.

 

وآخرون متوسطون بين هؤلاء وأولئك ، ينظرون إلى الأمر من جميع جوانبه ، ناظرين إلى ما يصيبهم ويصيب إخوانهم وأهليهم ، ويصيب سمعة الإسلام ودعاته ، موازنين بين المصالح والمفاسد ، مُقَدِّمين درء المفاسد على جلب المصلحة ، يفوتون أدنى المصلحتين ، ويقبلون أهون الشرين ”.. ا. هـ.

 

وهناك مسألة أخرى من الواجب أن تتفطن لها الجماعات الإسلامية ، والداعون إلى الله تعالى ، وهي من القواعد المقررة شرعاً ، المعروفة بارتكاب أخف الضررين ، وأهون الشرين.

 

واستناداً على هذه القاعدة يجوز - كما قال الشيخ القرضاوي - التعاون مع مبتدع ضد مبتدع أغلظَ منه ابتداعاً ، أو ضد كافر معادٍ للملة كلها.

 

بل يجوز التعاون أو التحالف مع كافر ضد من هو أكفر منه ، أو التعاون مع كافرٍ حسن الرأي والمودة للمسلمين ضد كافر ظاهر العدواة والكيد للمسلمين.

 

وقد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية قبيلة خزاعة ضد قريش الذين ناصبوه العداء ، وشنوا عليه الغارات.

 

وفي قصة الحرب بين الفرس والروم التي انتصر فيها الفرس المجوس على الروم النصارى في أول الأمر ، وما وقع من جدالٍ وتلاحٍ بين المسلمين والمشركين من قريش في مكة حول نتيجة هذا الصراع وعاقبتِه إلى حدّ أن راهن أبو بكر على أن الروم سينتصرون ، دليل على أن الكفر بعضُه أهونُ من بعض ، وأن بعض الكفار أقرب إلى المسلمين من بعض.

 

وهذا ما أدركه كلٌ من المسلمين والمشركين في مكة ، فقد اعتبر المشركون انتصار الفرس على الروم أمراً يغيظ المسلمين ، لأن الفرس يعبدون النار ، ويقولون بإلهين اثنين : للخير وللشر ، بخلاف الروم فهم أهل كتب ، وأصحاب دين سماوي.

 

ولا غرو أن نزل القرآن يبشر المسلمين أن الدائرة ستدور على الفرس ، وأن الدولة ستكون للروم ، يقول الله تعالى : { الم % غُلِبَتْ الرُّومُ % فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ % فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ % بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم : 1-4] ا.هـ.

 

وخلاصة القول : إن على جماعات الصحوة الإسلامية ورجالها أن يدركوا أنهم جميعاً يسعون لتحقيق الإسلام ، ولا يُقرون حكم الجاهلية ، ولا الأنظمة الطاغوتية ، ولكن اجتهاداتهم قد تختلف في مدى المقدرة على تغيير هذه الأنظمة في وقت من الأوقات بحساب الأسباب التي أُمرنا باتخاذها.. فلا يجوز لمن يبالغ في تضخيم عدده وقوته أن يتهم الآخرين بالتقاعس ، أو التخلي عن واجب الجهاد. وإن الوفاء يقتضي أن يعرف اللاحق فضل السابق ، ويتأدب بأدب القرآن ، فيدعو بدعاء المؤمنين الأوفياء الصادقين : {... رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر : 10].

 

- اجتناب الغلو في التكفير :

 

إن أخطر ما ابتُليت به الصحوة الإسلامية في عصرنا هذا الغلو في التكفير ، والتسرع في نبز مسلم بالكفر في قضية مختلف فيها ، أو استنادٌ للازم قول ، علماً بأن لازم القول ليس بلازم ، كما نص على ذلك العلماء.

 

والإقدام على هذا الأمر فيه من قطع الروابط ، وتمزيق الأواصر ما لا يُحمد عُقباه. فقد يؤدي إلى استباحة أموال ودماء ، ومنع ميراث ، وعدم تغسيلٍ وتكفينٍ ودفن في مقابر المسلمين. فهل من مصلحة المسلمين إخراج أفواج من دين الله عزَّ وجلَّ بكلمة تحتمل معنيين ، أو فيها خلاف بين عالمين ؟!!

 

لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مغبة ذلك فقال : " من دعا رجلاً بالكفر ، أو قال : يا عدو الله ، وليس كذلك إلا حار عليه " ( رواه الشيخان ) أي : رجع عليه. وفي رواية أخرى : " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بهما أحدهما ، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " ( رواه الشيخان وغيرهما ).

 

وقد تهيَّب العلماء من تكفير مسلم في أمر مختلف فيه ، وتركوا التكفير من أجل بدع ولو كانت غليظة. ولهذا كانت العقيدة التي أجمع عليها أهل الحق تقول : “ ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله. ولا نقول : لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ”. وجاء فيها أيضاً : “ ولا يَخرجُ العبدُ من الإيمان إلا بحجود ما أدخله فيه ” ( العقيدة الطحاوية : 355-372 ).

 

وقال ابن الشاط المالكي في حاشيته المسماة : ( إدرار الشروق على أنواء الفروق : 4/133 ) “ التكفير لا يصح إلا بقاطع سمعي ”.

 

وقال الحصكفي في ( تنوير الأبصار : 1/198 ) : “ لا يفتى بتكفير مسلم كان في كفره خلاف ولو رواية ضعيفة ”.

 

وقال ابن عابدين في ( حاشيته على الدر المختار : 1/55 ) : “ قالوا : لو وجد سبعون رواية متفقة في تكفير المؤمن ، ورواية ولو ضعيفة بعدمه ، يأخذ المفتي والقاضي بها دون غيرها ”.

 

وقال ابن الهمام في ( فتح القدير ) : “ الكفر لغة : الستر ، وشرعاً : تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به من الدين ضرورة. وألفاظه تُعرف في الفتاوى ، بل أُفردت بالتآليف ، مع أنه لا يُفتى بالكفر بشيء منها إلا فيما اتفق المشايخ عليه. قال في البحر : وقد ألزمتُ نفسي أن لا أفتي بشيء منها ” ا. هـ. قلتُ : وما ذلك إلا لخطورة التسرع في التكفير.

 

قال ابن عابدين ( 3/285 ) تعليقاً على قول صاحب البحر السابق : “ وفي جامع الفصولين : روى الطحاوي عن أصحابنا : لا يُخرجُ الرجلَ من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه. ثم ما تُيُقّنَ أنه ردة : يُحكم بها ، وما يُشك أنه ردة لا يحكم بها ، إذِ الإسلام الثابت لا يزول بالشك ، مع أن الإسلام يعلو ”.

 

وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المُكره.

 

أقول : قدمت هذا ليصير ميزاناً فيما نقلتُه في هذا الفصل من المسائل ، فإنه قد ذُكر في بعضها أنه كفر ، مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة ، فليُتأمل. ا. هـ. ما في جامع الفصولين.

 

وفي الفتاوى الصغرى : الكفر شيء عظيم ، فلا أجعل المؤمن كافراً متى وجدت رواية أنه لا يكفر. ا. هـ.

 

وفي الخلاصة وغيرها : إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ، ووجه واحد يمنعه ، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسيناً للظن بالمسلم. زادَ في البزازية : إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل. كما في الطحطاوي.

 

وفي التتارخانية : لا يكفر بالمحتمل ، لأن الكفر نهاية العقوبة ، فيستدعي نهاية في الجناية ، ومع الاحتمال لا نهاية. ا. هـ.

 

والذي تحرر أنه لا يُفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن ، أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة. فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يُفتى بالتكفير فيها. وقد ألزمتُ نفسي أن لا أفتي بشيء منها. ا. هـ. كلام البحر باختصار.

 

فتأمل يا أخي أقوال هؤلاء الأعلام ، ثم ارْثِ لحال مجموعة من الفئام ، خرجت على هدي الأئمة ، وكفَّرت كثيراً من سواد الأمة ، لجهلها في الدين ، وخروجها عن محجة المتقين أو لهوى نفس وحقدٍ دفين. نعوذ بالله من الحَور بعد الكور ، ومن الضلال بعد الهدى. وإذا رأيت أقوال التكفير في بعض كتب أهل العلم - لا المتطفلين عليه - فلا تسارع إلى التكفير قبل أن ترجع إلى كلام المتقدمين منهم ، فقد قال ابن نجيم في البحر الرائق - كما نقله ابن عابدين ( 3/293-310 ) : “ يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير ، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون ، بل من غيرهم ، ولا عبرة بغير الفقهاء ”.

 

ولا تنسَ ما سبق من أنه : “.. لا يُفتى بالكفر بشيءٍ إلا فيما اتفق المشايخ عليه ”.

 

أخي المسلم : إن لزمت أقوال أهل العلم كنت من أهل الحق والاستقامة ، وإلا حارت عليك كلمة الكفر ثم أعقبتها الندامة.

 

- تحرير محل النزاع :

 

قد تثور بين المتحاورين خصومة حول قضية لم تتحرر فيها نقطة الخلاف ؛ إمَّا لعدم تحديد المفهوم ، أو لاختلاف في الاصطلاح ، ولو كشف ذلك لزالت الخصومة وحل الوفاق.

 

وخوارج الأمس ومن تابع طريقتهم في هذه الأيام قد خالفوا جمهرة الأمة في مسائل أساؤا فهمها لعدم تحديدهم لمصطلحات علمية لا يجوز أن تختلط فيها المفاهيم ، فلم يحالفهم التوفيق في ضبط مصطلح الإيمان والكفر ، فخلطوا بين ما أريد به الإيمان الكامل ، والإيمان الذي هو نقيض الكفر.

 

ومثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ". فهذا الحديث الشريف لا يعني الخروج من الإسلام لمن يرتكب واحدة من هذه الآثام ، ولكنه يعني نفي كمال الإيمان ، ولو كان المقصود نفيَ أصل الإيمان لكانت عقوبتهم عقوبة المرتد.

 

ومن ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : " والله لا يؤمن. والله لا يؤمن. والله لا يؤمن. قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من لا يأمن جاره بوائقه ".

 

وكذلك الكفر ، فمنه ما هو كفر أصلي أو طارئ ، وهو الكفر الأكبر ، ومنه ما هو كفر دون كفر ، وهو الذي يطلق مجازاً على المعاصي ، وهو الكفر الأصغر. وسمي هذا النوع بذلك لأنه قد يفضي إلى الكفر ، كما قيل : “ المعاصي بريد الكفر ” ، أو المراد : كفر النعمة كما فُسر به : " الجلوس على الملاهي فسق ، والتلذذ بها كفر ".

 

ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى : {... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } [المائدة : 44] وقول رسوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر " ، وقوله : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ".

 

ومثل ذلك : النفاق ، فمنه نفاق العقيدة ، وهو إظهار الإيمان واستبطان الكفر ، كالذين قال الله تعالى فيهم : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } [البقرة : 8].

 

ومنه نفاق العمل ، كالذي يُشْبِهُ في بعض أعماله وأخلاقه المنافقين ، فهذا لا يَخرجُ من الإيمان. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ".

 

إنه لا بد من تحرير المصطلحات ، حتى لا تختلط الأفهام ، وتزدحم الأوهام ، ويؤدي ذلك إلى تناحرٍ وخصام.

 

- العناية بالقضايا الكبرى للمسلمين :

 

من المؤسف أشد الأسف أن تحاول بعض جماعات الصحوة الإسلامية أن تلزم الآخرين بفروع لم يتفق عليها سلف الأمة الصلحاء ، أو بمواقف لم تجتمع عليها كلمة أئمة الفقهاء ، أو بقضايا تتباين فيها وجهات نظر العلماء.

 

نعم تحاول بعض الجماعات الإسلامية ذلك رغم ما في الإسلام من سعة ورحابة يتسع لهؤلاء جميعاً ، ثم تنسى قضايا كبرى تحتاج منها إلى اجتماع الشمل ، ولمِّ الشعث ، وتعبئة الجهود ، وتوحيد الطاقات.

 

إن هناك كثيراً من القضايا التي يمكن أن تلتقي عليها جهود العاملين للإسلام وقلوبهم لإصلاحها وتقويمها كالانحلال الخلقي ، والتسيب السلوكي ، والتسلط السياسي ، والتخلف الاجتماعي ، والبؤس الاقتصادي ، والغزو الفكري ؛ وكلها قضايا يمكن لجماعات الصحوة الإسلامية أن تتفق على حلول مناسبة لمعالجتها.

 

لكن المحزن أن تنصرف عن ذلك لتقيم جدلاً عقيماً ، وخصاماً مقيتاً حول مسائل اجتهادية ، للمصيب فيها أجران ، وللمخطئ فيها أجر واحد ، كدخول البرلمانات ، والمشاركة في الحكومات ، والتحالف مع أحزاب وجماعات أنظمتها غير إسلامية ، ويتراشق المختلفون بعبارات لا يتقون الله فيها ، ولا يتقيدون بآداب الإسلام عند المناقشة بها.

 

إن عالمنا الإسلامي تغزوه صليبية حاقدة ، ويهودية ماكرة ، التقت بكل نزعاتها على حرب الإسلام والمسلمين ، وارتكبت في حقهم مجازر في عديد من بقاع الأرض يندى لها الجبين ، ومع هذه المخاطر الكبيرة فالنزاعات بين رجال الصحوة الإسلامية ما تزال قائمة ، والأمة ضائعة حتى بأقلياتها ، لا تملك قيادة تحركها ، ولا خلافة تجمعها ، ولا حكومة مخلصة تلم شعثها. وبدلاً من قيام الصحوة الإسلامية بمختلف تياراتها مقام الخلافة المفقودة ، والقيادة الرشيدة فإن بعض العاملين في الحقل الإسلامي يثيرون مسائل خلافية لن يضيرهم لو تركوا الآخرين لاجتهادهم ، ثم اتفقوا معهم على ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.

 

لقد التقى العالم النصراني بقواه العسكرية ، ومدارسه الفكرية ، ونظرياته السياسية على حرب الإسلام والمسلمين ، ومع هذا نجد من يشغل الساحة الإسلامية بمواقف هوجاء وتصريحات حمقاء ، ومطبوعات بلهاء ، تحمل التجريح بألسنة حِداد أشحة على الخير ، تُفرح الأعداء ، وتغيظ العقلاء.

 

إننا نُذكِّرُ هؤلاء بقول الله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [آل عمران : 30].

 

أيها الإخوة : تلك هي بعض الأسس العلمية أبرزها في فقه اختلاف الصحوة الإسلامية ، أضعها أمام العاملين في الحقل الإسلامي ، عساها تكون مَعْلماً على الطريق ، تساعد على التعاون والترابط ، وتجاوز حظوظ النفس : {... أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [يونس : 35]. (لا يَهِدِّي : أي لا يهتدي بنفسه )

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.

 

المصدر: مجلة الرائد العدد 226

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك