الجانب المظلم للسياسة والدين في أمريكا

الجانب المظلم للسياسة والدين في أمريكا

جون إسبوزيتو

للدين جانبٌ مظلم، والمتطرفون الذين يتستَّرون به يمكن أن يكونوا سفراء للموت.. خبراتنا المريرة تشهد بذلك، لكن الدين يمكن أن يستخدم أيضًا لتغذية الانقسام والكراهية، كما أظهرت انتخابات التجديد النصفي الأمريكيَّة الأخيرة.

 

فالسياسيون من أمثال "نيوت جينجريتش"، رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق، و"سارة بالين"، المرشَّحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2008 الرئاسية، و"شارون أنجل"، استأثروا بالعناوين الرئيسيَّة، مستخدمين الإسلام والمسلمين ككبش فداء، ظهر ذلك في خطاب بـ (معهد أميركان إنتربرايز) مطلع العام الجاري، حينما اصطنع "جينجريتش" واقعًا لا وجود له، ودعا إلى قانون فيدرالي ينص على أن الشريعة الإسلاميَّة لن يُعتَرف بها من جانب أية محكمة في الولايات المتحدة، وقد تفوَّقت عليه "شارون أنجل" تقريبًا حينما زعمت زورًا أن فرانكفورد بـ تكساس وديربورن بـ ميتشيجان "خاضعتين" لحكم الشريعة الإسلاميَّة.

 

وبالمثل كان الناخبون في أوكلاهوما ولويزيانا قلقين من "زحف" الشريعة الإسلاميَّة، في الأولى سُئِل الناخبون حول ما إذا كانت المحاكم ينبغي أن تُمنع من استخدام الشريعة، وفي الثانية مُرِّرَ العديد من مشروعات القوانين التي تحظر استخدام القوانين الدولية في محاكمها، صحيح أن تلك المشروعات لم  تذكر الشريعة الإسلاميَّة صراحةً، لكن نادت بحماية (القانون الأمريكي في لويزيانا) وهو نفس ما حدث تمامًا في أوكلاهوما.

 

هناك مشكلة كبرى فيما يتعلَّق بتلك التهم والمخاوف الزائفة؛ تتمثل في أنه لا توجد محكمة فيدراليَّة اعتمدت الشريعة الإسلامية أو أي قانون ديني كبديل للقانون الأمريكي, بل يتقبل عامة المسلمين، مثل غالبية المواطنين من الأديان الأخرى، النظام القضائي الأمريكي.

 

بالأمس كافح اليهود والكاثوليك واليابانيون في الحرب العالميَّة الثانية، وكثيرون آخرون، ضد التعصب والتمييز قبل أن يتم قبولهم، واليوم لا يزال مسلمو أمريكا، برغم تأكيد كافة الاستطلاعات على أنهم مندمجون اقتصاديًّا وتعليميًّا وسياسيًّا، يواجهون قوى قويَّة تودُّ لو جردتهم من موقعهم كجزء من النسيج المجتمعي الأمريكي، يؤكِّد ذلك أبرز استطلاعات الرأي التي أجرتها جريدتَا تايم ونيويورك تايمز حول الإسلام في أغسطس الماضي؛ حيث أعرب 33%  عن اعتقادهم بأن مسلمي أمريكا أكثر تعاطفًا مع الإرهاب، وبصفة عامة حمل 60% من المستطلع آراؤهم مشاعر سلبيَّة تجاه المسلمين، وهي نفس النتائج التي أشارت إليها الدراسات الأخرى التي أجرتها (جالوب)، وواشنطن بوست، ومنتدى بيو.

 

لقد أصبح أكثر صعوبة بالنسبة للمسلمين أن يدشِّنوا مساجد أو مراكز إسلاميَّة، بسبب المعارضة المستمرَّة للبلديات ومجالس المدن، وفق ما أكده تقرير صادر عن مركز بيو حول الحياة العامة والدين، حتى المساجد الحالية لم تسلم من الأذى، فقد واجهت عمليات تخريب واحتجاجات في كونيكتيكت ونيويوروك وويسكونسين وتكساس وكاليفورنيا والعديد من المدن في أنحاء أمريكا.

 

للدين شأنٌ في أمريكا؛ حيث أغلبية المواطنين مهتمون، والبلد متفردة بشريحة كبيرة من المواطنين الذين يعتنقون تنوعًا من الديانات، لكن مع إطلالة شمس القرن الحادي والعشرين على ربوع أمريكا أصبح الدين سببًا للانقسام، وذريعةً للتمييز والتعصب وجرائم الكراهية، ولمجابهة هذه التحديات الكثيرة يحتاج هذا البلد بشدة إلى تغيير جذري في الطريقة التي ينظر بها إلى الدين، وإلى الحقوق الدينيَّة بشكلٍ عام والإسلام بشكل خاص.

 

أولا: نحن بحاجة إلى الارتقاء بثقافتنا الدينيَّة، فمن المفارقات أن معظم الأمريكيين جاهلون بالدين على نطاق واسع على الرغم من أن الدراسات تظهر أهمية الدين لمعظمنا، وبينما غالبية أنظمتنا التعليمية المدرسيَّة لا تُدرس "الدين"، إلا أنها بحاجة إلى تثقيف الطلاب بشأنه من أجل إعداد أجيال المستقبل للعيش في مجتمعنا متعدد الأديان، والقائم على التفاهم والاحترام المتبادلَيْن.

 

ثانيا: وسائل الإعلام الإخباريَّة السائدة، ذات التأثير الهائل على الرأي لعام، لا بد وأن تُقَدِّم نظرة أكثر توازنًا ودقَّة للدين وللشئون والسياسات العالميَّة، نعم، تغطية العنف والإرهاب الذي يمارسه المتطرفون أمرٌ هام في عالم اليوم، لكن تغطية الدور البنَّاء والملهِم الذي يلعبه الدين في حياة العديد من المواطنين الأمريكيين له نفس الأهميَّة.

 

ثالثًا: نحن أيضًا بحاجة إلى مقاومة حالة الاستغلال والتقسيم التي نتعرَّض لها من قِبل السياسيين الذين يرفعون أسهمهم من خلال خطابات الكراهية التي يبثونها كجزءٍ أصيل من حملاتهم الانتخابيَّة، التعصب هو التعصب، ولا يمكن أن يكون هو ما ندافع عنه في أمريكا.

 

 

* ترجمة/ علاء البشبيشي

 

* "جون ل. إسبوزيتو"، المولود بواشنطن عام 1358هـ/ 1940م، هو أستاذ الأديان والعلاقات الدوليَّة والدراسات الإسلاميَّة، ومؤسِّس ومدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون في العاصمة الأمريكيَّة واشنطن، وهو أيضًا العضو المؤسِّس والمدير لمعهد الأمير الوليد بن طلال للحوار الإسلامي المسيحي، وأستاذ العلاقات الخارجيَّة.  ويرأس تحرير موسوعة "أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث"، وكتاب "أكسفورد حول التاريخ الإسلامي" وقد صدر له حتى الآن عديد من المؤلفات أغلبها عن الإسلام والحركات الإسلامية والعلاقة بين الإسلام والغرب، وله العديد من الكتب الإسلاميَّة، علاوة على تحريره اثني عشر عملًا موسوعيًّا، ومن أهمها (موسوعة أكسفورد حول العالم الإسلامي).

المصدر: http://www.alwihdah.com/identity-and-citizenship/relationship-with-other/the-dark-side-of-american-politics-and-religion.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك