أسس منهجية في التعامل مع الآخر( رؤية تربوية إسلامية)

أسس منهجية في التعامل مع الآخر( رؤية تربوية إسلامية)
د أحمد محمد الدغشي–أستاذ أصول التربية الإسلامية المشارك – كلية التربية- جامعة صنعاء addaghashi@yemen.net.ye
مقدِّمة:
بقدر ابتعاد الفرد أوالجماعة عن الالتزام بالمنهج الكلي الذي يحدد التصور لقضايا الإنسان والكون والحياة، وما يلحق ذلك من انعكاسات سلوكية تطبع الواقع الفردي أوالاجتماعي تكون الحاجة إلى تصحيح الرؤية الفكرية أولاً ، وضبط المسار السلوكي تبعاً لذلك ثانياً، سواء في تعامل الفرد أم الجماعة مع الذات أو الآخر .ولا شك أن للأحداث المحلية والإقليمية والعالمية ولاسيما أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة تأثيرها البارز على طرق موضوعات من هذا القبيل أو إعادة تناولها على نحو أكثر جدية وإلحاحا، دون أن يعني ذلك –بالضرورة- تفاعلا سلبيا ضعيفا، يغدو إلى الانفعال الأبْلَه أقرب منه إلى التفاعل الحضاري الراشد المسئول .
إن الباحث ليدرك أنَّ الحديث عن موضوع كهذا في أجواء ملتهبة يفرضها ذوو الهيمنة والقوة سيدفع طائفة ممن يطّلع على ورقته لاتهامه بالتأثر بردّ الفعل والمنطق الدفاعي وتسويغ الحملة الأمريكية على ما تصفه بالإرهاب، وإن كان ذلك قبل الاطلاع على مضمون الورقة ومتضمناتها التفصيلية، كما أنه من غير المستبعد أن تندفع طائفة أخرى ممن قد يقّدَّر لهم الاطلاع على الورقة كذلك للاتهام المضاد منذ البداية، بما فحواه أن في مثل هذه الورقة دعوة لمباركة العنف وتسويقاً لمنطقه ‍.
وحين تنطلق الاتهامات جزافاً من طرفين متناقضين فإن ذلك قد يكون شهادة كافية للباحث بالاعتدال والبحث الموضوعي عن الحقيقة التي قد لا تعجب هذا الطرف أو ذاك.

وصحيح أن نقطة الاعتراض الجديرة بالتوقف هنا هي التي تطرح في صيغة سؤال عن السبب في طرح الموضوع للبحث والنقاش في ظرف كهذا يفرض فيه ذوو الهيمنة والنفوذ تربيتهم وثقافتهم الشاملة على الضعفاء والمسَتَلبين ؟ ألا يُخشى أن يُعّد ذلك مشايعّة – ولو غير مقصودة – في تعزيز ثقافة الهيمنة للاستعمار الثقافي المعاصر ؟

والحق أن هذه الورقة تنطلق من مسلمة مركبّة مفادها أنَّ هناك تغوّلاً يدفعه منطق غطرسة القوّة لدول الاستعمار الثقافي الحديث، غير أن ذلك التغوّل والطغيان لا ينفي وجود ذرائع ممنوحة له أحياناً من قبل الضحية لسبب أو لآخر.
وإنّك حين تحرص على أن تمنح خصمَك العنيد مشروعية القضاء عليك مع اعترافك بامتلاكه بعض الحق في دعواه ترتكب خطأين كبيرين متلازمين: أحدهما : مخالفة توجيهات القرآن الكريم بالإنصاف من الذات ولزوم العدل مع الآخر مهما كانت الأسباب والدوافع :
" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً " [ النساء: 135]
" ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " [المائدة:8]
" ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا " [ المائدة:2]
ثانيهما : الاستمرار في الخطأ وتسويغه وتطبيعه حتى يغدو جزءاً عادياً من السلوك الفردي والجماعي في أي مجال من مجالات الحياة وهو ما يتعذر الرجوع عنه بسهولة بعد ذلك . والذريعة الأساس في ذلك أننا لا نريد أن نخضع لتوجيهات الطاغي المستعمر، ونظهر أمامه كما لو كنَّا قد استسلمنا وأوكلناه زمام قيادة التغيير في ناشئتنا وتربيتنا عموماً. ومع أن هذه مكابرة تتنافى مع تعاليم الوحي – كما سبق – وتقود إلى تطبيع السلوك غير السوي؛ فإن المطلوب هو أن تستفيق الذات التربوية بضميرها الجمعي، إذا ما تأكَّد لها حقيقة وجود الخلل للمسارعة في إصلاحه من الداخل، بعيداً عن تدخّل قوى الهيمنة والنفوذ الخارجية، ورجع صداها الداخلي. ولا يهم بعد ذلك إن كان سيقال الكثير من هذا الطرف أو ذاك، أو أن الخصم سيعرف مكمن الخلل، وبيت الداء، فلقد كان القرآن ينزل مقوِّماً للأخطاء والمزالق التي وقع فيها بعض الصحابة بل وبعض الاجتهادات التي كانت تصدر عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - فينزل الوحي مصوِّباً وموجِّهاً، على مسمع ومرأى من الأطراف جميعاً: مسلمها وكافرها ومنافقها دون تثريب أو تحفَّظ.

سبـب الاختيــــار :
من حيث المنطق التربوي والعلمي فلاشك أن للفلسفة التربوية في أي مجتمع من المجتمعات انعكاساتها السلوكية المباشرة وغير المباشرة على مستوى السلوك الفردي والجماعي ، سواء أكان ذلك أثناء فترة التأهيل والإعداد أم بعد التخّرج والانخراط في ميدان الحياة العملية.
وقد لاحظ الباحث – كغيره – مدى التركيز على المناهج التربوية في العالم الإسلامي لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية ، وتوجيه جملة من التهم لها تَصِمها بأنها من وراء صناعة الإرهاب والتطرّف، وتختزل المشكلة جميعها في المناهج الدراسية بوصفها المسؤولة الأساس عن هذه المخرجات ( المتورِّطة ) في تلك الأحداث. وعلى ذلك فثمة محاولات خارجية حثيثة، لفرض مطلب التطوير والإصلاح للمناهج الحالية المتصلة بالتربية الإسلامية وبعض فروعها، بزعم التواكب مع متغيرات العصر وزمن العولمة، وتحقيق التسامح الديني، والقضاء على التعصّب والانغلاق الذي تتسم به المناهج الحالية، ولا يتم ذلك إلا بتطهيرها من تلك الأفكار والمفردات، وإحلال تربية السلام وثقافتها،وفق رؤية غربية (أمريكية)، في عصر السلام وسيادة النظام العالمي الجديد ‍‌‍‌.وإذا كان من المتعذِّر على الباحث تناول أيٍّ من مناهج التربية الإسلامية في أي بلد، عن طريق منهج تحليل المحتوى، نظرا لمحددات المؤتمر وضوابطه؛فقد ارتأى أن من أنسب ما يشارك به في مؤتمر يتصل بالآخر في الفكر الإسلامي، وفق تلك المحدّدات الموضوعية والمنهجية؛ التركيز في هذه الورقة على أبرز الأسس المنهجية التي تقوم عليها مسألة التعامل مع الآخر متضمنة البُعد التربوي فيها.
هدف الورقة:
في ضوء ماتقدّم تسعى هذه الورقة إلى الكشف عن جانب محوري من إشكال التعامل مع الآخر وفق نظرة تربوية إسلامية، غايتها استجلاء الحقيقة من هذه الزاوية، لعل ذلك يسهم في تمثل المعاني الحضارية المرجوة في إطار التنشئة التربوية الإسلامية المنشودة . أسس التعامل مع الآخر: تنطلق فلسفة التربية الإسلامية في منهجها للتعامل مع الآخر من الأسس التالية :
أولاً (1):االتعارف والتعاون بالبر والقسط:
وذلك استجابة لتوجيه القرآن الكريم للبشرية جميعاً:
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير " [ الحجرات: 13].
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [ الممتحنة: 8].
وينطلق هذا الأساس كذلك من وثيقة المدينة التي تمثِّل دستوراً لأهلها، وقد كتبها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - لسكانها من مهاجرين وأنصار من جهة، ويهود من الجهة الأخرى. وجسَّدت بذلك صورة التعايش الحضاري والتعاون الاجتماعي في ظل الدولة الإسلامية وسيادة فلسفتها التربوية.وقد تضمنت تلك الوثيقة حرّية العقيدة، والرأي ،والنفس، والمال، وحرمة الجوار. ونصرة المظلوم، ومقاومة المعتدي، وأن يكون سكان المدينة يداً واحدة على من يهاجمها، أو يحارب أهلها (2) .
إن هذا الأساس يُحدِّد بوضوح نمط العلاقة السلوكية بين الإنسان وأخيه الإنسان، حيث تنبني على التعارف والتعاون بالبرّ والقسط، وليس على الصراع والقهر وفرض ثقافة القوي ونموذجه التربوي الغالب على الضعيف المقهور، على غرار ما تنادي به الفلسفة الهوبزية( نسبة إلى الفيلسوف الإنجليزي الواقعي توماس هوبز: 1588-1679م)، من أن الإنسان كائن متوحّش، إذ هو شرير بطبعه، مهما بذلنا من محاولات لتهذيبه وتأديبه، وقد تجسّدت تلك الفلسفة في الحروب التي يشنها الغربيون على حضارات غيرهم ظلماً وعدواناً كما يفعلون اليوم في العراق وأفغانستان، وفي دعمهم غير المحدود للاحتلال الصهيوني في فلسطين . ولتحقيق فلسفة التربية الإسلامية بهذا الشأن لابد أن تتبنى المؤسسات التربوية هذه الفلسفة في مناهجها، سواء بتخصيص هذا الأساس بالدرس والبحث في مقررات التربية الإسلامية أم التربية الوطنية والاجتماعية، ولاسيما في المجتمعات ذات التعددية الدينية، أو التركيبة الإثنية، أو التنوع المذهبي والطائفي من باب أولى. وبذلك يمكن أن تتشكل مفردات مقرر مستقل يسمى التربية الحضارية والمدنية.

ثانياً: الدعوة إلى الله :
ولاشك أن الدعوة إلى الله – تعالى – لا تتم في الأصل إلا بالكلمة الطيبة الحسنة لا بالعنف والغلظة، سواءً على مستوى الأفراد والجماعات، أم على مستوى الدول من منطلق عالمية الدعوة الإسلامية وإنسانيتها:
" قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً … " [ الأعراف: 158].
" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً " [سبأ:28].
مع مراعاة الأسلوب الحسن : " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " [العنكبوت: 46].
" وقولوا للناس حسناً " [البقرة:83].
ويتضمن هذا الأساس بدوره تنشئة المتعلمين على قيم الحب للآخرين، والحرص على إخراجهم من براثن الضلال والغواية إلى نور الهداية والتوحيد، والسعي نحو تنويرهم بغايتهم الوجودية، وتدريبهم على أساليب الدعوة السلمية، وتوسيع آفاق ذلك لتمتد إلى خارج المجتمع المسلم، بوصف التربية الإسلامية ذات بُعد عالمي، ومشروعها إنساني، غير أن الدعوة إلى الله لا تستلزم فرض دعوة الإسلام بالقوة والقهر، بل بالحوار والحكمة ، وكل أساليب الإقناع والتأثير القولية والعملية، وهذا هو الوضع الطبيعي في فلسفة التربية الإسلامية، وما عداه فأحوال استثنائية تفرضها قوى الهيمنة والطغيان، وساعتئذٍ يكون أسلوب القوة دعوياً، لكن بهدف تحرير الإنسان من أية ضغوط قهرية، كي يسمع كلمة الإسلام في أجواء حرّة، ثم يتخذ قراره المصيري بمحض إرادته، مصداقا لقول الحق – تعالى- " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " [ البقرة: 256].وهذا هو الفيصل الجوهري بين دعوة (العالمية) في فلسفة التربية الإسلامية، حيث احترام خصوصيات الآخر الحضارية، بكل مفرداتها التربوية وسواها، في حال عدم الاقتناع بدعوة الإسلام، وبين فلسفة (العولمة) في التربية الغربية، حيث محو كل الخصوصيات الحضارية والثقافية والتربوية للآخر، وفرض النموذج الاستعماري المتفوّق عليه بقوة السلاح،وأساليب الهيمنة، بصرف النظر عن مدى مشروعيتها الأخلاقية.

ثالثاً: الكرامة الإنســانيـــة:
تنطلق فلسفة التربية الإسلامية في خطابها مع الآخر بوصفه جزءاً من الذات الأصلية من زاوية الكرامة الإنسانية بلا فرق بين أبناء دين أو لون أو جنس أو عرق:
" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً " [ الإسراء: 70].
وقال – صلى الله عليه وآله وسلم – فيما يرويـه عنه عامر بن ربيعه – رضي الله عنه - :
" إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تَـخلُفَكم أو توضع " (3)
وواضح أن هذا حكم عام في جنازة المسلم وغيره، بيد أن ثمة حديثاً آخر خاصاً يؤكد صراحة أن غير المسلم لا يستثنى من هذا العموم، فقد روى جابر بن عبد الله – رضي الله عنه - قال: " مرَّت جنازة فقام لها رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-وقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها يهودية، فقال: إن الموت فَزَع ، فإذا رأيتم جنازة فقوموا " (4) .
وفسَّر العلة التكريمية من وراء ذلك القيام في رواية أخرى يرويها ابن أبي ليلي عن قيس بن سعد وسهل بن حنيف أنهما كانا بالقادسية فمرَّت جنازة فقاما لها ، فقيل لهما: " إنها من أهل الأرض. (5) فقالا : " إن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - مرّت به جنازة فقام لها، فقيل له: إنه يهودي ، فقال: أليست نفساً " (6) .
و إذا تذكرنا أن سكان القادسية يومذاك كانوا مجوساً (7) ، فإن دلالة تناول توجيه السنة النبوية العملية سيتأكد – بلا أدنى ريب – عموميتها لكل إنسان بصرف النظر عن دينه ومعتقده.
وإذا كانت هذه النصوص صريحة في تقرير مبدأ الكرامة الإنسانية بصرف النظر عن الدين ،فإن التميّز باللون أو الجنس أو العرق لا قيمة له، ولا معنى في فلسفة التربية الإسلامية ما لم يكن مصحوباً بالاستقامة الشاملة، مصداقاً لتوجيه النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - : في خطبته الشهيرة بحجة الوداع :
" يا أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعرب على عجمي ، ولا عجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى " (8).

إن ذلك التكريم العام للإنسان من حيث هو كائن آدمي لا يتعارض ومبدأ التكريم الخاص للموحِّد المؤمن في قوله تعالى:{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.ثم رددناه أسفل سافلين.إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات...} [التين: 3-5]،وفي الحديث الوارد في حجّة الوداع، ذلك أن الآية الأولى من سورة الإسراء محمولة على عموم الجنس الإنساني من حيث هو آدمي فهو مكرَّم، ويؤكد هذا المعنى الحديث آنف الذكر:«أليست نفسًا». على حين تحمل الآية من سور التين، والحديث الوارد في حجّة الوداع على التكريم الخاص بالتوحيد والاستقامة وحسن المسلك. أي أن درجات هذا التكريم هي في مدى الاستقامة، أما حين لايرتقي الإنسان في سلّم الاستقامة فإنه ينحدر إلى أسفل السلم، غير أن هذا لا ينفي عنه التكريم الأصلي العام، وإلا فكيف سنفسر ـ على سبيل المثال ـ قوله في الحديث السابق عن اليهودي أو اليهودية ـ بتعدد الروايات في صحيح مسلم-: "أليست نفسا".
وهنا يرد التضمين التربوي في فلسفة التربية الإسلامية، ليبرز مظاهر ذلك التكريم، من خلال تجسيد قيم التكريم الإنساني عبر المناهج الدراسية بكل عناصرها، أي من حيث الأهداف الداعية إلى تكريم العنصر الإنساني لذاته وفق الأصل العام، و عبر المحتوى المتضمن لمفردات ذلك التكريم من حيث النصوص القرآنية والنبوية المجسِّدة لمظاهر التكريم سواء في الخَلْق والخُلُق، أم في مظهر الإنعام بالعقل والمعرفة وأدوات ذلك،إلى جانب جملة الأحداث في السيرة والتاريخ الإسلامي المؤكّدة للأهداف، ثم تقوم طرائق التدريس سواء ما كان منها تاريخيا أي عبر أسلوب القصة أو الحَدَث– مثلا- لتأكيد عنصري الأهداف والمحتوى، أم بتوجيه المتعلمين إلى القيام بجملة نشاطات وفعاليات مشتركة، متضمنة معاني الحفاوة والتكريم لمعنوية والمادية ، مع من يختلفون معهم في أي من أوجه الاختلاف المشار إليها فيما تقدّم، ثم يأتي عنصر التقويم ليحكم على مدى تحقق أهداف المنهج ومحتواه وطرائقه بدلالة المخرجات العملية ذات الصلة بأساس التكريم.
إن هذه الفلسفة ستخلق في المتعلمين دافعية الإبداع والإنجاز والعطاء، ومن ثم النهوض والبناء، لإحساسهم بمدى القيمة التكريمية الممنوحة لهم، بوصفهم كائنات آدمية مكرَّمة. وبعد ذلك يمكن أن تتعزّز أواصر الترابط الحضاري، بين بني آدم بوصفهم جميعاً إخوة، لا مجال للتفاضل بينهم بسبب من الجنس أو اللون، أو المعتقد، أو نحو ذلك من الاعتبارات، وذلك في إطار الأخوّة العامة،دون أن يكون ذلك على حساب التكريم الخاص – بطبيعة الحال- ذلك الذي يأخذ دوره المناسب في مجاله.
رابعـــاً : الحـريــة في الاختيـــار:
وتنطلق فلسفة التربية الإسلامية في تصوِّرها لِلآخر من تقرير قاعدة الحق الطبيعي في الحرِّية وحق الاختيار ، وعدم جواز الإكراه على الإيمان بحال:
" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " [ البقرة: 256].
" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فلكفر … " [الكهف: 29].
" ….. لكم دينكم ولي دين " [ الكافرون:6].
إن محاولة جمع الناس على دين واحد كخيار وحيد لا ثاني له يتنافى مع المشئية الربانية ، ويوقع في محظور الإكراه:
" ولو شاء ربك لآمن مَنْ في الأرض كلهم جميعاً ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " [ يونس: 99].
" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. " [المائدة:43].
وقم اقسم الله تعالى بمخلوقات عظيمة لتأكيد حقيقة الاختلاف في السعي والكسب ومن ثمَّ المصير :
" واليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . وما خلق الذكر والأنثى. إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدَّق بالحسنى فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذَّب بالحسنى فسنيسره للعسرى…… " [ الليل: 1-10].
ولذلك اتفق علماء الإسلام على أنه لا يجوز إجبار أسير كتابي على الإسلام ، وفي هذا يقول ابن حزم : (ت : 456هـ ) : " واتفقوا أنه من أسر بالغاً منهم فإنه لا يجبر على مفارقة دينه " (9).
نعم إن هذه النصوص لا تؤذن بمشروعية للكفر ولا تهوِّن من قدر اختيار غير طريق الإسلام ديناً ، بيد أنها تخبر عن حقائق موضوعية قائمة وتقرِّر سنناً جرت بها الإرادة الإلهية الكونية . ولذلك فمع أن الدعوة إلى الله تظل خيار المسلم وديدنه ولكنه ينبغي أن يدرك في الوقت ذاته الحقائق المتضمنة في هذه الآيات:
" وما أكثر الناس ولو حَرَصت بمؤمنين " [ يوسف:103].
" فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " [ فاطر : 8].
" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " [ يونس : 59].
" لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " [ الشعراء: 3].
" فذكر إنما أنت مذكِِّر . لست عليهم بمسيطر " [ الغاشية: 21-22].
" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " [ القصص:56].
وإذا تأكد أن ليس غير سبيل الدعوة السلمية الحُرّة طريقاً للهداية والإقناع في الأصل ؛ فإن ذلك يعني بقاء سنة الله القاضية بالاختلاف والتنوّع في الأديان والملل والمعتقدات كما نفذت سنته – سبحانه – في اختلاف ألوان خلقه ولغاتهم :
" ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " [ الروم : 22] .
وما ذلك إلا لأن ثمة يوماً يفصل الله فيه بين المختلفين من عباده من مختلف الأديان والممل والمعتقدات :
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ، إن الله على كل شئ شهيد " [ الحج: 17].
ولذلك فإن الحرية الممنوحة للإنسان هنا تتضمن مسؤولية عن حياته ومصيره " ليهلك من هلك عن بينة ويحيىَ من حيَّ عن بينة" [ الأنفال : 42].
" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً. من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضلّ فإنما يضل عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنَّا معذبين حتى نبعث رسولاً" [الإسراء: 13-15 ].

إن فلسفة التربية الإسلامية هنا تحقق هدفا مزدوجاً على الصعيد الميداني، إذ إن إيمان القائمين على صناعة القرار السياسي -في أبعاده التربوية والسلوكية- بفلسفة الحرّية والاختيار في ظل الفلسفة الكلية للتربية الإسلامية؛ من شأنه أن يمنحهم قوّة دافعة عملية، لرسم سياسات، وإعداد استراتيجيات، و بلورة خطط وبرامج، قابلة للتنفيذ، أيّا كانت المعوِّقات الموهومة أمامهم، كما أن زرع فلسفة الاختيار ومنطق الحرّية وفق تصوّر التربية الإسلامية وفلسفتها في نفوس الناشئة من شأنه أن يمثّل منطلقاً أساسأً في عملية التغيير الفردي والمجتمعي، إذ لا مجال لعقيدة الجبر والتواكل، وسلب الإرادة، ومن ثم الرضوخ للواقع البائس، بكل أزماته وإحباطاته، ومظاهره المادية والنفسية، بحسبان ذلك أمراً واقعيا يستعصي التمرّد عليه، وهو في الواقع تسويغ للعجز الذي خلقته عقيدة الجبر الشعورية أو غير الشعورية ليس أكثر.

خامساً : القواسم المشتركة:
وثمة قواسم مشتركة بين أهل الأديان السماوية ومن يلتحق بهم، يمكن أن تجمع بينهم وفي مقدِّمة هذه القواسم :
التوحيد الكلي : ورأسه الإيمان الكلي بالله – تعالى - :
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [ البقرة: 62].
" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" [آل عمران : 64].
والمسلمون لم يأتوا بدين جديد كليّة بل هو تجديد لما اندرس من معالم التوحيد في أديان الرسل السابقين وامتداد جوهري لدعواتهم:
" شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب " [ الشورى : 13].
" ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " [ النحل : 123]
ووجه القرآن خطابه إلى اليهود للالتزام بالملة الإبراهمية :
" قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين . فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون.قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" [آل عمران:93-95 ].
كما وجَّه خطابه إلى اليهود والنصارى معاً ليتخلصوا من غلوائهم في حصر الحق في أديانهم الخاصة ، رغم ما شابها من الانحراف والشرك ، داعياً إلى اعتناق الملة الإبراهيمية الحنيفية السمحة :
" وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " [ البقرة : 135-137].
وأمر المسلمين بمخاطبة أهل الكتاب بالحسنى - باستثناء الظلمة منهم - بقواسم الاشتراك بين الجميع :
" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" [ العنكبوت: 46].

إن بلورة هذا الأساس في الميدان التربوي من شأنه أن يضيّق هوّة الخلاف الحضاري بين الناشئة من أبناء المنتدى الحضاري، من مختلف الأديان والملل، ويقلّل من احتمالات نشوب الحروب و عمليات الاقتتال بينهم، بسبب الدين أو الجنس أو غيرهما من أوجه الخلاف . وهنا يجب على المناهج الدراسية التركيز على جوانب الاشتراك الكلي مع الآخر، والابتعاد عن مواضع النزاع، على أن ذلك لايمنع من دراستها في الأطر الأكاديمية الخاصة. والتربية الإسلامية إذ تسعى فلسفتها لتجسيد ذلك فإن تاريخها قد مارس التعامل مع الآخر عملياً، من منطلق القواسم المشتركة، سواء في عهد النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلّم – أم في عهد خلفائه الراشدين أم في بعض الحقب المضيئة في تاريخ التربية الإسلامية. والمحصّلة أن حدث تعايش فعلي في ظل الحضارة الإسلامية بين فرقاء الأديان والنحل الكتابية وغير الكتابية- قياساً على الكتابية-، وما ذلك إلا مخرجات عملية لفلسفة التربية الإسلامية، القائمة على أساس التآخي والتعايش بين الجنس الإنساني، بحسبانهم مؤمنين بمعتقدات كلّية مشتركة. وأيّما حرب نشأت في ظل الاحتكام الفعلي إلى فلسفة التربية الإسلامية وتوجيهاتها فليس مبدؤها من تعاليم التربية الإسلامية، بل من الآخر المعتدي حقيقة أو حكماً. وهذا الأخير هو ما يسميه فقهاء الشريعة بدرء الحرابة، أي البدء بالعدوان أو حتى التخطيط له، جرياً على ماعُرف في المصطلح العسكري المعاصر بالحروب الاستباقية. وباستقراء كل الغزوات والمعارك في تاريخ الإسلام في العهد النبوي والراشدي –وهما المعيار الأساس لأية حقبة تالية- لا نلفى ابتدأ حرباً شُنّت من قبل المسلمين إلا وفق الدوافع المشار إليها آنفاً.

سادساً: إنصاف الآخر والموضوعية في الحكم عليه :
إن فلسفة التربية الإسلامية إذ تنطلق في دعوتها للآخر للإيمان بدين الإسلام فإنها لا تجرِّده من صفات إيجابية كائنة فيه، بل تعترف له بذلك وتخاطبه بما فيه من تلك الصفات :
"ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" [ الأعراف : 159]
"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب" [ آل عمران : 199]. " ليسوا سواء من أهل الكتاب، أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين. وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين" [ آل عمران: 113-115].
" وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون " [ العنكبوت : 47].
لم يفرِّق القرآن الكريم بين المؤمن بدين الإسلام وغيره من أهل الأديان ، إذا ما اقترف أي منهم عملاً سيئاً ، إذ تأبى سنّة الله العادلة محاباة المسلم على سواه ما دام الجُرم واحداً:
" ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا " [ الفساد: 123]
وحين ذمَّ الله اليهود فليس ذلك لجنسهم وسلالتهم أو دينهم أو نحو ذلك من الاعتبارات الضيّقة المحدودة، إذ سبق أن أثنى عليهم حين كانوا أهلاً لذلك، أو حين ابتلاهم بذلك الفضل فلم يرتقوا إلى مستواه :
"يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" [البقرة:47]. وإنما مردّ ذلك لسلوكهم في الكفر بآيات الله وقتل النبيين بغير الحق وعصيانهم وعدوانهم ليس أكثر :
" وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" [ البقرة:61].
وحين زعم غلاة اليهود والنصارى أن الجنة حكر عليهم وحدهم ردَّ الله عليهم بقوله-جل وعلا - :
" وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [ البقرة : 111-112].
وأعقب ذلك بأن أبان أن كل زعم يحوي احتكار الحق المطلق، ويصم الآخرين بالباطل المحض؛ إن هو إلا شنشنة جهلة المشركين ومن على شاكلتهم ، وذلك وحده دليل بطلان دعوى احتكار الجنة إذ اختلافهم تضادّي لا لقاء معه:
" وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" [ البقرة: 113].
وفي موطن آخر يبين الله – تعالى – أن اللعنة التي حاقت باليهود الذين وصفوا يد الله –سبحانه- بالغلول إنما كانت بسبب مقولتهم تلك ، لا لأي اعتبار غير سلوكي:
" وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا…… " [المائدة:64].
ويلفت نظر الباحث في حديث القرآن الكريم عن الآخر التزام الموضوعية بدقة متناهية، حيث يلحظ عدم التعميم، والتشديد على التخصيص بذكر ألفاظ (كثير) أو (مِنْ ) أو ( فريق) أو (طائفة) أو نحو ذلك مما يفيد عدم استغراق جميع أفراد جنسهم . وهذا التحديد والتخصيص لم يأت عفواً إذ لو كان الآخر غير ذي دلالة لاكتفى بالتعميم والإطلاق من قبيل القاعدة الأصولية الصحيحة "النادر لا حكم له " ، ولكن لما كان لذلك مدلوله كان التأكيد بتلك الألفاظ مسوَّغاً شرعاً وواقعاً. وعلى سبيل المثال تأمل قوله – سبحانه – :
" ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم …… " [ البقرة: 109].
" ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون " [ المائدة : 80-81].
" قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون" [ المائدة : 59].
" ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " [ آل عمران : 110].
" ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم. ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون" [ المائدة: 65-66].
وتأمل في تخصيص القرآن بلفظ ( مِنْ ) :
" ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإنهم إلا يظنون " [ البقرة: 78].
" ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً…. " [ آل عمران: 75].
" ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون…" [ آل عمران : 113 – 115].
" وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم… " [آل عمران:199].
" وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون" [ العنكبوت : 47].
" ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " [ الأعراف:159 ].
وكذا التخصيص بـ ( فريق):
" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون" [ آل عمران:23].
" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " [ آل عمران: 100].
" أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون " [ البقرة:75].
" وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب…" [ آل عمران : 78].
" أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون. ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون " [ البقرة :100-101].
وكذا التخصيص بـ ( طائفة ):
" ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون…… ……وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون " [ آل عمران: 69-72].
إنَّ هذه النصوص لتمثِّل التجسيد الفعلي لتوجيهات قرآنية عديدة تأمر بالعدل مع الآخر حتى مع وجود بُغض أو كراهية له ، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك على مبدأ العدل إذ هو قيمة مطلقة:
" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " [ المائدة : 8 ].
" وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " [ الأنعام : 52].
ولقد جسَّد النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - هذا المنهج مع الآخر في سيرته ، ومن ذلك:
قوله – صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه – حين رأي ما يصيبهم من البلاء ، وما هو فيه من العافية بمكان من الله ومن عمه أبى طالب - : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عند أحد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنت فيه " (10)
لقد قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك قبل أن يسلم النجاشي، ناهيك عن مدحه لأهل الحبشة حين وصفهم بأهل الصدق ، وهم غير مسلمين بطبيعة الحال.
وهاهو ذا – عليه الصلاة والسلام – يخاطب ملوك العالم وحكامه بأوصافهم وألقابهم المعروفة عند أممهم وأقوامهم بما فيها من معاني التشريف والعظمة:
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ، يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى " (11)
وفي رواية أخرى عن ابن عباس –كذلك- أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي ، وأمره رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - أن يدفعه إلى عظيم بصرى ، ليدفعه إلى قيصر … " (12) .
وفي رواية ثالثة من ابن عباس –أيضاً- أن أبا سفيان أخبره من فِيْه إلى فِيْه قال فقرأه (أي هرقل) فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم …. " (13).
ويغيّر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - حُكم الغِيْلَة ، (14) الذي كان شائعاً في البيئة العربية ، مستنداً في ذلك إلى فعل الروم وفارس حيث ثبت أنّه لا يضر أولادهم كما تروي ذلك عائشة – رضي الله عنها – فتقول " حضرت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - في أناس وهو يقول : " لقد هممتُ أن أنهى عن الغِيْلَة ، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يُغِيْلُون أولادهم فلا يضّر أولادهم ذلك شيئاً " (15).
وكل ما تقدّم من نصوص يعني -من زاوية فلسفة التربية الإسلامية- ضرورة التنشئة على قيم الموضوعية في الحكم على الأفراد والجماعات والظواهر، حتى لو لم تكن موافقة لمشارب الناشئ المسلم ومعتقداته، والابتعاد عن الأحادية المعرفية، ومنهج التعميم وإرسال الأحكام بلا رويّة أو ضوابط.وهاتان الآفتان يمثلان- في حقيقة الأمر- المعضلة المنهجية الأبرز في كثير من المواقف وأوجه النزاع، وإذا تمكّن الناشئ المسلم من التحرّر من الوقوع فيهما، يكون بذلك قد امتثّل لتوجيهات القرآن الكريم الواردة بهذا الخصوص على خير وجه. كما أن المتضمنات العملية لتلك التوجيهات حث المتعلمين على الإفادة من الآخر في مجال العلوم الطبيعية والتطبيقية – بوجه خاص- وكل مالا يتعارض مع معتقداته وقيمه الأصلية على نحو أعمّ.
إن من شأن التربية على تلك المعاني أن تنزع كثيراً من الفوارق الناشئة من تصوّر استعلائي موهوم، يدفع الناشئ المسلم إلى الاعتقاد بمنحه امتيازات على غيره من بني جنسه، مع أن ذلك يتعارض- في حقيقة الأمر- ونصوص القرآن الكريم وصحيح السنّة المطهرة، علاوة على تعارضه مع سنن الله الكونية والشرعية.
سابعاً: التعايش لا الصراع :
ومن الأسس التي تستند إليها فلسفة التربية الإسلامية في نظرتها إلى الآخر : إيمانها بالتعايش الإنساني بين الأديان المختلفة والحضارات المتباينة ، وإذا كان الباحث قد أشار إلى هذا المعنى المتعلق بالتعايش من حديثه عن الأساس الأول حيث التعارف والتعاون فإنه في هذا المقام يودّ أن يشير - وإن بتوسُّع أكثر - إلى أن فلسفة التربية الإسلامية لا تؤمن بمنطق الصراع الحضاري كحتمية تتبناها وتسعى لتطبيقها وفقاً لإيمانها بها قانوناً بين البشر. ولكن يجب تحرير النزاع حول مسألتين جوهريتين في هذا السياق :
الأولى : مسألة التدافع الحضاري كسنة كونية تحكم الوجود ، فهذا مر يقرّره القرآن الكريم :
" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" [ البقرة: 251].
" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا " [ الحج : 40].
وهذا المعنى هو الذي عبَّر عنه علماء الاجتماع بالانتخاب الطبيعي أو بقاء الأمثل وذلك بإشارة الآيتين الكريمتين إلى أنَّ ما فطر عليه الناس من مدافعة بعضهم بعضاً عن الحق والمصلحة هو المانع من فساد الأرض . أي أنه سبب بقاء الحق وبقاء الصلاح . مما يدل على أن مظهر التدافع والتنازع من أجل البقاء والدفاع عن الحق يقتضي في مآله بقاء الأمثل وحفظ الأمثل . (16) .
الثانية: مسألة الصراع كحتمية اجتماعية تنفي وجود ( ثابت ) في الكون وفق المنطق الهيجلي ، ومن بعده الماركسي في الفكر والتاريخ والاجتماع ، أو الدارويني في العلوم الطبيعية ، والنظريات الحديثة لصموائيل هنتنجتون في صراع الحضارات ، وفرانسيس فوكوياما في نهاية التاريخ . وبعيداً عن أسباب ذلك المنطق وملابساته الأوربية المسيحية الخالصة ؛ فإن التدافع وفق المنطق الإسلامي لا يعني سوى التعدد والذي يحفظ التوازن للفرقاء المتباينين ، كحركة اجتماعية لا تقضي بنفي الآخر أو استئصاله ، بل تعمل على تحويل مواقع الفرقاء في إطار التعدّدية ليس أكثر(17) .
ومما يدلِّل على هذا المعنى ويعضده بقوّة ما يلي :
1. إن المجتمع الإسلامي في عصوره الزاهية في صدر الإسلام وبعده تعايش مع غير المسلمين من أهل الكتاب ، وعدَّهم أهل ذمة لهم ما لنا وعليهم ما علينا *
2. إن الإسلام لم يشرع الجهاد وفق قول الجمهور الفقهاء – إلا لحماية بيضة الإسلام، ودرء الحرابة، وقمع الفتنة، وليس للقضاء على الكفر. وقد تتبع أحد الباحثين جميع آيات القرآن التي جاءت في " الإذن " بالقتال ، و" الأمر " به و " إيجابه " و " الحض التحريضي" عليه ، فوجدها جميعها في هذا الإطار لا تتعداه . (18) كما تتبع آخر النصوص القرآنية الواردة في الدلالات السياسية والإيديولوجية للولاء والبراء فخلص إلى أن الولاء والبراء منوطان بحالتي السلم و الحرب ،إذا الأصل هو التعايش في حال السلم ، والاستثناء هو التناحر في حال الحرب . (19).
3. إن التدقيق في الآيات الكريمة التي سبقت في الأساس السادس، تلك التي حَرصت على الدِّقة والتخصيص وعدم الوقوع في التعميم والإطلاق حين جاءت بألفاظ (كثير) و (مِن) و(فريق) و (طائفة) لتؤكِّد على أن الآخر ليس جنساً واحداً وإن كثير فيه السوء أحياناً في زمن ما أو بيئة ما ، ولذلك جاء منطق القرآن يقضي بأنهم " ليسوا سواء " و أن المسلم مأمور بالبر والإقساط إلى المسالمين من غير المسلمين مصداقاً لقول الحق – سبحانه-: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة : 8]. وقد قال شيخ المفسِّرين الطبري ( ت : 310هـ ) في تفسير الآية : "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرّوهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم . إن الله – عز وجل – عمَّ بقوله :" الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم " جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول من قال ذلك منسوخ ، لأن برّ المؤمن لأهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب ، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب ، غير محرم ، ولا منهي عنه إذا لم يكن في دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح ،وقد بيّن صحة ما قلناه ، في ذلك الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء و أمها " (20).
ولذلك فالإنصاف المشار إليه في الآية " إن الله يحب المقسطين " يعني " إن الله يحب المنصفين ، الذين ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم ، فيبرُّون مِنّ برَّهم ، ويحسنون إلى من أحسن إليهم " (21) .
أما النهي فموجّه نحو أولئك الذين يؤمنون بحتمية الصراع الحضاري ،حيث يعتقدون أن لا وجود لهم يتضمن السيادة والهيمنة إلا بالقضاء على المسلمين وحضارتهم ولذلك قال تعالى : " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" [ الممتحنة : 9].
وتؤكِّد أحداث السيرة النبوية المعنى العملي لفلسفة التربية الإسلامية الحضارية السلمية إذ إن نسبة الذين اعتنقوا الإسلام في ظل السلام بعد صلح الحديبية بلغت ستين ضعفاً مقارنة بمن اعتنق الإسلام قبلها . حيث لم يكن قد بلغ عدد المسلمين إلى صلح الحديبية أكثر من ألف وخمسمائة مسلم خلال تسع عشرة سنة قبل ذلك الحَدث ، في حين بلغوا بعد الصلح ومُضِى ما لا يزيد عن سنة ونصف من يوم الحديبية عشرة آلاف من المسلمين ، وما ذلك إلا لأنه قد أتيح للمسلمين عرض دعوتهم ، وتوفرت للعرب فرصة التعرّف على الإسلام حتى وصل إلى المدينة من لم يكن قادراً على الوصول إليها قبل ذلك . (22) .
ومما يلاحظ في تاريخ الصراع بين المسلمين والكافرين ظاهرتان هامتان (23) :
الأولى : كلما كان المشركون في مركز القوّة فإنهم يعلنون الحرب المادية ضد المسلمين بهدف منع الناس من الدخول في الإسلام ، وإجبار من أسلم منهم على مفارقتـه.
الثانية : كلما كان المسلمون في مركز القوّة فإنهم يعلنون الحرب المادية ضد الأنظمة الطاغوتية الحاكمة لتحرير شعوبها المغلوبة على أمرها من هيمنة تلك الأنظمة لتقرر بنفسها حقها في قبول الإسلام أو رفضه ولكن بدون ضغط أو إكراه. ولعل الفارق الأساس بين الحالتين هو أنه في الحالة الأولى يتم تطبيق مبدأ الصراع الحضاري بوصفه حتمياً وقطعياً، أما الحالة الثانية فإنه سعي مشروع لتحرير المقهورين من ربقة الظلم والطغيان الذين يحولون بين الأفراد في تقرير حرِّياتهم ومصيرهم ، دون أن يعني ذلك قتالاً لغير المسلم بدليل انه سيقرِّر ما يعتقده الأصلح لنفسه ولا يكره على سواه أياَّ كان قراره واختياره ، وتاريخ المسلمين حافل بالتعايش مع الآخر الذي يعيش في كامل حرّيته في ظل دولة الإسلام وسلطانها. غير أن ما قد يشغب على هذا الاستخلاص هو الفهم الظاهري لمدلولات بعض النصوص القرآنية من مثل فهم بعضهم للآيات التالية ، وأنها تفيد حتمية الصراع :
" ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" [ البقرة : 105].
" ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين " [ البقرة : 145] .
" ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم " [ البقرة : 120] .
" ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " [ النساء : 89].
" ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " [ البقرة : 217].
ويرى الباحث أن يشرع في مناقشة مدلول الآيات الثلاث السابقة من سورة البقرة التي تتحدث عن أهل الكتاب، ثم يرجع إلى الآيتين الأوليين من سورتي البقرة والنساء مع ما في الآية الأولى [البقرة:105] من إشارة إلى المشركين لا تفيد سوى أن سنة الله – تعالى – قضت بأن يظل ناموس الخلاف والتدافع – وليس الصراع بمفهومه الهيجلي أو الماركسي أو الدارويني – مستمراً بحيث تتعدد ديانات الخلق ومللهم كما تتعدد لغاتهم وأجناسهم وألوانهم ، وأنه لا يمكن أن تتحد هذه الديانات، على معنى أن تعلن تخليها عن أديانها كليّة لتذوب جميعها في دين الإسلام الخاتم بمفهومه الاصطلاحي . ولكن هل هذا يقتضي الصراع وحتمية الحرب بين أهل الأديان؟ إذا لماذا شرع الإسلام أحكام أهل الذّمة ومن في حكمهم ؟ ولماذا نهى عن قتل النساء والصبيان والعبّاد والزرَّاع وكل من لم يحمل السلاح ضدّ المسلمين رغم انهم كفار جميعاً ؟ ولماذا جاءت كثير من الآيات القرآنية مستثنية بعضهم من السوء ، كما مرت بنا الآيات قبلاً ؟ بل إن القرآن – وهو يصف المعادين ميَّز بالجملة بين المخالفين من أهل الديانتين : اليهودية والنصرانية وكذا المشركين حيث قال - تعالى - : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون " [ المائدة : 82] .
وليس دقيقاً ما ذهب إليه أحد المفسِّرين المعاصرين حين بالغ في التشنيع على مخالفيه في تفسير هذه الآية على ظاهرها فراح يؤكِّد أن النصارى الأقرب مودة للذين آمنوا هم فئة محدودة من الذين آمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم –فغدوا مسلمين خالصين ولذلك كان ثناء الآية ! مستدلاً بالآية التي تليها وهي قوله – سبحانه – : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين" [ المائدة:83] (24)
والواقع أن الآية إنما تتحدث عن حجم عداوتين ميّزت بينهما بصيغتي مفاضلة هما : " أشدّ " و " أقرب" . ولا يعقل بأي مقياس بأن تتحول طائفة من أهل دين ما إلى دين آخر – هو الإسلام- لِيصبحوا مسلمين خالصين حسب ما ذهب إليه المفسِّر المشار إليه آنفاً ثم ما برح الوصف بـ " أقرب " قائماً ملازماً. فهذا اللفظ إنما يشعر صراحة ببقائهم على دينهم ، بيد أن عدالتهم وإنصافهم حين استمعوا إلى المنصفين من علمائهم دفعت بهم للاعتراف برسالة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - وأنها امتداد لدعوة عيسى – عليه الصلاة والسلام – . وهذا لا يقتضي منهم بالضرورة إعلان تخليهم عن النصرانية واعتناقهم الإسلام ، فما يزال دأب المنصفين أن يتأثروا بما عند غيرهم من الحق وإن لم يتابعوه كليّة أو نهائياً أحياناً، ولذلك جَرت مقولة : " والحق ما شهدت به الأعداء " . ومن هنا كان عام الحُزن هو العام الذي توفي فيه أبو طالب بن عبد المطلب عمَّ الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - رغم عدم ثبوت إسلامه بالسند الصحيح. وكان وصف النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - للنجاشي ملك الحبشة بأنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد ، وذلك قبل أن يسلم . ولذلك لا غرابة أن يوصف بعض النصارى بـ " الأقرب موَّدة للذين آمنوا " مع بقائهم على دينهم ومعتقدهم ، ولنتذكر بأن الآية لم تعمم الحكم ولكن قالت : " ذلك بأنَّ منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " .
ومن جانب آخر كيف يقال بأن هذا الوصف خاص بفريق محدود آمن بالإسلام من النصارى ثم لا يوصف الفريق الآخر الذي آمن بالإسلام من اليهود من أمثال عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما أياً ما اختلفت النسبة بين الفريقين ؟ فالحديث هنا في معرض فئة محدودة أسلمت ولم تعد معتنقة لدينها أو هكذا قيل !.
والسـؤال إذاً : هل المسألة انطباعية لا معيار فيها ولا ضابط ؟ أم أنه التأثر البليغ بفترات الصراع التاريخي والمعاصر بين المسلمين والصليبيين ، ذلك الصراع الذي ترك بصماته واضحة على نفوس وأفئدة فقهاء ومفسرين ومؤرخين – مع الأسف - ؟!
وفي سياق التعليق على تلك الآيات الثلاث آنفة الذكر من سورة البقرة يودّ الباحث الإيماء إلى أن عدم إيمان أهل الكتاب أو سواهم بدين الإسلام ، أو عدم حمل ودّ لحصول خير ينال المسلمين من ربهم ، أو أن عدم رضاهم التام عن المسلمين حتى يتبع المسلمون ملتهم ، ذلك كله لا يعني ضرورة الصراع الحضاري وحتميته،فإذا كان ثمة أديان متعدِّدة فمن السنن الجارية أن يقع – ضمن ما يقع –قدر مِن الاختلاف والتنازع والتدافع لكنه ليس الصراع المادي الهيجلي أو الماركسي أو الدارويني بالضرورة ، وعدم الرضا مثلاً لا يعني أن نتيجته الحتمية هي الحرب فما يزال الأب الحنون أو المعلم المخلص أو الأخ الأكبر أو الصديق الوفي غير راضٍ أيّ منهم عمَّن استُرِعي شأنه حتى يتابعه في توجيهاته ونصحه ومسلكه لكن عدم تحقق ذلك لا يعني ضرورة الانتقال من الحنان أو الإخلاص أو الوفاء إلى عكس هذه المعاني !
وملحظ آخر في هذه الآيات التي قد يشعر ظاهرها بالاستغراق والعموم حيث جاء ذكر " أهل الكتاب " و " المشركون " و " اليهود والنصارى " بدون تقييد بصيغة من صيغ التبعيض كما في الآيات التي مرَّت بنا فيما سبق ، فهل يعني ذلك خروجاً عن تلك القاعدة هنا ؟
الحق أن منْ يُنعِم النظر في أسلوب القرآن الكريم فسيخلص إلى أنه يخاطب " البعض " ثم يعود بعد ذلك ليخاطبه بصيغة " الكل " من غير أن يعني بذلك استغراق " الكل " حقيقة . وعلى سبيل المثال فإن قوله – تعالى – في هذه الآية :" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " [ البقرة: 120] من هذا القبيل ،إذ إن متابعة الآية من بداية السياق في الآية [100] من السورة نفسها وهي قوله – تعالى- : " أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم … " يؤكَّد هذا المعنى .ثم نجد القرآن تارة أخرى يخاطب "الكل" وهو لا يقصد سوى " البعض " ومن هذا القبيل قوله – تعالى -
:" قل يا أهل الكتاب لِمَ تصدّون عن سبيل الله مَنْ آمَن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء، وما الله بغافل عما تعملون " [ آل عمران : 99]. ولو تابع الباحث القراءة بدون فاصل أو توقّف لألفى الآية التي تليها تخصص فريقاً من أهل الكتاب هم المعنيون بالإطلاق السابق :
" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " [ آل عمران : 100 ].
ومن المقطوع به أن قوله تعالى في مثل هذه الآيات :
" وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " . [ البقرة : 111].
أو قوله : " وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب " [ البقرة: 113].
أو قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة ……… " [ المائدة: 64].
هذه الآيات وما في معناها لا تدل على أن جميع أفراد اليهود أو النصارى قد قالوا "لن يدخل الجنة ……" الآية أو " ليست النصارى ……… " الآية أو " يد الله…" الآية . كيف وقد ذُكِر بعضهم في معرض الثناء كما تقدم . فهذا إذاً من المجاز العقلي بداهة ، ويحمل المعنى على ما قاله كبراؤهم و غلاتهم أو نحو ذلك. فهذا أسلوب بلاغي عربي مألوف لا إشكال فيه ، وهو كذكر عموم اليهود أو النصارى في الآيات الثلاث التي نحن بصدد الحديث عنها ، على حين أن المقصود ليس سوى بعضهم حملاً لهذه الآيات على الآيات الكثيرة الأخرى المخصصة أو المقيّدة أو المبيِّنة.ومنْ ذا الذي فهم من قوله تعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكن فاخشوهم ……… " [ آل عمران : 173] أن جميع الناس قد قالوا لهم ذلك . فالناس الذين قالوا إنما هو أعرابي من خزاعة (25) أو نعيم ابن مسعود . أو انهم ركب عبد القيس أو المنافقون . وقد أطلق عليهم لفظ الناس لكونهم من جنسهم(26). أما الناس الذين جمعوا لهم فهم أبو سفيان ابن حرب (27). وهذا شبيه بقول النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يرويه عنه ابن عمر- رضي الله عنهما - : " أمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله …… " (28).
الحديث . فقد حُمِل لفظ " الناس" في الحديث على المشركين من غير أهل الكتاب لعموم الأدلة التي تميّز بين عدم مقاتلة أهل الذمة أو مؤديّ الجزية والمعاهدين وبين المشركين وغيرهم (29). وهكذا ينبغي حمل الألفاظ العامة في حق أهل الكتاب أو اليهود أو النصارى أو سواهم .
هذا عن الآيات الثلاث في سورة البقرة أما الآيتان الأخريان من سورتي البقرة والنساء وهما قوله – تعالى- :
" ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " [ البقرة : 217].
وقوله – سبحانه – " ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً … " [ النساء:86]. فالأمر لا يستأهل أكثر من إعمال نظر كلي مباشر في الآيتين وفق قراءة سياق من بداية الآيتين وستتبين خصوصيتهما بفئتين من الناس هما : المشركون والمنافقون في ذلك الحين بحيث تنطبقان على كل من حمل صفات تينك الفئتين في أي عصر و مصر ، ولكن دون أن تستغرق جميع غير المسلمين، لأنهما وردتا في سياق خاص فلا يحملان على غير من وردتا في حقهما . فآية سورة البقرة خاصة بكفار قريش وحدهم ، وذلك حين حرصوا على إرجاع من أسلم منهم وفارق دين آبائه من بني قومهم إلى دين قريش وملتهم باذلين في سبيل ذلك ما وسعهم . اقرأ الآية من البداية حيث تقول : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " [ البقرة : 217]. أما الآية من سورة النساء فقراءتها من بداياتها وفق قراءة السياق ستبيّن أن الحديث خاص بالمنافقين الذين تخلفوا في غزوة أحد حتى صار المسلمون فئتين : فئة ترى قتلهم ، وفئة لا ترى ذلك فأنزل الله : " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " [ النساء : 88-89].
وصفوة القول في أمر الصراع الحضاري بالنسبة للإسلام وفق خطاب القرآن الكريم يتجلى في مستويين : (30)
المستوى الأول : خطاب القرآن عن نظرته إلى الآخر من منطلق الاعتراف الكامل بذاتيته ، وكينونته المستقلة ، وحقه في إقامة الحضارة التي يتمحض اختياره المطلق في إقامتها، شريطة عدم تعدِّيها لحدودها ، أو تجاوزها إلى حقوق الآخر وحدوده .
المستوى الآخر : خطاب القرآن الإخباري عن الآخر في حرصه على إغواء المسلمين بشتى الوسائل ومختلف الأساليب ، وإصراره على ذلك ، ولكن هذا مقيّد بفريق من الكافرين ، أو حتى بأغلبيتهم في زمن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - دون أن يعني ذلك استغراقاً لكل المخالفين بالضرورة في كل زمان ومكان. ودون أن يعني ذلك موقفاً ترتضيه فلسفة التربية الإسلامية كذلك.

و في ضوء ما تقدّم فإن الاحتكام إلى فلسفة التربية الإسلامية وتوجيهاتها بشأن أساس التعايش مع الآخر سيوفّر الجوّ الآمن المفقود لبني الإنسان، حيث إن البحث جارٍ على قدم وساق اليوم لتحقيق ثقافة السلام وتربيتها، على حين يشهد العالم مزيداً من الصراع ونفي الآخر على الصعيد العملي، كما تشهد معدّلات أعمال العنف تزايدا ملحوظاً، بفعل النزعة المركزية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، حين تسعى لفرض نموذجها الحضاري – بما فيه التربوي- على الآخر، بهدف محو الخصوصيات الحضارية، وتغييب الهوّية الثقافية له،. ومن الخطأ أن تؤخذ هذه المسالك وكأنها أعمال فردية معزولة عن الفلسفة التربوية التي توجِّه الفرد الأوروبي والأمريكي، إذ هي لا تخرج في مجملها عن الفلسفة البراجماتية الديوية( نسبة إلى الفيلسوف الأمريكي: جون ديوي: 1859-1952م) والواقعية الهوبزية( نسبة إلى الفيلسوف البريطاني توماس هوبز: 1588 -1679م) على وجه الخصوص، حيث تبيح للفرد البراجماتي الواقعي خارج حدوده الجغرافية، ومع غير أبناء مجتمعه الأصلي أن يستحل كل محرّم، وأن يحصل على كل امتياز من أي طريق، وبأي أسلوب أو وسيلة، مادام ذلك سيحقق ذاتيته على المستوى الفردي بالدرجة الأساس،أو الاجتماعي بدرجة ثانية، بعيدا عن الاعتبارات الأخلاقية والقيم الغيبية المثالية العتيقة!

إن الفلسفة التربوية الغربية تجسِّد بمسلكها العدواني المتأصل تجاه الآخر ولا سيما الإسلامي أنها أمينة على تمثّل فلسفة ( توماس هوبز) الذي يدعو إلى حرب الجميع ضدّ الجميع(Bllum omnium contra omes)، وأن الإنسان ليس بأكثر من ذئب متوحِّش، تجاه أخيه الإنسان، يبدو شكلاً في صورة إنسان .وغاية ما تصنعه الحضارة – عند هوبز- أن تحاول حجب العدوان بستار الأدب والفن،كأسلوب نميمة وانتقام في حدود القانون(31).
ويتم ذلك كلّه في غياب تامٍ لسيادة الفلسفة التربوية الإسلامية، وفضلاً عن مصادمته للتوجيهات والنصوص السابقة القاضية بوجوب التعايش واحترام الخصوصيات الحضارية لكل أمة؛ فإن كل أنواع تهم الإرهاب والتطرّف تُنسب إلى فلسفة التربوية الإسلامية، بوصفها المسئول المباشر عن كل الممارسات المشينة المنسوبة إلى المسلمين!

الخلاصة (النتائج والتوصيات):
بوسع الباحث وقد بلغ ختام ورقته أن يُحدِّد نتائجها فيما يلي:
ترتكز أسس فلسفة التربية الإسلامية ومنطلقاتها في تصوَّرها للآخر على مبادئ: التعارف والتعاون بالبر والقسط، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعلى مبادئ الكرامة الإنسانية، والحرِّية في الاختيار، وتعزيز القواسم المشتركة بين أهل الأديان السماوية، ومن في حكمهم، وإنصاف الآخر، والموضوعية في التعامل معه، ورفض منطق الصراع الحضاري، وإحلال التعايش بديلاً عنه.

:ويوصي الباحث الجهات القائمة على تصميم المناهج وصياغتها أن تتضمن مناهج التربية الإسلامية وما في حكمها التالي:
أولاً: الأهداف:
السعي نحو تحقيق أسس فلسفة التربية الإسلامية ومنطلقاتها في التعامل مع الآخر من حيث:التعارف والتعاون بالبر، والتعامل مع الآخر، والدعوة إلى الله بالأسلوب الحكيم، وتجسيد مبادئ الكرامة والإنسانية، والحرِّية في الاختيار، وتعزيز القواسم المشتركة بين أهل الأديان السماوية ومن في حكمهم، وإنصاف الآخر، والموضوعية في التعامل معه، ورفض منطق الصراع الحضاري، وإحلال التعايش بديلاً عنه.

ثانيا: المحتوى:
يتضمن المحتوى المنشود المفردات المتعلقة بأسس نظرة فلسفة التربية الإسلامية إلى الآخر من حيث: أهداف التعارف والتعاون والدعوة إلى الله بالأسلوب الحكيم، والتعريف بمبادئ الكرامة الإنسانية،والحرية في الاختيار، وتعزيز القواسم المشتركة بين أهل الأديان السماوية ومن في حكمهم، وذكر نماذج من الآيات والآثار التي تنصف الآخر، وتلتزم الموضوعية تجاهه، وكذا الآيات والآثار التي تدعو إلى التعايش الحضاري، وترفض منطق الصراع بين الحضارات والأديان.
ثالثاً: الطرائق:
ويمكن أن يتضمن المنهاج المقترح بهذا الخصوص استخدام الأساليب والوسائل التالية:
القيام بعملية تعليم عبر الموقف بإجراء تطبيقات ميدانية لتجسيد الأسس والمنطلقات التي ترتكز عليها فلسفة التربية الإسلامية في تعاملها مع الآخر، سواء من حيث التعارف والتعاون بالبر والقسط، أم من حيث الحكمة في الدعوة إلى الله، أم من حيث تجسيد المبادئ الأخرى المتمثلة في الكرامة الإنسانية والحرية في الاختيار وغيرها.
رابعــاً: التقـويــم:
ويمكن أن يتضمن المنهاج المقترح بهذا الخصوص استخدام عنصر التقويم على النحو التالي:
يتم تقويم مدى تحقق أسس فلسفة التربية الإسلامية ومنطلقاتها في التعامل مع الآخر بدلالة حجم الاهتمام الفعلي والتطبيق العملي لتلك الأسس والتطلعات في الواقع الاجتماعي الذي يمثل ميدانه المخرج المباشر للمنهج المنشود.

الهوامش والمراجع
(1) راجع الأساسين الأوليين في: فيصل مولوي، الأسس الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، 1410هـ، 1990م، ط الثانية، بيروت: دار الرشاد الإسلامية، ص9-17.
(2) راجع نص الوثيقة في ابن هشام، السيرة النبوية (تحقيق وضبط: مصطفى السقاء ورفاقه)، د.ت، د.ط، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ج 2 ص147-150.ومحمد حميد الله ، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، 1403هـ-1983م، ط الرابعة، بيروت: دار النفائس، ص59-62.
(3) مسلم، صحيح مسلم ( بشرح النووي )، (كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة)، د.ت، د.ط، القاهرة، المطبعة الأميرية ومكتبتها، ج 7 ص26.
(4) المرجع السابق، ج 7 ص28.
(5) أي جنازة كافر من أهل تلك الأرض، انظر النووي، شرح صحيح مسلم، المرجع السابق ج 7 ص29-30.
(6) صحيح مسلم، المرجع السابق، ج 7، ص29.
(7) محمد عمارة، الإسلام والآخر: من يعترف بمن، ومن ينكر من ؟ 1423هـ -2002م، ط الثالثة، القاهرة وغيرها: مكتبة الشروق الدولية، ص73.
(8) أخرجه أحمد، انظر أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، د.ت، د.ط، القاهرة: دار الحديث . وقال الساعاتي في تخرج هذا الحديث عن الهيثمي: " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح " ج 12 ص226-227، رقم الحديث 427.
(9) ابن حزم، مراتب الإجماع ومعه نقد مراتب الإجماع لابن تيمية ومحاسن الإسلام للبخاري )، 1406هـ – 1985م، ط الثالثة، بيروت: دار الكتاب العربي، ص120.
(10) ابن هشام، مرجع سابق، ج 1 ص344 .
(11) البخاري، صحيح البخاري، (بشرح ابن حجر العسقلاني)، ترقيم وتبويب: محمد فؤاد عبدالباقي وإشراف: عبدالعزيز بن باز، ( كتاب الجهاد ( 56) باب دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه…(101) )، د.ت، د. ط، بيروت: دار الفكر، ج 6 ص108، حديث 2939.
(12) المرجع السابق، ( كتاب الجهاد ( 56)، باب دعاء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - الناس إلى الإسلام والنبوة …. ( 102) )، ج 6 ص109، حديث 2940.
(13) مسلم، مرجع سابق، ( كتاب الجهاد والسير، باب كتب النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - ) ج 12 ص107.
(14) الغِيْلة تعني: رضاع الطفل من أمه الحامل، أو مجامعة الرجل امرأته وهي حامل. انظر: النووي، مرجع سابق، ج 10 ص16.
(15) مسلم، مرجع سابق، ( كتاب النكاح، باب جواز الغيلة )،ج 10 ص16-17.
(16) محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، 1414هـ – 1993م، د.ط، بيروت: دار المعرفة، ج 2 ص497، انظر: محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، 1984م، د.ط، تونس: الدار التونسية للنشر، ج 2 ص500، وسيد قطب، في ظلال القرآن، 1410هـ – 1990م، الطبعة الشرعية السادسة عشرة، القاهرة وبيروت: دار الشروق، المجلد الأول، ج 2 ص270- 271.
(17) محمد عمارة، إسلامية المعرفة، د.ت، د.ط، القاهرة: دار الشرق الأوسط، ص63- 65، والغزو الفكري وهم أم حقيقة؟، 1418هـ – 1997م، ط الثانية، القاهرة وبيروت: دار الشروق ص121- 125.
(18) محمد عمارة، الإسلام والآخر، مرجع سابق، ص56 .
(19) عبد الرحمن حللي، الدلالات السياسية والإيديولوجية للولاء والبراء في القرآن الكريم، 7 شوال، 1417هـ – 24/ 2/ 1997م، صحيفة المستقلة، العدد (146)، لندن: دار المستقلة للنشر.
(20) الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن، 1373هـ – 1954م، ط الثانية مصر: شركة ومطبعة الحلبي وأولاده، ج 28 ص66.
(21) المرجع السابق، ج 28 ص66.
(22) فيصل مولوي، مرجع سابق، ص19-20.
(23) المرجع السابق، ص20-21.
(24) سيّد قطب، مرجع سابق، المجلد الأول، ج 7 ص962- 967.
(25) ابن كثير، تفسير ابن كثير، 1401هـ – 1981م، د.ط، بيروت: دار الفكر، ج1 ص431.
(26) الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، 1403هـ- 1983م، د.ط، بيروت: دار الفكر، ج 1 ص400.
(27) المرجع السابق، ج 1 ص400، 401.
(28) البخاري، مرجع سابق،( كتاب الإيمان (2)، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة …(17))، ج1 ص75، حديث 25.
(29) راجع التفصيل في: ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 1 ص77.
(30) أحمد محمد الدغشي، نظرية المعرفة في القرآن وتضميناتها التربوية، 1422هـ- 2002م، ط الأولى، عمَّان ودمشق: المعهد العالي للفكر الإسلامي ودار الفكر.
(31)راجع: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة،د.ت،د،ط، بيروت:دار القلم، ص 55، ومحمد لبيب النجيحي، مقدِّمة في فلسفة التربية،1967م،ط الثانية، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية، ص 227-230.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك