أسلوب الشدة في الحوار القرآني

أسلوب الشدة في الحوار القرآني مع الآخر
دراسة وتحليل
إعداد
الدكتور/عرفات محمد محمد أحمد عثمان
الأستاذ المساعد في قسم الدراسات القرآنية
بكلية المعلمين بالمدينة المنورة(وكلية القرآن الكريم جامعة الأزهر)
بحث مقدم
إلى مؤتمر
الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي المنعقد بجامعة الشارقة

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد....
فإن الحوار المثمر الهادف البناء فريضة شرعية وضرورة حياتية؛ أما كونه فريضة شريعة فقد أكدته النصوص الشرعية المتكاثرة، والحوارات الواقعة في كتاب الله تعالى.
وأما كونه ضرورة حياتية، فهذا ما تؤكده طبيعة التعاملات اليومية مع الأصدقاء والأعداء، مع المسلم والكافر، والعالم والجاهل، والصغير والكبير، مما يقطع بأهمية الحوار لحل المشكلات صغيرها وكبيرها. والحوار مع ذلك مادة خصبة ثرية لتلاقح الأفكار، وتبادل المعلومات، ومعرفة حجج الفرق وإخراج شبه الضالين.
وطبيعة الحوار تقتضى أن يكون بأسلوب هادئ لين؛ وذلك لكي يثمر ثمرته المرجوة.
ولكن قد تقتضى أمور أن تعلو لغة الحوار، وأن يشتد أسلوبه، وذلك لأمور تتعلق بطبيعة" المحاور" وطبيعة "المحاورة".
وقد جعلت هذه الجزئية محورا لبحثي هذا، فتعرضت فيه لأسلوب الشدة في الحوار، ومظاهر هذه الشدة، وأسبابها. وأسلوب الشدة في الحوار القرآني يتنوع في أكثر من أسلوب. وأسباب اختيار هذا العنوان تتلخص فيما يلي:
1- أن غالب من يكتب في الحوار يتحدث عن اللين والهدوء والعرض بالحسنى، وهذا صحيح ولا شك، لكن يبقى أن هناك وسائل أخرى منها الشدة والإغلاظ في القول وقد ورد لذلك أمثلة في كتاب الله.
2- أن أسلوب الشدة من الأساليب الدعوية المتبعة، وقد يلجأ الداعي إلى هذا عند الضرورة، فأحببت أن أتحدث عن ضوابط الشدة في أسلوب الحوار القرآني.
3- أن بعض الناس قد يتخذ من أسلوب الشدة منهجا يتبعه في محاورة المخالف، ويستشهد على ذلك ببعض آيات الشدة في الحوار، ويخرجها عن سياقها، مما يجعلنا نبين أين تكون الشدة ومتى؟
هذه الأسباب وغيرها قد دفعتني إلى النشاط للكتابة في هذا الموضوع، فاتجهت إلى كتاب الله تعالى وقرأته متدبرا، ثم رجعت إلى أمهات كتب التفسير، وبعد ذلك أرخيت العنان لقلمي كي يكتب ويحلل، ويناقش ويدلل.
ورصدت بعض مظاهر للشدة في الحوار القرآني، وأجملتها في أربع نقاط هي:
1- أسلوب التهديد و والوعيد.
2- أسلوب الدعاء علي المخالفين.
3- التبرؤ منهم.
4- وصفهم بالوصف المناسب.
وقد اقتضت طبيعة البحث أن ينقسم إلى مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة.
تحدثت في المقدمة عن الموضوع ومنهجي فيه بإيجاز، ثم مهدّت بتعريف مختصر للحوار والشدة، ثم تحدثت في كل مبحث من المباحث عن أسلوب من أساليب الشدة كما ورد في القرآن.
وكان منهجي أن أذكر الآية الكريمة التي ورد فيها أسلوب الشدة، ثم اجتهد في تحليل سبب الشدة مع الاسترشاد بأقوال المفسرين في توضيح المعنى.
ثم ختمت البحث بخاتمة موجزة فيها أهم نتائجه وأتبعت ذلك بثبت المصادر والمراجع.
وبعد، فأحسب أني عرضت للموضوع عرضا تحليليا موجزا، لكنه – كأي عمل بشري- خاضع للتقويم والمناقشة، والعلم مفتاحه المناقشة، والله أسأل أن يكون ما كتبت في ميزان حسناتي، وأن يصوب اجتهادي فيه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
عرفات محمد
في المدينة المنورة

تمهيد
تعريف الحوار:
الحوار في اللغة من حار يحور إذا رجع،والحوار في اللغة: تراجع الكلام.وفي اللسان: وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام. والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة. ومعناه في الاصطلاح قريب من نفس المعنى اللغوي؛ فهو: مراجعة للكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة.(1)
وللحوار مرادفات أخرى هي الجدال والمناظرة والمحاجة.

تعريف الشدة:
الشدة: في اللغة الصلابة وهي نقيض اللين. وتكون في الجواهر والأعراض.والشدة القوة؛ قال تعالى : (وشدَدْنا ملكَه)[ص: 20] أَي: قوَّيناه، والمُشاَدة: المغالَبة، وقد شَدَّ عليه في الحَرْب يَشُدُّ شَدّاً، أي حَمَلَ عليه. وشدَّ النهار، أي ارتفع. وشدَّ عَضُدَه، أي قَوّاه. واشتَدَّ الشيءُ، من الشِدَّة. والمُشادَّةُ في الشيء: التشدُّد فيه،والتشديد: خلاف التخفيف. وقوله تعالى: (حَتَّى يَبْلُعَ أَشُدَّهُ) [الأنعام: 152]، أي قُوَتَه(2).
ولا يختلف المعنى الاصطلاحي للشدة عن المعنى اللغوي، فهي تعنى القوة والمغالبة والارتفاع على الخصم، ويكون ذلك بالأسلوب القوى في القول، ويكون بالتهديد والوعيد أو بالسب والشتم، أو بغير ذلك من المظاهر التي توحي بالشدة.
ومن المسلم به أن أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه، لا يلجئون إلى الشدة الفعلية، فلم يؤثر عن نبي أنه آذى قومه، وإنما هم الذين تعرض للأذى من الضرب والشتم بل والقتل، وكل ما قاموا من شدة فإنما هي بعض ألفاظ قالوها وفي ملابسات معينة كما سيأتي.

المبحث الأول: أسلوب التهديد والوعيد.
وفيه عدة مطالب
أولا: حوار الله تعالى مع إبليس.
وهذا الحوار له دلالاته القوية؛ فإبليس تجرأ ورفض الأمر الإلهي، ولم يكن هذا الرفض ناجما عن مجرد معصية قابلة للتوبة وإنما كان ناتجا عن كبر داخلي تطور معه إلى أن وصل إلى ادعاء تفوقه على غيره من المخلوقات، فكان الحوار الإلهي معه ليذكر حجته إن كان له حجة، وليتعلم الناس جميعا آداب الحوار من كتاب الله تعالى.، وقد ورد الحوار مع إبليس في عدة مواضع من كتاب الله وهى كالتالي:
الموضع الأول: سورة الأعراف.
قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ *قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ* قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ )[الأعراف:11-18]
هذه المحاورة الأولى التي وردت في القرآن، والآيات تبين أن الله تعالى سأل إبليس عن السبب الذي حال بينه وبين السجود فردَّ إبليس بأن السبب هو اعتقاده خيرية نفسه عن آدم، وهذا تكبر واضح وصريح، فكانت العقوبة الإلهية له أن ينزل من الجنة وهو على حال من الذل والصغار، فطلب من ربه إمهاله إلى يوم القيامة، فأجابه الله إلى طلبه، ثم توعد العباد بأن يحاول إغوائهم بشتى الوسائل ومن كل الطرق، فقال المولى: أخرج منها مذؤوما قال الطبري :" و"الذأم"، العيب. يقال منه:"ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم، ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا"، و"الذأم" و"الذيم"، أبلغ في العيب من"الذمّ"(1) ومدحورا أى: مبعدا ثم توعد المولى من اتبعه من البشر بجهنم.
ويلاحظ على هذا الحوار القرآني ما يلي:
1- أن الحوار بدأ هادئا ليس فيه أسلوب الشدة، فالبرغم من فِعل إبليس الذي عَلِمه الله تعالى إلا أنه سأله عن المانع من السجود ليذكر حجته إن كان له حجة.
2- أن أسلوب إبليس كان في غاية الفظاظة وسوء الأدب؛ ويتضح هذا من أكثر من وجه: فقد اعترض على فعل ربه، وعظم نفسه، وقدمها على آدم، وتعامى عن تفضيل الله لآدم، وقاس قياسا فاسدا فاخطأ في قياس الخيرية على النشأة وهذا غير مسلَّم له، ونسب الغواية لله، وهدد بني آدم، ويلاحظ أيضا في المحاورة في هذا الموضع أنه لم يقل: رب، وإنما كان يتكلم بصورة أقرب إلى إملاء الكلام فاستحق أن يكون خطابه من جنس كلامه؛ فلم يخاطب بأداة النداء.
ولعل هذا الأسلوب الشديد الذي جاء في أول محاورة مع إبليس في القرآن لكي يُعَلِّم الله بني آدم منهج إبليس، ولذلك فإن هذه المحاورة الوحيدة الذي جاء بعدها تحذير مباشر وصريح لبنى آدم من اتباع إبليس وأعوانه.
وقد جاء الحوار مع إبليس في مواطن أخرى؛ ففي سورة الحجر: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ).
وفي سورة الإسراء: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا.
وفي سورة ص: (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
وفي كل هذه المحاورات يأتي أسلوب الشدة بعد أن يأتي إبليس بما عنده، ويذكر حجته المتهافتة، ويتحول بعدها إلى أسلوب التهديد والوعيد لبني آدم، فيكون التهديد والوعيد أيضا لمن تبعه.
ثانيا: حوار نوح مع قومه:
قال تعالى: (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون*فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم)[هود:38، 39].
دعا نوح قومه ردحا طويلا من الزمن، وقد جادلهم كثيرا فردوا عليه بأنه بشر وأن أتباعه من أراذل القوم، واتهموه معهم بالكذب، فظل نوح يحاورهم بالحسنى، ويبين لهم منهجه وأنه لا يطلب منهم شيئا لنفسه، و دافع عن المستضعفين من المؤمنين، لكنهم لم يلقوا لكل هذا بالا، وإنما طالبوه بالعذاب تحديا وتكذيبا له، فأخبرهم أن العذاب ليس بيده وإنما هو بيد الله.
وبعد أن استفرغ طاقته، وبلغ وسعه معهم، أنبأه الله أن الغشاوة قد استحكمت على قلوبهم، وبلغ منهم العناد والكبر مبلغا حتى لم يعد يُرجى من ورائهم خير؛ فلن يؤمنوا بحال وأن عليه أن يجهز سفينة لنجاته هو ومن معه، فلما بدأ نوح عليه السلام في إعدادها قالوا له-ساخرين-: أتحولت نجارا بعد النبوة !! (1)
فلما رأى نوح استهزاءهم وسخريتهم رد عليهم بأنهم إن سخروا منه ومن المؤمنين معه فإنه هو والمؤمنون يسخرون منهم أيضا: وفي المقصود بسخرية نوح وجوه:
الأول : التقدير إن تسخروا منا في هذه الساعة فإنا نسخر منكم سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والخزي في الآخرة . الثاني : إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله تعالى وعذابه فأنتم أولى بالسخرية منا. الثالث: أن تستجهلونا فإنا نستجهلكم واستجهالكم أقبح وأشد؛ لأنكم لا تستجهلون إلا لأجل الجهل بحقيقة الأمر والاغترار بظاهر الحال كما هو عادة الأطفال والجهال(1).
ثم تحول إلى تهديدهم فقال: (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) وهذا تهديد واضح قال ابن كثير: "وعيد شديد، وتهديد أكيد"(2)، وقال أبو حيان: "وفي قوله : (فسوف تعلمون) ، تهديد بالغ "(3).
وهذا التهديد جاء في اللحظات الأخيرة، وبعد أن أوحى الله إليه أنه لن يؤمن أحد منهم حتى روي أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصا، ومعه ابنه، فقال: يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون، فقال له: يا أبت أمكني من العصا، فأخذ العصا من أبيه، فضرب نوحا حتى شجه شجة منكرة، فأوحى الله عز وجل إليه: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ). وهذا يشير إلى أنه قد وصل معهم إلى طريق مسدود(4).
ثالثا: حوار هود مع قومه
كانت عاد قبيلة معروفة بالقوة والبطش الشديد، وقد جاءهم نبي الله هود فوعظهم ونصحهم، وخاطبهم ب:( يا قوم) فنسب نفسه إليهم، لكنهم اتهموه بالسفاهة والكذب، وطالبوه بالعذاب الذي توعدهم به وحذرهم منه فقال لهم كما أخبر القرآن: (قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين)[الأعراف:71]
ومعنى وقع أي: حق ووجب عليكم الغضب والعذاب من ربكم فإنكم تجادلون في أصنام تعبدونها سميتموها بأسماء مختلفة، ومالكم حجة في عبادتها فانتظروا هذا العذاب الذي تطلبونه وإني معكم لمنتظر له، قال ابن كثير: "وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه"(5) وقال أبو حيان: "وهذا غاية في التهديد والوعيد"(6).
وهذا القول من هود عليه السلام لم ينطقه من تلقاء نفسه، قال ابن عاشور: " وقد أخبَر هود بذلك عن علم بوحي في ذلك الوقت أو من حين أرسله الله ، إذْ أعلمه بأنّهم إن لم يرجعوا عن الشّرك بعد أن يُبَلِّغهم الحجّة فإنّ عدم رجوعهم علامة على أنّ خبث قلوبهم متمكّن لا يزول ، ولا يرجى منهم إيمان ، كما قال الله لنوح: (لن يُؤمن من قومك إلاّ مَن قد آمن) [ هود : 136 ]"(7). ويظهر أيضا من سباق الآيات أنه توعدهم قبل ذلك بالعذاب، ومما يشير إلى ذلك قوله تعالى على لسانهم: ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)[الأعراف :70والأحقاف:22]
رابعا: حوار صالح مع قومه:
أرسل الله نبيه صالحا إلى قوم ثمود، وجاءهم بآية هي الناقة التي تسقيهم جميعا اللبن يوما وتشرب فيه الماء وفي اليوم التالي يشربون هم الماء ، وحذرهم من أن يمسوها بسوء فيأخذهم عذاب أليم، قال تعالى:( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الأعراف:73] لكنهم قتلوها، فهددهم وتوعدهم كما ذكر القرآن: ( فعقروها فقل تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)[هود:65].
ومن الطبيعي أن يهددهم نبي الله صالح بالهلاك، فقد عصوا أمر ربهم، وعقروا الناقة، وواصلوا التحدي فطلبوا منه أن يأتيهم بما وعدهم من العذاب كما ذكر المولى في كتابه: ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين)[الأعراف: 77] فماذا كان ينتظر صالح بعد ذلك؟
لقد هددهم بالعذاب من قبل، وفي هذه المرة يتوعدهم به في خلال ثلاثة أيام، ومع هذا فإن ذكر المهلة فيه ترغيب لهم إلى المبادرة بالتوبة قبل حلول العذاب؛ فقد ذكر الرازي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه تعالى لما أمهلهم تلك الأيام الثلاثة فقد رغبهم في الإيمان(1)، وقريب من هذا المعنى ما ذكره الطاهر بن عاشور بقوله" وذلك التأجيل استقصاءٌ لهم في الدعوة إلى الحقّ"(2).
خامسا: حوار إبراهيم مع قومه:
قال تعالى على لسان إبراهيم:(وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) [العنكبوت:25]
في هذا الموضع من قصة إبراهيم في سورة العنكبوت تذكر الآيات محاورة إبراهيم لقومه، وتذكيره إياهم بعباده الله وتقواه، وبيان أن هذه الأصنام لا تملك لهم ضرا ولا نفعا، وأردف ذلك بنصحه لهم بالاتعاظ بما أصاب الأولين وأنهم لن يعجزوا الله في عذابهم ولن يكون لهم ناصر.
بعد هذه المحاورة الهادئة لم يكن منهم رد إلا أن هددوه بالقتل أو التحريق فعصمه الله منهم، وحفظه من كيدهم، فقال لهم محذرا ومخوفا: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) [العنكبوت:25] أي: لن تفيدكم الأصنام في الآخرة شيئا؛ فقد اتخذتموها في الدنيا مودة بينكم وبينها، أما يوم القيامة فإن المعبود يتبرأ من العابد، ويكفر العابد بالمعبود الباطل والكل في النار، وليس لكافر من قوة ولا ناصر. وهذا تخويف لهم بالآخرة لو كانوا يعقلون.
سادسا: حوار شعيب مع قومه:
قال تعالى على لسان شعيب: (ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب)[هود: 93].
اشتهر نبي الله شعيب بأنه خطيب الأنبياء(3)؛ وذلك لحسن مراجعته لقومه؛ فقد نصحهم بعيادة الله وحدة وتَرْك تطفيف الكيل والميزان، وكان يتلطف معهم ويذكر لهم ما أصاب الأمم السابقة، ولكنهم قابلوا دعوته بالاستهزاء والسخرية فقالوا له: (إنك لأنت الحليم الرشيد) قال الطبري: "فإنهم أعداء الله، قالوا ذلك له استهزاءً به"(4)، ولم يكتفوا بالاستهزاء وإنما هددوه بالقتل فقالوا: (ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)[هود: 91] ومعنى رجمناك: قتلناك بالرجم، وكانوا إذا قتلوا إنسانا رجموه بالحجارة، وكان رهطه من أهل ملتهم(5). فما كان منه إلا أن خاطبهم بأسلوب الشدة متوعدا إياهم بالعذاب، قال صاحب المنار: "هذا أمر تهديد ووعيد من واثق بقوته بربه، على انفراده في شخصيته، وضعف قومه على كثرتهم، وإدلالهم عليه وتهديدهم له بقوتهم، أي: اعملوا ما استطعتم على منتهى تمكنكم في قوتكم وعصبيتكم... أو على مكانكم الذي أنتم فيه....( سوف تعلمون..) هذا تصريح بالوعيد بعد التلميح لهم بالأمر بالعمل المستطاع للتعجيز"(1).
سادسا: حوار موسى مع قومه:
1- دعا موسى قومه بني إسرائيل إلى توحيد الله وعبادته، وقد أرسله الله أيضا إلى أهل مصر ليدعوهم إلى دين الحق فوجد من كلا الفريقين صدودا ومعارضة. وقد عارضه فرعون وملؤه؛ فاتهمه فرعون بأنه يريد إخراجهم من ديارهم بسحره، وظنوا أن أمر موسى مبنىُّ على السحر وتواعدوا على أجل مسمى فأراد موسى عليه السلام أن يخوفهم من عاقبة صنيعهم بأبلغ أسلوب فقال لهم: (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) [طه:61] ولفظ: (ويل) يدل على الهلاك، وهو دعاء؛ دعا عليهم بالويل ، ونهاهم عن افتراء الكذب . قال الزجاج : هو منصوب بمحذوف ، والتقدير : ألزمهم الله ويلاً . قال : ويجوز أن يكون نداء،كقوله: (يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) [ يس : 52 ].(2)
ولكن هل يعد هذا مخالفا للخطاب اللين الذي أمر الله به موسى وهارون في هذه السورة؟
لعل موسى عليه السلام رأى أن إلانة القول لفرعون ومن معه غير نافعة؛ فهم لم يزالوا مصممين على الكفر ، فأغلظ القول زجراً لهم بأمر خاص من الله في تلك الساعة تقييداً لمطلق الأمر بإلانة القول ، كما أذن لمحمد بقوله:(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا... الآيات [الحج : 39 ] ؛ وإما لأنه لما رأى تمويههم على الحاضرين أنّ سحرهم معجزة لهم من آلهتهم ومن فرعون ربّهم الأعلى وقالوا:( بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) [ الشعراء : 44 ] رأى واجباً عليه تغيير المنكر بلسانه بأقصى ما يستطيع ، لأن ذلك التغيير هو المناسب لمقام الرسالة.(3)
2- ولما أرادوا أن يصرفوا الناس عنه بالسحر هددهم بقوله:(قال موسى ما جئتم به السحر عن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين)[يونس: 81]
وهذا تحذير لهم بأن سحرهم سيبطله الله ويذهب أثره؛ فلن يضر أحدا، وهذه سنة الله مع كل مفسد، حيث لا يصلح الله عمل مفسد، وفي الكلام ذم لهم بأنهم أهل إفساد، والمعنى: إن الله لا يصلح عمل المفسدين فيدخل فيه ما قاموا به من السحر، أو يكون المعنى: إن الله لا يصلح عملكم وعلى هذا يكون التعبير بالظاهر بدل المضمر لتسجيل الإفساد عليهم وبيان أن الإفساد هو علة محق عملهم.(4)، وقد وقع بهم تهديد موسى؛ فأبطل الله سحرهم ،قال تعالى: ({ فَوَقَعَ الحق وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صَاغِرِينَ } [ الأعراف :118،119]
3- ولما تحاور هو وفرعون قال له: ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا)[الإسراء: 102] أي: هالكا، وهذا الحوار مع فرعون جاء بعد سلسلة طويلة من المحاورات، وقد أوصى الله نبيه موسى وأخاه هارون أن يخاطبا فرعون بالأسلوب اللين، قال تعالى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)[طه: 34، 44] ؛ وذلك لأنه المنهج الأصيل في الدعوة. قال بعض المفسرين: إن القول اللين لما لفرعون من حق التربية لموسى، ولما ثبت له من مثل حق الأبوة(5). ولا نرى لهذا القول وجها وجيها؛ وهل لو رُبِّي موسى عليه السلام في غير بيت فرعون وجاء ليدعو فرعون أفكان سيغلظ له في النصح؟
إن المنهج الذي أرساه الإسلام للحوار هو الحوار بالحسنى واللين، وقد أحسن ابن كثير حين استعرض أقوال المفسرين في كيفية القول اللين ثم قال: " والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية [النحل: 125]."(1)
وقد ناقشه موسى عليه السلام بالأسلوب اللين كما أمره ربه، لكن فرعون كان رده عجيبا؛ فقد اتهم موسى بعدة أشياء:
1- فقد اتهمه بأنه ساحر فقال كما ذكر القرآن: (قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم)[الشعراء: 34]
2- وأتهمه بأنه مسحور فخاطبه بقوله:(إني لأظنك يا موسى مسحورا)[الإسراء: 101]
3- واتهمه بأنه يريد إثارة الفتن وإخراج الناس من أرضهم ( يريد أن يخرجكم من أرضكم) [الشعراء: 35]
4- واتهمه بالجنون فقال كما أخبر القرآن عنه:( قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) [الشعراء: 27].
5- وهدده بالسجن فقال:(لأجعلنك من المسجونين)[الشعراء:29].
6- وعرَّض باتهامه بالكذب( إن كنت من الصادقين)[الشعراء: 31].
7- وهدد موسى ومن معه بالقتل فقال: (سنقتل أبناءهم ونستحيي نسائهم وإنا فوقهم قاهرون)[الأعراف: 127].
8- ولم يكتف بإيذاء الإسرائيليين المؤمنين وإنما كان يؤذي من آمن من أهل مصر؛ قال تعالى: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم) (2)[يونس: 83].
9- وأغلق باب الإيمان على نفسه هو وقومه: ( وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)[الأعراف:132]
ويبدو مِن تتبع المحاورات القرآنية بين موسى وفرعون أن هذه المحاورة التي توعده فيها موسى بالهلاك كانت في المراحل المتأخرة؛ فقد تكفلت سورة طه والشعراء بيان أول محاورة بين موسى وفرعون، وعلى هذا فلا تعارض بين القول اللين المأمور به موسى وهارون وبين هذا اللفظ، وعلى هذا فالظاهر ضعف كلام الإمام أبي حيان حيث ذهب إلى أن "كان أولاً موسى عليه السلام يتوقع من فرعون أذى كما قال:(إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) فأمر أن يقول له قولاً ليناً فلما قال له الله : لا تخف وثق بحماية الله ، فصال على فرعون صولة المحمي وقابله من الكلام بما لم يكن ليقابله به قبل ذلك"(3). وذلك لأن موسى ما ذهب إلى فرعون إلا وهو على يقين من نصر الله له، فما كان خائفا من لقاء فرعون ومما يدل على ذلك أن فرعون عندما اتهم موسى بالجنون لم يسكت موسى ولم يخف وإنما خاطبه بأسلوب بليغ فيه تعريض بأنهم ليسوا ذوي عقل وذلك في قوله تعالى: (قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون* قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) [الشعراء: 27، 28]
والذي نلاحظه أيضا أن أسلوب موسى عليه السلام قد تدرج في الشدة؛ فقد استعمل التعريض في أول الأمر ثم لجأ إلى التصريح بعد أن وجدهم مُصرين على ما هم عليه من العناد.
سابعا: حوار المسلم مع صاحب الجنتين :
قال تعالى على لسان المؤمن: (فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا)[الكهف:40، 41].
هذه قصة قرآنية وقعت وفائدتها تعليم الناس موازين القيم في الحياة الدنيا وعند الله يوم القيامة، ومن فوائد القصة تعليم أدب الحوار؛ فقد أنعم الله على أحد عباده بجنتين فيهما من الخيرات الكثير، لكنه سها ولهى ونسي المبدأ والمنتهي، واستطال بماله وولده، وحسب أنه مخلد في الدنيا، وقاس أحوال الدنيا على الآخرة فظن أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا خيرا مما كان له في الدنيا.
ولما رأى صاحبه المؤمن ذلك حاوره بأسلوب لين ينفذ إلى القلوب؛ فذكَّره بنعمة الله عليه في الخلق والنشأة والتسوية، ثم عرَّض في القول مبينا إسلامه وشرك صاحبه، وذكَّره بما يجب عليه حيال نعم الله، وبعد أن استنفد جهده وبلغ وسعه لجأ إلى أسلوب التخويف والتهديد له بفقد هذه الجنان وما فيها من ثمار.
والظاهر أن صاحبه المشرك قد أصم أذنيه وأعمى عينيه عن النصيحة، فلم يذكر القرآن ردا له على هذه المحاورات، مما يدل على أنه كان سادرا في غيه لم يلق بالا لما انتصح به ولم يرفع بالمواعظ رأسا ولم يقبل هدى الله الذي جاءه على لسان صاحبه.
عندها ترجى المؤمن أو دعا بأن يحدث لصاحبه ما يجعله يفيء إلى ربه، كأن تذهب جنته أثرا بعد عين؛ بأن ينزل عليها عذاب من السماء أو يغور ماؤها فيستحيل عليه طلبه، وقد كان ما سأله هذا الرجل الصالح، قال ابن عاشور: " كان صاحبه المؤمن رجلاً صالحاً فحقق الله رجاءه ، أو كان رجلاً محدّثاً من محدّثي هذه الأمة ، أو من محدّثي الأمم الماضية على الخلاف في المعنيّ بالرجلين في الآية ، ألهمهُ الله معرفة ما قدره في الغيب من عقاب في الدنيا للرجل الكافر المتجبر"(1).
ومن الملاحظ أن الرجل الكافر قد افتخر بماله وولده فقال: ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا)[الكهف:34] ولكن الرجل الصالح حينما دعا أو توقع ما يحدث لم يتكلم إلا على الجنتين فقط ولم يذكر أولاده وعشيرته الذين ينفرون معه، وهذا يشير إلى أنه ما أراد له الهلاك مطلقا، وإنما أراد له أن يتعظ بهلاك زرعه الذي يعتز به اعتزازا بالغا حتى إنه ليدخل جنته وهو ظالم لنفسه ولا يتوقع لها بوارا ولا هلاكا.
أما أبناؤه فلا ذنب لهم كي يدعو عليهم الرجل المؤمن؛ فلم تذكر الآيات لهم مفاخرة ولا مجادلة؛ ثم إن العبرة بهلاك الزرع أتم ويمكنه أن يستدرك، ولن يملك بنوه له حينئذ نفعا؛ فإذا كان قد فقد الزرع فإنه- أيضا- فقد أثر النصرة من النفر، قال تعالى: ( ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا)[الكهف:43]. ولذلك لما انفض عنه من حوله ووجد أرضه التي اعتز بها قد صارت خرابا يبابا تصفر الريح بين جنباتها كان ذلك معينا له على التوبة والندم(2).
ونستطيع أن نجمل أسلوب محاورة المؤمن لهذا الكافر في عدة نقاط:
1- أنه وعظه ونصحه بأكثر من أسلوب.
2- أنه لجأ إلى الدعاء عليه بعد أن استنفد ما في جعبته من ترغيب.
3- أنه لم يدع على بنيه وإنما ترجَّى أن يذهب عنه ما كان سببا في طغيانه.
والظاهر أنه انتصح ولكن بعد أن ذهب ماله فصار عبرة لغيرة.
ثامنا: حوار سيدنا محمد  مع أهل الكتاب:
قال تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)[آل عمران: 61].
قدم وفد نجران على رسول الله  في السنة التاسعة من الهجرة، وكانوا ستين نصرانيا يرجع أمرهم على أربعة عشر منهم، ويؤول أمر الجميع إلى ثلاثة هم العاقب والسيد وأبو حارثة بن علقمة ودارت بينهم وبين رسول الله  محاورات ونزل فيها من أول سورة آل عمران إلى ثلاث وثمانين آية، وبعد أن نزلت آيات المباهلة عرضها عليهم النبي فأبوا(1). عن حذيفة قال: جاء العاقبُ والسيدُ صاحبا نجران إلى رسول الله  يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تَفْعَلْ، فوالله إن كان نبيا فلاعناه لا نفلحُ نحنُ ولا عَقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا(2). والمتدبر في المحاورة التي حصلت مع النصارى أن القرآن قد تدرج معهم في النصح وذكَّرهم بقصة عيسى وولادته والمعجزات التي أتى بها، ثم ذكر اختلافهم في شأنه وعرض عليهم المباهلة بعد ذلك، وفي المحاورة التي كانت بينهم وبين النبي لم يعرض عليهم المباهلة إلا بعد أن ناقشهم وبين ضلالهم، ولأنهم يعرفون صدقه  فقد أبوا المباهلة ولو قبلوها لحلت بهم اللعنة لأن الحجة قامت عليهم؛عن ابن عباس قال: "لو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرَجَعوا لا يجدون مالا ولا أهلا"(3).

المبحث الثاني: أسلوب الدعاء عليهم.
أرسل الله تعالى الرسل لهداية الناس إلى طريق الحق، ومن سنته تعالى ألا يطلب الرسل من أقوامهم مالا أو أجرا؛ لأنهم يبغون الأجر من ربهم وخالقهم، ولأنهم كانوا حريصين على هداية أقوامهم فقد كانوا يبذلون لهم النصح، ويدعونهم برفق ولين في كل وقت وحين إلى عبادة رب العالمين.
ولذلك ربما يستعرب البعض أن يدعو الرسل على أقوامهم؛ فهؤلاء الرسل حريصون على هداية الناس، فلماذا إذن يدعون عليهم بالهلاك وغير ذلك؟
لا بد أن هناك أسبابا قوية تدعو إلى ذلك وهذا ما سنحاول استجلائه في تعليقنا على الآيات الكريمة التي ورد فيها دعاء الأنبياء على أقوامهم.
أولا: دعاء نوح على قومه:
وذلك في قوله تعالى على لسان نوح: (قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين)[الشعراء: 117،118] وقوله: ( فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر)[القمر:10] وقوله تعالى: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يدلوا إلا فاجرا كفارا)[نوح: 26، 27]
دعا نوح قومه إلى عبادة الله وحده، واستمر في دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وجرَّب معهم كل وسائل التأثير، سواء بالقول أو بالإشارة، وتنوعت أساليب مخاطبته لهم ما بين السر والعلن، لكنهم كانوا متأصلين في الكفر، فالمدة الطويلة في الدعوة لم تزدهم إلا عنادا واستكبارا، (وما آمن معه إلا قليل) [هود: 40] .
1- ففي آية الشعراء قالوا له:( قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)[ الشعراء:116] وهذا تهديد منهم له بالقتل.
2- وفي سورة القمر ورد اتهامهم له بالجنون، قال تعالى: ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) [القمر:9] وهذا اتهام منهم له بالجنون والازدجار من الجن إن اعتبرنا أن:(وازدجر) من جملة مقول القول، أو تكون معطوفة على اتهامهم له بالجنون فيكون المعنى أنهم قالوا إنه مجنون وازدجروه أي خوفوه وزجروه.
3- وفي صحيح البخاري: قال عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(1). ولعل النبي المقصود هو نوح عليه السلام؛ فقد ورد عند ابن أبي حاتم منْ طَرِيق إِسْحَاق قَالَ " حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْم نُوح كَانُوا يَبْطِشُونَ بِهِ فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُون(2). وهذه الرواية- إن صحت- تشير إلى أن نوحا عليه السلام قد تعرض للضرب الشديد والأذى من قومه. فإن قيل: كيف يدعو لهم بالمغفرة ثم يدعوا عليهم بعدها بالهلاك؟ يقال كما أجاب شراح الحديث: فَكَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي اِبْتِدَاء الْأَمْر ، ثُمَّ لَمَّا يَئِسَ مِنْهُمْ قَالَ:( رَبّ لَا تَذَر عَلَى الْأَرْض مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)"(3).
4- وقد تحدوه أن يأتيهم بالعذاب؛ وهذا دليل على استهانتهم بالنبي وبالوحي، قال تعالى: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدتنا إن كنت من الصادقين)[هود:32].
وقد وصل نوح عليه السلام إلى درجة اليأس التام من إيمانهم، ولم يكن ذلك عن ملالة منه كلا وحاشا، وإنما كان ذلك بوحي من الله تعالى: قال تعالى: (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن)[هود:36] فدعا عليهم بعدها؛ روى الطبري بسنده إلى الضحاك في قوله تعالى :(لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) قال: فحينئذ دعا على قومه، لما بيَّن الله له أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.(1)
5-وقد ذكر نوح عليه السلام حيثيات دعائه عليهم فقال: ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)[نوح:27] أي أنهم لا خير يرتجى منهم، وتركهم وما هم عليه من الكفر ربما يحاولوا إغواء العباد المؤمنين، يقول سيد قطب رحمه الله: " فقد ألهم قلب نوح أن الأرض تحتاج إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم الخالص الذي انتهى إليه القوم في زمانه . وأحياناً لا يصلح أي علاج آخر غير تطهير وجه الأرض من الظالمين ، لأن وجودهم يجمد الدعوة إلى الله نهائياً ، ويحول بينها وبين الوصول إلى قلوب الآخرين . وهي الحقيقة التي عبر عنها نوح ، وهو يطلب الإجهاز على أولئك الظالمين إجهازاً كاملاً لا يبقي منهم دياراً أي صاحب ديار فقال : (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك) .. ولفظة:(عبادك) توحي بأنهم المؤمنون . فهي تجيء في السياق القرآني في مثل هذا الموضوع بهذا المعنى . وذلك بفتنتهم عن عقيدتهم بالقوة الغاشمة ، أو بفتنة قلوبهم بما ترى من سلطان الظالمين وتركهم من الله في عافيه! ثم إنهم يوجدون بيئة وجواً يولد فيها الكفار ، وتوحي بالكفر من الناشئة الصغار ، بما يطبعهم به الوسط الذي ينشئه الظالمون ، فلا توجد فرصة لترى الناشئة النور، من خلال ما تغمرهم به البيئة الضالة التي صنعوها. وهي الحقيقة التي أشار إليها قول النبي الكريم نوح عليه السلام، وحكاها عنه القرآن:(ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)فهم يطلقون في جو الجماعة أباطيل وأضاليل، وينشئون عادات وأوضاعاً ونظماً وتقاليد، ينشأ معها المواليد فجاراً كفاراً، كما قال نوح.
من أجل هذا دعا نوح عليه السلام دعوته الماحقة الساحقة . ومن أجل هذا استجاب الله دعوته ، فغسل وجه الأرض من ذلك الشر."(2)
وقد آثرت أن انقل كلام سيد قطب بطوله لأنه يصور بأسلوب أدبي جميل ما قام ويقوم به أهل الإفساد من محاولة إضلال العباد المؤمنين. وهذا سبب من الأسباب التي دفعت نوحا عليه السلام إلى الدعاء عليهم، أما قوله: (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) فهو استقراء منه لظاهر أحوالهم، وهو أيضا مفهوم من قوله تعالى :(لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فيشمل الحاضر والمستقبل، لأن لن تفيد التأبيد.
ثانيا: دعاء شعيب:
قال تعالى على لسان شعيب:( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)[الأعراف:89]
خيَّر شعيبا قومُه بين أمرين: الإخراج من البلدة أو متابعتهم في الضلال ، قال تعالى: ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا)[الأعراف: 88] وما كان له أن يصير في ملتهم وهو النبي الموحى إليه، وكان هذا الرد منهم بعد أن نصحهم وهددهم بأسلوب خفي قبلها فقال: (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) قال ابن عطية: "وفي قوله: (فاصبروا) قوة التهديد والوعيد"(1)، لكنهم لم يبالوا بالتهديد المبطن فاتجهوا إلى التهديد بالإخراج من الديار فما كان منه إلا أن دعا ربه بأن يفصل ويقضى ويحكم بينه وبينهم، ولا يكون هذا إلا بأن يهلك الكافرون وينجو المؤمنون، قال ابن عباس: "كان شعيب كثير الصلاة، فلما طال تمادى قومه في كفرهم وغيهم، ويئس من صلاحهم، دعا عليهم فقال: (ربنا افتح...) فاستجاب الله دعائه،فأهلكهم بالرجفة"(2)، وهذا يبين أن الدعاء من الأنبياء لا يكون إلا بعد أن يوقنوا أن لا خير يرتجى من وراء قومهم، بل إن بعض السلف ذكر الأمر كأنه سنة كونية؛ قال الحسن: "إنّ كل نبي أراد هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم".(3)، وهذا استقراء لأحوال كثير من الأنبياء الذين ورد ذكر قصصهم مع أقوامهم في القرآن الكريم.
ونستطيع القول أن الدعاء بأن يحكم الله ويقضى بين الأنبياء وأقوامهم كان سنة إلهية بعد أن تغلق أبواب الدعوة أمام الرسل؛ ففي سورة إبراهيم تذكر الآيات القرآنية سنة كونية في علاقة الأنبياء بأقوامهم؛ حيث تدور محاورة بين الرسل وأقوامهم، ويكون المقطع الأخير من الحوار قول المكذبين: (لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودون في ملتنا)(4)[إبراهيم:13] فكأنها أرضهم هم وليست أرض الأنبياء!! وهذا منهج كل الكافرين: قوم لوط وقوم شعيب وغيرهم، بل حتى ليمتد هذا الإفك ليتفوه به مشركو مكة للنبي الخاتم ، قال تعالى:(وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا)[الإسراء:76] وعندما يصل الأمر إلي هذا الحد يأتي الوحي الإلهي يتردد صداه في الآفاق:(فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم...)[إبراهيم:13،14] ثم تأتي الخطوة الأخيرة التي يعقبها نزول العذاب، قال تعالى: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)[إبراهيم:15].
فالضمير في: (واستفتحوا) الظاهر عوده إلي الرسل ومعني استفتحوا قال قتادة :استنصرت الرسل علي أقوامها(5) وقد ورد استفتاح الرسل في آيات أخري منها قوله تعالي على لسان نوح: (قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين)]الشعراء:117 ،118] (6).

ثالثا: دعاء لوط
قال تعالى على لسان لوط: (قال رب انصرني على القوم المفسدين)[العنكبوت:30]
ابتلى قوم لوط بمصيبة تجعل الحليم حيرانا وهى إتيانهم الذكران من العالمين، وتلك انتكاسة خُلُقية عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والظاهر من المحاورات القرآنية بينه وبين قومه أنه نصحهم ووعظهم كثيرا، ولذلك تعددت ردود أفعالهم؛ ففي آيتي الأعراف والنمل يهددون لوطا وقومه بالإخراج من ديارهم ، قال تعالى{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ } [ الأعراف : 82 ] { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ } [ النمل : 56 ] وفي سورة العنكبوت يطلبون منه- تعنتا وتحديا- أن يأتيهم بما توعدهم به من العذاب، قال تعالى: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين }[العنكبوت:29] وهذا يشير إلى أنه وعظهم ونصحهم كثيرا، فاختلفت أقوالهم في كل مرة عن الأخرى.
والناظر في قصة قوم لوط يرى أنهم درجوا على هذه الفاحشة حتى كبر عليها صغيرهم واعتادها كبيرهم، ولم يبالوا بما يفعلون، ويبدو أن هذا الشذوذ الخلقي قد أورثهم شذوذا فكريا جعلهم يرون الطهارة رجسا يجب اجتنابه!!
ثم إنهم لم يتورعوا عن محاولة الاعتداء على الملائكة الذين نزلوا على لوط في صورة بشر مكرمين، وكانوا مع كل هذا دعاة إلى الباطل بفعلهم وقولهم، فاستحقوا أن يوصفوا بالإفساد؛ إذ المفسد لا يكتفي بفساد حاله وانتكاس فطرته حتى يغوى غيره ويجعله والغا في الإثم كما ولغ هو. ولهذا دعا لوط ربه أن ينصره عليهم، وجعل في دعائه حيثية الإهلاك وهى أنهم قوم مفسدون لغيرهم.
والمتبصر في دعاء الأنبياء على أقوامهم يجد أنه دائما ما يأتي مقرونا ببيان سبب الهلاك، رأينا هذا أثناء تدبرنا لدعاء نوح عليه السلام، وهنا أيضا في دعاء لوط، وسيأتي في دعاء موسى، وهذا ولا شك له دلالة؛ لأن القارئ أو السامع قد يستغرب من الأنبياء الدعاء على أقوامهم وهم الذين أرسلوا لهداية هؤلاء الضالين، فتأتي آيات الدعاء تحمل في طياتها سبب الدعاء، حتى لا يظن ظان أو يتوهم متوهم أن دعاء الأنبياء كان فيه شبهة تجنٍ على أقوامهم، والله أعلم.
ويحاول الإمام الرازي أن يؤصل قاعدة أو سنة كونية في دعاء الأنبياء على أقوامهم فيقول في أثناء تفسيره لقصة لوط عليه السلام:" واعلم أن نبياً من الأنبياء ما طلب هلاك قوم إلا إذا علم أن عدمهم خير من وجودهم ، كما قال نوح: (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) [ نوح : 27 ] يعني المصلحة إما فيهم حالا أو بسببهم مآلا ولا مصلحة فيهم ، فإنهم يضلون في الحال وفي المآل فإنهم يوصون الأولاد من صغرهم بالامتناع من الاتباع ، فكذلك لوط لما رأى أنهم يفسدون في الحال واشتغلوا بما لا يرجى معه منهم ولد صالح يعبد الله ، بطلت المصلحة حالا ومآلا ، فعدمهم صار خيراً ، فطلب العذاب"(1).
وهذا كلام صحيح؛ فما من نبي إلا ويترجى من سويداء قلبه أن يؤمن قومه، إذ هي مهمته التي كُلِّف بها من لدن الحكيم الخبير، وهو متفرغ لها بفكره وقلبه ولسانه، يطوف على أنديتهم ويجادلهم بالحسنى، ويتلطف في النصح لهم، ويبين لهم فساد ما هم عليه، قال رسول الله : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ"(2).
لكن الصراع بين الحق والباطل لا بد له من نهاية؛ ومن حكمة المولى تبارك وتعالى أن يرى الناس مصارع الظالمين حتى يعتبر المُوَفَّق.
رابعا: دعاء موسى على قومه
ورد هذا في قوله تعالى: (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملئه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)[يونس:88] وقال تعالى: (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون) [الدخان:22].
أيس موسى من فرعون وقومه، فتوجه إلى ربه بالدعاء، وقبل الدعاء ذكر مبرراته وحيثياته فقال: أي رب، إنك ابتليت فرعون وقومه الذين يملئون المحافل ويملئون الأعين مهابة وجلالا ابتليتهم يارب بالأموال الكثيرة وبما يتزينون به من الأثاث والرياش وغير ذلك، وقد كان هذا ليؤول أمرهم إلى الطغيان والبطر فيضلوا ويُضلوا غيرهم، ثم دعا عليهم بثلاثة أمور:
أولها: أن يطمس على أموالهم بمحقها وإهلاكها، وذهاب نفعها وأثرها.
ثانيها: أن يشدد على قلوبهم ويطبع عليها فلا ينفذ إليها خير، ولا تنفسح الصدور للهدى والنور.
ثالثا: وهو نتيجة ما سبق: ألا يؤمنوا حتى ينزل بهم العذاب الأليم. وعندئذ فلا ينفعهم هذا الإيمان لأنه قد جاء في وقت معاينة العذاب، قال تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما)[النساء: 18].
وقد استجاب الله دعائه هو وأخوه فأغرق فرعون ومن معه وقطع دابرهم وألحق آخرهم بأولهم ، وقد حدث ما توقعه نبي الله موسى؛ فما إن أدرك الغرق فرعون إلا وتذكر ربه ونطق بكلمة النجاة ولكن: لات ساعة نطق وندم، فقد سبق القلم، ونصحه موسى فما فهم، فكان الجزاء أن يغرق فيما افتخر به، إنه الماء الذي قال فيه: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي)[الزخرف: 51].
إن موسى عليه السلام لم يدع على فرعون وملئه إلا بعد أن طغى وبغى ونسى ربه الأعلى وأجرم في حق نفسه وأمته وبني إسرائيل الكثير والكثير:
1- فقد ادعى الألوهية فقال كما ذكر الله تعالى: (فقال أنا ربكم الأعلى)[النازعات:24].
2- ولم يكتف بضلال نفسه بل أضل قومه؛ قال تعالى: (وأضل فرعون قومه وما هدى)[طه:79].
3- وقد جاءتهم الآيات الكثيرة فما انتصحوا ولا اتعظوا، قال تعالى: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون)[الأعراف: 130]، فلم تزدهم آيات الهدى إلا ضلالة على ضلالهم.
4- وقد نقضوا عهدهم مع موسى؛ فحينما وقع عليهم العذاب وعدوه أن يؤمنوا، فلما انجلت غمتهم، ولوا مدبرين ناسين وعدهم، ناكثين في الرخاء عهدهم الذي كان منهم وقت حلول البأساء، قال تعالى: (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل* فلما كشفنا عنهم الرجس إلى اجل هم بالغوه إذا هم ينكثون)[الأعراف:135].
5- ولقد رأى فرعون وملؤه قوما آمنوا حينما بطل سحرهم وعرفوا أن هناك قوة قاهرة تمحق باطلهم فاسلموا وجوههم لربهم، فما كان من فرعون وجنده إلا أن قتلوهم شر قتلة وهذا دليل على انطماس بصائر الظالمين، وعدم انتفاعهم بما رأوا وبما سمعوا.
لم ير موسى فائدة منهم ولا خيرا فيهم، ولعل الله أوحى له بذلك كما أوحى لنوح، أو أن طول معايشتهم قد جعلته يحسن تفرس مآلهم، فدعا بما دعا.
وفي الختام نقول: ليست هذه هي الصورة الوحيدة الممكنة؛ فإذا كان نوح وموسى عليهما السلام قد دعوا الله ربهما على أقوامهما، فإن إبراهيم عليه السلام كان يجادل في قوم لوط حتى لا ينزل بهم العذاب رغم ما قاموا به من جرم شنيع، ولكلٍ اجتهاده الصائب، بدليل أن الله قد استجاب دعاء نوح وموسى في أقوامهما، فدل ذلك على أن هذه الأقوام قد ارتكست في حمأة الجاهلية والكفر إلى درجة كبيرة، وقد بين رسول الله  أن المنهجين كانا موجودَين في الأنبياء؛ منهج من يصبر على قومه فلا يدعو عليهم، ومنهج من كان يدعو إذا وصلت الأمور إلى الغاية التي لا رجوع بعدها إلى الإيمان.
فعن عبد الله قَال: لَما كان يوم بدر قَال رسول الله : ما تقُولون فِي هؤلاء الْأَسرى؟ قَال: فَقَال أَبو بكر: يا رسول الله، قَومك وأَهلك استَبقهِم واستأْنِ بِهِم، لَعل الله أَن يتوب علَيهِم، وقَال عمر: يا رسول الله أَخرجوك وكذبوك قَرِّبهم فَاضْرب أَعْناقَهم، قَال: وَقَال عَبْدُ الله بْنُ رواحةَ: يَا رسولَ الله انظُر واديا كثير الْحطَب فَأَدْخلْهُم فيِه ثُم أَضْرِم عليهِم نارًا، قَال: فَقَال الْعباس: قَطَعْت رحمك، قَالَ فَدخل رسول الله  وَلَم يرد علَيهِم شيئْا، قَال: فَقَال: نَاس: يأْخذ بِقَوْلِ أَبِي بكر، وقَال ناس: يأْخذ بِقَول عمر، وقَال ناس: يأْخذ بِقَول عبد الله بنِ رواحةَ، قَال: فَخرج علَيهِم رَسُولُ اللَّهِ  فَقَال: إِن الله لَيلِينُ قُلُوبَ رجال فيه حتى تكون أَلين من اللبنِ، وإِنَّ الله لَيشُدُّ قُلُوب رجال فيه حَّتَى تَكُون أَشدَّ من الْحجارة، وإِن مثلك يا أَبا بكر كمثَل إِبراهِيم علَيه السَّلَام قَال:(مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،ومثلك يا أَبا بكر كمَثَل عيسى قَال:(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،وإِنَّ مثلَك يا عمر كمثَل نوحٍ قَال: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)،وإِن مثْلَك يا عمر كمثَل موسى قَال:( اشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)(1).
بل لعل الأقرب- والله أعلم- أن يعاجَل المكذبون بالعذاب؛ وكان هذا سنة كونية مع الأنبياء السابقين جميعهم، حتى إن شفاعة إبراهيم في قوم لوط لم تُقبَل منه، ووقع بهم العذاب، وعندما قال: ( ومن عصاني فإنك غفور رحيم)[إبراهيم:36] فليس المقصود الدعاء بالمغفرة للمشرك، ولعل هذه الدعوة قبل أن يُعلِم الله نبيه إبراهيم عليه السلام أنه لا يغفر لمشرك، أو أن الآية لا تحتمل أكثر من الرد إلي مشيئة الله وعفوه ، فإن شاء عذب وإن شاء غفر، ونظير هذا قول عيسي عليه السلام الوارد في الحديث السابق.

المبحث الثالث : التبرؤ منهم

أولا: تبرؤ هود من أفعال قومه
قال تعالى على لسان هود عليه السلام: (قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم)[هود:54، 55]
لما خاطب هود قومه ودعاهم إلى عبادة الله وحده وأمرهم بالاستغفار ووعدهم عليه من الله الرزق وزيادة القوة لم يقع هذا النصح الطيب من نفوسهم موقع القبول، بل جابهوه بثلاثة أمور:
أولها: أنه لم يأتهم ببينة دالة على صدق دعواه، وثانيها: أنهم مقلدون لآبائهم ولن يتركوا ما كانوا عليه من الباطل، وثالثها: أنهم أكدوا عزمهم على عدم الإيمان بما معه، بل اتهموه بأن به مسا من جنون أصابته به آلهتهم المزعومة، فما كان منه عليه السلام إلا أن أعلن براءته من شركهم وتحداهم أن يمسوه بأذى مع كثرة عددهم ووفرة قوتهم واجتماعهم وعدم إمهالهم وما كانت له هذه القوة إلا من حسن التوكل على الله والاعتماد عليه وحده.
يقول سيد طنطاوي: "فأنت تراه في هذه الآية الكريمة يعلن احتقاره لآلهتهم ، وبراءته من شركهم ، واستخفافه بأصنامهم التي زعموا أن بعضها قد أصابوا بسوء ، ويوثق هذه البراءة بإشهاد الله - تعالى - وإشهادهم .
وذلك كما يقول الرجل لخصمه إذا لم يبال به : أشهد الله وأشهدك على أنى فعلت بك كذا وكذا ، وقلت في حقك كذا وكذا . . فافعل أنت ما بدا لك!!"(1).
ثانيا: تبرؤ إبراهيم.
قال تعالى: (قال أفرأيتم ما كنت تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين)[الشعراء: 77] (قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) [الممتحنة:4](وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء ما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين)[الزخرف:26، 27]
تعددت محاورات إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه، وقد سلك معهم أكثر من طريقة لكي يستجيبوا للهدى؛ فخاطبهم بالحجة والمنطق، وبين لهم بالدليل الإلزامي أن هذه الآلهة لا تملك لهم نفعا ولا ضرا.
وقد جعل الله لنا في إبراهيم الأسوة الحسنة في البراءة من المشركين، والذين مع إبراهيم إما أن يكونوا جماعة المؤمنين معه أو إخوانه من الأنبياء، والمقصود: أنهم تبرؤوا من مخالطة أقوامهم وتبرؤوا كذلك من أفعالهم الشركية، ولم يكتفوا بمجرد البراءة منها وإنما أظهروا لهم العداوة الخارجية والبغضاء القلبية.

المبحث الرابع: وصفهم بألفاظ تحمل معاني الغضب والشدة.
نجد تحت هذا العنوان ألفاظا عدة قالها الأنبياء أو أتباعهم في حق المشركين، وهي ألفاظ يوحى ظاهرها بالشدة، لكن القارئ يوقن أن هذه الألفاظ لا تحمل معنى السب، وليس فيها بهتان لهؤلاء الأقوام، وإنما هي ألفاظ تقرر ما هم عليه من الواقع، ثم إنها تقرعهم بهذا الوصف حتى يفيئوا ويرجعوا عما هم عليه من باطل، وسوف أذكر هذه الألفاظ مع التعليق اليسير عليها كما سبق.
أولا: نوح مع قومه
قال: (وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)[هود:29].
اعترض قوم نوح على نبيهم لكونه بشرا ولأن أتباعه من أراذل الناس وسقطهم، وما كان لعاقل أن يرفض الإيمان لأن المؤمنين مستضعفون أو قلة مستذلون، فإذا كان لديهم حجة حقيقية فليأتوا بها وإلا فهو الجهل.
وقد يكون المراد من الجهل السفاهة وسب المؤمنين ووصفهم بما لا يليق، وهذا أيضا من الجهالة.
ثانيـا: هود مع قومه:
قال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون)[هود: 50] لقد وجه لهم سيدنا هود عليه السلام تهمة الافتراء، وهذا اتهام لهم بالكذب ، أي : ما أنتم في اتخاذكم إلها غيره إلا كاذبون عليه جل وعز.(1) وقال في آية أخرى : (ولكنى أراكم قوما تجهلون)[الأحقاف:23] أي : جاهلون بالله وبما يجب عليهم نحوه من الإيمان به سبحانه وجاهلون أيضا بحكمته في إرسال الرسل، وقد قالها لهم هود عليه السلام عندما استهزؤوا بما توعدهم به وكذبوه فيما هددهم، فوصفهم بالوصف الذي يناسب حالهم.
ثالثا: صالح مع قومه
قال تعالى على لسان صالح: (بل أنتم قوم تفتنون)[النمل:47]. لما دعا صالح قومه إلى عبادة الله لم يستجيبوا له فابتلاهم الله بشيء من القحط كي يرجعوا فما زادهم البلاء إلا عنادا؛ فقد تطيروا بصالح ومن معه فردَّّّ عليهم بأسلوب قوى رصين وبين لهم أنهم قوم يفتنون بالنعم والنقم، أو قوم يفتنهم الشيطان حتى لا يعودوا للحق.
رابعا: إبراهيم مع قومه وأبيه
قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين)إني أراك وقومك في ضلال مبين)[الأنعام:74].
تذكر الآية الكريمة طرفا من قصة إبراهيم مع أبيه وقومه، ولن نخوض في جدالٍ حول ما إذا كان أبوه أو عمه؛ فهذا ليس موضوعنا الآن، وإنما ينصب كلامنا على الخطاب الذي خاطب به إبراهيم أباه وقومه، وقد ورد في قراءة يعقوب: ( أزرُ) بالرفع على أنه منادى حذف منه أداة النداء(2).
وهذا الخطاب من إبراهيم لأبيه قد يُستغرب؛ ذلك لأن إبراهيم خاطبه بأسلوب لين هادئ كما في آيات سورة مريم، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً *قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً)[مريم: 41-47].
فهذه الآيات يبدو فيها أسلوب اللين والرحمة من وجوه كثيرة؛ فقد خاطبه بلفظ:( يا أبت) الذي يحمل معاني الشفقة والمودة والنصح الخالص، ثم خاطبه في حجة عبادته الأصنام مع أنها لا تسمع ولا تبصر، وبيَّن له أنه معه من العلم ما ليس عند أبيه وهذا في غاية الأدب؛ فلم يصف نفسه بسعة العلم ولم يصف أباه بالجهل، بل أتى بلفظ بليغ حكيم يفي بالغرض، ثم بين له شفقته عليه وخوفه أن يصاب بأذى بسبب ذنبه، ومع كل هذا الأسلوب اللين فإن الرد كان جافاً غليظا إلا أنه وعده بالاستغفار وهذا أسلوب طيب في النصح والإرشاد، قال أبو السعود: "ولقد سلك عليه السلام في دعوته أحسنَ منهاجٍ وأقومَ سبيل ، واحتج بحسن أدبٍ وخلقٍ جميل لئلا يركبَ متنَ المكابرة والعناد ولا يُنكّبَ بالكلية عن مَحَجّة الرشاد"(3).
ولكن من حسن أسلوب الخطاب الدعوي ما نتعلمه من خليل الرحمن إبراهيم وذلك بأن يكون هناك ثمة تنويع في الأسلوب؛ فإن الحكمة وضع الشيء في موضعه، وقد تقتضى الحكمة إلانة القول، ثم يكون من لوازم الحكمة في موطن آخر أن يكون اللفظ شديدا به شيء من الغلظة فيجمع الكلام بين الإرجاء والتخويف والترغيب والترهيب، فجاء كلام إبراهيم عليه السلام في هذا الموطن واصفا أباه وقومه بالعدول عن الطريق القويم والصراط المستقيم بالرغم من وضوح الحجة.
وهذا التنويع من الأساليب الدعوية الناجعة؛ إذ أن النفوس التي تستمع للترغيب واللين دوما قد يحصل لها نوع ركون واطمئنان، فإذا جوبهت بشيء من الأوصاف الحقيقة بلا لبس أو مواربة فلعل ذلك مما يوقظها من غفلتها، والله أعلم.
وفي تأويل هذه القراءة يقول الألوسي: "هذا ليس من الإيذاء المحرم في شيء وليس مقتضى المقام إلا ذاك ... وقد يقسو الإنسان أحياناً على شخص لمنفعته كما قال أبو تمام :
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ... فليقس أحياناً على من يرحم
وقال أبو العلاء المعري :
اضرب وليدك وادللـه على رشد ... ولا تقل هو طفل غير محتلم
فرب شق برأس جر منفعة ... وقس على شق رأس السهم والقلم
وقال ابن خفاجة الأندلسي:
نبه وليدك من صباه بزجره ... فلربما أغفى هناك ذكاؤه
وانهره حتى تستهل دموعه ... في وجنتيه وتلتظي أحشاؤه
فالسيف لا يذكو بكفك ناره ... حتى يسيل بصفحتيه ماؤه
وكون الرفق أكثر تأثيراً غير مسلم على الإطلاق فإن المقامات متفاوتة كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام تارة : (وجادلهم بالتي هِي أَحْسَنُ) [ النحل : 125 ] وأخرى (واغلظ عَلَيْهِمْ) [ التوبة : 73 ]"(1)
وقال: (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)[الأنبياء:67] و(أف) لفظ يفيد معنى الضجر مما هم عليه من الكفر والإفك والضلال المبين، وقد جاءت منونة لتفيد معنى التعظيم أي أنه ضجر منهم تضجرا عظيما. وقال تعالى على لسان إبراهيم:( أئفكا آلهة دون الله تريدون)[الصافات:86] والإفك الكذب؛ فهو يخاطبهم منكرا عليهم اتخاذ آلهة إفكا أى زورا وباطلا، وتقديم الإفك هنا لبيان القصر والحصر؛ أى أن ما تبغون من آلهة إنما هي إفك وضلال مبين.، ثم وصفهم بالضلال فقال:( قال لقد كنت أنتم وآباؤكم في ضلال مبين)[الأنبياء:54] وقد مر في الآية الأولى.

خامسا: لوط مع قومه.
قال تعالى على لسان لوط: (بل أنتم قوم تجهلون)[النمل: 55](بل أنتم قوم مسرفون)[الأعراف: 81] (بل أنتم قوم عادون)[الشعراء:166]
هذه ثلاثة أوصاف وصف بها لوط عليه السلام قومه، وهى أوصاف منطبقة عليهم تمام الانطباق.
الأول: الجهل، وهو إما أن يراد به جهل عاقبة ما يفعلون، أو يفعلون فعل الجاهلين، أو يكون الجهل بمعنى السفاهة. وكل هذه المعاني منطبقة عليهم.
الثاني: الإسراف، وهو تعدى الحد المباح إلى الحرام؛ فقد اعتاد هؤلاء القوم الإسراف وصار دأبهم، وقد جاء الوصف بصيغة الاسم التي تفيد معنى الثبات، والإسراف مما لا يحبه المولى تبارك وتعالى؛ قال تعالى: (إنه لا يحب المسرفين) [الأنعام:141].
الثالث: الاعتداء، والعادي هو الذي تجاوز الحد إلى الباطل، وهذا وصف مناسب لحالهم؛ فقد تعدوا الحلال من إتيان النساء إلى ما لا يسوغ عقلا ولا طبعا، فصاروا من المعتدين.
وفي اختلاف هذه الصيغ يقول الخطيب الإسكافي: " فالمسرف مجهَّل بإسرافه، والجاهل مسرف بأفعاله؛ إذا الإسراف مجاوزة الحد الواجب إلى الفساد"(1).
خامسا: يوسف مع إخوته
قال تعالى على لسان يوسف:(قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون)[يوسف:77]
حسد يوسفَ إخوته، وحاولوا قتله، وآذوا أخاه، فلما احتال يوسف ليأخذ أخاه معه لم ينس إخوته حقدهم القديم فقالوا: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)[يوسف:77] ويقصدون بذلك يوسف عليه السلام.(2)، فأسرَّ يوسف هذه الكلمة في نفسه ولم يبد غضبا أو ضيقا، وإنما رد عليهم قائلا: أنتم شر مكانا،؛ لأنكم اتهمتم أخا أخيكم بالسرقة ولا دليل، أما هذا فهناك دليل على سرقته، قال أبو حيان: "والظاهر من قوله : أنتم شر مكاناً ، خطابهم بهذا القول في الوجه ، فكأنه أسر كراهية مقالتهم ، ثم وبخهم بقوله : أنتم شر مكاناً ، وفيه إشارة إلى تكذيبهم"(3).
وقيل إن الإسرار كان للقول: أنتم شر مكانا. وتأويل الشدة على الوجه الأول أنه عليه السلام كان يعرف أنهم كاذبون فيما قالوا، وأن نفوسهم كانت تمتلئ غيظا عليه وعلى أخيه، وما إلقاؤهم له في الجب ببعيد، فجابههم بشيء مما في صدره حتى يخففوا من غلوائهم في الحكم على غائب يفتقدون أثره وآخر ينتظر مصيره.
سادسا: الأنبياء مع أصحاب القرية
قال تعالى على لسان هؤلاء الأنبياء:(بل أنتم قوم مسرفون)[يس: 19].
أرسل الله ثلاثة رسل إلى إنطاكية لكي يدعو أهلها إلى الدين الحق، فكذبوهم وما كان حجتهم إلا كحجة الأولين: بشرية الرسل، وإنكار الإرسال، واتهام الرسل بالكذب، فرد الرسل عن أنفسهم هذه الاتهامات وبينوا أنهم مبلغون عن ربهم، فرد عليهم المكذبون بأنهم متشائمون ومتطيرون من الرسل، ثم هددوهم بالقتل والعذاب الأليم، فردَّ الرسل عليهم طيرتهم وبينوا لهم أن تشاؤمهم من عند نفوسهم؛ فهم الذين أشركوا واتبعوا الباطل، ثم وصفهم الرسل بأنهم قوم قد أسرفوا على أنفسهم. وهذا وصف بليغ يبين ما هم عليه من الباطل، ولم ينطق به الرسل إلا بعد أن هددهم المجرمون وتوعدوهم بالقتل والعذاب الأليم. وبالغوا في إيذائهم بالقول.

سابعا: المؤمنون من قوم قارون
فقالوا لهم كما قص القرآن:(ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا)[القصص:80]
كان قارون من قوم موسى، وفي بعض الروايات أنه كان صالحا وكان يسمى المنور لحسن قراءته للتوراة،و لكنه نافق كما نافق السامري(1)، وكان لقارون من المال الكثير، وما قصر قومه في النصح له، بل تلطفوا له بالنصح بخمسة أمور تعتبر منهجا ودستورا لكل صاحب مال وغنى، لكنه لم ينتصح بها بل خدعه بماله وغير مع الله حاله، ولم يكتف بالكلام وإنما أراد أن يظهر غناه للناس فيكسر قلوبهم، ولتتطلع إلى ثرائه أبصارهم كما تطلعت إليه قلوبهم.
خرج قارون على قومه في كامل بهرجته وزينته، فتطلعت أبصار المحرومين إليه وهم يتمنون مكانه وماله، فصرحت ألسنتهم بما في قلوبهم فتمنوا قائلين: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم.
ولما رأى أهل العلم والإيمان ذلك جزعوا، وعلموا أن الناس ينظرون إلى العاجلة، وأن زخارف الدنيا قد ألهت قلوبهم عن ثواب الله والدار الآخرة، فخاطبوهم منكرين: (ويلكم) وويل كلمة "أصله الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الرجز والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى "(2).
لقد استشعر أهل العلم الخوف على هؤلاء الجهلاء الذين غرهم ظاهر الحياة الدنيا، فجابهوهم بهذه الكلمة الشديدة لكي تنضبط مفاهيم القيم الحقيقية عندهم، وبينوا لهم أن نعيم الله ورضوانه خير مما عند قارون ولكن من يدري ومن يعقل؟
ثامنا: موسى مع قومه:
قال تعالى:(وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) [الأعراف:138]وقال تعالى:( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم...)[الأعراف:150]
1- نجَّى الله موسى وقومه من أذي فرعون وملئه؛ فقد عبروا البحر الأحمر يوم عاشوراء فلما اكتمل عبورهم أغرق الله فرعون وجنده، وتلك منة عظمى عليهم لو كانوا يعقلون، لكن يبدو أن طول إقامتهم مع أهل مصر الوثنيين قد جعله يألفون المنكر، فما إن عبروا ووجدوا قوما عاكفين على أصنام لهم إلا وطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها كإله هؤلاء الكفرة !!
وعندئذ جابههم موسى بهذا الوصف الذي يحمل في طياته كل معاني الذم والتقريع؛ فقد جاءت الجملة مُصدَّرة بصيغة الاسم للدلالة على الثبات، فهم في جهلهم ثابتون، وأكد جهلهم بإنَّ التي تفيد التأكيد، ثم جاء بلفظ (قوم) متوسطا وجعله موصوفا لصفة الجهل، وأتي بصيغة (تجهلون) مضارعة لإفادة التجدد ودوام الجهل حاضرا ومستقبلاً، وحذف مفعول: ( تجهلون) لإفادة العموم، فيشمل الجهل بالله وأسمائه وصفاته، ويشمل كذلك الجهل بنعم الله التي لما تزل ماثلة أمامهم، ويجهلون أيضا عاقبة الكفر في الدنيا والآخرة إلى غير ذلك.
وليس في هذا الجواب أي غرابة؛ فسلوكهم معوج، وجهلهم متأصل، ولذا كان من اللازم أن يناسب اللفظ شناعة الجرم، وهذا هو معنى البلاغة؛ فالبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال(3)، ولكي يطابق الكلام مقتضى حال بني إسرائيل فإنه يلزم أن يأتي بأسلوب الشدة، وفي تفسير هذه الآية يقول ابن عاشور: "وكان جوابه بعنف وغلظة بقوله: (إنكم قوم تجهلون) لأن ذلك هو المناسب لحالهم"(1).
2-وبعد أن انتهى هذا الموقف، وانتهرهم نبي الله موسى، ذهب لملاقاة ربه كي يتلقى عنه التوراة بما فيها من خير وهدى،وقد تركهم موسى أربعين ليلة وأوصى بهم أخاه هارون، قال تعالى: ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)[الأعراف: 142].
فلما رجع موسى إلى قومه وجدهم قد عبدوا العجل فغضب غضبا شديدا وقد صور القرآن الكريم هذا المشهد في قوله تعالى: ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه...).
لقد ذهب موسى للقاء ربه يحدوه الأمل في أن يأتي لقومه بتفاصيل الشرع الذي به حياتهم ونفعهم، وقد أوصاه ربه أن يأمرهم بالأخذ بأحسنها، فلما رجع إليهم وجدهم قد عبدوا العجل من دون الله رغم نصيحة هارون لهم.
عندها لم يتمالك موسى نفسه من الغضب لدين الله، فخاطبهم بلفظ يقتضى ذم ما قاموا به فقال: بئس الفعل وبئست الخلافة التي خلفتموني فيها؛ فقد أشربت قلوبكم العجل وعبدتموه من دون الله، ولم يكتف موسى عليه السلام بالغضب القولي وإنما ترجمه لغضب فعلي يتضح من الآية.

خاتمة
وبعد هذا العرض الموجز لطائفة من الآيات القرآنية التي يظهر فيها أسلوب الشدة في الحوار مع المخالفين يتبين لنا ما يلي:
أولا: أننا لم نجد أبدا حوارا ابتدأ بالشدة مع المخالف؛ وإنما يأتي أسلوب الشدة في المراحل الأخيرة بعد أن تستنفد كل وسائل الترغيب.
ثانيا: أن الشدة لا تأتي إلا بعد محاولات متعددة، وبعد أن يصل المعاندون إلى درجة لا رجوع بعدها.
ثالثا: أن الدعاء على المشركين بالهلاك أو التبرؤ منهم أو تهديدهم بالهلاك إنما يكون من قبيل الإنذار الأخير، أو الفرصة الأخيرة للقوم ولذلك يناسب أن يكون فيها نوع من الشدة كي توقظ النيام الغافلين عما سيحصل لهم.
رابعا: أن الشدة في الحوار حدودها كلمة أو دعاء ولا تعد منهجا ثابتا متبعا مع المشركين.
خامسا: أن كل دعاء ورد في القرآن من الأنبياء على أقوامهم إنما كان يحمل معه أسباب توجههم إلى الله بهذا الدعاء.
سادسا: أن مطابقة الكلام لمقتضى الحال يحتم أن يكون هناك ثمة رد قوى على افتراءات المشركين.
سابعا: لا حرج أن يوصف المخاطب بوصف يدل على فعله، طالما انه انتصح مرة ومرة فلم يستجب.
ثامنا: مع هذه الشدة التي وردت فإننا لم نجد لفظا نابيا أو سبا لأشخاص أو تحقيرا لأحد، وإنما يتوجه الوصف المناسب الذي لا يمكن للموصوفين أن يردوا عليه أو يخطِّئوه.
وفي الختام أسال الله أن يعفو عن خطئنا وتقصيرنا أنه ولى ذلك والقادر عليه.

المصادر والمراجع
أولا: القرآن الكريم
إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود العماري طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت.
البحر المحيط لأبي حيان طبعة دار الفكر بيروت.
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور طبعة الدار التونسية للنشر سنة 1984.
تفسير البيضاوي. طبعة دار الفكر بيروت 1416هـ 1996م بتحقيق عبد القادر عرفات العشا.
تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار لمحمد رشيد رضا طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير بتحقيق/ سامي محمد سلامة طبعة دار طيبة بالرياض الطبعة الثانية 1420هـ 1999م.
تفسير القرآن العظيم مسندا عن رسول الله والصحابة والتابعين لابن أبي حاتم الرازي بتحقيق أسعد محمد الطيب مكتبة نزار مصطفى الباز بمكة الطبعة الأولى: 1417هـ1997م.
التفسير الكبير للإمام الرازي طبعة دار الكتب العلمية بطهران.
التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي
تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي طبعة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام. د.ت.
الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي بتحقيق عبد الله التركي طبعة مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1427هـ 2006م. .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري طبعة مؤسسة الرسالة بيروت ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى 1420هـ 2000م.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي بتحقيق عبد الله التركي طبعة مركز هاجر بالقاهرة ، الطبعة الأولى 1423هـ/2003م.
درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي بتحقيق د/ محمد مصطفى أيدين طبعة جامعة أم القرى الطبعة الأولى1422هـ 2001م..
روح البيان لإسماعيل حقي البروسوى طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت. د.ت.
روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني للألوسي طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت.
صحيح البخاري طبعة السلفية بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.
صحيح مسلم طبعة دار إحياء الكتب العربية فيصل الحلبي بتحقيق فؤاد عبد الباقي.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لابن حجر العسقلاني. طبعة دار الريان للتراث.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من كتب التفسير لمحمد بن على الشوكاني طبعة دار الفكر بتحقيق سعيد محمد اللحام الطبعة الأولى 1412هـ 1992م.
في ظلال القرآن لسيد قطب طبعة دار الشروق بالقاهرة الطبعة العاشرة 1402هـ 1982م.
الكشاف للزمخشري طبعة دار الريان للتراث.
المحرر الوجيز لابن عطية تحقيق المجلي العلمي بفاس طباعة وزارة الأوقاف المغربية سنة1400هـ 1980م.
المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابورى طبعة دار الكتب العلمية.

الأكثر مشاركة في الفيس بوك