هذه هي الصوفية

هذه هي الصوفية

تأليف
عبدالرحمن الوكيل

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الكتاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين.
"أما بعد" فما زلت أذكر، وأنا طالب في معهد طنطا الديني، ذلك الشيخ الشيبة يقسم لن – وعيناه مخضلتان بالدموع ونبرات صوته أصداء عميقة بعيدة الغور من الشجو الولهان، والحنين الهائم، والحرمان الجريح _ يقسم لنا أن في ضريح عبد العال المجاور لضريح البدوي شعرة من رأس الرسول!، وأنها معين حير، وفيض بركة ويمن، ومطاف آمال، ومهوى رجاء!! وأذكر أنني حين سمعت حديثه، يؤكده بقسم غليظ، شعرت بقلبي، وكأنما يود أن ينشق عنه الصدر؛ ليهفو في صبابته الملهوفة إلى معبد الشعرة يقبلها، ويكنها في مهجته، بل شعرت كأنما حملت الملائكة إلى بشرى الخلود!!.
وما زلت أذكر أيضاً أنني سألت الشيخ؛ ليطمئن قلبي على هذا الأمل ألحلو الساحر الفتنة، عما جعلهم يوقنون بسبة هذه الشعرة إلى رأس النبي الأعظم؟ فأجاب – تولاه الله بما قدّم - : لقد وضعناها في زجاجة، وأقمنا حولها ذكر وإنشاد، فإذا بالشعرة تذكر مع الذاكرين على دفيف الدفوف، وحنات النايات، والنغم المطرب المرقص من الأناشيد!!.
وأذكر أنني آمنت بهذه الأسطورة كأنما هي من الله برهان ساطع!! وأذكر أن الشيخ تداركنا – حتى يحكم القيد – بحجة أخرى، فزعم أنهم وضعو الشعرة تحت الشمس، فلم يجدوا لها ظلاً!! وكان هذا الوثني الجديد حجة عندي تدحض كل ريبة!!.
وأذكر – ويارب غفرانك – أن خرافة الشيخ هذه غمرتني بنشوة سكرى
خلت فيها أنني أرى الجنة، أو أنني صحابي يتلو عليه الرسول وحي الله!!.
فكنت أهفو إلى هيكل الشعرة خاشع الطرف، رياب القلب بالولاء، أصلي لها بنجاوى الحب الحب العابد، وألثم خشب هيكلها وحجره في شغف تأثر الأشواق عربيد التهلف، وأنهنه بالأرواح العطرية – التي أخال أنها تناسمني منها – دموعي المسكوبة لوعة عشق، وظمأ غرام!!.
وتعال معي أذكرك بأنني كنت أطوف حول صنم البدوي، حتى إذا مثلت أمام الكوة الصغيرة في وثنه النحاسي بالبراق، أنفذت منها يديّ – في رعشة التقديس – حتى ألمس ستر القبر، ثم أخرجها رويداً رويداً في حرص وحذر بالغين، وقد ضممت قبضتيهما على ...؟ على ماذا؟ كنت أوقن حينذاك أنني أضمهما على بركات سماوية تفيض من روح الله على القبر (يزعم الصوفية أن فوق كل ضريح ولي نافذة مفتوحة في السماء، يفيض الله منها بركاته على الطائفين حول الضريح!) ثم أبسط يدي في جيبي، ثم أمسح بها وجهي، رجاء أن أكون ميسر الرزق، داني قطوف النجاح، مشرق الوجه بنور الله!! وتعال – ولا تسأم من ذكرياتي، فإنها عبرة ضحية، وعظة مأساة – أذكر بذلك الدوي ترجف منه الأرض، وترتعد جدر المعهد حين كانت توزع أسئلة اختبار آخر العام الدراسي، أتدري ماذا كان يحدث؟.
تهب هذه الآلاف المضطربة من الطلبة رافعة أكفها في ضراعة ناعقة بما لا يسمع، ولا يبصر، حتى ليبح صوتها، وتتمزق حناجرها إذ تنقع ضارعة: يا سيد!! وياويل السمع من طول "ياء النداء"!!. لقد كانت تطول، وتطول، حتى ليخيل غليك أنها دخان مارد يحترق، فيلمس دخانه قبة النجم، ولعلهم كانوا يفعلون ذلك؛ لتصل أصداء ضراعتهم إلى حيث جثمت على الأرض في غيابة القبر جيفة من دعوة!!
ولعلك تسألني : ماذا كان يفعل بك شيوخكم؟ كانوا يرفعون في سكرة الحب وذلك الخشية أيديهم المعروقة، يمسحون بها وجوههم، أو يمشطون لحاهم، ومن بين الشفاه الذوابل تنساب هذه الهمهمة :"رضي الله عنك!!" ثم يلتفتون إلينا، وعلى وجوههم ألق الرضى ناصحين في تأييد وإعجاب: "كفاية ما خلاص سمعكم السيد!!"
وتعال – وناشدتك الله إلا ما أصغيت غير مال ولا كاره – أذكرك بذلك الشيخ الأكبر الذي كان يشرك الدهماء في يوم "الكنسة" وكان يمزق عمامة صنم البدوي مزقاً مزقاً، ثم يهديها إلى مريديه بركة – في زعمه – من روح الله التي يغرق صيبها ذيالك الوثن!!.
لقد كان للشيخ الأكبر شيخ هو تاجر خيط في المدينة، وقد أعطاه العهد، وألبسه "خرقة التصوف"، وكان التاجر على أمية وجهالة، بيد أنه كان خبيراً بزندقة الصوفية، مؤمنا بها، يبثها، ويهوى بالهالكين في حمأتها!!.
ولقد كنا نرى الشيخ الأكبر يخفض من رأسه عبودية للتاجر الصوفي!! ثم يلثم يديه في خشية ورهبة وإجلال!! وكنا نهتف إعجاباً بصنيع الشيخ؟ إذ نراه دلائل قوية على إيمان عميق، وتواضع كريم!!.
كذلك كنا نحرص كل الحرص على أن ننتشي بمشهد الشيخ، وهو يطوف حول ضريح البدوي، يتملس نحاسه وستره، حى إذا بلغ فمه موضعاً منه، راح يشويه بسعير القبل من شفتيه الناريتين!! ونحرص كل الحرص على أن نوفض من منازلنا سراعاً إلى "مولد: البدوي؛ لنشهد سرادق الشيخ الأكبر المضروب على أيد طويل عريض من الأرض من السرادق الفخم الضخم مهرولين صوب النصب الكبير، أو ما يسميه الدراويش "العمود الصاري" (هو عمود طويل من الخشب مفرط في الإرتفاع مثبت في قاعدة من الأسمنت) نقترف هذا لعلنا نصيب بركة من القطب الغوث الذي قيل لنا : إنه لا يحرص على شئ كما يحرص على شهود الليلة الخاتمة "للمولد" هو والأقطاب الآخرون والأوتاد والأبدال والأنجاب!! ولعلنا نبصر واحداً منهم فيما تجسد فيه من صور (كان قد حدثني نقيب صوفي من قريتي عن القطب وأنه رآه. قال:"كنا بمولد البدوي مرة دون الصاري فسمعت من بعيد – فحيح مزمار، فرأيت شيخي يهرول إلى باب السرادق، ثم يكسر من قامته، حتى لتكاد تمس رأسه بالأرض، ويرفع يديه في رعب شديد يحي يهما رجلاً أشعث أغير منهتك السوأة، وبيده عكاز طويل، يدب به على الأرض، وقد تقدمه رجل مثله ينفخ في "مزمار" ثم تنهد الرجل وهو يستعيد ذكرياته، ثم قال:"وهكذا رأيت القطب، فقد سألت شيخي عن الرجل الأول: أليس هو القطب؟ وصاحب المزمار حاجبه؟! فأجاب : بلى، ولكن اكتم السر!!".
ثم تعال معي إلى الجامع الأحمدي الكبير، أو هيكل الطاغوت الأكبر؛ لترى هذه الحشود التي يمور، ويموج بها الجامع من نساء ورجال وأطفال، وفدوا إلى الصنم من كل فج عميق، وقد اشعلوا مواقدهم، يطهون الطعام، أو يصنعون "الشاي، والقرفة" أمام كل منهم "شوال" خبزة ووعاء "دقته" وقد حبا على الأرض الأطفال يبولون، أو يتبرزون!!.
وهنا، وهناك حانات ذكر يرقص فيها "الدراويش" وتتخلع "الدرويشات"
* * *
ويزور بي شيخ أهلي – وأنا صغير- القاهرة، فيجوب بي الصحراء، ويجتاز الأودية، ويسلك المفاوز، ويتعثر في الجلاميد نشداناً لضريح ابن الفارض سعياً على القدم!! وهناك حيال الوثن الفارضي، يغني مرافقي قصيدة ابن الفارض:
"نسخت بحبي آية العشق من قبلي" فتذرف عيناه وعيناه الدموع، ويحترق قلبي وقلبه شجناً على هذا العاشق المحروم، عصف به الغرام، وأضناه الحرمان!! كل هذا كان !! ثم ماذا؟!
ثم هداني الله سواء سبيله، وسلكت بي رعايته مسلك التوحيد والإيمان، فماذا حدث بعد؟! تطلعت نفسي إلى الماضي الوثني – وهي نهب حسرة حزينة المأساة، وخميل وأفراح معطرة – تطلع الناجي من السعير ما زالت في أتونه المتأجج ضحايا تعسة منكودة جنت عليه الصوفية ما جنت عليّ، وتطلعت إلى الريف الحزين، يستعبده شيوخ الطرق، ويغصبون أيتامه ما يوصوص فيهم من رمق خاب الشعاع، وأرامله ما هن في حاجة ملهوفة إليه ليسددن خلة، أو يستر عورة، ومساكنيه حتى الذبالة المحتضرة من حشاشتهم.
تطلعت إلى الريف الوديع تجعل منه الصوفية فساد عقيدة، وضلالة فكر، وذلة ومهانة في الأخلاق، وردغة بدع وجهالة وخرافة وأساطير، وعبودية خانعة لهوى الأحبار، وسدانة يعكف فيها السدنة على بغي طواعيتهم، يبشرون بسماحة بره. وأريحية رحمته!!.
وتطلعت إلى المدينة يعبث في أرجائها الصوفية، فتحيل أهلها – حتى الكثير من المثقفين منهم – عبيد قبور، وعباد جيف، وأحلاس منكر وزور، وموالي أذلاء لكل طاغية!!.
تطلعت إلى هؤلاء وأولئك، وذكرت ما كابدته، فصرخت موجعاً من هول الفاجعة أحاول إنقاذ الضحايا التعسة. المغذة السري وراء الذئاب الضواري من الصوفية!!.
وأكتب ما أكتب، ضارعاً إلى الله وحده أن يمد بالمعونة – فمنه وحده يستمد – وأن يتبين لتلك الضحايا المسكينة أنها تتجرع الغسلين تحسبه رحيقاً، وتطعم الوزين تظنه فاكهة الخلد، وتدين بوثنية – هي شر ما ابتدع الشيطان لأوليائه من وثنيات، وتخالها توحيداً مطيباً بروح الله !!.
* * *

هذا الكتاب

هذا الكتاب. لهذا الكتاب الذي نصدره بهذه المقدمة قصة. فمن أعوام خلت شكا سماحة شيخ الصوفية إخوناً لي من أنصار السنة، بدعوى أنهم ينالون من كرامة الصوفية، فكان أن رجوت وكيل النائب العام أن أقف وحدي موقف المتهم، فلم يجد المحقق ما يأخذنا به، وقد قدمنا له الأدلة الدامغة من كتب الصوفية على ما دمغناهم به، وعلى صفحات "مجلة الهدى النبوي" نشرت – بعد التحقيق معي – خطاباً مفتوحاً إلى سماحة الشيخ، فيه ما فيه من حق يصعق باطلاًن وتوحيد يقضي على وثنية؛ ليعمل الشيخ ومن خلفه، أنهم مهما كادوا لنا، وأمكروا بنا، فإننا لن نسكت عن أساطيرهم، ولأحنقه، فيضرب بكل سهم في جعبته، فتكون فرصة أهتبلها، لكشف خفايا الصوفية أما كل جهة يشكو إليها مني، وألح إخواننا أنصار السنة هنا وفي السودان العزيز وغيره في طبع الخطاب، فطبعت منه آلاف النسخ، فكان أن صودر في السودان بأمر الحاكم العام السابق ولما أن نفدت نسخه طبعه إخواننا في سوريا الشقيقة ( طبع هناك تحت إشراف الأخ الكريم الأستاذ"محمد نسيب الرفاعي" عن جماعة الصراط المستقيم بحلب عام 1952م وقد جاء في مقدمته الرائعة التي قدم له بها الأخ الكريم ما يأتي : "إن بوادر خاتمة أولياء الشيطان قد لاحت ، وبشائر انتصار الحق على الباطل قد دقت، وإن هذه البوادر والبشائر لاحت جميعها من هذا الكتاب – صوفيات – هذا الكتاب الذي ساوم المبطلون الضالون صاحب المطبعة التي طبع فيها على إعطائه أجرة الطبع، وقيم الورق مقابل تسليم الكتاب لهم لحرقوه.. هوناً أيها القوم، ما يغنيكم أحراق كتاب الصوفيات؟ أليس مأخوذاُ عن كتبكم ورسائلكم؟ إن كل تهمة موجهة إليكم فيه إنما هي منقولة باحلرف الواحد من مجلدات نتحداكم أن تقولوا إنها ليست لسادتكم وكبرائكم").
وقد ترجم للأندونيسية.
وألح إخواننا في طبعه مرة أخرى، فعدت إلى الكتاب أكتبه من جديد وأزيده كثيرا من النصوص،وموضوعات جديدة لم تكن في طبعته الأولى، حتى أربى الكتاب على ضعفي حجمه الأول، فليس افتئاتاً على التاريخ أن أسميه "هذه هي الصوفية" بدلاً من اسمه الأول "صوفيات" (رد عليه كاتب في السودان سماه "الجياد الصافنات في الرد على صوفيات" ورد عليه في سوريا بكتاب سماه "نسف الصوفيات" فكان ردهما أبلغ دليل على أن الصوفية وثنية عفنة، وحجة على أنهم في ضلال ما دمغناهم به.) وسيرى القراء كما عودتهم، أنني لم أرم الصوفية بغير ما به تدين، وأننا لم نعتد بقول أحد في الصوفية، وإنما اعتددنا بنقل نصوص كثيرة من كتب الصوفية بينة الدلالة على معتقدهم، مقارنين بينها وبين بعض آيات القرآن الكريم، وأحاديث خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، هذا لكيلا يفتري صوفي أننا نرميهم بغير ما يفترون على الله. كنا نستطيع أن نصنع صنيع بعض نقدة الصوفية قديماً وحديثاً، فنأتي بفتاوى أئمة المسلمين في شأن الصوفية، أو ننقل ما نقلوه عن الصوفية من نصوص، بيد أني رأيت أن يكون للعدل والحق والتحقق الرعاية الأولى، فنقلب دين الصوفية من كتبهم التي يؤمنون بها ذاكراً اسم الكتاب، وتاريخ ومكان طبعه، ورقم الصفحة التي عنها نقلب؛ لأرمي الظن والريب باليقين الواضح؛ ولأبعد كل شبهة تتوهم أننا نفتات عليهم، أو نبهتهم؛ وليكون كل قارئ مفتياً لنفسه بالحق، وحكما بين الحق وباطلهم.
وقد يعيب علينا بعض من سحرتهم طقوس الصوفية، وشاعريتها الكهنوتية العنف في المحاجة، لكننا لهؤلاء نقول: رويدكم!! فإنما نسمي الأشياء بأسمائها، ونصفها بصفاتها، فلا نقول عن الزقوم: إنه تفاح الجنة، ولا عن الغسلين: إنه رحيق الفردوس، ولا عن الشرك: إنه توحيد، بل لا نحب أن نداهن النفاق فنزعم أن شرك الصوفية خطأ، فحسب، كما ينافق بعض الشيوخ الذين مردوا على النفاق، ومرنوا على المخادعة والمداجاة؛ ليحسبوا مع الكافرين، ومع المؤمنين!! وعجب مغرب في العجب، أن نغضب، بل نرتجف من الحنق إذا دعينا نحن بغير أسمائنا، ونحقر من ينتسب إلى غير أهله، ثم لا نغضب من نعب الباطل بأنه حق!! وعجب ذاهل الدهشة أن نرمي بالعمى والجهالة من يسم الليل: بأنه نهار مشمس، أو من يقول عن المر: أنه حلو، أو من يقول عن الثلاثة: إنها واحد!! أو من ينسب إلى مذهب رأي مذهب آخر، أو من يخطئ في حقيقة تاريخية، أو جغرافية، أو مادة قانونية، ثم لا نرمي بهما – بالعمى والجهالة – من ينعت الصوفية بأنها إسلام صحيح، ومن يقول عن الطائفين حول القبور، اللائذين بأحجارها الصم: إنهم مسلمون!! ثم يمكر؛ ليحسب مع المسلمين، فيقول عن أولئك: ولكنهم مخطئون!!
عجب أن نكفر من ينسب إلى محمد صلى الله عليه وسلم حديثاً موضوعاً، والقائلين بأن الله ثالث ثلاثة، ثم نحكم بالإيمان الحق لمن ينسبون إلى النبي أنه الصوفي الأول، وأنه الموحي بدين الصوفين!! من يقولون: أن الله عين كل شئ وأنه مليون ملايين!! نحكم بإيمان هؤلاء، لا لشئ سوى أن لهم أسماء تشاكل أسماء المسلمين!!.
إن الحق والدفاع عنه يحتمان علينا أن نسمي كل شئ باسمه، ونصفه بصفاته، وإلا افترينا عليه، وجعلنا للباطل السورة والصولة، وداجينا في الإيمان. أما هذه النعومة والطراوة والرخاوة المخنثة في الذياد عن الحق، والجهر بكلمة الحق، أما ذلك فنشر أنواع الجبانة الذليلة، والخداع والرياء والعجز المهين!! قولوا عنا ما شئتم، فإن للحق صولة تجتاح كل صولة أخرى، ولن ينال منها أن ترموا بعض جنده بالعنف في البيان والمحاجة. وعجيب أن نرمي بالعنف، أو ينتقد علينا هذا في الدفاع عن أعظم مقدسات الدين والفضيلة، والله يقول (9:73 يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين، واغلظ عليهم، ومأواهم جهنم وبئس المصير).
قولوا ما شئتم، فليس بنافع ما تتقولون به في الذياد عن الصوفية أو الإبقاء على رمقها الشاحب المحتضر!! بل ستبقى رغم تتقولون به تلك الحقائق الصاعقة العاصفة المدمرة تدك هياكل الصوفية. ستبقى شاهد عدل وحق ساطع البرهان على أن الصوفية عدو الإسلام الألد الخصام، بيد أن هذا العدو، يسحرك بغزل التقبيل، ويسكرك بخمرة العناق، حتى إذا أغمضت عينيك النشوة الحالمة، أنفذ إلى صميم قلبك خنجره المسموم.
وما نشتري بما نكتب رضاء الناس، وإنما نبتغي به رضاء الله، فلله ما بذلت من جهد، وأضرع إليه سبحانه أن يدخره لي جهداً في سبيله، وألا يضيعه بذنب منا نقترفه، وهو مولانا ونعم النصير.

عبدالرحمن عبد الوهاب الويكل
القاهرة
11 من ربيع الأخر سنة 1375
26 من نوفمبر سنة 1955

________

الفل الأول
مقدمة
معذور
شكوت إلى النيابة يا سماحة الشيخ (المقصود سماحة شيخ الطرق الصوفية فإليه يوجه الخطاب) لتنتصف لك من إنسان يدعوك إلى الحق، وإلى الإيمان به.
ولا تثريب عليك!! فهتك القناع السحري عن الصوفية حرمان لكهنتها من السحب يجبى باسم الأوثان. ولم لا؟!
وسيراها الناس ثمت أمشاجاً من اليهودية الباغية، والمجوسية الماجنة، والوثنية المستغرقة في الجحود!1 سيرون الصوفية الغزلية الفتون حمأة من الشرك الخاتل تمض على شفتيه بسمات الغانية المتبرجة؛ لتفتك، وتقتل!!.
أرأيت إلى من شكوته، كيف يفتر لك العذر، ويبتسم إشفاقاً عليك من ثورتك العارمة؟! وما تنقم من هذا المسلم سوى أنه يبصرك بجنابه هذه الجماعة التي قال فيها (36:60 ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان، إنه لكم عدو مبين؟!) يبصرك بجنايتها الظالمة على الدين الحق وقيمه الروحية على الفكر الملهم، والأخلاق التي تستوحي السماء النور والسمو والهداية. على المثل العليا للجماعة الإسلامية.
أملنا في الشيخ
ولقد كنا نأمل – والشيخ من كبار علماء الأزهر – أن يقود هذه الجماعة الضالة الحيرى إلى هدي الله، وأن يحول بينهم، وبين تدمير ما للجماعة الإسلامية من مقومات، وما لدينا من قيم، وما زال الأمل يغريني طيفة الشاعر أنك يا سماحة الشيخ ستفعل ذلك لمالك في ماضيك من سوابق خير، وأوقن أنك لو فعلت، لكنت ليث بطولة فادية، تهتف بها الأحقاب في إعجاب، وترتل الثناء عليها مزامير القرون!!.
ضحية
هذا رجاء شاب مسلم أغوى صباه الغرير سحر الصوفية، فجرعته زعافها يحسبه خمرة الجنة تدهق كئوسها الملائكة، وغسلينها يخاله رحيقاً ترويه به الحور النواعم، ثم أشرقت على روحه المظلم أشعة الهدى من كتاب الله، فنظر، فماذا رأى؟.
رأى ماضيه الصوفي شيطان كفر مارد يغتال إيمان، وشرك يعصف بالرمق الشاحب من توحيده، فياحرة قلباه!! كان الفتى اليتيم الروح بأمل أن يمشي على الماء، وأن يحلق بجناحيه فوق قبة النجوم، وأن يتخذ بالروح الإلهي الأعظم، وأن يهتك – كالشهاب الثاقب – حجب "السوية والغيرية" (اصطلاحان صوفيان مأخوذان من كلمتي "سوي وغير" والصوفي الحق في دين الصوفية من يوقن أنه لا "سوى ولا غير" أي يرى الكل عيناً واحدة!!) ليشهد حقيقة الوحدة الكبرى، وحدة الوجود، ويسعد بها، وقد تحققت في ذاته!! كان يأمل ذلك كله، فبكل هذه الأساطير المجوسية وعدته الصوفية. ولكن !! وآه مما بعده امن أدمع وجراح!!.
أملت أن أمشي على الماء، فكانت الحمم المدمدمات من سقر!! أملت أن أحلق بجناحي فوق الأفق، فإذا هي مأساة المشرك التي قصها الله في كتابه (22:31 ومن يشرك بالله، فكأنما خر من السماء، فتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق). فمن ذروة القمة الحالمة الخيال هويت – يدكني الصخر الأصم الناتئ- إلى غور سحيق سحيق!!.
وهنالك على الصخور الحدباء بقيت منى أشلاء متأثرة، تروى لك عبرتي الحزينة المفجوعة!!.
وها في القلب الدامي جراح نازفة تنوح بين يديك بمأساتي الدامية!!.
أملت الاتحاد بالروح الإلهي، فلم أجد غير الشيطان ينفث في دمي فتونه، ويتلظى في غرائزي غياً يتعشق كل ساجية!!
أملت شهود الوحدة الكبرى!!
وآه من هذه الأسطورة الناعسة الفتنة، المكحولة الآثام!!
فقد وعدتني الصوفية أن هذه الأسطورة ستجعل مني إلهاً ثائر الرغبات، عاصف الشهوات، يجمع به هواه إلى امتهان ألوهيته في سيبل هذه الرغاب التي تشهاها الحرمان من شاعر ظامئ الجسد.
آه يا يوم التلاقي ليتني كـــنت ألهاً
لأبحــث الناس للناس خدوداً وشفاهاً
وعدتني بالربوبية تتجلى في بصورة بشرية، فأصرف الوجود بقدري القاهر، وقضائي الذي لا مرد له، وأسخر السماء والأرض، والعواصف والجن، والملائك والحور، أسخرهم لصبوات شبابي، ونزوات هواي!!.
ألم يبح كاهن الصوفية التلمساني في دينه الأم والأخت، ويرمي من يحرمهما على الابن والأخ بأنه محجوب؟! (ص 177 ج1 مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية).
ألم يؤكد طاغوت الصوفية الأكبر "ابن عربي" (هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي مات سنة 638هـ) أن الرب الأعظم غانية هلوك تحترق الشفاه على ثغرها قبلاً دنسة ملتهبة!! وأن هذا الرب لا يبلغ كمال تجليه الأعظم إلا حين يتجسد في صورة أنثى تجتاح أنوثتها خطيئة كل عربيد في غيابة الليل!! قد يتجلي هذا الرب في صورة ملك أو رجل، بيد أن تجليه في صورة ماجنة تعول بالشهوة ، وتصرخ بالرغبة، وتتقتل بالمفاتن، وتغازل بالإثم – تجليه في تلك الصورة أحلى وأجمل، وأتم وأكمل!!.
إذ يتجلى في الرجل بصورة فاعل، أما في المرأة فيتجلى في صورة فاعل، وصورة منفعل، وصورة فاعل منفعل معاً في مجلي واحد(سيأتيك نصه بلفظه) !!.
تثليث آخر!! غير أن وراءه شهوة متمردة تنزو به!! عذراك إن جمحت بي رغبتي في الذياد عن الحق إلى ذكر خطايا صوفية، يدمي منها حتى الخزي، وتثير الحياء في صفاقة وجه البغي!! عذرك فإنما نجاهد لتدمير الطاغوت الأكبر، وشيخ الصوفية يشكو منا إلى النيابة، لأننا نكشف لهم ما افتراه الشيطان من أديان وثنية، فتن بها الآبقين من الخلف، وسماهم لهم صوفية!!.
فمضى الكهان يبشرون بها على أنها توحيد يشع منه وحده الحق، وإيمان سماوي الروح، عذري الحب، فكان خطرها الناجم الداهم، هو القاصمة، بل كانت أشد خطراً على المسملين من المجوسية، فهذه مستعلنة النبي لها من قلنسوتها آية. أما الصوفية، فبسمات حلوة خلوب، ونجاوي ناعمة شف رقتها عشق محروم، ونغمات عذاب آسرة، وعائم منتفخة كالبطون المتخمة من الحرام، ولحىً بيض مرسلة على قلوب سود، يعيث فيها مشط موسوس، ومسبحات بألوان الطيف مسحورة الهينمة، لا تمل من الترتيل، موشاة الذوائب، منعمة الأنامل، تصطفق حباتها في رعونة ثائرة!!.
واجب الشيخ
كان واجب الشيخ – وقد ذكرته بهدى الله – دعوة أتباعه إلى الإسلام، يؤمنون بالكتاب والسنة، ويكفرون بالصوفية، وتراثها الوثني، فإن لم يرض اتباعه بالله وحده رباً، وبكتابه – فحسب – إماماً، وبرسوله الحق وحدة أسوة وقدوة، كان حقاً على الشيخ أن يفر إلى الله مخبتاً مؤمناً، وأن يترك – رضى النفس – هذا المنصب وأصنامه، ترجمهما لعنة الله!1.
لماذا أكتب للشيخ؟
في خيالي الكليل شفق خاب من حسن الظن بالشيخ، وأطيافه شاحبة الصور تخيل على أن الشيخ على جهالة بدين الصوفية، وبما تطفح به كتبها من وثنية، ومن أعماق نفسي الحانية ينبعث دعاء ثائر الإلحاح في بر وإشفاق، يدعوني إلى أن أنشر بين يدي الشيخ، وصوب فكره وعينيه كتاب الصوفية ليرى فيه صور أربابها – وتعالى جد ربنا الحق -، ورسولها – وبرأ الله خاتم النبيين من بهتانها -، وأوليائها – وحاشا أولياء الرحمن أن تمسهم صوفية -، فلعل الشيخ حين يرى هذه الصور التي تفجع النفس والضمير والخلق الكريم والفكر البصير، يهب بها على الجاهلية الصوفية ثورة حق قوى لطمه باطل، وعزم مشبوب أحنقه ظلم خاتل. ونهاك يروى التاريخ عنه للآباد الواعية قصة البطولة الفادية، وتزخر القلوب المؤمنة بمشاعر الإعجاب به آية حب عميق، ودليل أخوة في الله أتراك تفعل يا سماحة الشيخ؟!
وإلا فسنظل – بعون الله – نلهب بسياط الحق ظهور الآبقين، وندك بمعاوله – غير هيابة ولا واهنة – معابد الأصنام، حتى تخر على سدنتها وعبيدها، ولن يحول بيننا – بتوفيق الله – وبين التذكير بماهدي الله إليه، وفرض علينا الجلاد المستلئم دونه، عواصف شر تثيرها علينا أحقاد الصوفية المستعرة، فما لقلب المؤمن أن يرهب في الحق إلا من فظره، ولا أن يرغب إلا في رضاه (9: 129 فإن تولوا، فقل حسبى الله، لا إله إلا هو. عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم)

دين الصوفية
للصوفية مدد من كل نحلة ودين إلا دين الإسلام، الله إلا حين نظن أن للباطل اللئيم مدداً من الحق الكريم، وأن للكفر الدنس روحاً من الإيمان الطهور. والصوفية نفسها تبرأ إلا من دين طواغيتها مؤمنة بأنه هو الحق الخالص. يقول التلمساني – وهو من كهان الصوفية- "القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا(ص 145 جـ 1 مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية)" وابن عربي يزعم أن رسول الله أعطاه كتاب فصوص الحكم – وهو دين زندقته – وقال له: "اخرج به إلى الناس ينتفعون به – ويقول : فحققت الأمنية كما حده لي رسول الله بلا زيادة ولا نقصان" ثم يقول:
فمن الله، فاسمعوا إلى الله فارجعوا (ص 4فصوص الحكم بشرح بالي ط 1309هـ)
على حين يذكر الحق وتاريخ الصادق أن الصوفية تنتسب على كل نحلة مارقة، وتنتهب منها أخبث ما تدين به، ثم تفتريه لنفسها، مؤمنة به، وتحمل على الإيمان به كل فراشة تطيف يحجميه، وإلا فهل من الإسلام أسطورة وحدة الوجود، وخرافة وحدة الأديان؟! فتلك تزعم أن الله سبحانه عين خلقه، عينهم في الذات والصفات والأسماء والأفعال، تزعم أن واهب الحياة، وخالق الوجود غين الصخر الأصم، والرمة العفنة!! ووحدة الأديان تزعم أن كفر الكافر، وخطيئة الفاجر عين إيمان المؤمن، وصالحة الناسك، تزعم أن دين الخليل هو دين أبيه آزر، وأن إيمان موسى عين كفر فرعون، وأن وثنية أبي جهل عين توحيد محمد، فكل رب الدين ورسوله!! كل تغين للذات الإلهية، غير أنها سميت في تعين بمحمد، وفى أخر بأبي جهل، وهي هي في مظهريها، أو اسميها!! تزعم أن دين إبليس وإيمانه عين دين أمين الوحي، وروح إيمانه، بل زادت الخطيئة فجوراً، فزعمت أن إبليس أعظم معرفة بآداب الحضرة الإلهية من أمين الوحي، وأسمى مقاماً!!
أفمن دين الإسلام هذه الخطايا الكافرة؟!

افتراء على دين الله
ولكن ما بالي أسرف في الحجاج؛ لأثبت ما ليس في حاجة إلى دليل يثبته، بل ما الصوفية – نفسها – تقر مؤمنة به؟!
سلوها لم انتبذت من المسلمين مكاناً قصياً تسمي فيه المدنسين برجسها صوفيين، ولا مسلمين، والاسمان متقابلان تقابل الظلام الجائر، والضوء الباهر؟ سلوها لم تمقت ما سمي به الله من يعبدونه على بصيرة، وتجنح إلى اسم ماله من دلالة إلا على كفر أو مذلة؟ سلوها من هم كهان دينها، وأحبار طقوسها؟ سلوها لم تورث أحقاد طواغيتها على الكتاب والسنة؟ سلوها لم تفتن الأغرار عن دين الحق، فتزعم لهم أن الإسلام شريعة وحقيقة، تعني بالشريعة ما أوحاه الله إلى رسوله، وبالأحرى وساوس الأبالسة النافثين لبدع الصوفية. سلوها، وسلوها؟ ولكن لا تكدوا أنفسكم، فهذا ابن عجيبة الفاطمي الهوى، الصوفي الدين يلهمكم جواب ما عنه تسألون، فإليكم ما افتراه: "وأما واضع هذا العلم "يعني التصوف" فهو النبي صلى الله عليه وسلم علمه الله بالوحي والإلهام، فنزل جبريل أولاً بالشريعة فلما تقررت، نزل ثانياً بالحقيقة، فخص بها بعضاً دون بعض، وأول من تكلم فيه، وأظهره سيدنا علي كرم الله وجهه، وأخذه عنه الحسن البصري(ص 5 إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة جـ 1 ط 1913م. وفي قوله ذاك دليل الصلة الوثيقة بين الصوفية وبين الشيعة التي تؤله أئمتها)" وإنها لفرية جائرة الإفك على رسول الله، وبهت له بجريمة ملعونة، جريمة كتمان العلم، واي علم؟ إنه علم الحقيقة في دين الصوفية!! أفيكتم الرسول الحق وعلمه ودلائله، وقد توعد كاتم العلم بعقاب شديد من الله "من كتم علماً يعلمه الله إياه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار(أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم وصححة من طريق أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح.)" ثم وراء هذا البهتان اتهام صريح لأبي بكر وعمر وعثمان، ومعهم خيار الصحابة من السابقين، بأنهم كانوا أنضاء ضلالة وجهالة بما يعرج بالروح على محبة الله، وراءه محاولة حقود مصممة على تجريد الجماعة الإسلامية من خيرا سلفها وخيار خلفها من صفة الإيمان الحق. وحسب الصوفية أن تبوء هي وحدها بما تبهت به الصديقين والشهداء.
وسيلة المعرفة عند الصوفية
ويدين الصوفية ببهتان آخر يدمعها بالمروق عن الإسلام، ذلك هو اعتقادها أن الذوق الفري (يعني به الذوق الخاص بكل إنسان)- لا الشرع، ولا العقل – هو وحده وسيلة المعرفة ومصدرها. معرفة الله وصفاته، وما يجب له (لم نقل: وما يستحيل عليه. لأن الصوفية تؤمن بأنه سبحانه يجب له كل شئ، لأنه عين كل شئ، فلا يستحيل عليه نقص ولا عجز)، فهو – أي الذوق – الذي يقوم حقائق الأشياء، ويحكم عليها بالخيرية أو الشرية، بالحسن أو القبح، بأنها حق أو باطل، فلا جرم أن تدين الصوفية بعدد عديد من أرباب وآلهة، ولا عجب أن ترى النحلة منها تعبد وثناً بغير ما تعبده به أخرى، أو تخنع لصنم يكفر به سواها من النحل الصوفية، ولا عجب من ذلك كله، ما دامت تجعل "الذوق" الفردي حاكماً وقيماً على المسميات وأسمائها، فيضع للشئ معناه مرة، ثم ينسخه بنقيضه مرة أخرى. هذه الحدة في توتر التناقض صبغة الصوفية دائماً في منطقها المخبول، ولقد ضربت الصوفيين أهواء أحبارهم بالحيرة والفرقة، فحالوا طرائق قدداً، تؤله كل طريقة منها ما ارتضاه كاهنها صنماً له، وتعبده بما يفتريه هواه من خرافات!! على حين يجمعهم على الوحدة هوى واحد، وغاية واحدة، هي القضاء على الإسلام والجماعة الإسلامية.
وما إخالك يا سماحة الشيخ تمتري فيما ذكرته لك، فأنت به خبير، وإلا ففيم هذه الشيع المتطاحنة (يقول رويم البغداد: "لا يزال الصوفية بخير ما تنافروا، فإن اصطلحوا، هلكو" ص 181 طبقات الصوفية للسملي، فليتنافر المسلمون، ولتطاحنوا فهذا دين الصوفية.) وفيم هذه المشيخات المتنابذة، كلما دخلت واحدة منها عليك لعنت أختها، بل فيم هذه الحرب التي يثيرونها عليك في مكر دنئ ورياء ماكر؛ إذ جلست على عرشهم دون أن تكون لك قدم ثابتة في التصوف، ودون أن تنصب شيخ طريقة من قبل؟!! قلها صريحة الجرأة يا سماحة الشيخ، يهب الله لك هداه، ومقام الصديقين، وإنه للخير الذي تنشده نفس كل مؤمن.
الفصل الثاني
آلهة الصوفية
يفتري الصوفية – فمالهم من سجية غير ذلك – أنهم الذين يعرفون الله معرفة لا يمس يقينها ريب، ولا يشوب جلال الحق فيها شبهة، ويصمون المسلمين بعمى البصيرة (يقول نيكلسون "والصوفية لا يفتئون يعلنون أنهم أمة الله المختارة" ص 117 الصوفية في الإسلام ترجمة نور الدين شريبة.)، وعمه العقل، وخطل الفكر، وجمود العاطفة، وفساد الذوق، وخمود جذوة الحياة في الشعور، والإغراق العميق السحيق في المادية الصماء، والجمود الأحمق على عبادة التاريخ، وما زالت تلك دعواهم. فما الرب الذي يعبدونه وإذا شئت إحكام الدقة، فسلهم: ما الرب الذي اختلقوه، ثم عبدوه؟
ناشدتك الله – إن مسك فيما أقول وهم ريبة، أو فتنك منهم عن الحق غزل ابتسامة، أو ترنيمة عاشقة بتسبيحة أو دعاء، ناشدتك الله إلا ما قرأت شيئاً من كتبهم، لتعرف رب الصوفية الأعظم. اقرأ من الفتوحات، أو الفصوص، أو ترجمان الأشواق، أو عنقاء مغرب، أو مواقع النجوم، وكلها لابن عربي. اقرأ من الإنسان الكامل للجيلي، اقرأ من تائية ابن الفارض وشرحها للنابلسي أو القاشاني، اقرأ من الطبقات والجواهر والكبريت الأحمر لشعراني، اقرأ من الإبريز للدباغ، اقرأ من كتاب الجواهر، والرماح وهما للتيجانية، وروض القلوب المستطاب لحسن رضوان، بل اقرأ حتى مجموع الأوراد الذي يتعبدون به الآن ودلائل الخيرات، "وأحزاب" الكهنة منهم في العشايا والأسحار.
إن الصوفية تنعت ابن عربي بأنه "الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر" وتخر له ساجدة، والجيلي بأنه "العارف الرباني والمعدن الصمداني" وابن الفارض بأنه "سلطان العاشقين" والشعراني بأنه "الهيكل الصمداني والقطب الرباني" فماذا أدعوك إذن إلى تلاوة كتب تنقم منها الصوفية دلائل الحق، وإشراق الهدى، بل إلى كتب تقدسها الصوفية على اختلاف نوازعهم، وتباين أهوائهم، ويجلونها – ولا أعدون الصدق إذا قلت يعبدونها – ويرونها الأفق الأسمى لنور التوحيد، والمنبع السلسال لفيوض الربانية!! فإن قرأت شيئاًَ من تلك الكتب، فتدبر بعده آية واحدة من كتاب الله، واقذف بنور الحق الإلهي على دياجير الباطل الصوفي، وثمت يروعك، ويستفز الغضاب الثوائر من لعناتك أن تجد الصوفية تدين برب يتجسد في أحقر الصور، وتتعين "هويته وإنيته(الهوية عندهم هي الحقيقة الباطنة للذات الإلهية، والإنية هي حقيقتها الظاهرة في مجاليها المتنوعة)" في أنتن الجيف، وتتمثل حقيقته الوجودية صور أوهام في الذهن الكليل، وظنون حيرى في الفكر الضليل، وتهاويل أسطورية في الخيال. ألم تؤله الصوفية في دين كاهنها التلمساني رمة كلب تقزز من صديدها الدود(مر التلمساني على كلب أجرب ميت في الطريق، فقال له رفيق له – وكان التلمساني يحدثه عن وحدة الوجود - : أهذا أيضاً هو ذات الله؟ مشيراً إلى جثة الكلب. فقال التلمساني: نعم. الجميع ذاته، فما من شئ خارج عنها، انظر 145 مجموعة الرسائل الكبري لابن تيمية.)؟.
ومعذرة يا سماحةالشيخ، فوالذي هدى المسلمين إلى دينه الحق، وأوجب الجهاد دونه، ما قلت إلا الحق للحق، وما رميت إلا بالحق، وإن شئت فمرحباً بموعد نلتقي فيه للمحاجة، فاختر ما شئت من أمكنة، وإن يكن قبة البدوي!!
وهاك من النصوص ما يكشف لك في جلاء عن معتقدات الصوفية، وسأختار من النصوص مالا يمكر به التأويل، من كتب تتخذها الصوفية شرعة لها ومنهاجاً في الدين، وتجعل أوثان من افتروها مطافات تستروح عندها – كما تزعم – نسائم الجنة، وعبير الخلود، وروح الله، وتضرع إلى جلاميدها الصم أن تهب للروح السكينة، وللقلب اليقين المطمئن، وأن تمد الوجود بالحياة الفياضة بالخير واليمن والبركة، وأن تكشف لعبادها حقيقة الربوبية والإلهية ليعرجوا إلى الاتحاد بها، وترجو ما ينخر في عظامها من سوس، وينهش لحومها من دود، أن يصرف كهان الصوفية في أقدار الله، وأن يجعل لهم السلطان على قضائه، وأن يحقل بهم فوق الذرى السامقات من أقداس الربانية!!
إله ابن الفارض
(ابن الفارض هو عمر بن أبي الحسين علي بن المرشد بن علي شرف الدين الحموي الأصل المصري المولد، توفي سنة 632هـ، ولم نتحدث عمن سبقه من الصوفية كالحلاج أو البسطامي مثلاً، لأننى اخترت أن أنقل عمن يجمع الصوفية جميعاً سلفاً وخلفاً على تقديسهم، أما الحلاج وغيره فيطعن فيه رياء ونفاقاً بعض الصوفية فتركته، حتى لا يكون لهم رياء معذرة) يؤمن هذا الصوفي ببدعة الاتحاد، أو الوحدة سمها بما شئت. بصيرورة العبد رباً، والمخلوق خلاقاً، والعدم الذاتي الصرف وجوداً واجباً، وإذا شئت الحق في صريح من القول، فقل: هو مؤمن ببدعة الوحدة، تلك الأسطورة التي يؤمن كهنتها بأن الرب الصوفي تعين بذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله في صور مادية، أو ذهنية، فكان حيواناً وجماداً وإنساً وجناً وأصناماً وأوثاناً. وكان وهما وظناً وخيالاً، وكانت صفاته وأسماؤه وأفعاله، عين ما لتلك الأشياء من صفات وأسماء وأفعال؛ لأنها هي هو في ماهيته ووجوده المطلق أو المقيد، وكل ما يقترفه البغاة من خطايا، وما تنهش الضاريات من لحوم، أو تعرق من عظام، فهو فعل الرب الصوفي، وخطيئته وجرمه!!
وإخالك الآن تود لو تسوى بي الأرض، أو تدهمني – على غرة صاعقة، إذ يجري على لسان الحق ذكر ابن الفارض منعوتاً بالزندقة وتعجب أن يكون سلطان العشق الصوفي زنديقاً!!
وما علي – برحمة الله – مما تود، ولن يمنعني عجبك في ذهوله من أن أحكم على ابن الفارض بما ارتضاه هو ديناً له وتدبر ما سأنقل لك عنه من تائيته، فلعل يزول عجبك، وينفثئ غضبك.
جلت في تجليها الوجود لناظري ففي كل مرئي رآها برؤية
يزعم أن الذات الإليهة هتكت عنه حجب الغيرية، وجلت له الحق المغيب، فرأي حقيقة الله متعينة بذاتها في كل مظاهر الوجود، رأي هذا الكون المادي بكل ما يدب عليه، أو يغتال الحياة والأعراض في غياهب ليله الساجي، ومغاوره المظلمة، رآه هو عين الله وماهيته، ورأى وجوده عين وجوده، فما تم من شئ عند ابن الفارض إلا وهو الله، بل ما للرب – رب ابن الفارض- وجود سوي وجود تلك الصور المادية، أو الذهنية المنطبعة عن شئ متحقق، أو متوهم، أو متخيل. أما وقد نعق بهذا البهتان، فليفتر لنفسه ما يترتب على الإيمان به؛ لهذا راح يزعم أنه بذاته اتحد بذات ربه، فكانت الثنائية في الاسم، وكانت الوحدة في الحقيقة والوجود، وأنه في جلوة تلك الوحدة يشهد في ذاته وصفاته وأفعاله ذات الله وصفاته وأفعاله، وعن هذا يعبر.
وأشهدت غيبي، إذ بدت، فوجدتني هنالك إياها بجلوة خلوتي
شهد "هوية" الوجود الإلهي، أو باطنه، "إنية" وجوده هو، أو ظاهره، فلم يجد للرب وجوداً سوى وجوه ولا لذاته كياناً متقوماً غير كيانه، فهتف في جذل البشرى: أنا الله!!
بيد أنه خشي أن يتوهم أحد أن هذا الشهود وهم طارئ، أو حال عارض أو صورة من حلم أسبل لها فكره وعينه، خشي هذا، فقال:
ففي الصحو بعد المحر لم أك لغيرها وذاتي بذاتي، إذ تحلت ، تجلت
والصحو في دين الصوفية هو رجوع العارف إلى الإحساس بعد سكرته بوارد قوى، وفيه يشهد العارف المغايرة بين الذات الإلهية ومظاهرها أو صفاتها، يشهد أن الكون ليس هو الذات الإلهية، وإنما هو تجليات أسمائها وصفاته، ومجال لأفعالها. أما المحو في دينها فهو امحاء الكثرة والغيرية، والخلقية المتنوعة المتعددة. وفناء السوية، وتجلى الوحدة المطلقة، فيرى الصوفي الخلق عين الحق، والمربوب عين الرب.
فثمت إذن فرق عند الصوفية بين الصحو والمحو، ولكن ابن الفارض أبي أن يؤمن بهذا الفرق المبتدع، فهتك الستر، ومزق القناع؛ ليكشف لك في قول صريح عن حقيقة معتقد الصوفية، ومضى مسرعاً يلهث؛ ليدرك فكرك قبل أن يؤمن بذلك الفرق بين الصحو وبين المحو!! وليؤكد لك أن دين الصوفية قائم من أول مرة على الإيمان بأن الله سبحانه هو عين خلقهّ!! على نفي كل مغايرة – مطلقة، أو مقيدة، إضافية، أو نسبية – بين الخالق والخلق، سواء في ذلك حال الصوفي في الصحو، وحاله في المحو، وهكذا صرح ابن الفارض في جرأة شرود بما يرمز عنه سواه من منافقي الصوفية، حين يفجؤهم برهان الحق، ولذا يقول.
إلى كم أواخي الستر، هاقد هتكته وحل أواخي الحجب في عقد بيعتي
يعني أنه عاهد الحق حين بايعه على أن يهتك كل ستر، و يحل كل أنشوطة، حتى يرى كل ذي بصر أن الله يتمثل دائماً في صور الخلق، وتتعين ذاته بذواتهم!!
وتدبر هذه الصراحة الصارخة الجرأة في قول ابن الفارض: "وذاتي بذاتي، إذ تحلت تجلت" تدبر تجد الزنديق، يأبى أن يثبت لربه ذاتاً، ويتعالى أن يجعل وجوده هو فيض وجود ربه، فلم يقل :"وذاتي بذاته" أو "ذاته بذاتي" وإنما قال: ليحكم بالعدم الصوفي على رب الوجود الحق، وخالقه: "وذاتي بذاتي" فليس ثمت إلا ذاته هو في الحالينّّ ألا تحس الجحود طاغي البغي؟!
ما ثم عند ابن الفارض من رب، ولا مربوب. إلا وهو ابن الفارض إنه الخلاق. وإنه هو الوجود، وواهب الوجود، وما الرب الأكبر إلا أثر من آثار قدرته، أو جزئي تأئه حيران من كليه!! هذا دين ابن الفارض. فبماذا تحكم عليه؟!
فوصفين إذ لم تدع باثنين وصفها وهيئتها – إذ واحد نحن- هيئتي
يزعم أن كل ما وسف به الله نفسه، فالموصوف به على الحقيقة هو ابن الفارض؛ لأنه الوجود الإلهي الحق، في أزليته، وأبديته، وديمومته، وسرمديته.
فإن دعيت كنت المجيب، وإن أكن
منادى أجابت من دعاني، ولبت
إن دعي الله أجب ابن الفارض؛ لأنه عينه، وإن دعي ابن الفارض لبى الله، لأنه اسمه ومسماه! ولكن أتلمح الكبر جائر العتو من ابن الفارض على خالقه؟ إذ يزعم أنه إن دعي الرب، فما يفعل ابن الفارض شيئاً سوى أن يجيب، أما إذا دعي ابن الفارض، فما يكفي الرب أن يجيب، وإنما يهرول ملهوفاً إلى التلبية!!.
ما كفاه زعمه أنه الله، فأكد أن الرب الأكبر ما هو إلا صورة شاحبة منه، وظل حيران له!!.
فقد رفعت (يصح أن يكون معناه أن الخطاب رفع بينه وبين غيره، لعدم وجود غير، ويصح أن يكون معناه أن"الفتحة" من تاء الخطاب في مثل "خلقت" بفتح التاء تحولت إلى ضمة وهي علامة رقع، فصارت "خلقت" بضم التاء لا فتحها أي صارت تاء المخاطب بفتح الطاء عين تاء المتكلم) تاء المخاطب بيننا وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي.
الخطاب يستلزم الاثنينية، إذ لا بد له من طرفين متقابلين مخاطب ومخاطب، ولهذا يكفر ابن الفارض بما يؤكده الخطاب في آيات الله، أو في دعاء الداعي من دلالة على المغايرة بين المتخاطبين!! وينفي صدور خطاب أو دعاء منه إلى "غير ما" فما ثم "غير" حتى يخاطبه، أو يدعوه!!.
فإذا ما صدر منه خطاب، أو دعاء إلى الله، فلا تحسبن أنه يخاطب غيره؛ إذا الخطاب صادر منه إليه، والدعاء متوجه به من نفسه إلى نفسه.
لقد كان يقول من قبل أن يكشف عنه الغطاء: أنت أنت، فما تجلت له الحقيقة صار يقول: "أنا أنا" فما "أنت" تلك إلا "أنا" ذاتاً ووجوداً!!.
ويرى ابن الفارض أن إثبات الربوبية الخلاقة وحدها لنفقسه شئ دون مقامه الأكبر، فيفتري أن له الربوبية بوحدانيتها وصفاتها وأسمائها وأفعالها، بملكها وملكوتها، برحمانيتها وجبروتها، بقدرتها، القهارة، وعلمها المحيط الشامل، بما أبدعت من خلق، ومنحت من حياة.
ولا فلك إلا ومن نور باطني به ملك يهدى الهدى بمشيئتي
(يقول تعالى لبنيه الأعظم (28:56 إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء) فجعل ابن الفارض نفسه أعظم من محمد، وقريناً مساوياً لله!!)
ولا قطر إلا حل من فيض ظاهري
به قطرة عنها السحائب سحت
ولولاي لم يوجد وجود، ولم يكن شهود، ولم تعهد عهود بذمـة
فلا حي إلا من حياتي حياته وطوع مرادى كل نفس مريدة
(أيقول هذه مسلم؟ إنها لله وحده، فنسبها ابن الفارض على نفسه!!)
فبماذا يحكم المؤمن على زنديق يفتر أن ملكوت كل شئ بيده، وأن الوجود كله قطرة فيض من جوده ووجوده، وأن الإرادة البشرية كلها طوع هواه.
وكل الجهات الست نحوي توجهت بما تم من نسك وحج وعمرة
لها صلواتي بالمقام، أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت
هذه الصلوات يقيمها النساك في قدس المحاريب، وهذه الضراعات يتبتل بها القديسون، وهذه الدعوات يتهجد بها العباد تحت سجوات الليل، وهذه المناسك ينسكها الحجاج والمعتمرون. إنها لا ترفع في الحقيقة إلى الله، وإنما تتوجه بها القلوب إلى ابن الفارض رجاء رحمته، وابتعاء رضاه!.
وهؤلاء المصلون يولون وجوههم شطر المسجد الحرام. إنهم يولونها شطر هيكل ابن الفارض. وهذه النذور يحفد بها الملهوفون، إنها قرابين العبودية منهم، ويبتغون بها وجه ابن الفارض!
والله جل شأنه يقول: (2:115 ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله) غير أن ابن الفارض يرفع في وجه الحق باطله، فيفتري أنه ما ثم إلا وجهه هو، وأن الكون كله ما يولي بجهاته الست وجهه إلا إليه!.
وذلك الرب الصوفي الهيمان في ملكوت ابن الفارض! ايعيش عاطلاً بلا عمل؟ أيخالف عن أمر ابن الفارض؟ كلا فقد أرغمه ابن الفارض على أن يرتسم خاشع الذل في المعابد يصلي لابن الفارض، ويرجو رحمته.
أرأيت إلى سلطان العاشقين: كيف يفتري في شعره الوثني كل هذه الخطايا المجوسية؟!
ويهفو ابن الفارض لاهث الأنفاث؛ ليفتري لك مرة أخرى. أنه هو الله. كلانا مصل واحد ساجد إلى حقيقته بالجمع (الجمع عند الصوفية هو "شهود الحق "أي الله" بلا خلق)في كل سجدة.
ولكن لـ(كلانا) هذه دلالتها الحتمية على وجود اثنين أو تحقق وجودين يغاير أحدهما الآخر. لهذا كر ابن الفارض يعدو في لهفة مجنونة؛ ليستدرك على "كلانا" بما ينسخ ما توهمه، فقال:
وما كان لي صلي سواي، ولم تكن صلاتي لغير في أدا كل سجدة

عبادة الأنوية
ولست أدري لم يغرم الصوفية دائماً بنعوت المرأة يحملونها على ربهم، فيزعمون أن ربهم يتجلى – غزلي الجمال – في صورة أنثى عاشقة ملهوفة تتقتل بفتون أنوثتها الهيم لحيوان يراودها عن نفسها. إن هذا الإلحاح الجسدي في عبادة الأنوثة يدفعنا إلى محاولة اكتناه ما يعتلج به من شعور يتلظى بالنزوات الملتهبات والشهوات العرابيد؛ لتدرك علة ذلك التمجس الصوفي الذي يؤله نار الجسد. أترى حين استبد بالصوفية عشق الأنثى، ولوعهم بالحرمان، أراقوا الغزل في هوى المعشوقة، فلم تند أنوثتها منهم غليلاً، ولم تبح لحمها للناب الملهوف، أتراهم حين احترقوا تلهفاً حتى إلى ظلى أنثي مبذولة، فلم ينالوا، صور لهم ما يؤج في غرائزهم من سعير أن الأنيى ليست – إذن – إلا ربا تعالت كبرياؤه وتسماى عرشه؟
أم تراهم – والأنوثة تعاطيهم صهباء إثمها – أبوا إلا أن يترعوا الدن كله، فراحوا يمدونها في الغي، فزعموا لها أن الحقيقة الإلهية ليست إلا أنثى مشتهاة مشتهاة، وأن حقائق الوجود كله أنوثة تشرب الشهوات خمر جسدها المعتق؟! يمثل ابن عربي الطائقة الأولى، وستأتيك أنباؤه، أما ابن الفارض (يصور لنا أحد أتباع ابن الفارض لوناً من ألوان مجون سلطان العاشقين فيقول: "دفع إلى دارهم، وقال: اشتر لنا بها شيئاً للأكل، فاشتريت ومشينا إلى الساحل، فنزلنا في مركب، حتى طلع البهسنا، فطرق باباً، فنزل شخص فقال: بسم الله، وطلع الشيخ، فطلعت معه، وإذا بنسوة بأيديهن الدفوف و والشبابات، وهم يغنون له، فرقص الشيخ على أن انتهى، وفرغ ونزلنا، وسافرنا حتى جئنا إلى مصر، فبقي في نفسي شئ، فلما كان في هذه الساعة جاءه الشخص الذي فتح له الباب، فقال له: يا سيدي فلانة ماتت – وذكر واحدة من أولئك الجواري – فقال: اطلوا الدلال، وقال: اشتر لي جارية تغني بدلها، ثم أمسك أذني، فقال: لا تنكر على الفقراء !!" ص 319 جـ 4 لسان الميزان لابن حجر العسقلاني طبع الهند 1230هـ. هذا هو ابن الفارض القديس يرقص ويغني والنسوة يرقصن معه ويضربن له الدفوف!! ومع هذا يرحم على تابع أن ينتقده!! وهكذا كل الشيوخ) فاسمع إليه يقول:
ففي النشأة الأولى تراءت لآدم بمظهر حواء قبل حكم البنوة
وتظهر للعشاق في كل مظهر من اللبس في أشكال حسن بديعة
ففي مرة "لبنى" وأخرى "بثينة" وآونة تدعى"بعزة" عزت
يزعم أن ربه ظهر لآدم في صورة حواء، و"لقيس" في صورة "لبنى" و "لجميل" في صورة "بثينة" و "لكثير" في صورة "عزة". فما حواء البشر إلا الحقيقة الإلهية، وما أولئك العشاق سكرت على شفاههن خطايا القبل المحرمة، وتهاوت بهن اللهفة الجسدية الثائرة تحت شهوات العشاق، ما أولئك جميعاً سوى رب الصوفية تجسد في صور غوان تطيش بهداهن نزوة ولهى، أو نشوة سكرى، أو رغبة تتلظى في عين عاشق!!.
ويسرف ابن الفارض في توكيد أنوثة ربه، وتجليه أبدا في صورت جسد امرأة يزل بها موعد الليل، فيقول:
ولسن سواها، لا، ولا كن غيرها وما إن لها في حسنها من شريكة
خشي ابن الفارض أن يتوهم أحد في ربه أنه يغاير حقيقته، أو تتباين صفاته، وهو يتجلى مرة بعد مرة في صورة غانية، أو أن يظن أن هؤلاء الغانيات "لبنى، بثينة، عزة" تغير حقائقهن حقيقة ربه في شئ ما، خشي ابن الفارض ذلك، فاستدرك على الأوهام بما يحيلها يقيناً ثابتاً في أنوثة ربه، فقال: " ولسن سواها، لا، ولا كن غيرها" وهكذا صدق فيهم قول الله (117:4 إن يدعون من دونه إلا إناثاً، وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً) ماذا يحدث للشباب المسلم، ومنه لو أنه آمن بهذه الصوفية؟!
فليفهم كل عاشق يطويه الليل على خاطئة أنه حين يقترف الخطيئة مع أنثاه، وتعربد في جسدها الرخص أنيابه وأظفاره، ليفهم كل عاشق أن أنثاه هذه التي يعرق أنوثتها ليست إلا رب الصوفية الأعظم!!.
وليصحح مؤرخو الأدب تاريخ، فابن الفرض يؤكد أن أولئك العشاق "قيس، جميل، كثير" وكل شعراء العشق لم يريقوا خمور الغزل إلا للذات الإلهية متجسدة في صور عشيقاتهن القواتل!!.
أوعيت إذن علة إطلاق الصوفية على أربابهم أسماء نسوة (أنصت إلى المنشدين اليوم في حلق الرقص الصوفي أو الذكر كما يزعمون تجدهم يرقصون الذاكرين على مناجاة "ليلى وسعاد" وغيرهما!!) جلهن عواطل من الفضيلة، عوار عن الشرف؟!
وعلة عبادتهم لأجساد تلظى فيها الشيطان، وعربد بخطاياه؟ّ ذلك لأن كهان الصوفية أوحوا إليهم أن أربابهم تتجلى دائماً في صور إناث تجردن لخطايا العشق، وآثام الليل في حان الغرام!!.
ومعذرة إلى من يقرءون للهدى عما أثرته في نفسوهم من غثيان بذكر هذا القئ القذر من الكفر الصوفي، وعما يحسونه بنقل تلك الأبيات من حرج تختنق فيه العاطفة، ويتقلى الضمير.
لمن كان سجود الملائكة؟
ولا يمل ابن الفارض من تكرار إفكه الوثني يزعم فيه أنه هو الله، فيضيف إليه أنه عين رسل الله أيضاً، وعين آدم الأب الأول للبشرية، وعين الملائكة الذين سجدوا لآدم.
وفي شهدت الساجدين لمظهري فحققت أني كنت آدم سجدتي
(يعني به آدم عليه السلام، فهو في دينه تجسد للذات الإلهية التي هي ابن الفارض)، وإليك شرح القاشاني – وهو كاهن صوفي – لهذا البيت: "أي عاينت في نفسي الملائكة الساجدين لمظهري، فعلمت حقيقةً أني كنت في سجدتي آدم تلك السجدة، وأن الملائكة يسجدون لي – والملائكة صفة من صفاتي - (فسر الملائكة بأنها صفات، لتقي القول بالغيرية والتعدد، ولكيلا يعترض عليه بمثل هذا: ما دمت تتحدث عن ساجدين وعن مسجود له فقد قلت بذوات كثيرة، وأغيار عديدة.. لا يعترض عليه بمثل لأنه يزعم أن الملائكة ليست ذوات. وإنما هي صفات للذات الإلهية والصفات عنده عين الذات، فلا تعدد، ولا غيرية!!)، فالساجد صفة مني تسجد لذاتي (ص 89 جـ 2 كشف الوجوه الغر على هامش شرح الديوان طبع 131هـ) أرأيت إلى شرح القاشاني؟ لقد نقلته لك بلفظه مثلا لما يشرح به الصوفية أساطير دينهم؛ لتؤمن أنى لم أمل مع الهوى فيما شرحت لك به أبيات ابن الفارض، وأظنني ما بلغت مبلغ القاشاني في الشرح، فهو صوفي يدين بالتائية. وحسبنا هذا من سلطان عشاق الصوفية!!.
إله ابن عربي
أما هذا الطاغوت الأكبر، فقد افترى للصوفية رباً عجيباً يجمع بين النقيضين المتوترين في ذاته، وبين الضدين الحقيقيين في صفاته، فهو الوجود الحق، وهو العدم الصرف، هو الخلاق، وهو المخلوق، هو عين كل كائن، وصفاته عين صفات كل موجود وكل معدوم، هو الحق الكريم والباطل اللئيم، هو الفكرة العبقرية، والخرافة الحمقاء، هو الخاطرة الملهمة، والوهم الذاهل، والخيال الحيران، والمستحيل الذي لا يتصور فيه العقل أبداً أن يخطر حتى مرة واحدة في بال الإمكان، والممكن الذي يرى فيه الفكر أجلى معاني الإمكان، والذي لا يتوهم فيه العقل وهم استحالة. هو المؤمن، وهو الكافر، هو الموحد الخالص التوحيد، وهو المشرك الأصم الوثنية. هو الجماد الغليظ، وهو الحيوان ذو المشاعر المرهفة، والحساسية المتوقدة، هو الملاك الساجد تحت العرش، وهو الشيطان الذي يصطرخ في سقر، هو القديس الناسك يذوب قلبه في دموع التسابيح، وهو العربيد يضج الماخور من بغى خطاياه، هو الراهبة التي تحيا على النور يغمر الوجود بمباهجه، وهو الظلام موار الكهوف بالفزع والرهبة، تلك هي بعض ذاتيات رب ابن عربي، وبعض خصائص الإله الصوفي!!.
ولهذا يؤمن الطاغوت بأن اليهود عباد العجل ناجون، بل يؤمن بأنهم كانوا على علم بحقيقة الألوهية، لم ينعم موسى ولا هرون بلمحة من تجلياته، ولا ببارقة من انكشاف الأسرار الإلهية المغيبة لن!! لأنهم ما قصروا العبادة على فكرة مجردة خاوية كموسى، وإنما عبدوا الرب متجلياً في صورة عجل، فأدركوا من حقيقة الأمر ما لم يدركه هرون، وهو أن الذات الإلهية لا تعبد إلا حين تتجلى في صور خلقية!!.
ويؤمن ابن عربي بقدسية عبدة الأصنام، ويمجد صدق إيمانهم وإخلاص توحيدهم، يؤمن بالصابئة عباداً يوحدون الله، ويخلصون له الدين، يؤمن بسمو إيمان الذين عبدوا ثلاثة آلهة غير أنه يعيب عليهم قصورهم عن إدراك الحقيقة كاملة؛ إذ عبدوا الله في ثلاثة أقانيم، على حين كان الواجب أن يعبدوه في كل شئ، فليس الرب عنده هو تلك الأقانيم فحسب، وإنما هو عين ما يرى أو يحس، فأصحاب الثالوث عنده مخطئون؛ لأنهم عبدوا بعض مظاهر الرب، أو بعض تعيناته وكان واجباً أن يعبدوه في الكل؛ لأنه هو ذلك الكل فيما ظهر منه، وفيما بطن!! (اقرأ الفص "العيسري" و "المحمدي" من فصوص الحكم لبن عربي).
ربوبية كل شئ
واسمع إليه يؤكد لك أن كل شئ هو الله سبحانه : " سبحان من أظهر الأشياء، وهو عينها (ص 604 جـ2 الفتوحات المكية لابن عربي.)" "إن العارف من يرى الحق (الله) في كل شئ، بل يراه عين كل شئ (ص 374 فصوص بشرح بالي، ص 382 بشرح قاشاني ص 192 جـ1 بتحقيق الدكتور عفيفي.)" وكلمة "شئ" في دين الطاغوت تطلق حتى على الصور الذهنية والوهمية وعلى العدميات، فوق إطلاقها على كل موجود له كيانه المادي المستقل المتقوم بذاتياته وخصائصه. فانب عربي كما ترى أصرح الدعاة إلى وحدة الوجود، بل هو كاهنها الأكبر!!.
الرب إنسان كبير
واسمع إليه يحكم على ربه بأنه يجب أن يوصف بما يوصف به الخلق، حتى بما فيهم من نقص وعجز وحمق وجهالة، ويحد بما يحد به كل كائن على حدة: "فما يحد شئ إلا وهو حد الحق(والحد هو أتم أنواع التعريف، فإذا عرفت الصنم مثلا بحد ما، فهذا التعريف صادق على الرب الصوفي، لأنه هو ذلك الصنم نفسه) فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات فهو الشاهد من الشاهد، والمشهود من المشهود، فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له، فهو الإنسان الكبير(ص 111 فصوص الحكم ط الحلبي)".
الرب هو صور العالم
واسمع إليه يؤكد لك أن ربه هو كل ما ترى من صور العالم: "هي ظاهر الحق؛ إذ هو الظاهر، وهو باطنها؛ إذ هو الباطن، وهو الأول؛ إذ كان، ولا هي، وهو الآخر؛ إذ كان عينها عند ظهورها(ص 112 فصوص ط الحلبي) وتدبر تعريف ابنعربي لربه بقوله: "هو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره (يعني أنك إذا رأيت إنساناً، أو حجراً، فقد رأيت الرب الصوفي، بل الرائي والمرئي هما عين ذلك الرب)، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه، باطن عنه، وهو المسمى أبا سعيد الخراز(هو أحمد بن عيسى ممن تكلم في الفناء الصوفي نوفي سنة 279)، وغير ذلك من أسماء المرئيات(ص 77 جـ 1 فصوص ط الحلبي) والعارف الحق بالله عند ابن عربي هو من يرى "سريان الحق (الله) في الصور الطبيعية والعنصرية، وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق فيها(ص 181 المصدر السابق).

صفات الرب صفات الخلق
ويحكم ابن عربي على ربه، ويصفه بالعجز الذليل، والنقص المشين، والسفه والحماقة، وبأنه مناط مذمة وتحقير مهانة. فيقول : "ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص، وبصفات الذم؟! ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها – وكلها حق له – كما هي صفات المحدثات حق للحق (ص 80 فصووص راجع ما كتبته في "دعوة الحق" ص 30 وما بعدها.).
لقد خشي ابن عربي أن يتوهم فيه إنسان أنه يطلق صفات الخلق على الله سبحانه إطلاقاً مجازياً، أو يطلق صفات الله على خلقه كذلك. خشي هذا، فمحا توهم المجاز عن الأولى بقوله: "كما هي صفات المحدثات حق للحق" فلا تتوهم مجازاً ما فيما يحكم به ابن عربي على ربه، أو فيما يصفه به من ذم ونقص وعجز. ومحاه عن الأخرى بقوله:"وكلها – أي صفات الله من ربوبية وإلهية وخالقية ورازقية، وسواها مما هو من صفات الله وحد – حق له"، أي للمخلوق، فالخلق يوصف بصفات الله على الحقيقة لا على المجاز!! ذاك دين ابن عربي.
رب الصوفية وجود وعدم
ورب الصوفية في دين ابن عربي يستغرق كل نسبة عدمية، أو وجودية "فالعي لنفسه، هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية، بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها وسواء كانت محمودة عرفاً وعقلاً وشرعاً، أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً، وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة (ص 79 فصوص)"
يكون مناط الذم من الشرع والعقل والعرف؟ لقد نعت ابن عربي ربه بكل مذمة، فلماذا لا يذمه الشرع والعقل والعرف؟!
كل شئ رب للصوفية
لقد كفرت الصابئة؛ لأنهم عبدوا الكواكب، وكفرت اليهود؛ لأنهم عبدوا العجل، وكفرت النصارى؛ لأنهم عبدوا ثلاثة أقاني، وكفرت الجاهلية؛ لأنهم عبدوا أصناماً أقاموها لمن مات من أوليائهم، لتكون مقصد الرجاء، ومطاف الآمال، كما كان أصحابها، وهم ناعمون بالحياة. فماذا تقول في الصوفية، أو بماذا تحكم عليها، وهي تدعو إلى عبادة كل شئ؟! ألا يقول الجيلي :"إن الحق تعالى من حيث ذاته، يقتضي ألا يظهر في شئ، إلا ويعبد ذلك الشئ، وقد ظهر في ذرات الوجود (ص 83 جـ 2 الإنسان الكامل للجيلي) ويزيد ابن عربي الفرية جلاء بقوله : "و العارف المكمل من رأى كل معبود مجلي للحق يعبد فيه، ولذلك سموه كلهم إلهاً، مع اسمه الخاص بحجر، أو شجر، أو حيوان، أو إنسان، أو كوكب، أو ملك" (ص 195 جـ 1 فصوص، وقد عدد في هذا النص آلهة الذين كفروا من قبل، فعبدوا الحجر والشجر والحيوان والإنسان والكوكب والملك، يعني الصابئة واليهود والنصاري والذين أشركوا. وصوب عبادتهم، إذ كل ما عبدوه في دينه ليس غلا رباً تجلى في صورة ذلك المعبود).
فهل تراني جنحت إلى غلو ما حين قلت لك: إن الصوفية استمدت من كل كفر، ودانت بكل ما دان به الكافرون من قبل، فكانت هي وحدها تاريخ الوثنية كلها، وحمأتها منذ ابتدعها إبليس ليضل الكافرين؟!.
ألا ترى ابن عربي حفي القلب والشعور والعاطفة بعبادة الحجر والشجر "آلهة الجاهلية" وبعبادة الحيوان "آلهة الفرعونية واليهودية" وبعبادة الإنسان "إله النصرانية والشيعة" وبعبادة الكوكب والملك "أي آلهة الصابئة"؟!.
فالصوفية هي كل ذلك الكفر، ثم تحته وفوقه، وعن شماله ويمينه ومن خلفه ومن قدامه كفرها الخاص بها!! وفيما ذكر ابن عربي ما يثبت اليقين في قلبك بما أقول.
التجسد في النساء
وكما عبد ابن الفارض جسد الأنثى، عبده كذلك ابن عربي، بيد أن الأول عبد المرأة مستباحة العفة له، وعبدها الآخر مستعصية الشرف عن أهوائه.
وإليك نصاً واحداً من فصوصه يكشف لك عن مدى إيغال ابن عربي في عبادة الأنثى "ولما أحب الرجل المرأة، طلب الوصلة (يقصد بها ما يحدث بين الذكر والأنثى)، أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح (يقصد به ماله من معنى في أذهان العامة بدليل ما ذكره بعده. لا يريد الزواج بل شيئاً آخراً) ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أمر بالاغتسال منه – فعمت الطهارة، كما عم الفناء فيها – عند حصول الشهوة، فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بيغره، فطهره بالغسل (يزعم أن الله لم يأمر بالغسل إلا ليتطهر العبد مما توهمه من أنه كان مع امرأة، على حين كان هو مع الربة الصوفية جسداً وخطيئة!!)؛ ليرجع بالنظر إليه فيمن فنى فيه، إذ لا يكون إلا ذلك، فإذا شاهد الحق الرجل الحق(الحق في دين الصوفية هو الذات الإلهية في وجودها المطلق!!) في المرأة، كان شهوداً في منفعل، وإذا شاهده في نفسه – من حيث ظهور المرأة عنه – شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه، كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة، فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل؛ لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة؛ فلهذا أحب صلى الله عليه وسلم النساء؛ لكمال شهود الحق فيهن (يزعم ابن عربي أن علة حب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء هي اعتقاده أنهن الله في أجمل صور تعيناته وتجلياته، ورغبته في الالتذاذ الجسدي المتنوع بربه!!) إذ لا يشاهد الحق مجرداً عن المواد أبداً، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله، وأعظم الوصلة النكاح (ص 217 فصوص جـ 1 ط الحلبي، ص 437 استامبول بشرح القاشاني، ص 420 بشرح بالى ط 1309هـ).
وتستطيع أن تلخص، وتستخلص من هذا النص وحده دين ابن عربي كله. إنه يعتقد أن رب الصوفية يتجلي أعظم تجل له في صورة أنثى يهصر جسدها المستسلم حيوان ثائر الجسد. يعتقد أن العاشقين ينتهبان خطايا الليل، هما رب الصوفية!! ويحلف على العشاق عربدت بهم خمرة الأجساد من دنان الإثم أن يدينوا بأنهم كانوا مع الرب الصوفي ليلاً وخطيئة وغريزة ولذة!! فما استغرقوا في اللذة بأنثى، بل بالرب المتجسد الخطايا في أنوثة عصفت بها الرذيلة!! ثم ينحدر ابن عربي في سرعة مجنونة إلى أعمق الأغوار السحيقة من المادية، فيؤكد لنا : أن الرب الصوفي شئ مادي، وأنه لا يرى أبداً كاهنا الأكبر هذه الفرية الكبرى فيقول : "لا يشاهد الحق (الله) مجرداً عن المواد أبداً" ويقول: "وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها، وليست إلا هو(ص 76 جـ 1 فصوص لابن عربي ط الحلبي)":
وما ينبغي – احتراماً لعقلك يا سماحة الشيخ – أن أدلك على أساطير الزندقة في تلك النصوص الصوفية، فإنها تكاد تنشب مخالبها في العين لتراها!!
أترى تخزك الندامة على أنك شكوتنا، فنكأت لك الجراح، أم تراها تخزك لما ظلمت به من يود لك الخير، ويدعوك إليه، ولأنك في مكانك هذا تحمل أوزار الصوفية كلها على ظهرك؟!

التجسد المسيحي، والتجسد الصوفي
وتلوذ بي عاطفة من إشفاق تحملني على ألا أزيد جرحك انتكاساً بذكر نصوص أخر، غير أنني أود تذكير الشيخ بأن المسيحية حين سلبتها الصوفية رشدها وهداها، وقداسة الروحانية فيها، فرغبت بها عن التوحيد الخالص إلى الشرك؛ بعبادة ثلاثة آلهة!! إن المسيحية حين استعبدتها غواية الصوفية أبت أن تخبط وراءها في كل مهلكة، فلم تؤمن بتجسد الذات الإلهية في كل شئ وإنما اختارب جسداً طيباً طاهراً، شرف الله صاحبه بالرسالة، وآمنت بأنه التجسد الأعظم لله!! ومع هذا لم تنل من الله إلا لعنة الأبد، وغضب الأبد، وسعير جهنم يصلونها، وبئس المصير.
أما شيخكم الأكبر، فقد هوى به الكفر، أو هوى هو بالكفر، إلى أبعد أعماق الهاوية الساحقة الماحقة، وانحدر به إلى كل منحدر، فآمن بتجسد ربه في أجساد تقيحت من الدنس، آمن بتجسد ربه في الجيف، وفي الأوثان، وعدل السامري، وفرعون موسى، ثم هفت به غلمته الآثمة، فكشفت عن دخيلة نفسه الآبقة تعبد رباً تتلظى غرائزه، وتتسعر شهواته، وتشتهي مفاتنه حين يتجسد في أنثى طاحت بها نزواتها لقي تحت رغبة كل عابر يراود خطيئة!!.
لماذا عبد ابن عربي المرأة؟
إن كبريتكم الأحمر هذا أحب امرأة ذات مرة، هي ابنة الشيخ مكين الدين. وأين؟ في مكة!!.
وهفا العاشق المدله يتلمس جسد المرأة، وسبيل أنيابه إليها، راح يتوسل إليها أن تتجرد له، وأن تبيح قدس عرضها لخطيئته، فأبت العذراء، يتلهب حياؤها كرامة أن يلغ في شرفها ذئب!!.
لقد أرادته للقلب الطاهر، وأرادها هو للجسد الثائر، أرادته للطهر والمعبد وأرادها هو للدنس والماخور، فتمنعت الفتاة عن نابه الطحون، فنظم فيها ديوانه "ترجمان الأشواق" قرباناً من شهواته إلى جسدها الفواح العطر والفتنة، لعلها تنحدر معه إلى الهاوية، فتهب له من جسدها مضغة، أو من دمها رشفة، فذادته الفتاة عن حرم مخدعها الوردي، ولجت في إبائها النبيل الكريم، وأبت غلا أن تكون عذراء متألقة العرض، روحانية العاطفة، ممنعة العفة والشرف، ترى، هل أراب اليأس منها عشق ابن عربي؟ كلا، فقد استغرق نفسه، ووجوده، وملآ عليه دنياه فتنة ولهفة وقلقاً عاصفاً، فلم يعره اليأس، ولا مس لهبه خمود، فعاد إلى ديوانه يشرحه بدين الصوفية، يؤكد لهذه الجميلة النافرة الأبية أنها هي الرب متجسداً في صورة أنثى جميلة، وأنه ما أحبها إلا لأنها أجمل تعينا الحقيقة الإلهية، وأنه – إذ يتشهاها – فإنما يتشهى فيها أنوثة ربه، وجسده الفائر!! فأتب المرأة إلا أن تكون أنثى شريفة، لا رباً صوفياً يحتسي الآثام!! ومضى ابن عربي وراء الأسطورة موغلا في التيه الموحش، والدغل الرهيب، مضى وراءها يمجدها، ويهتف بها حتى صارت الأسطورة حقيقة صوفية صريحة، منحها ابن عربي وجوداً حياً صريحاً، وأمدها مثله الأحبار الزنادقة معه ومن بعده وهكذا تغزل الصوفية في "ليلى وبثينة وسعاد"!!
وتسائلهم، فيزمون الشفاه تهكما من حماقة جهلك!! ويرمقونك بالنظر الشزر، وكأنما يقولون لك: مسكين!! ما زال يجهل أن ربنا أنثى جميلة!! ضليل!! لم يهتد إلى أن الغانية اللعوب الهلوك هي الأفق الأعظم لتجليات الربوبية والإلهية، وإلى أن جسدها المنهوم الجائع إلى الآثام جسد ربنا الأعظم!! وأنها هي هو جسداً فاتنا، ورذيلة سوداء!!

فقر الإله الصوفي إلى الخلق
الله سبحانه يقول: (35:15 يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد) غير أن الصوفية تؤمن بإله هو الفقير إلى الخلق. فقير إليهم في وجوده فقير إليهم في علمه، فقير غليهم في بقائه، فقير إليهم في طعامه وشرابه، فقير إليهم في كل شئ يهب له الظهور بعد الخلفاء، والوجود بعد العدم، ويحول بينه، وبين الفناء.
يقول ابن عربي: "فوجودنا وجوده، ونحن مفتقرون إليه من حيث وجودنا، وهو مفتقر إلينا من حيث ظهوره لنفسه" ويقول : "فأنت غذاؤه بالأحكام (أي أسماؤك أسماؤه، وصفاتك صفاته، وأفعالك أفعاله، فلولاك ما سمى ولا وصف، ولا حكم عليه بحكم لأنك عينه وذاته) وهو غذاؤك بالوجود، فتعين عليه ما تعين عليك، والأمر منه إليك، ومنك إليه، غير أنك تسمي : مكلفاً، وما كلفك إلا بما قلت له: كلفني بحالك، وبما أنت عليه – ولا يسمي مكلفاً.
فيحمدني، وأحمده ويعبدني وأعبده (ص 83جـ 1 فصوص ط الحلبي)
ذلك هو رب الصوفية الذي افتراه لها ابن عربي، وبه يدين أقطابها، وله يسجدون!!

إله الجيلي
(هو عبد الكريم بن إبراهيم الجيلاني أو الجيلي توفي نحو 830هـ)
وهذا الكاهن الوثني الأكبر يدين بدين صنميه ابن الفارض وابن عربي، غير أن اللون الفاضح الصارخ في زندقته هو اعتقاده أن الله ما هو إلا إنسان كامل (يقول الكمشخانلي "الإنسان الكامل المتحقق بحقيقة البرزخية الكبرى عين الله وعين العالم" ص 111 جامع الأصول في الأولياء)، وأن الإنسان الكامل ما هو إلا الرب الأكبر الجامع بين الحق والخلق في وحدة، ولقد سبقه بهذا الإلحاد ابن عربي، ولكن الجيلي كان حفياً به أكثر، مديراً حول محوره زندقته، ولقد رأي الجيلي ألا يمن بهذه المرتبة على أحد قبله، فمضى يؤكد القول أن إنسانيته هي أفق الربوبية والألوهية الأسمى.

ادعاء الجيلي الربوبية العظمى
"لي الملك في الدارين، لم أر فيهما سواي، فأرجو فضله، أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال، وإنني جمال جلال الكل، ما أنا إلا هو"
هذا قول الجيلي. والله يقول : (3: 189 ولله ملك السموات والأرض والله على كل شئ قدير) ولكن الجيلي يفتري أن له وحده ملك الدنيا والآخرة وأنه ليس للوجود رب سواه، ولا ليوم الدين ملك غيره، وأنه الغني بذاته، فلا تنفح قلبه رغبة في نعمة من أحد؛ لأنه الوهاب للنعم. ولا تلفح نفسه وهبة من سلطان؛ لأنه ملك الكل ومالكهم!! ولم يكتف الجيلي بهذا، بل مضى يعدد أنواع الخلق، وصور الوجود المادي والحسي والروحي والمعنوي؛ ليزعم بعدها أنه هو عينها ذاتاً ووجوداً، فلا يتوهم واهم أن شيئاًَ ما في الوجود يغاير الجيلي، أو يخرج عن حقيقة ذاته، فقال:
"فمهما ترى من معدن نباته وحيوانه مع إنسه وسجاياه
ومهما ترى من أبحر وقفاره ومن سجر، أو شاهق طال أعلاه
ومهما ترى من صورة معنوية ومن مشهد للعين طاب محياه
ومهما ترى من هيئة ملكية ومن منظر إبليس قد كان معناه
ومهما ترى من شهوةر بشرية لطبع، وإيثار لحق تعاطاه
ومهما ترى من عرشه ومحيطه وكرسيه، أو رفرف عز نجلاه
فإني ذاك الكل، والكل مشهدي أنا المتجلي في حقيقته، لا هو
وإني رب للأنام وسيد جميع الورى إسم، وذاتي مسماه (ص 32 وما بعدها جـ 1 الإنسان الكامل للجيلي ط 1293هـ)
أرأيت إلى الجيلي بأية وثنية ينعق؟ وبأية مجوسية يدين؟ أرأيت إليه في قوله: "أنا المتجلي في حقيقته لا هو؟" يا للجيلي!! يحكم على الوجود الحق بالعدم الصرف!!
أرأيت إليه في زعمه أنه "رب للأنام وسيد"؟!
أرأيت إليه – وقد جنت شهوة الزندقة فيه – يفتري أن الشهوات أحدى مقومات الوجود الإلهي، وأنها في دنسها عين وجوده؟! وأن إبليس في غيه وتمرده هو عين الرب الأعظم؟! وأن كل اسم في الوجود هو اسم الله سبحانه، لأنه عين كل مسمى. وأن كل صفعة لكائن ما، هي لله صفة، لأنه غين الموصوف بها؟ فعلام يدل كل هذا، أو أثارة واحدة منه؟
أسأل الله يا سماحة الشيخ أن يشرق في قلبك شعاع من هدى الله، لتبصر على نوره هذا الكيد الدنئ للإسلام، تؤجج أحقاده الصوفية، وتؤرث أضغانه في خبث خاتل، ودهاء يفتنك بالبسمات العذاب، يترقب الفرصة للطعنة النجلاء.
وإن تعجب، فعجب تقديس الصوفية للجيلي، وتبرئة ساحته مما يحكم به الحق والعدل عليه!! إنها محاولة الرياء الجبان انهتك ستره، فيلوذ بالبراءة حتى من نفسه، لتسنح له الفرصة مرة أخرى، فيجهز على الضحية.
إن تلك الزندقة الجيلية يتوارثها صوفي عن صوفي، فحق عليهم قول الله (53: 51 أتواصوا به؟! بل عم قوم طاغون).
كيف يجعله الصوفية قطباً عرجت روحه إلى الحق تستلهمه الوحي، وهو القائل؟!:
"لي الملك والملكوت نسجي وصنعتي لي الغيب. والجبروت مني منشأه" (ص 23 جـ1 الإنسان الكامل)
رب الصوفية نقيضان وضدان
دانت الصوفية كما رأيت برب هو عني كل شئ، وعين كل ما يطيف بالذهن من صور، ومن الأشياء ضدان، ومن الصور نقيضان، ورغم هذا لم يحجم الصوفية عن وصف ربهم بأنه يجمع في ذاته بين الشئ وضده، وبين الصفة ونقيضها. يقول الجيلي: "أعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته – وذات الحق جامعة للضدين – خلق الملائكة العالمين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد، وخلق إبليس وأتباعه من حيث صفات الجلال والظلمة من نفس محمد (ص 41 جـ 2 المصدر السابق. وتأمل زعمه أن إبليس خلق من نفس محمد!! لقد رمانا الصوفية بالكفر، لأنا دعوناهم إلى الصلاة على رسول الله بما شرعه الله. فماذا يقولون في الجيلي؟) ويقول : "اعلم الوجود والعدم متقابلان وفلك الألوهية محيط بهما؛ لأن الألوهية تجمع الضدين من القديم والحديث، والحق والخلق والوجود والعدم، فيظهر فيها الواجب مستحيلاً بعد ظهوره واجباً ويظهر فيها المستحيل واجباً بعد ظهوره فيها مستحيلاً، ويظهر الحق فيها بصورة الخلق (الحق والخلق وجهان أو وصفان للذات الإلهية فالأول باعتبار باطنها، والآخر باعتبار ظاهرها) ويظهر الخلق بصورة الحق (ص 27جـ1 المصدر السابق) "الألوهية في نفسها تقتضي شمول النقيضين وجمع الضدين (ص69جـ1نفس المصدر)"
"تجمعت الأضداد في واحد البها وفيه تلاشت فهو عنهن ساطع(ص33جـ1المصدر السابق)"
هذا رب عجيب لم يبتدعه غير خيال الصوفية المخبول. رب موجود معدوم واجب مستحيل، قديم حديث، وينعم بالحياة، ويهلكه الموت، فهو حي ميت في آن معاً!! هذا هو رب الصوفية الذي اخلقه الجيلي، وبه تدين الصوفية وإياه يعبدون!!

إله الغزالي
(هو محمد بن محمد بن أحمد الطوسي أبو حامد الغزالي مات سنة 505هـ)
ولعلم ما يقلق دهشتك، ويثير ثائرتك أن يقرن بأولئك هذا الذي افترى له الصوفية أضخم لقب في التاريخ، وهو "حجة الإسلام" ليفتكون بهذا اللقب الخادع بما بقي من ومضات النور الشاحبة في قلوب المسلمين. فاسمع إلى كاهن الصوفية – لا حجة الإسلام – يتحدث عن التوحيد ومراتبه "للتوحيد أربع مراتب ... والثانية: أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه، كما صدق به عموم المسلمين، وهو اعتقاد العوام!! (تدبر وصفه لعموم المسلمين بأنهم عوام في الاعتقاد!!). والثالثة: أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وهو مقام المقربين، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة، ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار(في هذه المرتبة يقرر وحدة الفاعل، بدليل ما سيقرره بعد، وهو أنه لا يشاهد إلا فاعلاً واحداً، فيلزمه نسبة فعل المجرم إلى ذلك الفاعل الواحد). والرابعة : ألا يرى في الوجود إلا واحداً (قرر فيما سبق وحدة الفاعل ولكنه لم ينف وجود غيره، أما في هذه، فيقرر وحدة الموجود أي وحدة الوجود، يقرر أن الذوات على كثرتها هي في الحقيقة ذات واحدة) وهي مشاهدة الصديقين، وتسميه الصوفية: الفناء في التوحيد، لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً، فلا يرى نفسه أيضاً، وإذا لم ير نفسه؛ لكونه مستغرقاً بالتوحيد، كان فانياً عن نفسه في توحيده، بمعنى أنه فنى عن رؤية نفسه والخلق"
ثم يحدثنا الغزالي عن مقامات الموحدين في كل مرتبة، فيصف صاحب المرتبة الرابعة من التوحيد بقوله: "والرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد، فلا يرى الكل من حيث إنه كثير، بل من حيث إنه واحد، وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد. فإن قلت. كيف يتصور ألا يشاهد إلا واحداً، يكون الكثير واحداً؟ فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات (يكل المعرفة بأسمى مراتب التوحيد إلى علوم المكاشفات، فما تلك العلوم؟ إنها قطعاً شئ آخر غي الكتاب والسنة، إنها أساطير الصوفية التي استمدوها من "أذواقهم ومواجيدهم" ثم سجلوها في كتبهم، فكأن القرآن وسنة الرسول ليس فيهما ما يصل بالقلب إلى قدس الحق من التوحيد الخالص، فتدبر تجد الغزالي يهدف إلى صرف المسلمين عن هدي ربهم إلى خرافات الصوفية وضلالاتهم)، وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب (اقرأ بعد هذا قول الله تعالى "ما فرطنا في الكتب من شئ" وأهم شئ هو توحيد الله في ربوبيته وإلهيته، ولكن الغزالي يزعم أن حقيقة التوحيد الحق لا يجوز أن تسطر في كتاب، وهذا معناه أنها ليست في كتاب الله، وأنه لا يعرفها أحد إلا الصوفية أرباب الكشف!!) فقد قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر (هذا معناه أنه هو وأمثاله من الصوفية يعرفون أسرار الربوبية، غير أنهم يضنون بها على الكتب، وأن المسلمين جميعاً لا يعرفون حقيقة التوحيد!! ومعناه مرة أخرى: أن كتاب الله ليس فيه الحق من التوحيد) ثم يضرب لنا مثلاً عن شهوة الوحدة في الكثرة بقوله : "كما أن الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد .. فكذلك كل مافي الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة فهو باعتبار من الاعتبارات واحد، وباعتبار أخر سواه كثير ومثاله الإنسان، وإن كان لا يطابق الغرض، ولكنه ينبه في الجملة على كيفية مصير الكثرة في حكم المشاهدة واحداً، ويستبين بهذا الكلام ترك الإنكار والجحود لمقام لم تبلغه، وتؤمن إيمان تصديق (بهذا الهراء يستدل الغزالي على الوحدة بين الخلق والخالق، ويحتم علينا الإيمان به!! كنا نحب أن يأتينا بآية من كتاب الله، أو أثارة من فكر صحيح وبرهان عقلي. بيد أنه لجأ إلى الخيال السقيم يشبه الوحدة بين الله وعباده بالوحدة بين الإنسان وأعضائه!!)، وإلى هذا أشار الحسين بن منصور الحلاج (صلب سنة 309هـ لثبوت زندقته) حيث رأى الخواص يدور في الأسفار فقال: فيماذا أنت؟ فقال : أدور في الأسفار؛ لأصحح حالتي في التوكل، فقال الحسين: قد أفنيت عمرك في عمران باطنك، فأين الفناء في التوحيد؟! فكأن الخواص (هو إبراهيم بن إسماعيل أبو اسحق الخواص مات 291هـ) كان في تصحيح المقام الثالث، فطالبه بالمقام الرابع (كل النصوص التي ذكرتها من كتاب الإحياء للغزالي جـ4 من ص 212 وما بعدها ط دار الكتب العربية. وعجيب أن يمجد الغزالي الحلاج، وهو يعلم أنه قائل هذه الأبيات:
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهراً في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقة كلحظة الحاجب بالحاجب
* * *
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شئ مني فإذا أنت أنا في كل حال
الطواسين للحلاج ص 130، 142. عجيب أن يمجد العزالي صوفياً يزعم أن الله آكل شارب، يحب الحياة ويخاف الموت، ويمحقه العدم ويقتله الحزن، وتزل به الشهوات، لنه عين خلقه!! أمل يجد الغزالي من المؤمنين من يتمثل به في بلوغ أمسى مراتب التوحيد؟ أمل يعطفه توحيد أبي بكر وعمر، فينصرف عنهما إلى تمجيد زندقة الحلاج؟!)
أرأيت على من صنمته الصوفية باللقب الفخم الضخم؛ لتفتن به المسلمين عن هدي الله؟! أرأيت إلى الغزالي يدين بوحدة الوجود، أو الشهود؟! سمها بما شئت، فعند الكفر تلتقي الأسطورتان، لا تقل : إن وحدة الوجود أنشودة من البداية، ووحدة الشهود أغرودة عند النهاية، فكلتاهما بدعة صوفية بيد أنها غايرت بين الاسمين، وخالفت بين اللونين، ولكن البصر البصير لا يخدعه اسم الشهد سمي به السم الناقع!!
كلتاهما زعاف الرقطاء، غير أن واحدة منهما في كأس من زجاج، والأخرى في كأس من ذهب!!
ولقد فضح العزالي سره حين تمثل في إعجاب بتوحيد الحلاج. وهذا وحده كاف في إدانة الغزالي بالحلاجية، ولقد علمت ما هي!!
رأي في الغزالي
ولقد فطن إلى حقيقة دين الغزالي المستشرق نيكلسون، وإلى أنه النافث لجرثومة الصوفية، فقال: "إن الغزالي أوسع المجال لبعض صوفية وحدة الوجود أمثال ابن عربي وغير هؤلاء من طوائف الصوفية الذين كانوا إخوانا في ذلك الدين الحر بكل ما لكلمة الحر من معنى (ص 104"في التصوف الإسلامي" ترجمة الدكتور عفيفي.) ولقد كنا نحب أن يفطن إلى ذلك بعض من يمجدون الغزالي، كما فطن إليه المستشرق المسيحي (سبقه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه، فكشف كشفاً صريحاً مؤيداً بالنصوص القاطعة عن صوفية الغزالي وإن كان لم يستشهد بتلك النصوص التي نقلتها من الإحياء فيما قرأت لشيخ الإسلام)!!
ويقول جولد زيهر : "وابن عربي الذي أشرنا من قبل إلى تأثره بالغزالي يخضع تفسيره الذي نحا فيه منحى التأويل إخضاعاً تاماً لوجهة النظر التي أخذ بها الغزالي (ص 259 مذاهب التفسير لجولد زيهر)!" ويقول: "خلص الغزالي الصوفية من عزلتها التي ألفاها عليها، وأنقذها من انفصالها عن الديانة الرسمية، وجعل منها عنصراً مألوفاً في الحياة الدينية، وفي الإسلام، ورغب في الاستعانة بالآراء والتعاليم بالتصوف، لكي ينفث في المظاهر الدينية الجامدة "كذا!!".. قوة روحية(ص 159 العقيدة والشريعة لجولد زيهر) ويقول: "إن الغزالي رفع من شأن الآراء الصوفية، وجعلها من العوامل الفعالة في الحياة الدينية في الإسلام (ص 161 نفس المصدر) وهكذا لم يعمل الغزالي للإسلام بل للصوفية، وبعد أن كان المسلمون على حذر من سمها، وفي انفصال تام عنها حملهم بسحر بيانه على أن يعتنقوا أساطيرها. ويقول كارل بكر "ولقد سادت روح "الغنوص" فرق صدر الإسلام كلها، ثم سادت التصوف الذي كان يعد في البدء بدعة خارجة عن الدين، ولكنه أصبح بفضل الغزالي خالياً من السم معترفاً به من أهل السنة (ص 10 التراث اليوناني ترجمة الدكتور بدوي) هذا هو خطر الغزالي!! صور التصوف للمسلمين رحيقاً خالياً من السم، فترشفوه، ففتك بهم.
رأي في خطر وحدة الوجود
يقول "نيكلسون" : "إن الإسلام يفقد كل معناه، ويصبح اسما على غير مسمى، لو أن عقيدة التوحيد المعبر عنها بـ "لا إله إلا الله" أصبح المراد بها: لا موجود- على الحقيقة إلا الله. وواضح أن الاعتراف بوحدة الوجود في صورتها المجردة قضاء تام على كل معالم الدين المنزل، ومحو لهذه المعالم محواً كاملاً" حقيقة ساطعة، يقررها مسيحي، ويكفر بها شيوخ كبار يزعمون أنهم أحبار الدين وأئمته!! وهل المقام الرابع للتوحيد في دين الغزالي إلا مقام القائلين "لا موجود إلا الله" ؟ بل إنها لتسبيحة الصوفية في العشايا والأبكار!! وإني لعلي بينة من أني بهذا الحق الذي اشهد به، أثير ثائرة الكبار من الشيوخ، فكتاب "الإحياء" قرآنهم الأول. وبما يهرف الغزالي فيه، يؤولون كتاب الله، ويحرفون آياته. وفي وجه الحق من هدي الله يرفعون صلالة الأساطير من "الإحياء" وخرافة الأوهام من "المشكاة"!!
ولكني أصرخ بالحق في وجوه الثائرين: رويدكم!! فما نؤله من دون الله أحداً، وما نتخذ كتاباً يهدينا غير كتابه، ولا قدوة غير رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نسجد لصنم، ولا ننعق بطاغوت، وإن يكن هو الغزالي، أو كتبه (يحاول السبكي في كتابه طبقات الشافعية تبرئة ساحة الغزالي بزعمه أنه اشتغل في أخريات أيامه بالكتبا والسنة. ونحن نسأل الله أن يكون ذلك حقاً، ولكن لا بد من تحذير المسلمين جميعاً من تراث الغزالي، فكل ماله من كتب في أيديهم تراث صوفي، ولم يترك لنا في أخريات أيامه كتاباً يدل على أنه اشتغل بالكتاب والسنة)!!
دندنة الغزالي بوحدة الوجود
يقول : "العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة، اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق، ولكن منهم من كان له هذه الحالة عرفانا علمياً (أي وصل إليها عن طريق الدليل والبرهان) ومنهم من صار ذوقاً وحالا (أي وصل إليها عن طريق الكشف والإلهام)، وانتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفردانية المحضة، فلم يبق عندهم إلا الله، فسكروا سكراً، وقع دونه سلطان عقولهم، فقال بعضهم: أنا الحق(قائلها طيفور البسطامي)!. وقال الآخر: سبحاني!. ما أعظم شأني(قائلها البسطامي)! وقال الآخر : مافي الجبة إلا الله (قائلها الحلاج) وكلام العشاق في حال السكر، يطوي، ولا يحكى (يصف الغزال هذه المجوسية الصوفية بأنها هتفات أرواح سكرت بعشق الله، ولم يجد الغزالي ما ينقد به هذه الصوفية – إن عددته نقداً – سوى قوله: وكلام العشاق يطوى ولا يحكى !! ولكن ما حكم الله يا غزالي؟ لا يجيب !!، ولكنه حكم من قبل بأن ذلك أسمى مراتب التوحيد!!) فلما خف عنهم سكرهم، وردوا إلى سلطان العقل، عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد، بل يشبه الاتحاد، مثل قول العاشق في حال فرط العشق:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
(هذا البيت للحلاج وانظر ص 34 طواسين، والبيت الذي بعده.
فإذا أبصرتني، أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا
والغزالي يعرف أن ذلك للحلاج غير أنه يتستر على شيطان وحيه، والحلاج حلول يؤمن بثنائية الحقيقة الإلهية، فيزعم أن الإله: له وجهان، أو طبيعتان هما : اللاهوت والناسوت، وقد حل الأول في الاخر. فزوج الإنسان هي لاهوت الحقيقة الإلهية، وبدنه ناسوته. فإذا كان الغزالي قد رفض القول بالاتحاد، ودان بما يشبهه، فقد آمن بما هو أخبث منه، وهو الحلول. بدليل استشهاده بالبيت الذي عبر به الحلاج عن حلوليته!!) وتسمى هذه الحالة بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز: اتحاداً وبلسان الحقيقة توحيداًً. ووراء هذه الحقائق أسرار لا يجوز الخوض فيها (ص 122 مشكاة الأنوار للغزالي ط 1934م)" توحيد من؟؟ أتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم، أم توحيد البررة الأخيار من أصحابه؟ أجيبوا يا ضحايا الغزالي وسدنة الأصنام من كتبه؟
زمزمات بالوحدة
وأصخ إلى زمزمات الغزالي بأسطورة الوحدة : "الكل من نوره، بل هو لا هوية (الهوية عند الصوفية هي ك الحقيقة الباطنة للذات الإلهية، أو هي الذات قبل التعين في ماجة، يزعم بهذا أن كل ما تحقق من إثبات الوجود، فباطنها هوية اللهّّ!!) لغيره إلا بالمجاز، فإذن لا نور إلا هو، وسائر الأنوار أنوار من الوجه الذي تليه، لا من ذاتها، فوجه كل موجه إليه ومول شطره (أينما تولوا، فثم وجه الله)، فإذن لا إله إلا هو، فإن الإله عبارة عما الوجوه مولية نحوه بالعبادة، والتأليه، أعني وجوه القلوب، فإنها الأنوار والأرواح، بل كما لا إله إلا هو، فلا هو إلا هو، فإن هو: عبارة عما إليه الإشارة، وكيفما كان ، فلا إشارة إلا إليه، بل كلما أشرت، فهو بالحقيقة الإشارة إليه (ص 124 مشكاة الأنوار للغزالي. وتلك هي الطامة الغزالية؛ إذ يزعم أنك مهما أشرت إلى شئ ما، فإشارتك في الحقيقة واقعة على الله؛ لأنه عين ذلك الشئ المشار إليه!!)" فهو يفتري أن كل هوية في الوجود، هي عين هوية الله سبحانه، أي حقيقة!. ولذا لا يمكن أن تقع إشارة ما إلا عليه!. فإن أشرت إلى صنم، أو أوميت، فكلتا إشارتيك واقعة على رب الغزالي، ولم لا؟ وماهية الصنم أو حقيقته هي عين ماهية الرب الغزالي.
تلك هي الأسطورة التي ابتدعها الغزالي، ووصى بها كهنة الصوفية من بعده!! وإليك هينمة الموبذان بخرافة الوحدة مرة أخرى: "لا إلا الله توحيد العوام! ولا هو إلا هو توحيد الخواص (يزعم أن الإيمان بما توجبه كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هو توحيد العوام!! لأنه يثبت لله وحده الربوبية والإلهية، وينفيهما عن غيره. ويثبت بالتالي وجود خلاق وخلق، وفي هذا، أي في إثبات وجودين، أو موجودين يغاير أحدهما الآخر ثنائية تناقض صرافة الوحدة، وهذا شرك عند الصوفية وكاهنهم. ولذا يبهت "لا إله إلا الله" بأنها توحيد العوام. يبهتها بذلك، وهي توحيد الرسل جميعاً!! أما توحيد الخواص عنده، فكلمته "لا هو إلا هو" لأنها تثبت وجوداً واحداً، وتنفي الغيرية والكثرة والتعدد، تثبت موجوداً واحداً تنوعت مظاهره، فسميت خلقاً، وتنفي المغايرة بين من نسميهم الخلق وبين من نسميه الخلاق!! وتثبت أن وجود الأول عين وجود الثاني، فكما أنه لا وجود إلا وجوده، فكذلك لا ذات إلا ذاته، أما تلك الكثرة الوهمية في الذوات، فيؤمن بها عمى القلوب!! هذا دين الغزالي.)! لأن ذلك أعمن وهذا أخص وأشمل وأحق وأدق، وأدخل بصاحبه في الفردانية المحضة والوحدانية الصرفة. ومنتهى معراج الخلائق مملكة الفردانية، فليس وراء ذلك مرقاة! إذ الرقي لا يتصور إلا بكثرة، فإنه نوع إضافة يستدعي مامنه الارتقاء، وما إليه الارتقاء، وإذا ارتفعت الكثرة، حققت الوحدة، وبطلت الإضافة، وطاحت الإشارة، فلم يبق علو، ولا سفل(استعمل نفس هذا التعبير العطار الصوفي في تذكرة الأولياء جـ2 ص 216)، ولا نازل، ولا مرتفع، فاستحال الترقي، واستحال العروج، فليس وراء الأعلى علو ولا مع الوحدة كثرة، ولا مع انتفاء الكثرة عروج، فإن كان ثم تغيير من حال، فالنزول إلى السماء الدنيا، أعني بالإشراق من علو إلى اسفل، لأن الأعلى – وإن لم يكن له أعلى – فله أسفل، وهو من العلم الذي هو كنهه المكنون الذي لا يعلمه إلا العلماء بالله، فإذا نطقوا به، لم ينكره إلا أهل الغرة بالله (ص 125 المصدر السابق، وأقول: إن الله سبحانه أخبر أنه استوى على عرشه، وأن الملائكة تعرج إليه، وأن العمل الصالح يرفعه إليه ولكن الغزالي أبى إلا أن يرفع في وجه الحق وفي حرمه أصنامه هو، فزعم استحالة العروج، ونفاه نفياً باتاً، لكيلا يتنقاض مع ما يدين به من الحوحدة المحضة، فالقول بعروج أحد إلى الله إثبات للتعدد أو للكثرة أو للغيرية، إذ يسلتزم وجود من منه العروج ووجود من إليه العروج، وهذه ثنائية تنقض أو تناقض الوحدة التي يؤمن بها الغزالي، وحدة الوجود، فإذا قيل بعروج مان فالقول به مجازي محض، إذ العروج، هو من الذات الإليهة نفسها بنفسها إلى نفسها، فالذي منه العروج عين من إليه العروج، وإذا ما قيل: نازل أو صاعدن فالنازل هو الصاعد إذ هما ذات واحدة، والنزول عين الصعود، إذ هما وصفان متحدان في الحقيقة؛ مختلفان بالاعتبار، توصف بهما ذات واحدة في حال واحدة في آن واحد هي الذات الإلهية. فالملائكة الذين يعرجون إلى الله (4:70 تعرج الملائكة والروح إليه) هم عين الذات الإلهية في أسماء أخر لها. والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه، هو عين الذات الإلهية في وصف آخر لها، وإلا قلت بالكثرة والتعدد، وبأن الله غير الخلق!1 هذا دين الغزالي فتدبره، وتمت لمقاك ابن عربي بما تعرفه منه، ولكن باسم جديد، وزي ساحر، ولقت كبير خادع).
ثم يتابع الغزالي الحديث عن الله، فيقول: "له نزول إلى سماء الدنيا وأن ذلك هو نزوله إلى استعمال الحواس، وتحريك الأعضاء، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: "صرت سمعه ... الحديث" فهو السامع والباصر والناطق إذن لا غيره، (ص 125 المصدر السابق)" والجملة الأخيرة وحدها صريحة في الكشف عن إيمان الغزالي بالوحدة بين الحق والخلق. إذ يقرر أن كل سامع وباصر وناطق هو الله! وما إخال مسلما يلمح إيماضة من الحق في تلك الأوهام، ولا شعاعة من التوحيد في تلك الأمشاج الغزالية، وإنما يحس بيحموم الوحدة الصوفية، يطعى بسواده هنا، وهناك، ويخنق الأنفاس حتى تحتضر! ولقد شعر الغزالي بما في مفترياته من شطط متجانف لإثم، فخاف على باطهل أن يقذف عليه بالحق أهله، فوصف المنكرين لأساطيره بأنهم : أهل غرة! ومن أهل الغرة؟ إنهم الذين يدينون دين الحق من القرآن، ويكفرون بأساطير الغزالي! ليكن يا كاهن الصوفية! فما أنت الذي نعرف منه فيصل التفرقة بين الكفر والزندقة – كما سميت كتاباً لك- وإنما نعرف ذلك من كتاب الله الذي يدينك، ويحم عليك بما يصعق عابديك وكهان دينك (لا تعجب حين ترى الغزالي يجنح في دهاء إلى السلفية في بعض ما كتبت، فللغزالي وجوه عدة كان يرائي بها صنوف الناس في عصره، فهو أشعري. لأن نظام الملك صاحب المدرسة النظامية أراده على ذلك، وهو عدو للفلسفة، لأن الجماهير على تلك العداوة، وهو متكلم، ولكنه يتراءئ بعداوته للكلاميين اتقاء غضب الحنابلة، أما هو في كتبه "المضنون بها على غير أهلها" فصوفي إشراقي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وفي كتبه الأخرى تجسده أشعرياً تارة، وسلفياً مشوباً بأشعرية تارة أخرى. وهكذا كان يلقى كل فريق بالوجه الذي يعرف أنهم يحبونه لا يهمه أكان وجه حق، أم وجه باطل!!)
أصنام صغيرة
إله ابن عامر البصر
(هو عامر بن عامر أبو الفضل عزالدين توفي غالباً أواخر القرن الثامن الهجري)
ولكيلا ترتاب في أن ما ذكرته لك هو دين الصوفية جميعاً من سلفهم إلى خلفهم ومعاصريهم. أذكر لك دين بعض أصنامهم الصغيرة، فاسمع إلى ابن عامر في تائيته التي عارض بها تائية ابن الفارض، وزنا وقافية، ولطخها بنفس الزندقة الفارضية!
تجلى لي المحبوب من كل وجهة فشاهدته في كل معنى وصورة
وخاطبين منى بكشف سرائر تعالت عن الأغيار لطفاً، وجلت
فقال : أتدري من أنا؟ قلت : أنت يا منادي أنا؛ إذ كنت أنت حقيقتي
(قول المسلم: تعالى الله عن شريك. أما قول الصوفي : تعالى الله عن الأغيار أي ما ثم غير له، إذ ه عين كل شئ!!).
بهذا بدأ ابن عامر قصيدته، فكان صريح الزندقة فيها!
نظرت، فلم أبصر سوى محض وحدة بغير شريك، قد تغطت بكثرة
تكثرت الأشياء، والكل واحد صفات وذات ضمناً في هوية
ويظل الصوفي يهوى حتى يبلغ القرار السحيق من وحدة الوجود.
فأنت أنا ! بل : أنا أنت(1). وحدة
منزهة عن كل غير وشركة(2)
إله الصدر القونوي(3)
يقول في كتابه "راتب الوجود" : "فالانسان هو الحق، وهو الذات، وهو الصفات، وهو العرش، وهو الكرسي، وهو اللوح، وهو القلم، وهو الملك، وهو الجن، وهو
العالم الأخراوي، وهو الوجود، وما حواه، وهو الحق(4)، وهو الخلق، وهو القديم، وهو الحادث(5) وإخال أني أنتقص من فكرك، إن حاولت أنا أن أدلك على خطايا الوثنية في بذاء القونوي.

إله النابلسي
(هو عبد الغني بن إسماعيل النابلسي توفي سنة 1143هـ)
يقول معقباً على قوله تعالى : (48 : 10 إن الذين يبايعونك، إنما يبايعون الله) يقول: "أخبر تعالى أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله تعالى وتقديس وبيعته بيعة الله، ويده التي مدت للبيعة هي يد الله" ويفسر قول الله لموسى: (20 : 13 وأنا اخترتك) بقوله: "بأن تكون أنا، وأكون أنا أنت، فاستمع لما يوحى إليك مني، وهذا نظير حديث الإنسان الغافل لنفسه، يحدثها وتحدثه"
ويفسر قوله سبحانه لموسى (20: 39 وألقيت عليك محبة مني، ولتصنع على عيني) بقوله: "أي ذاتي فأظهر بك، وتغيب أنت، وتظهر أنت، وأغيب أنا، وما هما اثنان، بل عين واحدة (عن رسالة اسمها "حكم شطح الولي" للنابلسي مخطوطة بالظاهرية بدمشق رقم 4008نقلاً عن كتاب "شطحات الصوفية ص 153 للدكتور بدوي)" وما ألمس من بهتان مسف في فجور الزور، وقحة الكذب؛ كبهتان النابلسي يزعم أن الصوفية تعتد بالكتاب والسنة في إيمانهم بوحدة الوجود؛ إذ يقول "إن عمدتنا وعدتنا هو التمسك بالقرآن العظيم وسنة نبيه الكريم في معرفتنا بربنا وإطلاق ما أطلقه على نفسه في كلامه القديم، وما أطلقه عليه نبيه البر الرحيم(نفس المصدر السابق وبمثل هذا الرياء يخدع الصوفية المسلمين عن دينهم، إذ يلونون الباطل بلون من الحق، ليمكروا به، وحق ما يقول جولد زيهر: "كان التصوف خصوصاً هو الذي عني بتصوير كثير من الأفكار الإفلاطونية المحدثة والغنوصية في صورة إسلامية، فعن دوائر التصوف صدر الكثير من الأحاديث الموضوعة التي قصد بها إلى تبرير قواعد التصوف" ويقول : "كل تيار فكري في مجرى التاريخ الإسلامي زاول الاتجاه إلى تصحيح نفسه على النص المقدس واتخاذ هذا النص سنداً له على موافقته للإسلام ومطابقته لما جاء به الرسول، وبهذا وحده كان يستطيع أن يدعي لنفسه مقاماً وسط هذا النظام الديني وأن يحتفظ بهذا المقام" انظر ص 218 التراث اليونان لبدوي و ص 3 مذاهب التفسير لجولد زيهر) لم يقنع بالكفر السفيه وحده، فأضاف إليه بهتاناً دنيئاً؛ إذ يزعم أن كتاب الله هو عدته في التمسك بوحدة الوجود، ويقيني أنك لو قرأت الفقرة الأخيرة، وأنت غافل عن عقيدة النابلسي، لأيقنت أنه مؤمن فاض بنور الحق قلبه، وهكذا كل صوفي يلبس لكل حال لبوسها، ويعطيك جانباً منه يرضيك، حتى إذا سكنت إليه خلتك، فقتلك!
بل هكذا كل نحلة تثير على كتاب الله حرب أضغانها، فهي لا تستعلن بتكذيب الله في وحيه، وإنما تزعم – لتفتن الناس عن دينهم الحق – أنها تقدسه ولكنها – وهي مقنعة الأهداف بريائها الخاتل – تضع لألفاظ القرآن معاني ما أنزل الله بها من سلطان، وليست لها صلة ما بألفاظها، الله إلا حين تزعم أن الكفر معناه الإيمان، وأن الباطل هو روح الحق! ولهذا تجد تكذيبها لله شر وأخبث أنواع التكذيب، وما البهائية في تخنث كفرها أو القاديانية في مكر دعوتها إلا دليل صدق على ما أقول. فكلتاهما تفتري أنها تؤمن بكتاب الله ورسوله! وكلتاهما عدو ألد الخصام لله، ولرسله، ولكتبه.
إله ابن بشيش
(هو عبد السلام بن بشيش أو مشيش من كبار شيوخ الشاذلية)
للورد الذي افتراه ابن بشيش سحر الأمل، استهل بعد ياس في مشاعر الصوفية، ورقة البشائر تأسو الدموع وجراح الأحزان، إذ يرونه – على اختلاف طرائقهم – وحياً ينفح قداسة وربانية، وصلاة يخشع بها سجد الملائك، وتسابيح ترتلها الحور في خمائل الفردوس!
وإليك هذا الورد الذي يضرع به الصوفية في معابد الأصنام كلما قبل السحر جبين الليل! "اللهم صل على من منه انشقت الأسرار، وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق" همسات غير خافتة بأسطورة الحقيقة المحمدية الصوفية، بيد أن هذه الهمسات تعلو رويداً رويداً حتى تحول صريخاً وفحيحاً في قوله: "ولا شئ إلا وهو به منوط؛ إذ لولا الواسطة، لذهب كما قبل الموسوط، الله إنه سرك الجامع الدال عليك، وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك" ثم تجن لهفته، فيهرول مجنون الخطى إلى هتك الستر عن معتقده، فيضرع إلى الله بهذه الصوفية الملحدة "وزج بي في بحار الأحدية (الأحدية "هي مجلى الذات ليس للأسماء، ولا للصفات ولا لشئ من مؤثراتها فيه ظهور، فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية، وليس لتجلي الأحدية في الأكوان مظهر أتم منك إذا استغرقت في ذاتك، ونسيت اعتباراتك، وهو أول تزلات الذات من ظلمة العماء على نور المجالي، وهذه الأحدية في لسان العموم هي الكثرة المتنوعة" هذه هي الأحدية عند الصوفية انظر ص 30 جـ 1 الإنسان الكامل للجيلي) وانشلني من أوحال التوحيد، و أغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى، ولا أسمع، ولا أجد، ولا أحس إلا بها".
أرأيت إلى الصوفية تحت غلائل السحر الوردية، والليل ساجي الكون لا تسمع فيه سوى رفيف أجنحة الرؤى، وهمسات الأحلام، والكون في فيض الجمال الغامر، والبهاء الساحر يثير في القلب المؤمن أزكى مشاعر الإيمان والحب للخلاق البديع، فيسج لله في عبودية خالصة. في هذه الجلوات الروحية، وفي تلك المجالي حيث يتألق نور الجمال، ويهمس الليل بنجوى الوداع في سمع الفجر يضرع الصوفية إلى الله أن ينشلهم من أوحال التوحيد؟؟!
إله الدمرداش
(هو محمد الدمرداش المحمدي توفي سنة 929هـ)
يقول:
لقد كنت دهراً قبل أن يكشف الغطا
إخالك إني ذاكر لك شاكر
فلما أضاء الليل أصبحت شاهداً
بأنك مذكور وأنك ذاكر (ص 16 القول الفريد للدمرداش ط 1348هـ)
حتى هذه الزعنفة التائهة تزعم أن الغطاء كشف عنها فرأت أنها هي الله!! واسمع إليها تقول:
هو الواحد الموجود في الكل وحد سوى أنه في الوهم سمي بالسوي (ص 14 المصدر السابق).
والكل هنا تعم الشيئية المطلقة في عمومها وشمولها، فما ثم إذن عنده من شئ يدركه الحس، أو يتخيله الوهم، أو تطيش به الغريزة إلا هوه عين الله ذاتاً وصفة!! غير أن الوهم الذي حال بين العقول وبين إدراك هذه الحقيقة، فظنت أن هذه الكائنات المحسة، وتلك الصور الذهنية شئ آخر غير الله! ولذا يقول : "فلا وجود سوى الله، والغير هم وخيال(ص 14 المصدر السابق)
إله ابن عجيبة
(هو أحمد بن عجيبة الإدريسي الفاسي نسبة إلى فاس بالمغرب توفي في منتصف القرن الثالث الهجري)
وهذا الذي تجرع الفاطمية الخبيثة ينقل في شرحه لحكم بن عطاء الله هذه الأبيات:
أرب وعبد، ونفى ضد؟ قلت له : ليس ذاك عندي
فقال : ما عندكم؟ . فقلنا وجود فقد، وفقد وجد
توحيد حق بترك حق وليس حق سواي وحدي
ويشرحها بقوله: "ومعناها الإنكار على من أثبت الفرق، بأن جعل للعبودية محلاً مستقلاً منفصلاً عن أسرار معاني الربوبية، قائماً بنفسه، ولا شك أن العبودية تضاد أوصاف الربوبية على هذا الفرق، وأنت تقول في توحيد الحق: لا ضد له، فقد نقضت كلامك. ولذلك قال : ونفى ضد؟! فالواو بمعنى: مع، وهو داخل في الإنكار. أي : أيوجد رب. وعبد مستقل، مع نفي الضد للربوبية، والعبودية تضاد أوصاف الربوبية؟ ! والحق أن الحق تعالى تجلى بمظاهر الجمع في قوالب الفرق، ظهر بعظمة الربوبية في إظهار قوالب العبودية، فلا شئ، معه(ص 209 وما بعدها إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة)" يريد الفاطمي الخبيث أن يقول: نحن نؤمن بأن الربوبية لا ضد لها، فإذا آمنا بوجود عبودية تغاير الربوبية في الذات والصفات، فقد تناقضنا ونقضنا ما قلناه، فالذي ينبغي الإيمان به هو الوحدة المطلقة، هو أن العبد عين الرب حتى لا نناقض قولنا: إن الرب لا ضد له!! (يقول جولد زيهر: "عمد الصوفية إلى إقحام آرائهم في القرآن والحديث بطريق التأويل، وهكذا ورثوا الإسلام تركة فيلون" ص 140 العقدية والشريعة.)
وحسبك هذا من العلج الفاطمي!.
إله حسن رضوان
(توفي سنة 1310هـ أي منذ نيف وستين عاماً!!)
يقول في منظومته الكبرى"روض القلوب".
فليس في الوجود شئ يشهد سواه، فالأشياء به توحد
والكثرة الموجودة الموهومة في ذاتها بوحدة معدومة
والحق في الأشياء جميعاً ظاهراً وسره قامت به المظاهر
وكل ذرة من الذرات تنبي بأن الكل عين الذات
فوحدة الوجود لا تفارق شيئاً، ولكن يستفاد الفارق
فبالحدوث والفناء يوصف إذن، ولا يضر إذ يعرف
(ص 269 روض القلوب المستطاب ط 1322هـ)
ثم يبشر سالك الطريق الصوفي بقوله:
ولا يزال نوره يزيد حتى لديه يكمل التوحيد
وسر وحدة الوجود ينكشف لعينه، ومنه ذوقاً يرتشف
فتضمحل الكثرة المشهودة له بنور الوحدة المقصودة
فلا يرى بعينه الموحدة في الكون شيئاً غير ذات واحدة
(ص115المصدر السابق)

من بواكير الزندقة
وأصخ يا سماحة الشيخ إلى فحيح الزندقة ينفث سمها الأول طيفور البسطامي أبو يزيد : "خرجت من الله إلى الله، حتى صاح مني في: يا من أنا أنت(ص 160 جـ 1 تذكرة الأولياء)" وإليه "سبحاني ما أعظم ثاني (نفس المصدر السابق ونفس الصفحة)"! أرأيت إلى الأصنام الصغيرة. تدين بدين أمها الكبيرة؟!.
تأليه الحيوان النجس
هأنذا شرقت وغربت، وياسرت، ويامنت مع الصوفية أحباراً وكهاناً، قدامى ومحدثين، ونقلت عن سلفهم، وسجل ماضيهم وحاضرهم، نقلت ما يدينون به في أمانة لم يجنح بها عن قدسها غل ولا حقد ولا غضب، نقلت هذا كله؛ لؤمن من لا يزال على فكره وقلبه غشاوة من سحر الصوفية، أن الصوفية – قديماً وحديثاً في النصرانية، وفي اليهودية، وفي دين من خدعوك بأنهم مسلمون – تؤمن بأن هذا الكون كله، حتى جيفه ورممه وخنازيره، وكلابه ماهو إلا حقيقة الرب الأعظم "هوية وإنية". ولذا ينقل محمد بهاء الدين عن زعيم صوفي قوله:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة(النفحات الأقدسية شرح الصلوات الإدريسية ط 1314هـ)
وناقل هذا صوفي يتمثل بهذا البيت الصوفي في روعة الحب الخاشع، ليكثف لك عن روحانية الجمال الصوفي!.
هذه هي الصوفية في كتابه، فماذا ترى؟ تؤمن بأن الله هو عين خلقه،وبأن الماخور عربدت فيه الأبالسة، عين المسجد تبتلت فيه الرسل!. وأن الوثنية السامرية عني التوحيد الحق، وأن الحج إلى مبكى اليهود، أو "كرمل(حيث ثوت رمة الهالك ميرزا حسين على الملقب ببهاء الله!!)" البهائية عين الحج إلى بيت الله. وما والله رميت الصوفية بفرية، بل بم يدينون به، ويدعون إليه، ويحبون أن يعرفوا به، فما رأى سماحة الشيخ الكبير؟ (قبل رأي الشيخ ننقل آراء بعض المستشرقين فيما جاء به الإسلام من التوحيد، فهذا غستاف لوبون يقول – وهو يتحدث عن وحدة الوجود - : "إن الإسلام يختلف عن النصراني، ولا سيما في التوحيد المطلق الذي هو أصل أساسي، فالإله الواحد الذي دعا إليه الإسلام مهيمن على كل شئ، ولا تحف به الملائكة والقديسون وغيرهم، وللإسلام وحده كل الفخار، بأنه أول دين أدخل التوحيد المحض، والإسلام وإدراكه سهل خال مما نراه في الأديان الأخرى، ويأباه الذوق السليم من المتناقضات والغوامض، ولا شئ أكثر وضوحاً ، وأقل غموضاً من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله" ص 158 حضارة العرب ترجمة عادل زعيتر، ويقول سيديو: "من شأن مبدأ التوحيد الجليل الذي انتشر بين قوم وثنيين أن يضرم الحمية في النفس المتحمسة العالية، ويسود هذا المبدأ القرآن وغليه يعود إبداعه، ويبدو هذا التوحيد المحض جازماً تجاه علم اللاهوت الذي تورطت فيه الفرق النصرانيةن بعد أن زاد عددها بفعل البدع" ص 88 تاريخ العرب العام لسيديو ترجمة زعيتر ثم يقول في ص 89 من الكتاب: " ومحمد إذ كان رسول الخالق بلغ أن الله لا ولد له، وإن إله الكون واحد، وأن الله مصدر كل قوة، وأن إلى الله مرد من لم يجيبوا دعوته، ويود محمد أن يجتذب الناس إلى عبادة خالق كل شئ بغير واسطة").
نور من القرآن
وإشفاقاً على الصوفية أن يجدوا مشقة في إبصار الحق المتلألئ، أذكرهم بهدي الله من كتابه؛ ليعرف حقيقة النو من يخبط في تيه الظلام، ويدرك الحق من دوخه الباطل، وينعم بالتوحيد من شفى بالشرك، ولعل الصوفي الضليل يتخذون من التذكير بآيات الله منجاة له، فيجعلها حكماً يصدع بالحق والعدالة في شأن الصوفية.
يقول رب العالمين (19 : 92 – 94 إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً، لقد أحصاهم وعدهم عداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) (10 : 2-4 إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يدبر الأمر، مامن شفيع إلا من بعد إذنه، ذلكم الله ربكم، فاعبدوه، أفلا تذكرون، إليه مرجعكم جميعاً، وعد الله حقاً، إنه يبدأ الخلق، ثم يعيده).
يقول سبحانه : إنه خالق السموات والأرض، فتقول الصوفية: لا، بل هو عين السموات والأرض، وما فيهن من دابة! ويقول سبحانه : إنه يدبر الأمر، فتصرخ الصوفية: مين وبهتان، فنحن الذين يدبرون الأمر له! ويقول الله : ذلكم الله ربكم، فاعبدوه، فيضج كل طاغوت صوفي. لا : بل أنا الله لا إله إلا أنا! ويقول جل شأنه: إليه مرجعكم جميعاً، فتزعم الصوفية: إن معنى الرجوع هنا أن تعود الذات المتكثرة إلى وحدتها، فتعود حقاً، بعد أن كانت خلقاً!.
(38 – 3 إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق، فاعبد الله مخلصاً له الدين، إلا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه(يقولون: أما نحن، فنتخذهم معه!! وهل الشرك إلا هذا؟) أولياء، ما نعبدهم (يقولون: أما نحن فندعوهم!! وهل الدعاء إلا العبادة، أو مخ العبادة؟) إلا ليقربونا إلى الله زلفى، إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار(وتزعم الصوفية أن الكاذب الكفار هو الرب الأكبر في صورة كاذب كفار)، لو أراد الله أن يتخذ ولداً، لا صطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه، هو الله الواحد القهار، خلق السموات والأرض بالحق، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار، خلقكم من نفس واحدة، ثم جعل منها زوجها، وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث (وتزعم الصوفية أن ربها هو ذلك الخلق المتطور في ظلمات ثلاث" العماء، الأحدية، الواحدية")، ذلكم الله ربكم له الملك(ويزعم الجيلي أن له الملك في الدارين ويزعم معه كذلك الأحبار!!)ن لا إله إلا هو، فأنى تصرفون؟".
يقول عز من قائل: (42 : 10، 11 وما اختلفتم فيه من شئ، فحكمه إلى الله (وتقول الصوفية بل حكمه إلى كتب ابن عربي أو الغزالي أو ابن الفارض، ويقول غيرهم بل: إلى كتب المذاهب الأربعة.) ذلكم الله ربي عليه توكلت، وإليه أنيب. فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسك أزواجاً (وتزعم الصوفية أن الله هو الذي جعل نفسه أزواجاً، فبدا حقاً في صورة خلق، أو إلهاً في صورة عبد!!) ومن الأنعام أزواجاً، يذرؤكم فيه، ليس كمثله شئ (وتقول الصوفية كما ذكرتك: بل هوعين كل شئ) وهو السميع البصير(وتقول اصوفية على لسان ابن عربي والغزالي وغيرهما: بل هو عين كل سميع وعين كل بصير.).
(قل: هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد "وتقول الصوفية: بل كل شئ هو له كفو إذ كل شئ في الوجود هو الذات الإلهية.")
فأين أين من هذا التوحيد المشرق بالحق الأعظم. تلك الأساطير المجوسية التي ينعق بها ابن عربي، وينعب ابن الفارض، وينبح الجيلي، وتعوي الصوفية؟!
واهاً لشيخ الصوفية الكبير، أيغار على الصوفية من مسلم يدعوهم إلى الإنابة إلى الله، ولا يغار على المسلمين مما تجنيه الصوفية عليهم، وتألوا – وعلى نابها الأزرق تتلمظ الجرائم – أنها مثالية الطهر والحب ومعين الروحانية في الإسلام؟!
جبن النفاق
ولقد ناقشت أحد أتباعكم "الغلابة"، فاعترف بالفصوص، وأنها حق جليل، وبالطبقات، وأنها سجل كرامات مقدسة، فجئت بالمسكين صوب المذياع وكنت أحاضر في مكان كريم، يصخب عليه "الدراويش" في عيد وثني يحتفل فيه الصوفية بمولد الوثن الزينبي – وبرأ الله زينب رضي الله عنها من بهتان الصوفية – ورجوت الدرويش الثائر أن يتلو على الحشود من كرامات الصوفية المسجلة في طبقات الشعراني، فما إن قرأ كرامة سيده "على وحيش"، ورأى الجريمة الباغية، حتى ضر الأرض بالكتاب صارخاً مرتاعاً: هذا مدسوس(يقص الشعراني في طبقاته كرامات سيده على وحيش معقباً على ذكر كل كرامة يقوله: رضي الله عنه: "كان الشيخ رضي الله عنه يقيم عندنا في خان بنات الخطا!! وكان كل من خرج "أي بعد اقتراف الجريمة الباغية" يقول له: قف، حتى أشفع فيك، قبل أن يخرج، فيشفع فيه!! وكان إذا رأى شيخ بلد، أو غيره، ينزله من على الحمارة، ويقول له: أمسك لى رأسها حتى أفعل فيها، فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة، وإن سمح حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه" ص 135 جـ 2 الطبقات ط صبيح. جريمة فسق منكرة تروى بألفاظ فاسقة وأسلوب فاسق. وإذا أبى صاحب الدابة إلا صيانة غرضها من وحيش عطبه وحيش!! ومع هذا يقول الشعراني عن وحيش: "رضي الله عنه"!!).
فقلت للمسكين المفجوع في معبوده! : حنانيك، وهل يمكن أن يكفر الصوفية بهذا الكتاب؟! ، أو يعترفون بأنه مدسوس؟! فأجاب الدرويش – والحقد في عينيه جمرات تتوهج، وفي بدنه رعدة غضبى - : إن من يدين بهذا، فهو كافر! ومن لا يعترف بأنه مدسوس، فهو كافر! ثم فر مذعورالرياء ! وهكذا يا سماحة الشيخ، كلما خشى صوفي افتضاح معبود له، قال: مدسوس! حتى إذا خلا إلى شيطانه، قال : ينفذ الشيخ ما اطلع عليه من قدر الله المغيب! فعله طاعة، لا معصية!.
وليس هذا شأن الصغار منكم، بل هو أيضا شأن أحباركم الكبار. فقد زعم لي مثل ذلك الزعم شيخ التيجانية في مصر حين صدمته ببهتان ابن عربي أما دراويشه، وأما أناس يحرص على أن يوقروه، ويعظموه!.
ولقد قلت لذلك الصوفي الصغير، كما قلته من بعد لشيخه الكبير: سل الصوفية، وشيخهم الأكبر، أن يكفروا بتلك الكتب، فإن فعلوا. كان الخير الذي تظمأ النفس إلى معينه، وكفي الله المؤمنين القتال!.
فهل تستطيع يا سماحة الشيخ أن تصنع باسم الله شيئاًن كهذا؟ أيمكن أن تصدر بياناً تعترف فيه بالحق غير هياب، ولا وجل، فتقول – مثلاً – فيه : "لما في الفصوص والطبقات و...، ...من مخالفة صريحة لدين الحق، فإنا نأمر أتباعنا، أن يكفروا بتلك الكتب؟!"
أم يمكن – مثلا آخر – أن تقول: "إن كتاب الفصوص، أو الطبقات، أو ... أو ... مدسوس على من نسب غليه، لن فيه، وفيما هو مثله كفراً!"؟ ليتك يا سماحة الشيخ تقدمها إلى الله صالحة!.
إيمان الصوفية بكتبهم
إن الصوفية هنا، وهناك، وفي كل مكان يتربصون فيه بالإسلام، يؤمنون بكتبهم إيماناً عنيداً طاغياً ياسر منهم في قبضته القاهرة عواطف القلوب، ومشاعر النفوس وسبحات الخواطر، وتأملات الفكر، ويدينون بكل حرف فيها يرمز إلى أسطورة، وبكل كلمة تفشي خرافة. فما تناوحت إحساساتهم بالحب إلا لها، أسطورة، وما فاتك بالقلوب أخطبوطهم إلا بها، وما قتلت عناكبهم ذباب النفوس إلا بلعابها السام!.
بيد أنهم حين يلقون المؤمنين، يقولون رياء ومخادعة: مدسوس!.
حتى إذا خلوا إلى شياطينهم، قالوا: نفتن المؤمنين!.
وإلا، فإني أدوي بصيحة الحق، تتحدى الصوفية وطواغيتها أن يجرؤ واحد منهم على القول: إن تلك الكتب مدسوسة!.
أو يستنكر ما تطفح به من كفر، وليأتنا بأثارة من علم، أو ظن تدل على أنها دعية النسب إلى من افتروها!.
نعم أدوي بصيحة الحق: إن تلك الكتب ليست بمدسوسة، ويشهد بذلك التاريخ الحق، وتواتر النقل الصحيح، ولكن هبوها كذلك، فما ينفعكم، وأنتم بها تدينون، وتؤمنون إيمان عابد الخر بالدن والكأس والعربدة!.
مدسوسة! إنها الترس الأخير، يلوذ به من ينأد منك تحت صدمة الحق الصاعقة! وشهادة زور تفتري؛ لينجو بها المجرم من عقاب جريمته!.
زعمهم أن كتبهم أسرار ورموز
وآخرون من أسارى الصوفية يزعمون أن تلك الكتب أسرار ورموز، لا يفقهها إلا أولئك الذين أباح لهم الغيب الخفي مكنونه، وقدس أسراره، أو الذين هتك الله عنهم الحجاب الأعظم، فخروا تحت عرشه سجداً يسمعون وحيه، ويسجلونه رموزا (أما الدكتور فيليب حتى، فيقول: "ودين محمد عملي صريح، وقلما يشير إلى هدف عال يصعب نواله، ويكاد أن يكون خلواً من العقد اللاهوتية، وليس فيه أثر للأسرار الرمزية المقدسة، أو مراتب الكهنوت، وما رتبته أصول الرسامة والتكريس والخلافة الرسولية" "كلها مناصب دينية في المسيحية" ص 178 جـ 1 تاريخ العرب العام.) في شعرهم ونثرهم!.
من صفات القرآن يا هؤلاء أنه "بيان للناس" ومن الناس عالمون، وجاهلون ومنهم أميون وكاتبون وقارئون، ولكن الله جعله بياناً لهم جميعاً، ميسراً للذكر؛ ليعبد كل امرئ ربه على بصيرة.
بيد أني سأنحدر إلى فرية أولئك، فأزعم أن كتب الصوفية رموز مقنعة بالخفاء، وأسرار ملثمة بسحر الغيب!!
ولكني أسائلك، كيف يعبد الله برمز مقنع بالإبهام، وسر مستغرق في الغموض يحمل من الكفر وجهاً ظاهراً؟!
أيحق لامرئ أن يعبد ربه بشئ أطبق عليه الجهل به، وبغير ما شرعه الله في كتابه، وأوحاه إلى رسوله؟!
أسائلك – ولا تغضب إذا ألحقت في تساؤلي - : أتفقهون يا كهنة الصوفية دلائل تلك الرموز، أم لا تفقهونها؟ فإن تكن الأولى، فأبينوا لأتباعكم؛ لتطمئن قلوبهم بالمعرفة، ولنزداد في نقدكم إنصافاً، وإن تكن الأخرى، فإنها دين الببغاء تردد ما تعي.
أما مع الحق، فأقول : لقد قرأت لابن عربي، ولابن الفارض، وغيرهما جل ما كتبوا، وما شرح به تلاميذهم تلك الكتب، فلم أجد في كل ما قرأت رمزاً مستوراً ولا سراً خفياً، بل دلائل صريحة تكشف في جلاء صريح عن حقيقة معتقد الصوفية!!
ترى أي رمز في قول ابن عربي : "العارف من يرى الله في كل شئ بل يراه عين كل شئ"؟! إن ابن عربي خشى أن يتوهم أتباعه حتى "الظرفية" المجازية في كل كلمة "في" أو الحلولية الحلاجية، وفيها ثنائية تناقض الوحدة، خشى ابن عربي ذلك، فأطاح الوهم بيقينه الجازم؛ ليؤمن الصوفية بوحدة الوجود إيماناً لا تنال منه شائبة وهم، ليؤمنوا أن الله هو عين كل شئ، وأن كل شئ هو الله! ومن الأشياء القيح المنتن، والعرض الذبيح، والجريمة يشخب منها الدم البرئ!! أفي ذلك رمز؟ أم بيان صريح وقح الجرأة سفيه الزندقة؟!
إن الحق بين يا سماحة الشيخ، فاهتف به لله، وأنصره لله، وإلا فالجزاء شديد بين يدي الله (2 : 166 إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب).
الفصل الثالث
دين الصوفية في الرسول
"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده،والناس أجمعين (البخاري وأحمد وابن ماجه عن أنس)" هذا قول سيد الخلق، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. ولقد بلوت مما ذكرتك دين الصوفية، فهل لمحت فيه حتى لمحة حيرى من حق حائر، أو نفحة ولهى من خير شرود؟! هل لمحت منه بارقة خابية من حب لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم(ما أروع تلك الكلمة التي قهر بها الحق حمدونا القصار الصوفي، فدمغ بها الصوفية حين سئل : ما بال كلام السلف، أنفع من كلامنا؟ فقال: "لأنهم تكلموا لعز الإسلام. ونجاة النفوس، ورضى الرحمن، ونحن لعز النفس، وطلب الدنيا، وقبول الخلق" هذا قول زعيم صوفي في القرن الثالث الهجري فما بالك بما بعده؟ انظر ص 125 طبقات الصوفية للسلمي.)؟ يقينك، ويقين كل من يبتلي الصوفية يجزم بأنها ترفع فوق الكتاب المنزل آية خرافة يهرف بها درويش مأفون ممرور.
أطوار الوجود الصوفية
تدين الصوفية بأن الوجود الإلهي له أطوار، أو مراتب، أو تنزلات، أو تعينات أو نسب، أو إضافات، فكلها ذات مدلول خرافي واحد!!
وأولى تلك المراتب "العماء" والوجود الإلهي في هذا الطور لا يوصف بوصف، ولا يسمى باسم، ولا يعرف بحد ولا برس. أو كما يقول الكمشخانلي: "اعلم أن حقيقة الذات الإلهية من حيث هي هي، امتدادها –أعني مدة بقائها- غير مضبوط لأنها من حيث هي كذلك لا وصف لها، ولا رسم، فهي العماء، إذ لا يمكن معرفتها بوجه من الوجوه، ما لم تتعين بصفة. وأول هذه التعينات علمها بذاته، فهذه الصفة تنزل لها من الحضرة الإهلية الذاتية التي لا نعت لها إلى الحضرة الواحدية التي هي حضرة الأسماء والصفات، وتسمي : الحضرة الإلهية (ص 93 جامع الأصول للكمشخانلي)" نقلت لك النص بتمامه، ليستيقن قلبك بأننا ننصف الصوفية، فلا نسمهم إلا بما يحبون أن يعرفوا به. وقد يسمى الرب الصوفي في تلك المرتبة بالوجود المطلق، بيد أن النابلسي في غلو التجريد الذي ينتهي به إلى العدم المطلق، ينزه الوجود في تلك المرتبة حتى عن الإطلاق، لأن وصفه بالمطلق قيد، أو صفة له، فيستلزم أن يكون المطلق مقيداً، والمقيد مطلقا (رغم هذا، فهو واقع في التناقش، لأن الوصف بالسل، أي عدم الإطلاق، قيد أيضاً للوجود، كالوصف بالإيجاب!!)، فيتوتر التناقض بين وصفيه، ويستلزم أن تكون له صفة، وهو مجرد كل التجريد في ذلك الطور عن الاسم والصفة!!
ولقد أراد هذا "العماء، أو الوجود المطلق" أن يتعين في صورة؛ ليعرف وليعرف نفسه (هذه علة وضع الحديث الصوفي "كنت كنزاً مخفياً، فأردت أن أرعق، فخلقت الخلق، فبي عرفوني" ويفسر الصوفية"فب" بكلمة "محمد" لأنها تساويها في العدد في حساب الجمل!!) فتعين في صورة "الحقيقة المحمدية"، فكانت هي التعين الأول للذات الإلهية، أو الفتق بعد الرتق، أو معبر الوجود من الإطلاق إلى التقييد، أو من العماء إلى الأحدية ثم الواحدية!!
الحقيقة المحمدية
يعرفها الصوفية بقولهم: "هي الذات مع التعين الأول، ولها الأسماء الحسنى وهي اسم الله الأعظم" (انظر تحت المادة جامع الأصول في الأولياء للكمشخانلي والتعريفات للجرجاني) فمحمد الصوفية ليس بشراً، ولا رسولاً، وإنما هو الذات الإلهية في أسمى مراتبها!!
ويقول الدمرداشي :"حقيقة الحقائق هي المرتبة الإنسانية الكمالية الإليهة الجامعة لسائر المراتب كلها، وهي المسماة بحضرة الجميع، وبأحدية الجمع، وبها تتم الدائرة، وهي أول مرتبة تعينت في غيب الذات، وهي الحقيقة المحمدية (ص 7 رسالة في معرفة الحقائق لمحمد الدمرداشي) ويقول الكمشخانلي : "صور الحق هو محمد؛ لتحققه بالحقيقة الأحدية والواحدية (ص 107 جامع الأصول للكمشخانلي) فمحمد عندهم هو الاسم الأعظم، فما الاسم الأعظم؟ إنه "الجامع لجميع الأسماء، أو هو اسم الذات الإلهية من حيث هي هي أي المطلقة (ص 92 المصدر السابق)"!!
ومحمد هو الأحدية ! فما هي؟ إنها "مجلى الذات الإلهيةن ليس للأسماء، ولا للصفات، ولا لشئ من مؤثراتها فيه ظهور، فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية (أي لا توصف بأنه حق، أو خلق في تلك المرتبة) والخلقية(عن جامع الأصول تحت مادتي الأحدية والواحدية وعن الإنسان الكامل للجيلي جـ 1 ص 30)".
ومحمد هو الواحدية، فما هي عندهم؟ إنها "عبارة عن مجلى ظهور الذات فيها صفة، والصفة فيها ذات (عن جامع الأصول تحت مادتي الأحدية والواحدية وعن الإنسان الكامل للجيلي جـ 1 ص 30)" والفرق بين الأحدية والواحدية : "أن الأحدية لا يظهر فيهاشئ من الأسماء والصفات، أما الواحدية فتظهر فيها الأسماء والصفات (عن جامع الأصول تحت مادتي الأحدية والواحدية وعن الإنسان الكامل للجيلي جـ 1 ص 30)" وبهذا يتجلى لك أن الصوفية تعتقد في محمد أنه هو الله سبحانه ذاتاً وصفة، وأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنه هو الوجود المطلق، والوجود المقيد، أنه كان لا شئ قبله، أو معه، ثم تعين في صور مادية سمى في واحدة منها بجماد، وفي أخرى بحيوان، وهكذا حتى اندرج تحت اسمه كل مسمى، وصدقت ماهيته على كل ماهية!

من هدي الله
ذاك هو محمد الصوفية، أما محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فقد جلانا لنا ربه وخالقه، ومن اصطفاه رحمة للعالمين. جلا لنا حقيقته في قوله الحكم ( 18 : 110 قل: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد).
ترى هل يصدق على كل بشرى أنه هو ذات الله، واسمه الأعظم؟ إن الدين الصوفي يستلزم هذه الزندقة، بل يستلزم إطلاق تلك الصفات والأسماء على فرعون وأبي جهل – وغيرهما من طواغيت الكفر – فيصف كلاً منهم بأنه : هو الوجود الإلهي في تعينه الأول؛ إذ كلهم بشر!.
ونحن نؤمن – كما هدى القرآن والسنة – بأن أول خلق الله هو القلم أو العرش فمتى خلقت أسطورة الحقيقة المحمدية الصوفية؟! ونعلم بالتواتر القطعي أن عبد الله ابن عبد المطلب تزوج آمنة بنت وهب، وأنهما أنجبا طفلاً سمى محمداً، وأنه نشأ نشأة الخير والطهر والشرف والكرامة، وضيء الطفولة، نقي الصبان طهور الشباب؛ فلم يشب نقاء صباه ريبه، ولم تهف بقدس شبابه نزعة هوى، ولا نزعة صبوة، فكانت دنياه كلها معبداً يطيب أصائله وعشاياه وأسحاره بذكر الله وحده.
ونعلم أنه جد في الحياة راعي غنم، ثم تاجراً، فكان في حالية المثل الأعلى في الجد القوي الصالح، والأمانة التي تعتصم بالتقوى، والحكمة الحكيمة في كل مايصرف به شئن دنياه، والرعاية التي تقدس الحق والواجب لكل ما حمل من أمانة، وأنه كان في كل أطوار حياته الكامل في الأدب والخلق، وحكمة العقل وسمو العاطقة، ونباغة الفكر، وقوة الإرادة ومضاء العزيمة، وجلال الشرف، وعزة الكرامة، ونبل المروءة، وكرم الإيثار والنجدة، وسماحة النفس، فلم يغمر قلبه إلا حب الله، ولم تنزع به الإرادة إلا إلى الخير، ولا العاطفة إلا إلى السم، ولا الفكر إلا فيما ينالا به رضاء الله. جواداً مسماحاً في سخائه وبره، محسناً كل الإحسان في كل ما أنعم الله به عليه، فلم يغضب إلا للحق، ولم يجبن إلا عن الذنب، ولم يطمع إلا فيما هو عند الله، ثم اصطفاه ربه خاتماً للنبيين، فجاهد في الله حق جهاده، وبلغ كل ما نزل إليه من ربه، وشهد الله له بذلك، قم قبضه الله غليه بعد أن صارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فصلوات الله وسلامه عليه.
هذا قبس نستهدي به من حياة محمد صلى الله عليه وسلم، فقل لي عن الحقيقة المحمدية، تلك الأسطورة الصوفية الموغلة في تيه القدم والعدم: من أبوها؟ من أمها؟ ومم خلقت؟ ولمن أرسلت؟
شأن محمد
وتزعم الصوفية أن شأن محمد هو شأن الله!! اسمع إلى صوفي يقول: "شأن محمد في جميع تصرفاته شأن الله، فما في الوجود إلا محمد" ويقول : "لا يدري لحقيقته غاية، ولا يعلم لها نهاية، فهو من الغيب الذي نؤمن به" ويقول : ولما كانت بشريته صلى الله عليه وسلم نوراً محضاً، كانت فضلاته مقدسة طاهرة، ولم يكن لجسمه الشريف ظل كالأجسام الكثيفة، وهذا النور المحمدي، هو المعني بروح الله المنفوح في آدم، فروح الله نور محمد (هذه النصوص عن كتاب النفحات الأقدسية للبيطار ص 9 ، 11، 13)"
المهاجر من مكة
يقول ابن عربي: "اللهم أفض صلة صلواتك وسلامة تسليماتك على أول التعينات المفاضة من العماء الرباني(العماء عند الصوفية"هو الحضرة الأحدية، وهذه تتعين بالتعين الأول لأنها محل الكثرة وظهور الحقائق والنسب الأسمائية، جامع الأصول مادة العين)، وآخر التنزلات المضافة إلى النوع الإنساني، المهاجر من مكة – كان الله (نصب لفظ الجلالة باعتباره خبراً لكان، فيكون معنى الجملة "المهاجر من مكة هو الله"). ولم يكن معه شئ ثان – إلى المدينة، وهو الآن على ما عليه كان، محصي عوالم الحضرات الخمس (يجعلها القاشاني ثلاثاً فقط "الفردية وهي حالة وجود الذات الإلهية في عين الجمع حيث كانت، ولم يكن معها شئ ثان، الثانية حضرة الوترية وهي حالة بقائها بعد فناء كل شئ في مقام الجمع، الثالثة حضرة المعية وهي حالة وجودها مع كل شئ في عالم التفرقة، والأولى ماوردت الصفات منها، والثانية ما صدرت إليها، والثالثة ما وردت إليها ثم صدرت عنها" كشف الوجوه الغر ص 133) في وجوده، سر الهوية في كل شئ سارية، الجامع بين العبودية والربوبية الشامل للإمكانية والوجودية(ص 2 مجموع الأحزاب ط استامبول سنة 1298هـ) أرأيت إلى قطب الصوفية الأكبر في غي إلحاده الأكبر، يفتري أن محمداً هو الله، وتأمل دهاء مكره، فيما يعبر به عن كفره، في قوله: "المهاجر من مكة كان الله ولم يكن معه شئ ثان إلى المدينة" إنك حين تقرأ تلك الجملة دون تدبر ستظن أن فيها خللاً، وأن جملة "كان الله، ولم يكن معه شئ ثان" لا صلة لها بما قبلها، ولا بما بعدها، وأعترف أني خدعت، فظننت أن هذه الجملة مقحمة، وحرت في إدراك هدف ابن عربي من وضع تلك الجملة التي تبين عن حق كريم بين باطل عربيد وآخر لئيم! بيد أني عدت إلى النص أتلوه، وفي فكرن دين ابن عربي، وثمت بدالي هدفه في وضح جلاء، وتبين لى أن الجملة ليست مقحمة، وإنما هي لحمة دينه وسداه، فلنعد إلى الجملة نرتبها كما تحتم قواعد اللغة الصحيحة "المهاجر من مكة إلى المدينة كان الله، ولم يكن معه شئ ثان" ما زدنا شيئاً على قوله، ولا نقصاً منه، وكل ما فعلناه هو وضع قوله : "إلى المدينة" موضعه، بعد أن نأى به ابن عربي عنه؛ ليمكر به، ويلتوي على القراء فهمه! بهذا يبدو لك جلياً أن ابن عربي يفتري أن المهاجر من مكة إلى المدينة لم يكن هو محمداً رسول الله، وإنما كان هو الله متجلياً في صورة اسمه فيها "محمد".
ولا ريب في أنك تعرف أن صاحب الرسول في الهجرة كان أبا بكر غير أن ابن عربي يقول :"ولم يكن معه شئ ثان" يعني أن أبا بكر هو الآخر لم يكن إلا الله متعيناً في صورة اسمه فيها: "أبوبكر"!
ومات محمد صلى الله عليه وسلم، ومات من بعد أبوبكر! فأي إله هذا الذي يتجرع عصة الموت مرتين؟ بل ما ذلك الإله الذي يموت ويحيا في كل لحظة آلاف المرات؟!
لقد دانت الصوفية بأن الرب الأكبر هو عين خلقه! وفي كل لحظة يعبر بها الوجود تفنى حياة، وتنبثق حياة، فياللصوفية! يعبدون رباً يموت آلاف المرات، ويولد آلاف المرات في آن واحد!
ومحمد الصوفية له مظهران، أو اعتباران، فهو عبد أو خلق باعتبار ظاهرة، وهو رب أو حق باعتبار باطنه، ولهذا يصفه ابن عربي – باعتبار ظاهره – بأن له العبودية ويصفه – باعتباره باطنه – بأنه له الربوبية! يصفه بأن له الإمكانية باعتبار ناسوته، وبأن له الوجوبية، باعتبار لا هوته!.
والنابلسي في شرحه لصلاة ابن بشيش يقول :"ما صلى على محمد إلا محمد، لأن صلاة العبيد عليه، صدرت منهم بأمره منهم من صورة اسمه (ص 557 مجموع الأحزاب ط استامبول)".
كرة من الحق على الباطل
أما محمد خاتم النبيين، صلى الله عليه وسلمن فيهدينا الله إلى حقيقته بقوله : (3 : 144 وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات، أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟). وفي قوله سبحانه "قد خلت من قبله الرسل" حجة من الحق تزهق الباطل الصوف كله.
وأما اعتقاد المسلمين في نبيهم الحق، فهو أنه صلى الله عليه وسلم "بشر مثلنا يوحى إليه" فالقرآن – وهو كلام الله وهداه ورحمته – يفرض عليهم الإيمان بذلك، فلا مناص من الإخبات له بالقلب والفكر والشعور، ويزيدنا القرآن هدي؛ إذ يقرر أن بشرية الرسول الأعظم مثل بشريتنا، في أسول من القول مشرق الإعجاز في بلاغة البيان وفصاحته، في أسلوب يفرض على الفكر الإيمان بمعناه البين دون أن يشتبه معناه الحق حتى على الأمي الجاهل، وذلك في قوله (18 : 110 قل: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد)
كلام هو الحق والحكمة والهدى في أسلوب جلي جلي محكم محكم، لا يأذن حتى لخاطرة واهية من ظن أن تقتحم عليك فدس يقينك، أو أن تحوم خفية حوله أو تفسد عليك شيئاً ما من فهمك لمعنى الآية. ومن تدبر "بشر مثلكم" لرأى أشعة الهدى الإلهي الأعظم تغمر حوله الوجود كله، وتهديك إلى الحق الذي يجب أن تؤمن به. ألا تراها تجعل بشريتنا هي المقياس الذي به نقيس بشرية رسول الله الكريم، حتى لا يفتننا حب هذه البشرية الطهور، فنظنها خلقاً آخر، أو نوعاً من البشرية يغاير في حقيقته بشريتنا، فلا ندرك كنهها، ولا شيئاً من خصائصها؛ لأنها لم تتحقق إلا في فرد واحد؟ لقد كان يكفي في الدلالة على المعنى أن يقال :"قل: أنا بشر" أو"أنتم بشر مثلي" ولكنه سبحانه – وهو الحكيم العليم الخبير – شاء أن يعرفنا بشرية محمد صلى الله عليه وسلم بما نعرفه نحن من خصائص هذه البشرية التي فطرنا عليها، وبما نبتليه من قيمها ومقوماته، وبما نعالج من غرائزها وعواطفها (غرائز البشرية الصالحة وعواطفها نفس غرائز البشرية الطالحة وعواطفها في الفطرة والفرق أن صاحب الأولى وجهها وجهة الخير، ووجهها الآخر وجهة الشر) وبما نعلمه- عن الله – من حقيقة بدئها. وغاية منتهاها، وبما نتجاوب به مع رواد الوجود من حب أو كراهية. ولذا طعم صلى الله عليه وسلم، وشرب، وتزوج، ونجل خير البنين. وذاق الشبع والجوع والمرض، ومست قلبه الأحزان، وذرفت عيناه الدموع، وجاشت نفسه برحمة البكاء، وغير ذلك مما قضاه الله على البشرية من أقدار في هذه الحياة، ثم جاءه صلى الله عليه وسلم ملك الموت الذي وكل بنا.
غير أن بشريته صلى الله عليه وسلم آمنت حق الإيمان بما هداها الله إليه، وأنعم عليها به، فأدت حق الله كاملاً من الحق والشكر، وحلقت فوق قمة السمو الإنساني الأعظم، فكانت وحدها هي النجم الأرفع الأسمى، وتألقت بعبوديتها الخالصة فوق أعلى أفق للتوحيد الخاص، فما زلت بها عاطفة لإثم، ولا هفت بها غريزة إلى ذنب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اتخذ الله وحده رباً له، وجعل رضاه غايته والدعوة إليه هدف كفاحه وجهاده. والغاية العظمى لدنياه، والفلك الأعظم الذي تدور فيه حياته.
ثم تدبر ما حكم الله به على المشركين الذين قالوا : (25 : 7 ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) إن جل شأنه حكم عليهم بأنه ضلوا فلا يستطيعون سبيلاً! لتعلم أن هذا الذي استنكره المشركون ليس إلا قدر الله العدل الحكيم الذي قضاه على البشرية، وقسطاً من أقساطها في الوجود. وأنه لا يمس مقام النبوة بأثارة من ضعة، إذ النبي – قبل كل شئ – بشر، والبشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق!.
وتدبر ما وصف الله به رسله جميعاً (21 : 9 وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين) (25 : :20 وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق) تدبر هذه الآيات؛ لترد بها فرية الوثنية التي تزعم أن محمد صلى الله عليه وسلم نجم الحياة الأبدية الخالدة في الدنيا، وأن فضلاته كانت مقدسة طاهرة وإشعاعاً من أضواء الربانية!.
لماذا – إذن – كان يتوضأ صلى الله عليه وسلم، ويتيمم، ويغتسل؟.
وتدبر خطاب الله لنبيه ( 39 : 30 : 31 إنك ميت، وإنهم ميتون) ذكر موتنا عقب ذكر موته؛ لنهتدي إلى أن الموت الذي قضي علينا هو عين الموت الذي قضي على نبيه صلى الله عليه وسلم! ورغم هذا – على ما فيه من وضح وجلاء – وجد من يزعم أن موت محمد معناه الحياة السرمدية،وجد من يضع للفظ نقيض معناه، أو يضع للفظ إسفاف الشهوة من هواه!.
يقول الصوفية: "إنه صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس، أو مكان أراد بجسده وروحه، وأنه يتصرف، ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت، وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته، لم يتبدل منه شئ (ص 219 جـ 1كتاب رماح حزب الرحيم لعمر بن سعيد الفوني ط 1345)".
وتدبر تلك الآيات التي يعاتب الله فيها سبحانه نبيه : (17، 73، 74، 75 وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك؛ لتفتري علينا غيره، وإذاً لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك، لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، ثم لا تجد لك علينا نصيراً).
وعيد جليل الكبرياء، أحدي القهر والجبروت، أفتدرك منه وعيد رب لمثله، أو لنفسه، أم وعيد قادر قهار متعال له ملكوت السموات والأرض لأشرف عباده، وخاتم رسله؟! أفلو كان محمد رباً يشرك الله في ربوبيته وإلهيته – كزعم الصوفية – أكان يبتليه الله بمثل ذلك الوعيد الذي يغمر النفس خشيةً ورهبة، ويقهر عبوديتها قهر الرضى والحب على أن تخبت لله وحده، وعلى ألا تتعدى حدوده قيد لحظة، أو خاطرة!؟.
وهل أشد على نفس المؤمن من أن يتوعده الله بفقدان النصير، وبعذاب يتجرعه ضعف الحياة، وضعف الممات؟!
أفي قضايا العقل – ودينكم يؤمن بربوبية محمد – أن يتوعد الرب نفسه، وينذرها بعذاب الحياة والموت تصلاه ضعفين، وبالوحدة الصماء تقتل في النفس الشعور بالحياة؟!
أشرف صفات الرسول في أشرف مقاماته
والله سبحانه يصف رسوله بأشرف الصفات – وهي العبودية – في أشرف مقاماته، وأخلدها ذكراً، وأجلها أثراً وغاية (17 : 1 سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) يصفه ربه بالعبودية الصرفة الخالصة وحدها في تلك الليلة التي استشرف فيها قمة السمو الأعظم، وتألقت أمجاده الخوالد الذكريات. آه لو قيل : "أسرى بمحمد" فحسب، إذن لراح الصوفية يثيرون ما يفتنون به من شبهات لا تجد من اللفظ النور القوي الذي يبددها، أذن لآلوا أن محمداً لم يكن بشراً، ولا عبداً، وإنما كان روحاً إلهياً سخرت لقدرته الآفاق، وعبدت لقهره متون الفضاء، فجاءت كلمة "عبده" في الآية حجة الحق المتلألئة التي تبيد الظنون، وتبدد كل شبهة تختلس الفتنة للعقول بأوهامها. جاءت برهاناً ربانياً – لا ينقض أبداً – على أن محمداً صلى الله عليه وسلم، ما كان إلا بشراً يوحى غليه، حتى في تلك الليلة التي وقف فيها دون عرش ربه الأعظم، يقبس من نور الله وهداه، فما بالك به في كل أصائل عمره وعشاياه؟!.
ويصفه سبحانه بالعبودية في مقام الدعوة إليه (72 : 18 وأنه لما قام عبد الله يدعوه، كادوا يكونون عليه لبداً) وتدبر إضافة "عبد" إلى "الله" ليغمر يقين الحق قلبك، فلا يشتبه عليك الفرق الجليل العظيم الكبير بين عبودية محمد وربوبية ربه وألوهيته، ولا تفتنك مجوسية الصوفية تبهت الحق بزعمها أن محمداً هو الله!!
ويصفه سبحانه بالعبودية في مقام هو الفيصل الحق الأكبر بين كون محمد دعياً، وكونه نبياً، ذلك هو مقام التحدي بالمعجزة العظمى، معجزة القرآن (2: 23 وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، فأتوا بسورة من مثلة).
والرسول نفسه يضع لنا على الطريق صوى ومنارات؛ حتى لا نحيد عنه، فنهلك، ويرشدنا إلى الحق؛ حتى لا تزيغ بنا غلواء الشاعرية في الحق، فيقول صلى الله عليه وسلم: "لاتطروني، كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" ويدوي صوته الأخاذ الرائع بصيحة الحق، يعظ بها ذلك الصحابي الذي جرفه غلو الحب، فقال لنبيه :"أنت سيدنا!" فصاح به؛ ليصمت، ثم أرسلها تعبر الأجيال والأحقاب والدهور عظة شافية هادية "إنما السيد الله تبارك وتعالى (عن حديث رواه النسائي بسند جيد)" فما إن تهامست تحت قبة الفلك الأصداء الراعشة الخافتة الواهنة المذعورة من قولة الصحابي، حتى تجاوب الوجود كله بدوي الصيحة الهادية من الرسول، تحول بين الأخر وبين أن تطمئن في سمع، أو تهز وتراً من قلب، وما زالت قلوب المؤمنين تتجاوب بعظة محمد العظيم في حب وإجلال. فصلى الله عليه وسلم.
وفي الصلا – وهي شعيرة الحب العابد – علمنا الرسول عن أمر ربه أن نشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، ولكن الصوفية تأبى إلا أن تدين بأن ذلك الحق باطل وخطيئة، فتكذب الله ورسوله، وتقول: لا بل محمد هو الرب الأعظم!
وفي حديث الشفاعة يقص علينا الرسول صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام – وقد ناشده الخلق أن يستأذن ربه في أن يشفع لهم عيسى عنده – يقول: "اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" ولكن الصوفية تأبى إلا اتهام عيسى بالحقد على محمد، وجحود فضله، فتقول : لا، بل هو رب نعبده، ونضرع إليه أن يهب لنا ما يملكه الله وحده، فيهتف الصوفية حتى يصكوا سمع الصخر – إن كان له سمع - :"الشفاعة يا محمد"!
تدبر ما ذكرتك به من آيات الله؛ لتؤمن أن محمداً صلى الله عليه وسلم، لم يبلغ ما بلغ من عظمة وكمال وسمو إلا بإخلاص الدين لله وحده، وأنه كان بشراً يوحى إليه، لا الله، ولا شريكه كما تفتري الصوفية!

آراء المستشرقين
(لا أذكر رأي هؤلاء احتجاجاً به، وإنما هو لبيان أن هذا الحق، قد أدركه هؤلاء المستشرقون على عدواتهم، فقرروه. على حين يعاديه الصوفية ويكفرون به).
ومما يلوع النفس بالحسرة، والقلب بالأسى أن يدرك المستشرقون – على عداوتهم للإسلام – هذا الحق، ويظل الصوفية – ومنهم أحبار كبار يختالون أنهم أئمة الإسلام – مصرين في جحود أصم على عداوة ذلك الحق. يقول نيكلسون : "إذا بحثنا في شخصية محمد، في ضوء ما ورد عنه في القرآن من آيات، وما أثر عنه من الحديث في الصدر الأول، وجدنا الفرق شاسعاُ بين الصورة التي صور بها في ذلك العهد، وبين الصورة التي صور بها الصوفية أولياءهم، أو تلك الصورة صور بها الشيعة إمامه المعصوم. وظهر من المقارنة أن صورة شخصية الرسول لا تفضل عند الموازنة صورة الولي الصوفي، أو صورة الإمام الشيعي، إن لم تكن دونهما، ذلك أن الولي الصوفي والإمام المعصوم، قد وصفا بجميع الصفات الإلهية، بينما وصف الرسول القرآن بأنه بشر فيه كل ما للبشر من صفات، وأنه ينزل عليه الوحي من ربه بين آن وآخر، ولكنه لا يتلقاه مباشرة عن الله، بل بواسط الملك، وأنه لم ير الله قط، أو يطلع على أسراره، وأنه لا يتنباً بالغيب، ولا يفعل المعجزات، أو خوارق العادات، بل هو عبد من عباد الله ورسول من رسله (ص 158 في التصوف الإسلامي ترجمة الدكتور عفيفي)" ثم يتحدث الرجل عن محمد عند الصوفية، فيقول : "فمحمد إذن ليس المصدر الذي يستمد منه جميع الأنبياء والأولياء علمهم بالله، فحسب، بل هو الحقيقة الإلهية السارية في الوجود بأسره، كما أنه العلة الأولى في خلق كل ما هو مخلوق، والعقل الكلي الذي يصل ما بين الوجود المطلق "الله" وبين عالم الطبيعة، وليس العالم إلا صورة الحقيقة المحمدية، كما أن الحقيقة المحمدية ليست إلا صورة الله (ص 160 المصدر السابق)"
ويقول جولدزيهر: "إن صورة النبي كما صورتها السنة، قد أصابها التعديل والتحوير، لكي تتلاءم مع تقديس الأولياء، حتى نجم عن ذلك أن العقائد الشعبية، وضعت صورة للنبي تتارض تماماً مع البيانات البشرية التي صور بها القرآن والسنة مؤسس الإسلام الأول (ص 234 العقيدة والشريعة لجولد زيهر).
ويقول هنيرش بكر :"من الثابت أن الغنوص قد أثر في إيجاد هذه الصورة التي صورتها العصور الوسطى الإسلامية المتأخرة لمحمد، وكان سبباُ في إيجاد ما يشبه عبادة محمد، وهذه العبادة، وتلك الصورة مخالفتان لما كان عليه الإسلام الأول كل المخالفة، أما أولياء الله في الإسلام، ففي مقابل الأرواح القدسية في الهيلينة "هم الكائنات الروحية الوسيطة بين الذات الإلهية وبين المادة عند الغنوصية" حتى أن محمداً – وهو نموذجهم الأعلى – ينتهي بأن يصبح هوالعقل الموجود منذ الأزل، وأن يكون الرحيم المخلص القدير، وعن طريق هذا المذهب، انقلبت فكرة الوحي التي كانت موجودة في الإسلام الأول إلى ضدها (ص 12 التراث اليوناني ترجمة الدكتور بدوي)".
ويقول فيليب حتى :"والعقيدة الثانية في باب الإيمان هي أن محمداً رسول الله، وخاتم النبيين، وفي علم الإلهيات القرآني ليس محمد إلا بشراً لم يتم الله على يده منالعجائب غير إعجاز القرآن، إلا أن التقاليد والأساطير التي اصطنعتها العامة، من بعد، نسجت حول هامة الرسول هالة من النور الإلهي (ص 177 جـ 1 تاريخ العرب العام لفيليب حتى.)" وهكذا يدرك يهود ومسيحيون حقائق من الإسلام يتعامى عنها أحبار الصوفية، لقد تجرد أولئك المستشرقون قليلاً من التجرد، ولكنهم فهموا كثيراً من الفهم الصائب، فوصفوا الحق ببعض صفاته، ولولا أنك على بينة من عقائدهم الأسطورية الباطلة، لظننتهم في قولهم هذا مسلمين يتهجدون في المحاريب في نور من القرآن!.
أو يرضيك أن يصدع بذلك الحق، قوم لم تلن قلوبهم لدين الحق، وأن يسجد الصوفية للباطل، يعبدون خرافاته، ويمجدون أساطيره، ويزعمون أنهم أئمة الدين وأعلامه!.
لقد تزعمت يا سماحة الشيخ هذه الجماعة التي دوخها الباطل، فهلا ذكرتهم بهي الله، وجاهدتهم؛ لتحملهم عليه، فيؤمنوا به، وتخبت له قلوبهم؟!
كل شيء من نور محمد
بهذا يدين الصوفية، وفيه يتغزلون، ولقد عبر الدباغ عن هذه الأسطورة إذ يقولك"اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسماوات وأرضين وجنات وحجب، وما فوقها، وما تحتها إذا جمعت كلها، وجدت بعضاً من النبي، وأن مجموع نوره، لو وضع على العرش، لذاب، ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش، لتهافتت، ولو جمعت المخلوقات كلها، ووضع ذلك النور العظيم عليها، لتهافتت، وتساقطت (ص 84 جـ 2 الإبريز)".
ويقول تيجاني: "لما خلق النور المحمدي، جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جميعاً جمعاً أحدياً، قبل التفصيل في الوجود العيني، وذلك في مرتبة العقل الأول (ص 14 جـ الرماح لعمر بن سعيد)".
ويقول الحلواني في قصيدته "المستجيرة" يخاطب رسول الله.
أنشأك نوراً ساطعاً قبل الورى فرداً لفرد، والبرية في العدم
ثم استمد جميع مخلوقاته من نورك السامي، فياعظم الكرم
فلذا إليك الخلق تفزع كلهم في هذه الدنيا، وفي اليوم الأهم
وإذا دهتهم كربة فرجتها حتى سوى العقلاء في ذاك انتظم
جد لي، فإن خزائن الرحمن يداك اليمين، وأنت أكرم من قسم (ص 14 وما بعدها من رسالة لأحمد عبد المنعم الحلواني)".
والله تعالى يقول : (23 : 12 ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)، ومحمد صلى الله عليه وسلم إنسان. وإلا فليأتوا له بصفة أخرى! والرسول نفسه صلى الله عليه وسلم يقول: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم (مسلم وأحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها)".
تحدث الرسول عن النور، وعمن خلق منه، فلم يذكر نفسه أنه مخلق من نور، كما ذكر الملائكة، وتحدث عن آدم الأب الأول للبشرية،وعن خلقه، وأنه خلق مما ذكر الله في القرآن، يعني من طين لازب، ومحمد صلى الله عليه وسلم ابن آدم!، فلمن تنتسب الحقيقة المحمدية الصوفية؟!.
وفي كتاب الله آية واحدة تدك وحدها كل ما يوفض إليه الصوفية من نصب أقاموها لهذه الأسطورة، تلك هي قوله سبحانه لنبيه (: 3: 128 ليس من الأمر شيئ) وكلمة شئ أوسع كلمة في العربية دلالة على العموم والشمول، حتى أطلقها بعضهم على الموجود والمعدوم، بل يعمم ابن عربي دلالتها، حتى يجعلها تتناول الصور الذهنية! وفوق هذا جاءت كملة "شئ" نكرة في سياق النفي فزاد عمومها وشمولها.
وتدبر قوله سبحانه : (46: 9 قل : ما كنت بدعاً من الرسل، وما أدري ما يفعل بي، ولا بكم، إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ، وما أنا إلا نذير مبين).
فهل يدين الصوفية في الرسل جميعاً بما يدينوه به في محمد، إذ ليس هو "بدعاً من الرسل"؟!
وتدبر قوله سبحانه لنبيه: (72: 21، 22 قل: إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً، قل: إني لن يجيرني من الله أحد، ولن أجد من دونه ملتحداً).
هذا هو هدي القرآن، فقارن بينه، وبين ما افترته الصوفية من إفك حول النور المحمدي الذي خلق منه كل شئ!! وثمت توقن أنه ليس في الإمكان – حتى في النادر منه – إيجاد نسب ما بين ما هدى الله إليه وبه من الحق، وبين ما ضل به الصوفية، وأضلوا خلقاً كثيراً.
تدبر قول الله تجد الهدى في إشراقه، والحق في جلاله والحكمة في نورها الإلهي، وتأمل إفك الصوفية، تجده قيئاً من الكفر المتقيح!!
أكان محمد يعرق القرآن قبل نزوله؟
مما تأفكه الصوفية أن جبريل عجب حين رأي محمداً يتلو القرآن قبل أن يعلمه إياهّّ فسأل جبريل، فأجابه النبي: ارفع الستر مرة حين يلقى إليك الوحي، ففعل جبريل، فرأى محمداً هو الذي يوحى إليه، فصاح مسبحاً: منك، وإليك يا محمد؟!!
وما زال يهذي بهذه الأسطورة في الرحاب الفساح من الأزهر رجل لا عمل له سوى إثارة الحرب مؤرثة الأحقاد على الكتاب والسنة!!
ويتناقل هذه الأسطورة صوفي عن صوفي كل حمأة وثنية، أو حانة صوفية. ولم لا؟ وقد فح بهذه الفرية أفعوان الصوفية الأكبر ابن عربي؛ إذ يقول مفسراً قول الله سبحانه (20: 114 ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يوحى إليك وحيه) : "اعلم أن رسول الله أعطي القرآن مجملاً قبل جبريل من غير تفصيل الآيات والسور، فقيل له: لا تعجل بالقرآن الذي عندك قبل جبريل، فتلقيه على الأمة مجملاً، فلا يفهمه أحد عنك لعدم تفصيله(ص 6 الكبريت الأحمر للشعراني على هامش اليواقيت والجواهر ط 1307هـ)".
رد هذه الفرية
وبطلان هذه الفرية بدهي يحكم به من في قلبه بارقة من إيمان، بيد أن غشاوة الصوفية على بصائر معتنقيها حالت بينها وبين إدراك الحقيقة الإيمانية الأولى، وهي أن رب الوجود هو الله وحده لا شريك له، فلم لا تحول بينها وبين إدراك بطلان تلك الفرية؟! لهذا نذكرك بهدي الله سبحانه : (53: 5-7 علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى؛ وهو بالأفق الأعلى). آيات بينات تهديك إلى أن الذي علم رسول الله القرآن هو جبريل، وإلى أنه صلى الله عليه وسلم: لم يكن على علم بشئ ما منه قبل أن ينزل جبريل به عليه.
(25: 32، 33. وقال الذين كفروا: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً، ولا يأتونك بمثل، إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً).
ويقول ابن عربي أنه نزل عليه جملة واحدة، فقوله قول الكافرين!! ومن قوله سبحانه (إنا أنزلناه في ليلة القدر) نؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يعلم بآية ما من كتاب ربه إلا في ليلة القدر، فمتى علم الرسول القرآن مجملاً؟ أقبل ليلة القدر، أم بعده؟ ومن علمه إياه مجملاً؟ أجبريل، أم غيره؟ ائتوني بأثارة من علم، إن كنتم صادقين. ويهب الله للحق برهاناً تنجاب به كل ريبة : (42: 52 وكذلك أوحينا إليك ورحاً من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب، ولا الإيمان) أيفهم الصوفية، أم هي اللجاجة في العناد؟ (10 : 15، 16. وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات، قال الذين لا يرجون لقاءنا: إئت بقرآن غير هذا، أو بدله، قل : ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن أتبع إلا ما يوحى إلي، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، قل: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمراً من قبله، أفلا تعقلون؟).
وفرية الصوفية تناقض هذه الحجة الإلهية على صدق محمد.
أولا يذكر الصوفية أن رسول الله حين فجأه الوحي، كان يقول – وجبريل يغطه: "ما أنا بقارئ"؟!
وأنه عاد إلى زوجه الطيبة الطهور في خوف وقلق، وأن هذه المؤمنه العظيمة قالت له قولتها التي طيبها الإيمان بروحانيته "والله لا يخزيك الله أبداً"
أفكان يحدث هذا، أو بعضه، لو أنه صلى الله عليه وسلم، كان على بينة من القرآن، قبل نزوله عليه؟ لم قال: ما أنا بقارئ؟ يكررها ثلاثاً؟ لم عاد خائفاً حتى زملوه ودثروه؟ لم بث ذات نفسه إلى زوجته خديجة، ولم ذهب معها إلى ورقة بن نوفل؟! كل هذا حدث منه صلى الله عليه وسلم حتى بعد نزول الوحي عليه!! أهذه دلائل علم سابق بالقرآن، ويقين جازم به قبل نزول جبريل عليه به في ليلة القدر؟، أم دلائل مشاعر نفس مؤمنة تقية، فجأها من لله سبحانه، ما لم تكن تدريه من قبل؟!
واهاً للصوفية!! تبصر نور الشمس يتوهج، فتقول ياللظلام الدامس!! كبعض الطير يعشيه النهار!!
ولقد كان أعداء الرسول يسألونه محرجين متعنتين، يبتغون تكذيبه، والتجديف عليه، فلم يكن يجيبهم بشئ – لأنه لا يعرف الجواب – عما سألوه عنه، إلا بعد أن ينزل جبريل عليه به. سألوه عن الروح، وعن فتية الكهف، وعن ذي القرنين، فقال صلى الله عليه وسلم: غداً أجيبكم!! وأنساه حرصه النبيل على إقامة الحجة عليهم وهدايتهم، فلم يقل: إن شاء الله، ففتر عنه الوحي حتى حز به الأمر، وبلغت به الشدة مبلغها، ولم لا؟ وعدوه متربص به، حريص على تكذيبه، وعلى أن يثير الشبهات حول رسالته، ورغم هذا يفتر عنه الوحي!! ثم من الله عليه به، فعلم عن الله جواب ما سألوه عنه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل: "لقد رثت على، حتى ظن المشركون كل ظن" فنزل قوله تعالى : (19: 64 وما نتنزل إلا بأمر ربك (انظر تفسير ابن كثير في هذه الآية). أفكانه يحدث هذا، لو أن رسول الله، كان على بينة من القرآن قبل نزوله؟ لماذا لم يجب من سألوه؟ لأنه لم يكن يعرف الجواب، ولكن ابن عربي يكفر بكل تلك الدلائل، ويفتري أسطورته، فتؤج في الصوفية كالنار في الهشيم، وتنتشر كالوباء الفتاك، وتظل ديناً يكتبه الشعراني ويهرف به حمقى الصوفية!!
وعذرنا في إطالة الرد على هذه الفرية أنها دين قوم يحسبون على الإسلام، ومن أئمته، وما زال عدو ربه "فلان" ينعت بها حتى اليوم في رحاب الأزهر، يضج بها نعيبه، والموذن يقول : الله أكبر!!
تعالوا إلى كلمة سواء
فما رأي صاحب السماحة في تلك الوثنيات؟ ألا يذكي في نفسك الحسرة، وفي أعماق قلبك السعير، أن ترى الصوفية تبهت الحق بما لم يبهته به إلحاد من قبل، وتجحد به جحوداً، ليس كعناده عناد، ولا كبغيه بغي. لا تدع رعب القلق يعصف بك، فيقلب على السهد جنبيك بحثاً عن كيد تكيد لنا به، بل (3: 61 تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).
نحب أن نحتكم إلى الكتاب والسنة. لا تقولوا: قال فلان، فما أذكركم إلا بقول الله. اذكروا ابن عباس حبر هذه الأمة، وهو يقول لمن جادله بقول نسبه إلى العمرين: "يوشك أن ينزل الله عليكم ناراً من السماء، فتحرقكم أأقول لكم: قال الله. وتقولون لي: قال أبوبكر، وقال عمر؟" فاحذروا أن يقع بكم ما أشفق من ابن عباس على مجادليه، واختر يا سماحة الشيخ للمحاجة أي مكان تشاء، ولن أقول لك قبلها: أنا المصيب، وإنما أقول لك ما علمه الله لنبيه – وهو الذي ملأ الله قلبه باليقين الثابت والهدى والحق – (34: 24 وإنا، أو إياكم، لعلى هدى، أو في ضلال مبين).
أما أن تشكو منا إلى النيابة – ولها احترامها – فهو فرار جبان من صدمة الحق، وعجز ذليل في الدفاع عن الرأي، ولا نرتضي – رغم ما صنعت بنا – أن تمشك ريبة من تلك النقائص، وأنت العالم الكبير الذي تولى من قبل الخطير الكبير من مناصب الأزهر!.
الفصل الرابع
وحدة الأديان
آمنت الصوفية بأن الله سبحانه هو عين خلقه، هذه الأسطورة – أسطورة وحدة الوجود – استلزمت عند الصوفية الإيمان بوحدة الأديان سواء منها ما نسجته عناكب الأوهام، وافترته أساطير الخيال، وفارت به الشهوات، أو ما أوحاه الله إلى رسله، ولهذا آمن الصوفية سلفهم وخلفهم بأن الإيمان والتوحيد عين الكفر والشرك، وبأن الإسلام على هداه وقدسه، عين الدين المجوسي في ضلاله ورجسه.
دين ابن عربي
وكعهدك بي أذكرك بما اختلقوه من إفك حول تلك الأسطورة؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حىّ عن بينة.
يقول ابن عربي:
عقد الخلائق في الإله عقائداً وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه (انظر شرح الفصوص لعبد الرحمن جامي شرح الفص الهودي)
ويقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان، ودير لرهبان
وبيت لأوثان، وكعبة طائف وألواح توراة، ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أني توجهت ركائبه، فالدين ديني وإيماني(ص 39 ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربي)
ويحذر ابن عربي أتباعه أن يؤمنا بدين خاص، ويكفروا بما سواه، فيقول: "فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه، فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك "هيولي" (الهيولي لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة، وفي الاصطلاح الفلسفي هي "ما به الشئ بالقوة، أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجيم من الاتصال والانفصال"، وقد استعملها ابن عربي هنا بمعنى القابل، أي الذي تنطبع فيه صور المعتقدات كلها، وينفعل بها، وتصدر عنه أفعاله طبقاً لمعتقداته المتنوعة.) لصور المعتقدات كلها، فإن الله تعالي أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد، فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور، وكل مأجور سعيد، وكل سعيد مرضي عنه(ص 191 وما بعدها فصوص الحكم بشرح بالي ط 1309هـ).
وهذا الدين الأسطوري يستلزم حتما\ً نفي عذاب الآخرة، فرب الصوفية في دينهم كل مشرك وكل موحد، ويستحيل أن يعذب الرب نفسه، ولهذا يقول ابن عربي:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ومالوعيد الحق(يعني بالوعد النعيم في الآخرة، ويعني بالوعيد عذاب الآخرة. يريد من هذا نفي العذاب مطلقاً في الآخرة حتى للمشركين) عين تعاين
وإن دخلوا دار الشقاء، فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمه وذاك له الكقشر، والقشر صائن(ص 94 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي).
وهكذا يوغل ابن عربي إيغالاً سحيقاً في الغلو العجيب من التناقض، ويكدح شيطانيته؛ لتبتدع من البدع ما يقضى به على بقية الخير اليتيمة من إيمان المسلمين! لقد آمن بأن الرب عين العبد، وأن الإيمان صنو الكفر حقيقة وغاية ، فما الذي يمنعه من الإيمان بأن الوعد عين الوعيد؟ وأن نعيم الجنة وكوثرها عين عذاب السعير وغسلينها؟ لم يمنعه شئ، فصرح كما ترى به! فأي قضاء على الدين والأخلاق، أشد طغياناً من ذلك، إذا كان العمل الصالح يستوي والعمل الخبيث، وإذا كانت الفضيلة عني الرذيلة، وإذا كان الخير قرين الشر، وما مصير الإنسانية لو أنها آمنت بهذه الصوفية؟!

الحكم بنجاة فرعون
وبهذا يحكم ابن عربي بنجاة فرعون موس، يقول معقباً على قوله تعال (قرة عين لي ولك) : "فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهراً مطهراً، ليس في شئ من الخبث (ص 201 المصدر السابق) ويقول عن فرعون أيضاً : "فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه، فقد عمته النجاة حساً ومعنى (ص 212 المصدر السابق)".
واقرأ بقية ما افتراه في "الفص الموسوي" من كتابه الفصوص، ففيه يفضل فرعون على موسى!.
دين الجيلي
الجيلي يؤمن بوحدة الوجود، كما بينت لك، وأنقل لك هنا نصاً يدينه، ويكشف عن معتقده هذا، وهو إيمانه بأن الله عين خلقه.
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة وأنت بها الماء الذي هو تابع
وما الثلج في تحقيقه غير مائه وغيران في حكم دعته الشرائع(تأمل سخريته بالشرائع، لا لشئ سوي أنها تحكم بالمغايرة بين الخلق والخالق في الذات والصفات. والجيلي يشبه الوحدة بين الله وخلقه بالوحدة بين الثلج والماء، فكلاهما عين الآخر، فالثلج ماء متجمد، والماء ثلج ذائب، فالمغايرة بينهام في الاسم، لا في الحقيقة، كذلك الله وخلقه، إذ المغايرة بينهما في الاسم فقط، كالمغايرة بين الماء في حال تجمده، وبينه في حال ذوبانه)
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء، والأمر واقع
تجمعت الأضداد في واحد البها وفيه تلاشت، وهو عنهن ساطع(ص 23جـ1 الإنسان الكامل للجيلي ط 1293هـ) ولإيمان الجيلي بوحدة الوجود، آمن بوحدة الأديان.
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى ومالي عن حكم الحبيب تنازع
فطوراً تراني في المساجد راكعا وإني طوراً في الكنائس راتع
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً فإني في علم الحقيقة طائع (ص 143جـ1 إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ط 1231هـ)
ويقول مفسراً لا إله إلا الله: "يعني الإلهية المعبودة ليست إلا أنا، فأنا الظاهر في تلك الأوثان، والأفلاك والطبائع، وفي كل ما يعبده أهل كل ملة ونحلة، فما تلك الآلهة كلها إلا أنا؛ ولهذا أثبت هلم لفظ الآلهة، وتسميته لهم بهذا اللفظ من جهة ما هم عليه في الحقيقة تسمية حقيقية لا مجازية... أنه أراد أن يبين لهم أن تلك الآلهة مظاهر، وأن حكم الألوهية فيهم حقيقة، وأنهم ما عبدوا في جميع ذلك إلا هو، فقال : لا إله إلا أنا، أي ما ثم من يطلق عليه اسم الإله إلا وهو أنا .. لا إله إلا أن، أي ما ثم إلا أنا، وكل ما أطلقوا عليه اسم الإله، فهو أنا(ص 69 جـ 1 الإنسان الكامل للجيلي، وتراه يصوب عبادة الأصنام، وعبادة الأفلاك، وعبادة الطبيعة، لأن هذه الأشياء التي عبدت ليست إلا ذات الله متعينة في تلك الصور، ومسماة بتلك الأسماء!!)".
هذه الوثنية الطاغية الجاحدة تبشر بها الصوفية حفية دائماً بتقديس عدو الله، كفرعون، وإبليس، ثم تزعم للناس أن أقطابها أحباء الله وأودّاؤه، وأنهم مشارق ألوهية وربوبية، وأن لهم القدرة الخلاقة القهارة التي تسخر الوجود كله لقبضتها الظلوم! لقد مجد ابن عربي فرعون، حتى فضله على موسى كليم الله، وهاهو الجيلي يمجد إبليس العدو الأول لله وللبشرية!
يقص الله علينا إباء إبليس عن السجود لآدم، وقوله :"أناخير منه" فيقول الجيلي: "وهذا الجواب يدل على أن إبليس من أعلم الخلق بآداب الحضرة، وأعرفهم بالسؤال، وما يقتضيه من الجواب" واقرأ بقية خطاياه في كتابه "الإنسان الكامل"؛ لتراه في إعجابه الرائع بإبليس، وتقديسه له، وحكمه بأنه في الفردوس يوم القيامة، يقول الجيلي ص 42 جـ 2 من الإنسان الكامل " لايلعن إبليس أي لا يطرد من الحضرة الإلهية إلا قبل يوم الدين؛ لأجل ما يقتضيه أصله، وهي الموانع الطبيعية التي تمنع الروح عن الحقق بالحقائق الإلهية، وأما بعد ذلك فإن الطبائع تكون لها من جملة الكمالات فلا لعنة، بل قرب محض، فحينئذ يرجع إبليس إلى ما كان عليه عند الله من القرب الإلهي.. قيل إن إبليس لما لغن هاج وهام لشدة الفرح حتى ملأ العالم بنفسه، فقيل له: أصنع هكذا، وقد طردت من الحضرة؟ فقال: هي خلقة أفردني الحبيب بها لا يلبسها ملك مقرب ولا نبي مرسل" هذا نص الجيلي بلفظه!
دين ابن الفارض
يقول في تائيته الكبرى:
فبي مجلس الأذكار سمع مطالع ولي حانة الخمار عين طليعة
وما عقد الزنار حكما سوى يدي وإن حل بالإقرار بي، فهي حلت
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد فما بار بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه يناجي بها الأحبار كل ليلة
وإن خر للأحجار في البد عاكف فلا وجه للإنكار بالعصبية
وما زاغت الأبصار من كل ملة وما راغت الأفكار من كل نحلة
ومااحتار من للشمس عن غرة صبا وإشراقها من نور إسفار غرتي
وإن عبدالنار المجوس،وما انطفت كماجاء في الأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غير، وإن كان قصدهم سواي، وإن لم يظهروا عقد نية
(الزنار هو ما يشده النصارى على أوساطهم، والبيعة (البيع) معابد النصارى، والبد هو الصنم أو بيت الأصنام، وصبا أي مال قلبه وفي البيت قبل الأخير، يشير إلى مايقال من أن نار المجوس التي ظلت تشتغل ألف عام خمدت ليلة مولد النبي)
حانات الخمر، ومواخير الخطايا، وصلوات اليهود (أماكن عبادتهم) وبيع النصارى وهياكل المجوس والصابئة، وبيوت الأصنام، ومجالس الذكر، ومساجد الله، كلها عن ابن الفارض ساح فساح يعبد فيها الله عبادة يحبها ويرضاها (يقول جولد زيهر: "مهما تظاهر الصوفيون بتقديرهم للإسلام، فلغالبيتهم نزعة مشتركة إلى محو الحدود التي تفصل بين العقائد والأديان، وعندهم أن هذه العقائد كلها لها نفس القيمة النسبية إزاء الغاية المثلى التي ينبغي الوصول إليها، ص 151 العقيدة والشريعة.)
الفصل الخامس
شيوخ الصوفية وكراماتهم
عبادة الأحبار والكهان
(لا ينكر مسلم إكرام الله لأوليائه بما وعدهم به من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ونستطيع أن نعرف من القرآن ما يكرم الله به أولياءه فقد وصفهم الله بأنهم المؤمنون المتقون، فاقرأ في القرآن ما أعده الله للمؤمنين المتقين، تعرف ما يكرمهم الله به، ولكنك لن تجد فيه ما يزعمه الصوفية)
ما ألحفت الصوفية في شئ إلحافها في الدعوة إلى اتخاذ شيوخها أرباباً من دون الله، ففرضت على الدرويش أن يكون وطاءً ذليلً لشيخه مستعبد الفكر سليب الإرادة كجثة الميت في يد الغاسل، وجعلت هذه العبودية الممتهنة أولى الدلائل على طاعة المريد لشيخه، وعلى حبه له، وعلى أنه يرقى معارج الوصول إلى حظائر القدس. اسمع إلى طيفور البسطامي يقول :"من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان (ص 147 كتاب الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية ط 1913م)" وغلى صاحب لطائف المنن يزعم : "من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع، ويكشف له عن قلبه القناع، فهو في هذا الشأن لقيط لا أب له، دعي لا نسب له (ص 146 المصدر السابق.)" وإلى محمد عثمان يقرر آداب المريد مع شيخه: "ومشاهدتك له في كل حال ورد عليك أنه بواسطته إليك يا فتى، ومنها أن تجلس جلوس الصلاة عند، وأن تفنى فيه، وألا تجلس فوق سجادته، وألا تتوضأ بإبريقه ولا تتكئ على عكازه، واسمع ما قال بعض الأصفياء: من قال لشيخه: لم؟! لا يفلح، ولتكن محضره في قلبك وخيالك، فإن غفلت عنه وقتاً، فهذا من مقتك، واجتهد في أن تنال مقام الفناء فيه، فمن ثم ترقى إلى مقام البقاء به (الهبات المقتبسة لمحمد عثمان ط 1939م) وقد نظمها مصطفى البكري، فقال:
وسلم الأمر له، لا تعترض ولو بعصيان أتى أذى فرض
وكن لديه مثل ميت فأنى لدى مغسل؛ لتمسى داني
ولا تطأ له على سجادة ولا تنم له على وسادة(بلغة المريد للبكري)
وقد سبقه الجيلي بهذا.
وكن عنده كالميت عند مغسل يفلبه كيف يشاء، وهو مطاوع(منحة الأصحاب للرطبي ص 75).
وتحتم الصوفية على المريد ألا يعصى شيخه في أمر أو نهي، وإن رآه يخالف السنة المحمدية (انظر ص 131 قواعد الصوفية) وكلي يظل الدرويش تحت قبضة الشيخ يستذل كرامته، ويغصبه ماله وعرضه، قررت الصوفية على لسان الشعراني أن من أشرك بشيخه شيخاً آخر وقع في الشرك بالله (ص 154 المصدر السابق)، وأن من أخذ الطريق على غير شيخه، كان على غير دين (ص 103 جـ 2 لطائف المنن وقد شاكلوا الإسماعيلية في ذلك إذ يزعمون أن من أشرك مع إمامه سلطة أخرى أو ارتاب في وجوب الطاعة له، كان كمن أضاف للنبي نبياً آخر، وكمن شك في نبوته، وبذا صار كمن وضع مع الله إلهاً آخر. انظر ص 218 العقدية والشريعة لجولد زيهر). وكتب الصوفية طافحة بمثل تلك المنكرات التي تهدر الكرامة والقيم الإنسانية النبيلة، وتجعل من الإنسان لقى طريح الذل والهوان والصغار، وموطئاً مستعبدا لكل نعل نجسة باغية الوطء، تنزو بالرجس الحقير، وهذا سر ما ترى عليه الصوفية من انشطارها شطرين، شطر معبود، وآخر عابد، وسر ما يروعك إذ تبصر شيخاً كبيراً كبيراً يلعق نعل طفل صغير ما زال يتعثر في خراءته، ويتلطخ بنجاسة بوله!! لا لشئ سوى أنه حفيد مولاه شيخ الطريقة، ففيه سره، وفيه ربانيته (نصبت مشيخة الطرق طفلاً سنه خمس سنوات شيخاً لسجاة كبرى في مصر انظر ص 154 المجموعة الدمرداشية!!) وسر مخالفة الصوفية جميعاً عن أمر الله؛ لما يدينون به من أن شيوخهم لا يهمسون بهمسة إلا عن وحي من الله، فقلوبهم العروش التي استوى عليها برحمانيته، وسماوات كبريائه وجلاله وجماله، وأقداس وحيه التي يفيض منها هداه!! يقول القشيري: "من صحب شيخاً من الشيوخ، ثم اعترض عليه بقلبه، فقد نقض عهد الصحبة، ووجبت عليه التوبة!! على أن الشيوخ قالوا: حقوق الأستاذين لاتوبة منها (ص 151 الرسالة للقشيري.)
لماذا يتوسل الصوفية بالقبور
لن أجادلك هنا يا سماحة الشيخ في توسل الصوفية بالمقبور، وبالقبو (قال الجنيد عن قبر معروف الكرحي: "قبر معروف ترياق مجرب يستشفى به ويتبرك" انظر ترجمة معروف في الرسالة للقشيري والطبقات للسملي، وهكذا عبدت الصوفية القبور منذ نشأتها!!) فإنه أهو ما تقترف الصوفية وضحاياها من وثنية، وأحبارها لا يتراءون بالولاء الخاشع لأصنام القبور حباً في المقبور، بل لما يجمع لأوثان الموتى من نذور!!
آراء المستشرقين في التوسل
يقول جولد زيهر: "بقى كثير من عناصر الديانات السابقة للإسلام، واستأنفت حياتها في المظاهر العديدة الخاصة بتقديس الأولياء. وفي الحق ليس من شئ أشد خروجاً على السنة القديمة من هذا التقديس المبتدع المفسد لجوهر الإسلام والماسخ لحقيقته، وإن السنى الصادق الحريص على اتباع السنة لا بد أن يعده من قبيل الشرك الذي يستثير كراهيته واشمئزازه" ويتحدث عن تقديس العامة للأولياء، فيقول: "وأضرحة الأولياء والأماكن المقدسة الأخرى هي موضع عبادتهم التي يرتبط بها أحياناً ما يظهره العامة من تقديس وثني غليظ لبعض الآثار والمخلفات، بل إن العامة تخص الأضرحة ذاتها بمالا يقل عن العبادة المحضة" ويتحدث عن الولي المحلي: "ويخشى الواحد منهم أن يحنث في يمين حلف فيه باسم الولي أكثر مما يحمر خجلاً عندما يحلق بالله باطلاً (النصوص السابقة عن ص 234، 232 العقيدة والشريعة)" ويقول رونلدسن: "بالرغم من التوحيد المصرح به في القرآن فإن الأمم الإسلامية، لا زالت تحتفظ بكثير من العادات الوثنية؛ فإن من أهم الصفحات في الحياة الدينية للعوام في جميع الأمم الإسلامية، هو تقديسهم لقبور الصالحين، وفي هاتين القضيتين ساير العلماء المحدثون (التعميم الخطأ، فالمحدثون يرون هذه البدعة من الشرك، ولعله يقصد من وضعوا الأحاديث التي نسبت زوراً إلى رسول الله، وترشح لقبول هذه البدعة.) اندفاع الرأي العام، وقد أصبح لكل قوم أئمة محليون يزورون قبورهم وآثارهم، فيفرح ذلك الإمام، ويشفع لهم، وينجيهم من الفقر والمرض (ص 266 عقيدة الشيعة)!!" وهكذا يدع الصوفية الفرصة سانحة لعدو الإسلام، ليجدف عليه بما يقترف الصوفية!! تأمل فيما قاله، تجده صوفية مصورة بكل خبثها!!.
لن أجادلك في التوسل، وفي أنه شرك أصم، إذ التوسل خبث شرك آخر أشد خبثاً منه، فالصوفية يعتقدون أن أولياءهم ليسوا بشراً، وإنما هم آلهة تخلق ما تشاء وتختار، أوهم – كما نقلنا لك من قبل – ذات الله سبحانه وتعالى تجسدت مرة فكانت تيجانية، وأخرى، فكانت نقشبندية، وأخرى، فكانت رفاعية، أو شاذلية، أو برهامية!!
صوفي يخطب الجمعة عارياً
الشعراني كاهن الخطايا الصوفية، يبشر بها، ويكافح في سبيل الدعوة إليها، وعجيب أن ترى الشعراني يعقد على ذكر كل اسم صوفي يتنزى جسده فاحشة بقوله: "رضي الله عنه" ! اسمع إلى الكاهن يبشر بهتك العورة كرامة! "ومنهم الشيخ إبراهيم العريان، كان يطلع المنبر، ويخطبهم عرياناً، فيقول: السلطان، ودمياط، وباب اللوق، بين الصورين، وجامع طولون، الحمد لله رب العالمين، فيحصل للناس بسط عظيم (ص 129 جـ 2 الطبقات اللشعراني ط ابن شقرون).
أمن رفيف الروحانية بعبير القدسية من الولى على حشد محشود بعورة مكشوفة، وهذيان مخبول؟!
تصور، واجعل خيالك رحيباً رحيباً مجنحاً بتهاويل الشاعرية، حتى يمكن أن يتصور مشهد ولي يبارك المصلين بهتك عورته!!
تصور ذلك المعبود يصعد إلى المرقاة الأخيرة من المنبر في يوم جمعة، حتى إذا أنعم الشهود فيه الأبصار، وحدقوا إليه بالأفكار، ورنوا إليه بالقلوب، ابتغاء ترشف العظة الهادية. حتى إذا هومت عليه النواظر، وطافت به المشاعر، وحومت حوله الأحلام والعواطف، هتك الستر عن عورته فضلاً منه ونعمة؟! ذلك المعبود على منبره، في جامعه، في جمعته يجمع الناس حوله؛ ليعظهم عظة تصله بأسباب السماء، فيسمعهم ذلك الهراء المخبول، وهو منهتك السوءة: "باب اللوق. الخ".
تلك الصورة الوثنية التي يراها الخيال الفسيح الذي قد يستشرف غيب الأبد، وقنة الأزل في تصوراته، ويهب للمستحيل أحياناً وجوداً في تهويماته – يراها أشد استعصاء عليه من تصور وجود المستحيل، بيد أن الشعراني يؤكد لنا أنها حقيقة صوفية، فيدين بها، ويبشر بها، ويدعو الله أن يعغمر مقترفها برضاه، ولا يأخذنك العجب؛ فإنه صوفي!.
إننا نعرف من كتاب الله أن الآديمة عوقبت على ذنبها الأول بكشف السوءة! (7: 22 فدلاهما بغرور، فما ذاقا الشجرة، بدت لهما سوءاتهما).
فماذا يريد الشعراني من دين؟
صوفي يبهت البرئ بذنبه
ويمضي الشعراني في تمجيد شيخه العريان فيقول :"وكان يخرج الريح بحضرة الأكابر، ثم يقول: هذه ضرطة فلان، ويحلف على ذلك، فيخجل ذلك الكبير منه(نفس الصفحة والمصدر السابق)".
ولشد ما يشدخ العجب رأسه من العجب من صوفي يقدس الصوفية خطاياه، ويجعلون من معجزات قطبانيته بهت البرئ بذنب افترى هو جريرته، أو بخطيئة "ذوقية" يمجها حتى ذوق الخنفساء!.
هذا مع استحلال الكذب المفضوح العريان، مقسماً بالله على صدقه!.
أرأيت إلى الصوفية كيف تعبد خاطئاً ينفث مثل هذه اليحاميم المنتنة الخانقة في مجالس العظماء، ثم لا يمنعه فساد ذوقه، وسوء أدبه من أن يقذف سواه بذنبه، ويحلف بالله على صدق بهتانه؟!

الصوفي يؤجر على كشف عورته
وإليك ما يأفكه الدباغ: "إن غير الولي إذا انكشفت عورته، نفرت منه الملائكة الكرام، والمراد بالعورة: العورة الحسية، والعورة المعنوية التي تكون بذكر المجون وألفاظ السفه، وأما الولي، فإنها لا تنفر منه، إذا وقع له ذلك؛ لأنه إنما يفعله لغرض صحيح، فيترك ستر عورته لما هو أولى منه (ص 43 جـ 2 الإبريز للدباغ ط 1292هـ)".
لقد جعلها الشعراني كرامة خاصة بالعريان، أما الدباغ، فيجعل كشف العورة دستوراً في الولاية الصوفية!، أما الكمشخانلي، فيحدثنا عن أنواع الأولياء المتصرفين، فيقول: "والرحمانيون وهم ثلاثة أيضاً، وهم عند الوحي يجلسون عرايا، ويسمعون الوحي ويفهمون المراد منه (ص 123 جامع الأصول في الأولياء)"! فتأمل الصوفية تزعم أن أولياءها يسمعون الوحي! ومن هم؟ سفهاء عرابيد، تخذتهم الخطايا دعاة مجونها وسفهها! وألسنة تعبر عن سوءاتها!.
جرد يا سماحة الشيخ كتيبة من علمك، وسلطان منصبك؛ لتؤدب هؤلاء الأقطاب الذين يهتكون عوراتكم، ولعل هذه العورات المتكشفة في فجور أجدر بأن تشكوها إلى النيابة ممن يدعوكم إلى سترها، ورتق فتوقها المفتضحة!.
تطور الصوفيين إلى وحوش وغيرها
يقول الشعراني عن الغمري: "ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب، فرآه جالساً في الهواء، وله سبع عيون" يقول. عن الشيخ أبو لعي: "تدخل عليه تجده جندياً، ثم تدخل عليه، فتجده سبعاً، ثم تدخل عليه فتجده فيلاً، وكان يقبض من الأرض، ويناول الناس الذهب والفضة (ص 80، 81 جـ2 الطبقات)".
ترى لو أن مسلماً قتل صوفياً وهو"فيل، أو سبع" أتلزمه الدية، أم يلزمه القصاص؟ يزعم الشعراني أن ذلك الشيخ المتطور إلى فيل وسبع قد قطعه بعض الناس بسيوفهم، وأخذوه في تليس، ثم أصبحوا، فوجدوا الشيخ حياً جالساً (ص 80 المصدر السابق)"! خطايا: ثم ذكر الشعراني من جرائم شيوخه ما يفسد الصبي على أمه الطهور بأسلوب تستحي حتى البغي أن تهمس به في حانتها المعربدة، فاقرأه، تجد ثورة الخطيئة من جسد أو جعة الشبق!.
اقرأ ما سجله عن كرامات على وحيش وأبو خودة (ص 122، 123جـ2 طبقات صبيح ويقول الشعراني عن أبي خودة: "وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة، أو أمرداً راوده عن نفسه، وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره، ولا يلتفت إلى الناس)".، وغيرهما، ثم اذكر ما كان يقترفه المجرمون من (كلمتان غير واضحتان في السطر الثاني ص 106)، وبأية جريرة منكرة أخذهم الله أخذة رابية! وثمت ترى الشعراني يجعل من هذه الفاحشة الموبقة كرامة لسادته هؤلاء! معقباً على ذكر كل جريمة يقترفها فاسق منهم بقوله: رضي الله عنه! ولا تعجب، فتلك الجريمة دين الصوفية من قديم. قال يوسف بن الحسين الرازي: "نظرت في آفات الخلف، فعرفت من أين أتوا، ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث، ومعاشرة الأضداد، وأرقاق النسوان (ص 190 طبقات الصوفية للسلمي)". وإنه ليعترف بعدها بما يدينه بتلك الخطايا فيقول: "كل ما رأيتموني أفعله، فافعلوه إلا صحبة الأحداث، فإنه أفتن الفتن (ص 189 نفس المصدر)" ويقول: "عاهدت ربي أكثر من مائة مرة، ألا أصحب حدثاً، ففسخها على حسن الخدود، وقوام القدود، وغنج العيون، وما سألني الله تعالى معهم عن معصية (ص 191 نفس المصدر)" ويقص الخراز أنه رأى إبليس في النوم، فقال له: "تركت لي فيكم لطيفة. قلت: ما هي؟ قال: صحبة الأحداث، قال أبو سعيد : وقل من يتخلص من هذا من الصوفية(ص 232 نفس المصدر)".
ولقد وبخ الله سبحانه قوم لوط بقوله: (26: 165 أتأتون الذكران من العالمين؟" ولعنهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، فما بالك بالصوفية، وقد اقترفت هذه الجريمة في صورة نكراء منكرة مسفة في الخزي والضعة والحقارة، اقترفتها مع الذكران ومع العجماوات من الدواب!؟ وأين؟ على قارعة الطريق، وعلى مشهد من كل رائح إلى السوق، أو غاد منه! ذلك ما ذكره الشعراني، وجعله كرامة ربانية لأوليائه، ويزيدها تفصيلاً، فيزعم أن "وحيشاً" كان يرغم صاحب الدابة على أن يستذلها له عند اقتراف الجريمة (طالعها في الطبقات جـ 2 ص 135 ط صبيح.)! وينازعني الحياء؛ لكيلا أسطر لك جرائم الصوفية بأسلوب الشعراني، فخذ بكتابه، وطالع فيه أية ترجمة لصوفي، وثمت، تطالعك الجريمة بوجهها الدميم الصفيق الغليظ المنكر!.
رمة تتصرف في الوجود
يقول الشعراني: "إن شيخي أخذ على العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد البدوي، وسلمني إليه بيده، فخرجت اليد الشريفة من القبر (يذكر الصاوي في حاشيته على شرح الخريدة للدردير، أن الرفاعي وقف تجاه قبر الرسول، وناجاه بهذين البيتين:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني، وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح، قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي!!
قالوا: فخرجت اليد من القبر، ويظهر أن الشعراني أبى إلا أن تكون له ولسيده البدوي تلك الكرامة!!)، وقبضت على يدي قال سيدي الشناوي: يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك، فسمعت سيدي أحمد يقول من القبر: نعم!. ولما دخلت بزوجتي، وهي بكر، مكثت خمسة أشهر لم أقرب منها، فجاء، وأخذني، وهي معي، وفرش فرشاً فوق ركن قبته، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا، فكان الأمر تلك الليلة، وتخلفت عن حضوري للمولد، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبروني أن سيدي أحمد البدوي كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول: أبطأ عبد الوهاب، ما جاء!" ثم يزعم أن البدوي يدعو العرب والعجم ويسوقهم في مولده، وأنه أرى الشعراني كثيراً من الأحياء والأموات من الشيوخ والزمني بأكفانهم يمشون ويزحفون معه يحضرون المولد (اقرأ ترجمة السيد البدوي في طبقات الشعراني)! ويقول عن الحريثي: "قصدته في حاجة، وأنا فوق سطوح مدرسة أم خوند بمصر، ويقول خرج من قبره يمشي من دمياط. إلى أن صار بيني وبينه نحو خمسة أذرع، فقال: عليك بالصبر، ثم اختفى (جـ 2 ص 154 المصدر السابق ويروون أن رجلاً قصد إلى ضريح صوفي "مشتكياً فمد له القبر بعود الريحان خطاباً مكتوباً فيه بيت من الشعر لم يجف مداده، انظر ص 318 جـ 2 شرح الحكم لابن عجيبة)"!.
هنا يكاد الإنسان يفقد علقه! إذ لا يتصور حتى ممن به مسكة ولهى من عقل أن يهرف، ويخرف بمثل ذلك الخبال ولكن لا عجب، فكل صوفي عدو للعقل فوق عداواته للشرع. كل صوفي يؤمن بأن "الذوق" وحده هو وسيلة المعرفة، أما العقل عندهم، فطاغوت أخرق، أما الشرع، فمادية تنسب مخالبها في الصخر، دون أن ترمق السماء بنظرة واحدة! أو هو نوع من عبادة التاريخ الميت؛ ولهذا تتباين عندهم قيم الأشياء، تبعاً لتباين الأذواق! وقد يرى الصوفي الباطل، فيما يرى غيره فيه الحق! و لا يضيرهم أن يتوتر التناقض بين ما يؤمن به صوفي، ويكفر به آخر غيره، فكلاهما في الدين صوفي على حق.
ولعل هذا سر فريتهم "من اعترض، انطرد!" إذ ربما حكمت بالشرع أو بالعقل على شئ ما بأنه باطل، وهو في "ذوق (لا يعرف القيصري الذوق بقوله: "ما يجده العالم على سبيل الوجدان والكشف لا البرهان والكسب، ولا على طريق الأخذ بالإيمان والتقليد" ص 193 مطلع خصوص الكلم، أو هو "أول درجات شهود الحق بالحق في أثناء البوارق المتوالية عند أدنى لبث من التجلي البرقي" ص 101 جامع الأصول للكمشخانلي، ويقول ابن عربي: "اعلم أن العلوم الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة مع كونها ترجع إلى عين واحدة" ص 107 فصوص الحكم ط الحلبي، ويعني بالعين الواحدة : الذات الإلهية!!" شيخك حق! فتعرض نفسك للطرد من حظيرته.
على هذا يحمل الشيوخ الدراويش، ويستعبدونهم، فما يفعل الشيخ من شئ، إلا ويوحي إلى درويشه أنه أنه فعله عن أمر إلهي، وإن يكن ما فعله خطيئة خاطئة. ولا يملك الدرويش إلا أن يؤمن! ألا ترى الجنيد يجيب – حين سئل: أيزني العارف؟ - بقوله: "نعم! وكان أمر الله قدراً مقدوراً" ! حق لونه بباطل. ذلك الجنيد! زان ويسميه عارفاً! أي مؤمناً بلغ ذروة الإيمان، لأنه رأي القضاء في لوح الغيب فنفذه (يقول الدباغ: "إن الولي الكبير فيما يظهر للناس يعصى، وهو ليس بعاص، وإنما روحه حجبت ذاته، فظهرت في صورتها، فإذا أخذت في المعصية فليست بمعصية" ص 23 جـ 2 الإبريز. ويقول: "يتصور في طور الولاية أن يقعد الولي مع قوم يشربون الخمر، وهو يشرب معهم، فيظنونه أنه شارب الخمر، وإنما تصورت روحه في صورة من الصور وأظهرت ما أظهرت" ص 41 المصدر السابق. وهكذا يقررون أن الرذيلة فضيلة.)!.
والرسول يقول "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
تنكر الصوفية على العقل أنه وسيلة إلى المعرفة، ويرهقها حنقاً من أن يحكم بالمغايرة بين الضدين، أو بين النقيضين، وتنكر على الشرع تفرقته بين الإيمان والكفر، أو الخير والشر؛ إذ لا تؤمن بغير "الذوق" سماء وحي، وقدس إلهام!
ولهذا كان من اصطلاحاتهم إلى المعرفة، كان حقاً من العارفين بكنه الحقائق الربانية!
أرأيت إلى الشعراني يؤكد أن سيده البدوي حي رغم تعفن البلى في رمته؟!، وأنه يطبخ ويغسل، ويدعو الأحياء والموتى إلى مولده؟! أرأيت غليه يؤكد أنه حين أخطر "الحريثي" في باله، قام من قبره، وهرول إلى مصر على قدميه من دمياط؟!.
حجة من الحق
أسائلك – وما تضنيني كثرة التساؤل – ألهذه الوثنية صلة بقرآن، أو فكر؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ووري قبره، فيعز على ابنته فاطمة أن يهيل أصحاب أبيها العظيم التراب على وجهه الكريم، فتقول ملتاعة القلب بالأسى والحزن :"أو هان عليكم أن تهيلوا التراب على وجه رسول الله؟". ويجيبها أنس بالحق، يأسو في قلبها الحزين لوعة العاطفة، ويجلي عنه ران الهموم. "لو لا أننا أمرنا بذلك، ما فعلناه".
ترى لم لم يفصل رسول الله بعد موته في الخصومة التي احتدمت بين وزيره الأول أبي بكر، وبين ابنته الحبيبة فاطمة؟. ولم لم يحل بين عائشة وبين يوم الجمل؟ ولم لم ينذر عمر بالمكيدة التي دبرت له حتى قبل بها؟ ولماذا لم يحل بين خنجر المجوسي وبين صدر عمر الغامر (أما الشعراني، فيتحدث عن كرامة سيده الشريف المجذوب، فيقول: "ولما طعن أصحاب النوبة سيدي علياً الخواص جاءه الشريف، ورد عنه الطعنة" ص 135 جـ 2 الطبقات!!) الإيمان؟!. ولماذا لم يحم عثمان ذا النورين من قالته؟! وعلياً من السكين الخاتلة القاتلة؟!
وهذا ريحانته سيد شباب الجينة الحسين رضي الله عنه يحيط به عدوه كاليأس الظلوم بالأمل الكريم، وهاهو يرفع على يديه طفله في عمر الزهرة الندية، ثم يناشد عدوه حسوة من ماء يبل بها غليل عصفوره الظمآن!.
فلم ينل إلا سهماً غادراً ينفذ إلى صدر الصغير الرقيق!.
فلماذا لم يمدد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه بكأس من سلسبيل؟ أو ليمنع السهم الغادر عن هتك الشغاف من الطفل الصغير، ومن قتل أبيه البطل الأبي الكريم؟!
جواب ذلك كله: لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئاً يمدهم به، أو يعين، إذ هو ميت، ولم يرو عنه في حديث صحيح أو ضعيف، ولا في تاريخ يعني بالحقائق أو الأساطير، أنه أمد بشئ، أو أعان بعون ما، بعد أن توفاه ملك الموت الذي وكل به.
فلو أن الله سبحانه أعطى خصائص الحياة الدنيا في القبر لميت يعين بها الأحبة، أو يمدهم بقدرة منه، لوهبها لمحمد صلى الله عليه وسلم! بيد أنك ترى هذه الأحداث الجسام تدهم خيار الصحابة، والبررة الرياحين من آل بيته، فلا نسمع أنه صلى الله عليه وسلم أمدهم بشئ!؛ لأنه لا يقدر على ذلك!.
أما البدوي رغم موته، فينعم بالحياة الزاخرة القادرة في الدنيا، ويهبها لمن يشاء من الموتى، ويقضي حوائج الخلق، ويعطي العهود، ويكلم الطائفين حول صنمه، هو رمة عفنة!.
ألا ترى الشعراني يحب أن يؤكد لك أن هذا البدوي الأسطوري العجيب، أفضل وأكرم عند الله من سيد الخلق؟!
صوفي يدبر الأمر
يقول الدباغ: "رأيت ولياً بلغ مقاماً عظيماً، وهو أنه، يشاهد المخلوقات الناطقة والصامتة، والوحوش، والحشرات، والسموات، ونجومها، والأرضين ، وكرة العالم بأسرها تستمد منه ويسمع أصواتها وكلامها في لحظة واحدة، ويمد كل واحد بما يحتاجه، ويعطيه ما يصلحه من غير أن يشغله هذا عن ذاك (ص 73 جـ 2 الإبريز للدباغ) يصف عبداً بصفات الربوبية والإلهية!! ويقول أحمد التيجاني (هو أحمد بن محمد أبو العباس ولد سنة 1150هـ) عن نفسه: "روحي" روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء، وروحي تمد الأقطاب والعارفين من الأزل إلى الأبد (نفس ما ادعاه لنفسه الطاغوت ميرزا حسين علي الملقب بالبهاء!!)، وإذ جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته يسمعه كل من في الموقف، يأهل المحشر، هذا إمامكم الذي كان مددكم منه، كل ما فاض من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي. ومني يتفرق على جميع الخلائق ( ص 5 جـ2 رماح حزب الرحيم وما بعدها، ص3 جواهر المعاني ص 46، 47 جـ1 لعلي حرازم.)" ويصفه تابع له بقوله: "إذ تةجه أغنى وأقنى، وبلغ المنى ( ص 5 جـ2 رماح حزب الرحيم وما بعدها، ص3 جواهر المعاني ص 46، 47 جـ1 لعلي حرازم.)" ويصفه آخر بقوله: "لايتلقن واحد من الأولياء فيضاً من حضرة نبي إلا بواسطته ( ص 5 جـ2 رماح حزب الرحيم وما بعدها، ص3 جواهر المعاني ص 46، 47 جـ1 لعلي حرازم.)" وآخر بقوله "نفوذ بصيرته الربانية التي ظهر مقتضاها من إظهار مضمرات، وإخبار بمغيبات، ولعم بعواقب الحاجات، وما يترتب عليها من المصالح والآفات ( ص 5 جـ2 رماح حزب الرحيم وما بعدها، ص3 جواهر المعاني ص 46، 47 جـ1 لعلي حرازم.)" ويقول البسطامي: "|رفعني "أي الله" فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد: إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت : ربني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك، قالوا: رأيناك لتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هناك (اللمع للطوسي ص 383 مطبعة بريل بليدن)". ونعت "حرازم" للتيجاني، بأنه يغني ويقني، ويعلم الغيب، نعت له بصفات الله. فالله سبحانه يصف نفسه بقوله: (53 : 48 وأنه هو أغنى وأقنى) (72: 26 عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، فإن يسلك من بين يديه ومن خلفة رصداً).
الكلاب أولياء الصوفية
إن البشرية في الأغوار السحيقة من تاريخها المظلم، وفي تيهها الوثني، لم تؤله كلباً، بيد أن الصوفية أرادت التجديد في صور الشرك، وأن تبتدع أصناماً جديدة، فألهت ما لم تؤله أحط الوثنيات في التاريخ!.
نقلت لك عن التلسماني اعتقاده أن رمة الكلب، هي ذات الرب الصوفي! وعن محمد بهاء الدين ما نقله عن مشائخه من تأليه الكلاب والخنازير، فاسمع على الشعراني يحدثنا عن كرامات سيدة العجمي.
"وقع بصره عل كلب، فانقادت إليه جميع الكلاب، وصار الناس يهرغون إليه في قضاء حوائجهم، فلما مرض ذلك الكلب، اجتمع حوله الكلاب يبكون، فلما مات، أظهروا البكاء والعويل، وألهم الله تعالى بعض الناس، فدفنوه، فكانت الكلاب تزور قبره، حتى ماتوا، فهذه نظرة إلى كلب، فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان (ص 61 جـ 2 الطبقات ترجمة العجمي)؟" ويقص الشعراني عن هذا العجمي: إنه كان يخرج من خلوته، فكل من وقع عليه نظره، انقلت عينه ذهباً خالصاً !! (نفس المصدر السابق وهذا معناه أنه رجل شديد الخطورة على الإنسانية، فكيف يكون ولياً من يكون سبباً في حرمان الناس من نعمة البصر؟ كيف يكون ولياً وهو نكبة على المجتمع)
إفك وحق
ترى ينافحك الرضى يا سماحة الشيخ عما افتراه الشعراني؟! إني أصيح صيحة مدوية بالحق لعلها تهز ضميرك الديني، وأسائلك: أسائل ما تعلمته في الأزهر، حتى وصل بك إلى منصب القوامة المقدسة عند الصوفية على دينهم، هذا الدين الذي يفتري له كهنته و أحباره أنه ربيع الحياة الروحية الرفاف بالخير والحب!! ومعين الهداية الفياض بالحق والحكمة!! وأقباس من النور الأزلي، على أشعته يصل إلى هدفه الأبد والخلود!1 ومجالي الفردوس حيث الحور مجلوات الجمال، وحيث الملائك في سجود التسابيح!! أما هذا الدين في نظر احلق، فنفايات مجتها مجوسية الفرس، والهند، وزندقة الغنوصيين، وإلحاد الفلاسفة، ووثنية الصابئة وعبدة الأصنام!، إنه حمآة الشر والفساد من دين أولئك جميعاً، بيد أن لطواعيته أسماء إسلامية، ففتنوك بهذا الشف الرقيق، فلم ترهم، وهم يدسون السم لك في الرحيق!! إن أخس دين عبد به الشيطان، إذ افتن في افتراء بدعه!! إنه السم الزعاف يقسم لك: إنه سلافة الخلود!! والأفعوان الحقود يزعم: أنه ملاك رحمة ومحبة!! والليلة السوداء في قبر المشرك تؤكد لك أنها وضاءة صبح الجنة!! والدمامة الشوهاء تتراءى في الماخور الدنس برزة تتقتل أنوثتها الطاعية!! إنه الصوفية تزعم أنها إسلام!!.
خزي صوفي
ولقد سجل هذا الخزي والعار مستشرق إنجليزي صاحب الصوفية في مصر فأعطته العهد ثم مضى – بعد ابتلائهم – يسجل عليهم مخازيها، ويرمي بها المصريين جميعاً في كتابه: "ويزور المصريون الأضرحة معتقدين أنهم سينزلون عليهم البركات، وإما يقصد التماس البرء من مرض، أو طلب النسل، ويعتبر المسلمون أولياءهم المتوفين شفعاء لهم عند الله، ويقدمون لهم النذور (ص 167 وما بعدها كتاب "المصريون المحدثون" للمستشرق "لين" والمسلمون أبرياء من هذا الشرك الذي يقترفه الصوفيون، ويرمي به الرجل جميع المسلمين).
ويقول: "وقد جرت العادة أن يقوم المسلمون (يحمل على المسلمين أوزار الصوفية، فما يفعل هذا مسلم. ولكنها الصوفية) كما كان يفعل اليهود بتجديد بناء قبور أوليائهم وتبييضها وزخرفتها وتغطية التركيبة أو التابوت أحياناً بغطاء جديد، وأكثر هؤلاء يفعلون ذلك رياء كما كان يفعل اليهود" ويقول جولد زيهر وهو يتحدث عن بدعة الموالد: "وكان علماء المسلمين لا يزالون حتى القرن الثامن الهجري يعدونه "أي الاحتفال بمولد النبي" مخالفاً للسنة، ونهت عنه غالبيتهم على اعتبار أنه بدعة مستحدثة في الإسلام. وتنطبق هذه الحالة أيضاً على أعياد دينية أخرى، نشأت في القرون متأخرة، واضطرت أن تجاهد؛ لكي يقرها العلماء بعد أن وصموها دهراً طويلاً: بأنها من البدع الدخيلة (ص 227 العقيدة والشريعة)" ويقول جوتييه: "وتقديس الأولياء إلى درجة قد تقرب من العبادة الذي نراه انتشر بعد في جميع الأقطار الإسلامية يشير في الحقيقة إلى رد فعل من الأمم والشعوب التي فتحها الإسلام ضد العقلية الإسلامية التي لا تسلم بوسطاء أو شفعاء لدى الله. إن لم يثر ضد إجلال أولياء والرسول إلى ما يقرب من العبادة أي ضد هذا التغيير الخطير في العقلية الإسلامية الأولى إلا الطائفة الوهابية (ص 158 المدخل تأليف جوتييه ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى، أما الوهابية فكلمة ابتدعها أعداء الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب مقابل نقده الحق للعصبية المذهبية المقيتة).
لا يسوءنا أن يجل هذه المخازي أولئك المستشرقون، ويحملونها على المسلمين جميعاً، ولكن الذي يجب أن تخزى به، هو أن ندع هؤلاء الصوفية يقترفون هذه الجرائر، وينفثون سمومها، فيكيد للإسلام بها عدوه، ويرمي المسلمين جميعاً بالحماقة والغباوة وعبادة الأساطير، ويقول في كل كتاب: هذا هو الإسلام!! ويهم يوقنون أنه دين الصوفية، لا دين الله، ولكنهم عدو يهتبل الفرصة؛ ليمحق بها عدواً له، ربما أخذتنا العزة ضد هؤلاء المستشرقين وحدهم، بيد أن الواجب هو أن تأخذنا العزة بالحق، فنجتث الصوفية من أصولها، وكفاها أن جعلت عدو الإسلام يحمل كل خزي لها عليه!! ليس أولئك المستشرقون هم عدونا الأول، وإنما عدونا من ملكهم هذه السلاح يقاتلوننا به. وليس غير الصوفية!!
أنواع الكرامات
يزعم المناوي أن للصوفيين أنواعاً من الكرامات.
"النوع الأول: إحياء الموتى، وهو أعلاها، فمن ذلك أن أبا عبيد اليسري الدماميني أحضر له فراخ مشوية فقال: طيري بإذن الله تعالى، فطارت. ووضع الكيلاني يده على عظم دجاجة أكلها، وقال لها: قومي بإذن الله، فقامت، ومات لتلميذ أبي يوسف الدهماني ولد، فجزع هليه، فقال له الشيخ: قم بإذن الله، فقام، وعاش طويلاً، وسقط من سطح الفارقي طفل، فمات فدعا الله، فأحياه (ص 11 الكواكب الدرية لعبد الرءوف المناوي ط 1938م)".
نفس المعجزات التي من الله بها على إبراهيم وعيسى، وعلى الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها!! ويقول الكلاباذي: "أجمعوا على إثبات كرامات الأولياء، كالمشي على الماء، وكلام البهائم، وطي الأرض، وظهور الشئ في غير موضعه (ص 44 التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ط 1933م) وقد نظمها حسن رضوان.
وإن تجلى جل شأنه على وطية بقدرة تحملا
وشاهد الأشياء تحت قبضته وأنها تكونت عن قدرته
شهود غيب، غير أنه ظهر عليه منه في الشهادة الأثر
ومن هنا حوال أرباب لهمم كمشيهم فوق الماء بالقدم
أو الهواء، أو على السحاب أو طي أو خبز من التراب
ومن هنا دانت الصوفية بأولياء لهم "التصرف العام والحكم الشامل العام
في جميع المملكة الإلهية، وله بحسب ذلك الأمر والنهي والتقرير والتوبيخ والحمد والذم (ص 79 جـ 2 جواهر المعاني لحرازم)".
ويتحدث الكوهني عن معجزات سلامة الراضي: "حملت إحدى زوجات الإخوان، وفي التاسع مات الجنين، وبقى عشرة أيام ميتاً ببطن أمه، وعند الوضع ذاكر هذه الأخ شيخنا، فقال: كذلك يا فلان؟! وبتمامه تم الوضع طبيعياً كأن لم يكن هناك وليد مات منذ عشرة أيام. وأحد الإخوان كف بصر، فذاكر حضرة الأستاذ، فقال له: إن كتمت الأمر، أبصرت، فرضى بالشرط فمسح على عينه، فأبصر، وكان لبعض وجهاء بندر الجيزة ابنة وحيدة أصابتها حمى، وبعد شفائها، خرست، فلم تتكلم أبداً، فعرضوها على الأطباء سنوات، فلم تشف، فأحضروها لشيخنا، ونظر إليها نظرة، فسألها عن اسمها، فنطقت به، وذهب خرسها في الحال (ص 258 طبقات الشاذلية الكبرى للحسن بن محمد الكوهني الفاسي، وقد ألف كتابه في حياة شيخه "الذي مات من عهد قريب جداً)".
نفس المعجزات التي من الله بها على عيسى عليه السلام.
وهكذا تدين الصوفية بأن من أوليائها من يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى وكثير من هؤلاء الذين نسبت إليهم تلك القدر الإلهية طائفة تمردت على الله تمرد الشيطان!.
الصوفية يملكن كلمة التكوين
تزعم الصوفية أن شيوخها يقولون للشئ: كن، فيكون، فيتحدث أحدهم عن الولي الذي استخلفه الله، فيقول: "إنه خليفة يمكله الله كلمة التكوين متى قال للشئ: كن، كان من حينه (ص 8 جـ 2 جواهر المعاني لعلي بن حرازم)".
ويقول أبو السعود: "إن الله أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة، وتركناه تظرفاً" ويعلق ابن عربي على هذا بقوله: "وأما نحن، فما تركناه تظرفاً وإنما تركناه لكمال المعرفة (ص 129 جـ 1 فصوص ط الحلبي) ترى ماذا كان يعمل الله، وأبو السعود يتصرف في الوجود؟. هكذا يجعل الصوفية أولياءهم شركاء لله.
معجزات الرسل من قدرة الله
أما رسل الله، فما كانت معجزاتهم طوع أيديهم، كما تزعم الصوفية لشيوخها، ولا بأمرهم، وإنما كانت بيد الله وحده، وبأمره يكرم بها نبيه متى شاء سبحانه، ولا متى شاء الرسول. ما ضرب موسى بعصاه الحجر، أو البحر بأمره، وما انفلق البحر بقدرته، وإلا ففيم كان خوف موسى من أن يدركه فرعون وجنوده، لو أنه كان حتى على ظن من قدرة عصاه على فلق البحر؟!.
بل لماذا مسته رعدة الخوف حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، حتى ثبته الله بقوله: (20: 68 لا تخف، إنك أنت الأعلى) هذه آية قدرة على صنع المعجزات؟ أم هو العجز البشري يضرع في صدق إلى قدرة الله المنقذة؟.
وما نزل جبريل بالقرآن على محمد بأمره، أو إرداته، بل بأمر الله وحده وإرادته (19: 62 وما نتنزل إلا بأمر ربك).
وتدبر، يتجل لك الهدى بينا من قوله سبحانه: (21: 69 قلنا: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) ما قالها إبراهيم، وإنما القائل لها – لأنه القادر عليها – رب إبراهيم. فأني من هذا زعم الصوفية، أن شيوخها يصرفون أقدار الوجود بنزعات الهوى، وعواء الشهوات؟! ويقولون للشئ كن، فيكون؟! تعالى الله عما يأفك الخراصون علواً كبيراً!.
ثم ماذا يتسفيد الخلق من دجاجة يردها الكيلاني إلى الحياة؟ ومن ذابة، يحي اليسرى منها العظام، وهي رميم؟! ومن كرامات الحريثي ووحيش يقترفان بغي الجريمة على مدرجة الطريق؟!.
إن الصوفية – كما رأيت – قد حكمت بأن معجزات أولى العزم من الرسل طوع الهوي من البله الخرقي المشعبذين من أوليائها! فماذا يمنع أدعياء الصوفية من الزعم بأن الله سبحانه أوحى إليهم قرآناً، كما أوحى إلى محمد (ادعاها ربيب الصوفية ميرزا محمد علي الملقب "بالبا" ومن بعده مسيلمة ميرزا حسين علي الملقب بالبهاء. وادعاها غلام أحمد القادياني!!)، ما دامت الصوفية تحكم بأن معجزات الرسل أثارة من قدرة المعتوهين، ومقترفي الإثم والخطايا؟ بل ما دمتم يا كهنة الصوفية قد حكمتم بأن لأوليائكم حياة كحياة الله، وقدر قهارة شاملة، كقدرته، فالله سبحانه، يقول: (36: 78 قال: من يحي العظام، وهي رميم؟ قل: يحييها الذي أنشأها أول مرة) ولقد زعمتم أن إحياء العظام، وهي رميم من قدرة أوليائكم؟ ولا ريب في أن من يقدر على أن يهب لغيره الحياة، قادر على أن يهب الديمومة لنفسه، والخلود الأبدي لحياته. وإلا، فكيف يهب لغيره، ما لا يهب، أو يستطيع أن يهبه لنفسه؟! أرأيت إلى الصوفية، كيف يصفون الحمقى الشاردين في تيه الضلالة بما يوصف به الخلاق العلي الكبير وحده؟
رجاء آخر
بودي أيها الصوفي – وإنه لود الإخلاص الصادق – أن ترفع على راحتيك كتاب الله، ثم تتدبر بعض آياته بالفكر البصير، والقلب الخشوع، والنفس المستعبرة، ويقيني أنك حينئذ، ستثور ثورة العاصفة على عاد، تدمر أصنام الصوفية وأوثانها، وترجم باللعنات الغضاب طقوسها وكهنوتها! وستغمر نفسك القلقة سكينة الإيمان، ويقين التوحيد.
إننا في قرن حطم العلم فيه الذرة، الجوهر الفرد الذي دان به الأشاعرة ركناً سادساً من أركان الإسلام، فهل يمكن أن تعين – أعانني الله وإياك- على تحطيم تلك الطواغيت الصماء، تقف عقبة كئوداً في سبيل الوصل إلى الله، وتنشر الخرافات العفنة والأخلاق العفنة، وتجمع حول عفويتها ذباباً عفناً كثيراً!.
سماع نطق الجمادات
يعدد ابن عربي أنواع الكرامات، فيقول: "ومنها سماع نطق الجمادات على مراتب نطقها في العوائد وخرقها (ص 75 مواقع النجوم لابن عربي ط 1325هـ) والله يقول : (17 : 44 ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فهل نصدق المفتري؛ لنكذب الله سبحانه؟! : "ومنها مكالمته للملأ الأعلى ومحادثته لهم (ص 81 المصدر السابق، وقد أخذها ابن عربي عن استاذه الغزالي، وزاد هذا فقال: إن الولي ينادى من سرادقات العز، كما نودي موسى!!)".
ترى أكلم الصديق وعمر الملأ الأعلى؟ بل أكلمه الرسل قبل البعثة، أو في غير أوقات الوحي؟ ولكن من الرسل عند الصوفية؟ إن أي زنديق صوفي أفضل عندهم من خاتم النبيين. ألا ترى البسطامي يفتري : "تالله، إن لوائي أعظم من لواء محمد (عن السهلجي والشعراني في لطائف المنن، ص 125، نقلاً عن شطحات الصوفية للدكتور بدوي) يقول : "لأن تراني مرة، خير لك من أن ترى ربك ألف مرة (المصدر السابق)".
صوفي يطوف الملكوت
يخاطب صوفي ربه بقوله : "إن قوماً طلبوك، فأعطيتهم طي الأرض، والمشي على الهواء، وكنوز الأرض، فانقلبت لهم الأعيان" ثم يتحدث عما أنعم عليه به ربه، فيقول : "أدخلني في الفلك الأسفل، فدورني في الملكوت السفلي، فأراني الأرضين، وما تحتها، إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي، فطوف بي في السماوات، وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش، ثم أوقفني بين يديه، فقال لي: سلني أي شئ رأيت حتى أهبه لك، فقلت : يا سيدي ما رأيت شيئاً أستحسنه، فأسألك إياه! (ص 103 قوت القلوب لأبي طالب المكي ط 1351هـ)" حتى عرش الله لم يستحسنه هذا الصوفي الوقح، ومع ذلك يزعم أن الله قال له : "أنت عبدي حقاً!".
أتراه، وهو يطوق بجوف الأرض، لم ير "البترول" ، فيدل على مكانه قومه؟!.
والبيومي (هو علي بن حجازي بن محمد البيومي توفي سنة 1183هـ) يزعم أنه رأى الشيخ دمرداس في السماء، وأنه قال له : لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة، وأنه كان يرى النبي في الخلوة، وأنه سمعه يقول لأبي بكر : اسمع بنا نطل على زاوية دمرداش، وأنه دخل على السيد البدوي، ورأى النبي عنده، وأنه خشي أن يكون واهماً في رؤية النبي، فرأى الدمرداش عند ضريحه يقول له : مد يدك إلى النبي فهو حاضر عندي (ص 320 جـ 1 عجائب الآثار للجبرتي)!.
صوفي يضمن الجنة لمن يطعمه
يزعم طاغوت التيجانية الأول ما يأتي: "أخبرني سيد الوجود يقظة، لا مناماً: كل من أحسن إليك بخدمة، أو غيرها، وكل من أطعمك يدخلون الجنة، بلا حساب، ولا عقاب، فسألته لكل من أحبني، ولكل من أحسن لي بشئ من مثقال ذرة، ومن أطعمني طعامه، كلهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب وسألته لكل من أخذ عني ذكراً، أن تغفر لهم جميع ذنوبهم، ما تقدم منها وما تأخر، وأن يرفع الله عنهم محاسبته على كل شئ، وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموات إلى دخول الجنة، وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي، فقال لي صلى الله عليه وسلم : ضمنت لهم هذا ضمانة، لا تنقطع، حتى تجاورني، أنت وهم في عليين (ص 97 وما بعدها جـ 1 جواهر المعاني في فيض التيجاني لعلي حرازم)!".
والله سبحانه يقول لمحمد : (28 : 56 إنك لا تهدي من أحببت) ويقول محمد صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة: "اعملي فإني لن أغني عنك من الله شيئاً" وتشهد امرأة جليلة لصحابي عند موته بقولها: أشهد أن الله قد أكرمك، فيقول لها رسول الله معاتباً، يضع الصواب مكان الخطأ: "وما يدريك أن الله قد أكرمه؟ وإني لأرجو الخير والله إني لرسول الله، ولكني لا أدري ما يفعل بي غداً؟!" أما التيجاني؟! لقد قرأت قوله، فيم تحكم عليه؟، غير أني أضع إصبعك على قوله: "وكل من أطعمك" لأريك مبلغ حرص الصوفية على انتهاب أقوات الناس؟!.
قلب الصوفي أوسع من عرش الله
يقول البسطامي: "لو أن العرش، وما حواه مائة ألف مرة ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف، لما أحس به، فقلب العبد الخصوصي بيت الله، وموضع نظره، ومعدن علومه، وحضرة أسراره، ومهبط ملائكته، وخزانة أنواره، وكعبته المقصودة، وعرفاته المشهودة (ص 120 جـ 2 فصوص الحكم لابن عربي ط الحلبين ص 141 مواقع النجوم)".
الملكوت في بطن صوفي
والدباغ الفاطمي الهدف يقول: "إني أرى السموات السبع والأرضين السبع، والعرش داخلة وسط ذاتي، وكذا ما فوق العرش من السبعين حجاباً (ص 73 جـ 2 الإبريز للدباغ)"
كرامات شتى
واقرأ في طبقات المناوي زعمه أن الصوفية يخطابون الموتى، وأن جده خاطب الشافعي رضي الله عنه في قبره، وأن روح "ذا النون المصري (هو ثوبان بن إبراهيم النوبي توفي سنة 245هـ)" كانت تدبر أجساماً عدة (سيأتيك زعم الدباغ أن روح القطب تدير 366 جسداً) وأن الخواص، كانت تنزل عليه الموائد من السماء، وأن الخضر كان يسقيه، واقرأ فيه تفضيل البسطامي (هو طيفور بن عيسى أبو يزيد البسطامي توفي سنة 361هـ) الأولياء على الأنبياء (هذا دين الصوفية، فابن عربي يقول:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول، ودون الولي)
وأن طارقاً طرق بابه، فقال البسطامي: من تطلب؟ فقال: أبا يزيد، فأجابه: مافي البيت غير الله (اقرأ كل هذا في الكواكب الدرية للمناوي في تراجم من ذكرت أسماءهم)، واقرأ للسلمي زعمه أن داود والخضر، لقيا إبراهيم بن أدهم – وهو "بوذا" الصوفية – وخاطباه، وأكلا معه، وعلماه اسم الله الأعظم (ص 30، 34 الطبقات للسلمي، ص 8 الرسالة للقشيري).
الجنة والنار بيد من؟
يزعم الدسوقي أنهما بيديه، فيفتري : "أن بيدي أبواب النار أغلقها، وبيد جنة الفردوس فتحتها، من زارني أسكنته جنة الفردوس، وما كان ولي متصلاً بالله، إلا وهو يناجي ربه، كما كان موسى يناجي ربه (اقرأ ترجمة الدسوقي في الطبقات للشعراني)".
معجزات الرسل بعض كرامات الصوفية
يفتري الدباغ هذا البهتان المجوسي، فيقول: "كل ما أعطيه سليمان في ملكه وما سخر لداود، وما أكرم به عيسى، أعطاه الله وزيادة لأهل التصرف من أمة النبي، ومكنهم من القدرة على إبراء الأكمه والأبرص. وإحياء الموتى (ص 12 الإبريز للدباغ جـ2)"
النشل كرامة صوفية
وأبى الدباغ إلا أن يفضح أقطابهم بهذه الكرامة، كرامة السرقة خلسة، فيقول: "إن الولي صاحب التصرف، يمد يده إلى جيب من شاء، فيأخذ منه ما شاء من الدراهم، وذو الجيب لا يشعر (ص 14 المصدر السابق)" والدباغ قطب صوفي معبود.
أأدلك على ردغة الوثنية في تلك الشركيات، أم تراها في غير حاجة إلى دلالة؟ وكذلك الظلام، وكذلك النتن، وكذلك اليحموم الخانق!.
الله – وتعالى علواً كبيراً – وعرشه وكرسيه، ملكه وملكوته، والعالم كله إنسه وجنه، حيوانه وجماده، علويه وسفليه. مشاعر الناس وخواطرهم وإرادتهم وعواطفهم وقلوبهم ونفوسهم. كل أولئك في دين الصوفية الآثم تحت قبضة طواغيتها، وبطشهم، وطوع سعار غرائزهم الضارية، وجنون شهواتهم المهمومة الآبقة!.
القطب وأعوانه
أسطورة خرافية، تنزع إلى تجريد الله من الربوبية والإلهية، وخلعهما على وهم باطل سمي في الفلسفة: "العقل الأول" وفي المسيحية : "الكلمة" وفي الصوفية: "القطب"!.
والقطب: هو أكمل إنسان متمكن في مقام الفردية، أو الواحد الذي هو موضع نظر الله في الأرض في كل زمان، عليه تدور أحوال الخلق، وهو يسري في الكون، وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، ويفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وقد يسمى "الغوث" باعتبار التجاء الملهوف إليه (انظر جامع الأصول للكمشخانلي والتعريفات للجرجاني تحت مادة "قطب").
القطب القديم والقطب الحادث
والقطب عند الصوفية نوعان. أحدهما: حادث أو حسي، وهو ما سبق الحديث عنه، والآخر قديم، أو معنوي، وهو الحقيقة المحمدية، يقول القاشاني: "وهو – أي القطب – إما قطب بالنسبة إلى ما في عالم الشهادة من المخلوقات يستخلف بدلا منه عند موته من أقرب الأبدال منه، أو قطب بالنسبة إلى جميع المخلوقات في عالم الغيب والشهادة، ولا يستخلف بدلا من الأبدال، ولا يقوم مقامه أحد من الخلائقن وهو قطب الأقطاب المتعاقبة في عالم الشهادة لا يسبقه قطب، ولا يخلفه آخر، وهو الروح المصطفوي المخاطب بلولاك، لما خلقت الكون (ص 103 جـ 2 كشف الوجوه الغر للقاشاني، وقد ادعى ابن الفارض لنفسه أنه القطب القديم وقطب الأقطاب
في دارت الأفلاك، فاعجب لقطبها الـ محيط، والقطب مركز نقطة
ولا قطب قبلي عن ثلاث خلقته وقطبية الأوتاد عن بديلة).
لا حركة لها، وإنما هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلاً، ثم تصرفه في مراتب الأولياء، فلا تكون مرتبة في الوجود لعارفين والأولياء خارجة عن ذوقه، فهو المتصرف في جميعها، والممد لأربابها، به يرحم الوجود، وبه يبقى الوجود في بقاء الوجود رحمة لكل العباد، وجوده في الوجود حياة لروحه الكلية وتنفس نفسه يمد الله به العلوية والسفلية. ذاته مرآة مجردة، يشهد فيها كل قاصد مقصده (ص 81 وما بعدها جواهر المعاني).
علم القطب
يتحدث تيجاني عنه بقوله: "ومما أكرم الله به قطب الأقطاب، أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون، وما وراءه، وما لا نهاية له، وأن يعلمه علم جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات، وأن يخصصة بأسرار دائرة الإحاطة، وجميع فيوضه، وما احتوى عليه (ص 79 جـ 2 المصدر السابق)".
خصوصية القطب
"قطب الأقطاب في كل وقت لا تقع بينه وبين الرسول حجابية أصلاً، وحيثما جال رسول الله من حضرة الغيب، ومن حضرة الشهادة، إلا وعين قطب الأقطاب متمكنة من النظر إليه، لا يحتجب عنه في كل لحظة من اللحظات (ص 63 المصدر السابق)" وحسبك هذا من تلك الأسطورة (كتبت عنه مقالاً ضافياً في مجلة الهدى النبوي) التي ألهتها الصوفية، وجعلت منها رباً أكبر يعبد ويخشى ويرهب (العجيب أن ابن الحاج – وله سابقة فضل في محاربة البدعة – يؤمن بهذه الأسطورة ويقول عن القطب "إن الله تعالى يديره في الآفاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء" انظر ص 328 مشتهى الخارف لمحمد بن الخضر الشنقيطي. وهكذا تقتل الصوفية بسمومها كل من يظن بها ظناً واحداً من خير!!).
أعوان القطب
أولاً: الإمامان، وهما يمنزلة الوزيرين له، أحدهما لعالم الملك، والآخر لعالم الملكوت. ثانياً: الأوتاد الأربعة: وقيل هم ثلاثة، لكما مات قطب الوقت أقيم مكانه واحد منهم، وعلمهم فيض من قطب الأقطاب، وإن ماتوا، فسدت الأرض! ثالثاً: الأبدال: والبدل حقيقة روحانية تجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه وليه. وعددهم أربعون، اثنان وعشرون منهم بالشام، وثمانية عشر بالعراق! رابعاً: النجباء وهم دون الأبدال ومسكنهم مصر! وعلمهم أن يحملوا عن الخلق أثقالهم وعددهم سبعون! خامساً: النقباء وعددهم ثلاثمائة، وقبل خمسمائة، وهم الذين يستخرجون خبايا الأرض (المصدر السابق، ص 93 جامع الأصول للكمشخانلي)!
تلك هي مملكة الأساطير التي ابتدعها خرافات الصوفية الحمقى، وخيالاتهم المخبولة (بل تزعم الصوفية أن كل صوفي يستطيع أن يكون قطباً يتصرف في الوجود. يقول أحدهم وهو يبشر الصوفية بنتيجة سلوك الطريق "وصرت أنت قطب الوجود تدوره بيدك كيف شئت" ص 114 جـ 1 الفتوحات الإلهية ط 1913م)؛ ليستعبدوا الخلق لما يشتهون، وليجعلوا منهم أخلاص رهبة منهم، وخوف مذعور. تلك هي المملكة التي ابتدعتها أوهام الصوفية إزاء ملكوت الله؛ ليغضبوا بها من الأحياء أقواتهم وإيمانهم، ومن الموتى أكفانهم! ترى ما ذا بقي لله وملائكته ورسله؟! الله أكبر، له الملك في الدنيا والآخرة.
خاتم الأولياء
وكما جعل الله للنبيين خاتماً، جعل الصوفية للأولياء خاتماً، والعنكبوت الأول الذي سال لعاله بهذه الأسطورة هو الحكيم الترمذي (هو غير صاحب السنن، فهو محمد بن علي بن الحسن بن بشير أو "بشر" الترمذي الملقب بالحكيم عاش إلى حدود 320هـ)، قال السلمي: "نفوه من ترمذ، وشهدوا عليه بالكفر بسبب تصنيفه كتاب "ختم الولاية"، وقال: إنه يقول: "إن للأولياء خاتماً، كما أن للأنبياء خاتماً، وأنه يفضل الولاية على النبوة (ص 170 جـ 2 مفتاح السعادة لطاش كبري زادة طبع الهند)" ويقول ابن تيمية عنه : "في كلامه من الخطأ ما يجب رده، ومن أشنعها ما ذكره في ختم الولاية، مثل دعواه فيه أنه يكون في المتأخرين من درجته عند الله أعظم من درجة أبي بكر وعمر وغيرهما، ومنها ادعاه من خاتم الأولياء الذي يكون في آخر الزمان، وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم كخاتم الأنبياء مع الأنبياء (ص 79 وما بعدها رسالة حقيقة مذهب الاتحاديين لشيخ الإسلام ابن تيمية)".
وتوالت عناكب الصوفية على هذه الأسطورة، حتى قتلت بها ذباباً من الخلق كثيراً. قال ابن عربي – وهو يتحدث عن علم وحدة الوجود: "وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل، وخاتم الأولياء! وما يراه أحد من الأنبياء، أو الرسل إلا مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه –متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فإن الرسالة والنبوة – أعني نبوة التشريع – تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً، فالمرسلون من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء (ص 62 جـ 1 فصوص الحكم ط الحلبي)
تفضيل خاتم الأولياء على خاتم النبيين
زعم ابن عربي في النص الذي نقلته عنه آنفاً أن الرسل لا يستمدون أشرف علومهم إلا من خاتم الأولياء، وهذا يستلزم تفضيل الولي الخاتم على الرسل بعامة وعلى النبي الخاتم بخاصة، يقول ابن عربي: "ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن، وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة، وأما خاتم الأولياء، فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله، ويرى في الحائط موضع لبنتين، فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكمل الحائط.. كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول" ويقول: "وفينا من يأخذه عن الله، فيكون خليفة عن الله بعين ذلك الحكم (ص 63، 163 المصدر السابق) فضل خاتم الأولياء بأمرين، أولهما: أخذ عن الله مباشرة، أما خاتم النبيين فيأخذ عن الله بواسطة الملك. الأمر الآخر: هو أنه على يديه تم الدين، فابن عربي يشير بهرائه ذاك إلى الحديث الصحيح الذي مثل فيه رسول الله ما بعث به والأنبياء من قبله ببيت كانت تنقصه لبنة، وأنه صلى الله عليه وسلم، هو الذي جاء بتلك اللبنة، يعني أنه هو الذي أتم الله به على المسلمين دينهم.
ولكن ابن عربي يزعم أن الدين كان ناقصاً لبنتين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بواحدة، وأتى خاتم الأولياء بهذه، وبلبنة أخرى، فلم يكمل دين الله إلا علي يد خاتم الأولياء! أين هذا الإفك من قول الحق جل وعلا: (5: 3 اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً)؟!.
ادعاء كل شيخ أنه الخاتم
يقول ابن تيمية: "ثم إن هذا خاتم الأولياء صار مرتبة موهومة، لا حقيقة لها، وصار يدعيها لنفسه، أو لشيخه طوائف، وقد ادعاها غير واحد، ولم يدعها إلا من في كلامه من الباطل، ما تقله اليهود، ولا النصارى، كما ادعاها صاحب الفصوص (ص 63 وما بعدها رسالة حقيقة مذهب الاتحاديين)" وحق ما يقول شيخ الإسلام – وعهدنا به الصدق والأمانة البالغة في النقل – فابن عربي يزعم في الفتوحات المكية أنه رأى رؤيا، ثم يقول: "ثم عبرت الرؤيا بانختام الولاية بي (ص 15 جـ 2، ص 5 رماح حزب الرحيم)" وادعتها التيجانية لشيخها أحمد. قال أحد أتباعه "الفصل السادس والثلاثون في ذكر فضل شيخنا، وبيان أنه خاتم الأولياء، وإمام الصديقين، ممد الأقطاب والأغواث ... (ص 15 جـ 2، ص 5 رماح حزب الرحيم)".
لماذا فضل خاتم الأولياء؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "تم صاحب الفصوص وأمثاله، بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا واسطة، والنبي يأخذ بواسطة الملك؛ فلهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة (ص 64 رسالة حقيقة مذهب الاتحاديين) وابن تيمية في فهمه الدقيق، ووعيه الكامل، وأمانته التي تستعصي على التهم يقرر الحق قوله، فقد نقلت لك عن ابن عربي ما يؤيد الحق الذي قرره ابن تيمية. وهاهو البسطامي يقول لأهل الشريعة: "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت(ص 246 الكواكب الدرية للمناوي) ويقول : "خضنا بحراً، وقف الأنبياء بساحله (ص 63 جـ2 جواهر المعاني)" وقال ابن عربي: علماء الرسوم – يعني أهل الشريعة – يأخذون خلفاء عن سلف إلى يوم القيامة، فيبعد النسب، والأولياء يأخذون عن الله، ألقاه في صدورهم من لدنه رحمة منه، وعناية سبقت لهم عند ربهم (ص 246 الكواكب الدرية للمناوي) يعني أن أتباع الشريعة الإسلامية، إنما يأخذونها عن أناس طواهم الموت، أما الصوفية، فلهم الصلات المباشرة مع الله، يأخذون عنه من غير واسطة ملك أو نبي أو رسول! وبهذا كفروا بشريعة محمد، ومهدوا لأتباعهم الكفر بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
الديوان الصوفي
للصوفية أسطورة تزعم أن في الوجود ديواناً باطنياً، يحكم فيه القطب الأكبر بما يشاء، ويصرف – هو من ومعه من أقطاب صغار – أقدار الوجود. إنه عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها الأقطاب أقدار الله، دون أن تستطيع أية قدة إلهية نسخ حكم لها، وقد وصف الدباغ هذا الديوان، وفصل مهامه، فلنترك له الحديث عن هذه الخرافة.
مكان الديوان وقضاته
يقول الدباغك "الديوان يكون بغار حراء، فيجلس الغوث خارج الغار (سجل هذا على الصوفية الدرويش الصوفي الإنجليزي المستشرق ادوارد لين، فقال: "ويعتقد أن سطح الكعبة مركز القطب الرئيسي، ويفضل مركزاً آخراً بباب القاهرة المسمى: باب زويلة، ويسمى العامة باب زويلة: "المتولي"؛ لاعتقادهم أنه مركز هذا الكائن المجهول، ومن وراء مصراعي الباب العظيم الذي لا يقفل أبداً فضاء صغير، يقال: إنه مكان القطب، ويدق المصابون بالصداع مسماراً في الباب لفك السحر، كما أن المصابين بوجع الأسنان يخلعون سناً، ويولجونها في أحد شقوق الباب، وللقطب في مصر مراكز أخرى أقل شهرة، أحدها في قبر السيد البدوي، والآخر في مدينة المحلة، ويعتقد أن القطب ينتقل من مكة إلى القاهرة أو من مكان إلى آخر في لحظة، ويروي الكثير من المسلمين أن إلياس ويخلطه العامة بالخضر كان قطب زمانه، وأنه يولي الأقطاب المتعاقبين؛ إذ يقررون أنه لم يمت. ويزعمون أنه شرب من عين الحياة، ويكلف بعض الأولياء القيام ببعض الأعمال الشاقة ويقال لهم: أصحاب الدرك" ص 163 المصريون المحدثون وقد جاء هذا الانجليزي إلى مصر في القرن 19، وتصوف وأخذ العهد ثم راح يسجل الخزي الخرافي لا على الصوفيين بل على المصريين عامتهم، فانظر جناية الصوفية على مصر والإسلام!!)" ومكة خلف كتفه الأيمن، والمدينة أمام ركبته اليسرى وأربعة أقطاب عن يمينه، وهم مالكية على مذهب مالك بن أنس، وثلاثة أقطاب عن يساره، واحد من كل مذهب من المذاهب الثلاثة، والوكيل أمامه، ويسمى : قاضي الديوان ومع الوكيل يتكلم الغوث" والدباغ مغربي، ولمذهب مالك السيطرة في المغرب، فكان لا بد من هذه العصبية التي جعلت الدباغ يزعم أن أربعة الأقطاب كلهم مالكية! ترى على أي مذهب كان أولئك الأقطاب قبل مالك؟1 ولو أن المتكلم كان حنفياً، لقال: إنهم حنفيون!
أهل التصريف
"والتصرف للأقطاب السبعة على أمر الغوث، وكل واحد من الأقطاب السبعة تحته عدد مخصوص يتصرفون تحته!"
الذين يحضرون الديوان ولغتهم
"ويحضره النساء وصفوفهن ثلاثة، ويحضره بعض الكمل من الأموات، ويكونون في الصفوف مع الأحياء، والأموات حاضرون في الديوان ينزلون إليه من البرزخ يطيرون طيراً، بطيران الروح، وتحضره الملائكة والجن، وفي بعض الأحيان يحضره النبي، وكلامه مع الغوث، وأما ساعة الديوان، فهي الساعة التي ولد فيها النبي، والأنبياء يحضرونه في ليلة واحدة هي ليلة القدر، فيحضره في تلك الليلة الأنبياء والمرسلون، ويحضره الملأ الأعلى من الملائكة المقربين ويحضره سيد الوجود معه أزواجه الطاهرات (هكذا في وسط الرجال؟! ومع عظم شأن ذلك الديوان، فإن الدباغ يقول عن نفسه: "إيش هذا الديوان؟ والأولياء الذين يقيمونه كلهم في صدري!! وإنما يقام الديوان في صدري والسموات والأرض بالنسبة إلى كالموزونة في فلاة من الأرض" ص 8 جـ 2 الإبريز)، ولغة أهل الديوان هي السريانية (تدبر الكيد الخفي للعربية لغة القرآن!!)؛ لاختصارها، ولأن الديوان يحضره الأرواح والملائكة، والسريانية هي لغتهم. والصغير من الأولياء يحضره بذاته!".
عدد أجساد القطب الكبير
"وأما القطب الكبير، فلا تحجير عليه، فإنه يدبر على رأسه، فيحضره، ولا يغيب عن داره؛ لأن الكبير يقدر على التطور على ما شاء من الصور، ولكمال روحه، تدبر له إن شاء ثلثمائة وستة وستين ذاتاً (أي بعدد أيام السنة الكبيسة!! فله في كل يوم إذن جسد جديد!!)".
تقاتل الأقطاب
"وقد يغيب الغوث عن الديوان، فلا يحضره، فيحصل بين أولياء الله من أهل الديوان ما يوجب اختلافهم، فيقع منهم التصرف الموجب لأن يقتل بعضهم بعضاً (يسفكون الدم ظلماً، ومع هذا فهم أقطاب كبار يتصرفون في أقدار الوجود والله يقول : (5: 32 من قتل نفساً بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً)، وإذا حضر سيد الوجود مع غيبة الغوث، فإنه يحضر معه أبوبكر وعمر وعثمان وعلى والحسن والحسين وفاطمة وتجلس فاطمة مع جماعة من النسوة اللاتي يحضرن الديوان".
فيم يتصرف الأقطاب؟
"وأهل الديوان إذا اجتمعوا فيه، اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد، فهم يتكلمون في قضاء الله تعالى في اليوم المستقبل والليلة التي تليه (والله يقول: (31: 34 وما تدري نفس ماذا تكسب غداً)، ولهم التصرف في العوالم كلها السفلية، والعلوية، وحتى في الحجب السبعين، فهم الذين يتصرفون فيه، وفي أهله، وفي خواطرهم، وما تهجس به ضمائرهم، فلا يهجس في خاطر واحد منهم شئ غلا بإذن أهل التصرف(وصف الله نفسه بأنه عليم بذات الصدور، وقد وصف الصوفية أقطابهم بهذا وأكثر منه، فماذا تقول فيهم؟)،
وإذا كان هذا في عالم الرقا الذي هو فوق الحجب السبعين التي هي فوق العرش، فما بالك بغيره من العوالم؟!".
انعقاد الديوان في غير الغار
"ويكون الديوان في موضع آخر غير غار حراء مرة في العام في موضع يقال له: زاوية أسا1 خارج أرض سوس، بينها وبين أرض غرب السودان، فيحضره أولياء السودان، ويجتمعون في غير هذين الموضعين السابقين؛ لأن الأرض لا تطيقهم (انتهى مختصراً بلفظه من الإبريز للدباغ جـ 2 ص 2 إلى ص 9 ط 1292هـ)".
هذا هو الديوان الصوفي، كما وصفه كاهن صوفي كبير نقلته بلفظه نفسه، بل قل: هذه هي أسطورة الوثنية المخبولة الحمقاء (دمغهم بهذا الخبال مستشرق مسيحي، فقال: "وللأولياء حكومة باطنة يرون أن عليها يتوقف نظام العالم، ورأس هذه الحكومة الأعلى يسمى: القطب، وهو أرفع صوفية في عصره، وإليه رئاسة الاجتماعات التي يعقدها في انتظام مجلس شوراه الموقر!! وأعضاء هذا المجلس لا يعوقهم عن الحضور حواجز الزمان والمكان، وإنما يأتون من أرجاء الأرض في لمحة طرف، يعبرون البحار والجبال والصحارى في ترتيب تصاعدي كما يلي: الأخيار 300، فالأبدال الـ40، فالأبرار ال 70، فالأوتاد ال 4، فالنقباء ال 3، وهؤلاء جميعاً يعرف الواحد منهم الآخر، ولا يعمل الواحد منهم إلا برضى الباقين، وعمل الأوتاد الطواف حول الأرض جميعاً في كل ليلة، فإن كان هناك مكان لم تقع أعينهم عليه، بدت فيه في اليوم الثاني شائبة نقص، فيخبرون القطب حتى يجعل همه إلى ذلك المكان المشوب، فيبرأ مما أصابه بفضل القطب" ص 119 الصوفية في الإسلام لنيكلسون ترجمة نورالدين شربية)، وكم للصوفية مثلها من أساطير!! قتلة سفاحون سفاكون للدماء، ينعتهم الدباغ بأنهم يتصرفون في أقدار الله وملكوته؟! فماذا بقي للرب الصوفي، وهذا كله في قبضة السفاكين؟!
بين الجاهلية والصوفية
كانت الجاهلية في إسفافها الوثني أقل حماقة من الصوفية، وتدبر ما قصه الله عن الجاهلية وشركها، تجدهم كانوا يوحدون الله في ربوبيته توحيداً حرمت حتى من مثله قلوب الصوفية، إن كانت لهم قلوب! يقول تعالى: (23: 84 – 89 قل: لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون: لله. قل: أفلا تذكرون؟! قل: من رب السموات السبع، ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله. قل: أفلا تتقون؟! قل: من بيده ملكوت كل شئ، وهو يجير ولا يجار عليه، إن كنتم تعلمون؟! سيقولون: لله. قل: فأنى تسحرون؟!".
هذا دين الجاهلية ولكن الله لعنهم لعناً كبيراً بشركهم، لأنهم أشركوا بالله في إلهيته، فتضرعوا إلى غيره بالدعاء.
أما الصوفية، فتدين بالقتلة، والمجرمين، وأوغاد الفاحشة أقطاباً يتصرفون في الوجود، ويسيطرون بقهرهم على سنن الكونية ونواميس الوجود التي فطرها الله وحده، وهو الذي يصرفها وحده، ويتحكمون في أقدار الله، فلا ينفذ منها إلا ما يشتهون، فأي الشركين أطغى بغياً، وأخبث رجسا؟ لقد وحدت الجاهلية الله في ربوبيته، وأشركت به في ألوهيته، أما الصوفية، فنفتهما عنه، بالعدم الصرف، أفيمكن أن يقاس إلحاد الصوفية، بشرك الجاهلية؟ أم ترى هذا ليلاً غاسقاً، وترى الإلحاد الصوفي دياجير تطغى، وتتراكم، وتطول، حتى لا يعرف أن الجواب مسفر الصبح، وضيء البيان، قوي الدلائل!

الفصل السادس
"التصوف العملي"
لقد افتروا لك أن التصوف نوعان: نظري أو إشراقي، والغاية منه معرفة الله "بالأذواق" واكتناه أسرار ربوبيته بالمواجيد، فكانت نتيجته أن دان مؤتفكوه بالوحدة التامة بين الخلق والخالق! والنوع الآخر منه هو العملي، وهو قائم على الرياضات والمجاهدات أي على الذكر والزهد والعبادة. ومحاولة التفرقة بينهما، كالتفرقة بين الخبث وريحه المنتن، فالنظري من التصوف وليد العملي؛ لأن النظرية وليدة التطبيق! وقد بينا لك دين الإشراقيين، فلنأتك بنبأ الآخرين!
دعوى الزهد
زعمت الأوهام أن الصوفية بر زهادة، وقداسة روحانية. يعرجان بالروح إلى الملأ الأعلى، فدعني إذن أسائل كل صوفي: أليس في الإسلام ما تبلغ به النفس كمالها وسعادتها النضرة، وما تتألق به الروح، وتسمو إلى سماء الإيمان الحق، والنورانية الصافية، وما ينبغ به الفكر، فيدرك الحق إدراكاً لا يشوبه ريب وهم، ولا يريبه ظن، وما يصفو به القلب، فيفيض بالخير والرحمة والمحبة؟ أحسبت الإسلام غير مجد في تزكية الإنسان والتسامي به، حتى تفر منحدراً إلى الصوفية؟ إن في إخلاص التوحيد، وصدق الإيمان، وطيب الإحسان فيما أنعم الله به لواحة وريفة الظل، فناء الخميل، ثرة النبع في صحراء الحياة، تترغ من سلسلها العذب ما يجعل الحياة حوليك مجالى خير وسلام وصفاء، ومجاني نعمي روحي وسعادة نفسية. عبادتك الله كأنك تراه، تجريد لك من نوازغ العاطفة، أو يخمد الشعور بحق الحياة يضل به الفكر، أو تطيش الغريزة، أو تزل العاطفة، أو يخمد الشعور بحق الحياة الطيبة. إنها تطلقك في رحاب الوجود جهاداً دائباً في سبيل الحق وعملاً صالحاً تنشد به رضاء الله وحده، وتحقيق الخير العام للإنسانية، وتسبيحاً وتقديساً لله وحده، لا امتزاجاً، أو اتحاداً، كما تزعم الصوفية!.
ذلك بعض ما في الإسلام، فماذا في الصوفية؟1 فيما ذكرت لك من قبل الجواب الصادق.
إن الزهد الذي تبشر به الصوفية – حين تريد اغتصاب اليتيم والمسكين(من أعجب ما ترى. أن يدعو الشيوخ إلى الزهد. وهم يتكالبون على كل شئ خبيث، يدعون سواهم إلى الزهد؛ ليكون لهم هم وحدهم كل شئ. أفلا يدعون أنفسهم إلى التقوى؟!)- ليس من شعائر الإسلام، ولا من شرعته في شئ، مهما حاولت الصوفية توشيته؛ ليبدو لضحاياها شعيرة دينية سامية!.
فمعنى الزهد تحقير الشئ، والتهوين من شأنه في اللغة التي شرفها الله، فنزل بها كتابه، وبهذا المعنى وردت في القرآن، ولم ترد مادتها فيه إلا مرة واحدة. قال تعالى يقص شأن السيارة الذين باعوا يوسف: (12: 20 وشروه بثمن بخس دراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين) تأمل هذه الكلمات "بخس، ودراهم، ومعدودة" ثم تأمل ورود كلمة "الزاهدين" بعدها؛ لتدرك جيداً حقيقة معناها.
فهو إذن –وهذا معناه- مما يمقته الله ورسوله، ويبرأ منه كل مؤمن بالله. ورحمته وحكمته؛ إذ معناه تحقير نعم الله، والتهوين من شأنها الأعظم.
إن في الزهد الذي تزعمونه القضاء على الفرد، وعلى قوى الجماعة الإسلامية، فيه صرف للهمم عن الجد والسعي في سبيل الخير للفرد والجماعة. والاستعمار القديم والحديث يعمل لنشر هذه الخرافة في الشرق وحمل أهله على الإيمان بها؛ ليعيش أهله أذلاء النفس مهزولي القوى؛ يرضون باللقمة الساغبة من فتات المستعمرين؛ عالة على مستعبديهم، يجرعونهم المسكنة والصغار! أشباحاً هزيلة، وظلالاً كابية لركام من الجيف!! وقد صدق الشرق في أحقاب من تاريخه خرافة الاستعمار الصوفي، فهوى من قمة المجد والقوة والحرية إلى حضيض المهانة والعبودية!
نبئوني، ماذا يحدث لو اتخذ كل مسلم من الزهد الصوفي شريعة له؟! سيكون المسلمون – وقد حدث – فريسة هينة سهلة لكل ناب باغية، ومضغة محتقرة يمجها كل مشفر! وهذا هو هدف الاستعمار، وربيبته الصوفية التعسة! في الإسلام الذي أم الله به على عباده النعمة، وأكمل الدين، كلمة لو أخذ بها المسلمون، لكانوا مع الله وحده قلوباً عابدة، ومع إخوانهم قلوباً محبة تنزع دائماً إلى الإيثار والفداء والتضحية: إنها "التقوى" تتقي الله، فتطيعه طاعة قدسية، وتتبع رسوله. تتقي الله، فلا تغصب ما ليس لك. تتقي الله، فتعمل لنفسك ما يزكيها، ولغيرك ما يسعده، ويحفظ عليك وعليه الحياة (8: 1 فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله) ولجلال هذه الشعيرة الإيمانية كان لها من الله هذا الجزاء الأعظم (65: 2، 4 ومن يتق الله، يجعل له مخرجاً... ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً).
(7: 35 فمن اتقى، وأصلح، فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون).
(7: 96 ولو أن أهل القرى آمنوا، واتقوا، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (3: 76 بلي من أوفى بعهده، واتقى، فإن الله يحب المتقين) (16: 128 إن الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون).
فلماذا رغبتم عن "التقوى" إلى "الزهد" وهو تراث "المانوية"؟ وقد هولتم به، كأنما هو وحده السبيل لهداية الإنسانية الحائرة؟ ترى هل ترون في القرآن للزهد ذكرا،ً أو أجراً؟!.

أصل الزهد الصوفي
أتدري عمن اقترف الصوفية دعوى الزهد الذي يحقر نعم الله، ويعمل لتحطيم كل مقومات الجماعة الإسلامية؟!
إنهم بشروا بفتنة غيه عن المجوسية المانوية التي آمنت بألوهية الخير والشر، وبأن هذين المتقابلين في قيم الأخلاق امتزجا بربها الأكبر امتزاجاً تاماً، وأن هذا الرب "المانوي (نسبة إلى ماني بن فانك متنبئ فارسي، وقد وصى أتباعه بالزهد المسرف في الغلو. وبعدم الزواج؛ لفنى العالم، فيستطيع الرب التخلص من طبيعة الشر الكامنة فيه. وعنه استمد الصوفية ذلك. يقول أبو طالب المكي مفترياً على رسول الله هذين الحديثين: "إذا كان بعد المائتين، أيبحث العزبة لأمتي" أي عدم الزواج. وقال: "لأن يربي أحدكم جرو كلب، خير من أن يربي ولداً" نفس الدين، ونفس الهدف المانوي! انظر ص 150 جـ 4 قوت القلوب ط 1352، تجد المانوية الصرفة، ويقول الجنيد: "أحب للمبتدئ ألا يشغل قلبه بهذه الثلاث، وإلا تغير حاله، التكسب وطلب الحديث والتزوج، وأحب للصوفي ألا يقرأ ولا يكتب؛ لأنه أجمع لهمه" إذا كان لا يتكسب وهو شاب، فمتى؟ وإذا كان لا يطلب حديث الرسول، فماذا؟ وإذا كان لا يتعلم، فأي شئ يكون هو؟ لو أننا نفذنا وصايا الجنيد لم تبق للأمة الإسلامية باقية. انظر ص 135جـ 3 المصدر السابق.)" الثنائي الطبيعة، لن يستطيع التخلص من الشر الذي يقوم ذاته، أو النجاة منه إلا بفناء العالم، فوصى "ماني" مسيلمة هذا الدين بالزهد وعدم الزواج؛ لينحدر مسرعاً إلى هوة العدم. اسمدته من "الغنوصية (معناه الاصطلاحي إدراك الأسرار الربانية بواسطة الكشف، والذي أعطاها هذا المعنى طائفة من المفكرين، عاشوا في القرون الأربعة الأولى من ميلاد المسيح، ومنهم يهود ومسيحيون ووثنيون. وأهم ما يدينون به هو الثنائية بين المادة والذات الإلهية، ومحاولة اجتياز الفاصل بينهما عن طريق سلسلة من الوسطاء، والمادة عندهم هي أصل الشر، والسبب الذي من أجله انحطت طبيعة الإنسان، ولكن الإنسان يستطيع عن طريق الخلاص "أي الزهد" أن يعود إلى الذات الإلهية والأصل الأول. انظر ص 7 التراث اليوناني للدكتور بدوي.)" التي زعمت أن غاية الإنسانية العظمى هي في الاتحاد بالرب!! الرب "الغنوصي" الذي صنعه الهوى، وأمدته الأساطير بالوجود الأسطوري!.
هذا هو أساس الزهد الصوفي، وهدفه، عليه قام، ويقوم، وهو كما ترى غير التقوى الإسلامية. غيرها في كل شئ، غيرها في المعنى والروح والنسب والغاية، فغاية الزهد الصوفي تدمير الجماعة الإسلامية (يتحدث جولد زيهر عن أثر الزهد الصوفي في تغيير النظر إلى المثل العليا للمسلمين: "تغير النظر إلى المثل الأعلى للحياة الإسلامية، فأصبح ينظر إليه من وجهة تخالف تلك التي أقرتها تعاليم المذاهب السنية، وهكذا أثر الصوفيون على الجماهير الخاضعة لنفوذهم، فقل إعجاب الناس بتلك السمة العسكرية لأبطال الإسلام – والشهداء الأقدمون ما كانوا إلا من فئة المجاهدين- فانصرفوا عنها، وولوا وجوههم نحو صر الزهاد الشاحبة وأجسام العباد الهزيلة والرهبان المنقطعين في الصوامع، بل إن الأبطال الأقدمين في عصور الإسلام الأولى الذين كانوا مثالاً يحتذى، صار لزاماً عليهم أن يحصلوا على صفات البطولة الجديدة، أي أنهم جردوا من سيوفهم، وألبسوا أردية الصوف!!" ص 154 العقيدة والشريعة.)، وغاية التقوى سمو بالفرد، سمو بالجماعة، وتشييد لصروح العدالة والحب والإيثار والإخاء الكامل، وبالرغم مما تأفك الصوفية من دعاوى الزهد، فإنا نرى كهانها عدواً خصيماً للقناعة، فتوجههم ضراوة الذئاب إلى الفتك بالحملان الوديعة البريئة، ويثيرهم الجشع إلى سلب ما على فم اليتيم.
وإلا فاهدني إلى جواب ما أسائلك عنه. أيحسب قانعاً من يغصب قوت اليتيم؛ ليتخم به بطوناً تشكو البطنة؟! من يهتك عن أيامى المسكنة، وأرامل الفقر أستارهن؛ ليجعل منها للأصنام عمائم ضخمة كالداهية، منتفخة كبطون السحت، سوداء كحقد المشرك، حمراء كالجريمة المسفوحة، خضراء كالعشب السام، بيضاء كالكفن؟1 من يغصب الفتات من الغارمين، ثم يأكله من الربا الجائر؟! من تخب في الحرير، ويدب بنعليه على الطنافس، ويزعج الهامدين بأبواق سياراته، وتضج عربدته (قال أبو حمزة البغدادي، مما يرائي، ويخدع به عن حقيقة التصوف: "علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى، ويذل بعد العز، ويخفى بعد الشهوة وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغنى بعد الفقر، ويعز بعد الذل، ويشتهر بعد الخفاء" ص 4 شرح الحكم لابن عجيبة وطبق هذا على السادة الصوفية!!)، ودراويشه من حوله يخبون في المآسي، ويدبون على الفواجع، ويقتاتون بالنكبات، ويتجرعون غصص الدموع، ويحتسون دم الجراح؟! (قال الأستاذ التابعي: "إنني أعرف شيخ طريقة اختار أحد بارات شارع شريف مقراً له. ويقصد إليه في البار المذكور أتباعه ومريدوه كلما أرادوا مقابلته في أمر ما، ويخرج إليهم ويمد يده يلثمونها، ورائحة الخمر تفوح من فمه، وقطرات الخمر على يده، وبقايا "المزة" على صدره وذقنه وأكمامه ... ويلتفت الشيخ إلى أصدقائه الجالسين في البار ويطلق نكتة ما. ويشترك معهم في الضحك من عبط المريدين والأتباع" صحيفة الأخبار 2/11/1955.).
أيحسب قناعة هذا النهم المستشري بالحرام، وذلك التكالب الضاري على سحت الأضرحة؟1 انظر إلى من حولك من كهانها، وأرني فيهم من يمسه الزهد حتى خطرة ذاهلة مضغة حيرى على شفتي يتيم محروم، نالها بعد سغب يائس!!؟ ذلك هو الزهد الصوفي، فما ذكرهم؟.
الذكر الصوفي
في أعياد الوثنية التي يسمونها: موالد، وفي معابد الأضرحة التي يسمونها: مساجد، وفي كهوف الدراويش، وقد أتخموا بطون الطواغيت بالسحت!! في تلك الحمآت يقيم الصوفية حانات الرقص، أو ما يسمونه: الذكر، فيجلس الشيخ بين صفين من دراويش تعشقهم الرذيلة، ودرويشات نفرت منهن الفضيلة ثم يصفق بيديه اللامعتين من دسم الحرام إيذاناً ببدء الذكر، ثم يخرج من شفتيه ومنخريه اسم الله ملحداً في حروفه وفي النطق به!! وغضون جبينه تهمز الحياء وتلمز التقوى، ومنشد القوم يطربهم بالغزل الداعر في ليلى وسعاد، أو بالدفوف يدق عليها الشيطان، وبالنايات تصفر فيها الشهوة، ثم يهب الشيخ، ويهب معه المريدون، ثمت يميلون يمنة ويسرة، متأودة أعطافهم تأود الراقصات يلمحن في أيد الرواد دنان الخمر وفتنة الذهب، وما هي إلا لحظة، حتى تجن هذه الأجساد بما فيها من رغبات مكبوتة، مصفحة عن غليلها المحترق بالتأوه المخنث، والتمايل الخليع، وبالأصوات المنكرة بالمبحوحة من عويل الخطيئة والاستغاثة بزينب، أو نفيسة. لا يريدون زينت الطاهرة، ولا نفيسة العابدة. وإنما يريدون بهما شيئاً آخر!! فكل يغني على أنثاه!! وهكذا يظلون في اقتراف هذا الزور الملحد ساعة، أو ساعتين (يظل الراقص الصوفي يتخلع ساعة في حانة الذكر، دون أن يحس بملل حتى إذا وقف للصلاة "يخبط الصلوات الخمس" في خمس دقائق!! هذا لأن الرقص الصوفي شهوة وخطيئة، أما الصلاة فطهر وعبادة)، كل يريد أن يثبت للعيون الرانية في لهفة، والزعاريد المغازلة في توجع مشوق، أنه حيوان قوي الجسد!! وبعد هذا يزعمون أنها كانت من ساعات التجلي!! ولكم من أم باعت قوت يتيمها، وزوج ستر امرأته، ومدين يهلكه الدين بقية طعامه في سبيل "شيشة" الشيخ، و"حشيش" الشيخ، و"أفيون" الدراويش. وهم يرقصون في حانات الذكر!!
أتراني بالغت؟ أم أني قصرت؟ إخالك تنزع إلى اتهامي بالتقصير، فكل ذي بصر تقع عيناه على الصوفية يعربدون في حانات ذكرهم، تقع عيناه على مشاعل المجوس، تتوهج كرغبات الفاجر!! وعلى الدفوف بأيدي فتية، أسبلوا شعورهم، وقد لمسهم الشيطان بلهيبه، فراحوا يتكسرون على النغم الشرود، ويهصرون غصونهم على النظرات المتوهجة الرغبات، وشيخ الطريقة سعيد؛ لأن شباك فتيته توقع في حبالها الهائمين، هذا يحدث، وتراه، ونراه، ولا نسمع النكير عليهم من أحد!! كأنما رذيلة القوم فضيلة مقدسة!!
ما هكذا ذكر الرسول ربه، وما هكذا ذكر الصحابة من بعده ربهم، ما ذكروه باسمه المفرد، ولا ذكروه في ميل وتأود. ما ذكروه بقيادة واحد منهم ينطق بالاسم مصفقاً، وينطقون به وراءه. ما ذكروه، ولهم منشد يغازل ليلى!! ما ذكروه وأصواتهم من ضجيجها تفزع الليل، وتصك جنباته، ما ذكروه جزاء مضغة لحم، أو نفثة "شيشة" !! ما ذكروه بالنايات والطبول والدفوف. ولكنهم ذكروه، كما علمهم رسوله، أما من ذكر الله ذكر الصوفية فهم مشركو الجاهلية (8: 35 وما صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) (المكاء: الصفير بالفم، أو التشبيك بالأصابع والنفخ فيها. والتصدية: التصفيق) وكفرة اليهودية والمسيحية!!
ذكر الصوفية بدعة يهودية
جاء في المزمور التاسع والأربعين بعد المائة: "ليبتهج بنو صهيون بملكهم ليسبحوا اسمه برقص، بدف، وعود، ليرنموا... هللوا يا، سبحوا لله في قدسه، سبحوه برباب وعود، سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار، سبحوه بصنوج الهتاف (العهد القديم. المزامير ص 641)".
وهكذا يذكر الصوفية!1 وحسبك أن ترى حانةً صوفية يذكرون بها؛ لتشهد الصلة الوثيقة بين الذكر الصوفي، والبدعة الجاهلية اليهودية!! ولكن الدباغ يزعم: "أن الصوفية يهتزون يميناً وشمالاً؛ لأن الأقطاب رأوا الملائكة تفعل ذلك" ص 72 جـ 2 الإبريز.
الشيخ جاسوس القلب
يوجب الصوفية على الذاكر "أن يستحضر شيخه، وأن يستمد منه عند الشروع فيه، فيقول: مددك يا أستاذي، وأن يرى أن استمداده منه، عين استمداده منه صلى الله عليه وسلم، فإنه الواسطة إليه، وأن يستأذن شيخه بقلبه، فيقول: دستور يا أستاذي! وأن يستأذن أصحاب الطريق والقدم، وهم أهل السلسلة، فيقول: دستور يا أصحاب الطريق القدم (انظر ص 28 وما بعدها من رسالة لأحمد عبد المنعم الحلواني، ص 86- رسالة منحة الأصحاب لأحمد بن عبد الرحمن الشهير بالرطبي)" وهكذا توجب الصوفية على "الدرويش" أن يتلطخ بهذه الوثنية قبل أن يذكر الله، وأن يستأذن كل هذه الأصنام؛ ليتقبل الله ذكره، ويغمره برضاه! حجب صماء تمور حولها الدياجير، وتقصف الأعاصير، تضعها الصوفية في طريق السالك، حتى لا يرى شعاعة من نور!
كيفية الذكر
"أن يهتز من فوق رأسه إلى أصل قدميه، وأن يبدأ بـ "لا" يميناً، ويرجع بـ "إله" فيتوسط، ويختم "إلا الله" يساراً قبلة القلب، فإن ذكر اسما مفرداً كالله، و "هو" ضرب بذقنه على صدره، وأن يذكر مع جماعة مع رفع الصوت، وينتع الكلمة من سرته إلى قلبه (المصدر السابق)" هذه "البهلوانية" الرعناء، هي صورة الذكر الصوفي. ترى هل كان رسول الله – وهو يذكر ربه – يهتز من فوق رأسه إلى أصل قدميه؛ أو كان يضرب بذقنه صدره؟ أو كان يميل يمنة ويسرة؟ لم يفعل شيئاً من ذلك؛ لأنه نبي؛ ولأنه رجل أبي الرجولية. أما رفع الصوت، فالله يقول: (17: 110 ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلاً) وأصل الصلاة الدعاء، ولكن الصوفية بهدي ربهم يعدلون!.
صيغ الذكر الصوفي
"من آداب المريد مع شيخه أن يذكر ما لقنه له أستاذه، فلا يتجاوزه إلى غيره (من رسالة الحلواني ص 30)" ولهذا تعددت صيغ الذكر الصوفي، تبعاً لتعدد الطرائق، وتباين الشيوخ، فمنهم من يذكر بالاسم المفرد، ومنهم من يذكر بـ "هو هو" ومنهم من يذكر بـ "أه أه". وكل طاغوت صوفي يحرم على عبدته أن يذكروا بغير ما أذن لهم فيه، أو أن يذكروا بما ترقص به الطرق الأخرى؛ لاعتقادهم أن بعض أسماء الله قد يضر ذكرها هذا، وينفع ذاك، أو تضر في حال، وتنفع في حال أخرى، والخبير بما ينفع الذاكر، أو يضره، إنما هو الشيخ؛ لهذا لا يستطيع "الدرويش" أن يذكر "لا إله إلا الله" إلا إذا أمره بها شيخه، ولا ينادي ربه بيالطيف، وإلا أصابه مس أو خبال، أو كما يسمونه "لطف"!.
اسمع إلى القديس الصوفي أبن عطاء الله السكندري يفتري الإثم الأكبر: "اسمه تعالى "العفو" يليق بأذكار العوام؛ لأنه يصلحهم، وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره! اسمه تعال "الباعث" يذكره أهل الغفلة، ولا يذكره أهل طلب الفناء، اسمه تعالى "الغافر" يلقن لعوام التلاميذ، وهم الخائفون من عقوبة الذنب، وأما من يصلح للحضرة، فذكره مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة، اسمه تعالى "المتين" يضر أرباب الخلوة، وينقع أهل الاستهزاء بالدين (ص 23 وما بعدها مفتاح الفلاح ط 1332هـ)".
ويستمر ابن عطاء في سرد هذا البهتان حتى يستوفي أكثر أسماء الله. والله تعالى يقول: (17: 110 قل: ادعو الله، أو ادعوا الرحمن، أياما تدعو، فله الأسماء الحسنى) ويقول : (7: 180 ولله الأسماء الحسنى، فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه، سيجزون ما كانوا يعملون) اسمه الغافر لا يصلح إلا للعوام! كأنما أولئك الطواغيت معصومون من الذنب، أو آلهة! على حين كان يستغفر الرسول ربه في اليوم مائة مرة! فهل تجد رحماً بين حق القرآن، وبين باطل الصوفية؟!
ذكر رسول الله
ومن عبير السنة المطهرة، يسطع عليك ما يشفي روحك، فقارن بينه وبين ذلك اليحموم الصوفي. قال صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" "متفق عليه" وكان صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون" "رواه مسلم" وقال: سيد الاستغفار أن تقول: "اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" رواه البخاري.
وفي الصحيحين عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم، إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: "الله لك الحمد؛ أنت نور السموات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد؛ أنت قيوم السموات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد؛ أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد؛ أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي. ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت، ولا حول، ولا قوة إلا بك".
أرأيت إلى هذا الذكر النبوي الجامع؟! إنها ضراعة النبوة والعبودية الخالصة تفتحت لها أبواب السماء، ما فيه ذكر باسم مفرد، ولا ضرب صدر بذقن، ولا هزة الرأس إلى أخمص القدم! ما فيه التناوح بالرأس يمنة ويسرة، ولا نتع من سرة إلى قلب. ما فيه منشد، ولا دف، ولا شبابة. ما في دائرة يقف في مركزها نصب يرقص الذاكرين بتصديه! إنما فيه قلب مؤمن ضارع ملأه حب الله خشية ورهبة وتقوى، يتوجه إلى خالقه الأعظم، مالك الملك كله في إيمان صادق، وتوحيد خالص، فصلوات الله وسلامه على محمد عبد الله ورسوله.
عبادة الصوفية
ذلك هو التصوف العملي في شعيرته الزهد والذكر، فما العبادة فين؟ أهي تلك الركعات، أو السجدات التي لا يقر فيها قلب، ولا جسد، ولا تسلم فيها لله خاطرة واحدة، ولا يخشع شعور، ولا يضرع دعاء؟ فإنما هي لأصنام القبور سجود وتسابيح، ولجلاميدها الصم عبودية، تطفح بالخشية منها، والتقوى لها، واللياذ بها، والذهول المستغرق إلا عنها! ألا ترى مساجد الله خراباً، ومعابد القبور، تمور بالحشود المحشودة فيها من كل صوب وحدب؟ ألا ترى مساجد الله التي طهرها الله من أوثان الأضرحة، خاوية على عروشها، أما المعابد التي جثم على صدرها قبر ميت، وثوت فيها رمته، أو وهمه، فتضيق – على رحابها الفساح – الآمين لها رجاء بركات القبر، والرمة البالية، أو الوهم الخرافي المشيد عليه القبر، أو العظام المنوعة من حيوانات شتى؛ لتنصب النذور على السدنة؟! ألا ترى تلك المعابد ينفق على فرشها وإضاءتها وتبخيرها الألوف؟! أما مساجد الله فتترك للغربان تسلح عليها، وللبوم ينعب فيها!.
ما عبادة الصوفية؟ أهي تلك النذور يحفدون بها إلى الجيف؟ أهي هذا السجود على عتبات الأصنام دوخها وطء النعال؟! أهي هذا التقبيل الملهوف العاشق لأحجار الأوثان رجاء سلسبيل رحمة منها ومغفرة؟ أهي هذا التوسل إلى الله بعظام نخرة، وصفوان أملس، وخشب عافه السوس من طول ما طعم منه؟ أهي هذا الدعاء العريض بالهامدين في القبور، ينشدون منهم مدد الحياة، وروح الخلود؟ أهي تلك الأوراد (لكل طريقة ورد خاص بها تفضله على جميع الأوراد الأخرى، بل تفضله على القرآن، قال طاغوت التيجانية: "وسألته صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفاتح، فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانياً أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون، ومن كل ذكر، ومن كل دعاء كبير أو صغير، ومن القرآن ستة آلاف مرة" ص 103 جـ 1 جواهر المعاني لابن حرازم التيجاني طريقة. فتدبر كيف تجاهد الصوفية في سبيل صرف المسلمين عن كتاب الله !!) الشركية ينعق بها الصوفية تحت سجوات ليلهم المعربد، وشفوف السحر الراقص، في هياكل الطواغيت؟! أهي هذا الحلف بالقبور والهامدين فيها، وجعل الحلف بالله عرضة للفرار من ذنب، أو جريرة؟!
ذلك هو الجانب العملي من التصوف في ذكره وزهده وعبادته، أتراه يصلح لهداية الإنسانية، وقيادتها إلى مثلها العليا؟ أم تراه يفتك بها فتك السل الدفين بالصدر الرقيق الحزين؟! أما جانبه النظري، فقد دانوا فيه كما بينت لك بأن العبد عين الرب، وبأن الشرك عين التوحيد، ذلك هو التصوف بنوعيه، إن شئت أن تجعله نوعين! فهل تراه يودي بالمسلمين إلا إلى التهلكة بعد أن يحيلهم من عباد للرحمن إلى عبدة للطاغوت؟ من أمة قوية عزيزة كريمة موحدة الغايات والمبادئ إلى أشتات واهنة، وأشباح هزيلة مستضعفة، تضرب بها الوثنية في متاهات الباطل، ويقضي عليها الوهن والذل والصغار، فتصبح المطايا الذلل للاستعمار، وأحلاف الضعة، والمهانة والاستكانة؟!

دعاوى الصوفية وأدعيتهم
غشت الصوفية بصائر عشاقها بما تسحر به من فنون الخيال الغزلي، والشاعرية الحالمة في الصور البيانية المتأنقة الفتنة، المكحولة الروعة ذلك ما جعل بعضهم يجادلنا في شأن الصوفية، فيأتينا بأدعية ونجاوي صوفية، فيها وشي السحر الشاعر وفتنته، وبدعاوى فيها روحانية الحق وروعته، ثم يقول: أو من يقولون هذا، تفتري عليهم أنهم غير مسلمين؟!
لهؤلاء الذين خلبهم عشق الصوفية أقول: ما من كهان نحلة ضالة، أو أحبار دين زائف، إلا وناجوا معبودهم، ودعوه بما يخيل غليك من سحره أنها ضراعة نبوة في فجر الوحي، فهل نعدهم مسلمين بتلك النجاوى، وهذه الأدعية؟!
سلوهم قبل الفتنة: لمن هذه النجوى؟ ولمن تضرعون بهذا الدعاء؟ سلوهم عن صفات معبودهم، وأسمائه الحسنى، وعن شرعته التي كلفهم بها، وهناك حين يجيبونكم توقنون أنهم لا يناجون الله، ولا يدعونه، وإنما يفعلون ذلك لآلهة أخرى ابتدعوها؛ لتعبد من دون الله!.
ويذكرنا هؤلاء المسحورون بدعاوى الصوفية، إذ يفترون: "كلامنا هذا مقيد بالكتاب والسنة!" وكذلك زعمت كل فرقة نجمت في الجماعة الإسلامية؛ لتجد لها أنصاراً وأعواناً من الأغرار، الذين يخدعهم زيف القول الحلو عن رياء العمل المر! قالتها الشيعة التي تؤله أئمتها، وقالتها المعطلة، وقالتها المجسمة، وتقولها القاديانية والبهائية! وقد نقلت لك عن النابلسي – وهو صنم صوفي كبير – دعواه أن وحدة الوجود مستمدة من الكتاب والسنة!.
أنك لا تستطيع أن تمنع إنساناً من أن يدعي ما يشاء، ولكن الذي تستطيعه هو أن تبتلي دعواه، وتزنها بميزان الحق من الكتاب، وثمت تستطيع أن تحكم عليه عن بينة بالصدق، أو الكذب فيما ادعاه. وقد ابتليت معتقدات الصوفية وأربابها وآلهتها، فهل ترى لها أثارة من نسب إلى شرع، أو عقل؟
لقد جحدت الصوفية الحقيقة الأولى، تلك التي يقررها الشرع، ويحكم بها العقل. وهي أن الله سبحانه وتعالى مغاير لخلقه في ذاته وصفاته وأفعاله، فكيف نحكم عليها بأنها تؤمن بما يترتب على تلك الحقيقة العليا من حقائق مقدسة؟ ليس المهم أن تقول، بل الأهم أن تعمل بما تقول، فهل يعمل الصوفية بالكتاب والسنة، كما ينافق بعض زعمائهم؟! ومما يجادلنا به عشاق السحر الصوفي قول ابن الفارض:
وإن خطرت لي في سواك إرادة على خاطري يوما حكمت بردتي
وعلى ما في هذا البيت من غلو الإسراف في دعوى التجرد (للإرادة الإنسانية مجال فساح من الخير الذاتي، كإرادة الزواج. وكسب العيش، وإرادة التمتع الروحي بما أبدع الله من جمال في جنات الأرض، وما على من يريد ذلك جناح من الله ذي الرحمة. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت غرة عيني في الصلاة" وهل الحب إلا إرادة مصممة قاهرة؟ فهل أشرك محمد؛ لأنه أراد ذلك؟)، وحقارة الكذب، فإن هؤلاء ينسون قول ابن الفارض في نفس القصيدة:
فلا حي إلا من حياتي حياته وطوع مرادي كل نفس مريدة
وينسون ما طفحت به تائيته الكبرى من زندقة باغية الجرأة، تؤكد لك أن حين يناجي رباً، فإنما يعني به أنثى مستباحة العفة، أو رمة بالية أو نفسه التي تحقق بها وجود ذلك الرب في مرتبته العينية! ويجادلنا هؤلاء بقول رابعة: "ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعاً في جنتك، وإنما عبدتك لذاتك"، ثم يهتفون لرابعة شهيدة العشق الإلهي! رابعة التي تزعم أنها تجردت من كل رغبة، أو رهبة أو طمع، أو خوف!.
هؤلاء ينسون أن رابعة بهذا السحر الصوفي الفاتن تستشرف عزة الألوهية! وتفتري لنفسها الشائنة مقاماً يسمو عن مقام الرسل الذين جعل الله من صفاتهم أنهم يدعونه: رغباً ورهباً، أو خوفاً وطمعاً، يقول الله عن زكريا وآله: (21: 9 إنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويدعوننا رغباً ورهباً ، وكانوا لنا خاشعين) ثم تأمل هذه الآيات التي تنجيك من سحر رابعة: (7: 154 وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين) وصف الله من يدعونه خوفاً وطمعاً بأنهم محسنون، والإحسان أسمى مراتب العبادة، وأكمل مقامات العبودية، والعبودية هي غاية الحب، مع غاية التذلل ، فما الحب الذي تطفح به مشاعر رابعة؟!
(32: 16، 17 إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها، خروا سجداً، وهم لا يستكبرون، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ومما رزقناهم ينفقون) أرأيت في صور القديسين الناسكين أروع من صور هؤلاء الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع لذكر الله؟! ومن أخص صفاتهم دعاء الله خوفاً وطمعاً! فما حب رابعة؟!
من أخص خصائص البشرية أنه ترغب وترهب، حتى بشرية الأنبياء والرسل. ترهب وهي أسمى مقاماتها، ومن أصدق الدلائل على الحب المسيطر القاهر، أن يمتلئ القلب رغبة في المحبوب ورهبة من. رغبة في رضاه، ورهبة من غضبه (وجزاء رضوان الله في الآخر الجنة، وجزاء غضبه فيها النار، فإذا لم ترغب في جنته، فأنت غير راغب في رضاه، وإذا لم ترهب ناره، فأنت لا ترهب غضبه، وإذا لم ترغب الرضا، وترهب الغضب، فأنت دعي حب كذوب) أو جفاه، فإذا لم تكن ثم رغبة في نواله، فقد سئمته، وإذا لم تكن ثم رهبة من عقابه فقد احتقرته، كلما تسامى الحب، قويت الرغبة في نوال المحبوب، واشتدت الرهبة من حرمانه. الرغبة والرهبة جناحا الحب اللذان يحلق بهما فوق الذرى، فإذا تجردت منهما كان حبك كاذباًن لا يقهر منك شعوراً، ولا يوجه إرادة.
ولكن رابعة تزعم أنها تجردت من تلك البشرية الطهور، بشرية القديسين، بشرية أولى العزم من الرسل! فماذا وراء هذا الزعم؟ وراءه أنها في قمتها العليا لا تدنو منها مكانة المصطفين الأخيار من أنبياء الله، وراءه أنها ليست بشراً، بل إلهاً، فالملائكة أنفسهم يرغبون، ويرهبون! وراءه اتهام صريح لمن نزل القرآن – وتعالى الله عن إفك رابعة – بأنه أخطأ حين أمرنا أن ندعوه خوفاً وطمعاً، وداجي حين رغبنا في الجنة، وخوفنا من النار.
دعواها التجرد شعور منها – وما أخبث هذا الشعور وأكذبه – بأنها ساوت من تحب!! ثم من رابعة هذه؟ أليست هي التي تقول عن الكعبة: "هذا الصنم المعبود في الأرض (ص 38 وما بعدها كتاب شهيدة العشق الإلهي للدكتور بدوي)"؟.
ثم اقرأ هذه الآية: (66: 11 وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون، إذ قالت :رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة) هذه القديسة العظيمة التي طيب الله ذكرها، وخلده في كتابه، وضربها مثلاً للذين آمنوا، إنها تضرع إلى الله؛ ليبني لها بيتاً في الجنة، أما رابعة التي لا تزن في القيمة خاطرة من امرأة فرعون، فتستعلي أن تطلب الجنة! واقرأ النور في قوله سبحانه: (9: 111 إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل) وعد كريم عظيم من الكريم القادر، يشتري به نفس المؤمن وماله، وما ذلك الوعد؟ أن تكون له الجنة، وقد وصف وعده في ختام الآية بقوله تعالى: "وذلك هو الفوز العظيم" ولكن رابعة في تعاليها الجاحد، لا تراه فوزاً عظيماً، فتطلب غيره! أليس هذا اتهاماً للكريم بالبخل، أو بأنه لم يحسن الوعد، ولا شراء نفس المؤمن وماله بالجنة؟!
وينتفض هؤلاء إعجاباً بمعروف الكرخي (توفي سنة 200هـ وكان يقول: "إذا كانت حاجة إلى الله فاقسم عليه بي" انظر ص 9 الرسالة للقشيري مطبعة التقدم، فتأمل منذ متى كفرت الصوفية؟!، إذ يروون عنه أنه بال على شاطئ نهر، وتيمم، فقيل: يا أبا محفوظ!! الماء منك قريب!! فقال: "لعلي لا أبلغه(ص 83 طبقات الصوفية للسلمي، وقد نسبه أبو طالب إلى الرسول، انظر ص 29 جـ 3 قوت القلوب ط 1351هـ)" لقد كان رسول الله يطوف على نسائه، فيغتسل منهن جميعاً بغسل واحد، فلماذا كان لا يغتسل عقيب كل واحدة؟ بل ثبت عنه أنه كان أحياناً يبيت جنباً، غير أنه كان يتوضأ!! أكان معروف أشد خوفا من رسول الله؟ والله أرحم مما يظن معروف، لو أنه سبحانه قبض إليه عبده قبل أن يبلغ الماء القريب ليتوضأ. إنه هوس صوفي يغلو في الحب، حتى يتجرد من الرغبة والرهبة، ويغلو في الخوف، حتى يتيمم والماء منه قيد شبر واحد!! فما ندري أنحب حتى لا نخاف، أم نخاف حتى لا نحب؟! ويبهتون ابن حنبل أنه سأل بشراً الحافي عن الزكاة، فقال بشر: أما عندكم فالعشر، وأما عندنا، فالعبد، وما ملكت يداه لسيده!! وتبرق عيون الصوفية بالسرور السكران، وتميد أعطافهم من نشوة الخمر الصوفي !!.
هؤلاء ينسون الإثم الكبير في قول الصوفي الحافي: "عندنا أم عندكم" فإنه نزغة من الأسطورة الصوفية التي تزعم: أن الدين شريعة وحقيقة(يقول الدباغ: "إن الولي يسمع كلام الباطن، كما يسمع كلام الظاهر" ولهذا قدي يعصى الولي الصوفي في نظر الشريعة، فيكون مطيعاً في نظر الحقيقة. يقول الدباغ: "إن الولي الكبير فيما يظهر للناس يعصى وهو ليس بعاص وإنما حجبت روحه ذاته. فظهرت في صورتها، فإذا أخذت في المعصية فليست بمعصية" ص 42 جـ 2 الإبريز. وهكذا بطلي منا الصوفية اعتقاد أن معاصيهم طاعات!!)، وأن الأولى دين الظاهرية، وأن الأخرى دين الباطنية، وقد سبق الحديث عن ذلك؟.
ويتناسون أنه ينتسب إلى غير أهله حين يزعم أن هذا الحق الذي قاله: "العبد، وما ملكت يداه لسيده" هو من دين الصوفية، أو من شرعة الباطن!
ثم من سيد بشر؟ (هو بشر نب الحرث أو نصر الحافي مات سنة 227هـ) لقد عرفتم سيد الصوفية الذي يعبدونه، فاعرفوا إذن سيد بشر!
ويذكرنا هؤلاء بالأدعية الصوفية التي تتبرج فيها أنوثة البيان الفاتنة، وتنهل منها دموع الحب، وتنوح جراحه، ولكني أذكر هؤلاء بأن البرهمية (نسبة إلى "برهما" الكائن الأوحد كما سمي في "الفيدا" كتاب الهند القديم المقدس، وتؤمن هذه النحلة بثلاثة آلهة "براهمان" الرئيس الأعلى، و "فيشنو" إله الحياة، والثالث "سيفا" وهو إله التدمير والخراب. وتؤمن هذه الطائفة بقدسية كهنة الدين؛ لأنهم في نظرهم الذين يملكون لهم الشفاعة عند الآلهة والتأثير عليهم، وعنها أخذت الصوفية هذا التقديس.) أو البوذية (نسبة إلى "بوذا" متنبئ هندي ولد في القرن السادس قبل الميلاد. وقد تطورت البوذية حتى اعتقدت في بوذا أنه إله تجسد لنقذ البشرية، بأن تحمل عنها عبء خطاياها!! ويظن بعض الباحثين أنه أسطورة لم توجد، وبصورة بوذا صورت الصوفية إبراهيم بن أدهم) ناجت ربها بصلوات من الدعاء، يغازل الروح شعرها بالروعة الآسرة، شفافة الترانيم عن نفس دلهها العشق، وقلب تبله الغرام، كذلك صنعت الزرادشتية (نسبة إلى "زرادشت" متنبئ فارسي ولد قبل المسيح، جاءهم بكتاب اسمه أفيستا، ثم أضيفت إليه شروح فسمي: "زند أفيستا" وتؤمن هذه النحلة بإلهين أحدهما للخير، واسمه "أورمزد" وآخر للشر، واسمه "أهرمن" إلا أن زرادشت يؤمن بانتصار الخير على الشر، فهو ذو نزعة تفاؤلية، لا تشاؤمية كما في ديانة ماني) والمانوية، والفرعونية واليهودية، والمسيحية والبهائية (نسبة إلى ميرزا حسين على الملقب بالبهاء، وخلاصة دينه أن الله سبحانه يظهر في دورات متعاقبة في صور الرسل، وأنه – أي ميرزا حسين علي- أتم وأكمل صورة للتجسد الإلهي، وأنه النبع الذي استمد منه الرسل جميعاً من لدن نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم) والقاديانية (نسبة إلى ميرزا غلام أحمد القادياني نسبة إلى قاديان توفي سنة 1908م وقد ادعى أن المسيح الموعود، أو المهدي المنتظر، وأن الله يوحي إليه، وقد انشطر أتباعه من بعده شطرين أحدهما الأحمدية، والأخرى القاديانية، والأولى أقل غلواً من الأخرى، وكلتاهما تكفر من لا يؤمن بغلام أحمد على أنه المسيح الموعود!!) ! وأنت إذ تتلو من أدعية هؤلاء – دون أن تكون على بينة من نسبتها إليهم – لن تشك في أنها ضراعات القديسين، بشرتهم برضاها السماء!! فهل نعدهم بهذه الأدعية دعاة حق، وجنود إسلام؟! لا تسأل الداعي: بماذا تدعو ربك؟ ولكن سله أولاً : من ربك الذي تدعوه، وما صفاته؟!
وهاك أنماطاً من الأدعية، فاقرأها، وتدبرها، وثمت تشعر بقلبك، وقد غمره اليقين بأنها ضراعة عبودية خالصة تتبتل تحت السحر في المحاريب، بيد أنك حين تعرف حقيقة من بث دموع الحب في تلك الأدعية، وإلى أي دين هو ينتسب، سيرود بك العجب كل مراد له، وستأسى على هذا الحلم الجميل الذي نعم به خيالك لحظة، بل ستشعر، كأنما تهوى من قمة السماء إلى غور جب بما يسكرك به من سلاف الأدعية، فتظن بالصوفية في نشوتك ظن الخير، وتحسبها مع المسلمين في فجر ومحراب!.
فاقرأ معي هذا الدعاء: "اللهم لتكن مشيئتك أن أسير في طريق شريعتك، وأن أرتبط ارتباطاً وثيقاً بوصاياك، اللهم احمني من الذنوب والعصيان وإغراء الشيطان، ولا تجعلن للشهوات سلطاناً علي، ولتكن إرادتي خاضعة لك، أعني على التمسك بالخير، واشملني برعايتك اللهم آمين (ص 246 كتاب الفكر اليهودي جمع دكتور هرمس ترجمة الفريد يلوز)" أترى هذا النجوي أثارة من باطل؟ أم تجدها صالحة؛ لتدعو الله بها، وأنت حول بيته؟ وتأمل قوله: "اللهم اللهم" وقوله: "لتكن إرادتي خاضعة لإرادتك (قارن بهذا قول ابن الفارض "وطوع مرادي كل نفس مريدة")". ولكن أتدري لمن هذا الدعاء؟ إنه ليهودي! والله تعالى يقول عن اليهود: (2: 61 وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكان يعتدون) فهل شفع هذا الدعاء وغيره عند الله لليهود؟ كلا. وإن راحوا يملأون به سمع الوجود؛ لأنهم لا يدعون به الله، وإنما يدعون رباً آخر، اختلقته أوهامهم المادية الصماء، لقد رفعوا أيديهم إلى السماء، وهي ملطخة بدم النبيين، وفي قلوبهم شتى أرباب وآلهة! وأطغى من هذا الشر، اقترفت الصوفية.
وهاك آخر: "إلهي عليك توكلت، فلا أخزى إلى الأبد، عرفني يا رب طرقك، وسبلك، علمني، أرشدني على حقك، وعلمني؛ لأنك أنت هو إلهي ومخلصي، وإياك رجوت اليوم كله، إذا تصورت كثرة أفعالي الردية أنا الشقي، فإني أرتعد من يوم الدينونة الرهيب (قارن بهذا زعم ابن عربي أن الوعد في الآخرة عين الوعيد، وأن النار عين الجنة!!)، لكن إذ أنا واثق بتحنن إشفاقك، أهتف إليك مثل داود: ارحمني ياألله كعظيم رحمتك (ص 241ن 268 كتاب خلاص النفوس في الصولات والطقوس)" وهذه النجوى الحنون، ألا تجدها رفافة تروح الحب الآمل في رحمة المعبود؟ ألا ترى فيها الهتاف بدعاء : "ياألله".
ولكن أتدري ما هي؟ إنها صلاة رومية أرثوذكسية! والله تعالى يقول عن هؤلاء، ومن دان دينهم: (5: 73 لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) فهل شفع، أو يشفع هذا الدعاء، ومثله لهم؟ أتراه ينسخ عنهم حكم الله بأنهم كافرون؟! كلا، وإن تجاوبت بأصدائه جنبات الوجود! فقد آمنوا برب هو ثالث ثلاثة، فلم يناجوا بها "الله" حقاً، وإنما ناجوا بها رباً، يزعمون أنه تجسد في ثلاثة مظاهر! وكفر الصوفية اشد شناعة؛ فقد آمنت برب هو عين كل شئ! أو كما يقولون في تسبيحتيهم المقدستين: "المظاهر عين الظاهر" يعنون بالمظاهر أنواع الخلف، وبالظاهر الله تعالى وتقدس والأخرى: "ذات ما ترى، عين ما ترى" يعنون أن ما تراه بعينيك من مظاهر الوجود هو عين الإله الصوفي!.
وهاك دعاء آخر: "السلام عليك أيها الإله العظيم، لقد أتيت إليك يا سيدي في سلام، فكن بي عطوفاً، فأنت صاحب العطف، واستمع لندائي، لب ما أقوله، فإني أنا واحد من عابديك (ص 341 "مصر" تأليف أدولف إرمان ترجمة الدكتور عبد المنعم بكر.)" أتنكر من هذا الدعاء شركاً؟ أو تستنكر منه وثنية؟ ولكنك إذ تبتلي معتقد صاحبهن تحتدم عاطفتك مقتاً له، ولسانك لعنة تنصب عليه؛ فإنه لونية فرعونية عبدت ربها في صورة عجل، أو كوكب! وكذلك الصوفية! بل إنها مرغت تلك الوثنية الفرعونية في ردغتها ثم خرجت بها صوفية تعبد كل شئ!
واستمع معي إلى هذا الدعاء: "ربنا إنا نتوجه إليك، ونتضرع بين يديك ونذكرك بالتهليل والتكبير، ونثني عليك بالتسبيح والتقديس. إلهي! وملاذي، أمد إليك أيدي الابتهال، يا ربي المتعالي، وياذا الجلال والجمال، أن تنزل كل بركتك وموهبتك، وسابقة رحمتك، وسابغة نعمتك على أحبتك الذين شملتهم لحظات أعين رحمانيتك (ص 230، 265 مكاتيب عبد البهاء)" فهذه النجوى المضمخة بالعبير سكران الروح، غرامي النفحات، أتحس فيها شيئاً يرغب عنه إخلاص توحيدك؟ ولكن أتدري لمن هي؟ إنها للزنديق القزم القمئ عباس بن ميرزا حسين أو "عبد البهاء" يناجي بها ربه وإنما يناجي بها أباه ميرزا حسين علي الذي آمن به زنادقة البابية من الشيعة أنه أتم و أكمل مظهر تجسدت فيه الذات الإلهية، فقد زعم لهم ذلك، فآمنوا بما زعم! وقد زادت الصوفية هذا الكفر خطيئة، فعبدت رباً يتجسد بذاته ووجوده وصفاته وأفعاله في كل شئ!
مقارنة
ثم قارن بين تلك الأدعية التي آمنت ألفاظها، وكفرت قلوبها، وبين هذا الدعاء الصوفي الذي كفر لفظه ومعناه وقلب مفتريه! "إلهي استهلك كليتي في كليتكن وأمد أوليتي بأوليتك، حتى أشهد في أوليتي، وآخريتك في آخريتي، وظاهريتك في ظاهريتي، وباطنيتك في باطنيتي، وقابليتك في قابليتي، وأنت في إنيتي (أي وجوده الظاهر)، وهويتك في هويتي (الهوية باطن الذات الإلهية عند الصوفية، يطلب من الله أن يجعل وجوده بالباطن والظاهر عين وجوده هو في إنيته وهويته!!)، ومعيتك في معيتي، حتى أكون عنوان ذلك السر كله بل شكله وصورته (ص 15 مجموعة الأحزاب ط استامبول سنة 1298هـ)" يدعو الله سبحانه، وتعالى أن يجعله عينه وجوداً وذاتاً وحقيقة!! ومن يجرؤ على هذه الزندقة غير ابن عربي؟!
وإليك صلاته على نبيه: "اللهم صل وسلم وبارك على الطلعة الذات المطلسم، والغيث المطمطم، لاهوت الجمال، وناسوت الوصال (أي الإنسان الذي وصل بين الألوهية والإنسانية في ذاته، فباطنه لاهوت، وظاهره ناسوت)، وطلعة الحق، هوية إنسان الأزل (أي حقيقة اللهن فالله عند ابن عربي إنسان قديم!)، في نشر من لم يزل (أي هو الإله القديم الذي ظهر في صورة إنسان، وعن هذا الإنسان انتشرت جميع الأنواع الخلقية، وعنه ينتشر مالا يزال في مكنون الغيب من أنواع الخلق.)، من أقمت به نواسيت الفرق على طريق الحق، فصل اللهم به منه فيه (ص 14 المصدر السابق)"! يقول ابن عربي، "اللهم صل على محمد الذي تجسد فيه الله، اللهم صل على نفسك التي ظهرت، وتظهر في صور الكائنات. ألا ترى مع الحق أن هذا الدعاء الصوفي يحموم الكفر الأثيم، وخطيئة الوثنية الجاحدة؟
وما إخالك بعد هذا ممن ستخدعه فتنة السراب الخلوب فيما تتغزل به الصوفية من أدعية شعرية أو نثرية، فإنها إذ تدعو، أو تصلي، فإنما تفتري ذلك لرب ليس هو ربك الحق أيها المسلم، قد يفتنك من الصوفي دعاؤه: "الله" غير أن هذا الدعاء يهتف به البوذي واليهودي والبهائي، وكل يعنى به رب هواه، وإله أساطيره! وقد يخدعك من الصوفي قوله: "الله صل على محمد" ويقولها أيضاً البهائي! فمحمد الذي تصلي عليه الصوفية، ليس هو خاتم النبيين، وإنما هو ظن ابتدعوه، وسموه: "محمداً"؛ ليفتنوك به. محمدهم هو إله الآلهة الصوفية في تجسد بشري، بل إنك لترى الصوفية في كتبهم لا يسمونه إلا : بـ "الحقيقة المحمدية" يعنون بذلك أن الله حقيقته متعينة أو متجسدة في صورة محمد!! (6: 116 إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون) (45: 22 أفرأيت من اتخذ إلهه هواه (العجب أن ابن عربي يقرر أن الهوى إله حق يجب أن يعبد، ويستشهد بهذه الآية، ويقرر صحة عبادة الهوى!! انظر ص 194 فصوص الحكم ط الحلبي جـ1)، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقبله، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله، أفلا تذكرون؟) هذا حكم الله، فبأي حكم بعده تؤمنون؟!
ويأفك الصوفية أنهم أحباء الله، وأحباء رسوله! يفترون ذلك في صوت ناعم رقيق، فيرعش جسدك سكر الصوت المفعم بأنوثة الرياء، وخنوثة النفاق فيصرخ "الدرويش" في وجه من يذكره بالحق: "أومن يقولون ذلك تفترون عليهم أنهم عدو لله!؟" ولكن لا تنس يا صاح أن اليهودية والنصرانية زعمتا هذا، فكذبهما الله (5: 20 وقالت اليهود والنصارى: نحن أبناء الله، وأحباؤه. قل: فلم يعذبكم بذنوبكم؟! بل أنتم بشر ممن خلق) (47: 28 ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله، وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم) والدليل على الحب الصادق لله طاعته وتقواه، ومتابعة رسوله فيم جاء به (3: 31 قل: إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله).
ولقد ذكرت لك دين الصوفية كما هو في كتبهم المقدسة، فهل تجد فيه بارقة من ظن، تميل بك إلى توهم أنهم أحباء الله وأودّاء رسوله؟ إنهم دانوا بأحبارهم وكهانهم أرباباً من دون الله، فكيف تصدق أنهم أحباء الله ورسوله؟
ودعوى حبهم للرسول وآل بيته دعوى الرجس أنه قداسة، والإثم الكبير أنه روحانية فضيلة!! وكتلك الفرية افتراء الشيعة أنهم أحباء آل بيت محمد!! أترى الشيعة والصوفية: اتبعوا الرسول، وجعلوه وحده الأسوة والقدوة الحسنة؟! ما ثم ما يحتجون به لدعواهم سوى العكوف على الأضرحة الزنيمة المفتراة لآل البيت! سوى تلك القباب التي شيدوها معبودة على عظام نخرة، لا تدري أهي لحيوان أم إنسان، أم هي أمشاج من عظام شتى، لا تدري أهي لصالح أما طالح، لمسلم أم يهودي، فقد شيدتها الفاطمية في مصر؛ لتصرف الناس عن حج بيت الله، ولتجعل قلوب المسلمين نفسها قبوراً خربة، ثم سمتها بأسماء آل البيت، وأقامت على سدانتها وعبادتها الصوفية! ما لهم من دليل على حبهم لآل البيت سوى عبادة تلك الأصنام بتقبيل أستارها وأحجارها ولثم نحاسها وخشبها، وتعطير أجوائها، والاستشفاع بأعتابها، واقتراف الأعياد الوثنية في كل موسم لها. وسل الآمين تلك "الموالد" عن عربدة الشيطان في باحاته، وعن الإثم المهتوك في حاناتها، وعن حمم الشهوات التي تتفجر تحت سود ليلاتها (يصف الجبرتي ما كان يحدث في مولد العفيفي – وكأنما يصف موالد اليوم "ينصبون خياماً كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي، ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس، وخواصهم وعوامهم، وفلاحي الأرياف وأرباب الملاهي والملاعيب والغوازي والبغايا والقرادين والحواة، فيملئون الصحراء والبستان، فيطئون القبور ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهاراً، ويجتمع لذلك الفقهاء والعلماء، ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار، بل يعتقدون أن ذلك قربة وعبادة، ولو لم يكن ذلك، لأنكر العلماءن فضلاً عن كونهم يفعلونه، فالله يتولى هدانا أجمعين" ص 225 جـ1 تاريخ الجبرتي ط 1322هـ)!. وهكذا تكد الصوفية في سبيل أن تجعل دنيا المسلمين كلها مقبرة، قفراء إلا من الوحشة، جرداء إلا من الرهبة والفزع، خاوية إلا من الخطايا تقترف باسم الإسلام! تك في سبيل أن تجعل نفوس المسلمين مقابر، وغاياتهم المقابر، وآلهتهم العظام البوالي في المقابر! وتحث المسلمين؛ ليجعلوا الحياة كلها قرباناً إلى غيابات العدم، وجيف المقابر! فما ينقضي في مصر أسبوع إلا وتحشد الصوفية أساطير شركها، وعباد أوثانها عند مقبرة يسبحون بحمد جيفتها، ويسجدون أذلاء لرمتها، ويقترفون خطايا المجوسية في حمأتها، ويحتسون آثام الخمر و"الحشيش" والأجساد التي طرحها الليل على الإثم فجوراً ومعصية ويسمونها للناس: "موالد" أو مواسم عبر وذكريات خوالد! وما تجتمع جماعة صوفية، أو تنفض، إلا ليبحثوا كيف يحتفلون بصنم قبر، أو رمة قبر؟1 وما يهوم ليل على صوفي، أو يفزعه بالنور نهار، إلا وقلبه مستعبد بهوي صنم قبرن أو رمة قبر! وما يقعد صوفي أو يقوم، أو يركب أو يمشي إلا وينعق مستغيثاً بصنم قبر، أو رمة قبر! قبور قبور! هذه هي دناي الصوفية، لها جهاد الصوفية، ولرممها عبادتها، لها تحيا، ولها تموت، وبها تعيش! وخير ما تتمناه الصوفية، هو أن يهلك المسلمون جميعاً، حتى يكون في كل ساعة "مولد" مقبرة، وعيد رمة! فيلقتل المسلمون أنفسهم؛ ليمدون الصوفية بأعياد كثيرة للقبور ونذور للجماجم! ما لهم من دليل على حبهم للرسول وآل بيته سوى تلك "التواشيح" التي تغزلون بها في العيون الحوالم النعسن والشفاه الظوامئ اللمس، والأهداب المسبلات في إغراء على لهب من الورد يتوهج في الخدود النضر، تلك هي أدلتهم! ويا لها من أدلة! حياة كلها خطايا، وقلوب أربابها رمم معبودة، ونفوس آلهتها جيف، وأفكار كلها للأساطير وحياة ميتة، ووجود يفزع منه العدم، ودنيا خمول خامد تعصف بها الذلة. فأني الكفاح في سبيل بناء الحياة؟
إن الله سبحانه وصف لنا نفسه في كتابه الحق بصفاته المقدسة، وسمى نفسه بأسمائه الحسنى، فوصفه المسلمون، وسموه بما وصف، وسمى به نفسه، فلم يفتروا له صفة، ولم يبتدعوا له اسماً، ولم يختلقوا لصفاته، ولا لأسمائه معاني غير التي وردت في اللغة التي نزل بها كتابه، هذا؛ لكيلا يفتروا عليه ما لم يتكلم به، أو يصفوه بما لا يحبه، أو يسموه بما لا يرضاه، وشرع سبحانه لنا شرعاً هادياً كريماً ختم به شرعته، بلغه رسوله الأمين، فلم يدخل المسلمون في شرعه سبحانه ما ليس منه، ولم يتهموا شرعه بالقصور أو التقصير؛ لأن ربه الحكيم الخبير خالق الزمان والمكان، يعلم ما يصلح لكل زمان ومكان، وقد أخبرهم سبحانه أن رسالة محمد، هي خاتمة الرسالات، فليس بعده من نبي ولا رسول، فما جاء به صالح للحياة، حتى تقوم الساعة، وإلا اتهمنا من نزله بأنه غير عليم ولا خبير ولا حكيم. كذلك لم يتهم المسلمون شرع الله بالجمود، ولا بأنه عقبة كئود تقف في طريق سمو حضارة الإنسانية، أو تقدمها. أما الصوفية، فتجحد بما وصف الله، أو سمى به نفسه، وتكفر بوحيه، وتؤمن برب تجزأت ذاته، فكانت كل شئ تراه العين، أو يطيف بالظن، فلتناج الصوفية بصلواتها ما تشاء، ولتدؤ بالدعوات تحت أقبية الليل في هياكلها العبقة بالبخور الوثني، فإنما نتاجي أصناماً، وإنما تضرع إلى رمم!.

دعوة الصوفية الأخلاقية
يزعم بعض الكاتبين أن الصوفية دعوة أخلاقية مثالية، ويستشهد ل ذلك بما يلمحه في كتبهم من دعوة إلى الأخلاق الفاضلة، وبما يفتنه من روعة الجمال في البيان الأدبي عن تلك الدعوة، وعلى ما في هذا الزعم الغافل من غضون سود من الكذب، وتجاعيد كابية من الباطل، فإني أقول: إن الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة كم مشترك بين الأديان جميعها، سواء منها ما نزل به وحي من الله، أو ما افترته الأهواء، وأفكته الأساطير، فتش في كتب البوذية والبرهمية، والزرادشتية والمانوية والغنوصية وإخوان الصفا، بل فتش حتى في كتب اليهود الوضعية، وفي كتب أية نحلة (فالبهائية مثلاً تزعم أنها تؤمن بكل الكتب السماوية، كالتوراة والإنجيل والقرآن، وتسجل هذا في كتبها، وتزعم أنها تدعو إلى السلام العالمي، والإخاء البشري العام، فهل نحكم بأنها نحلة مؤمنة مسلمة؟ كلا. فإنها تدين برب تجسد في سيدها ميرزا حسين علي. والصوفية شر منها في معتقداتها الباطلة) ضالة، تجد دعوة تلتهب حماسة إلى التسامي بالخلق، وإلى تحقيق مثله العليا، فليست الصوفية – إن صدقنا زعمها – بدعاً في زعومها، وإنما هي كغيرها من الدعوات الضالة، شر ينافق بأنه : بر الخير، ورذيلة ترائي بأنها: روح الفضيلة، وكفر يختال بأنه: إيمان النبوة، فليست الدعوة الخلقية هي الفيصل بين دين ودين، أو دعوة ودعوة – فإنها في كل دعوة، وفي كل دين – وإنما الفيصل بين الأديان والدعوات، وكونها حقاً أو باطلاً، خير أو شراً هو العقيدة التي تنبعث عنها هذه الدعوة الخلقية، أو الباعث الذي يكمن وراء السلوك، والغاية التي توجهه إلى هدفه، وترجي منه. وقد ذكرت لك دين الصوفية، أو عقيدتها، فهل تجدها حقاً؟ وهل نعتبر ما تدعو إليه من المثل الأخلاقية خيراً، وإن كانت رائعة البيان فاتنة الصور، خيرة المظهر؟ وهل نعتبر ما ينبعث عنها من عمل خيراً في ذاتهن كبر يتيمن أو جهاد في سبيل مثل أعلى يعطف الإعجاب، ويلهم الفدائية؟ كلا. فالله يقوله لنبيه ك (39: 65 لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) وإن كان عمله خيراً نبيلاً في أعرفا السلوكيين. هذا؛ لأن الباعث، أو النية، أو العقيدة التي ينبعث عنها هذا العمل، ليست حقاً ولا خيراً، فكل ما ينتج عنها من سلوك، فهوة مثلها باطل وشر. ألم تر إلى هذا البطل العربي الذي قاتل مع أصحاب النبي قتالاً ليس كمثله قتال في الصبر والجلاد والبطولة التي تكافح الموت. لقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه في النار؟! هذا؛ لأنه قاتل حمية، ولا في سبيل الله، أو بمعنى آخر: لم تكن لديه العقيدة المخالصة التي تجعل من هذا القتال خيراً، أو عملاً صالحاً عند الله ثوابه. وعقيدة الصوفية إيمان برب يتجسد بذاته في حجر أو جيفة، فغاية الصوفي من عمله هو رضوان الإله المتجسد في الحجر أو الجيفة، وباعثه على العمل حب الحجر أو الجيفة!.
أما عمل المسلم، ودعوة المسلم الخلقية، وجهاد المسلم، فوراء هذا كله عقيدة خالصة، توحد الله توحيداً خالصاً في ربوبيته وإلهيته، ويوجه ذلك كله غابة سامية مطهرة، هي رضوان الله وحده.
يقولون: اقرأوا ما كتب الصوفية من دعوة التسامي والروحانية، والتأملات الشاعرة في أسرار الكون، وسرائر النفس والحياة، والاستسلام المطلق إلى مبدع الوجود. وأقول لهم: بل اقرأوا ما كتب الصوفية عن الله ورسله، واقرأوا ما كتب الصوفية عن معتقدهم. ابتلوا العقائد، قبل ابتلاء الأخلاق يا أسارى الصوفية!، فما الخلق إلا نتيجة. والصوفية نفسها تقرر أنها دين وعقيدة، قبل أن تكون دعوة خلقية، فلتحاسب على دينها واعتقادها قبل محاسبتها على دعوتها الأخلاقية! وما أحكم وأحسن قول الفضيل بن عياض: "إن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً، لم يقبلن وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص ما كان لله، والصواب ما على السنة، وهذا هو المذكور في قوله تعالى : (18: 110 فمن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً (ص 74 تفسير ابن القيم).
فعلى الذين يعصف بهم الإعجاب بدعوة الصوفية الخلقية، أن يولوا إعجابهم شطر كل فرقة حكم الله عليها بالكفر، ففيها أيضاً الدعوة إلى مثل تكل الأخلاق التي يسحركم البيان عنها في الصوفية!، بل في بعضها أروع مما في الصوفية، اقرأوا هذه الدعوة: "خف الله إله آبائك، واخدمه بحب؛ لأن مخافة الله وحدها هي التي تردع الإنسان عن الذنوب، وحبه تعالى هو الذي يحث المرء على الخير، درب نفسك على الخصال الحميدة، أحب الحقيقة والاستقامة زينة النفس، وتعلق بهما، كن حازماً في المحافظة على كلمتك، ترفع عن المواربة والتهرب والمراوغة، أبغض الكسل والخمول".
دعوة حارة إلى أروع الأخلاق، وحق يرف إيماناً وقدسية ولكن! ثم اقرأوا هذه : "إننا نبغى من العالم الحقيقة المجردة، ونجني الخير والطهر والجمال" دعوى ريانة الجمال، ولكن ليتها كانت صادقة! اقرأوا هذه : "فكر ملياً في ثلاثة أمور، تنج إلى الأبد من سيطرة الذنوب، اعلمك أن فوقك عيناً ناظرة، وأذناً سامعة، وأن جميع أعمالك مسجلة في كتاب (تلك النصوص عن الفكر اليهودي ترجمة ألفريد يلوز من ص 24، 200، 202 وما بعدها) قول تظنه إيماناً يتهجد بالصلاة المؤمنة، قول يوحي بالإيمان بأن الله بكل شئ محيط.
تلك الدعوات الرائعة في تساميها الغائي ليس في الصوفية مثلها، ومع هذا حكم الله سبحانه على أصحاب تلك الدعوات بأنهم عدوه، وأن عليه غضبه ولعنته؛ لأنهم يهود، والعقيدة اليهودية ظلاله، وباطل. فكل ما انبعث عنها من عمل، أو قول، فهو مثلها ضلال وباطل، وحابط عند الله، وإن كان يستهدف المثل العليا في أعراف الأخلاقيين.
فلو أن الدعوة الخلقية كانت وحدها، هي الميزان الذي تزن به إيمان الإنسان أو كفره، لحكمنا على أولئك اليهود الملعونين بأنه بررة يتبتلون في المحاريب المقدسة! لو كانت الدعوة الخلقية وحدها، هي أساس الحكم على الإنسان بأنه مسلم أو غير مسلم، لدخل تحت الحكم بالإسلام كل زنديق وملحد وكافر، فما منهم من أحد إلا ويدعو إلى الأخلاق الفاضلة.
العقيدة الصافية هي ملاك الأمر كله، وروح الدين كله، وهي التي تقوم العمل والخلق بالخيرية أو الشرية في نظر الإسلام، وهي التي لها المقام الأول والاعتبار الأسمى عند الله سبحانه. ثم تمثل ما تقتضيه تلك العقيدة الصافية في حياتنا أخلاقاً وسلوكاً ودعوة، واتباعاً صحيحاً لدي الله وحده.
ليس المهم ما تتخلق به، أو تقوله، أو تعمله، بل الأهم قبل كل شئ ما تعتقده. اذكروا مرة أخرى، بل اذكروها دائماً، تلك هي الآية التي يقول رب العالمين فيها لمحمد: (39: 65 لئن أشركت ليحبطن عملك). والمعنى طبعاً، هو العلم الذي يبدو خيراً في ذاته، وإلا لما كان للتوعد بحبوطه معنى. ولقد أشرك الصوفية إشراكاً خبيثاً، وأخبث ما فيه أنه يفتتن الناس عن حقيقته، فيظنونه توحيداً صافياً. لقد خدعتك الدعوة الخلقية في الصوفية عن عقيدتها، فوزنت قولها في الأخلاق بميزانك العاطفي الذي يهتز مع الخديعة، ويميل ظالماً مع الهوى، ولكن زنها بميزان الحق والعدل من كتاب الله، زنها بميزان التوحيد الخالص، وثمت ترى أنها الفتنة الخاتلة، وأن دعوتها الخلقية ليست إلا شف رياء يحاول ستر عقيدتها الملحدة. أسمعوا ما يقول ابن عربي عن الله:
يا خالق الأشياء في نفسه أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه فيك، فأنت الضيق الواسع
يصف الله بأنه خالق مخلوق. وبأن ذاته هي جميع ذوات أنواع الخلق، وأنه ما زال يخلق في نفسه ملا ينتهي من أنواع الخلق، فهو ضيق؛ باعتباره حقاً؛ أي مجرداً عن النعوت، وهو واسع باعتباره خلقاً متنوعاً كثيراً لا ينتهي. واسمع إليه يقول عن الله: "فذكر – أي الله – أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد، فالهوية واحدة، والجوارح مختلف، ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلق باختلاف الجوارح" . يصف الله بأنه نفس جوارح العبيد، فيد السارق، ويد القاتل، ويد المرتشي، ويد المقامر، ويد المخمور يتناول بها الإثم. كل هذه الأيدي، هي ايدي رب ابن عربي. والعين المختلسة والأذن السارقة، والفم المنتن من الحرام، كل أولئك من جوارح رب ابن عربي. والمعارف الحسية التي نستمدها من اليد والقدم والعين والسمع واللسان. إنما هي معارف رب ابن عربي؛ لآنه عين تلك الجوارح كلها! ويؤكد هذا بقوله: "فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى، فهو – أي الله – حق مشهود في خلق متوهم، فالخلق معقول، والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود"
أرأيت إلى غلواء الزندقة في دين ابن عربي؟!ن إنه يزعم أن الخلق شئ معقول؟! أما الله – سبحانه – فشئ محسوس!؛ لأنه عين ما ترى عيناك، وتسمع أذناك، أما "الخلق" فصفة، أو وجه من وجوه الحق سبحانه!، ويؤكد ذلك مرة أخرى بقوله: "ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم؛ يما أخبر به عن الحق: بأنه عين السمع والبصر واليد، والرجل واللسان، أي : هو عين الحواس" وبقوله: "تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها، فهو محدود بحد كل محدود (هذه النصوص كلها عن فصوص الحكم لابن عربي ص 88، 107 وما بعدها واقرأ هذا النص : "إن الله لطيف، فمن لطفه ولطافته أنه في الشئ المسمى كذا المحدود بكذا عين ذلك الشئ، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ واصطلاح فيقال: هذا سماء وأرض وصخرة وشجر وحيوان وملك ورزق وطعام والعين واحدة من كل شئ وفيه" ص 188 فصوص ط الحلبي، يعني أن الله هو عين كل هذه الأشياء وغيرها. فإذا عرفت شيئاً منها بتعريف، فهذا التعريف صادق على الله بالتواطؤ يعنى أنه هو عين تعريف الله نفسه في جنسه وفصله، فتأمل)" ربه عين كل شئ! ولكل شئ، حد يعرف به، فكل تعريف هو تعريف لكنه الذات الإلهية، إذ كل شئ عند ابن عربي هو عين الله!! فليطر فكرك عبر الآباد والآنات والآزال، وليجل خيالك، هو رب ابن عربي. فكر في المغول، والصليبيين، وكل مستعمر سام العرب والمسلمين خسفاً، أو هواناً، فكر في الجاهليين يجرعون صحاب النبي العذاب، فكر في الصهيونيين اليوم، وفيما يكيدون به للإسلام، فكر في السفاحين الأوغاد، فكر في أولئك جميعاً، وسل ابن عربي وأحلاسه عنهم، وثمت تسمع منهم: إنهم جميعاً الذات الإلهية! أليسوا أشياء؟ وابن عربي يقول: إن الله هو عين الأشياء جميعاً! أليسوا خلقا؟ وابن عربي يقول: إن الله هو عين الخلق؟ أليست لهم جوارح باغية ملطخة بالدم البرئ؟! وابن عربي يقول: إن الله هو عين كل يد وقدم ولسان! والصوفية المعاصرة تعبد ابن عربي، وتدين بقدسيته، وأتحداهم أن ينبذوه، أو يعلنوا على الملأ كفره ومروقه؟! فإن فعلوا، كان آية على أنهم خرجوا من دينه.
هذه تحاميم من عقيدة الصوفية، فهل ينفعها أن تملأ الوجود بعد ذلك بالدعوة إلى الخلق الفاضل؟ إنها إذ تقول : اتق الله، فإنما تعني به ربها الذي هو الصخر الأصم والجيفة المنتنة، تعني ربها الذي هو عين كل شئ، وإذ تقول: جاهد في سبيل الله، فإنما تعني به وهماً عبدته رباً يتعين بذاته في كل خلق! اقرأوا ذلك جيداً، ثم نبئوني: أما زلتم اسارى الإعجاب بدعوة الصوفية الخلقية؟!.
على أن الدعوة الخلقية الصوفية، هي دعوة إلى الأخلاق السلبية (يمتاز الإسلام في دعوته الخلقية بأنه يدعو إلى أقوى وأعز الأخلاق الإيجابية وإلى أقدس الأخلاق السلبية، فهو لا يطلب منك ألا تفعل الشر فحسب، بل يأمرك أن تفعل الخير، فهو يأمر مثلاً بالجهاد والسعي في سبيل الرزق، وينهى عن الرهبانية والسرقة يتجلى لك ذلك في قوله سبحانه: (3: 110 كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وفي قوله (22: 77 وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) وقوله: (22: 30، 31 فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به) بل يتجلى لك ذلك أي جانب الإيجاب وجانب السلب في عقيدة التوحيد (4: 36 واعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً)"، فحسب، إذ هي قائمة على الزهد المانوي، فهي – على الزعم بأنها خير، ودون التفات إلى أن تتزعم العالم في سلام وأمن. تريد الوثنية الجريئة المقدامة التي تسخر كل شئ، أذن الله لها فيه في سبيل تحقيق فيمها الرفيعة المؤمنة. تريد الحياة دفاقة التيار، زخارة المشاعر بالحيوية المتدفقة، المندفعة دائماً إلى الأمام، جياشة الليل والنهار بالعمل الدائب المنتج المثمر، والجهاد في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، إنما تصلح دعوة الصوفية الخلقية – بذلك الاعتبار نفسه – لجماعة تعيش في الكهوف، أو المغاور، أو على قنن الجبال في الحس الهامد، والشعور الخامد، والوجدان الأصم البليد، وكل إنسان فيها منطو على نفسه. لجماعة تقطعت أرحماها، فعاش كل فرد فيها لنفسه، يسخر ليله ونهاره لنفسه، دون أن يحول عينيه وغاياته عن نفسه وحدها! فهي أخلاق تطفح بالأثرة الضيقة المكتومة الخانقة، والفردية التي ترى الدنيا لها وحدها، وتعمل؛ ليكون كل شئ لها وحدها! إنها رهبانية تسري فيها قشعريرة الخوف المذعور من الحياة، ورعدة الفرق القلق من المجتمع. رهبانية تعيش في غيابة الخمول الأسوان وراء الوجود الإنساني! تصلح لجماعة تعيش للعدم الميت، لا للحياة الشاعرة بذاتها ومقوماته، تعيش للوحدة الكابية الساهمة المحتضرة، لا للجماعة التي يعمل فيها كل إنسان لنفسه، ولمن معه، وتجعل الإيثار النبيل شعارها، وابتغاء مرضاة الله فلك حياتها وغاياتها وبواعثها. فدعوة الصوفية الأخلاقية. فرار ذليل من الحياة، وجبن يرتجف من الحياة، وتفرد موحش في تيه الوحدة الذاهلة القاتمة، وقتل ظلوم لقوى الإنسانية المكافحة في سبيل تقدم الحياة، وكفران باغ بما أنعم الله به على الإنسان من قوى؛ ليعمل باسم الله ما يعمله لنفسه، وللجماعة التي يجب أن يشيد صروحها سامقات عاليات الذرى.
ويزعمون أن الصوفية جاهدت حتى نشرة الإسلام في بقاع كثيرة!، ولقد علمت ما دين الصوفية؟! فما نشروا إلا أساطير حمقاء، وخرافات بلهاء، وبدعاً بلقاء شوهاء، ما نشروا إلا وثنية تؤله الحجر، وتعبد الرمم! ما نشروا دينهم غلا في حماية الغاصب المستعمر، وطوع هوى الغاصب المستعمر، فعدوا الإسلام، يوقن تماماً أن البدع، هي الوسيلة التي تصل إلى الهدف دائماً، لكي يقضوا بها على الإسلام وأهله، فعلها قديماً، ويفعلها حديثاً. واقرأوا تاريخكم إن كنتم تمترون، أروني صوفياً واحداً قاتل في سبيل الله؟! أروني صوفياً واحداً جالد الاستعمار، أو كافحه، أو دعا إلى ذلك(سقط بيت المقدس في يد الصليبيين عام 492هـ والغزالي الزعيم الصوفي الكبير على قيد الحياة، فلم يحرك منه هذا الحادث الجلل شعوراً واحداً، ولم يجر قلمه بشئ ما عنه في كتبه، لقد عاش الغزالي بعد ذلك 13 عاماً إذ مات سنة (505 هـ) فما ذرف دمعة واحدة، ولا استنهض همة مسلم؛ ليذود عن الكعبة الأولى، بينما سواه من الشعراء يقول:
أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه للدين النحيب
وكم من مسجد، جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب
دم الخنزير فيه لهم خلوف وتحريق المصاحف فيه طيب
أهز هذا الصريخ الموجع زعامة الغزالي؟ كلا. إذ كان عاكفاً عل كتبه يقرر فيها أن الجمادات تخاطب الأولياء!! ويتحدث عن الصحو والمحو. دون أن يقاتلن أو يدعو حتى غيره إلى قتال!! وابن عربي وابن الفارض الزعيمان الصوفيان الكبيران عاشا في عهد الحروب الصليبية، فلم نسمع عن واحد منهما أنه شارك في قتال. أو دعا إلى قتال، أو سجل في شعره أو نثره آهة حسرى على الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كانا يقرران للناس أن الله هو عين كل شئ، فليدع المسلمون الصليبيين، فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور. هذا حال أكبر زعماء الصوفية وموقفهم من أعداء الله!! فهل كافحوا غاصباً أو طاغياً؟) ؟! إن كل من نسب إليهم مكافحة المستعمر – وهم قلة – لم يكافحوه إلا حين تخلى عنهم، فلم يطعمهم السحت من يديه، ولم يبح لهم جمع الفتات من تحت قدميه، إلا و حين قهرت فيهم عزة الوطنية، ذل الصوفية، فقاتلوا حمية، لا لدين (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا" رواه البخاري ومسلم والترمذي.)! ثم اقرأوا ما كتب الزعيم مصطفى كامل في كتابه: المسألة الشرقية: "ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسة للقيروان، أن رجلاً فرنساوياً دخل الإسلام، وسمى نفسه: سيد أحمد الهادي، واجتهد في تحصيل الشريعة، حتى وصل إلا درجة عالية، وعين إماماً لمسجد كبير في القيروان، فلما اقترب الجنود الفرنساوية من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها، وجاءوا يسألونه أن يستشير لهم ضريح شيخ في المسجد، يعتقدون فيه، فدخل "سيد أحمد" الضريح، ثم خرج مهولاً لم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم: بأن الشيخ ينصحكم بالتسليم؛ لأن وقوع البلاد صار بحتاً، فاتبع القوم البسطاء قوله، ولم يدافعوا عن القيروان أقل دفاع، بل دخلها الفرنساويون آمنين (ص 212 المسألة الشرقية للزعيم مصطفى كامل "نقلاً عن ص 11 من كتاب التصوف في الإسلام للدكتور عمر فروخ".)" وحين أغار الفرنجة على المنصورة قبل منتصف القرن السابع الهجري، اجتمع زعماء الصوفية! أتدري لماذا؟1 لقراءة رسالة القشيري والمناقشة في كرامات الأوليا (الطبقات للشعراني ط صييح جـ 1 ص 11)! :"من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين، يغدقون على الصوفية الجاه والمال، فرب مفوض سام، لم يكن يرضى أن يستقبل ذوي القيمة الحقيقية من وجوه البلاد، ثم تراه يسعى إلى زيارة حلقة من حلقات الذكر، ويقضي هنالك زيارة سياسية تستغرق الساعات. أليس التصوف الذي على هذا الشكل يقتل عنصر المقاومة في الأمم؟ (ما بين القوسين من كلام الدكتور فروخ في كتابه "التصوف في الإسلام")" ثم إن كل من نسبت إليهم الصوفية أنهم جاهدوا في سبيل الله، وعملوا على نشر الإسلام، ليسوا صوفيين، وإنما حشرتهم الصوفية في زمرتها زوراً وبهتاناً، وأستاذها في ذلك الشيعة (يذكر الشيعة في كتب طبقاتهم كثيراً من أئمة أهل السنة وينسبون إليه أقوالاً هم أبرياء منها، كل هذا ليفتنوا المسلمين عن طريق ذكر هؤلاء البررة). لقد سمى الصوفية رسول الله صوفياً، ومثله الخلفاء، وكل بطل عبقري فذ من المسلمين زعموا أنه صوفي!! هذا؛ ليخدعوا المسلمين بهؤلاء عن زعمائهم من طواغيت الصوفية! ولفتنوا المسلمين بزعمهم أن أولئك القديسين الأبطال كانوا بعض أئمة الصوفية! والتاريخ يذكر أن لقب "صوفي" لم يبتدع إلا في منتصف القرن الثاني الهجري، وأن أول من لقب به هو "أبو هاشم الكوفي" فأروني صوفياً واحداً كان له فضل خير على الإسلام؟!.
أجيبوا يا من فتنت الصوفية عن الحق عقولكم! لا تأتوني يا أسارى الصوفية بأقوالهم في الأخلاق، ولكن ائتوني بعقائدهم، ثم زنوها بالقرآن، إن كنتم به مؤمنين! لا تقولوا: قال فلان الصوفي: كذا في الأخلاق، أو فعل كذا مما هو في مظهره حق وخير، ولكن قولوا قبل كل شئ: إنه يعتقد كذا، فالصوفية تزعم أنها الحقيقة في الإسلام، وروح عقيدته. والأخلاق ليست غلا بنت العقيدة، والإسلام قبل كل شئن إنما يبتلي العقيدة أو النية، فإن كانت النية، أو العقيدة كما يحبها الله، اعتبر ما يصدر عنها من فعل صائب خيراً، وجازى عنه بالخير، وإن لم تكن العقيدة خالصة، فكل عمل يصدر عنها، فهو هباء، وإن كان في مظهره أعظم الخير (كما فعل ذلك الصوفي الكبير الإنجليزي المال والعاطفة، فبنى داراً كبيرة لعلاج الفقراء، لقد كان "المندوب السامي الإنجليزي" يذهب إليه في كل عام ليأكل عنده "الفتة" هو ورجال سفارته). اسمعوا قول الله: (4: 48إن الله لا يغفر أن يشرك بهن ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ثم قوله تعالى: (9: 102وآخرون اعترفوا بذنوبهم، خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيئاً، عسى الله أن يتوب عليهم، إن الله غفور رحيم) ففي العقيدة لا يقبلها إلا خالصة نقية، أما في العمل؟ اقرأوا الآية؛ لتعرفوا الجواب.
لقد افترت الصوفية على الله ما تفتره زندقة من قبل، فجعلته هو عين خلقه، اقرأوا هذا الكفر لابن عربي: "فالحق محدود بكل حد، وصور العالم لا تنضبط، ولا يحاط بها، ولا تعلم حدود كل صورة منها غلا على قدر ما حصل لكل عامل من صورته، فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده غلا بعلم حد كل صورة (ص 70 فصوص الحكم ط الحلبي جـ1)" يقولك إنه لا يمكن تعريف الله، لماذا؟ لأن الله هو عين كل شئ، فنحتاج في تعريفه إلا الأخذ بتعريف كل صورة من صور الوجود؛ إذ هو عينها، وصور العالم لا تنضبطن ولا تتناهى، فتعريفه سبحانه، لا يتناهى تبعاً لذلك! والصوفية تفتري على نوح أنه لم يحسن أداء رسالته؛ إذ دعا قومه إلى الشريعة، ول يدعهم إلى الحقيقة. دعاهم إلى الظاهر، لا إلى الباطن، ثم تحكم الصوفية على قوم نوح، فعملوا بالمستور، فكانوا من المفلحين، وتحكم بأن نوحاً نفسه أثنى عليهم لعبادتهم الأصنام (ص 70 وما بعدها فصوص"انظر الفص النوحي). ثم اقرأوا قول ابن عربي في الباب 129 من الفتوحات المكية:
لا تراقب، فليس في الكون إلا واحد العين، فهو عين الوجود
ويسمي في حالة بإله ويكنى في حالة بالعبيد
ترى، هل ستظلون مصرين على أن الصوفية دعوة إلى الأخلاق المثالية، وأنتم تعرفون أن الإصرار على كلمة كفر واحدة تمحو من سجل الإنسان كل كلمة مؤمنة، والصوفية مصرة على كلماتها الكافرة!!.
خلاصة دين الصوفية
ونلخص لك دين الصوفية في كلمات قصار. أما في الوجود فيدينون بأن المطلق منه عين المقيد، أو نفس العيني المتقوم بخصائصه في هذا، أو ذاك من الأشياء ذات الكيان المادي، أو بمعنى آخر: يرون أن الله هو عين خلقه، وأما في الاعتقاد، فيدينون بأن الكفر والإيمان، أو الشرك والتوحيد، اسمان لحقيقة واحدة أو مترادفان لهما مدلول واحد، وأما في الدين، فيرون السماوي منه عني الوضعي، فمنزل الأول، هو الله، باعتباره حقيقة مجردة عن النعوت الإيجابية أو السلبية، أو الإضافية، وواضع الثاني هو الله – وتعالى جد ربنا – باعتباره متجسداً في صورة بشرية!! وأما في الجزاء الأخروي، فيلتقي عندهم طرفاه الثواب والعقاب فالنعيم في الفردوس عني العذاب في جهنم. كلاهما عين الآخر في الحقيقة والأثر!! وأما في الفكر، فيدينون بأن الحقيقة عين الخرافة أو الأسطورة، وبأن الحق والباطل، أو الصواب والخطأ يتحدان في الدلالة، وكلاهما مقياس صحيح لصاحبه، وأما في الأخلاق، فيدينون بأن الخير والشر، أو الفضيلة والرذيلة سواء في الباعث والغاية وفي القيمة، وإن شئت حديثاً أكثر اختصاراً، فقل: إن خلاصة دين الصوفية وفكرها وخلقها: لا تقابل، لا تضاد، لا تناقض، إذ الكل ذات واحدة، هي ذات الله سبحانه. أو كما يقول ابن عربي: "ما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة، والشئ لا يضاد نفسه (ص 92 فصوص جـ1 ط الحلبي)".
خلف الصوفية كسلفهم
قد يقول قائل: ما لنا، ولابن عربي وغيره، فتلك أمة قد خلت، ومالها من أثر! وكلني أقول لهذا الذي خدعته الصوفية عن سمها، فسقته إياه يحسبه عسلاً مصفى: نحن لا نحارب أناساً، وإنما نحارب تراثاً وثنياً، آمن به سلف الصوفية على أنه الروحانية القدسية في الإسلام، وعاثوا به فساداً في عقائد المسلمين. والصوفية المعاصرة، تدين بما دان به سلفها كابن عربي وابن الفارض. وفي تقديس كهنة الصوفية لذكراهما، وفي التغني بشعرهما الوثني في نشوة سكرى. في ذلك كله برهان على أن الصوفية المعاصرة، امتداد طويل عريض عميق لدين ابن عبي والشعراني! إنها تتعبد بكل ما خلفت الصوفية السالفة من تراث، وتقدس ما كتب أحبارها، وتبشر به على أنه تجليات الروح الإلهي، وتؤمن به إيماناً عميقاً، يسلب الفكر، ويختلب البصيرة، ويهوى بالنفس إلى غور سحيق من الإلحاد، بل ربما أذنت لك الصوفية في الطعن على كتاب الله، وتثور وترغى وتزبد إذا مسست كتاب صوفي زنديق بسوء. ولئن أنكرت مرة على طبقات الشعراني ما فيها من خطايا، لرموك بعمى البصيرة.
كل صوفي هو ابن عربي في زندقته، وابن الفارض في وثنيته، والشعراني في خباله وخطاياه، تدبر أورادهم اليوم، وقصائدهم التي يرقصون بها رواد حانات الذكر! تدبر نعيبهم في كل لحظة بالهامدين، تجد دليل ما أقول. ألا تسمع منهم: مدد يأهل التصريف؟ مدد يا رئيسة الديوان (تأمل الحجاج قبل الحج وبعده تراهم يطوفون حول الأضرحة في مصر، كأنما يريدون طمأنة أوثانهم أنهم على العهد مقيمون!! بل تأمل الأسطورة التي يبتدعها سدنة كل صنم؛ إذ يزعمون أن من زار هذا الوثن، أو ذاك سبع مرات ماشياً كتب له ثواب حجة!! زعموا هذا للبدوي في طنطا، وللدسوقي في دسوق، ولشبل في الشهداء!!)؟
واستمع إلى أولئك "المخمرين (هم طائفة من الدراويش يجلسون بعد الذكر، ثم يتبارون في إنشاد أزجال أو أشعار يزعمون أنها إلهام ساعتهم، وما زلت أذكر ذلك الرجل الهرم في قريتي "زاوية البقلي" وهو يقول عن الأقطاب:
ساعة يجونا عرب ساعة يجونا اعجام
ساعة يجونا نصارى لابسين زنار
ساعة يجونا سكارى من حدا الخمار)" بعد حلقات الذكر، تجدهم يتسابقون إلى القول بأنهم : "يهود نصارى، مجوس" والدراويش يصيحون من الفرحة الطروب: "إكفر، اكفر" يامربي!
فرار الصوفية من النقد
زعم الصوفية أن من ينتقدهم، يطرد من رحمة الله! يهولون بهذا قيدا ظلوماً "للدراويش" حتى لا يحطموا أغلال الصوفية عن أعناقهم وقالوا: "وهذا الفن من الكشف يجب ستره عن أكثر الخلق: لما فيه من العلو، فغوره بعيد (ص 3، 8 رسالة الفناء من مجموعة رسائل ابن عربي طبع الهند، ص 8 إيقاظ الهمم شرح الحكم لابن عجيبة)"! باطنية منافقة، وريبة تلوذ به الصوفية إذا صعقتها صدمة الحق. وقالوا: "إذا رأيت منتقداً على التصوف، ففر منه فرارك من الأسد، واهجره (ص 3، 8 رسالة الفناء من مجموعة رسائل ابن عربي طبع الهند، ص 8 إيقاظ الهمم شرح الحكم لابن عجيبة)"
ترى هل يفر الصوفية من هذا النقد العادل؟ ما أرتضي لهم أن يكون تحت سطوة هذا الجبن الرعديد، ورهن هذا العجز الذليل!!
وقالوا: "طريق الكشف والشهود، لا تحتمل المجادلة والرد على قائله، وحرمانه يعود على المنكر (ص 3، 8 رسالة الفناء من مجموعة رسائل ابن عربي طبع الهند، ص 8 إيقاظ الهمم شرح الحكم لابن عجيبة)" كل هذا؛ ليظل ضحايا الصوفي عمى البصائر، والقلوب، مختوماً على سمعهم، فلا يسمعون من أحد كلمة حق تجادل باطلاً صوفياً (كان يحضر مجلس الدباغ رجل لا يعتقد فيه أنه ولي كبير!! فكان إذا حضر سكت الدباغ عن أساطيره الصوفية خشية أن يفضحه الرجل أمام تلاميذه، ثم قال لهم: "إذا حضر هذا الرجل فلا تسألونا عن شئ حتى يقوم" ويروي أحد تلاميذه أنهم كانوا إذا سألوا الدباغ وذلك الرجل حاضر وجدوه – أي الدباغ – كما يقول تلميذه: "كأنه رجل آخر لا نعرفه ولا يعرفنا وكأن العلوم التي تبدر منه لم تكن له على بال" ص 42 جـ 2 الإبريز. أعرفت سر سكوت الصوفية أمامك؟ إنهم يخشون بطش الحق بهم أمام دراويشهم)!!
أما أن يا سماحة الشيخ، فسأظل إن شاء الله – ورعايته أستلهمها وعونه أستمده – أثيرها حرباً على الصوفية في تراثها الوثني، ومعتقداتها الفاسدة، وما نبتغي بها سوى الذياد عن الحق، ورضا الحق، ولن يروعنا في سبيل الله منكم وعيد. نعم سأظل – وعلى الله توكلت – أحارب باطل الصوفية بالحق من كتاب الله. فإنها محسوبة على الإسلام، بل يظن الكثير في أقطابها أنهم مشارق ربانية، وينابيع نورانية، ومثل عليا للروحانية، حفق على كل مسلم تمزيق هذه الأقنعة التي نسجتها تهاويل الأوهام، وأفانين الأساطير؛ لكيلا يحتج على دين الله بدين الصوفية؛ وليؤمن المسلمون أن الخير والهدى والسعادة في الاعتصام بكتاب الله وحده، والاقتداء بخاتم النبيين وحده، فهو أخلص الخلق توحيداً لربه، وأهداهم إيماناً به، وأزكاهم طاعة، وأشدهم تقاةً، وأرفهم بما نزله الله عليه، وهداه، وهدى المسلمين به.
مزاعم كاذبة
تزعم الصوفية "أن التصوف صفة الله (ص 158 طبقات الصوفية للسلمي)"! وأن "من صدق بهذا العلم، فهو من الخاصة، وكل من فهمه فهو من خاصة الخاصة، وكل من عبر عنه، وتكلم فيه؛ فهو النجم الذي لا يدرك، وأن علم التصوف لا يستغنى عنه أحد، وأن نسبته إلى العلوم نسبة الكلي لها، ونسبة الشرط الذي لا بد منه لتحصيلها، وأنه لا يوجد تحت أديم السماء أشرف من علم التصوف، وأن لن ينقطع، حتى ينقطع الدين (ص 7،8 كتاب إيقاظ الهمم شرح الحكم لابن عجيبة)" كأنما رسول الله، وأصحابه كانوا من جهلة العوام!
وكأنما العلم الحديث الذي فجر الذرة، وسخر قواها، وجعل من الحديد طيراً، كأنما هو غير مجد في تقدم البشرية! لأنه ليس تصوفاً!
بل هذا معناه : أن ما جاء به المتصوفة أفضل وأعظم مما جاء به خاتم النبيين! أليسوا يقولون: "إنه لا يوجد تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم؟" والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن صوفياً، ولا دعا بدعوة التصوف!
فهل في مقدور صوفي أن يثبت صدق تلك الزعوم الكواذب، والظنون الشواحب البواهت! كما ثبت بالحق الساطع أنها زيغ وزيف وبهتان؟!
مرحى بالمحاجة
وهنا ينازعني الإشفاق على شيبتك يا سماحة الشيخ، وعلى نفسك الذاوية من هجير الأسى، ولفح اللوعة المضنية، بيد أني أرى من الخير، أن أصل ما بيني وبينك بالإلحاف في رجاء صادق، هو أن تقرأ، وأن تقرأ! ولست بطامع في أن ترد على ما كتبت! ترى أيخلف الشيخ الكبير ظني(أعثرني الله على كبير منهم في منزل رجل كريم لا يعرف دين الصوفي الكبير الذي كان علي بينة من عدة لغات وعدة فلسفات، ويتزعم طائفة كبيرة لها فروعها المنتشرة في كل مكان، فما هي إلا لحظات قصار، حتى قهر الله بالحق آياته، مما اضطره إلى أن يحكم بأن عقيدة السلف هي خير عقيدة. وهذا ديدنهم. فرار جبان، وكذب جبان!!)؟
لم يحل خطر منصبك بينك، وبين أن تشكو منا إلى النيابة، فلما أن أيأسك عدلها من أن تظلم لك، شكوت على كل حكومة سابقة! فهل يحول بينك، وبين أن تذود عن الصوفية غائلة ساحقة ما حقة؟1 إني ليخيل على أن الشيخ الكريم سيدعوني إلى مناظرة يشهدها الجم الغفير من أتباعه، فمرحى مرحى بها، وإن كانت عند وثن الشعراني! وإذا لم ينزع أحدكم إلى الرد، فسيؤمن الكثيرون أن الصوفية باطل جبان لا يعربد بسورته إلا حين يغمض الحق عنه عينيه لحظة!.
وأصيخوا إلى قول الله: (40: 41-44 وياقوم: مالي أدعوكم إلى النجاة، وتدعونني إلى النار، تدعونني؛ لأكفر بالله، وأشرك به ما ليس لي به علم، وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه، ليس له دعوة في الدنيا، ولا في الآخرة، وأن مردنا إلى الله، وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد) فهلا أفضتم إلى حمى الله، وعلى إشراق الهدى من كتابه وسنة رسوله، نسعى في الوجود دعاة إيمان وحق وتوحيد وإخاء وسلام؟!
دعوة من الحب إلى الضحايا
أما أنت أيتها الضحايا المسكينة التعسة، وأنت يا قرابين الشهوات من الطواغيت، فللهوى الباغي دماؤك المسفوحة، وللأوثان منك النسك الملحد.
أيها الحيارى في ظلمات الليل، وغيابة التيه، انظروا، وانظروا، مصوب عيونكم داع كريم حبيب، تتألق البشائر علي محياه، يدعوكم بالحب: أن هلموا قبل أن يطويكم التيه، وتجتاحكم عواصفه، فباب التوبة مفتوح على مصراعيه، وما على بابه إلا كل من يرحب بكم. ومن سموات الهدى والقدس تسمعون قول الرحمن (39: 53 يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم) (25: 70-71 إلا من تاب، وآمن، وعمل عملاً صالحاً، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً، ومن تاب وعمل صالحاً، فإنه يتوب إلى الله متاباً) واحذروا، فإن الله يقول: (4: 48 إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فتعالوا إلى الله، فما يملك ابن عربي، أو البدوي أن يقبل لكم متاباً، أو يغفر لكم ذنباً، أو يبدل سيئاتكم حسنات! أو يعفو عن زلة واحدة!.
أيها التائهون في كهوف الظلمات! عودوا إلى الحق من هدي الله الحق، ثم انظروا حواليكم حين تنيبون إلى الله، وتعملون بهديه. ألا ترون الإسلام رفاف الألوية في عزة على قمة الوجود الإنساني كله، وعلى الذرى السامقات من كل مناحيه؟! إلا ترون هداه يناسم في رحمة شرقه وغربه؟ ألا ترون الحياة فياضة الصفاء والبشر والخير، تهم بالسلام الوديع الرفيق الآمن؟! ألا ترون القلوب ينابيع ثرة للإخاء والحب والإيثار؟ ألا ترون الكون كله محاريب إيمان، وحمى حق وعدل، ومغاني سلام كريم؟! لا تعجبوا إذا رأيتم ذلك كله فإنه وعد الله العلي الكبير القدير: (24: 55 وعد الله الذين آمنوا منكم، وعملوا الصالحات، ليستخلفنهم في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني، لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك، فأولئك هم الفاسقون) كل هذا يحققه الله للمسلمين إذا هم أخلصوا لله وحده دينهم، ووعد الله لن يتخلف؛ لأنه الكريم القدير، وقد حقق الله سبحانه وعده لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولأصحاب محمد، ولكل من سلك بالحق سبيل محمد، وسيحققه لكم إذا اتبعتم سبيله.
دعوة صادقة الحب أيها الحيارى: لا منجاة لكم من آلامكم وأحزانكم، ومن الخوف الذي يعصف بكم، والقلق الذي تضطرب به مشاعركم، لا منجاة لكم من تلك الهموم الساجية إلا إذا لذتم بحمى الله وحده (لاذ الصوفية بفاروق، وأفاضوا غليه عبداناً يشكرونه على أن منح شيخهم كسوة، وبين يدي فاروق، وقف شيخ الصوفية يخطب عابداً شاكراً، فقال عن الكسوة: "إنها يا مولاي رمز لما أعطال الله من مواهب، وعنوان لفيض من فيوضاته سبحانه على قلب فاروق الطاهر تكشف عن مدى طهر وضعه الله فيك، فصفت روحك الطيبة. وإن هذا التكريم للصوفية إنما هو قبس من قلبك النقي ينير لنا الطريق، ويهدينا سواء السبيل، فبك نستضئ، ومن هديك نسترشد ، ومن روحك العالية نستمد الإلهام والهدى وإني إذ أتشرف بالوقوف بين يديك اليوم أقطع على نفسي عهداً وثيقاً أن أكون لجلالتك المخلص الوفي أمدك الله يا مولاي بروح من عنده، وألبسك حلة من مجده، وأيدك بجند من جنده، وأعانك بعونه وكفلك بعين رعايته" اقرأ الصحف الصادرة بتاريخ 25/3/1947م. فهل يذكر الصوفية؟! "بك تستضئ" تقديم الجار والمجرور يفيد قصر استضاءتهم على فاروق؟ فهل يذكرون؟ "من هديك نسترشد" هكذا؟ بتقديم الجار والمجرور؟ هذا معناه أن الصوفية لم تكن تهتدي بشئ إلا بهدي فاروق!!)، تؤمنون به، وتتدبرون آياته، وتهتدون بهديه، وتقتدون برسوله وحده (8: 24 يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله، وللرسول، إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون).
خاتمــــــة
وإني – وقد ناضلت الصوفية بهدي الله – أعرف أن هذا النضال يثير علي بغي أحقادهم، ويقف بي على شفا خطر يدهم بغتة منهم بجورهن غير أني أومن بهذه الحكمة الرائعة المؤمنة: "لأن يكون الناس جميعاً عدواً لي في الدنيا، خير من أن يكون الله وحده خصمي يوم القيامة" وأجعل من هذه الآية الكريمة مناراً لي (12: 110 حتى إذا استيأس الرسل، وظنوا أنه قد كذبوا، جاءهم نصرنا، فنجي من نشاء، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) هذا وعد الله لرسله، ووعده لأتباع رسله. فليتدبر الصوفية! وليشكوا إلى النيابة ما شاءوا، فلن ترى النيابة فيمن يدلها على الجناة جانياً، ولا في رد العدوان عن كل مقدسات الدين والفضيلة، وقيم الفكر جريمة! والصوفية بغي وفتنة مجنونة الأحقاد، غير أنها تحتال عذراء طاهرة ألم بها ظن مرتاب، وملائكية تسلسل الوحي في فجر المحراب!
ولن أضع القلم – وحسبي الله – إلا إذا أصميت الصوفية، وأدميت، أو إلا إذا تهدمت أنا، أو قضيت! فلن تخشى صولة الحق، سورة الباطل، ولكن كل هذا لن يمس قلوبنا بحقد، ولا نفوسنا بضغينة، بل إن ليرفع بأيدينا – ومن خلفها قلوبنا تحثها – في ضراعة خاشعة إلى الله أن يهب لنا، وللصوفية الإيمان الحق، وأن يهديهم سبحانه سبيل الإسلام.
(3: 8 ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة؛ إنك أنت الوهاب).
عبدالرحمن الوكيل
وكيل جماعة أنصار السنة المحمدية

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك