في نقد السلطة العربية والحاجة الى الاصلاح

في نقد السلطة

العربية والحاجة الى الاصلاح

 

قلم: اسماعيل أبو البندورة

 

 

 

ما تزال السلطة العربية تراهن على الاصلاحات الشكلية والاجراءات السياسية المفرغة من أي معنى سياسي مستقبلي طريقا في الادارة والسياسة وادامة الامور والحال ولا تزال تضع نفسها خارج العصر وخارج نطاق وأطر المعرفة بالاعتماد على العصبيات التحتية والفرعية في انشاء وتكوين مؤسسات تقتضي وظيفتها من الناحية النظرية تدريب الشعب على السلم الأهلي وفكرة المواطنة بمعناها الايجابي الواسع والدفع بقوى المجتمع الفاعلة والحراك الاجتماعي الى الأمام وبناء دولة المؤسسات التي تعتمد على الدساتير والمواثيق وفصل السلطات.

ولا نزال نحار في استمرار مثل هذا المشهد الغرائبي وهذه المسارات اللاعقلانية لانها أصبحت منوالية أو منهجا راسخا في السياسة العربية ويراد لها كما يبدو أن تستمر وتتكرس وتصبح سمة للحراك السياسي والعلاقة بين الناس وأنظمة الحكم وكأن السلطات تقول أن هذا طريقنا وهذا هو النمط الذي نقدمه الى الأبد وما عليكم الا القبول بما هو معطى و متاح والانصياع لهذا الخيار او الصمت والغربة والابتعاد.

ومما لاشك فيه أن مثل هذه المعادلات السياسية العقيمة قد خلقت تشوهات هائلة في الحياة السياسية العربية والحقت الامتهان بكرامة الانسان العربي وتأخيرا لحراكه وتطوره حتى أنه أصبح في لحظة معينه مثالا للمواطن المهدور والمقهور الذي لايلوي على شيء ويقاد في مسارات خاطئه يدرك هو أنها خاطئة اذ أنه بتراكم القمع والتغييب والتجهيل أصبح لايعرف طريقه السياسي والاجتماعي الصحيح ولا يقدر على تكوين رأيه وخياراته والدفاع عنها.

وأصبحنا على هذا النحو أمام معادلة شائهة خلقتها السلطة العربية الغاشمة والمتخلفة وهي على درب انسدادها وفشلها، وتناوبت على تفشيها سلطة عمياء لا تدرك معنى سلطتها ولا ترى ما حولها ولا تقرأ ما يدور في الفضاءات المحيطة بها، وتعودت في بنيتها وتكوينها على الزيف والتزييف وتزوير الارادة الشعبية والقهر، وفي المقابل هناك شعب ومواطن/ضحية تأقلم مع هذه الثقافة السياسية الشائهه وساعد على فشوها واستمرارها أو انتج في ذاته ولذاته مبررات واهية لقبولها.

وربما تكون بلادنا العربية هي الوحيدة والفريدة الان في هذا العصر المتسارع التي لاتزال تراوح مكانها وتستعصي على التغيير أو تعود الى الوراء في هذا المجال ويعود معها المجتمع الى حالته الاولية البدئية أي حالة ماقبل الدولة ويقظة وشيوع العصبيات وحديث الملل والنحل ونشوء خطاب تأخري يعتمد على أفكار ولهجات ومفردات بائدة أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت من سقط الكلام والمتاع.

وبهذا النموذج النكوصي الذي تختطه السلطة العربية تتأسس في الافق العربي مرحلة انحطاطية مسترسلة لاقرار لها يدوم فيها الجهل والاستلاب والابتعاد عن الابتكار و الحداثة وتتعمق فيها كل أسباب التراجع وتنشأ فوضى في العقل والواقع وتتوقف المجتمعات عن محاورة ذاتها ومراجعة مواقفها وخياراتها وتصبح الاوطان في مهب الريح أو موضوعا ومجالا لاختبارات وتطبيقات المشاريع الخارجية التي أصبحت ترصد العجز والاستعصاء العربي بعين غادرة وجارحة وتؤسس على ضوء ذلك طرق اختراقها وتفتيتها لهذه الاوطان.

لقد خلق ذلك وأنتج لدى الانسان العربي أزمة في الضمير والوعي والتفكير وتشوش في رؤية الحياة والسياسة وخنق فيه كل لحظة اشراق وابداع وكبّله بعدد لايحصى من القيود التي جعلت منه كائنا معطلا ومهدورا وممرورا وغير قادر على الاسهام الواعي في قضايا وطنه وأمته.

وربما يكون ذلك من بين أخطر ما انتجته وتنتجه السلطة العربية في المرحلة الراهنة اذ أنها تخرج مجتمعاتها من الحياة والتاريخ أو تعطل حراكها وتخلق فيها قابليات الخنوع والامتثال للظواهر والتحولات والاشكال التي تفرض عليها مهما كان مصدرها ومهما كانت أضرارها، كما أنها تخنق تطلعاتها وتبدد قواها وتفرغها من أحلامها وأشواقها الوطنية والقومية.

وعليه فان نقد ممارسات السلطة العربية وسياقات وأنساق عماءاتها واكراهاتها في المرحلة الراهنة لايريد أن يتوقف عند تشخيص أضرارها وابراز تجلياتها وحسب وانما يريد أن ينتج ويؤسس لاسئلة مدببة حولها تدفع باتجاه خلق تصورات حول ممكنات التطور والتغيير والاصلاح السياسي والاجتماعي وتقديم صور جديدة عما يجب أن يكون وما تتطلبه المرحلة من رؤى وتوجهات وخيارات وبدون ذلك فان النقد يبقى في اطار الكلامولوجيا التي لاتنتج وقائع جديدة أو يكون شتما سطحيا مجردا وتعذيبا للذات.

ويبدأ التغيير والاصلاح بوعيه ووعي ضرورته والانفتاح على متطلباته ومحدداته ويكون في أول أسس هذه المتطلبات مراجعة الذهنية والثقافة السائدة سواء ثقافة السلطات أو المجتمعات اذ أن فيها تكمن البدايات والأرضيات التي تنطلق منها الافكار والخيارات فالذهنية الانفتاحية الديموقراطية والثقافة الايجابية العقلانية المستنيرة لدى المجتمعات هما المفتاح الاول والأساس لابتداء عقلانية وايجابية الحوار وابتداء التفكير بالتغيير ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!!

هكذا تبدأ المجتمعات بالتغيير وهكذا ينمو فيها خيار النهضة والاستنهاض والمراجعة فيبدا فيها الحوار المعزز بالارادة ومن ثم تبدأ في اشتقاق الحلول، فالمجتمعات الصامتة أو النادبة لحظها سوف تتعود على أزماتها وتعيد انتاجها أو تحولها الى أقدار راسخة لافكاك منها وتكون بذلك قد اختارت طريق موتها وخروجها من التاريخ. ولذلك نقول أن البداية تكون في الحوار الايجابي المختلف والتساؤل والمساءلة الواعية.. الحوار الذي يترافق مع حراك عربي نهضوي يناقش الازمة العربية بكل أطوارها وتجلياتها يعززه رفض عربي شمولي لكل ماتنتجه السلطة العربية من أعمال التخريب السياسي والاجتماعي والتطلع الى مشروع قومي نهضوي كبير يلغي كل الاصوات الطائفية والانعزالية والانقسامية التي بدأت تتعالى وتتصادى في الفضاء العربي وتؤسس لخرابه واندثاره

المصدر: http://goutaliezzedine.maktoobblog.com/1614833/%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%82...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك