مع النصارى في الأصول والفروع مباحث الطهارة وخصال الفطرة

مع النصارى في الأصول والفروع
مباحث الطهارة وخصال الفطرة
دراسة إسلامية مقارنة

كتبه
أبو عبد الرحمن غنيم غنيم عبد العظيم

منهج البحث
هذا البحث عبارة عن جزء من موسوعة قيد الإعداد التزمت فيها المنهج الآتي :
1- عرض السير من خلال الكتب المعتبرة ، خاصة ما لدى القوم ، وبيان أوجه التناقض بين الروايات متى أمكن.
2- عرض التاريخ الذى مرت به هذه المسائل بين العهد القديم والجديد والإسلام ما أمكن.
3- العرض للمسائل من خلال استقراء نصوص الكتاب المقدس والكتب المعتمدة لديهم.
4- بيان أصل هذه المسائل فى الديانات السابقة ما أمكن.
5- بيان تضارب المسألة في كتبهم وأقوال أئمتهم المعتبرين.
6- بيان ما ينقضها من كتبهم.
7- بيان الموقف الإسلام من النصوص والقضايا المختلفة.
8- بيان الخطر الكامن في هذه المسائل.
9- بيان منافاة هذه المسائل للفطرة والعلم ما أمكن.
10- تخريج النصوص والأقوال من مصادرها.
11- عند الاستدلال بنصوص السنة النبوية ، إن كان الحديث في الصحيحين أو احدهما اكتفيت بذلك ، وإن كان في غيرهما ذكرت قول الأئمة فيه.
كتاب خصال الفطرة
تمهيد
الفطرة المرادة هنا هي ما جبل عليه الإنسان في أصل الخلقة من الأشياء الظاهرة والباطنة تلك الأشياء التي هي من مقتضى الإنسانية والتي يكون الخروج عنها أو الإخلال بها ، خروجا عن الإنسانية أو إخلالا بها.
إذا كان من البدهيات في حس كل مسلم ومسلمة أن خالق هذه الفطرة هو الله تعالى ، فمن الطبيعي أن نعلم يقينا أن هذا الدين لا بد أن يكون موافقا للفطرة ، إذ يستحيل أن يكون في دين الله أو شرعه أمرا يخالف ويعارض ما فطره عليه ، فالحكيم العالم بما خلق، ومن خلق، يضع الشريعة المناسبة له الملائمة لخلقه.
وكل أمر شرعي يخطر في بالك أن يعارض الفطرة فيجب أن تعلم أنه لا يخلو من أحد احتمالين ، فإما أنه أمر شرعي ولا يخالف الفطرة الصحيحة المستقيمة فمخالفته للفطرة وهم ، وإما أنه يخالف الفطرة فعلا ولكنه لا يكون أمرا شرعيا، وإن نسبه الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى.
يقول الشيخ عبد الله بن جار الله :
"والفطرة هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها وهي محبة الخير وإيثاره وكراهية الشر ودفعه وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله والتقرب إليه وجعل تعالى شرائع الفطرة نوعين:
أحدهما: يطهر القلب والروح وهو الإيمان بالله وتوابعه من خوفه ورجائه ومحبته
والإنابة إليه ، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، فهذه الفطرة تزكي النفس وتطهر القلب وتنميه وتذهب عنه الآفات الرذيلة وتحليه بالأخلاق الجميلة وهي كلها ترجع إلى أصول الإيمان وأعمال القلوب.
والنوع الثاني: ما يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته ودفع الأوساخ والأقذار عنه وهي هذه العشرة وهي من محاسن الدين الإسلامي إذ هي كلها تنظيف للأعضاء وتكميل لها لتتم صحتها ويظهر جمالها" .

أولا : الختان
لم يكن الختان كما يردد أعداء هذه الشعيرة من سنن اليهود أو المسلمين فحسب ، بل هي من سنن المرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم المرسلين محمد ، وبيان ذلك :
1-الختان في عهد إبراهيم عليه السلام
لقد كان من شريعة الله لعباده أن فرض عليهم الختان كفريضة ، وسنة من سنن الفطرة التي الواجب اتباعها من أجل استقامة النفس وشهوتها ، ويدل على ذلك عدم تقصير أبينا إبراهيم عليه السلام في آدائها مع تقدمه في العمر ، فقد أخبر رسول الله قائلا : (اختتن إبراهيم عليه السلام ، وهو ابن ثمانين سنة ، بالقدوم) ، ولا يخفى علينا مدى المشقة التي قد تقع على من كان في مثل هذه السن من هذه الشعيرة ، ولكنها سنة الله التي اختارها لعباده من أجل تحقيق مصالحهم.
ولذلك نجد أن فرض هذه الشعيرة من رب العالمين قد جائت في أول أسفار الكتاب المقدس كما يلي : (هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر * فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم * ابن ثمانية ايام يختن منكم كل ذكر في اجيالكم وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك *يختن ختانا وليد بيتك والمبتاع بفضتك فيكون عهدي في لحمكم عهدا ابديا * واما الذكر الاغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها انه قد نكث عهدي * وكان ابراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته ) .

2-ختان إسماعيل عليه السلام
وقد ختن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل عليه السلام وعمره ثلاث عشرة سنة : (و كان اسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته * في ذلك اليوم عينه ختن ابراهيم واسماعيل ابنه ) .
وهذا يدل على أنه كان من الجائز تأخير الختان للصبي في شريعتهم.

3-ختان إسحاق
أما إسحاق عليه السلام فقد ختنه أبوه في الثوم الثامن : (و اعطاه عهد الختان وهكذا ولد اسحق وختنه في اليوم الثامن واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد رؤساء الاباء الاثني عشر ) .
وهذا النص قد يشتمل على إشارة أن هناك طقس في هذه الفترة ، لكنه لم يرد ذلك في الكتاب المقدس ، وإنما ورد في مصنفات المسلمين أن اليوم السابع له شعائر تتصل بالطفل ، وهي العقيقة والحلق والتسمية ، فقد قال رسول الله : (الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه) .
فأما التسمية والختان فقد وردت في العهد الجديد أنها كنت في الثامن كما سنرى في تسمية يحيى والمسيح عليهما السلام ، وأما حلق الرأس فلم أقف عليه في النصوص أو كتب التقليد الكنسي ، وهذا إن دل فإنما يدل على وضوح الشريعة الإسلامية وشمولها وبيانها لكافة الأحكام تفصيلا ، من مهد الإنسان إلى لحده.

4-الختان وصية الله لموسى
لقد كان من وصايا الرب في العهد القديم لموسى عليه السلام أن يقوم بختان الطفل المولود في اليوم الثامن ، ففي سفر اللاويين نجد النص التالي : (وكلم الرب موسى قائلا * كلم بني اسرائيل قائلا اذا حبلت امراة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام كما في ايام طمث علتها تكون نجسة * وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته) .
وهذا دليل على أن هذه الشريعة بعدما كانت في الحنيفية كما يذكر الكتاب المقدس ، فقد صارت مستقرة في الديانة اليهودية ، ويرون أنها من وصايا الرب ، وليس من وضع البشر كما قال بعض الجهلة أدعياء التنوير.

5-كان بنو إسرائيل يقدمون الختان قبل الجهاد في الطريق
ويشير الكتاب المقدس إلى حرص بني إسرائيل على إقامة هذه الشعيرة في كل وقت وحين ، ولو كان هذا الوقت عصيبا كوقت الجهاد ، ففي سفر يشوع نجد النص التالي : (لان جميع الشعب الذين خرجوا كانوا مختونين واما جميع الشعب الذين ولدوا في القفر على الطريق بخروجهم من مصر فلم يختنوا * لان بني اسرائيل ساروا اربعين سنة في القفر حتى فني جميع الشعب رجال الحرب الخارجين من مصر الذين لم يسمعوا لقول الرب الذين حلف الرب لهم انه لا يريهم الارض التي حلف الرب لابائهم أن يعطينا اياها الارض التي تفيض لبنا وعسلا * واما بنوهم فاقامهم مكانهم فاياهم ختن يشوع لانهم كانوا قلفا اذ لم يختنوهم في الطريق * وكان بعدما انتهى جميع الشعب من الاختتان انهم اقاموا في اماكنهم في المحلة حتى برئوا) .
فها هو يشوع عليه السلام يختنهم في الطريق للجهاد ، ولا ريب أن طريق الجهاد طريق وعر ذو مشقة ، لا يتحمل معه زيادة تكاليف ، إلا أننا نجد هذا النبي الكريم يقدم شريعة الرب التي تحصل بها الطاعة وتتحصل بها المصلحة ، لأن الجهاد فيه إعلاء للشريعة ، والختان فيه تنفيذ لهذه الشريعة ، فلا تنافي بينهما ، وترك تنفيذ هذه الشعيرة سبب في غضب الله عز وجل على المنتسبين لها ، ومن ثم فقد تكون فشلا في هذا الجهاد ، لأننا نطلب بالجهاد رفع راية لا إله إلا الله وتنفيذ شريعته ، ثم نناقض أنفسنا بترك تنفيذ شعائرها وهجرها.

6-ختان يحيى عليه السلام
ورد ختانه وتسميته في الكتاب المقدس في إنجيل لوقا في النص التالي : (و في اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم ابيه زكريا) ، وهو كما ذكرنا قريب لما ورد في السنة النبوية كما مر معنا ، أنهم ختنوه وأسموه ، لكن الفارق أنه في الإسلام في السابع وفي شريعتهم في الثامن.

7-ختان المسيح عليه السلام
يقول لوقا في وقت ختان وتسمية المسيح : (و لما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حبل به في البطن) .
وفي هذا النص لنا إشارات :
الأولى : أن النصارى اليوم يرفضون الختان الذي قبله إلههم عملا بأقوال بولس المحدثة في العقيدة النصرانية.
الثاني : أن الملاك لم يبشر مريم عليه السلام بأن المولود يدعى يسوع ، وإنما بأن اسمه عمانوئيل ، يقول متى : (هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا) .
الثالث : أنه لو كان المسيح إلها متجسدا حسب الاعتقاد المسيحي ، فالجزء المقطوع نتيجة للختان هو نقص في الإله المتجسد ، فما مصير هذا الجزء؟!
لا ريب أن التناقضات كثيرة وكبيرة ومتعددة في الأصول والفروع المسيحية ، فهي عقيدة هشة من السهل هدمها ، لذلك كثيرا ما نجد من يفيقون من غفلتهم من أتباع هذه الديانات ويقبلون على دين الفطرة ، دين الإسلام ، دين سائر الأنبياء والمرسلين.

8-موقف عيسى عليه السلام من شعيرة الختان
لقد ورد ختان عيسى كما مر معنا ، وفي أحد حواراته التي كان يتكلم فيها عن نقض الناموس كان يقول : (لهذا اعطاكم موسى الختان ليس انه من موسى بل من الاباء ففي السبت تختنون الانسان * فان كان الانسان يقبل الختان في السبت لئلا ينقض ناموس موسى افتسخطون علي لاني شفيت انسانا كله في السبت) ، ففي هذا النص نجد أن المسيح كان يستدل على اليهود في أنهم يعملون في السبت من أجل تنفيذ شرائع الله ومنها الختان ، وذلك حينما أنكروا عليه أنه كان يشفي المرضى في السبت ، ولسان حاله أن القربات لا تمتنع في يوم العيد ، وفيه دلالة على أن الختان من القربات التي هي موجودة في الشريعة اليهودية ، والتي أقرتها المسيحية.
9-وقد اختلف الحواريون فى الختان ، رغم من زعم إلهامهم بالوحى
كانت الإشكالية التي واجهها بولس هي دخول الوثنيين في المسيحية وليس اليهود ، لأن اليهود كانت تلزمهم شريعتهم بالختان ولا اعتراض لديهم عليها ، لكن المشكلة كانت في الوثنيين الذين لا شرائع لديهم ، كيف يقنعهم بأن قطع جزء من جسدهم هي من هذه الشريعة؟!
في سفر الأعمال نجد النص التالي : (و انحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة انه أن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا * فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا واناس اخرون منهم الى الرسل والمشايخ الى اورشليم من اجل هذه المسئلة) ، ففي هذا النص نجد أن الحواريون الذين كانوا على اليهودية كانوا يذبون عن شريعة الختان ، وكيف حصل النزاع بين برنابا صاحب الإنجيل المشهور ، وبين بولس ، وكانت المرجعية آنئذ إلى الكنيسة التي تم تأسيسها بأورشليم ، فتحاكموا إليها.
لكن حسب النصوص المسيحية نجد أن هناك من أعضاء هذا المجمع من أوجب الختان ، أما بطرس فقال برأي بولس ، ودليل ذلك ما ورد في سفر الأعمال : (ولكن قام اناس من الذين كانوا قد امنوا من مذهب الفريسيين وقالوا انه ينبغي ان يختنوا ويوصوا بان يحفظوا ناموس موسى * فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الامر * فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم ايها الرجال الاخوة انتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الانجيل ويؤمنون * والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا ايضا * ولم يميز بيننا وبينهم بشيء اذ طهر بالايمان قلوبهم * فالان لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع اباؤنا ولا نحن ان نحمله * لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن ان نخلص كما اولئك ايضا) .
فالخلاص صار إذن بالإيمان بالمسيح فحسب ، وليس بالختان.
ولا ريب أن هذا النص يرد على العقيدة من وجهين :
الأول : أنه إلغاء لهذه الشريعة اجتهادا دون نص ، ومخالفة لما ورد من النصوص.
الثاني : أنه بيان لوجود عقيدة النسخ التي أنكروها على أهل الإسلام ولم يعرفوا حقيقتها.

10-ثم يأتى بولس بعد ذلك فينهى عن الختان ويقول أنه لا ينفع شيئا
كانت هناك مراحل لإلغاء شريعة الختان :
أولا : عدم قرن الختان بالناموس :
يقول بولس : (ليس الختان شيئا وليست الغرلة شيئا بل حفظ وصايا الله ) .
والعجيب أن بولس ذو الأصول يهودية هو من يقول أن الختان ليس بشيء ، أهو تغافل عن النصوص أم تحريف لها أم جهل بها؟!
فإن كان نسخا لها ، فلماذا لم يظهر هذا الرجل الحكمة الإلهية من هذا النسخ إن كان يملك شيئا؟!
لا ريب أن السبب وراء ذلك هو السعي لحشد الأتباع من الوثنيين الذين قد يرفضون هذه الشريعة ، ولمقابلة هذا الرفض قام بتحريف المسيحية عن طريقها في العقائد والأحكام حتى أصل للتجسد والتثليث الموافق لعقائد الوثنيين في هذا الوقت.
ثانيا : التخيير
فبينما رأينا يوشع بن نون عليه السلام يختن جنوده أثناء سيره للجهاد في أشد الأوقات ، نجد بولس لم يدرك مثل هذه الحقيقة ، وقيمة هذه الشريعة في اليهودية ، فيلجأ لإبطالها من أجل قبول دعوته بين الوثنيين ويلزم اليهود وحدهم به قائلا : (فان الختان ينفع ان عملت بالناموس ولكن ان كنت متعديا الناموس فقد صار ختانك غرلة )
ثالثا : جعله الختان ختان القلب
بثول بولس : (لان اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا * بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله) .
فلو كان الختان ختان القلب ، فلماذا شق الله على عباده من قبل بهذه الشريعة إن لم تكن فيها مصلحة لهم؟!
رابعا : ربط الختان بالإيمان بالمسيح
بممعنى أن ختان المسيح ختان لكل مسلم من آمن بدعوته ، يقول بولس : (و به ايضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح)
خامسا : نفي نفع الختان
يقول بولس : (اذا ما هو فضل اليهودي او ما هو نفع الختان ) ، ويقول أيضا : (ها انا بولس اقول لكم انه أن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا * لكن اشهد ايضا لكل انسان مختتن انه ملتزم أن يعمل بكل الناموس)
فأيهما تقدم أيها المسيحي؟! قول سائر الأنبياء ومنهم المسيح ، أم قول بولس الذي حرف وبدل وخالف الفطرة المستقيمة؟!

11-الموقف الإسلامي من شريعة الختان
ذكر الإمام الطبري في تفسيره لآية (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) ، أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أولادها جعلتهم في ماء لهم ، تزعم أن ذلك تقديس بمنزلة الختانة لأهل الإسلام ، وأنه صبغة لهم في النصرانية .
وفي السنة أنه حينما جاء كليب الجهني رضي الله عنه وأخبر النبي أنه أسلم قال له النبي : (ألق عنك شعر الكفر واختتن) .
كما ذكر النبي أن الختان من خصال الفطرة فقال : (الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار) .
وجاء أيضا أن الختان يكون للرجال والنساء على سواء ، فقد أرشد النبي إلى كيفية ختان المرأة قائلا : (اخفضي و لا تنهكي ، فإنه أنضر للوجه ، و أحظى عند الزوج) .

ثانيا : إعفاء اللحية من خصال الفطرة
لا نكاد نرى صورة لآباء الكنيسة وقديسيها إلا وهم متزينون بلحاهم ، كذلك كل صورة جاءت لوصف المسيح عليه السلام لا نراها تخلوا من اللحية المتحلي بها متابعة لسنة الأنبياء والمرسلين.
وقد وردت أحكام اللحية في الكتاب المقدس بما يوافق شريعة الأنبياء والمرسلين من حيث إطلاق اللحى والعناية بها لما لها من رمز للرجولة والوقار ، وذلك من أوجه :
أولا : إثبات وجودها
(فقال يواب لعماسا اسالم انت يا اخي وامسكت يد يواب اليمنى بلحية عماسا ليقبله) ، وأيضا : (فوضع داود هذا الكلام في قلبه وخاف جدا من اخيش ملك جت * غير قله في اعينهم وتظاهر بالجنون بين ايديهم واخذ يخربش على مصاريع الباب ويسيل ريقه على لحيته) .
ثانيا : في الإرشاد لتطييبها والإنكار على من لم يعتن بها
أما تطييبها فقد ورد دهن هارون للحيته في العهد القديم : (مثل الدهن الطيب على الراس النازل على اللحية لحية هرون النازل الى طرف ثيابه) .
وأما الإنكار على من لم يعتن بها فقد ورد النص التالي عن ابن شاول : (و نزل مفيبوشث ابن شاول للقاء الملك ولم يعتن برجليه ولا اعتنى بلحيته ولا غسل ثيابه من اليوم الذي ذهب فيه الملك الى اليوم الذي اتى فيه بسلام ) .

ثالثا : الموقف الإسلامي من اللحية
إعفاء اللحية في الكتاب المقدس جاء موافقا لما ورد في كتاب الله عز وجل من أن إعفاء اللحية-أي تركها- لأنها من سنن الأنبياء والمرسلين ، فقد أخذ موسى عليه السلام بلحية أخيه هارون حينما رجع ووجد القوم قد ضلوا وعبدوا العجل ، فقال الله عز وجل حكاية عن هارون : (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) .
ولقول النبي (انهكوا الشوارب ، وأعفوا اللحى) .
والظاهر أن النصارى قد بدلوا هذه الفطرة في زمن النبي ، وهذا أمر منتشر في الكاثوليك والبروتستنت ، وذلك لأنه قد ورد في الحديث الأمر يالإعفاء لها من أجل مخالفتهم ، فقد قال النبي (خالفوا المشركين : وفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب . وكان ابن عمر : إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته ، فما فضل أخذه . )
والتأويل لذلك أنه إما أنهم قد بدلوا في هذا الوقت أو أن النصارى الذين رآهم النبي هم ممن يرون عدم الإعفاء ، وهم الكاثوليك ، أتباع المذهب الملكاني.

رابعا : تبديل النصارى لشريعة اللحية
إلا أن النصارى حرفوا وبدلوا ، فتركوا هذه السنة وأحلوا محلها حلق اللحي ، فلا نرى قسيسا كاثوليكيا أو بروتستانتيا أو مارونيا إلا وقد حلق لحيته ، لذلك أمر النبي بمخالفتهم والعودة لسنة الأنبياء والمرسلين قائلا : (أعفوا اللحى ، وجزوا الشوارب ، وغيروا شيبكم ، ولا تشبهوا باليهود والنصارى) .
وأما الأرثوذكس فكان لهم رأيا مناقضا لهذا ، فبينما يذهبون لوجوب اللحية لرجال الدين ، وأنها من سنن المرسلين ، وأن من أحدث ذلك هم رجال الدين العلمانيين ، إلا أننا نجدهم في نفس الوقت يحرمونها على أبناء الكنيسة من غير رجال الدين ، وكأنما كان التدين واتباع السنن مقصور على فئة معينة ، وهذا ظاهر أيضا في شعائر أخرى قصروها على رجال الدين ، كالحجاب للراهبات ، ووجوب كون الأسقف راهبا.

كتاب الطهارة
أولا : أنواع النجاسات الواردة في العهد القديم
لقد وردت نصوص في العهد القديم تشير لعدة أنواع من النجاسات الواجب اجتنابها ، وذلك مثل نجاسة كل مما يلي :
1- من مس جثة الكائنات النجسة ، من الطيور الآكلة للحوم ، والحشرات ، والحيات ، وكل مجتر ورد تحريمه في الكتاب المقدس كالخنزير والأرنب وذبائح الأوثان والمخنوق ، وكأنما صارت النجاسة تتعدى بمجرد الملامسة. فالملامسة صارت حينئذ بمنزلة الجماع ، ففي سفر اللاويين نجد النص التالي : (او اذا مس احد شيئا نجسا: جثة وحش نجس او جثة بهيمة نجسة او جثة دبيب نجس واخفي عنه فهو نجس ومذنب) . وكما نرى أن الأمر لم يقتصر على النجاسة فحسب ، بل وتعداه للوقوع في للذنب ، فمن أراد أن يزيل جثة أي حيوان محرم من الطريق صار نجسا ، وكانما انتقلت له النجاسة في التو والحال بمجرد الملامسة ، كأن هذه النجاسة مرض أعياه وأصابه.
2- كذلك نرى أن النجاسة تقع على من رافق الميت قبل حال وفاته ، وليس للحظة أو ساعة ، بل يكون نجسا سبعة أيام ، ففي سفر العدد نجد النصوص التالية : (هذه هي الشريعة: إذا مات إنسان في خيمة فكل من دخل الخيمة وكل من كان في الخيمة يكون نجسا سبعة أيام) ، (وكل من مس على وجه الصحراء قتيلا بالسيف أو ميتا أو عظم إنسان أو قبرا يكون نجسا سبعة أيام) .
وعلى ذلك فالمجاهدين كلهم يقضون جهادهم في نجاسة دائمة ، لأنهم يقضون حياتهم بين القتل ونقل شهدائهم لدفنهم ، أما في شريعة الإسلام فالأمر ليس كذلك ، فالمرء المسلم لا ينجس كما قال النبي لأبي هريرة : (إن المسلم لا ينجس) ، وإنما يكون الاغتسال من تغسيل الميت ، والوضوء فقط من حمله ، فقد قال رسول الله : (الغسل من الغسل ، و الوضوء من الحمل) .
3- حيض ونفاس المرأة كما سنبين إن شاء الله.
4- الجماع كما سنبين إن شاء الله.

ثانيا : أنواع النجاسات الواردة في العهد الجديد
أما النصارى ، فقد استدلوا بقول المسيح في نسخ جميع النجاسات بقوله : (هذه هي التي تنجس الإنسان. وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان) ، والرد على ذلك أن المسيح هنا لم يكن يقصد الحديث عن الطهارة الحسية ، وإنما كان يقصد الطهارة من الشرك ، حيث كان يتحدث على الآثام والشرور من زنا وفسق وشهادة زور التي كان اليهود يقومون بها ، ويبين التناقض الذي كانت اليهود تقع فيه من الرتكاب كل هذه الآثام ثم بعد ذلك يدققون في غسل الأيادي عند الطعام.
أما بولس فقد نسخ جميع ذلك ، وقال أنه لا نجاسة في المسيحية حيث قال : (كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا، بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم) ، وهو بذلك نسخ لجميع ما سبق من الشرائع اليهودية ، وإقرار للنسخ الذي ينكرونه على المسلمين من حيث لا يعلمون.

ثالثا : الوضوء بين العهد القديم والجديد
وردت آثار الوضوء والطهارة بالماء في العهد القديم في النصوص التالية :
1- في عهد يوسف عليه السلام : (وادخل الرجل الرجال الى بيت يوسف واعطاهم ماء ليغسلوا ارجلهم واعطى عليقا لحميرهم) .
2- التطهير بالماء فحسب : (وأرش عليكم ماء طاهرا فتطهرون. من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم) .
3- وكان يحيى يعمد الناس في نهر الأردن بالماء.
4- وكانوا يجهزون مكانا للوضوء عند خيمة اجتماعهم ، (عند دخولهم الى خيمة الاجتماع وعند اقترابهم الى المذبح يغسلون - كما امر الرب موسى)
5- وكانت هذا المرحاض المعد للاغتسال من أوامر الرب : ( وقال الرب لموسى * وتصنع مرحضة من نحاس وقاعدتها من نحاس للاغتسال. وتجعلها بين خيمة الاجتماع والمذبح وتجعل فيها ماء * فيغسل هارون وبنوه ايديهم وارجلهم منها * عند دخولهم الى خيمة الاجتماع يغسلون بماء لئلا يموتوا. او عند اقترابهم الى المذبح للخدمة ليوقدوا وقودا للرب * يغسلون ايديهم وارجلهم لئلا يموتوا. ويكون لهم فريضة ابدية له ولنسله في اجيالهم)
6- وكان موسى وهارون عليهما السلام يغتسلون ويتوضؤون كما فى العهد القديم : (ووضع المرحضة بين خيمة الاجتماع والمذبح وجعل فيها ماء للاغتسال * ليغسل منها موسى وهرون وبنوه ايديهم وارجلهم ) .

ثالثا : الغسل وأنواعه
غسل الجماع
لقد أوجبت الشريعة اليهودية على معتنقيها شريعة توافق الفطرة من حيث الطهارة والنظافة ، هذه الشريعة تتصل بطهارة البدن بعد إتمام عملية الجماع بين الرجل والمرأة ، فقد جاء في سفر اللاويين : (و المراة التي يضطجع معها رجل اضطجاع زرع يستحمان بماء ويكونان نجسين الى المساء ) .
ولا نرى مثل هذه الشرائع في المسيحية لأنه المسيحية هي بمثابة امتداد لليهودية ، إلا أن بولس جاء ونادى بنسخ التوراة وأحكامها فنسخ مثل هذه الأحكام.
لذلك نرى الآن النصارى لا يعتنون بمثل هذه الأحكام التي استقرت في أهل الإسلام ، فالمعاشرة بين الأزواج تنتهي بقضاء الشهوة عندهم ولا يتبعا التطهر بالغسل ، بخلاف أهل الإسلام ، فقد سن الله لهم ما يوافق الفطرة حيث أمرهم بغسل سائر البدن مما لحق به أو أفرزه أثناء الجماع وبعده ، فمثل هذه الشرائع تدل على عظمة هذا الدين ورقي أهله المتبعين لأحكامه ، فكما أن المسلم يتوضأ خمس مرات في اليوم والليله ، فإنه يغتسل من الجنابة غسلا كاملا ، فهو دين طهاره ونظافة ورقي ، لا دين يترك أهله على هذه الحال التي يقول فيها العهد القديم أنها نجسة كما في النص السابق.
والسؤال الآن : أليس نسخ مثل هذه الشريعة فيه مناقضة للفطرة التي تنادي بالطهارة والنظافة؟!
وأليس هذا النسخ في الأحكام اليهودية هو ما تنكرونه على أهل الإسلام؟!
لا ريب أننا دوما لا نحصل على جواب ، فالله الهادي إلى سبيل الرشاد.

غسل الحيض والنفاس
نجاسة كل من يمس فراشها ووجوب الغسل عليه مع ثبوت نجاسته ليلة : (و كل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا الى المساء* وكل من مس متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا الى المساء * وأن كان على الفراش او على المتاع الذي هي جالسة عليه عندما يمسه يكون نجسا الى المساء * وأن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسا سبعة ايام وكل فراش يضطجع عليه يكون نجسا ) .
غسل التوبة
كان يوحنا المعمدان يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، يقول الكتاب: (وخرج اليه جميع كورة اليهودية واهل اورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الاردن معترفين بخطاياهم ) .

رابعا : أحكام الحيض والنفاس
أولا : حكمه ومدته
المرأة في الشريعة اليهودية تكون نجسة في أيام حيضها ونفاسها ، ويجب اجنتابها تماما ، وهذه الفترة التي حددها الكتاب المقدس في العهد القديم هي سبعة أيام وردت في النص التالي من سفر اللاويين : (و اذا كانت امراة لها سيل وكان سيلها دما في لحمها فسبعة ايام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجسا الى المساء ) .

ثانيا : مشقة الحيض والنفاس
لا ريب أن في مثل هذا النص بيان للتعسف الشديد الذي تتعرض له المرأة في الشريعة اليهودية من أوجه :
1- نجاسة كل ما يلامس جسد المرأة من متاع : (وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسا وكل ما تجلس عليه يكون نجسا ) .
2- نجاسة كل من يمس فراشها ووجوب الغسل عليه مع ثبوت نجاسته ليلة : (و كل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا الى المساء* وكل من مس متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا الى المساء * وأن كان على الفراش او على المتاع الذي هي جالسة عليه عندما يمسه يكون نجسا الى المساء * وأن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسا سبعة ايام وكل فراش يضطجع عليه يكون نجسا ) .
3- نجاسة المرأة في وقت الاستحاضة : (و اذا كانت امراة يسيل سيل دمها اياما كثيرة في غير وقت طمثها او اذا سال بعد طمثها فتكون كل ايام سيلان نجاستها كما في ايام طمثها انها نجسة ) .
4- اختلاف فترة النفاس باختلاف المولود
أولا : الذكر : (قل لبني اسرائيل: اذا حبلت امراة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام. كما في ايام طمث علتها تكون نجسة)
ثانيا : الأنثى : (وان ولدت انثى تكون نجسة اسبوعين كما في طمثها. ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها)
وهذا من مظاهر التعسف ضد الأنثي ، فما وجه التفريق وعلته التي اهتدى لها اليهود والنصارى ، أم هو التقليد الأعمى؟!

ثالثا : بيان أثر القول بنجاسة المرأة في الحيض والنفاس
على ذلك فتكون ربع حياة الزوج مع زوجته هجر لها ، وذلك من أوجه:
الأول : أن المرأة لها أيام حيض ، وتتراوح هذه الأيام بين ثلاثة وسبعة أيام في العادة ، فهي تتراوح ما بين عشر أو ربع الشهر.
الثاني : أن للمرأة أيضا أيام تنزل منها الدماء في غير وقت حيضتها ، وطبيعة هذه الدماء تختلف عن دماء الحيض والنفاس ، وهذه الأيام قد تطول بالنسبة للمرأة ، وتتجاوز الأشهر ، وهو ما يعرق بالاستحاضة.
الثالث : أن للمرأة أيام في النفاس ، في العادة تكون ما بين الشهر والأربعين يوما ، قد تقل وقد تزيد.
فالقول بنجاسة هذه المرأة ووجوب اعتزالها فيه ظلم لها ، وأمر بهجرانها ، والله لا يرضى بذلك ، فالله جعل لها هذه الفترة للتخلص من ضرر هذه الدماء ، فالمرأة هي الأم والزوجة والأخت والإبنة والخالة والعمة.
أفيهجر الرجل أمه؟! أفيهجر الرجل زوجته؟! أفيهجر الرجل أخته؟! أفيهجر الرجل ابنته؟! أفيهجر الرجل زوجته وخالته؟!
فأي إنصاف في ذلك إن قاطعنا نصفنا الآخر واعتزلناه؟!
أليس في تلك المشقة سبيل للتهرب من مثل هذه الشرائع والوقوع في الزنا المحرم أو انتهاكها وعدم الالتفات لها؟!
هذا ما نراه واقعا في المجتمعات اليهودية والمسيحية ، فساد أخلاقي لا مقابل له ، فلو أحصنتهم تلك الشريعة لما انتشر الزنا والشذوذ فيهم كما تنتشر النار في الهشيم.

رابعا : الموقف الإسلامي من المرأة في فترة الحيض والنفاس
إن الصحابة رضوان الله عليهم حينما سألوا رسول الله عن فعل اليهود السابق ذكره من اعتزال النساء بهذه القسوة ، صحح لهم النبي هذه المفاهيم ، وبين لهم أنه من الغلو في الدين الذي سلكه اليهود ، فالمرأة كما مر هي الأم والأخت والزوجة والبنت والخالة والعامة ، فبين لهم النبي عدم هجر النساء ، أو ترك الاستمتاع بهن ، فلا حرج في ذلك لأنها الفطرة التي تدعو الطرفين إليها ، وإنما المنهي عنه في هذا الاستمتاع هو إيلاج الرجل في المرأة لأنه هو المحل الذي يجب احترازه الآن ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت . فسأل أصحاب النبي النبي . فأنزل الله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية } [ 2 / البقرة / الآية 222 ] فقال رسول الله " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه . فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا : يا رسول الله ! إن اليهود تقول : كذا وكذا . فلا [ أفلا ؟ ؟ ] نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله حتى ظننا أن قد وجد عليهما . فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي . فأرسل في آثارهما . فسقاهما . فعرفا أن لم يجد عليهما) .
فهذا هو فعل اليهود ، لا يأكلون مع المرأة ولا يجلسون إليها حتى في المنزل ، ورغم هذا التشدد في التعامل مع الحائض والنفساء ، إلا أننا نجد في مقابل هذا الغلو غلوا آخر من نفس الجنس ، فنراهم يجيزون جماع المرأة من دبرها ، وحجتهم في ذلك أنه لا دليل على منعه ، ثم ينكرون مباشرة النبي في الحيض بعد أن يأمر أهله بالاتزار ، إن هذا لأمر عجيب ، فالإسلام يوافق الفطرة ويحرم جماع الدبر ، ولا تجد لديهم نصا في التحريم فيصنعونه ولا يلتفتون لأي مصلحة ، فالعلة واحدة في اجتناب المحل المشتمل على النجاسة ، فكيف تفرق الشريعة لديهم بين المتشابهات؟!
كيف تحرم جماع الحائض والنفساء لعدم طهارة المحل ثم تجيز جماع الدبر الذي هو محل خروج الفضلات النجسة؟!
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

خامسا : الموقف الإسلامي من الزوجة الكتابية في الطهر من الحيض والنفاس
لا بد للكتابية المتزوجة من المسلم أن تتطهر قبل جماع زوجها وفقا لشريعة الإسلام ، لأنه يحرم عليه أن يقربها إلا بعد أن تتطهر ، قال تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) .
ولا بد له أن يجبرها على ذلك إن امتنعت ، لأن الحكم في حقهما سويا لا في حقها فحسب.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك