هدي الحيوان في التراث الجنائي الإسلامي

هدي الحيوان في التراث الجنائي الإسلامي

بقلم: محمد أمير ناشر النعم 

تستمر رحلة دعاتنا الإسلاميين في التنقيب والتنقير عن كل جديد يسهم في استمالة النفوس وعطف القلوب نحو الإسلام العظيم، فهم له حماة كفاة، ولتشريعاته قادة ذادة.
وبجأش رابط ينهالون علينا في كل إصباحة بأفكار وتوجيهات وإرشادات ومواعظ لا مقطوعة ولا ممنوعة، ثم وبنيّةٍ جَسور ينثالون علينا في كل إمساءة بتحليلات ومقارنات ومقاربات ينسلونها من كل حدب، ويقتنصونها من كل صوب.

أما نحن المستمعين والمشاهدين فنغضّ الطرف عما هو غثّ من طروحاتهم في سبيل ما تحتها من ثمين، ونتجاوز عن محدوديتهم على اعتبار أنها تتسم بقدر من الإرادة الخيّرة، وتصبر آذاننا على ضجيج ألسنتهم عسى أن نسمع نغمةَ كلمة طيبة، ولكن ما لا نصبر عليه هو ما تستكّ منه مسامعنا من شخير عقولهم التي تغطّ في نوم عميق، ولعل آخر ما دهمتنا به قرائحهم هو دعوتهم الناس للاعتبار والاهتداء بتشريعات الحيوان الجنائية الجزائية التي تثبت بشكل إعجازي أن تشريع الإسلام، ينسجم مع قوانين العدالة الفطرية التي اهتدى إليها الحيوان بغريزته وطبعه!

وعلى الرغم من تسالم العقلاء جميعاً على أن الحيوان غير خاضع للتكليف أصلاً، فإنّ هؤلاء الدعاة يوجهوننا لنسلخ طباعنا وتصرفاتنا من طباع الحيوان وتصرفاته، ويهيبون بنا أن نتخذه قدوة وأسوة، وهادياً ونصيراً، سواء أكان قرداً أو طيراً أوحتى حشرة، مستخدمين طريقة (الاستدلال الأولوي)، الذي يقول: إذا كانت الحيوانات تجلد وتقتل وترجم أبناء جلدتها من الحيوانات، فنحن البشر يجب علينا من باب أولى أن نجلد ونقتل ونرجم إحقاقاً للحق وإقامة للعدل!

ونبتدئ من (الحشرات)، فقد أطلّ علينا الداعية الدكتور محمد العريفي ليعرض علينا في إحدى القنوات الفضائية فيلماً تسجيلياً عن (نحلات) تتقاتل فيما بينها، لأنّ إحدى هذه النحلات، كما يخبرنا، كانت قد شربت من رحيق إحدى الزهرات المتخمّر مما أدى إلى سكرها، لكن الله زوّد بعض النحلات بما يشبه أجهزة الإنذار، فتستطيع تحسس رائحة النحل السكران، هذا النحل الذي يفسد العسل، وتقاتله وتبعده عن الخلية بل وتجلده [كذا].
ينتهي الفيلم فيظهر العريفي وقد ارتسمت على ملامحه أقصى حدود الاغتباط بهذا الاكتشاف المذهل! ألا وهو عقوبة (النحلة السكرانة) المتطابق مع عقوبة الشريعة الإسلامية الغراء، وليخلص إلى النتيجة النهائية الحاسمة: "أليس النحل أعقل من بعض البشر"؟! وربما ظنّ هذا (الداعية) أنّ المشاهد سيقف أخرس من الإعجاب، وأنه سيهتز هزة تبلغ أعماق روحه، ولم يدرِ أنه لا يطرح إلا تساؤلاً نابياً عن الذوق والفهم، وبل لا يقدم إلا صرة من المهانة والعار. فهذا (الإسقاط) من عالم البشر على عالم الحيوان هو السقوط بعينه، وهو علامة الإعياء في التفكير النظري، وفي المحاكمة العقلية والشرعية. 

وننتقل إلى (الطيور) حيث يطل علينا داعية آخر أكبر سناً، وأرفع منزلة وأعلى مقاماً من الداعية الأول وهو الدكتور زغلول النجار، الممسك بأعنة المعلومات الجيولوجية والجغرافية والفلكية والرياضية والفيزيائية والكيميائية إلى آخر ما هنالك من علوم تجريبية وتطبيقية، فيحدثنا عن إعجاز التشريعات الجنائية الجزائية للغربان، فيقول لنا: "وللغربان محاكم تلتزم قوانين العدالة الفطرية‏,‏ تحاكم الجماعة فيها أي فرد يخرج على نظامها من مثل محاولات التعدي على حرمات غراب آخر من أنثى أوفراخ أو عش أو طعام‏,‏ ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها‏,‏ ففي حالة اغتصاب طعام الفراخ الصغار تقوم جماعة الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزاً عن الطيران، كالفراخ الصغار قبل اكتمال نمو ريشها‏,‏ وفي حالة اغتصاب العش وتهدمه في مراحل الدفاع عنه تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدَى عليه‏,‏ وقد يتبع ذلك الطرد من الجماعة إذا تكررت الأخطاء من هذا النوع‏ ,‏ وفي حالة اغتصاب أنثى غراب آخر فإن جماعة الغربان تقضي بقتل المعتدي ضرباً بمناقيرها حتى الموت. وتنعقد محاكم الغربان عادة في حقل من الحقول الزراعية أوفي أرض فضاء واسعة‏,‏ تتجمع فيه هيئة المحكمة في الوقت المحدد، ‏وينحى الغراب المتهم تحت حراسة مشددة‏,‏ وتبدأ محاكمته فينكس رأسه‏,‏ ويخفض جناحيه، ‏‏ويمسك عن النعيق اعترافاً بذنبه، فإذا صدر الحكم بالإعدام وثبت جماعة الغربان على المذنب توسعه تمزيقاً بمناقيرها الحادة حتى الموت‏,‏ وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبراً يتواءم مع حجم جسده‏,‏ يضع فيه جسد الغراب القتيل، ثم يهيل عليه التراب احتراماً لحرمة الموت".

أما الخلاصة والنتيجة التي يجنيها الدكتور الزغلول، ثم يلقمنا إياها فهي قوله: "وهكذا تقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يقيمه كثير من بني الإنسان‏,‏ فالعدل في الغربان من الأمور الغريزية الفطرية لأنها لا تشرع لنفسها‏,‏ ولكنها تتحرك بفطرتها المسلمة بأن الحاكمية لله وحده، ومن أهم بنودها التشريع‏,‏ فالمشرع هو الله سبحانه وتعالى الذي شرع لكل الخلائق وغرس شريعته في جبلة كل مخلوق غير مكلف حتى أصبح العدل الإلهي جزءاً لا يتجزأ من تكوينهم وفطرتهم‏,‏ أما الإنسان‏,‏ ذلك المخلوق المكلف فيحاول التشريع من عنده بعلمه المحدود‏,‏ وقدراته المحدودة حتى نسي العدل الإلهي‏,‏ وأراد إقامة عدل نسبي من عنده فظلم نفسه وظلم غيره".
وهنا يخطئ داعيتنا العلاّمة إذا ظنّ أن فكرنا سيتقبل هذه الخلاصة وتلك النتيجة بقبول حسن، ويتوهم إذا خال أنّ أحاديث ثرثرته ستحوز الإعجاب، فهذه المعلومات المجمّعة تجميعاً مسرحياً، والبالغة حدّ الكاريكاتور، والتي لا نعلم مدى موثوقيتها، ولا مقدار صحتها، تأتلف من عدد من ضروب الشطط والتجاوز لا يمكن الصفح عنها، وإلا فليحدثنا هذا (الداعية) عن أركان الجريمة في عالم الغربان، وهل يكتفي الغربان بـ (الفعل) فقط أم ينظرون إلى (النية) وإلى (القصد) ؟ وهل من فرق بين (الفاعل) و(الشريك) في عالم العدالة الفطرية !؟ وليخبرنا عن وسائل إثبات الجريمة، وعن (الشهادة) ونصابهها، وهل العدالة الربانية الفطرية المطلقة فرّقت بين شهادة ذكر الغراب وبين شهادة أنثاه ؟ أم سوّت بينهما ؟ وهل (إقرار) الغراب معتبر ! وهل هو حجة قاصرة على المقر ! وفي معرض حديثه عن صور تنفيذ العقوبة هلاّ حدثنا عن (موانع التنفيذ)، وهل العدالة الربانية الفطرية الغريزية عند الغربان تدرأ (الحدود بالشبهات) ؟!
نعم مهما كان جواب الدكتور الزغلول فإنه سيظل يدفع بالأمور خارج حدودها، بل وسوف يفقس حتماً أسئلة جديدة لا حدّ لها ولا حصر.

وعجبي من هؤلاء الدعاة الذين يتخذون من أفعال الحيوان حجة علينا في حين يقرر معظم علماء أصول الفقه أن أفعال الرسول نفسها لا حجية فيها إذا لم يُعلم على أي وجه فُعلت، لأن الفعل يحتمل الوجوب والاستحباب والإباحة، وإذا احتمل هذه الوجوه لم يكن حمله على بعضها بأولى من الحمل على الباقي فوجب التوقف فيها.
وعلى كل حال لن نذهب في استعراض المسابقة المحمومة في الاستنجاد والاستهداء بأفعال الحيوان التي يقدمها لنا في كل يوم داعية جديد حتى لا يطول بنا المقام، ولن نتحدث عن عقوبة (النملة الكاذبة) التي يتحفنا بها الدكتور الشيخ عمر الأشقر، ولا عن العقوبة التي أوقعها بنفسه (الحصان) الذي نزا على أمه دون أن يدري، إلى آخر هذه الاستشهادات التي ستتكاثر وتطغى إن بقينا في سباتنا.

ونحط رحالنا - أخيراً - عند المنظّر الأول والإمام الأكبر لمن بعده من الدعاة في الترويج لتشريعات الحيوان الجزائية المطابقة لتشريع الإسلام، ألا وهو عمرو بن ميمون، الذي أدرك الجاهليةَ ، وأسلم في عهدِ النبي – صلى اللهُ عليه وسلم – ولكنهُ لم يرهُ ، ولم يرو عنهُ ، ويطلقُ على أمثالهِ في كتبِ التراجمِ والرجالِ : "مُخَضْرَمٌ". وقد أراد هذا الرجل إثبات أنّ حكم رجم الزاني المحصن أصيل ثابت، وأن الإسلام لم يبتدعه، فساق هذه القصة التي أوردها الإمام البخاري في كتابه (التاريخ الكبير) على الشكل التالي: عن عمرو بن ميمون قال: "رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قرودٌ فرجموها فرجمتها معهم"، وهذه هي الحادثة بحذافيرها كما وردت في شكلها الأول، ثم رواها البخاري مرة أخرى في صحيحه فزاد فيها أنّ القردة زنت، فأصبحت الرواية كما يلي: "رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قِرَدة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم"، ولكن باعتبار أن المخيلة لا يتأتى لها إلا أن تزداد تحفزاً أمام هذه القصة فقد بدأت تظهر روايات أخرى تسد النقص وتشرح وتعلل وتبيّن وتوضح، فرواها الإسماعيلي في مستخرجه على الشكل التالي، قال عمرو بن ميمون: "كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرَف، فجاء قرد مع قرْدة، فتوسد يدها، فجاء قرد أصغر منه فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلاً رقيقاً وتبعته فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعتْ فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق، فاستيقظ فزعاً، فشمّها فصاح فاجتمعت القرود فجعل يصيح ويومئ إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة، فجاؤوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرة فرجموهما. فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم".

وفي هذه الرواية اللاحقة نرى شرحاً يثبت واقعة الزنا، بل ويقدّم له مسوّغاته، وهو فتوّة القرد الزاني وشبابه، فهما سبب غواية القردة وخيانتها، وحتى لا يتنطع متنطع ويتساءل عن صعوبة أن يحفر القرَدة حفرة يتم فيها حصر الزاني والزانية، فقد جاء في رواية تالية: "فانطلقوا بها وبالقرد إلى موضع كثير الرمل، فحفروا لهما حفيرة، فجعلوهما فيها، ثم رجموهما حتى قتلوهما"، ثم ومن أجل إكمال المشهد وإغنائه، تأتي أيضاً رواية ثالثة وتضيف: "فانتبه القرد، فقام فشم دبرها، فصاح صيحة، فاجتمعت القرود، فقام واحد منهم كهيئة الخطيب، فوجهوا في طلب القرد، فجاؤوا به بعينه، وأنا أعرفه، فحفروا لهما فرجموهما".

والحق أن بعض علماء السلف استنكر ورود هذه القصة، فالحميدي في كتابه (الجمع بين الصحيحين) قال: لعل هذه الرواية من المقحمات في كتاب البخاري، أما ابن عبد البر فَقَدْ استنكر القِصَّة، وَقَالَ : فِيهَا إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غَيْر مُكَلَّف وَإِقَامَة الْحَدّ عَلَى الْبَهَائِم، وَهَذَا مُنْكَر عِنْد أَهْل الْعِلْم. وكان يفترض بعلمائنا أن يقفوا عند هذا الحد، ويسقطوا هذه الرواية ، لكنّ عدداً كبيراً منهم كان ذا عقل تسويغي أمام المرويات، وبخاصة إذا وردت في صحيح الإمام البخاري، وعندها فلكل سؤال جواب ، ولكل معضلة حل، ولكل طامة إلزام! فهل نحن على استعداد للجري مع هذا الإلزام إلى آخر مداه!

وأمام طامة عمرو بن ميمون هذه، وشكِّ الحميدي في أنها قد تكون مقحمة على كتاب الإمام البخاري أتانا العلماء، على لسان ابن حجر، بالإلزام التالي: "وأما تجويزه أن يُزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه، ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه، وهذا الذي قاله [أي الحميدي] تخيّل فاسد يتطرّق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح، لأنه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد، فلا يبقى لأحد الوثوق بما في الكتاب المذكور".
فإما أن تُصدِّق هذه الطامة وتُطأطئ لها ! وإما أن نلزمك بأنك تفتح الباب لنسف صحيح البخاري كاملاً.
ولنعد مرة أخرى إلى السؤال الأساسي الذي تثيره هذه القصة:
- كيف نضيف الزنى إلى الحيوان ؟ و(الزنى) وصف شرعي لفعل المكلف، تماماً كوصف (الزواج) و(الزواج الفاسد) و(الزواج الباطل) و(الوطء بشبهة) فهذه كلها أوصاف نابعة من عالم الاعتبار الشرعي، الذي لا يدخل الحيوان في حرمه.
- كيف تقيم البهيمة الحدَّ على أخواتها في حين أن الحيوان غير مكلف، كما هو مسلّم به.
ومن هنا شكّل الاستشهاد بفعل الحيوان لدعم هذا الاعتبار الشرعي معضلة ً تحتاج إلى حل.
وأمام هذه المعضلة استولدنا من رحم (الممكن والمحتمل وربما ولعل) أجوبةً مضحكة مبكية داست بنعلها أكبر عقل، ودمغت أبلغ حجة.

أما الجواب الأول فأورده ابن عبد البر قائلاً: (لعل) هذه القردة كانت من الجن المتشكل بصورة القردة. وما دام الجن من المكلفين فلا مشكلة ولا معضلة في هذه القصة. علماً أن هذه الجواب يخالف صريح القرآن الكريم الذي جاء فيه: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. ولكن لا بأس بمخالفة القرآن الكريم كرمى عيون رواية انفرد بها الإمام البخاري من دون الكتب التسعة.
أما الجواب الثاني فأورده ابن التين وقال: (ربما) كان هؤلاء القرود من نسل اليهود الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم. لكن هذا الجواب فتح سؤالاً آخر وهو أن المسخ لا يتناسل، فقد ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم: " أَنَّ الْمَمْسُوخ لا نَسْل لَهُ"!؟
فجاء الجواب الألمعي: "ولكن لا يلزم أن تكون القرود المذكورة من النسل، فيحتمل أن يكون الذين مُسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها وصارت فيهم".
وهذا يعني أن اليهود الممسوخين بلّغوا رسالة الله للقرود، فعلموهم حكم رجم الزاني، ولكن لا ندري لماذا لم يعلموهم أحكاماً أخرى تتعلق بالختان، أوبالقصاص (العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم)، أو أحكاماً تتعلق بالعبادات والمعاملات إلى آخر ما هنالك مما يتفتق في ذهن الإنسان.

أما ابن العربي المالكي فلم يسلّم بأن الممسوخ لا نسل له، واستخدم أسلوب (الفنقلة) فقال: "فَإِنْ قِيلَ: وَكَأَنَّ الْبَهَائِمَ بَقِيَتْ فِيهِمْ مَعَارِفُ الشَّرَائِعِ حَتَّى وَرِثُوهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ إلَى زَمَانِ عمرو؟
قُلْنَا: نَعَمْ ، كَذَلِكَ كَانَ ؛ لأَنَّ الْيَهُودَ غَيَّرُوا الرَّجْمَ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَهُ فِي مُسُوخِهِمْ، حَتَّى يَكُونَ إبْلاغًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَغَيَّرُوهُ، حَتَّى تَشْهَدَ عَلَيْهِمْ كُتُبُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ وَمُسُوخُهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَيُحْصِي مَا يُبَدِّلُونَ وَمَا يُغَيِّرُونَ، وَيُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةَ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، وَيَنْصُرَ نَبِيَّهُ وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ" .

هكذا إذن نصر الله نبيه، وخذل اليهود، وأقام الحجة عليهم!

نعم: هذا غيض من فيض من تراث أُقحم فيه دخيل مملوء بالخرافة والفوضى والتناقض، دخيل أعمى منطمس البصيرة يقود عمياناً آخرين.
يأبون أن يتعقلوا ويتدبروا، ويخافون ويمرضون ويموتون دون أن يحاكِموا أو ينقدوا أوينصحوا. يخشون الله ويوقرون رسوله، وهم للبخاري أشد خشية وتوقيراً وتعزيراً، ومثالنا الذي نحن فيه هو خير مخبر وأوفى معبّر.
ولعلنا بتنا الآن نعرف جواب السؤال التالي: لماذا اجتبانا القدر من بين جميع البشر بمثل هؤلاء الدعاة المعاصرين، من أمثال (العريفي) و(زغلول النجار) الذين زادهم الله بسطة في الجهل والسخف؟

أيها الدعاة:
دعكم من الترّهات، ومن أحاديث الإعجاز التي لا تثبت إلا عجزكم. أما إذا أردتم النفع والمقبولية فهيّا إلى (التوثيق والتحقيق). أعني (توثيق المعلومات وتحقيق المفاهيم والمصطلحات) اللذين يختزنان في طياتهما: الضبط والتدقيق، والدراية والإلمام، والشمول والاتساع، والرسم والتحديد. وبهذا يقوم (التوثيق والتحقيق) بدور الصمغ الذي يمسك مفردات المعطى المعرفي الإسلامي أن تنزلق في وهاد الفوضى والتشتت والاختلال.

 

- محمّد أمير ناشر النعم: دبلوم دراسات إسلامية من جامعة بيروت الإسلامية، يعمل حاليا إماما وخطيب جمعة في مدينة حلب.

- ننشر النصّ، في صيغته المكتملة، بطلب من الكاتب الذي أعلمنا أنّه نشر جزءا منه في أحد المنابر. ونوضّح لقرّائنا أنّنا ننشره لجودته، ودعما لقلم أحد رجال الدين لم تمنعه خطّته من نقد بعض مظاهر التفكير الدينيّ، ولم يحمله تديّنه على ادعاء الكلام باسم اللّه ولا على ترويج الخرافة أو على التطرّف والتكفير.

المصدر: http://www.alawan.org/%D9%87%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A.html

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك