مقومات الحوار الناجح .. قراءة في تجربة‏

مقومات الحوار الناجح .. قراءة في تجربة‏
(المراجعات) *

أ. إبتسام الكناني

المقدمة ..

تعد مفردة الحوار اشتقاقا جديدا أبدعته ثقافة التغريب ‏والعولمة، وقد صارت من هموم العصر ومقتضياته، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، فهذه المفردة ‏المستحدثة لغويا لها جذور متأصلة، عمرها عمر البشرية، تبدأ منذ خلق اللّه أول بشر ليكون خليفة في ‏الأرض.

لقد ألهم اللّه الإنسان الحوار مذ علمه الأسماء الحسنى، فراح يستخدم آلياتها مع أول خصم واجهه، وقد نقل‏ القرآن الكريم حوار ابني آدم، قابيل وهابيل، حيث تنازعا على مقامهما عند اللّه فتقبّل من أحدهما ولم يتقبل من ‏الآخر.

ثم يطالعنا القرآن الكريم بحوار دار بين غني وفقير، بين‏ حق وباطل، بل بين الايمان والكفر. وسواء أكانت القصة ‏مقدرة مفروضة على سبيل التمثيل، أم قصة واقعة فعلا، فالغرض من ذلك والغاية تقريب المعنى والمراد، والجلاء والتوضيح، بالاضافة الى العبرة‏ والعظة.

(.. فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا اكثر منك مالا واعزنفرا)، ثم وصلت به الحال الى الكفر (قال له صاحبه ‏وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك... )[الكهف/34 و37].

وهكذا، سار على خط آدم سائر الانبياء والرسل، فمارسوا آليات الحوار، بل جعلوه محورا اساسيا يعتمدون عليه في دعوتهم الى اللّه تعالى.

وجاء الاسلام ليبشر بخاتم الديانات السماوية، وجاء محمد ( خاتم الانبياء والرسل) ليصدع بهذا الدين‏ الكامل الذي نادى وبأعلى صوته الى الحوار الهادف، الداعي الى كلمة الوحدة والتوحيد والتقريب، قال‏ تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) [آل عمران/64].

لقد ضبطت آيات القرآن الكريم تفاصيل دقيقة عن‏حوارات الانبياء والرسل، وخصوصا أولو العزم منهم، وليس ذلك الا إشعارا بأهمية الحوار ودوره في تثبيت‏ العقيدة أو تفنيدها.

واستمر الحوار يأخذ مجراه الطبيعي في حركة الدعاة‏ والمصلحين ولاسيما المعصومين ، حيث عرفوا تفاصيله وجزئياته ودقائقه فأحسنوا استخدامه، فآتت ‏شجرة جهودهم أكلها ضعفين، وهذا التاريخ شاهد حى‏على ما سجل لهم من حوارات مع سائر الديانات‏ والمذاهب، فضلا عن المشككين والمغرضين، حيث اقنعوهم بأدلة جعلتهم يتراجعون عن مبادئهم السابقة‏ وعقائدهم الخاطئة، حتى ولو اخفوا ذلك.

وهكذا أخذت شجرة الحوار تنمو وتترعرع في ظل‏ الرعاية الأبوية للعلماء الأعلام، ورثة الانبياء والمعصومين ، الذين بذلوا كل ما يملكون قربة‏ وتقريبا، وأخصهم بالذكر سيدنا الجليل، شرف الدين‏ والدنيا، العالم العاملي، الذي بذل الغالي والنفيس من‏ أجل توحيد الكلمة وكلمة التوحيد، ووفق أيما توفيق‏ لإيصال الحوار الى غايته المنشودة بعد سنين طويلة من‏الانتظار الممل، وليس ذلك الا ببراعة يراعته، وغزارة‏علمه، وثقته بخالقه، وبنفسه، وبجهاديه: الأكبر والأصغر.

في هذه المقالة‏، تناولت مقدمات الحوار الناجح، وفق‏ما استقصيته من كتاب (المراجعات) للسيد عبد الحسين‏ شرف الدين، راجية من اللّه أن يوفقني ويعينني.. انه خيرناصر ومعين.

معاني الحوار ..

المعنى اللغوي : الحوار والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب، نقول: كلمته فما أحار إليّ جوابا، وما رجع إلي حويرا ولاحويرة ولا محورة ولا حوارا، أي ما رد جوابا ، واستحاره، أي استنطقه. وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) : يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به‏، أي بجواب‏ذلك.(1) وأيضا، المحاورة: مراجعة الكلام. حاورت فلانا في‏المنطق، وأحرت إليه جوابا. وما أحار بكلمة، والاسم:الحوير، نقول: سمعت حوير هما وحوار هما.(2)

المعنى الاصطلاحي : يتوقف المعنى الاصطلاحي للمفردة على المعنى‏ اللغوي في أغلب الأحيان، ومفردة الحوار هي احدى هذه‏ المفردات.

الحوار، في الاصطلاح، هو: التجاوب والمراجعة التي‏تحدث بين طرفي الحوار، اي المتكلم والمخاطب، ويراد منه: تبادل المعلومات المستمر بينهما.

لقد ذم اللّه تعالى عبدة العجل من قوم موسى ، حيث‏ وبخهم بأن معبودهم فاقد لصفة مهمة يجب ان تتوافرفيه، أي القدرة على إرجاع الكلام والتجاوب، قال‏تعالى:(3) (أفلا يرون الا يرجع اليهم قولا) [طه/89] .

ان السيد شرف الدين، وحينما عنون كتابه ‏بـ (المراجعات) كان ناظرا الى المعنى الاصطلاحي ‏لها، اذ ان المراجعة او المكاتبة تستلزم الارجاع ‏والتجاوب المستمر بين كلا طرفي الحوار، او هو مانصطلح عليه اليوم بالحوار .

مقدمات الحوار الناجح ..

1. تعيين الهدف من الأمور الملحة التي يجب عدم تجاهلها في مسألة الحوار، الهدف هو الثمرة المتوخاة في نهاية‏ كل عمل صغيرا كان م كبيرا. والهدف هو الذي يقيم ‏العمل به بالنجاح او الاخفاق.

ولطالما عقدت المؤتمرات، واقيمت المهرجانات‏ والندوات، وطبعت آلاف الكتب والمنشورات، لكنها لم ‏تف بالغرض ولم تأت بالمنشود، والسبب يعود الى‏عدم إدراج الهدف في قائمة الأولويات التي يجب‏الاعتماد عليها بوصفها أساسا للتواصل والتقارب‏ والحوار.

لقد اتسم حوار السيد شرف الدين بأسمى هدف توخاه‏ في حياته، فقد كان يتطلع ومنذ شرخ شبابه، الى سبيل‏ سوي يوقف المسلمين على حد يقطع دابر الشغب‏ بينهم، ويوحدهم بالاعتصام بحبل اللّه أخوة بررة يشد بعضهم ازر بعض.(4)

2. التمهيد يعد التمهيد الخطوة الاولى التي يتبعها المتكلم، سواء كان في قاعة الدرس ام في مجال آخر كالبحث او الكتابة‏ او الحوار، فالتمهيد واعداد الارضية المسبقة عامل ‏أساسي في إنجاح الفكرة المراد ايصالها الى ‏المخاطب.

حينما أراد السيد شرف الدين أن يبدأ بهدفه السامي ‏للتقريب، وبتفريغ هم ما حمله، سافر الى مصر أرض‏ الكنانة، ليسدد اللّه بأيديه سهما منها فيصيب به غرضه، ولينال به امنيته التي تمناها، وقد نالها كما الهم، ووجد ضالته كما اراد، يقول السيد: ضقت ذرعا بهذا، وامتلأت بحمله هما، فهبطت مصر أواخر سنة 1329هـ مؤملا في (نيله) نيل الأمنية التي‏أنشدها، وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما أريد، ومتصل ‏بالذي اداور معه الرأي، واتداول معه النصيحة، فيسدد اللّه بأيدينا من (الكنانة) سهما نصيب به الغرض، ونعالج‏ هذا الداء الملح على شمل المسلمين بالتمزيق، وعلى‏جماعتهم بالتفريق، وقد كان -والحمد للّه- الذي‏أمّلت، فإن مصر بلد ينبت العلم، فينمو به على الاخلاص‏ والاذعان للحقيقة الثابتة بقوة الدليل، وتلك ميزة لمصر فوق ميزاتها التي استقلت بها. (5)

3. التعارف المسبق : المتكلم والمخاطب ركنين اساسيين في عملية الحوار، والتعارف المسبق بين هذين الركنين، حتى وان كان ‏قصير الأمد، له نصيب كبير في انجاح عملية الحوار، فعن ‏طريق التعارف المسبق يتم الالمام الدقيق بأفكار الطرف ‏المقابل ورؤاه وعقائده واسلوبه، وأخيرا الوصول الى‏ نقاط مشتركة، وآخرا الحصول على نتائج مثمرة.

لقد شد السيد شرف الدين رحاله الى أرض الكنانة ليحقق غايته المنشودة، التي من أجلها قطع المسافات ‏الطويلة ليقرب وليقترب، وقد حالفه الحظ حينما وجد المواصفات التي كان يبحث عنها، متوافرة في شخصية‏ شيخ الأزهر يومئذ الشيخ سليم البشري، فقد اعجب به أايما إعجاب، وعدّ معرفته به حظا سعيدا، حيث‏ يقول: جمعني الحظ السعيد بعلم من أعلامها المبرزين، بعقل واسع، وخلق وادع، وفؤاد حى، وعلم عليم، ومنزل‏ رفيع يتبواه بزعامته الدينية بحق واهلية.

وما احسن ما يتعارف به العلماء من الروح النقي، والقول الرضي، والخلق النبوي، ومتى كان العالم بهذا اللباس الانيق المترف، كان على خير ونعمة، وكان الناس‏منه في امان ورحمة، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة‏ رأيه، او يبثه ذات نفسه (6) ان التعارف الذي حدث بين السيد العاملي وبين الشيخ‏ البشري كان تعارفا مباشرا ومستمرا، وهو الذي مهد الأرضية للحوار.

4. حسن الظن المتبادل : وهي الخطوة التالية بعد سابقتها، ولا يمكن الحصول‏ عليها الا بعد ان يعرف كل طرف من طرفي الحوار الطرف الآخر معرفة دقيقة، وفي هذا يقول السيد شرف‏الدين: شكوت إليه وجدي وشكا إليّ مثل ذلك وجداوضيقا (7) ، حينما يحمل كل من طرفي الحوار هموما مشتركة، فإن ‏هذه الهموم المشتركة هي التي ستكون المنطلق الأول ‏للحوار الناجح، والتي على أساسها تتضح خطوات‏ الحوار.

ان حسن الظن المتبادل الذي حصل بين عَلـَم من أعلام ‏الشيعة وعَلـَم من أعلام السنة، هو الذي جعلهما يبثان‏ همومهما المشتركة، وأي هم أكبر من أن يكون بين هاتين ‏الطائفتين خلاف، ومبدأهما واحد وعقيدتهما واحدة.

5. التاكيد على المشتركات : التقريب معناه التأكيد على المشتركات، فالأطراف ‏المتنازعة ومهما اختلفت الا ان نقاط الاشتراك موجودة ‏بينهما بلا شك، لكن التأكيد عليها يحتاج الى بصيرة، وتعمق، وتوافق، وفي هذا المجال يقول السيد شرف‏ الدين: .. وكانت ساعة موفقة أوحت إلينا التفكير في ما يجمع ‏اللّه به الكلمة، ويلم به شعث الأمة، فكان مما اتفقنا عليه‏ان الطائفتين -الشيعة والسنة- مسلمون يدينون حقا بدين الاسلام الحنيف، فهم في ما جاء الرسول به سواء، ولا اختلاف بينهم الا ما يكون بين المجتهدين في بعض ‏الأحكام، لاختلافهم في ما يستنبطونه من الكتاب، اوالسنة، او الاجماع، او الدليل الرابع، وذلك لا يفضي بهذه ‏الشقة السحيقة، ولا بتجشم هذه المهاوي العميقة. إذن، أي داع أثار هذه الخصومة المتطاير شررها مذ كان هذان‏ الإسمان -سنة وشيعة- الى آخر الدوران.(8)

6. تبيين موضع الخلاف : موضوع الإمامة من المواضيع المهمة، التي تتصدر قائمة الإختلاف بين الطائفتين، وهي مسالة يمكن‏ إثباتها بالعقل والنقل، ويمكن الاعتقاد بها وقبولها بمجرد أن يرتدي الناظر إليها نظارات الإنصاف والتجرد عن التعصب.

يقول السيد شرف الدين: ونحن لو محصنا التاريخ ‏الاسلامي، وتبينا ما نشأ فيه من عقائد وآراء ونظريات، لعرفنا أن السبب الموجب لهذا الاختلاف إنما هو ثورة ‏لعقيدة، ودفاع عن نظرية، أو تحزب لرأي، وان أعظم ‏خلاف وقع بين الأمة، إختلافهم في الإمامة، فإنه ما سلّ ‏سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على‏الإمامة. فأمر الإمامة إذن من أكبر الأسباب المباشرة لهذا الاختلاف، وقد طبعت الأجيال المختلفة في الإمامة ‏على حب هذه العصبية وألفت هذه الحزبية، بدون تدبر وبدون روية، ولو ان كلا من الطائفتين نظرت في بينات‏الاخرى نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم، لحصحص الحق، وظهر الصبح لذي عينين (9) .

ان المتحاورين لا يمكنهما المحاورة بالشكل المجدي‏ من دون تحديد موضوعها ، وذلك لأن للحوار وحسب ‏الاهداف والمقتضيات والظروف، مواضيع شتى‏ وعناوين مختلفة، وعدم تحديدها يعد إتلافا للوقت، واستنزافا للطاقات، وتبذير للاموال، وفقدانا للأهداف ‏والثمرات.

ان تحديد موضوع الخلاف بالإمامة، هو أهم المواضيع ‏التي أثارت وتثير الجدل بين الطائفتين، وتحديد السيد شرف الدين والشيخ البشري موضوع الحوار بالامامة، هو خير ما اتفقا عليه، وخير ما وصلا اليه.

7. ترك التعصب : يعد التعصب مانعا أساسيا من الوصول الى الاهداف ‏المتوخاة من الحوار، وخصوصا اذا كان يهدف الى‏ التقريب. فالتقريب معناه أن يستمع طرفا الحوار، أحدهما للآخر، محترما عقائده وأفكاره، تاركا له فرصة‏ الدفاع عنها، لا أن يحمله ما يعتقده هو خاصة، اذ ان هذا خلاف معنى التقريب.

ان أهم معوق يحول دون تحقق التقريب بين الطائفتين، هو التعصب الجاف الحاكم على الاكثرية، والذي يشكل‏ غمامة سوداء تقف أمام شعاع الشمس الوضاء، فما على ‏الجميع إلا السعي الجاد الى إزالة هذا المعوق وازاحته لتسطع شمس الحقيقة، ويتنعم الجميع بنورها، حتى ‏ولو أغمض بعضهم عينيه.

ان أشد ما إبتلي به مجتمعنا الاسلامي هو التقليد الأعمى، والتصديق بكل ما قيل ويقال من دون التفحص ‏والتدقيق اللازمين لاستجلاء الحقيقة.

يقول السيد شرف الدين: وقد فرضنا على أنفسنا أن ‏نعالج هذه المسالة بالنظر في أدلة الطائفتين، فنفهمهما فهما صحيحا، من حيث لا نحس احساسنا المجلوب من‏ المحيط والعادة والتقليد، بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات..(10) .

8. تناسب شخصيات الحوار : التناسب بين شخصية المتكلم والمخاطب ضرورة‏ يجب أن تأخذ موقعها الجاد في عملية الحوار الناجح، ويمكن تلخيصه في نقطتين أساسيتين، وهما : أ. التناسب العلمي ، ب. التناسب الأخلاقي .

إن تناول قضية مهمة وحساسة كقضية الإمامة، يستلزم‏ أن يتكفلها أشخاص ذوو كفاءة علمية، لهم إلمام بجميع‏ ملابسات القضية، ولهم إطلاع كاف على الظروف الزمانية والمكانية التي أحاطت بالقضية من أساسها، كما يمثل التناسب الأخلاقي لطرفي الحوار دوره المكمل ‏لعملية الحوار الناجح، وهذا ما نراه جليا في تاريخ‏ الحوارات طوال التاريخ، ولطالما خرج طرف النزاع‏ باقتناع تام، وترك ما كان متمسكا به قبل دخول الحوار، وذلك بفضل الاسلوب الاخلاقي لطرفه المقابل، وحوارات الانبياء والمعصومين خير شاهد على ما أقول.

ان من يقوم بقراءة (المراجعات) يلمس بوضوح الغزارة‏ العلمية والخلق النبوي الرفيع، الذي تحلى به كل من‏ السيد شرف الدين والشيخ البشري، وهذان العاملان هما اللذان جعلا الحوار يسير نحو التوفيق والنجاح.

9. الاحترام المتقابل : عند مطالعة الباحث في (المراجعات) يلفت إنتباهه‏ الاحترام الفائق الذي كان يكنه كل من السيد والشيخ‏ للآخر، وهذا ما نراه جليا في:

تبادلهما التحية.

احترام كل طرف منهما عقائد الطرف الآخر.

عدم استخدام الكلمات الجارحة والنابية.

احترام كل طرف منهما مصادر الطرف الآخر.

مراعاة آداب الحوار.

10. نشدان الحقيقة : يخضع الحوار غالبا لعوامل خارجية، سياسية تارة‏ واقتصادية تحول دون تحقق أهدافه، والحوار الناجح هو الحوار الذي ينطلق من رغبة ذاتية في داخل كيان ‏المتكلم والمخاطب، خالية من جميع ما يحيطها ويكتنفها من الظروف الزمانية والمكانية، بل وحتى من ‏التحكيم النفسي، يقول السيد شرف الدين: وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة بالنظر في أادلة الطائفتين فنفهمهما فهما صحيحا، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب من المحيط والعادة والتقليد، بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته، فنلمسها لمسا، فلعل ذلك يلفت اذهان المسلمين، ويبعث الطمانينة في نفوسهم، بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق، فيكون حدا ينتهي اليه ان شاء اللّه تعالى (11) .

فالوصول الى الحقيقة ولمسها أعلى هدف ينشده الحوار الناجح.

11. تحقق الأهداف للحوار، وكما ذكرت أهداف يجب تعيينها قبل الخوض ‏فيه، وتحقق الأهداف والوصول إليها هو الذي على‏ أساسه يقيم الحوار بالنجاح او الاخفاق. لقد اتصفت ‏مراجعات السيد شرف الدين والشيخ البشري، بأنها كانت تتوخى الوصول إلى الحقيقة في أمر الإمامة، وقد أبدع السيد شرف الدين بفضل حسن خلقه، وعذوبه ‏بيانه، وبراعة يراعه، وغزارة علمه، وصبره وسعة صدره، ما أقنع الطرف المقابل وأرشده الى طريق الحق‏ والحقيقة والرشاد، حتى راح يشهد بذلك مقرا به : أشهد أنكم في الفروع والأصول على ما كان عليه الائمة‏ من آل الرسول، وقد أوضحت هذا الأمر فجعلته جليا، وأظهرت من مكنونه ما كان خفيا، فالشك فيه خبال‏ والتشكيك تضليل، وقد استشففته فراقني الى الغاية، وتمخرت ريحه الطيبة فأنعشني قدسى مهبها بشذاه‏ الفياح، وكنت -قبل أن أتصل بسببك- على لبس فيكم، كما كنت أسمعه من إرجاف المرجفين، وإجحاف ‏المجحفين، فلما يسّر اللّه اجتماعنا أويت منك إلى علم‏ هدى، ومصباح دجى، وانصرفت عنك مفلحا منجحا ، فما أعظم نعمة اللّه بك عليّ، وما أحسن عائدتك لدي، والحمد للّه رب العالمين (12) .

------------------------------

(*) المصدر : مجلة المنهاج - العدد 38

1- لسان العرب 4: 219 (حور)، والنهاية في‏غريب الحديث والأثر لابن الأثير 440:1، والحديث بتمامه وقصته ورد في بحار الأنوار111:41، ح. 21 ط. بيروت الثالثة 1403ه.
2- كتاب العين، 441:1 (حور).
3- الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد الطباطبائي، 14: 192، ط. الاعلمي بيروت‏1422هـ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي‏166:3 ط. دار الكتب العلمية بيروت‏1422ه.
4- المراجعات (المقدمة): 49، ط، الثانية 1402ه، بتحقيق حسين الراضي.
5- المصدر نفسه، 50.
6- المصدر نفسه، 50 و51.
7- المصدر نفسه، 51.
8- المصدر نفسه، 51.
9- المصدر نفسه، 52.
10- المصدر نفسه، 52.
11- المصدر نفسه، 52.
12- المصدر نفسه،423، المراجعة (111).

المصدر: http://www.montadaalquran.com/articles/readarticle.php?articleID=196

الأكثر مشاركة في الفيس بوك