حوار مع شجرة الصنوبر

عبد الحميد عبد السلام

 

منذ فترة زمنية مضت كُنت أمر على إحدى أشجار الصنوبر على قارعة إحدى الطرق التي خلالها أذهب إلى عملي صباح كلّ يوم وأعود منها إلى بيتي بعد الظهر، وتبدو هذه الشجرة أنّ عمرها يناهز عمري وهو ما يقارب نصف قرن حيث جذعها سميك وقامتها عالية وعليها نوع من الشيخوخة والتي تظهر على أوراقها الأبرية المصفرة بعض الشيء والتي قد تكون أجبرت على الشيخوخة المبكرة بسبب انحدار الطريق وعدم بقاء الماء تحت جذعها ولكن فضولي استوقفني ذات يوم للحوار معها ومعرفة سيرتها الذاتية وما هي المشاكل التي تعاني منها فأجابت.

أنا إحدى أشجار الغابات الكبيرة وانتمي إلى العائلة الصنوبرية الخشبية تم غرسي في هذا المكان منذ أكثر من خمسين سنة تقريباً من قِبَل أحد أصدقاء الشجرة والذي قد يكون رحل نهائياً عن هذه الدنيا لأنّني لم أعد أراه من منذ مدة ليست بالبعيدة ولكن والحقّ يقال رعاني حقّ الرعاية في طفولتي حتى تعمق جذري واشتد عودي ووقفت شامخة شموخ الجبال على ضفاف الأودية وبطون السهول وكنت لست وحدي موجودة في هذا المكان بل هناك أخوات أخريات وما تزال البعض منها بجواري كما ترى ولكنني اليوم كما تراني قد أشرفت على الشيخوخة رغم قوة تحملي للعطش ومقاومة الجفاف وذلك بسبب هذا الطريق التي رصفت على جذوري واقتلع جزء كبيراً منها وقد كنت مهددة بالإقلاع من أعماق أعماق جذوري لولا توسلي لمهندس المساحة الذي كان يحدد مسار الطريق وأقنعته بأنّني أريد البقاء حيّة لأتمكن من التسبيح للخالق البارئ الله جلّ جلاله وأريد أن أعمل بعض المعروف للمارة الذين يمرون أو يقفون على هذا المدخل في انتظار أي سيارة أو مركبة تقف لهم لتوصلهم لبيوتهم لكي يستظلوا بظلي وحتى أقيهم حرارة الشمس في فصل الصيف وبعد أخذ ورد مع ذلك المهندس الذي يشكو ولا يشكر على هذه الفعلة والذي كان بإمكانه رسم مسار الطريق مستقيماً وهدم تلك المبنى الذي أحجب الرؤية على السائقين وقبع على قارعة الطريق كمانع للرؤية وقاتل للأراضي الزراعية وحرمني من زيادة الجيران من بني جنسي وغيرهم من الأجناس الزراعية الأخرى ويشكر على أنّه تفهم الدور الذي سألعبه على ناصية الطريق ليستظل بي المارة ومن هم في حاجة للوقوف للانتظار للركوب أو أخذ النفس لمواصلة الرحلة على الأقدام، ولكنني كما ترى يبدو بأنني ليست محظوظة في حياتي فبدل من أن أقوم بدور توفير الظل للآخرين وأكتسب أجرهم كما سيكتسبه من غرسني وقام برعايتي وبل حتى ذلك المهندس الذي أبقى على حياتي المهددة بالاصطدام وأنا على جانب الطريق تعدى عليَّ أحد الأشخاص من بعض الناس الذين لا يعرفون للمرؤة مسلك وحياتهم تبدو هادئة عندما يستفزوا بقية خلق الله وكأنّهم حُراب مكة وقد فتح باب في سور هذا المنزل ويبدو أنّه ابن مالك الأرض والملك لله وحده وفتح تحت ظلي هذا المتجر لبيع السجائر التي لا تغنى ولا تسمن من جوع وكتم أنفاسي ونغص معيشتي فصرت لا بميتة ولا بحية ولا استفاد مني المارة كما كنت أود أن يكون ذلك من مهامي على هذه الأرض التي انشقت من نصفها وأطرافها وبعض أجزائها لتتحول إلى أرض بناء بدلاً من أرض زراعية.

وها أنا كما ترى مغلف جذعي بغطاء بلاستيكي يمنع عني التنفس ويحوّل رطوبة تنفسي من الجذع لمجموعة من الفطريات والحشرات التي صارت تنخر هذا الجذع السميك من أسفله ويبدو أنّه قد حكم عليَّ بالإعدام والموت البطيء فما أصعب معيشتي بهذا الشكل وما أمر عشرته معي حتى أنني اختنقت من دخان الساجائر التي تصدر منه ومن زبائنه وبدأتُ أسأم العيش في هذا المكان وصرتُ ألعن ذلك المهندس الذي قرر مسار الطريق بجانبي وتمنيتُ لو أنّه اقتلع جذوري ورحمني من هذه المعيشة التي مللتها فهل تستطيع مساعدتي بإبعاد هذا الجاني وقفل محله وتنصحه بالابتعاد عني لأنّني كلّ ليلة وأنا أسجد لله أجد صعوبة في السجود كما أنّني لم أتوانى في الدعاء عليه بالابتعاد عني لأنّني لا أريد له الضرر رغم أنّه أضر بي وبحياتي.

وصارت تلك الشجرة ترتعش من شدة حزنها ومن قساوة ذلك التاجر الفاجر الذي لا يرحم ولا يترك رحمة ربنا تنزل على خلقه فبالرغم من أنّه تعدى على حرمة الطريق رغم ضيقها وحرمة تلك الشجرة الشامخة التي تسبح لله الواحد القهار فقد استغل ظلها أسوأ استغلال حيث صار يجلس تحتها العصاه البغاه شاربي السجائر التي تؤثر على حياتهم وحياة مَن حولهم من الأطفال والنساء والشيوخ ومَن معهم في أعمالهم ومكاتبهم وحتى في المقاهي والمطاعم وسيارات الركوب العامة وفي المستشفيات فوقفتُ بجانبها مذهولاً وأنا لا استطيع مساعدتها بل وعدتها بأنني سأكتب قصتها على صفحات أوراقي البيضاء وأحاول نشرها في شبه قصة قصيرة في إحدى المطبوعات لعلّ أحد المسؤولين يقرأ هذه القصة ويتخذ الإجراء الصارم لمن عبث بها ولعلّ هذه القصة تساعد غيرها من الأشجار وممن هم على شاكلة مشكلتها في حل مشاكلهم وقلت لها تسلحي بالصبر واصمدي وادعي ربك ليلاً ونهاراً بأن يبعد هذا العابث عنك وأن يرسل لك أحد المسؤولين لقفل هذا المحل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع وأننا لا يسعنا إلّا أن ندعو الله سبحانه وتعالى بأن يغير هذا المجتمع إلى أحسن الأحوال ونسأله السلامة والعافية.   المصدر: كتاب تطورات التنوع العلمي وأثرها على الحياة

 

المصدر: https://www.balagh.com/article/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9-%D8...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك