الحوار بين الأديان ضرورة الوقت

معراج الندوي

 

«لن يكون هناك سلام بين الأمم ما لم يكن هناك سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان ما لم يكن هناك حوار بين الأديان».

 

إن الحوار بين الأديان لم يكن ذات يوم مهماً كما هو اليوم. لقد أصبح الحوار بين الأديان موضوعا بالغ التوهج في الوقت الراهن.

 

يساعد الحوار ويمهد الطريق للتنوير والذي هو جزء لا يتجزأ من التقدم والمساعدة على نهضة الفكر والعالم. والمقصود من الحوار بين الأديان هو عملية التواصل والتفاهم من أجل الوقوف على أرضية مشتركة.

 

يهتم الحوار بين الأديان بالتواصل ومعرفة الآخر بهدف التعايش بين الناس بكرامة وعدل وسلام، ويتلاشى إلى فرص التلاقي أو المساحات المشتركة التي يمكننا من خلالها تجاوز حدود التمييز بين بني الإنسان، ورسم معالم الطريق للحياة بمختلف مجالاتها على أسس من القواعد المشتركة في الأديان المختلفة.

 

إن العالم يعيش اليوم أزمة حقيقية تتجسد في ظهور العنف بكل أشكاله، وتصل في كثير من الأحيان إلى انتهاكات تزهق أرواح ملايين الأبرياء في نزاعات لا مبرر لها على الإطلاق. والدعوة إلى الحوار بين الأديان أصبحت ضرورة ملحة تفرضها الصراعات الحضارية القائمة وتقتضيها المشاكل والأزمات الدولية العديدة، لأن الحوار يتمحور في الأساس على قيم إنسانية مشتركة. وإن أهمية الحوار بين الأديان أضحت واقعا في كل المجتمعات نتيجة تماهي الحدود الجغرافية بفعل ثورة الاتصالات واتساع مساحة الاشتراك والتبادل.

 

الحوار بين الأديان من أجل العمل على نشر الأمن والسلم في العالم والبحث عن أساليب نبذ العنف وصيانة كرامة الإنسان. والإنسان هو مركز الاهتمام الرئيس في كل الأديان، وحقوقه من أولى الأولويات الواجب حمايتها ووجوب التصدي لكافة الانتهاكات التي تمس هذه الحقوق المكفولة لكل إنسان دون تمييز، مهما كان دينه أو جنسه أو لونه. ومما لا شك فيه أن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سواء سماوي أو عقيدة سياسية.

 

إن الأهداف التي توخاها قادة العالم محصلة المنال عندما نتجاسر وننهض فوق المصالح الضيقية القصيرة الأجل، ونتحمل المسؤولية باعتبارنا مواطني العالم، وعندما نتجاسر ولا نخاف من الاختلافات القائمة بيننا، ويحاول كل منا أن يتفهم شواغل وتطلعات الآخرين، وعندما يولي كل منا للآخر قيم الاحترام والحنان والتسامح والكرامة التي يستحقها فعلا كل إنسان في كل ناحية من أنحاء العالم، وعندما نتفادى حقا طغيان الإحساس باللامبالاة ونتجاسر على إبداء الاهتمام المخلص بجيراننا وإخواننا في الإنسانية، وعندما نتجاسر على الدخول في حوار على كل صعيد في كل المجالات، فيمهد الحوار الذي هو السبيل لبزوغ أمل مفعم بالحيوية، والأمل في العيش الكريم، في عالم ترسخ فيه الفضيلة والإنسانية والمحبة. فإذا سادت روح الحوار ستسود الإنسانية والثقافة والحضارة. فلا بد لنا جميعا أن نؤمن بتحقيق هذا الحوار لأن مصيرنا المشترك بكوننا أسرة واحدة ذات مصير مشترك في خضم التنوع الرائع للثقافات وأنماط الحياة. وأن هناك حاجة للجنس البشري إلى أن يتوحد لكي يخلق مجتمعا عالميا يقوم على احترام الطبيعة وحقوق الإنسان العالية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وثقافة السلام.

 

إن قضية الحوار بين الأديان أصبحت في عالم اليوم ملحة على جميع المستويات، فنحن نعيش في عصر تشابكت فيه المصالح وتعقدت فيه المشاكل على نحو لم يسبق له مثيل. ومن هنا يمكن القول بأن الحوار قد أصبح ضرورة من ضرورات العصر للتغلب على المشكلات الواقعية في عالمنا. فيجب على القيادات الدينية في هذه الظروف الهالكة أن تضطلع بمسؤولياتها في تلك التوعية بما نصت عليه الشرائع والتعاليم الدينية للأديان من محبة وتعاون ودعوة للسلام والتعايش الإنساني، لأن إحياء ثقافة الحوار بين الأديان ضرورة حتمية في الوقت الراهن.

 

ومن الواضح أن الحوار بين الأديان لن يستطيع وحده أن يقوم بحل المشاكل الأساسية، ولكن سيساعد على تمهيد الطريق للتوافق والتعايش والتحرير من العنف والكراهية والإرهاب، وقد يكون الخطوة الأولى للفكر والعمل لتعزيز التسامح والأمن والسلام والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية

 

المصدر: https://www.alwatan.com.sa/article/38605

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك