حوار الحضارات

بول فندلي

ترجمة: منال شريدة وجميلة حسن



يعد موضوع الحوار بين الحضارات في حد ذاته أحد الموضوعات الشائكة، يقدم قاموس وبستر عدة تعريفات لكلمة حضارة، والتعريف الأنسب الذي يتماشى مع هذه المناسبة هو: «الخصائص الثقافية لزمان ومكان محددين».

يرغب راعو المؤتمر في أن يتناول الحوار مواضيع تتعلق بالحاضر والمستقبل على حد سواء، ولا ينكر أحد بالطبع حقيقة اختلاف الخصائص الثقافية من مكان إلى آخر، حتى داخل البلد الواحد في بعض الأحيان.

في كتابي الجديد بعنوان (لا صمت بعد اليوم: في مواجهة الصورة الأميركية الخاطئة عن الإسلام)، الذي أرجو أن يصبح قريباً من أكثر الكتب مبيعاً حول العالم، تطرقت إلى صِدَام الحضارات الذي تنبأ به البروفسور صاموئيل هانتنجتون، وإذا كنت فهمت ما كتبه فهماً صحيحاً، فقد تنبأ بصدام شديد بين الإسلام والغرب، وأود من منطلق هذا التنبؤ المتشائم أن أعلق على بعض النقاط.

أنا لست خبيراً بتاريخ الحضارات أو بالإسلام، أو حتى بالمسيحية التي اخترتها دينا لي. كما لا أدّعي العلم والمعرفة في هذا المجال، لكن لدي خبرات واسعة وفريدة من نوعها جمعتها خلال سنواتي الثمانين، لا تخلو بعضها من أهمية.

بدأتُ رحلة اكتشاف الإسلام متأخرا. كان أول حوار لي مع شخص عرفت أنه مسلم حين بلغت الثانية والخمسين من عمري، وكنت وقتها قد عملت مدة اثني عشر عاماً عضواً في الكونغرس الأميركي. قد تندهشون للمعلومة الآتية أو يصعب عليكم تصديقها. فإن كان الأمر كذلك، فلتعلموا أنه لم يكن يوجد في أميركا قبيل الحرب العالمية الثانية سوى عدد قليل جدا من المسلمين. أما اليوم، فيبلغ تعداد المسلمين الأميركان حوالي السبعة ملايين نسمة، إلا أن معظمهم يعيش في عزلة عن غير المسلمين ويميلون إلى السكن في المدن الكبيرة في أحياء تتميز بالترابط الاجتماعي. وفي مدينتي التي يبلغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة يعيش حوالي عشرة بالمائة مسلمين، أي ما يعادل مسلما واحدا بين كل ثلاثة آلاف.

معظم الأميركيين لم يلتقوا قط بأشخاص يعلمون أنهم مسلمون، فهم لم يقرؤوا في حياتهم آية واحدة من القرآن أو يسمعوا بها، ويمكن أن يكون كل انطباع لديهم عن الإسلام خاطئاً، لكن مع مرور الوقت سينتشر المسلمون في المجتمعات غير الإسلامية، وسيؤدي هذا إلى تشجيع التفاهم بين الأديان، إلا أن هذه العملية تحتاج إلى وقت. ولدى معظم الأميركيين - وبينهم عدد كبير من رجال الدين المسيحيين- معلومات غير صحيحة عن الإسلام، فهم يعتقدون أن المسلمين يقفون مع الإرهاب، ويسيئون معاملة المرأة، ويعادون الديمقراطية، ويعبدون رباً غريباً منتقماً.

وخلال الخمس وعشرين عاما الماضية، وخصوصاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي أمضيتها في تحضير الكتاب، بحثت بجهد شخصي عن معلومات صحيحة عن الإسلام لأعوض واستدرك معرفة ما فاتني.

على أية حال، أود أن أطرح هنا فكرة بسيطة عن الحوار بين الحضارات قد يصفها البعض بالسذاجة، وقد يكونون على حق، لكن لدي قناعة من خلال خبراتي في الحياة بصحة ما يلي:

أولاً: الصراع بين الحضارة الإسلامية والغرب ليس قدرا مقدورا، ففي غياب أية كوارث غير متوقعة لن يحدث أي صراع، لأن التفاهم بين الحضارتين اليوم أفضل مما كان عليه بالأمس، وسيستمر هذا الفهم بشكل أفضل غداً، فالاختلافات الملموسة تتضاءل يوما بعد يوم في ظل نور العلم، وعلى الرغم من استمرار بعض الخصائص الأساسية لكل حضارة، فإن الاختلافات ستضمحل بلا شك في المستقبل.

يقف الوقت أيضا في صف التفاهم بين الأديان، فبالعمل الدؤوب والنوايا الحسنة على مستوى الأفراد في كل من الدول الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية سيتنامى التفاهم باستمرار، بل وبشكل كبير في المستقبل القريب.

يشكل المسلمون ثاني أكبر الجماعات الدينية وأكثرها تزايداً في أميركا، إذ يفوقون اليهودَ حاليا في العدد، ويُتوقع أن يتضاعف عددهم في أقل من عشرين عاماً. من ناحيتي، أرى أن من الخطأ نسبة الإسلام للشرق والمسيحية للغرب؛ فالمسيحية منتشرة أيضا في مناطق عدة من الشرق، أما من الناحية الديموغرافية، فالإسلام يحتل جزءاً أكبر في الغرب مقارنة بما تحتله إسرائيل واليهودية.

إن كان هناك بريق أمل خلفته كارثة الحادي عشر من سبتمبر، فهو يتمثل فيما تبع تلك الكارثة من أبحاث ومنشورات حضارية انتشرت في أميركا وتناولت موضوع الإسلام؛ معظمها تعليمي وبنّاء وبعضها هدام وشديد التعصب، إلا أن الإيجابي والمفيد يطغى عليها.

وفي غياب الكوارث، سيكون الوقت في صالح الاحترام المتبادل والانسجام. فمع تزايد عدد المسلمين وانتشارهم في أرجاء أميركا، سيكون بإمكان غير المسلمين فهم التعاليم والمعتقدات الأساسية التي تربط الإسلام بالمسيحية واليهودية، وبالتالي سيشعرون بالارتياح تجاه المسلمين ويرحبون بهم ضمن التيار الأميركي السائد.

الشعب الأميركي شعب منصف بطبعه، فهو يبحث دائما عن الحقيقة ويسعى لمساعدة المظلومين، وإن كان مقدَّرا للصدام أن يحدث بين الإسلام والغرب، فسيكون الجهل هو السبب الرئيسي وراء ذلك، وعلاجه بلا شك يكمن في إظهار الحقيقة.

كتب أحد الأساتذة الجامعيين بعض التأملات العميقة قائلاً، بعد سنوات عديدة من دراستي لمادة المنطق وعلم الأخلاق على يديه: «إن الهدف المعلن لكل ديانة من الديانات الكبرى هو السلام والوحدة والتناغم، ومن المفيد التفكّر فيما يكون قد حدث لو أن الأديان تعاونت فيما بينها لتحقيق أهدافها المعلنة»... أي لو وحَّد المسلمون والمسيحيون جهودهم لتحقيق أهدافهم، ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي فعله في هذا الصدد.

ثانياً: قد تكون المرحلة القادمة حرجة حاسمة للبت في مسألة تطور الصراع بين الحضارات، وتعد العاصمة واشنطن حاليا أكثر المناطق خطرا على الإطلاق في هذا المجال.

بإمكان آحاد المواطنين، بمن فيهم كل من اجتمع هنا، أن يؤثر على مسار الأحداث، إذ بإمكان كل واحد منكم أن يجد طرقا عدة لمساعدة الشعب الأميركي في الوصول إلى فهمٍ صحيحٍ للإسلام، إن كل واحد منكم بمقدوره المساهمة في تفادي صراع مدمّر بين الحضارات لا داعي له.

المصدر: https://meo.news/%D8%A3%D9%81%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك