وسائل التواصل الاجتماعي

د. محمد بن سليمان الواصل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد : تعددت نعم الله على عباده فأصبح الناس لا يستطيعون عدها، قال الله:[رمز]وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[رمز](النحل: الآية 18) ومن تلك النعم التي أسبغها الله جل وعلا على عباده، وسائلُ التواصل الاجتماعي، كالهواتف، والبرامج، والمواقع وغيرها مما يطلق عليه الإعلام الجديد، فهي نعمة عظيمة لمن استغلها الاستغلال المفيد والأمثل، واستعملها فيما يرضي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فبعد أن كان الناس يعانون من قلة وصعوبة التواصل فيما بينهم، وصعوبة الوصول إلى المواقع الهامة، وتحصيل المعلومات الضرورية لحياتهم، أصبحت الأمور أكثر تيسيراً وعوناً على ذلك بعد ظهور وسائل التواصل الحديثة، فالحمد لله على تتابع نعمه وآلائه على عباده، لقد أصبح العالم بما فيه من قارات، ودول، ومدن، كالقرية الصغيرة بسبب وجود شبكات الانترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين الناس، وقد حظيت بانتشار كبير على الصعيد المحلي والعالمي، وأصبح أغلب البشر من مختلف الجنسيات واللغات كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً يستخدمونها، ويتواصلون عن طريقها بيسرٍ وسهولةٍ، وبدون حواجز جغرافية، أو حدود دولية، مع تنوع برامجها ووسائلها، وسهولة استخدامها، وقلة تكلفتها، والمتأمل في الجانب الإيجابي فيها يجد أنها تسمح للمستخدمين لها بالتواصل مع الأصدقاء عبر المدونات والكتابات والمحادثات الصوتية والفيديو، وتبادل الصور والمقاطع الصوتية والمرئية، ونقل الأخبار والأحداث المهمّة التي تحدث في جميع أرجاء العالم، ويمكن استخدامها للتواصل مع جميع فئات المجتمع، كالأقارب والأصدقاء والطلاب والمدرسين، وغيرهم، وقد أصبحت من ضروريات الحياة اليومية، فأغلب الشباب والفتيات في وقتنا الحالي يميلون لاستخدامها أكثر من نشاطهم العملي على أرض الواقع، وتعتبر من أقصر الطرق للتعامل مع الدوائر الحكومية من حيث سهولةُ وصول المستخدمين لخدماتها، وقضاء حوائجهم، ومعاملاتهم بيسر وسهولة ودون أدنى مشقة، مما ترتب عليه توفير الكثير من الوقت والجهد والمال، بل يمكن عن طريقها مشاركة جميع مستخدميها بدون النظر إلى ديانتهم أو لغاتهم أو جنسياتهم أو بلدانهم، مما يتيح إمكانية الدعوة إلى دين الله تعالى ونشره بين العالمين عبر المنهج الشرعي الأصيل، وهي تعتبر من أهم وسائل الدعاية والإعلان والتواصل بين الشركات التي تروج منتجاتها وبين المشترين الذين يبحثون عن مبتغاهم من خلال هذه المواقع بدون أدنى مشقة عوضاً عن النزول للأسواق ومعاناة البحث المضني، وتعتبر مركزاً هاماً لعرض الوظائف المختلفة الحكومية والأهلية، للتيسير على الباحثين عن العمل، أو وظائفَ معينة، بل أنّها تعمل على توفير روابط المواقع الهامة للجامعات والمعاهد والكليات للشباب الباحث عن فرص دراسية، أو طلب الدراسة بها.  

وهي تساهم في نشر العديد من الأحداث الهامة، كالمؤتمرات، والندوات، والمحاضرات، والأنشطة الإنسانية والخدمية، ولها إسهام كبير في نشر الوعي الصحي بين الناس، عن طريق النشرات، والرسائل، والكتب، والكتابات المختلفة التي تبين للناس خطورة بعض الأمراض وكيفية التعامل معها والوقاية منها، وحيث تأملنا هذا الجانب المشرق لها فلنتأمل الجانب المظلم والمحزن لها، وفي مقدمة ذلك التعلق بها وإدمانُ التعامل معها والجلوس أمامها ساعات طويلة تؤثر سلباً على حياة من يتعامل معها من الناحية العلمية والعملية بل وتسبب الكثير من الأمراض النفسية والبدنية، ناهيك عن العزلة عن المجتمع فأغلب من يتعامل مع هذه البرامج والمواقع ينعزلون وينقطعون عن التواصل مع من حولهم فيجلسون في غرفهم أو أماكن بعيدة عن الناس، مما يؤثر تأثيراً بليغاً على حالة الشخص وعدم توازنه الشعوري والمجتمعي، وهي من أبرز ما يؤدي إلى ضياع الكثير من الوقت، وهدره دون أدنى حسيب، ودون فائدة تُرجى، بل إن ذلك يتسبب في تضييعه لكثير من الواجبات والنوافل، بسبب انشغاله بها، وانكبابه عليها، وهذا من أكبر الخسارة للعبد، وكم نشرت الأفكار الهدامة والمنحرفة والمتطرفة بين فئات الشباب المختلفة، عن طريق النشرات، والمقاطع الصوتية والمرئية الحماسية التي تدعوا إلى تقليدهم، والسير خلفهم، والاستجابة لأفكارهم الضالة، وما وقع في زماننا هذا من نشر للفكر الضال ووقوع اعتداءات على الُحرمات والأنفس إلا بسبب التأثر بتلك الأفكار الخطيرة، التي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح، بل من ورائها شر عظيم يراد بهذا البلد ودينه وأهله وقيادته، ولقد جرت بعض الشباب في شراك الفساد الاعتقادي ومن أبرز ذلك الإلحاد والانحلال الأخلاقي عن طريق مواقع مخصوصة وضعها أعداء الدين لنشر شبهاتهم وضلالاتهم، ونشر العقائد الهدامة والمخالفة لشريعة الإسلام، ونشر المواقع الإباحية التي تنشر الصور والمقاطع وتروج للزنا واللواط ونشر الفاحشة بين المسلمين، وتأمل مكث الأطفال لساعات طويلة بشكل منفرد مع تلك التقنيات مما أثر سلبا على قيمهم الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية حيث ظهرت على الكثير منهم بوادر العنف والتقليد ومحاكاة أخلاق الآخرين، فحين تهدر الأوقاف فإن النتاج انصراف أحد الزوجين أو كليهما إلى استعمال تلك الوسائل، مما يسبب التقصير في حقوق الآخر ويضيع على الأسرة في كثير من الأحيان أوقاتا يحتاجها الأولاد في تربيتهم، وتقوية العلاقات الأسرية بينهم، ومن خطرها نشر الشائعات والأخبار الكاذبة والنشرات المسيئة للأفراد والمجتمعات والدول، مما يترتب عليه مفاسدُ عظيمة، كالعداوة والبغضاء والتفرق والاختلاف والاقتتال، وحصول علاقات مشبوهة وعلاقات محرّمة ومكالمات غير نزيهة بين الجنسين، مما يترتب عليه حدوث حالات ابتزاز ووقوعٍ في المحرم، أسأل الله تعالى أن يجنبنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظ بلادنا من شر كل حاسد وحاقد.

المصدر: https://units.imamu.edu.sa/shis/malaz-inst/EduArticles/Pages/20-2-1440-m.aspx

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك