القدس في الحوار الإسلامي ـ المسيحي العربي

د. سامر أبورمان

أثار قرار الرئيس الأميركي المتهور ترامب في بداية ديسمبر 2017 بإعلان القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، ردود أفعال عالمية وإدانة ساحقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا القرار بأغلبية 128 دولة، وما يتوقع أن تستمر ردود الأفعال لاسيما مع تحديده شهر مايو 2018 موعدا لتفعيل القرار ونقل السفارة.

تعاملت بالدراسة مدينة القدس في كتابين أولهما الأبعاد السياسية للحوار بين الأديان وثانيهما الصراع العربي - الإسرائيلي في استطلاعات الرأي الأميركية، وفي هاتين التجربتين أدركت أن هذه المدينة المقدسة ليست كسائر المدن وتحديد مصيرها بسيطرة أحادية يهودية وكيان إسرائيلي مغتصب ليست بهذا الأمر الهين عند أتباع كبرى الديانات الإسلام والمسيحية الذي شهد التاريخ- وما زال- على وقوفهما واتحادهما بوجه محاولات اغتصابها فلها مكانة دينية كبيرة، فقد زارها المسيح عليه السلام، واسري بمحمد صلى الله عليه وسلم إليها وعرج منها إلى السماء، وتزخر المدينة ببعض من أقدم وأقدس دور العبادة لأتباع الديانتين، ففيها كنيسة القيامة والمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.

ورغم أن قرار تقسيم مدينة القدس رقم 181 عام 1947 قد منحها وضعا دوليا، إلا أن تعقيدات الصراع العربي - الإسرائيلي أدت إلى تحويل الموضوع إلى مشكلة مستعصية، تتضارب الآراء والادعاءات من الأطراف المعنية حولها، وبعد انطلاق مسيرات التسوية أجل بحث موضوع وضع المدينة إلى مفاوضات المرحلة النهائية بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومنذ عام 1949 أي بعد عام واحد على الاحتلال الإسرائيلي للشطر الغربي من القدس، ومرورا بعام 1967 واحتلال القدس القديمة (الشرقية أو العربية) مارست السلطات الإسرائيلية ما يعرف بسياسة التهويد، وهي مجموعة من الإجراءات المتكاملة والمخططة بهدف محو الطابع العربي للمدينة وتحويلها إلى عاصمة موحدة وأبدية للكيان الإسرائيلي، على الرغم من صدور العديد من القرارات الدولية على مدار نصف قرن تؤكد على الوضع الخاص للمدينة.

ومن هنا كان لموضوع القدس مكانة متميزة داخل أروقة الحوار الإسلامي- المسيحي، ولقد خصصت بعض المؤتمرات واللقاءات الإسلامية - المسيحية لبحث قضية القدس مثل «الندوة العالمية حول القدس الشريف وتراثها الثقافي في إطار الحوار الإسلامي - المسيحي»، والندوة الدولية لشؤون القدس، ومؤتمر «مسلمون ومسيحيون من أجل القدس»، و«اللقاء الإسلامي- المسيحي من أجل القدس»، و«مؤتمر الإخاء الإسلامي المسيحي».

وأسست هيئات إسلامية مسيحية مشتركة بغية الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية في فلسطين مثل الهيئة الإسلامية- المسيحية للدفاع عن المقدسات، والهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات بعام 2008.

انطلاقا مما سبق برزت لقضية القدس أهمية ضمن الإطار العربي في الحوار الإسلامي- المسيحي حيث اعتبرت الهيئة الإسلامية- المسيحية قضية القدس والسيادة العربية عليها من أبرز القضايا التي جعلت من الحوار الإسلامي-المسيحي أحد المرتكزات الوطنية والاجتماعية في مواجهة مختلف الأحداث والقضايا التي تمر بها الأمة العربية، وأنها- قضية القدس- بما تمثله من تحد للمسلمين والمسيحيين تضع مناخا صالحا لاستمرار تعاونهما معا لمواجهة التحدي الإسرائيلي، والتعاون المشترك لتحقيق هذا الهدف، واعتبر بعضهم أن للإسلام والمسيحية العربية «في القدس قاعدة مشتركة لتعميق التلاقي وتأصيله في مواجهة مخطط التهويد الذي يستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية معا، وتذويب الحقوق العربية القومية الواحدة»، كما اعتبرها آخرون على رأس القضايا المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، وكما تبرز أهمية القدس على صعيد السلام في فلسطين والدول العربية مع إسرائيل، حيث اعتبرت قضية القدس محور السلام في المنطقة، ومقياس السلام الحقيقي بين إسرائيل وجيرانها العرب، وجوهر القضية الفلسطينية ومحور الصراع العربي - الإسرائيلي.

وانطلاقا من هذه المعطيات، وما أتيح لي من فرصة بحثية سابقة بتتبع لقاءات الحوار الإسلامي- المسيحي ضمن النطاق العربي والاطلاع على أدبياتهم، تبين لي أن القدس هم مشترك بين المسلمين والمسيحين، وقد اختلفت حواراتهم الدينية عن تلك التي تشترك فيه المسيحية الغربية، حيث يكاد الطرفان الاتفاق على المسائل المتعلقة بالقدس، والتي كانت أبرزها: التأكيد على عروبة القدس والسيادة عليها ومكانتها لدى المسلمين والمسيحيين والدعوة إلى مواصلة العمل للدفاع عنها، والتأكيد على الطابع العربي الإسلامي للقدس الشريف، وعلى ما تمتعت به المدينة المقدسة من أمن وسلام في ظل الحكم العربي الإسلامي عبر العصور، وكما أكدت على أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وأدانت اللجنة الإسلامية-المسيحية في اجتماعها في 17/4/1990 موقف الكونغرس الأميركي بشأن القدس واعتبارها عاصمة إسرائيل، بالإضافة الى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات واستمرار بناء المستوطنات، وعملية تهويد القدس، وكما تضمنت الحوارات الدينية المطالبة بعدم إرجاء النظر في موضوع القدس، كما طالب مؤتمر «مسلمون ومسيحيون معا من أجل القدس»، ودعا المشاركون العرب في هذه الحوارات الدول التي تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل إلى عدم اتخاذ القدس مقرا لبعثاتها وهيئاتها الديبلوماسية، وأدانت الهيئة الإسلامية- المسيحية في الأردن في بيانها حول القدس تجاوب بعض الدول مع المخطط الصهيوني نقل سفاراتها إلى القدس، ودعا مؤتمر الحوار الإسلامي- المسيحي في الإسكندرية الولايات المتحدة خاصة إلى عدم نقل سفارتها إلى القدس.

والخلاصة أن المتتبع لهذه الحوارات الدينية الإسلامية- المسيحية على المستوى العربي بما طرحته من أفكار وأصدرته من بيانات شكلت أداة مهمة من أدوات العمل الإسلامي- المسيحي المشترك في مقاومة الظلم والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والسيطرة الكاملة على مدينة القدس، ومع قرار ترامب وما يمكن أن ينبثق عنه من تغيرات وضغوطات، فإن مؤسسات الحوار تحتاج إلى أن تصبح أكثر فاعلية بتجاوز النخب ومؤتمرات الحوار في الفنادق الى مبادرات شعبية منظمة تحمي من غطرسة هذا الكيان الغاصب وعلى رأسها مستقبل مدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية سواء.

المصدر: https://www.alanba.com.kw/kottab/samer-abo-roman/815721/02-03-2018-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك