اثر الحوار في التعايش مع الآخر

عبد السلام حمود غالب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

الحمد لله رب العلمين القائل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) سورة النحل الاية 125)والقائل (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)) سورة العنكبوت، : 46.

والقائل سبحانه (ا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) سورة الحجرات الاية رقم 13 .

والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين القائل( يسرو ولاتعسرو وبشرو ولا تنفرو ) صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم اما بعد .



هذا بحث متواضع حول الحوار واثره في التعايش مع الاخر .

حيث جاء هذا الموضوع وما احوجنا الى التعايش في هذا العالم المليء بالمتغيرات الدولية وكذلك الحضارات والثقافات والديانات .

وايضا ما احوج المسلمين الى التعايش فيما بينهم ،لا ن المتأمل يرى المسلمين جماعة واحزاب ،وطوائف متفرقه متناحره فيما فبينها، فما احوج المسلمين الى التقارب فيما بينهم والتعايش ناهيك عن التعايش مع غير المسلمين بما يمليه النظام العالمي الجديد

والذي يسعى الى تحقيق مصالحه ،بغض النظر عن الأخر وحقوقه في الحياه والعيش الكريم .

من اسباب اختيار الموضوع :

1-الواقع الذي يعيشه المسلمين فرق وجماعات وطوائف متفرقه فهذا محاوله لبث روح التعايش فيما بين المسلمين والتقارب فيما بين الجماعات الاسلامية.

2-الواقع الذي يفرض نفسه للتعايش مع الأخر وخاصة المسلمين الساكنين مع غير المسلمين مع اختلاف حضاراتهم واديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

3-وجود المشاحنات والتوترات المختلفه بين المسلمين وغيرهم في العلاقات فيما بينهم بسبب الاقصاء وعدم اعطاء الفرصه للتعايش المتبادل للمنفعه والمصلحه والعيش وفق الاخوه الانسانية .

4-بروز ثقافة الاقصاء وعدم تقبل الاخر وخاصة بعد وجود النظام العلمي الجديد والتفرد في الحكم والقرار خاصة بعدتفكك الانحاد السوفيتي وظهور القطب الواحد.

5-توضيح ما يبثه الاعداء نحو الاسلام وعدم قبوله للاخر واستخدام السيف والقوة في نشر الاسلام وغيرها من الشبهات .





المبحث الاول التعريف 



تعريف الحوار لغة وتصطلاحا :

الحوار عند علماء اللغه :

تعريف الحوار الحوار في اللغة : تراجع الكلام .

وفي لسان العرب: (وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام . والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة ) .

أما الجدل: فقال ابن فارس : ( الجيم والدال واللام أصل واحد وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام ) .

ويقول صاحب معجم اللغة العربية : 

حِوار [مفرد]: ج حوارات (لغير المصدر):

1 - مصدر حاورَ.

2 - حديث يجري بين شخصين أو أكثر "جرى حوار مفتوح بين الرئيس ومندوبي الصحف" ° حِوار أدبيّ- حِوار الطُّرْش: تباحث بين مخاطبين لا يفهم بعضُهم بعضا- حِوار هادئ: خالٍ من الانفعال.

3 - نصّ إذاعيّ أو سينمائيّ أو تليفزيونيّ في قالب حديث بين أشخاص "حِوار إذاعيّ/ تليفزيونيّ/ سينمائيّ".

الحوار في الاصطلاح: 

هو المعنى اللغوي السابق نفسه ، فهو إذاً: مراجعة للكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة .

أما الجدل: فهو: ( إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أو ما يقوم مقامهما من الإشارة والدلالة ) 

ويفرق العلماء بين الحوار والجدل حيث إن الجدل مظنة التعصب والإصرار على نصرة الرأي بالحق وبالباطل والتعسف في إيراد الشبه والظنون حول الحق إذا برز من الاتجاه الآخر . وتوجد ألفاظ قريبة من الحوار والجدال منها: المحاجة والمناظرة والمناقشة والمباحثة .

ويمكن وضع تعريف للحوار مما سبق في الاتي: 

أن الحوار هو تبادل المعلومات والأفكار والآراء سواء أكانت تبادلاً رسمياً أم غير رسمي ، مكتوباً أم شفوياً . وينعقد الحوار بمجرد التعرف على وجهات نظر الآخرين وتأملها وتقويمها والتعليق عليها . ومن هذا الفهم يمكن أن يطلق الحوار على تلاقح الثقافات وتبادل المعلومات مع الاخر وما يحصل من جراء ذلك من تلاقي المتحاورين وتصويب بعضهم لبعض وتأثير بعضهم في بعض .

وتعريف اخر للحوار يعر فه احد الباحثين : 

هو القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، وهو ما يميز الإنسان عن غيره، مما يسّهل تبادل الخبرات والمفاهيم بين الأجيال، ويتم التواصل من خلال عمليتين هما:

الإرسال"التحدث" والاستقبال" الاستماع"

ولزيادة في التوضيح نذكر مجالات الحوار 

مجالات الحوار:

تتنوع مجالات الحوار الإسلامي بتنوع أطرافها، ووسائلها، وموضوعاتها. 

فعلى أساس أطراف الحوار يمكن تقسيمه إلى:

الطرف الأول:- حوار داخلي مع النفس بمحاسبتها وحملها على الحق، ويكون بين النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوّامة حتى يصل الإنسان إلى الاطمئنان، قال تعالى:" وما أبرىء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم" سورة يوسف .

لأن مطالب النفس دائماً بحاجة إلى مراجعة و" الكيّس من دان نفسه" وقول عمر حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبو .

الطرف الثاني:- حوار بين أفراد المجتمع الإسلامي مثل: علماء الدين، والمثقفين، والمفكرين وغيرهم والغرض منه تبيين وتوضيح الحق واظهاره جليا لا لبس فيه . فيكون مع الفئات الاسلامية وغيرها من العلمانيين واللبراليين واليساريين واصحاب الاحزاب المختلفه فى توجهاتها وافكارها .

الطرف الثالث:- حوار المسلم مع أهل الأديان الأخرى، ومع المدنيات، والحضارات الأخرى.

وهو حوار يجري وفق مبدأ "المدافعة" الذي يمنع الفساد وينّمي الخير لإعمار الأرض 

حيث يقول تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين"



اما على اساس المواضيع يمكن ادراج المواضيع التاليه :

فهي مواضيع مختلفه متباينه منها :

1-مواضيع فكريه .

2-مواضيع فقهية .

3- مواضيع عقائديه ويدخل فيها الحوار مع اهل الاديان الاخرى .

4-مواضيع اجتماعية خاصة تهم الناس .

5-مواضيع ثقافية ويدخل فيها التعرف على الثقافات الاخرى والحضارات .

6-مواضيع اقتصاديه تهم معاش الناس ويدخل فيه التبادل مع غير المسلمين التبادل التجاري والشركات والمصانع بما يخدم المصالح المشتركه وفق الضوابط الشرعيه

وغيرها من المواضيع التي تطراء وتوضع للنقاش والحوار بين الشعوب والدول وكذلك الاحزاب والجماعات ومنظمات المجتمع المدني ، وغيرها وكذلك مع مختلف الديانات 



وذكر احد الباحثين تعريف اخر للحوار فيقول : 

هو نوع من الحديث بين شخصين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر و يغُلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب 

وتظهر علاقة التعريف الإصلاحي باللغوي ، أن أصل الكلمة في اللغة الرجوع والدوران ، وهكذا

الحوار في الاصطلاح ، هي عملية دوران ورجوع في الكلام من طرف إلى آخر .

الجدل لغة:

قال العلامة ابن فارس رحمه الله : جدل: الجيم والدال واللام أصل واحد، وهو باب استحكام

.( الشيء في استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام .

وقال العلامة الراغب الأصفهاني رحمه الله: الجدل: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة،

وأصله من جدلت الحبل، أي أحكمت فتله. ومنه: الجديل، وجدلت البناء: أحكمته. ومنه: الجدال: فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه

: الجدل اصطلاحًا:

.( هو عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد بحجة أو شبهة، وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره وعرفه الجرجاني بأنه عبارة عن مراء يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها وهكذا يفهم من هذا التعريف: أن الجدل حوار بين طرفين يسوده المنازعة والمعارضة والتعصب للرأي.

وهكذا تظهر علاقة التعريف الاصطلاحي باللغوي ، حيث أن أصل الكلمة في اللغة يدور على

الفتل والجبذ والشد ، وفي الجدال كل طرف يحاول أن يفتل الآخر عن رأيه ويجبذه إلى رأيه .

بين الحوار والجدل:

ويفهم من تعريف الحوار والمجادلة أنهما يشتركان في مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين إلا أن المجادلة تأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة والعناد والتمسك بالرأي والتعصب له. وخلاصة القول: أن كل جدل حوار وليس كل حوار جد لا، لكن ربما تحول الحوار إلى جدل، 

بين الحوار والمناظرة:

المناظرة قريبة من معنى الحوار إلا أن المناظرة أدلُّ في النظر والتفكر، كما أن الحوار أدلُّ في

مراجعة الكلام ويرى الدكتور القرضاوي: أن كلمة المناظرة، توحي بالتحدي، وإرادة الغلبة،

ومحاولة كل طرف أن يصيب الآخر في مقتل وبنا ء على كلام القرضاوي فالمناظرة تكون أقرب للجدل من الحوار.

الحوار والمناقشة: 

النقش في اللغة معناه: النقش والنزع. وقد جاء في الحديث: (إذا شيك فلا انتقش) أي فلا نزعت منه الشوكة. 

ويأتي النقاش أيضاً بمعنى: المحاسبة والاستقصاء ومنه الحديث: (من نوقش الحساب هلك) 

فالمناقشة هي نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب، وتعرية الأخطاء، وإحصائها، ويكون هذا الاستقصاء في العادة لمصلحة أحد الطرفين فقط، الذي يستقصي محصياً ومستوعباً كل ما له على الطرف الآخر.

المبحث الثاني اداب وضوابط الحوار : 

من أهم آداب الحوار:

1- حسن القصد من الحوار: وذلك بالإخلاص لله والرغبة في طلب الحق، قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [البينة: 5].

2- العلم: فلا حوار بلا علم، والمحاور الجاهل يفسد أكثر مما يصلح، وقد ذم الله سبحانه وتعالى المجادل بغير علم "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ" [الحج: 8]، وذم أهل الكتاب لمحاجتهم بغير علم كما في قوله تعالى: "هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران: 65-66].

العلم عام في كافة مواضع الحوار، فيشمل العلم بالإسلام وعقيدته وحضارته والعلم بالمحاورين وخلفياتهم وكافة ما يحتاج إليه في الحوار. فالمحاور المسلم داع إلى الله يجب أن تكون دعوته بعلم وبصيرة كما قال سبحانه "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" [يوسف: 108].

فالعلم بالإسلام وحضارته وشبهات المخالفين في غاية الأهمية في حوار غير المسلمين لإقناعهم ورد شبهاتهم فضلاً عن عدم الانخداع والتأثر بها.

3- التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام، حيث أن أهم ما يتوجه إليه المحاور التزام الحسنى في القول والمجادلة، ففي محكم التنزيل: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [سورة الإسراء: 53] "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ" [سورة النحل: 125] (9). وعلينا أن ننأى بأنفسنا عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز.

4- التواضع واللين والرفق من المحاور وحسن الاستماع وعدم المقاطعة والعناية بما يقوله المحاور، فهو أدعى للوصول إلى الحقيقة واستمرار الحوار، وهذا ما علمناه القرآن، فقد أمر الله نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام عند مخاطبة فرعون الذي طغى وتجبر وادعى الألوهية والربوبية، فقال سبحانه : "فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" [طه: 44].

5- الحلم والصبر، فالمحاور يجب أن يكون حليماً صبوراً، فلا يغضب لأتفه سبب، فإن ذلك يؤدي إلى النفرة منه والابتعاد عنه، والغضب لا يوصل إلى إقناع الخصم وهدايته، وإنما يكون ذلك بالحلم والصبر، والحلم من صفات المؤمنين قال تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [أل عمران: 134]. وعندما قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني، قال: (لا تغضب) (10) وكررها مراراً.

ومن أعلى مراتب الصبر والحلم مقابلة الإساءة بالإحسان، فإن ذلك له أثره العظيم على المحاور، وكثير من الذين اهتدوا لم يهتدوا لعلم المحاور واستخدامه أساليب الجدل، وإنما لأدبه وحسن خلقه واحتماله للأذى ومقابلته بالإحسان، وقد نبه الله عز وجل الداعين إليه إلى ذلك الخلق الرفيع وأثره وفضل أصحابه، فقال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" [فصلت: 33-35].

6- العدل والإنصاف؛ يجب على المحاور أن يكون منصفاً فلا يرد حقاً، بل عليه أن يبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجديدة التي يوردها محاوره وهذا الإنصاف له أثره العظيم لقبول الحق، كما تضفي على المحاور روح الموضوعية.

والتعصب وعدم قبول الحق من الصفات الذميمة في كتاب الله فإن الله أمرنا بالإنصاف حتى مع الأعداء فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة: 8]، ومن تدبر القرآن الكريم وذكره لأهل الكتاب وصفاتهم الذميمة يجد أن المولى عز وجل لم يبخسهم حقهم، بل أنصفهم غاية الإنصاف، ومن ذلك قوله تعالى: "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً" [آل عمران: 75]، وقوله تعالى: "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ" [آل عمران:113]. 

ويأمر الله بمحاورة أهل الكتاب بلغة الإنصاف والعدل: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً" [آل عمران: 64].



ومن الاداب كم ذكرها احد الباحثين : 

من آداب الحوار متى ما كان المحاور المسلم مؤهلاً للانخراط في الحوار حتى يجني ثماره وينفع نفسه ودينه منه فإن عليه أن يأخذ بآداب الحوار ويلتزم بمعاييره التي تتحقق بها أعلى فائدة منه ، ومن أهم هذه الآداب :

1- الالتزام بموضوع الحوار وعدم الخروج عليه . وهذه مسألة منهجية وتنظيمية في غاية الأهمية ، وعدم الالتزام بها يؤدي إلى خلط المسائل ببعضها الآخر ، الأمر الذي يؤدي إلى عدم إنضاج أي منها بالبحث والمساءلة والمقارنة والتقويم والاستنتاج . ويمكن معالجة هذه الناحية بضبط أولويات الحوار جيداً ، وإقامة هيئة تحكيم لتضبط المتحاورين كلما جنحوا للخروج من إطار الموضوع .

2- ضرورة تحديد المصطلحات المستخدمة في الحوار وشرح مدلولاتها جيداً ، لأن المصطلح الواحد قد يعني شيئاً مختلفاً عند كلا الطرفين . وهنا لا بد أن يعلن المتحدث عما يعني تحديداً بالمصطلح الرئيس الذي يدور حوله حديثه خلال الحوار .

3- مناقشة المسائل حسب أهميتها . فليس من آداب الحوار تضخيم المسائل الفرعية على حساب المسائل الأصلية ، فإن كثيراً من المسائل الفرعية تنحل آلياً بمجرد مناقشة أصولها الكبرى ومصدر الاختلاف حولها .

4- تلطيف أجواء الحوار حيناً بعد حين ، وذلك بإسداء بعض عبارات الاحترام والتقدير للطرف الآخر ، فإن ذلك أدعى إلى كبح جماح الانفعال لدى الطرف الآخر وتهدئة جموحه نحو التعدي وعدم الموضوعية .

5- عدم التسرع في الإقناع ؛ لأن ذلك مما يجرح مشاعر الطرف الآخر . فالأفضل أن يظهر المحاور وجهة نظره بصورة واضحة ، ويعطي الفرصة كاملة للطرف الآخر - حتى ولو كان خصماً - ليظهر وجهة نظره ، ثم تعطى فرصة زمنية للاثنين حتى يتأمل كل إنسان وجهة نظر صاحبه ، فتتضح الرؤية مع هدوء الخواطر وفتور الانفعال الوقتي الذي يصاحب لحظات الحوار .

6- حسن الاستماع للطرف الآخر . فالحوار مسألة تبادل للآراء وليس مجرد إرسال من طرف واحد واستقبال من الطرف الثاني . ومن آداب الحوار أن يحسن كل طرف الاستماع إلى آراء الطرف الآخر ، فلا يغفل عن الاستماع استهواناً أو تسفيهاً لآراء الآخرين ولا يتمادى في الحديث حتى يجور على الوقت المخصص للآخرين . ومن حسن آداب الأنبياء أنهم كانوا يصغون جيداً لمحاوريهم بل كانوا يتفضلون فيمنحونهم الفرصة الأولى للإدلاء بآرائهم وحججهم فعندما قال السحرة لسيدنا موسى عليه السلام : { وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى }{ قَالَ بَلْ أَلْقُوا } فأعطاهم الفرصة الأولى للإدلاء بالبينات 

ومن المحذورات في الحوار التي ينبغي التنبه لها :

محذورات لفظية منها : 

1 - اختيار الألفاظ والمعاني التي تقود إلى الجدل ، أو تستثير الفتن والمشكلات .

2 - إظهار التفاصح والتشدق في الكلام تيهًا على الآخرين واستعلاء .

3 - الغيبة : فإن المناظر لا ينفك عن حكاية كلام خصمه ومذمته ، فيحكي عنه ما يدل على قصور كلامه وعجزه ونقصان فضله ، وهو الغيبة .

4 - الكذب : ربما لا يقدر المناظر على محاورة خصمه ، فيلجأ إلى الكذب عليه ، فينسبه إلى الجهل والحماقة وقلة الفهم ، تغطية لعجزه فيقع في الكذب .

5 - تزكية النفس والثناء عليها بالقوة والغلبة والتقدم على الأقران ، كقوله : لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور ونحو ذلك مما يتمدح به على سبيل الادعاء .



المبحث الثالث فوائد واهداف الحوار :

هدف الحوار إن المقصود من الحوار ليس المجابهة والإفحام إذ إن ذلك هو من باب المناظرة ومحاولة الظهور على الخصم وتعجيزه عن الرد . وإنما المقصود أن يحصل كل ما يأتي أو بعضه :

1- معرفة أطروحات الطرف الآخر ووجهات نظره وحججه في القضايا التي هي موضوع الحوار .

.2- تعريف الطرف الآخر بما يغيب عنه أو يلتبس عليه من المعلومات ووجهات النظر والبراهين في القضايا التي هي موضوع الحوار .

3- العمل على إقناع الطرف الآخر ليتخلص من وجهات نظره ومواقفه كلياً أو جزئياً في القضايا التي هي موضوع الحوار ليتقبلها ويعمل على تبنيها بعد اقتناعه بها سواء بعد الحوار مباشرة أو تدريجياً على المدى الطويل .

4- العمل على استكشاف ما لدى الطرف الآخر من حقائق وإيجابيات والاعتراف بها وقبولها والاستفادة منها طالما ( أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها ) .

5- العمل على استكشاف ما عند المحاور من معلومات غير صحيحة أو دقيقة ومما في وجهات نظره أو مواقفه من ثغرات وأخطاء والعمل على تداركها وإصلاحها .

6- تشييد جسر للتواصل السلمي البناء وسد الطريق أمام المواجهات والمصادمات مما يبدد الجهود وخاصه مع اهل الاديان وغير المسلمين فالمحاورة والمجادله بالحسنى مطلب للمسلمين يقومون به تبليغ للدين ونشره بين الناس .

7- أن الحوار يساعد على التوقد الذهني وهي صفة ملازمة لأجواء التحدي الفكري والحوار المتبادل وتنمية القدرات والمهارات لدى المتحاورين فيساعد على تنمية الذكاء وسرعة البداهة وتوسع الفكر .

8- قد يؤدي الحوار إلى إيضاح الحقيقة بالإضافة إليها ، فيعطي كل فرد ما يعرف من أجزاء الحقيقة حتى يمكن تركيبها كاملة وحتى صاحب الحق فإن أجزاء من الحق تبرز له بصورة أوضح أثناء توقده الذهني في لحظات الحوار .

9- إحباط حجج المتطرفين والمتعدين فكثير من حوارات كبار علماء الإسلام مع الفرق الضالة كشفت زيف أفكارهم وذلك ما سجلته كتب تراثية خالدة كالملل والنحل للشهرستاني والفصل بين الملل والأهواء والنحل لابن رشد والرد على الجهمية لابن تيمية والصواعق المرسلة لابن القيم والمسألة القاديانية للمودودي وغيرها وكما ورد في حوار ابن عباس مع الخوارج في عهد امير المؤمنين على ابن ابي طالب .



10- ونرى من فوائد الحوار تناقل الثقافات وتبادلها 

والتعارف على مختلف الحضارات وكذلك الشعوب وثقافاتها المختلفه تطبيقا لمفهوم الايه (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) سورة الحجرات .

ويمكن تعرف الثقافه وما يدور حل مفاهيمها فنقول :

تعريف الثقافة الثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع . ذلك أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع ، تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه ويرغبون عنه كنوع الطعام الذي يأكلون ، ونوع الملابس التي يرتدون ، والطريقة التي يتكلمون بها ، والألعاب الرياضية التي يمارسونها والأبطال التاريخيين الذين خلدوا في ضمائرهم ، والرموز التي يتخذونها للإفصاح عن مكنونات أنفسهم ونحو ذلك .

من هذا التعريف يتبين أن الثقافة :( )

1- ذات نمو تراكمي على المدى الطويل : بمعنى أن الثقافة ليست علوماً أو معارف جاهزة يمكن للمجتمع أن يحصل عليها ويستوعبها ويتمثلها في زمن قصير ، وإنما تتراكم عبر مراحل طويلة من الزمن .

2- تنتقل من جيل إلى جيل عبر التنشئة الاجتماعية : فثقافة المجتمع تنتقل إلى أفراده الجدد عبر التنشئة الاجتماعية ، حيث يكتسب الأطفال خلال مراحل نموهم الذوق العام للمجتمع .

3- ذات طبيعة جماعية : أي أنها ليست صفة خاصة للفرد وإنما للجماعة ، حيث يشترك فيها الفرد مع بقية أفراد مجتمعه وتمثل الرابطة التي تربط جميع أفراده .

وهكذا تميز ثقافة شعب ما نمط حياته عن أنماط الشعوب الأخرى ولكنها لا تعزله ولا تقوده بالضرورة إلى حالة خصام مع الثقافات الأخرى . وقد يوجد في داخل كل ثقافة من يدعو إلى العزلة والانقطاع عن الآخرين أو أسوأ من ذلك إلى التعالي وتفخيم الذات واحتقار الآخرين . وقد يصل هذا إلى مرحلة العداء للآخرين وتشكيل خطر على وجودهم . ولذلك كان لا بد للحوار حتى يخفف من حدة هذا العداء ويجعل أصحاب الثقافات يتعايشون ويفهم كل منهم الآخر .

وكذلك القران يذكر ويبين حول ما ذكرنا :

وحوار الثقافات وكذلك التعايش قد بين القرآن الكريم في آيات عديدة أن تعدد الثقافات الإنسانية واختلاف الناس في الدين أمر من مقاصد الخلق . قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }{ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } . فالاختلاف أمر قدري مثلما هو أمر مقصود لتقوم الحجة على المخالف لكن ليس للاقتتال والنزاع إذ ليس الكفر في ذاته مبيحاً لقتل الكافر ولإزهاق روحه . أما التنوع في الأعراق والأجناس والألوان واللغات فإنما يقصد به التعارف والتقارب ، لا التنافر والتفرق . 

قال الله تعالى : { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } سورة الحجرات فالقصد من التعدد والتنوع الثقافي في أدنى مراحله هو التلاقي والتعارف وتبادل الأفكار والخبرات التي تطورها أنماط الحياة المختلفة . وذلك مما يزيد من عمق مكونات كل ثقافة بما تولده من الثقافات الأخرى . وبتواصل الاحتكاك السلمي والتعايش بين الثقافات يتعلم أفراد البشر أن يقللوا من تحيزاتهم ، وأن يلطفوا من مشاعرهم السلبية تجاه أصحاب الثقافات الأخرى ، فيزيد التسامح بين البشر ، ويسهل التعايش السلمي مع الاخر .

11-ونرى من فوائد الحوار انه طريق للتعايش مع الأخر فهو يقرب وجهات النظر ويقرب البعيد بين الاطراف .

ويساعد على تلمس الاداب والقيم لدي الطرفين وكذلك يسهل معرفة الحقائق وكشف الشبهات الصادرة ضد الطرفين فما ان يكون الحوار والتقارب والجلوس على مائدة واحده فتظهر القيم والخلاق ويبرز ذلك في التعامل من قبل المتحاورين ويسهل الخروج بنتائج ايجابيه .

والخروج بضوابط وقوانين للتعايش مع الاخر بما يحفظ الحقوق ويصون الكرامات ولكن لا بد من التنبه لاخذ بقيم الاسلام ورح الشريعه الغراء بعيد عن التعصب والشطط والجهل واعطاء كل ذي حق حقه . 

نذكر نموذج من الحوارات مع اهل الكتاب كما وردة في القران والسنة فقط اهل الكتاب لان البحث لا يتسع لذكر نماذج اخرى :

. ما ورد في القران حول حوار اهل الكتاب

إن حوار المسلمين مع أصحاب الأديان الأخرى لم ينقطع قط ، لأنه مسجل في القرآن الكريم ويتلوه المسلمون صباح مساء في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا } (آل عمران / 64) وقوله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (آل عمران / 71) وقوله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } (المائدة / 68) وقوله تعالى : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } ( الأنعام / 91) وقوله تعالى : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } ( البقرة / 144) وقوله تعالى : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } (البقرة / 145) ، وغير ذلك من آي الذكر الحكيم التي تذكر مشاهد الحوار بين المسلمين وأهل الكتاب وهي آيات تعد بالعشرات وتتخلل كثيراً من سور القرآن الكريم .



ما ورد في السنه عن نماذج من الحوار مع اهل الكتاب 

وفي سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مواقف عديدة للحديث مع أهل الكتاب والحوار معهم بدءاً من قصة بحيرا الراهب الذي رأى خاتم النبوة على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى بالنبي صلى الله عليه وسلم خيراً ، وورقة بن نوفل النصراني الذي قال حينما عرف بحديث الوحي: " لقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى " . ويروي ابن هشام مؤرخ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في حواره - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود حول الروح : " قال ابن إسحاق : وحدثت عن ابن عباس أنه قال : « لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قال أحبار يهود : يا محمد ، أرأيت قولك : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } إيانا تريد ، أم قومك ؟ قال : كلاً ، قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك : أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شئ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها في علم الله قليل ، وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه . قال : فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّاللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } : أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل »( ) ( ابن هشام ، ج 2 / 308 ) .



كما يروي ابن هشام كذلك قصة وفد من نصارى الحبشة جاؤوا وحاوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وآمنوا ، ثم يروي قصة حوارهم بعد أن آمنوا مع من تصدى لردهم عن الإسلام . فيقول : " قال ابن إسحاق : ثم « قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بمكة ، عشرون رجلاً أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ، ورجال من قريش في أنديتها حول الكعبة ، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن . فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله ، وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل ابن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب ! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلما تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ! ما نعلم ركباً أحمق منكم . أو كما قالوا . فقالوا لهم : سلام عليكم ، لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نألأنفسنا خيراً » ( ابن هشام ، .

وهذه مجرد أمثلة من حشد من أخبار الحوار التي رواها ابن هشام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب وغيرهم ، ثم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كسلمان الفارسي رضي الله عنه مع أهل الكتاب كما تذكر كتب الفرق والملل والنحل أمثلة عديدة لحواريات الشهرستاني وابن حزم وابن الوليد الباجي وابن تيمية وغيرهم مع الأحبار والرهبان وممثلي الفرق الدينية الأخرى .















المبحث الرابع التعايش مع الاخر انواعه وضوابطه :

مفهوم التعايش:

التعايش في اللغة مشتق من العيش، والعيش الحياة . 

يقول صاحب معجم اللغة العربية المعاصره : 

تعايشَ يتعايش، تعايشًا، فهو مُتعايش

• تعايش الجيرانُ: عاشوا على المودَّة والعطاء وحسن الجوار "تعايش الرفيقان في غربتهما على الألفة- تعايشت الدّولتان تعايُشًا سِلميًّا" التَّعايش السِّلميّ بين الدُّول: الاتّفاق بينها على عدم الاعتداء.

• تعايش النَّاسُ: وُجِدوا في نفس الزَّمان والمكان.

والتعايش في الاصطلاح يقصد به العيش المتبادل مع الآخرين القائم على المسالمة والمهادنة .

وتعريف اخر حيث يمكننا ان نعرف التعايش : يعرف التعايش بأنه الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة. وهذا التعريف يعني قبل كل شيء اتخاذ موقف ايجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية المعترف بها عالميا.

وتعريف اخر ذكره بعض الباحثين : 

التعايش:ضربٌ من التعاون المش كَرتَ الذي يقوم على أساس الثقة والاحترام المتبادَلَ ،ْني بطواعية واختيار، والذي يهدف إلى تحقيق أهداف يتفق عليها الطرفان أو الأطراف التي ترغب في تقَبُّل بعضها .

ووجد لفظ جديد هو التعايش السلمي : 

وأما مصطلح التعايش السلمي فهو من المصطلحات الحديثة، التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وهو مصطلح يراد به :

حالة السلم التي تعيش فيها دول ذات أنظمة اجتماعية، وعقائد سياسية متباينة ولا سيما كتلة الدول الرأسمالية الغربية، وكتلة الدول الاشتراكية دون نشوب الحروب بينها.

انواع التعايش ومظاهره :

النوع الاول التعايش المشروع :

هو التعايش القائم على تبادل المصالح، والمسالمة، والمهادنة بين المسلمين وغير المسلمين وفق الضوابط الشرعية التي قررتها الشريعة الاسلامية .

مظاهره كثيرة منها : 

1- هو وسيلة من وسائل دعوة غير المسلمين للإسلام، 

2-التسامح، والتعامل الحسن مع غير المسلمين وقدوتنا في ذلك الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم وتعامله مع اليهود وكذلك كفار مكه عند الفتح العظيم 

3-وتمكينهم من المشاركة في خدمة المجتمع، والمحافظة على أمنه واستقراره، وتمكينهم من العمل على تطويره ورفعته وتنميته وفق الالتزام بضوابط الشريعة ان كانو يسكنون في بلاد الاسلام اما اذا كانوا في بلادهم فهم اصحاب القوه والقرار والمسلمين ليس لهم حيله في ذلك .

4-التبادل الاقتصادي وكذلك الثقافي والاجتماعي وفق الضوابط الشرعيه وغيرها من المظاهر 

5-التعليم المتبادل ونشر العلم وما يخدم البشريه .

النوع الثاني التعايش الممنوع. 

وأما التعايش الممنوع فهو المخالف للكتاب والسنة وما قررته الشريعة الاسلامية وما حذرت منه من التقليد الاعمى لهم والتشبهة بهم حيث يقول الرسول (0من تشبه بقوم فهو منهم ) ولا يدخل من باب الحريه لانها مقيده بما يتانسب مع تعاليم ديننا الحنيف لكنّ حُريّة التعايش الثقافية ليست مُطلقة، فالحرية المُطْلَقة مَفسدةٌ مُطْلَقة؛ لذا وُضعت الضوابط والمعايير التي تدعو إلى أخذ ما ينسجم وتعاليم الإسلام، مع ردّ ما يتعارض والدِّين ورَفض المعتقدات الباطلة، وإجراء التعديلات اللازمة لوسائل المدنية، وما مبدأ التسامح الدِّيني مع أهل الكتاب وغيرهم في تاريخ المسلمين الممتد إلاّ نموذجٌ لأصالة التعايش السِّلمية، التي يعرف فيها المواطن ما له وما عليه، دون تسفيه أو طعن أو تجريح لعقائد الآخرين، بل حوار بالتي هي أحسن ودعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

و من مظاهر التعايش الممنوع : 

1-الدعوة لما يسمى بوحدة الأديان .

2-، وكذا الدعوة لبناء المساجد والكنائس ونحوها من أماكن العبادة في محيط واحد ، في الجامعات والمطارات والساحات العامة. كنوع من التوحيد وختلاط الاديان فهذا لا يجوز .

3- ـ مبادلة الكفار الحب، والمودة، وخاصة مشاركتهم في أعيادهم الدينية ، وهي أعياد غير مشروعة، لا يرضاها الله عز وجل، لان المشاركة فيها توجب سرور قلوب غير المسلمين بما هم عليه من الباطل وتصحيحا لاعتقادهم وذلك بحضورومشاركة المسلمين لهم فيقولون نحن على الحق ، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء، والتمكن من دعوتهم لأديانهم المحرفة ، والمنسوخة بالإسلام والدعوة الى الردة وترك الاسلام .

4- ـ تمكين غير المسلمين في دار الإسلام من وسائل الإعلام، لبث البرامج الدينية في المجتمعات الإسلامية، والسماح لهم بتوزيع مطبوعاتهم الدينية لأبناء المسلمين، والسماح لهم بممارسة كافة أنشطتهم الدينية، ونشرها عبر المحاضرات، والندوات، والمؤتمرات في الأوساط الإسلامية، وكذا السماح لهم بإقامة المعارض في الساحات العامة، وإظهار شعائر دينهم في دار الإسلام، وأمور كثيرة ممنوعة ذكرها أهل العلم ، ويشتد منعها في عصور غلبة الجهل وضعف الإيمان في النفوس الذي أوقع بعض المسلمين في شباك المنصرين . 

قد نبه الإمام القرافي ـ وهو أحد أئمة المذهب المالكي ـ على أمور كثيرة تدخل في باب التعايش الممنوع ، ومن أبرز ما أشار اليه من التعايش الممنوع والذي لا ينبغي للمسلمين فعله: 

-تمكين غير المسلمين من الولايات في الدولة الإسلامية .

- وإخلاء المجالس لهم عند قدومهم ، والقيام لهم .

- ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها. 

ثم أشار الإمام القرافي ـ رحمه الله ـ إلى ضرورة أن يستحضر المسلمون عند التعايش مع غير المسلمين؛ ما جبل عليه غير المسلمين من تكذيب نبينا ، وبغضهم للمؤمنين به، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل.

5- التنازل عن قيم ومبادء الاسلام ارضائا لهم والبحث عن ودهم على حساب الدين والمداهنة فيها وهذا لا يجوز .

نماذج من التعايش بين المسلمين والاخر كما ورد في القران :

التعايش بين المسلمين وغير المسلمين المسالمين مشروع، والنصوص التي تدل على مشروعيته كثيرة، ومن أبرز نصوص القرآن الكريم الدالة على التعايش ما يأتي:-

1. قال الله تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) . سورة الممتحنة

والآية فيها الحث على الإحسان والبر بغير المسلمين، الذين لم يقاتلوا المسلمين، أو يتآمروا على قتلهم. والإحسان المذكور في هذه الآية يكون بالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم، واحتمال أذيتهم في الجوار لطفاً منا بهم، لاخوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم، وعيالهم، وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم.

سبب نزول هذه الآية:

وقيل : إن سبب نزول هذه الآية أن أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنها ـ رفضت أن تقبل هدية أمها المشركة ، حيث قدمت لها أمها بعض الهدايا ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، وأبت أن تدخلها بيتها. فسألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ النبي عن ذلك فأنزل الله تعالى :( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ..) إلى آخر الآية، فأمرها النبي -;- أن تقبل هديتها، وتدخلها بيتها. 

2. وقال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} . سورة الحجرات

والآية فيها الدعوة للتعارف ـ وهو يستلزم التعايش ـ بين جميع الناس بعيداً عن العصبية للجنس، أو اللون، أو العرق، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

3. وقال تعالى:( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . 

والآية أحلت طعام أهل الكتاب ونساءهم، وهما أمران يستلزمان التعايش والتساكن.

4. وقال تعالى في التعامل مع الوالدين إذا كانا كافرين، وكان الولد مسلماً:( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .

أي صاحبهما صحبة إحسان إليهما بالمعروف ، والبعد عن الإساءة إليهما بالقول، أوالفعل، والحرص على طاعتهما، وتقديمهما على كل شيء إلا على طاعة الله ورسوله فإنهما مقدمتان على كل شئ.

نماذج من التعايش بين المسلمين والاخر كما مورد في السنة : 

1. ما جاء في النهي عن ظلم المعاهدين والذميين، حيث ثبت أن النبي -;- قال: من آذى ذميا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله وفي رواية: ألا من ظلم معاهدا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة.

2. عيادة مرضاهم لحديث أنس أنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي فمرض، فأتاه النبي يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: اسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم. فأسلم ، فخرج النبي وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار .

وقد قيد بعض العلماء مشروعية عيادة غير المسلمين بما إذا كان يرجى منها إسلامهم، و الإ فلا تشرع عيادتهم، قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى.

3. قبول هدايا غير المسلمين لحديث أبي هريرة ـ ـ أنه قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم. رواه البخاري .

و جاء في رواية أن الهدية قدمتها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم وهي امرأة يهودية، وقد قبل النبي هديتها. ومن شواهد مشروعية قبول هدايا غير المسلمين ـ أيضاً ـ ما تقدم في قصة أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنها ـ مع أمها المشركة، وأمر النبي لها بقبول هديتها .

4. التعامل مع غير المسلمين بالاستدانة منهم، لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير. رواه البخاري .

5. الحث على إكرام الموتى، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، لحديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: مر بنا جنازة فقام لها النبي -;- فقمنا معه. فقلنا يا رسول الله: إنها جنازة يهودي. قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا. رواه البخاري .

ولحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض ـ أي من أهل الذمة ـ فقالا: إن النبي -;- مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي. فقال: أليست نفسا. رواه البخاري 

الحوار واثره في ايجاد انواع التعايش المطروحه بين المسلمين والاخر : 

ومما يسعد على وجود التعايش والتوصل الى نقاط اتفاق هو تطبيق مبداء الحوار والتحاور والتفاهم مع الاخر فهو مما يساعد على ايجاد البيئة الخصبة للتعايش مع الاخر .

الأصل في الحياة الإنسانية التواصل والتعايش بين المجتمعات بعضها البعض، من خلال عدة قواسم مشتركة، تعمل على تفعيل التعايش الإيجابي، الذي لا ينحصر في مجال معين، وإنما في العديد من مجالات التعاون بين الشعوب والمجتمعات سواء كانت دينية أو اجتماعية أو اقتصادية وغير ذلك، والخطاب الدعوي عبر مراحله المستمرة عبر القرون يعمل على إيجاد نقاط التقاء لتكون منطلقا لإرساء دعائم التعايش، مع الآخرين، برز من خلالها عدة أنواع من التعايش.

1-التعايش الديني: 

فالبحوار يتم تفعيل التعايش الديني كما حصل في عهد الرسول في المدينه والتعايش مع اليهود وكتابة بنود وثيقة اتفاق بعد الحوار المتواصل مع اليهود والتوقيع على بنود الوثيقه التي قررت التعايش بين المسلمين واليهود و ينطلق مفهوم التعايش الديني بين الإسلام والآخر على مبدأ عظيم وهو التسامح الذي يعترف بحقوق وحرية الآخر في اعتقاد ما يعتقد بأنه حق، ولعل سورة الكافرون كانت نبراسا لتأصيل التعايش وخاصة الآية الكريمة( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)،فهذا اعتراف من القرآن الكريم بوجود أديان أخرى ، ولذا لابد من وجود علاقة تربطنا مع أهل الأديان مبنية على التسامح. ومما يوكد ذلك ان الاسلام جاء لهدايه الناس فيدعوهم الى ثلاث الاسلام الجزيه والدخول في سلطان المسلمين والتعايش معهم واخير الحرب وكانت لها قيم ومبادء لا يحيد عنها قادة المسلمين اثناء الحرب .

2-التعايش الاجتماعي:

ومن اثر الحوار مع الاخر يستطيع الكل معرفة الثقافات الاجتماعيه لدى الاخر والاستفاده منها قدر المستطاع كما استفاد الرسول اثناء حفر الخندق من سلمان الفارسي وانها ثقافه جديده على العرب وكذلك بعد صلح الحديبيه استخدم الرسول ختم لمراسلة الملوك فلا تقبل الرساله الا بختم فكانت ثقافه اجتماعيه دخيله على المسلمين والعرب انذاك .

ومن منطلق أهمية الحوار في تحقيق التعايش الإيجابي البناء المطلوب، فإنه ينبغي أن تتضافر الجهود من أجل ترسيخ جهود التعايش الاجتماعي معه لتحقيق الثمرة المرجوة فالتعايش الاجتماعي يحد من تطرف الصراعات العرقية، ويكسر من شوكة التعصب القبلي، ويزيل الحواجز النفسية بين طبقات المجتمع المختلفة، وينمي الشعور بالأخوة الإنسانية، ويقضي على الحقد والضغينة، ويشيع المحبة والتعاون بين الناس، ويقوي العلاقات بين الأفراد. 

هذا النوع من التعايش له أثر كبير في العلاقة بين الإسلام والآخر، فالعلاقة الاجتماعية بين الإسلام ربطت من خلال عدة أسس اجتماعية تواصلية ومن أبرز هذه الصور ، صورة الزواج بنساء أهل الكتاب، وهذا له دور كبير في ربط ومتانة العلاقة، حيث يكون المسلم صهرا لأهل الكتاب، والأبناء يكونون أكبر امتداد بينه وبين الآخرين، من خلال التكافل الاجتماعي الذي لا يفرق بين مسلم وغيره، وكذلك العمل من أجل حياة اجتماعية عالية لجميع أفراد المجتمع.

3-التعايش الاقتصادي:

وبالحوار ايضا يتم التواصل الاقتصادي مع الاخر والتبادل التجاري و توجد مجالات أخرى كثيرة ومتعددة للتعايش مع الآخر، لها مكانتها وأهميتها في نجاح مقصد التعايش، من تلك المجالات العلاقات المبنية مع الآخر من الجانب الاقتصادي، فيمكن من خلال ربط علاقة مع الآخر من أجل التعاون في رفع مستوى الفقراء، وخلق فرص عمل لشعوب المجتمعات الفقيرة، والتقدم بها في ميادين العمل والإنتاج وإن الإصلاح الاقتصادي بين الشعوب ضرورة حتمية وعامل هام لاستقرار التعايش بين الشعوب، وتحقيق السلم العالمي، وقد وجد التواصل الاقتصادي في الحضارة الإسلامية، بين المسلمين وغيرهم، فقد كان المسلمون يهاجرون لأجل التجارة إلى بلاد الشام، وقد سافر الرسول صلى الله عليه وسلم بتجارة لخديجة أم المؤمنين، تعامل فيها مع غير المسلمين. وعليه فإن التعايش الاقتصادي سيبقى مستَمرًّا بين الأمم والشعوب، ولذا ينبغي للمسلمين أن يركزوا على نوع من التعايش لربط جسور مع الآخر، وبخاصة أن المسلمين الأوائل كان العامل الاقتصادي سببا في دخول الكثيرين إلى الإسلام.

4-التعايش الثقافي:

الثقافة هي روح الأمة وعنوان هويتها، وهي من الركائز الأساسية في بناء الأمم ونهوضها، فلكل أمة ثقافة تستمد منها عناصرها ومقوماتها وخصائصها، وتصطبغ بصبغتها فتنسب إليها، وقد عرف التاريخ الإنساني العديد من الثقافات كالثقافة اليونانية والثقافة الرومانية والثقافة الهندية والثقافة الفارسية، والثقافة العربية الإسلامية.

وقد استعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقي الأدبي والفكري والاجتماعي للأفراد والجماعات، فالثقافة ليست مجموعة أفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، ويكون للعقائد والقيم واللغة والمبادئ والسلوك والقوانين شعارا للتمايز بين الثقافات وتنوعها.

والثقافة لها دور كبير في تفعيل التعايش بين الآخرين وذلك لما تحمله من معاني سامية تميزها عن غيرها فخصائصها تكمن في أنها ظاهرة إنسانية، أي أنها تأصيل بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأنها تعبير عن إنسانيته، كما أنها وسيلته المثلى في الالتقاء مع الآخرين. ونرى التواصل الثقافي في دولة الاندلس مع اوربا والبعثات التعليميه للمستشرقين وتعلمهم في بلاد المسلمين وكذلك ترجمة الكتب الغربية أمثال كتب سقراط وأفلاطون حيث قام المسلمون بالرد على بعض هذه الكتب وتصحيح بعض الأفكار الواردة فيها، وكان للترجمة دور كبير في إبراز صور التواصل سواء من خلال ما ترجمه المسلمون من كتب علماء الغرب، أو ما قام به الغربيون من ترجمة لكتب المسلمين وخاصة كتب ابن رشد والغزالي، وذلك بعد اتصالهم بالحضارة الإسلامية في الأندلس، والتي ساهمت في التقارب بين المسلمين وغيرهم من الأوروبيين في المجال العلمي والثقافي، كان له دوره في النهوض بالحضارة الأوروبية الحالية.

ضوابط التعايش مع الاخر : 

الضابط الأول

الاعتزاز بالانتماء للإسلام والالتزام به منهج حياة وهو شعور المسلم بالرفعة والغلبة والقوة لدينه وقيمه وأخلاقه على سائر الأديان والمعتقدات والشعور بعلو الإيمان على الكفر؛ لأن الإيمان والإسلام هو صفة الأنبياء جميعاً، والشعور بان الأمة الإسلامية أمة عزيزة ولها الغلبة على أعدائها إذا التزمت بدينها، فعزتها وكرامتها وقوتها تكمن في دينها ، لذلك على المسلم أن لا يقبل بالذل في تصرفات ومواقفه وأن لا يرضى بديلاً عن العزة بالهوان والهبوط إلى المستوى الأدنى، لذا عليه أن يتجنب مواطن الشبهات ومجالس السوء. 

والإنكار على مجالس السوء والخوض في الباطل هو نصرة لدين الله وإعزاز له وحفظٌ لشخصية المسلم أمام الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .

ثم على المسلم اتقاء الشبهات والابتعاد عنها لئلا يظن به سوءاً، قال صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).

وعلى المسلم تجنب مواطن الريبة: ويقول الرسول (دع ما يربك الى ما لا يربيك ).

كما أنه يجب الالتزام العملي بالإسلام (الكتاب والسنة) باعتباره منهج حياة المسلم.

فالإسلام عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات، وليس مجرد قناعات بعيده عن الواقع، فالقرآن الكريم وحد بين الإيمان والعمل الصالح في أغلب الآيات التي تتحدث عن ذلك. بل جعل العمل الصالح بمقتضى الإيمان سبباً للفلاح والنجاة في الدنيا الآخرة.

الضابط الثاني:

الاحتفاظ بالشخصية الإسلامية وعدم التقليد الأعمى للغير كما هو معروف فإن للمسلم مظهره المعروف وسماته المتميزة فعليه أن يحافظ على ملامح شخصيته الإسلامية كمحافظته على عقيدته وعباداته وأخلاقه وسلوكه.

لأن التقليد الأعمى للأجنبي تسبب ذوبان الشخصية وفقدانها لعوامل البقاء والاستمرار.

فالمطلوب أن يقلد الكافرون المؤمنون وليس العكس فقد ذم الله تعالى ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وقال صلى الله عليه وسلم: (من تشبَّه بقوم فهو منهم) والعبرة بما هو من عقائدهم ومميز لهم ،

والحكمة من مخالفة غير المسلمين وعدم التشبه بهم: 

أولاً: لأنهم خالفوا أوامر الله تعالى واتبعوا خطوات الشيطان، وذلك لتركهم الإيمان وكفرهم بالله تعالى وكتبه وأنبيائه، 

ثانياً: أن الأساس هو اتباع الحق ، والإسلام هو الحق وكل ما عداه فهو ضلال 

ثالثاً: على المسلم أن يتميز بشخصيته الإسلامية، التي رضي الله عنها ودعا إليها وبين مميزاتها وسماتها وكثيراً ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوا المسلمين الى محالفة المشركين. ذلك لأن الشخصية الإسلامية هي الشخصية القدوة والانموذج التي يجب على غير المسلمين أن يقتدوا به ويقتفوا أثره ليفلحوا وينجوا من غضب الله في الدنيا وعذابه في الآخرة على ذلك تميز المسلم عن غيره بالعبادات والمعاملات والعقيدة والأخلاق والسلوك بما لا تجد له نظيراً أو قريباً من نظير.

رابعاً: لتحقيق مبدأ الولاء لأهل الإيمان والبراء من أهل الكفر في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ولهذا قال العلماء: هذا يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة المشركين. بل أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا: ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا(خالفنا فيه).

الضابط الثالث:

رفض الظالم والاقصاء والتهميش للآخر ، وعدم القبول بهضم الحقوق أو بخس الناس أشياءهم أو مصادره حرياتهم . فالتعايش مع الاخرين يجب ان لا يصيب المسلمين فيه اذى هذه المظالم والا فقد التعايش معناه واصبح بلا جدو وبلا معنا .

الضابط الرابع

عدم الخضوع وعدم الاستسلام للمعتدي ورد اعتدائه لأنه لا تعايش مع المعتدي، الذي يعتدي على كرامة المسلمين وأوطانهم وأموالهم وأعراضهم ودينهم وعقيدتهم وعباداتهم وشريعتهم أو يستهين بحقوقهم ويضايق حرياتهم ويمنعهم من ممارسة شعائرهم أو يتعدى على مساجدهم وأبنائهم ومشايخهم وعلمائهم 

وحينما يتمادى غير المسلمين بالاعتداء على المسلمين بسفك دمائهم واحتلال أرضهم وهدر كرامتهم وفتنتهم في دينهم ومصادرة حقوقهم وسلب ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وإباحة عرضهم ونشر الفساد في مجتمعهم؛ فحينها لا يبقى معنى للتعايش في تلك الظروف فما هو إلا ضرب من الانهزامية والانكسار والرضى بالدونية والإهانة تحت وطأة الظلم والاعتداء؛ وهذا ما يرفضه الإسلام جملة وتفصيلاً 

ومن الضوابط ايضا نذكر المبادء التي تحكم المسلمين اثناء التعايش مع الغير : 

- والعلاقة بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى المتعايشين معهم تحكمها، من وجهة النظر الإسلامية، بشكل عام مبادئ خمسة:

الأول: الاعتراف بوجود الآخربغض النظر عن الديانه :

اعتراف وجود وتعايش لا اعتراف صحة، عملاً بقوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)والآية عامة في مدلولها وليست مقصورة على السبب المباشر لنزولها، ثم إنها محكمة في وصفها وليست منسوخة لانعدام الدليل على النسخ ولا تعارض بين هذه الآية وآيتي آل عمران (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسلامُ) والاية (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِيناً فَلْن يُقْبَلَ مِنْهُ) لأن هاتين الآيتين تتضمنان الحكم بالصحة أو عدمها، وهو مختلف عن الحكم بجواز وجود الآخر.

الثاني: عدم الإكراه في الدين :

لقوله تعالى: (لاَ إِكْراه فِي الدِّين) سورة البقرة 256 وقوله تعالى س(أفأنت تُكْرِه الناسَ حتى يَكُونُوا مؤمِنِين ) سورة يونس 99 وقوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكفُر ) سورة الكهف 29.

ولم يؤثر في تاريخ الإسلام أنه أكره قوماً على اعتناقه. وقد درس بعض المؤرخين غير المسلمين هذه المسألة وشبهة انتشار الإسلام بالسيف، وشهدوا بأن انتشار الإسلام كان بالحسنى، وأبطلوا دعوى السيف إبطالاً قاطعاً .

الثالث: التعامل مع غير المسلمين بالبر والقسط :

لقوله تعالى:(لاَ يَنْهَاكُمْ الله عن الذين لم يُقاتِلُوكم في الدِّين ولم يُخْرجوكم مِنْ دِيارِكُمْ أنْ تَبرُّوهمْ وتُقْسِطُوا إليهم إن الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)، سورة الممتحنة 8 . والبر والقسط مشروطان بعدم العدوان أو الإخراج من الديار، وإلا فالحكم وارد في الآية التالية: )إنَّمَا يَنْهاكم اللهُ عَن الذين قَاتَلُوكُمْ في الدِّين وأخْرجوكُمْ من دِيَارِكُمْ وظاهَرُوا على إِخْرَاجِكُمْ أن تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمُ فأُولئِكَ هُمُ الظَّالمون ) سورة الممتحنة 9. ولا حاجة إلى التنبيه إلى أن المقصود بالديار ما تكون أصلاً مِلكاً للمسلمين. أما الإخراج من ديار هجرة أو زيارة أو إقامة مؤقتة فحكمها رهين بقانون أصحابها.

الرابع: تخصيص أهل الكتاب وخاصة المسيحيين بتعامل متميز:

فقد أجاز الإسلام ذبيحة أهل الكتاب، كما أجاز الزواج من نسائهم. وخص القرآن الكريم المسيحيين بوصف حميم وهو مودتهم مع المسلمين بقوله: (وَلَتَجِدَنَّ أقْربَهم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمنوا الّذِين قالُوا إِنَّا نَصَارَى ذلِكَ بأنَّ مِنْهُم قِسيسِين ورُهْباناً وأنَّهمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ).سورة المائدة 82

ومن المناسب لوجود المسلمين في بعض البلاد مع غيرهم ممن ليسوا من المسيحيين وأهل الكتاب أن نذكر أن فقهاء المسلمين قد توسعوا في تفسير آية إباحة ذبيحة أهل الكتاب والزواج منهم، فجعلوها شاملة كل من كان لهم كتاب على افتراض نسيانه أو فقده فشمل هذا التفسير الموسَّع كل من لهم دين وإيمان من المجوس والهندوس والبوذيين وأمثالهم. وعلى هذا التفسير الموسَّع تفهم آية المائدة (اليوم أحِلّ لكم الطَّيباتُ وطعامُ الذين أُوتُوا الكتابَ حِلٌّ لَكُم وطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُم، والْمُحْصنَات مِنَ المؤمِنَاتِ والْمُحْصنَاتُ مِنَ الذينَ أُوتُوا الكتَابَ مِن قَبلِكُم).سورة المائدة الاية رقم 5

الخامس: التفاهم مع غير المسلمين بالحوار بالتي هي أحسن:

لقوله تعالى: (ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بالتي هي أَحْسَنُ) سورة العنكبوت الاية رقم 46 

وأما غير أهل الكتاب ففيهم عموم الحكم من قوله تعالى: (وَجَادِلُهُم بالَّتِي هي أحسنُ(سورة النحل الاية رقم 125، وحديث النبي الذي أخرجه مالك والشافعي «سُنُّوا بِهِم سُنَّة أهل الكتاب». والحوار هنا هو عمومه في أمور الدين والدنيا، وكل ما من شأنه أن يكفل حسن التعايش مع الجميع.

هذه ابرز الضوابط التي تمكن المسلمين من العيش مع الاخر بسلام دون ذوبان او تنازل او مداهنه في الدين .

ونخلص مماسبق الى النتائج والتوصيات التالية :

1-ضرورة التعايش مع الاخر وذلك لتجنيب البشريه الاختلاف والاقتتال وتصفية الحسابات من اجل الدنيا وغيرها من المبررات والتصفيات العرقية والدينية التي يقوم بها غير المسلمين ضد المسلمين كما هو حاصل في بورما اليوم .

2-ضرورة الاخذ بمبداء الحوار وتفعيله بضوابطه وادابه المبينه في الكتاب والسنة ويكون اولا بين الجماعات والطوائف الاسلامية ثم بعد ذلك ندعوا اليه غير المسلمين فمن غير الانصاف ان تتناحر الجمعات والطوائف والفرق الاسلامية فيما بينها ثم تدعوى الى الحوار والتعايش مع غير المسلمين ففاقد الشيء لا يعطيه .

3-ندعوا الى حوارات واحتماعات بين الجماعات والفئات الاسسلامية المختلفة ووضع خطوط عريضة للتفاهم والتقارب بين ابناء المسلمين .

4-ندعوا الى الحوار وعقد المؤتمرات والندوات العالمية بين مختلف الديانات بالضوابط والشروط التي بينتها الشريعه الاسلامية دون تقارب وخلط بين الاديان وانما توضيح المفاهيم الاسلامية الناصعه البياض بالحجه والبرهان ودعوة الناس اليه .

5-الاحتفاظ بالهوية الاسلامية والمعايير الشريعية في التعايش مع الاخر بمختلف حضاراتهم وثقافاتهم فمنها ما يخالف عقيدة المسلم فيجب التنبه لها والتحذير منها لشباب الامة الاسلامية .



المراجع :

1- الحوار من أجل التعايش داخل المجتمع الإسلامي في إطار (حوار الحضارات من أجل التعايش) الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم المستشار الثقافي بوزارة شؤون الرئاسة أبو ظبي مقال منشور في النت

2- التَّعايش بين المسلمين وغير المسلمين في إفريقيا من منظور شرعي د. المُرتضَى الزّين أحمد وهي ندوة أقامتها جامعة الملك فيصل بجمهورية تشاد بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية في الفترة الواقعة بين 13-17 شوال 1425هـ الموافق 26-30/11/2004م تحت عنوان التعليم الإسلامي وأثره في التنمية والتطور في إفريقيا وذلك بمدينة أنجمينا ـ تشاد ونشرة في مجلَّة الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة العدد التَّاسع مُحرَّم 1428 هـ ـ فبراير 2007م.

3- أخلاقيات الحوار في الإسلام اعدا الشيخ محمد الشيخ أبو عاقلة الترابي لمحاضر بالجامعات السودانية

10 فبراير 2011م

4- الحوار أصوله وضوابطه وأثره في الدعوة الإسلامية أ. يوسف علي فرحات الجامعة الإسلامية بغزة – كلية أصول الدين مؤتمر الدعوة الإسلامية ومتغيرات العصر المنعقد في 17 أبريل 2005 م) - 8 ربيع الأول 1426 ه .

5- الحوار في الإسلام لعبدالله بن خالد القاسم 1426هـ 

6- آداب الحوار وقواعد الاختلاف عمر بن عبد الله كامل 
http://www.al-islam.com

7- ) الحوار مع أصحاب الأديان مشروعيته وشروطه وآدابه لأحمد بن سيف الدين تركستاني

موقع الإسلام 
http://www.al-islam.com .

8)معجم اللغة العربية المعاصره لاحمد مختار عالم الكتب الطبعة الاولى عام 2008 م

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=362492&r=0

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك