حوار الحضارات والثقافات

في ضوء التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ومع تنامي العنف السياسي وازدياد التطرف والتعصب والإرهاب، ظهر مفهوم الحوار بين الحضارات، بوصفه السبيل الأمثل لتحقيق التفاهم والتعايش السلمي، وتجنُّب الحروب والصراعات، وحل المشكلات والمنازعات بين الدول والحضارات، حتى غدا محل اهتمام العلماء والمفكرين والساسة، كما اهتمت به مراكز البحوث والمؤسسات والمنظمات الدولية، فأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001 عاماً دولياً للحوار بين الحضارات. ومن هنا جاءت مساهمة الدولة في مؤتمر «الحوار بين الثقافات» الذي أقيم خلال الفترة من 29 إلى 31 مايو الماضي بمدينة «باكو» عاصمة أذربيجان.

 

ويعد مبدأ «الحوار بين الثقافات والحضارات»، مدخلاً مهماً لمعرفة الآخر وإزالة المفاهيم الخاطئة والنمطية، فهو جزء مهم من الحياة الإنسانية، من خلاله تتعزز فرص التعاون بين الثقافات المختلفة، والتقارب والتآلف والتجاور، ومد الجسور واحترام الهويات الثقافية الحضارية المتنوعة.

 

وتستوحي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتمامها بالحوار بين الثقافات، انطلاقاً من الثقافة العربية الإسلامية، القائمة على رفض جميع أشكال التعصب والانغلاق والتطرف والعنف ونزعات الهيمنة والانفرادية والإقصاء، والمؤمنة بالاختلاف والتعدد والتنوع، وتأكيد المفهوم الإسلامي لوحدة الأصل الإنساني، وصولاً إلى تشجيع التفاهم بين الشعوب وتعزيز التسامح بين البشر، والبحث عن أرضية موحدة بين الحضارات لتعزيز القيم المشتركة بينها. بالإضافة إلى كونه مبدأً من مبادئ القانون الدولي وأساساً من الأسس التي تقوم عليها العلاقات الدولية، باعتباره من أرقى وسائل التعاون الدولي لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.

 

وتدرك القيادة الرشيدة أن الحوار لن يؤتي ثماره المرجوة دون أساس سليم وناجع يقوم على الإيمان بالآخر واحترام خصوصياته والندية والمساواة بين مختلف الأطراف المتحاورة. وهو مسؤولية إنسانية مشتركة يتحملها بصورة خاصة، صانعو القرار من مختلف درجات المسؤولية، والنخب الفكرية والثقافية والقيادات الإعلامية في العالم كله، من أجل بناء السلام في الحاضر والمستقبل على أسس قوية تصمد أمام الأزمات الطارئة الناتجة عن الأحداث غير المتوقعة التي من شأنها أن تهز الاستقرار الدولي وتروع الضمير الإنساني.

 

وينسجم مبدأ الحوار هذا مع اتجاهات السياسة الإماراتية الملتزمة بمبادئ الشرعية الدولية مع مختلف دول العالم في إطار من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والإسهام الفعال في دعم الاستقرار والسلم الدوليين. فالمجتمعات الإنسانية تتطلع اليوم إلى تجنيد جميع قواها وإمكاناتها المادية والبشرية من أجل الحوار وجمع الكلمة والعيش المشترك وتطوير العلاقات الإنسانية والدولية على مستوى الأفراد والجماعات والدول والتجمعات الإقليمية والدولية.

 

الالتزام والجهد المتواصل لدولة الإمارات العربية المتحدة من أجل التقارب بين الثقافات والأديان يتجلى في دوره النشط والبنّاء داخل الهيئات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، وكذلك مساهمته في مبادرات عدة للحوار بين الحضارات والأديان.

 

وتنادي الدولة بنشر ثقافة التسامح والتفاهم المتبادل، عن طريق الحوار المنفتح على الحضارات والأديان الأخرى، إذ يتسم المجتمع الإماراتي بتعدد الثقافات، ويشهد على ذلك التعايش السلمي بين مختلف الجنسيات والأعراق والأديان، هذه التقاليد استمرت منذ إعلان دولة الاتحاد ومازالت، وتعد من الخصوصيات التي تتميز بها الدولة، تساندها روح الحكمة والاعتدال للقيادة الرشيدة، التي تعتبر أن الشراكة الحضارية تقتضي التلاقي والحوار، والانطلاق من نقاط الالتقاء بدلا من أوجه الاختلاف، لضمان العيش الإنساني المشترك بصرف النظر عن الدين والمذهب والقومية والجنس واللون والطبقات الاجتماعية.

المصدر: https://www.alittihad.ae/wejhatarticle/72952/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك