دراسة سيميائية لبعض آيات سورة البقرة

د. لاميّة مراكشي

 

إن أسماء السور تبقى موضوعاً خصباً يبحث عن الإجراءات التي تكشف عن أسراره، وتضعه موضع بحث. أظن أن ذلك ممكن بالمقاربة السيميائية التي اختصت بدراسة عتبات النصّ، في مقدمتها العنوان، بوصفه العلامة الأولى التي يستقبلها المتلقي، فالعنوان نظام سيميائي ذو أبعاد دلالية ورمزية تستوقف الباحث للكشف عن دلالاته، ومحاولة فك شفرته الرامزة.
لذا اهتم البحث السيميائي بدراسة العناوين في النص الأدبي، معتمداً على مستويات التحليل (التركيبي والدلالي والتدوالي)، لأن العنوان علامة تشكّل مرتكزاً دلالياً ينبني عليه فعل التلّقي، يظهر كنصّ موازٍ لنصّه، له نظامه الدلالي الرامز، وبنيته السطحية، ومستواه العميق، مثل النصّ تماماً، لما يتضمنه من علاقات إحالية ومقصدية.
 
العلاقة بين اللسانيات والسيميائية :
       إن من عدّ أباً للسانيات، هو ذاته أول من تنبأ بميلاد السيمياء، وهو العالم (فيردينان دي سوسير)، فعلى يديه استقلّت اللسانيات بموضوعها، وتحدّد منهجها، لأنها كانت حقل اشتغاله، في الوقت الذي لم تحظ السيمياء إلا بلحظة الميلاد، لأنه ظن أنها ليست من اختصاص اللغوي، بل من اختصاص عالم النفس، غير أن ما يربطها باللسانيات كون هذه الأخيرة جزءاً منها.
      لكن العلاقة بين اللسانيات والسيميائية ليست بالضرورة كما تصوّرها (دي سوسير)، فلقد جاء من بعده (رولان بارت)، وقلب مقولته، فأصبحت السيميائية جزءاً من اللسانيات.
       فالعلاقة بين العلمين تبادلية، فاللسانيات تستفيد ممّا توصّلت إليه السيميائية، والسيميائية لا بدّ لها من اللسانيات، حتى تصل إلى هدفها في دراسة المعنى، وما يمكن أن يحيل عليه.
         لقد تأسّست السيمياء بفضل جهود كل من (دي سوسير) و(بيرس)، غير أن أفكار (دي سوسير) هي التي كان لها في البداية فضل السبق في إثراء البحث السيميائي، وان لم تكن وجهته كذلك. في الوقت الذي تأخرت فيه أفكار (بيرس) عن الظهور، فلم تؤدّ بذلك أيّ دور في التطوّرات التي عرفها البحث النظري للسيمياء([1])؛ بل  سيظهر دورها في مراحل لاحقة.
      ومنه اتّسع فضاء البحث السيميائي، كنتيجة حتمية للجهود التي تبذل في هذا المجال، فطالت جميع مظاهر الحياة؛ ولنقل كل شيء يستطيع أن يصبح علامة، حتى الثقافة، وهي تمثّل آخر الاتجاهات ظهوراً. فالعلامة هي محور دوران اتجاهات السيمياء([2]).
      وعليه، فقد انقسمت هذه الاتجاهات إلى ثلاث اتجاهات رئيسية، هي:  
1- سيمياء التواصل:
         ظهرت مع أبحاث (إريك بوسنس) (1943)، في تحديده لدراسة أنساق التواصل المتمثّلة في وسائل مستعملة للتأثير في الآخر، وهي معروفة لديه.. وسيمياء التواصل تعتمد على مبدأين أساسيين، هما([3]):
      توفر القصد في التبليغ لدى المتكلّم، واعتراف متلّقي الرسالة بهذا القصد.. فسيمياء التواصـل إذن لا تهتم إلا بالأدلة، بوصفها قناة الاتّصـال بين المرسل والمتلّقي. أما الإشارات، فهي تستبعدها عن مجال اهتمامـها، حتى ولو أثّرت في الآخر، بما أنها غير مقصـودة([4]).
 
 2- سيمياء الدلالة:
       اهتمت سيمياء الدلالة بما أهملته سيمياء التواصل، لا لشـيء سوى لأن عملية التواصل لا محالة ستتأثر، بقصد أو بغير قصد، لذا فلا يمكن إغفال الإشارات دون الأدلة، بما أنها غير مقصودة، بل ستساهم في عملية التواصل، وقد تصبح العلامات غير المقصودة أكثر تأثيراً من العلامات المقصودة في بعض الأحيان.
      لذلك نجد أن أصحاب هذا الاتجاه قد اهتموا بالجانب الدلالي للعلامة، حيث يؤكّد (رولان بارت) بأن إمكانية التواصل قد تتوفر، سواء بمقصديه أم بغير مقصديه، فعملية التواصل لا محال واقعة، لذا آمن أن وحدة النص لا تكمن في مقصد المؤلف، بل في بنية النص، فنادى حينها بموت المؤلف، ورأى أن القراء أحرار في فتح العملية الدلالية للنص، وإغلاقها دون أي اعتبار بالمدلول([5]).
 
3- سيمياء الثقافة:
       ورواد هذا الاتجاه ينظرون للعلامة كبناء ثلاثي الأبعاد، يتكّون من الدال والمدلول والمرجع([6])، وهذا الأخير هو الذي لا يفسر إلا في إطار مرجعية الثقافة. فالعلامة عند هذا الاتجاه لا تكتسي دلالتها إلا من خلال وضعها في إطار ثقافي. وهو لا ينظر إلى العلامة المفردة، بل يتكلم عن أنظمة دالّة أيّ مجموعات من العلامات، ولا يؤمن باستقلال النظام الواحد عن الأنظمة الأخرى، بل يبحث عن العلاقات التي تربط بينها([7]).
 
4- سيمياء العنـوان:
        تأخّرت دراسة العنوان، مع أنه أوّل محطة تستقبل المتلّقي، ذلك أن الدراسات قد تجاوزته لفترة من الزمن، كان النص الأدبي في بنائه المتكامل الصـرح الذي يشدّ الأنظار، رغبة في فهمه. ويندرج العنوان الآن ضمن العتبات التي انتبه الباحثون لدورها في فهم النص، وما يمكن أن تحيله من دلالات قد تصبح الشفرة الأساس في فكّ معانيه، كما يفهم العنوان من خلال ما يعنونه([8]).
       "إن وضع العنوان مرتبط أساساً بمجال الفتح والدخول، ثم إنه الواسطة المركزية في عملية ربط الخطاب الموجّه إلى القارئ بنقطة ارتكاز موجّهة تظلّ تلاحق وعيه. فكلّ قراءة للنصّ لا تبقى مرتبطة بنواة مفاتيحه المشكلة ابتداء بالعنوان. وعلى هذا يمكن تصوّر حالة الوعي وهو يقرأ نصاً بلا عنوان، فهو انشقاق وشرخ كثيف في بنية الفهم، وتفكّك لمواقع تأثير المعنى([9]).
     فالعنوان يشكّل مرتكزاً دلالياً ينبني عليه فعل التلّقي، بوصفه أعلى سلطة تلّقٍ ممكنة، ولتميّزه بأعلى اقتصاد لغوي ممكن، لاكتنازه بعلاقات إحالية ومقصدية حرّة إلى العلم، وإلى النص، وإلى المرسل. وإذا كان النصّ نظاماً دلالياً، وليس معاني مبلّغة، فإن العنوان كذلك نظام دلالي رامز، له بنيته السطحية، ومستواه العميق، مثل النص تماماً([10]).  وهذا ما يدعوني، أثناء تحليل العنوان، مراعاة مستويين([11]):         
  مستوى ينظر فيه إلى العنوان باعتباره بنية مستقلة، لها اشتغالها الدلالي الخاص. ومستوى آخر، تتخطى فيه الإنتاجية الدلالية لهذه البنية حدودها، متجهة إلى العمل، ومشتبكة مع دلائليته، دافعة إنتاجيتها الخاصة بها.
        فالعنوان يرتبط أشدّ الارتباط بالنصّ الذي يعنونه، فهو بمثابة نص مختصـر يتعامل مع نص كبير يعكس كل أبعاده. فما ينطوي عليه العنوان من دلالات، مهما اختلفت مشاربها، يحتاج إلى دراسة منظمة.
ويرى (بارت) أن السيمياء قادرة على ذلك، ليس من باب إضاعة الوقت، ولكن لأن العنوان عتبة الولوج إلى النص، ومفتاح يعين على فتح مغاليقه، وفك شفراته([12]).
      إن النص القرآني متفرّد في وجوده، لا يخضع إلى سوق منافسة. فالقرآن الكريم لا يصنّف ضمن أي جنس من الكتابة، غير أنه كتاب الله، وآخر ما أنزل على آخر رسله (عليهم الصلاة والسلام).
      ومع هذا، فإن أسماء السور تقبل بعض وظائف العنونة: كالوظيفة الانفعالية، والاختزالية، والتكثيفية، والإيحائية، لما تملكه من قوة التأثير، وكثافة الدلالة، واختزال المعنى، بشكل يعجز العقل البشري عن كشف أسراره، كأنْ تسمّى السورة باسم حرف؛ كسورة (ق)، و(ص).
        ويختلف منهج دراسة العنوان عن دراسة النص، لافتقار العنوان إلى السياق، غير أن هذا لا يمنع من التعامل معه كـنص تنسحب عليه الإجراءات السيميائيـة، فهي تشكّل مرتكزات ثابتة في كل العناوين، تعمل على تحديد مجموعة من العلاقات السيميائية([13]):
العلاقة الأولىوتهتم بتحليل مجمل العلاقات بين مختلف الدلائل المكّونة للعنوان، لذلك فإن هذه العلاقة تدرس وتحلّل من منظور تركيب العنوان.
العلاقة الثانيةمجموع العلاقات بين الدلائل المكّونة للعنوان، وبين التمثيلات الذهنية لهذه الدلائل، وتحلّل هذه العلاقات من منظور دلالي.  
العلاقة الثالثةتكمن في العلاقات التي توجد بين الدلائل المكّونة للعنوان، وبين (الأشياء) التي تحيل إليها. والعلاقة بين الدلائل المكّونة للعنوان وبين الأشياء التي تحيل إليها، لا تكون مباشرة، ولكنها تتحقق بواسطة أثر المعنى الذي تحيل إليه دلائل العنوان.
العلاقة الرابعةتهتمّ بالعلاقات التي توجد بين دلائل العنوان، بصفته قولاً، وبين مستعمليه. ويمكن دراسة هذه العلاقة من منظور تداولي، حيث يمكن تحليل العنوان بصفته قولاً ينجزه السارد، الذي يحدّد الكاتب الضمني، انطلاقاً من وظائفه، على مستوى قدرته على إخبار القارئ، وإقناعه، لدفعه لإنتاج ردّ فعلي.
ودراسة العنوان تتم من خلال هذه العلائق، التي تتمثّل في المستوى التركيبي والدلالي والمرجعي والتداولي. والمستوى المرجعي لا تتأتى دراسته إلا من خلال المستوى الدلالي([14]).
         ولتجزئة القرآن الكريم إلى سور فوائد وحكم، جمعها السيوطي في قوله: "الحكمة من تسوير القرآن سوراً، كون السورة بمجرّدها معجزة وآية من آيات الله، والإشارة إلى أن كل سورة نمط مستقل؛ فـ(سورة يوسف) تترجم عن قصته، و(سورة براءة) تترجم عن أحوال المنافقين. وهناك سور طوال، وأواسط، وقصار؛ تنبيهاً على أنّ الطول ليس من شرط الإعجاز، فهذه (سورة الكوثر) ثلاث آيات، وهي معجزة إعجاز (سورة البقرة). ثم ظهرت حكمة في تعليم الأطفال من السور القصار، إلى ما فوقها، تيسيراً من الله على عباده لحفظ كتابه([15]).
 
المقاربة السيميائية لسورة البقرة:
        كان اختياري لـ(سورة البقرة) من بداية سور القرآن الكريم، ذلك أن اسم (سورة البقرة) ظلّ مبعث تساؤل لدينا ككل؛ أنْ تسمّى أطول سورة في القرآن الكريم، وقد تضمّنت كل ما جاء به الدين الحنيف، وقيل في فضلها الشـيء الكثير، باسم (البقرة).. فكيف يصبح هذا الحيوان الأليف معجزة إلهية؟ ما هي الدلالات والإيحاءات التي يمكن أن تحملها، والإشارات التي يمكن أن تتوارى خلف هذه التسمية؟
 
المستوى التركيبي لسورة البقـــرة:
         إن إجراءات سيمياء العنوان قد اهتمت بكلّ الأنساق الدالّة المحقّقة في شكل نصوص، أو في شكل عناصر إشارية دالّة، إلى جانب العناصر الأخرى التي تشتغل على مستوى الخطاب بطريقة خاصة، مثل الأيقونات التي تظهر على صفحات الغلاف، أو داخل المتن النصيّ، أو عناصر ترقيم الفصول والأقسام والبياض الفاصل بين الفصول والفقرات([16]).
        لذا وجب الوقوف عند المستوى الأيقوني لكتاب الله، في محاولة لتتبّع هذه الأنساق الدالّة، بمختلف أشكالها، لرصد مؤشراتها الدلالية التي تحيل على مستوى الخطاب.. فالقرآن الكريم متفرّد عن غيره في كل شيء، بدءاً من مستواه الأيقوني، فهو لا يشبه أيّ كتاب بشري، فقد اشتمل على سور بلغت الأربعة عشر بعد المائة، أفتتح بسورة الفاتحة، وختم بسورة الناس، لا يوجد مثيلها في كتاب غيره شكلاً ومضموناً.
 
المستوى الأيقوني:
       يختلف القرآن الكريم عن غيره من الكتب في طريقة رسمه أو شكله الخارجي، بحيث يبقى متميّزاً عن سواه، ممّا يتعذّر علينا التطلّع إلى القرآن الكريم في جانبه الأيقوني، ومحاولة استثمار هذا الجانب في فهم مضامين النصّ القرآني، إلا من ناحية أنه التفرّد في كل شيء، ممّا يرفع النصّ القرآني عن وجه المقارنة بغيره على أيّ حال من أحواله. فقداسة القرآن الكريم، ومنزلته عند كل مسلم، هي التي تحمل القارئ على تلاوته دون أن تكون هناك حاجة لتأثير الشكل الأيقوني لكتاب الله؛ ذلك أنه كتاب هداية وعبادة في ذات الوقت، كما أن المولى عزّ وجل قد أثاب قارئه الأجر الكثير.
        والقرآن الكريم يتفرّد، من الناحية الأيقونية، عن أيّ كتاب بشـري ببساطه شكله المتميّز، والذي يعتمد على الزخرفة الإسلامية، سواء من حيث الغلاف الخارجي، أو على مستوى صفحاته، التي يتمّ تأطيرها أيضاً بزخرفة، ويوضع اسم السورة هو الآخر في إطار مستطيل مزخرف؛ يكتب على يمينه ترتيب السورة، وعلى يساره عدد آياتها، وتتصدّر البسملة كل سور القرآن الكريم.
        وسرّ الاستفتاح بالبسملة في كل السور، هو دفع المسلم إلى التعامل مع النصّ القرآني بطريقة مغايرة عن أيّ نصّ آخر. وعلى المسلم أن يستحضر عظمة المولى - عزّ وجل - منذ البداية، ليستشعر جلال ألوهيّته وربوبيّته، فيحرص على أن يتلقّى معاني القرآن الكريم من ربّه الرحيم بقلبه وعقله. فالقرآن لا تفهم معانيه، ولا تلقى صداها، إلا في القلوب المؤمنة، ولذا كانت الاستعاذة قبل قراءة القرآن، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ}( سورة النحل الآية 98)([17]).
        فقراءة النصّ القرآني تستوجب تعاملاً خاصاً، يحضر فيه القلب والعقل معاً، حتى يستطيع قارئه أنّ يعيش أجواء آياته، فيستلهم منها المعاني، وتنكشف له حجب الأسرار. والبسملة - كعلامة افتتاحية لكلّ سور القرآن الكريم - تحمل دلالات ومعاني تبعث السكينة والطمآنينة في نفس القارئ، وتمنح النصّ إلقرآني تميّزه الأيقوني.
        إضافة إلى هذا، فإنّ متن السور القرآنية مقسّم إلى آيات مرّقمة، موضوع رقمها في شكل مزخرف في نهايتها. وهذا التقسيم إلى آيات، هو تفرّد آخر يجعل النص القرآني مختلفاً تماماً عن أيّ نصّ آخر. وتتشكّل سور القرآن من آيات، يختلف عددها وحجمها من سورة لأخرى. فوحده النصّ القرآني من انفرد بهذا التركيب. وهذا الشكل دالّ على منتهى الإعجاز في كلّ شيء([18]).
        إن تشكيل النصّ القرآني من آيات تنضمّ لبعضها البعض مشكّلة سوراً، واستفتاح كلّ سورة بالبسملة، يعطي للنصّ القرآني نوعاً من التميّز الفريد، يكتسب به بعداً تداولياً يلقي بظلاله على نفسيّة المتلقّي أنّه أمام كتاب معجز، هو كلام الله خالـقه وخالق جميع الكائنات، وليس كلام بشر مثله قد يصيب أو يخطئ.
         إن التمثــيل الصوتي لاسم (سورة البقرة) يتشكّل من مجموعة من الفونيمــات: سو + ر+ ة + ال + ب + ق + رة. والباحث عن الدلالات الإيحائية لها، يجدها كما لو أنها وجدت فقط لتفضح حقيقة اليهود من خلال صفات هذه الأصوات: فالألف واللام للتعريف؛ تعريف بمعجزة الله لبني إسرائيل، عساها تكون سبب هداية لهم، وأنّى لهم ذلك، فقد نالت (البقرة) شرف الشهادة على ظلمهم لأنفسهم، لأنّ المعجزة ما كانت لتحرّك قلوباً، هي أقسى من الحجارة، فحقّ لهذه البقرة أن تكون معرفة، لأنّها من نوع خاص، لا تشبه غيرها، فألف ولام التعريف تعطيها صفة التميّز. أما صوت الباء الشفوي، والمجهور في نطقه، وهو أول ما يصوّت به الإنسان في مسيرة تعلّمه للغة، فإنّه يحيل على رحمة الله بخلقه، وفي المقابل بتمادي الغافل في غفلته. وزاد هذا المعنى وضوحاً حركتها الفتحة، حيث تفتح فضاءً واسعاً.
       يتبعه صوت (القاف) المجهور، يحمل في ثناياه جهل اليهود بسوئهم، وجدلهم لربّهم. ومخرجه الحلقيّ الدالّ على العمق، يحيل على الظلام الحامل لمعاني الضلال، التي تبعت تاريخ اليهود مذ وجدوا. ووضّحت صفة (الراء)، وهي التكرار، تثبيت هذه المعاني، لأنّ بني إسرائيل ما كانوا ليستفدوا من أخطائهم، بل ظلّوا يكرّرونها مع نزول العقاب بهم.. وآخر الأصوات (التاء) المربوطة، كأنّها هي قلوبهم التي ربطت على العصيان، فما كان لها لتفتح وترى نور الإيمان، حتى تفتح التاء المربوطة في اللغة العربية.
        والمستوى التركيبي لسورة البقرة، يتكّون من المركّب الإضافي الذي نواته لفظة (سورة)، الواردة نكرةً، والمعرّفة بلفظ (البقرة). غير أنّ هذا التركيب لا يشكّل في أذهاننا سوى صورة الحيوان المعروف، فوجود لفظة (البقرة) إلى جانب (سورة) لا تزيدها تعريفاً في الدلالة، وإنما على المستوى الوظيفي فقط، لأن الإضافة في اللغة ستجعل النكرة معرفة.
       أما حين نقول: سورة البقرة، فإن لفظة السورة لن تعرفها لفظة البقرة، إذا أضيفت لها، بل إن الذي يتشكّل في ذهن المتلقّي أن السورة، وهي مجموعة الآيات، تسمّى بالبقرة. وبالتالي هذه الإضافـة تمتنع عن وظيفتـها اللغوية، وتصبح تسمية (سورة البقرة)، كأننا قـلنا فقـط (البقرة)، على مستوى الدلالة.
        ومنه يصبح اسم السورة، أو عنوانها، عبارة عن وحدة معجمية، تمتاز بإضمار سياقي يهدف إلى تبئير الوحدة المعجمية (البقرة)، ومنحها خاصية العنصـر المركزي في الخطاب؛ فإظهار العناصر التركيبية والسياقية، يرجع إلى مقصديه تجعل من (البقرة) عنصـراً أساسياً بين العناصر الموازية للمتن النصـي. لذلك، فإن التبئير التركيبي للبقرة، يمنحها دلالات أساسية بالنسبة لدلالة خطاب النص القرآني.
       إن هذه العناصر الأولى العامة، التي تتميز بها تسمية السورة؛ من تميّز أيقوني، وتبئير بإظهار العناصر التركيبية والسياقية، يفتح الأفق أمام الدلالات الأولية، التي تجعل من تسمية (البقرة) بؤرة مركزية تتجمع حولها كل الدلالات الجزئية التي ينتجها الخطاب القرآني، ممّا يؤهّل اسم السورة بأن يصبح نقطة توالد وانسجام الخطاب. ويبقى اسم (البقرة) لدى المتلقّي، يطرح عدة تساؤلات عن علاقة هذا الحيوان الأليف بنصّ مقدّس هو القرآن الكريم.
       وهكذا يصبح اسم السورة، أفقاً مغلقاً يصعب الدخول إليه، حين نعتمد على الدلالة اللغوية. لذا، فإن اسم (سورة البقرة) لا ينفتح أفقه إلا بالرجوع إلى السياق السوسيو ثقافي، وهذا ما أحاول تتبعه من خلال المستوى الدلالي.
 
– المستوى الدلالي:
       إن الدلالة اللغوية التي يمكن استخلاصها من تسمية (البقرة)، كي تصبح مؤشّرا ًمسـاعداً في الوقوف على التوقّعات الأولية الـتي قد تحتويها السورة، لمحدودة في وجهين:
- البقرة: كحيوان أليف منزلي، يحتاجه الإنسان في بعض حوائجه، فهي تمثّل الخير والمنفعة.
- البقرة: في بعض الثقافات، كالهندية واليهودية، حيوان مقدّس، يمثّل الإله والمعتقد.
           إذا عدنا إلى هذه المعاني الأولية، فإننا لا نجدها كمؤشّرات قادرة على فهم سرّ التسمية بهذا الاسم، فهذا الحيوان، بالنسبة للعرب، لم يكن يعني لهم شيئاً كبيراً، فبيئتهم صحراوية، والحيوان الذي كان عوناً لهم، في هذه البيئة، هو (الجمل)، أما الحيوان المفضّل لديهم، فهو (الحصـان). غير أن القرآن يسمّي أطول سوره باسم، يعدّ إلى حدّ ما بعيداً عن ثقافته، وحياته الاجتماعية.. فتسمية (البقرة) تحيل على الغرابة.
        أما الوجه الثاني لاسم البقرة، وهي كونها حيواناً مقدّساً في بعض الديانات، فهو الاحتمال الذي يجد له ارتباطاً بالنصّ، من باب أن اليهود قد عاشوا في شبه الجزيرة العربية إلى جوار العرب، من مشـرك ومسلم، فقصتهم مع البقرة قد يعلمها البعض، ويجهلها آخرون. فتتضح بعض المعاني من التسمية، لكنها غير كافية لكشف النقاب عن أسرارها، بل تزيد في حيرة المتلقّي.
        وعرض قصة (البقرة) بشـيء من التفصيل، يضـعنا أمام الخطوات الأولى في فهم الدلالات الحقيقية لتسمية (البقرة)، على أن نتتبعها في إطار سياقها السوسيو ثقافي،  وما يمكن أن تحيل عليه.
 
- معجــــزة البقـــرة:
       قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسٌىٰ لِقَوْمِهِ إِنَ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أِن تَذْبَحُواْ بَقَرَة قَالُواْ أتتخذنا هُزُواً قَالَ َأعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ * قَالواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لنا مَا هِي قَالَ إِنَّهُ يقُولُ إِنَّهَا َبقَرةٌ لاَّ فَاِرضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِن لَّنَا مَا لوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِيَن * قَالُواْ ٱدِعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن َّلنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ *  قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ}الآيات (67- 71 ) سورة البقرة.
       إن هذه الآيات الكريمة تقصّ علينا قصة البقرة بأسلوب القرآن الكريم، الذي يحمل في طيّاته العبر الكثيرة، لمن له قلب وعقل يتدبّر. وقد ورد شرح هذه الآيات في كتب التفسير[19]؛ أنّ رجلاً من بني إسرائيل قد قتل، ولم يعرف قاتله، فطلب أهله الحقيقة عند نبيهم موسى عليه السلام، فأتاهم أمر الله بذبح البقرة، فكان جوابهم لموسى - عليه السلام - بأنه يهزأ بهم، فاستعاذ نبي الله من أن ينسب شيئاً لله ما أمره به، فما هذا إلا عمل الجاهلين. حينها طلب بنو إسرائيل أوصاف هذه البقرة، بدلاً من أن يبادروا في الامتثال لأوامر الله بذبح أيّ بقرة وجدوا. فجاءت أوصاف البقرة كما أرادوا. فهي بقرة لا فارض، أي مسنّة كبيرة، ولا بكر، أي صغيرة، عوان أي متوسطة بين المسنّة والصغيرة. ليزجرهم بعد ذلك المولى عزّ وجل عن لجاجتهم آمراً لهم بتنفيذ ما طلب منهم، إلا أن بني إسرائيل – كعادتهم - يجادلون. فلم يستجيبوا إلى أمره بالذبح، وإنما طلبوا أن يبيّن لهم لونها، فكانت البقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين.
       فهل هذا كاف لتعرف ما هيّة البقرة، طبعاً لا؛ لأن البقر تشابه على بني إسرائيل، فهم يسألون عن جنس هذه البقرة العـوان الصفراء الفاقعة اللـون، مدّعين أنهم إذا تسنّى لهم ذلك سيهتدون إلى الحق. فأتاهم الردّ الإلهي بأن البقرة {لاَّ ذَلولٌ}، أيْ: ما ذلّلت للعمل {تُثِيرُ ٱلأَرْضَ}، وذلك بحرثها، كما أنها لا تسقي الزرع، سليمة من كل العيوب: {لاَّ شِيَةَ فِيهَا}، أي: خالصة اللون، لا تشوبها علامة. وعند هذا الحد توقفت مطالب بني إسرائيل فــــــ {قَالُواْ ٱلآنَ جِئتَ بِٱلْحَقِّ}، وكأنّ ما مضى ما هو بحقّ.
       وقد قيـل في قوله تعالى: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ}، لعدم وجود البقرة المتّصفة بهذه الأوصاف، أو لارتفاع ثمنها، وكذلك لخوفهم من اكتشاف أمر المقتول.
       وإذا كان الخطاب، بصفته نسقاً، يتمفصل إلى مجموعة من الحالات الداخلية، التي توجد بينها مجموعة من العلاقات، تحكمها سيرورة داخلية. وأول هذه الحالات، هي الحالة الأولية المتمثّلة في العنوان"([20]).  هذا الأخير ما هو إلا عنصر بنيوي، "تتحدّد قيمته في امتداد المجال الذي يتعالق به، ومن هذا المنظور، فإنّ القيمة لا تتحد في العنصـر بذاته، ولكنها في قيمة موقعية([21]).
        ولمعرفة  كيف أن (البقرة) – كعلامة - ظـلّت تتمظهر بشكل أو بآخر- من خلال  معاني القصة التي تضمنتها - في كامل خطاب السورة، مما سمح بضبط انسجام النص، وفهم ما غمض منه. إذ إنّ اسم السورة هو المحور الذي يتوالد ويتنامى منه الخطاب، فلا بدّ إذن من الوقوف على هذه المعاني المستخلصة من القصة.
       حقيقة الغيب: هي البقرة لحم ميّت ضرب به لحم الإنسان الميّت، لتولد من الموت الحياة، حياة وإنْ كانت قصيرة، فقد انبثقت منها الحقيقة، حقيقة القاتل الذي ظنّ أنه لن يكشف أمره، هو ومن تآمر معه. وحقيقة أعظم منها ظلّت آيةً شاهدة على أن الخالق موجود، إذا أراد شيئاً فإنه يقـول له: {كُنْ فَيَكُونُ}، فهو القادر على أن يحيي الموتى، ويبعثهم من جديد، بعد الموت، دون أن يحتاج إلى سبب. وإذ نجد أن إحياء ميّت بني إسرائيل قد احتاج إلى علّة، وهي الضرب بلحم البقرة، فلأنّهم أمّة لا تؤمن إلا بالمحسوس، فجعل لهم سبباً من نفس اعتقادهم، ولو أنّ الميّت قام دون سبب، لربّما ادعوا أنه (سحر).
       فميّت بني إسرائيل ما كانت لتعود له الحياة حتّى امتثلوا لأمر الله بذبح البقرة، وإنْ جادلوا في أوصافها. فقد ساهم بنو إسرائيل في عودة الحياة لميّتهم، وهذا أحرى بأن يجعلهم يؤمنون بالله، وبقدرته على البعث. ولكن للأسف تبقى المادية تغلب على أرواحهم، فنجدهم يتبّجحون برغبتهم في رؤية المولى عز وجل جهارة: {وَإِذْ قُلْتُم َيا موسٌىٰ لَن نّؤْمِن لَكَ حَتَّىٰ نَرى ٱللّه جَهْرَةً فَأَخذَتْكُمُ ٱلصَّاعـقَةُ َأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}الآية 55-56 سورة البقرة.
       فغلبة المادة على أرواح بني إسرائيل جعل الله لها ما يوازيها في إحياء ميّتهم، سبباً مادياً، وهو لحم البقرة الميّتة، ولو أنهم كانوا يتّعظون بآيات الله التي أراهم إياها، وبأنعمه الكثيرة التي عدّدها المولى عز وجل في هذه السورة، لقطعوا أشواطاً كبيرة في التقرّب إلى الله، والبعد عن هذه المادية، التي تحجبهم عن انطلاقة الروح إلى عالمها الجميل، الذي يمنحها الحرية والانعتاق من سجن المحسوس.
       وأول علامة تتصدّر السورة، والتي عدّت آية لوحدها: {الم}، فهذه الأحرف الاستفتاحية في (سورة البقرة) لها نظيرها في سور أخرى، وقد حاول المفسّرون كشف سرّها، فقالوا في أمرها ما قالوا، ليبقى السرّ سرّاً لا يفصح عن ذاته؛ وتبقى أقـوالهم مجرّد اجتهاد.  فالمولى – عزّ وجل - قد أمر خلقه أن يعبدوه بهذه الأحرف، وإنْ غاب عنهم سرّ معانيها، لأن المولى - عزّ وجلّ - وحده من تفرّد بسرّها.
       فالإيمان بالغيب بدأ مع أول حرف من السورة، من أجل أن يعلم المؤمن أن عقله البشري نعمة من خالقه، مهما أبدع وفكّر، فطاقته محدودة وإنْ اتسعت. وبهذا فالمؤمن طائع لبارئه بعقله، كما هو طائع له بدنه، فمع  البداية الأولى للسورة يقول المؤمن: آمنت بالغيب، وبكلّ ما فيه.
       ومن بديع التعبير القرآني الرائع، أنْ تنسجم الآيات الأولى كلّها في حديثها عن الغيب. قال تعالى: {الم * ذَلِكَ ٱلْكتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلمُتَّقِينَ * ٱلٌّذِينَ يُؤْمِنونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُوَن * أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحونَ}الآيات 1-5- سورة البقرة.
       فبعد صفة الإيمان بالغيب، التي وصف بها المؤمنون، يتبعها ما يتناغم مع الغيب؛ من طاعة هي في حقيقتها إيمان بالغيب؛ فإقامة الصلاة التي هي علاقة بين العبد وربّه، الغائب عنه بذاته، الحاضر أمامه بقدرته، ودلائل وجوده. والمؤمن يتعبّد مرّة أخرى بالغيب، إذ سينفق من الرزق، الذي هو غيب لا يعلمه إلا الله، فوحده من يعلم ما يخفيه للخلق من رزق، لن يعلموه إلا بعد سعيهم في طلبه، ولن ينالوه إلا حين يقدّر عزّ وجلّ ذلك، وسينفقونه بتوفيق منه.
        ثم يضاف إلى ذلك غيب ما أنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم –، وما أنزل على الذين من قبله، فيكتمل الإيمان بالغيب باليقين في الآخرة، وبأنّها حياة أبديّة، تنتظر الخلق، وإليها مصيرهم. إذن، فالإيمان بالغيب مدار الاعتقاد والتكليف، وهو النقطة المحورية والفاصلة بين الإيمان والكفر.
        وإذا كانت الآيات الخمس الأولى قد حدّدت صفات المؤمنين، يتبعها بالنقيض صفة الكافرين، في آيتين، أوجزت أنّ الغشاوة التي على أبصارهم تمنعهم من رؤية الحقّ، فلا تنفع مع ذلك موعظة. فالمادية والإيمان بالمحسوس، هو الذي يسجنهم في هذا العناد والتعنّت من رؤية الحقيقة.
        وبين المؤمن والكافر منزلة أخرى، ظاهرها إيمان وباطنها كفر، هي صفة المنافقين، التي تسهب الآيات القرآنية في تفصيل حال أصحابها، فيعقّب الحديث عنهم بسؤال استنكار، وغرضه التعجّب من هؤلاء الذيــن ما استطاعوا أن يتحرّروا من ماديتهم المفرطة، التي تحجبهم عن رؤية قدرة الله في خلقه، وبساطة إحيائهم وإماتتهم التي ينكرونها، في قـوله تعالى: {كيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوٌاتاً فَأَحْيَإكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}الآية 28 من سورة البقرة.
       وقد تصدّر الحديث عن آدم عليه السلام، كأولّ إنسان بعثت فيه الحياة، لأجل غاية حدّدها له خالقه، لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}الآية 30 من سورة البقرة.
       فذكر آدم – عليه السلام -  يؤسّس بداية البعث الأول للبشر، والغاية من وجودهم، كما يبيّن النهاية المحتومة التي تنتظر كل من يكفر بهذه الغاية. فهي بداية النهاية، حيث يبعث الخلق من جديد، ليحاسبوا على ما فعلوا، فيخلد الكافر في النار، والمؤمن في الجنة.
        فخلق أول الـبشر غيب، والبعث والحساب غيب، والجزاء بالجنّة والنّار أيضاً غيب. فالغيب – كعلامة - تتنامى مشكّلة انسجام خطاب السورة؛ تظهر بعد ذلك كبؤرة مركزية من خلال قصة البقرة، تمتدّ دلالاتها إلى نهاية السورة.
       تمضي السورة في مخاطبة بني إسرائيل على مدار اثنتين وستين آية (من الآية 42 إلى غاية 102)، تذكّرهم بنعم المولى - عزّ وجلّ - عليهم، وتكشف سوء تصـرّفهم مع نبيّهم موسـى - عليه السلام -.
       وفي كل مرّة، هناك تذكير بالغيب. هذه المرّة تمثّل في الحديث عن جبريل - عليه السلام -، وهو ملك جعله الله رسولاً بين السماء والأرض، وكذا بقيّة الملائكة، في قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدَوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدً وَبُشرَىٰ لِلِمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ ومَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّ لِّلْكَافِرينَ}الآية 97-99 من سورة البقرة.
        فمن بداية السورة ظهرت معاني الغيب جملة، ثم بدأ تفصيلها عبر الآيات؛ فتارة بالحديث عن البعث، وأخرى عن آيات الله في خلقه، وحيناً عن الملائكة، وفي أغلب الأحيان يذكّر بقدرة الله على الإحياء والإماتة، لترسخ بذلك صفة الوحدانية التي تفرّد بها بأنّه المحيي والمميت. وستمجّد هذه الصفة من خلال (آية الكرسي)، التي نالت خصوصية تجعلها أعظم آية في القرآن الكريم، وفضلّها الله عن باقي الآيات بمعيّة خواتيم هذه السورة، لما لهما من عظيم الأثر.
        « أمّا صفـة (القيّوم)، فتعني قيامه - سبحانه - على كلّ موجود، كما تعني قيام كلّ موجود به، فلا قيام لشيء إلا مرتكزاً إلى وجوده وتدبيره»([22]). قال تعالى: {ٱللَّه لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ّالسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا الّذِي يَشفَع عِنَدهُ إِلاَّ بِإِذْنهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَمَا خَلفهُمْ وَلاَ يًحِيطُوَن بِشَـيْءٍ مِّنْ علمِهِ إِلأَّ بِمَا شَآءٌ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ}الآية 255 من سورة البقرة.
      هنا قد تجلّت عظمة التوحيد، لأنّه لا يوجد إلا إله واحد، حيّ من الأزل إلى الأبد، قائم بذاته، وبكلّ شيء خلقه، عـالم بشؤونـهم، ولا يخـفى عنه أمرهم، فهو العليّ العظيم، لا شريك له.
      فـ(سورة البقرة) هي سورة التوحيد، تصدّرت المصحف الشريف بعد (الفاتحة)، تبيّن للناس عظمة المولى عزّ وجلّ، وضرورة طاعته. وما علامة التسمية بـ(البقرة) إلا وجه شاهد على ذلك، من خلال ما تنطوي عليه قصة البقرة من معان جليلة؛ كان أهمّها الإيمان بالغيب، بما تتضمّنه هذه اللفظة من دلالة. وأول الغيب هو الإيمان بالحيّ القيّوم، الذي يحي ويميت، وبأيّ كيفيّة يريدها.
     فمعجزة البقرة هي وجه لصفة الحيّ القيّوم، في أبسط أشكالها، حتى يعيشها كل قارئ. فبقدر ما كان المثل بسيطاً، كان فهمه يسيراً، وأثره عظيماً. فـ(البقرة)، كعلامة تحمل معنى الرمز على قدرة الخالق العظيم، الذي يقول للشيء كن فيكون، هذه العلامة التي أصبحت تسمية، أو عنواناً للسورة.
        توزّعت دلالاتها من بداية السورة إلى نهايتها في مواضع عدة. وقد تكون (آية الكرسي) الموضع الذي تبلورت فيه هذه الفكرة، بشكل غدت الآية مركزاً محورياً يشعّ بالدلالات، تجمّعت فيه كبؤرة أساسيّة داخل خطاب السورة، تعمل على ترسيخ التوحيد والإيمان بالله والغيب من خلال هذه الصفة (الحي القيوم)،  فهي بمثابة البنية العميقة والدفينة التي انبثق منها الخطاب، وتفرّعت منه معانيه. خاصة حين ننظر في معاني الآيات التي تبعتها، فهي موضّحة للحرية المطلقة التي أنعم بها الله على خلقه فلا يجبرهم على الإيمان به، وإنْ كان على ذلك قادراً، بل يترك لهم الاختيار بعد إعلامهم بحقيقة السعادة، وهي التمسّك بالعروة الوثقى المتمثّلة في الدين الحنيف، وإذا مــا فعلـوا ذلك طـواعيـة، فـإنّ الله هو ولّيهـم يخرجهـم مـن الظلمات إلى النور. يقول تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}الآية 256 - 257 سورة البقرة. أمّا إذا اختاروا الظلمات على النور، فمصيرهم نار جهنّم.
       إن معجزة أصحاب (البقرة) هي أوّل ما ذكر، غير أن موقفهم بعيد عن كلّ التوقّعات، ورد في قوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُا ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّـهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِـلٍ عَمَّـا تَعْمَلُونَ}الآية 74 من سورة البقرة.
      فبنو إسرائيل إذن لم تكن المعجزة زاجراً لهم، ولا واعظاً يهديهم الصواب، بل ازدادوا تعنّتاً، فشبّه الله قلوبهم بأنّها أشدّ قسوة من الحجارة، لأنّهم علموا أن الحجارة قد فجّر الله لهم منها عيوناً فشربـوا، وأن الجبـل قـد خـرّ حيـن طلب (موسى) - عليه السلام- رؤية المولى عزّ وجلّ.
        فالمعجزة إذن ليست سبباً كافياً للإيمان، فبنو إسرائيل أكثر من أرسل الله فيهم الأنبياء بمعجزات كثر، إلا أنهم ظلّوا على كفرهم. فالبقرة هنا تستحقّ هذه الرمزية الموغلة في العبرة. فالإيمان لن يكون أبداً نتيجة معجزة، وإنْ كانت نتيجة منطقية، حيث يستجيب العقل إلى آليات تفكيره، فلا يتناقض مع قواعدها، ويعلم أن هذا الكون وراءه موجود لا محالة هو خالقه، وتعالى أن يكون شيئا ظاهراً كخلقه. فالبقرة هنا ليست حيواناً، وإنّما رمزاً لقسوة القلب، والكفـر، مع أنها معجزة داعيـة للإيـمان.
        لذا هم يتساءلون: كيف؟ كيف هو موجود ما لا تدركه الحواس؟ وكيف يميت ويحيي، ويبعث مرّة أخرى؟ ليبقى العقل في حيرته، في الوقت الذي يبحث عن سكينته؛ عندما ظنّ أن مفتاح العلم والمعرفة كنوز جادت بها قريحته، ومنطقه، وعقلانيته. فالعقل إذا أراد أن يسبح في مدّ المعرفة التي لا تحدّها الحدود، لا بدّ أن يؤمن بالغيب.
        فبالغيب كانت البداية، وإليه صارت النهاية؛ يقول جـلّ شأنـه في ختام السورة: {للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنـَا وَأَطَعْنَـا غُـفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِـيرُ}الآيتين 284 - 285 من سورة البقرة.
        هو الله غيب عن خلقه، حقيقة في ملكه وملكوته، سواء اعترف بها من اعترف، أو أنكرها من أنكر، فلا أحد يستطيع أن يتفلّت من قبضته، لأنّ ملك السموات والأرض له، وهو عالم بما في أنفسهم، سواء أخفوه أو أظهروه، قادر على أن يفعل بخلقه ما يشاء، وقت ما يشاء، وكل هذا غيب يختصّ به الله وحده؛ يتبع هذا حقيقة تقريرية: أن الرسول قد آمن بما أنزل إليه، وأن المؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته ورسله، وكلّها غيب لن يتحقق الإيمان إلا به، يتبعها الاعتقاد بالمصير المحتوم، وهو العودة إلى المولى عزّ وجلّ.
         والنفس المؤمنـة هي التي تسمع أمر ربّها، فتطيـع، لا أنْ تجادل وتتعنّت، كما فعل بنو إسرائيل، إذ قالوا: {سَمِعْنَـا وَعَصَيْنَـا}. ويمكن تمثيل أولّ ثنائية كشف عنها اسم السورة (البقرة): معجزة الموت تضرب الموت فتولد الحياة التي تكشف الحقيقة، ثم تستسلم إلى الموت من جديد، بقدرة خالقها الحي([23]).
       كان من المفترض أن معجزة البقرة ستكون سبباً في الإيمان لا الكفر، وحينها لن تمثّل على المربّع السيميائي بعلاقة التناقض مع الإيمان. لكن من جاءت في حقّهم المعجزة، وهم بنو إسرائيل، ازدادت قلوبهم من بعدها قسوة، فهي كالحجارة، أو أشدّ، كما وصفهم المولى عزّ وجلّ.
       فهل كانت البقرة تستحقّ هذه المساحة من الذكر، فيثار بسببها كلّ هذا الجدل، وبعد أن تصبح معجزة شاهدة للعيان، تقسو لها القلوب، لدرجة تصبح الحجارة ألين منها؟! هذه القسوة هي التي تفسّر ظهور ثنائية (السمع والعصيان) مع بداية السورة، في قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}الآية 6-7 من سورة البقرة. فكلّ الحواس – إذنْ - عندهم معطّلة.
         والحجارة التي قيست قلوبهم إليها، فإذا قلوبهم أجدب وأقسى، هي حجارة لهم بها سابق عهد، فقد رأوا الحجر تتفجّر منه اثنتا عشر عيناً، ورأوا الجبل يندكّ حين تجلّى عليه الله، وخرّ موسى صعقاً، ولكن قلوبهم لم تلن، ولم تندم، ولا تنبض بخشية ولا تقوى.. قلوبهم قاسية، مجدبة، كافرة.. ومن ثمّ جاء هذا التهديد: {وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}الآية 74 من سورة البقرة([24]).
        إن هذا الحوار القصير بين بني إسرائيل ونبيّهم، لكفيل برسم صورة هؤلاء المجادلين في الحقّ، والمتقاعسين عن الطاعة، والمتشددين على أنفسهم، الباحثين عن الأعذار للتخلّف عن تنفيذ الأوامر، مختلقين الحجج ذريعة للضلال. هي الصورة قاتمة قتامة قلوبهم التي استحوذت عليها الذنوب، فلا  يتحرّجون من أيّ شيء حتّى طلبهم رؤية خالقهم، في الوقت الذي يستخفّون بنبيّهم، قائلين: {ٱدْعُواْ رَبَّــك}، فكأنّما هو ربّ موسى -عليه السلام - فقط. 
        فالبقرة قصة ومعجزة، قصة شعب لا بالنعم اعترف، فحمد الله، ولا بالمعجزة قنع، فاستغفر وتاب. وقد أخذ الحديث عن بني إسرائيل، وتاريخهم الحافل بالعصيان، ثلاثة وخمسين آية متتابعة، توسّطتها قصة البقرة، وابتدأ الحديث بتذكيرهم بنعم الله عليهم، في قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ}الآية 40 من سورة البقرة.
        وما كان تذكيرهم لينفعهم، ولا حتّى في عهد النبوّة، فيسلموا، ويتّعظوا بأسلافهم، بل إنهم قد قتلوا حتّى أنبياءهم، مصداقاً لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}الآية 87 من سورة البقرة.
        فلا بأنبيائهم آمنوا، ولا بمحمّد - صلى الله عليه وسلم - اهتدوا. ويصل منتهى كفرهم أن يقولوا بالصريح العلني: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}، مقولة تختتم بها رحلتهم في هذه السورة، التي رصدت مواقف الأمّة التي رشّحت لحمل الرسالة والاستخلاف في الأرض، فبيّن الله لها الطريق، وأرسل لها الأنبياء، وتفضّل عليها بالنعم، فتقول: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}.
        فماذا تريد بعد ذلك؟ وهل تستحقّ فرصة أخرى، بعد هذه المسيرة الطويلة في تاريخ عصيانها؟ وكأنّ (سورة البقرة) أخذت طولها من طول عصيانهم؛ وفي عصيانهم يقول المولى جلّ شأنه: {إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}الآية 93 من سورة البقرة.
        وتسهم ثنائية السمع والعصيان في انسجام خطاب السورة، بامتدادها على مستوى الاتجاهين: اليسار، واليمين. فاليسار تمثّله مواقف بني إسرائيل، واليمين سيمثّل خطاب المؤمنين، الذين سيمتثلون لأوامر الله  دون لجاجة أو تأخّر، مبدؤهم {سمعنا وأطعنا}. فالبقرة تجسّد الوجه الأولّ لثنائية {السمع والعصيان}، الذي يمتدّ باتجاه ضدّه، مشكّلاً الوجه الثاني لها {السمع والطاعة}، فيتنامى خطاب السورة في ظلّ هذه  الثنائية محافظاً على انسجامه. 
         فبعد أن كان النداء الإلهي مخاطباً لبني إسرائيل، يذكّرهم بالنعم، ويزجرهم عن السوء، فما نفعهم ذلك بشيء، إنّها هي تذكرة من ربّهم، لهم أولاً، ولكلّ الخلق ثانياً. فمن البداية كان السمع والطاعة في أقلّ الأمور شأناً في ظنّ النّاس، وهو تخيّر الألفاظ التي يتواصلون بها مع النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنْ تمّت الطاعة في هذا الأمر، كانت في غيرها أسهل وأوجب.
        وإذا تتبّعنا سياق الخطاب فيما يتعلّق بهذه الآيات المتضمّنة للتكاليف والأوامر، لن نجد المؤمن يتردّد في طاعة أمر ربّه، كما سبق وأنْ وجدنا ذلك مع بني إسرائيل. بل هو الذي يسـارع إلى معرفـة ما يجب عليه من أمـر دينه أو دنياه، ليستجيب بالطـاعة لا بالعصيان. وكأنّ ثنائية السمع والعصيان هي في تناظر مع السمع والطاعة من أجل أن ينسجم بناء السورة، وتتنامى معانيه، وتتوالد دلالاته.
        وقد سبق الحديث عن أصحاب البقرة، التي هي عنوان عليهم، يحمل هذه السمة القارّة فيهم، وهي السمع العصيان، ليكونوا عبرة وتذكرة للجماعة المؤمنة، من جهة، ومن جهة أخرى، ليعلم سرّ تحويل رسالة التوحيد من بني إسرائيل - الذين كذّبوا أنبيائهم، وحرّفوا عقائدهم - إلى نبيّ عــربيّ، هو خاتم الأنبياء، لتبقى أمّته من بعده تنشـر رسالة التوحيد.
       يقول تعـالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شهداء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِـيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّـهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللّـَهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِـيمٌ}الآية 143 سورة البقرة.
         فبقرة بني إسرائيل شاهد وممثّل للسمة الراسخة فيهم، وهي السمع والعصيان، نطقوا بها تصريحاً، لا تلميحاً، وإصراراً دون خوف؛ لذا كانت تسمية هذه السورة باسم المعجزة التي كانت في حقّهم، وهي واحدة من كثير، لأنّها تفضح صورتهم الحقيقية، وتمثّلهم أحسن تمثيل.
         فثنائية (السمع والعصيان) تجسّدها قصة البقرة في أبسط الأشكال وأوضحها. لذا فهي ممثّلة، على المربّع السيميائي، بعلاقة التشاكل والانسجام مع الكفر، لأنه النتيجة الحتمية لهذه الثنائية. كما أنها تشكّل علاقة تضاد مع الإيمان، لأنّ نتيجته الحتمية السمع والطاعة، لا العصيان. وبالتالي، فالإيمان في تناقض مع الكفر، وبالضرورة في تشاكل وانسجام مع السمع والطاعة.
        فالبقرة هي المعجزة الإلهية لقوم اختصّوا برسالة التوحيد، فما أدّوا حقّها، فوجب انتقالها حيث لا تكون المادة حاجزاً عن حقيقة التوحيد، لأن الإيمان لا يحتاج إلى معجزة، وإنما يحتاج إلى الاعتراف بالحقيقة، حيث تكتشفها العقول، وتستشعرها القلوب. فما كانت المعجزات لتنفع بني إسرائيل - على كثرتها -، وما معجزة البقرة إلا إحداها، وإذ تستأثر هي بتسمية السورة باسمها، فلما تحتويه من دلالات وإيحاءات، سبق الوقوف عليها.
       وبساطة التسمية في القرآن الكريم تمثّلها (سورة البقرة)، المسمّاة بهذا الحيوان الأليف، المعروف في حياة كلّ البشر، بما يسمح بترسيخ هذه المعاني في عقول كلّ النّاس، على اختلاف مستوياتهـم العلميـة والعقليـة. فالبقـرة، بماديّتها، تصبح عنوانـاً لـ(لتوحيد).
      البقرة قصة شعب تروي أخطاءه وحماقاته، وتفضح حقيقته، وسوء خلقه. كأنّما البقرة، بحيوانيّتها، تجسّدت في كل فرد منهم؛ فأنّى للعقول أن ترتدع، فهو الجدل يسكنها، والعنت والتشدّد يقودها، وعند الجحود بالنعمة يستوقفها.
       فثنائيّة الغيب والشهادة تمحورت حولها مضامين السورة، وتوالدت عنها ثنائية السمع والطاعة، فغدا نصّ السورة لحمة واحدة، وكلمة واحدة، هي التوحيد. فسورة البقرة هي سـورة (التوحيد)، فلا عجب الآن في أن نجد أول سورة بعد (الفاتحة) تسمّى (البقرة).
        لأن البقرة، بماديّتها، تحمل معنى الضد (الروح / المادة)، ولا حياة للروح إلا بالإيمان، أي التوحيد. ومن جميل ما اختتمت به (سورة البقرة): الدعاء الذي أجراه الله على لسان المسلمين بصيغة الجمع لا المفرد، لأن الفرد يعيش في جماعة، ولا يستقيم حاله إلا بها،  وهي إمّا عون له على الطاعة، أو على المعصية.
        ولأن السورة قد رسمت لنا، في النصف الأول من آياتها، صـورة الجماعة التي أبت إلا أن تكفر بالنعـم، وتحرّف العقـيدة، وتعصي الأوامر. في المقابل، فإن النصف الثاني من آياتها (143– 286)، خطاب للجماعة المؤمنة، يبيّن لهم حقيقة الإيمان، ويوضّح منهجه. فتختلف الصورة، ويختلف الجواب، فهو مناقض لجواب الجماعة الكافرة، فقد قالوا: {سمعنا وعصينا}، وهؤلاء - أي الجماعة المؤمنة – تقول: {سمعنا وأطعنا}، تتبعها بالاستغفار، بما علمته من حقّ ربّها عليها، في الوقت الذي أتبعت {سمعنا وعصينا} بتعقيب المولى عزّ وجـلّ: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}. إذن البون شاسع، والتناقـض واضـح، بين هاتيـن الثنائيتيـن.
         تختتم السورة بالدعاء، في قوله تبارك وتعالى: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ}الآية 286 من سورة البقرة.
       وقبل الدعاء، تقرّر حقيقة التكليف التي لم تتجاوز أبداً حدود الطاقة التي هي في وسع كل إنسان، لذا فالدعاء واجب لما قد يأتي من نسيان، أو يظهر نتيجة خطأ، ومع هذا يبقى الخوف من العقاب، عبرة لبني إسرائيل جرّاء إصرارهم على المعاصي، فقد ابتلاهم الله بالجراد والقمّل والدم، ومسخهم قردة وخنازير.
       لذا فالمؤمنون يرجون ربهم أن يرحم ضعفهم فلا يكلّفهم إلا ما يطيقون، ويطلبون بعد ذلك العفو والمغفرة والرحمة، وهي واردة تباعاً متسلسلة؛ فلئن عفا عنهم، فلا يعذّبهم، ولئن غفر لهم، فقد كفّر عنهم السيئات والذنوب، ولئن رحمهم، زادهم من فضله ثواباً وأجراً؛ فهل يوجد أفضل من هذا الدعاء؟
        ولعلم الجماعة المؤمنة بعظم الأمانة التي حملوها، فهم يؤكدون إيمانـهم بالله {أنت مولانا}، ويستنصرونه به: {فانصرنا على القوم الكافرين}.
 إذن هذه هي حقيقة التوحيد، وهذا هو مفهوم الإيمان؛ اعتقاداً وعملاً ودعاء ورجاء وحملاً لأمانة الاستخلاف في الأرض.. هي الرحلة، وهذه هي بعض معانيها، التي أوجزتها (سورة البقرة) بآياتها الستة والثمانون بعد المائة، تحكي الدروس والعبر، وتقرّر الحقائق والتكاليف.
       هي (سورة البقرة) كلمة واحدة هي كلمة (التوحيد) في حقيقته، والإيمان يحقّقه السمع والطاعة. إنها أطول سور القرآن، يكشف لنا اسمها عن الشفرة الأساسية التي تضمّنها، حتى غدا عنواناً لها.
 
 
 
-  المستوى التداولي لسورة البقرة:
        لا تكتمل المقاربة السيميائية إلا على ضوء المستوى التداولي، حيث سنتتبّع أثر التسمية على المتلّقي، مهما كان مستواه الثقافي، لأن القرآن الكريم يخاطب كل الناس؛ المسلم والكافر، مهما علا شأنهم، أو قلّ. وهو كتاب وجب على المسلم قراءته، والتدبّر في آياته، ومن تكاسل عن ذلك فقد هجر كتاب الله.
        والنص القرآني يفتح خطابه المباشر للمتلقّي دون أيّ واسطة. حيث تصبح الكلمة فيه أمراً لا بدّ من السمع والطاعة له. وهذه الصيغة في الخطاب لا تتواجد إلا في النص القرآني. فمن ذا الذي أمر بالسجود في خطابه، فتسجد له الرؤوس ذليلة خاشعة، إلا الواحد الأحد الحيّ القيّوم.
        إن تسمية (سورة البقرة) تبدو بسيطة؛ بساطة أبسط الناس ثقافة، ربّما فلاح في أرضه يرى هّذا الحيوان الأليف الذي لا يستغني عن فوائده، فيتساءل: كيف يصبح حيوانه اسماً لأول سورة بعد الفاتحة في القرآن الكريم؟ فإن لم يسعفه التفكير في اكتشاف كل دلالات التسمية، فلن يعجز عن تبيّن بعضها، من خلال قراءتـه لمتن السورة، ووقوفه عند قصة البقرة، معجزة بني إسرائيل التي ما زادتهـم إلا قسـوة قلب، فيتّخذها عبرة ودرساً من قوم خانوا فهانوا على خالقهم.
        فأقلّ ما قد تتجلّى من خلاله التسمية لأبسط الناس ثقافة، أن تحيل هذه التسمية على منبعها الذي سيكشف عن حقيقة أصحابها، الذين حرموا شرف الرسالة، وأمانة تبليغ هذا الدين، وانتقلت لغيرهم، لكثرة عصيانهم، مما سيظهر العلاقة بين الاسم وخطاب السورة لدى المتلقّي.
        فالبقرة رمز لمن أساء فحرم، وظلم فما أبصر الحقيقة، وإن كانت المعجزات تتوالى أمام ناظريه. فيستقر هذا الرمز في نفس المتلقّي، كمفتاح يساعد في فهم أسرار النص القرآني، والرسالة المبثوثة من خلاله.
        وتسمية البقرة اليوم لا تتوقف علـى هذه المعاني وحسب، وإنّما تكشـف عن ثنائـية جديـدة تشكّل صراع اليوم، وهي (اليهود والعرب). إنه واقع مرير، وأحداث داميـة لا تنتهـي، تحكـي قصـة الصراع من أجـل الوجود، وكأنّ الأرض ضاقت بأهلها، فما عادت تسعهم في هذه البسيطة؛ طبعاً لا، إنّما الوجود ليس  بقعة أرض كانت مهد الأنبياء، بل ببساطة، هي تحقيق ذات.
       البقرة هي صورة اليهود الحقيقية، فضحتـهم بكـل مواقفهم، وبيّنت عداوتهم للمسلمين، مصداقاً لقوله تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ}الآية 109 من سورة البقرة.
       هذه العداوة تكشف سوء سريرتهم، ومع ذلك يظنّون أنفسهم - ولا يزالون كذلك - أنّهم شعب الله المختار! لكنْ ما صوّرته (سورة البقرة) عكس ذلك تماماً، هم شعب شعارهم السمع والعصيان مع ربّهم، أينفعـهم بعـد ذلك السمـع والطاعة مع البشر؟ إنهم ما عرفوا أدب الحوار مع ربّهم، فجادلوا، فقستْ قلوبهم، أيجدي حوار الخلق معهم؟ وهم قاتلو أنبيائهم، ما استطاعوا أن يجيبوا بالسلام معهم، أينشـرونه الآن مع من يرونهم أعداءهم؟
       سورة البقرة خطاب التوحيد لله، والمعاملة مع البشـر، للمسلم أو غيره.. رسائلها كثيرة، ومعانيها أكثر، قد نكون وقفنا على بعض منها، وغاب عنّا البعض.. فاليهـود في تشاكل مع الحـرب، وفي تضادّ مع السـلام، فهم - إذن - في تناقص مع العرب، الذين هم في تشاكل مع السلام، وفي تضادّ مع الحرب. وتستمر هذه الثنائية: (اليهود والعرب)، مخلّفة هذا الصراع يثور بالحرب، وقد يسعفه السلام، إلى أن يأتي آخر أنبياء بني إسرائيل (عيسـى - عليه  السلام) ليقضي على هذا الصراع، ويحـلّ معـه سـلاماً أبدياً تقوم معه القيامة.
         فلتسمية البقرة إيحاءات كثيرة للمسلم ولغير المسلم؛ فبالنسبة للمسلم قد أوجزت له حقيقة التوحيد، وبيّنت له الإيمان الصحيح، المتبوع دائما بالسمع والطاعة، والرجاء والخوف. كما أنها تشرح سبب انتقال أمانة نشـر التوحيد من بني إسرائيل إلى العرب، وبذلك فهي تبيّن طبيعة العلاقة بينهما، وتفسّر حقيقة الصراع القائم إلى الآن.
        ومع وجود الكثير من الأسماء التي تناسب مضامين السورة، إلا أن المولى عز وجل قد اختار الاختيار الأفضل، الذي قد يعدّ بمثابة الإعجاز في التسمية، لتميّز وتفرّد القرآن الكريم بهذا الاختيار. لقد استطاعت التسمية أن تكون مرتكزاً دلالياً، شكّل بؤرة انبثق منها الخطاب، وتمحورت حولها المعاني، لتمكن المتلقّي من استقبال هذه الدلالات، بالشكل الذي لو غاب فيه النص، فهي كافية في استحضار الصورة من جديد، واضحة وضوح صورة الحيوان في خيال الصغار قبل الكبار.
        وبالتالي، فتسمية السورة باسم البقرة هو اختيار مناسب، مكّن اسم السورة (العنوان) من تأدية وظائفه الانفعالية والاختزالية والتكثيفية والإيحائية، ووظيفة الإحالة نحو ما سمّي به، أيْ متن السورة. فالبقرة باختصار رمز لدلالات كثيرة ، ولا يزال يحتفظ بسره، قد يراه غيري في دلالات أخرى مختلفة؛ تحتاج دائماً للتبرير والتعليل، آملة أن يكون تعليلي مبرّراً لما وصلت إليه من نتائج r
 
قائمة المصادر والمراجع :
المعاجم :
-  رشيد بن مالك، قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص، دار الحكمة الجزائر، 1997. 
المراجع العربية :
الطيب بودربالة، قراءة في كتاب سيماء العنوان، محاضرات الملتقى الوطني الثاني السيمياء والنص الأدبي، دار الهدى  للطباعة والنشر والتوزيع ، الجزائر ، 2002 .
السيوطي جلال الدين، أسرار ترتيب القرآن، تحقيق :عبد القادر أحمد عطا ،دار السلامة ، تونس،1983.
بسام قطوس، سيمياء العنوان ، وزارة الثقافة ، الأردن، ط1 ،2001.  -
حنون مبارك، دروس في السيميائيات، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1 ،1987.
محمد فكري الجزار، العنوان وسميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية للكتاب، مصر ، 1998.
محمد سليمان عبد الله الأشقر، زبدة التفسير، دار النفائس ، الأردن ، ط 2 ، 2004.
نواري سعودي أبو زيد، الدليل النظري في علم الدلالة ، دار الهدى ، الجزائر ، 2007.
سيد قطب، في ظلال القران ، دار الشروق ، لبنان ، ط 11 ،  مج1 ، د ت.
 - عبد المجيد نوسي، التحليل السيميائي للخطاب الروائي، شركة النشر والتوزيع – المدار 2002.
 عمارة ناصر، اللغة والتأويل، منشورات الاختلاف الجزائر، ط1 ، 2007 م . -
عبد الله وآخرون، معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، المركز الثقافي العربي، المغرب - لبنان، ط 2 ،1996.
المراجع المترجمة:
آن إينو، تاريخ السيميائية، تر: رشيد بن مالك، منشورات دار الوفاق، جامعة الجزائر.
جوزيف كورتيس، مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية، تر: جمال حضري ، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2007، ط1.
-  رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، تر: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر، مصر، 1997.
رولان بارت، مبادئ في علم الأدلة، ترجمة: محمد البكري ، الدار البيضــاء 1986.
رولان بارت، المغامرة السيمولوجية، تر: عبد الرحيم حزم، مراكش، ط1، 1993
-ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])  آن إينو، تاريخ السيميائية ، تر : رشيد بن مالك ، منشورات دار الوفاق ، جامعة الجزائر ، ص 14.
([2])  رولان بارت، مبادئ في علم الأدلة، ترجمة : محمد البكري ، الدار البيضــاء 1986 ، ص 61.
([3])  رشيد بن مالك، قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص ، دار الحكمة الجزائر،1997 ، ص 172.
([4])  نواري سعودي أبو زيد، الدليل النظري في علم الدلالة ، دار الهدى ، الجزائر ، 2007 ، ص 13 - 14 .
([5])  رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة ، تر : جابر عصفور ،دار قباء للطباعة والنشر ، مصر، 1997، ص121.
([6])  عبد الله وآخرون، معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة ، المركز الثقافي العربي ، المغرب –  لبنان ، 1996   ط 2 ، ص106.
([7])  رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، ص 107 – 108.
([8])  الطيب بودربالة، قراءة في كتاب سيماء العنوان، محاضرات الملتقى الوطني الثاني السيمياء والنص الأدبي ، دار الهدى   للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر ، 2002  ، ص 28
([9])  عمارة ناصر ، اللغة والتأويل  منشورات الاختلاف الجزائر ، ط1 ، 2007 م ، ص168
([10])  بسام قطوس، سيمياء العنوان ، وزارة الثقافة، الأردن، ط1 ،2001  ، ص 37
([11])  محمد فكري الجزار، العنوان وسميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية للكتاب ، مصر ، 1998  ، ص 811
([12])  رولان بارت، المغامرة السيمولوجية ،  عبد الرحيم حزم ، مراكش ، ط1  ، 1993 ، ص38.
([13])  عبد المجيد نوسي، التحليل السيميائي للخطاب الروائي، شركة النشر والتوزيع  ، المدار - 2002  ، ص 111
([14])  حنون مبارك، حنون مبارك : دروس في السيميائيات، دار توبقال للنشر المغرب،ط1 ،1987. ، ص 81
([15]) المصدر السابق، ص 186.
([16])  عبد المجيد نوسي، التحليل السيميائي للخطاب الروائي ، ص 108 – 109
([17]) المصدر السابق، ص 12.
([18])  السيوطي جلال الدين، أسرار ترتيب القرآن، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار السلامة، تونس،1983، ص   187.
([19])  محمد سليمان عبد الله الأشقر، زبدة التفسير ، دار النفائس ، الأردن ، ط 2 ، 2004 ، ص  10 – 11
([20])  عبد المجيد نوسي، التحليل السيميائي للخطاب الروائي ، ص 121.
([21]) المصدر السابق، ص 121.
([22])  سيد قطب، في ظلال القران ، دار الشروق ، لبنان ، ط 11 ،  مج1 ، د ت. ،  ص 287.
([23])  جوزيف كورتيس، مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية ، تر : جمال حضري ، منشورات الاختلاف ، الجزائر   2007  ، ط1  ،  ص 90،
([24])  سيد قطب، في ظلال القران، ص 80.

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك