موسم هجرة بناتنا إلى الغرب…!

حسن علي كرم

 

سيبقى الارتداد عن الدين والإلحاد والتشكيك بحقيقة الوجود والعدم والدين والمذهب، او الاضطهاد الديني، والهجرة الى البلدان التي تتوافر فيها مساحة واسعة من التسامح وقبول الاخر وحرية الفكر والعقيدة، كل ذلك من المسائل التي ستبقى قائمة وحاضرة للجدال والخلاف والاختلاف، ليس في مجتمع واحد، ولا في عصر واحد، انما الخلاف والاختلاف سمة من سمات العقل الانساني، فالدين اي دين، يقوم على الجدل والاختلاف، ولعل الاسلام من اكثر الأديان التي تعرضت للخلاف والاختلاف، ليس في زمننا هذا فقط، انما هناك تاريخ طويل من السجالات والجدال والنقاش، ليس بين الناس العاديين، انما بين رجال الدين أنفسهم.

ولولا الخلاف لما وصلنا هذا الكم من المؤلفات والحوارات منذ انبثاق النبوة وحتى يومنا هذا، وسيبقى الخلاف والاختلاف حاضراً طالما كان هناك عقل وهناك فسحة للحوار.

من المصادفات الغريبة واللامقصودة، ان تفرق ايام قليلة بين حدثين، الاول انفراد الفتاة السعودية المراهقة رهف القنون بالسفر على متن طائرة الخطوط الكويتية الى بانكوك، ودعوتها من هناك طلب اللجوء الى استراليا زاعمة اضطهاد اسرتها لها، ما يجعلها تبحث عن مكمن يوفر لها الراحة والأمان والاستقلال الشخصي.

أما الحدث الثاني هو لجوء الكويتية أستاذ القانون في جامعة الكويت فاطمة المطر الى أميركا لتصدم الكويت مجتمعاً وجامعة وحكومة ودولة، وتستقر هي وابنتها التي بحضانتها في احدى الولايات الاميركية بعد حصولها على حق اللجوء.

قصة الاستاذة الجامعية فاطمة المطر لا تختلف من حيث سياقاتها عن قصة هروب الفتاة السعودية المراهقة رهف، والفرق بين القصتين ان رهف هربت بزعم اضطهاد أهلها لها، فيما الاستاذة الجامعية هربت من مغبة المحاكمة والسجن “بتهمة المساس والتعدي على الذات الإلهية”.

القاسم المشترك بين السعودية رهف والكويتية فاطمة تهمة، او الزعم بالارتداد عن الدين، وهي تهمة قد تكون تدليسا على الفتاتين، ثم ان الكثير من رجال الفكر والدين وعظماء الفقهاء يقفون على خلاف ما بين حكم الارتداد من قتل المرتد، واللاقتل، وكل له مبرراته وأدلته وذرائعه من القرآن والسنة النبوية.

لكن يبقى السؤال: هل الدين يقف على شخص واحد اذا ارتد أو أعلن إلحاده أو غير دينه الى دين اخر، فالاسلام الذي انبثق على يد رجل واحد وهو محمد بن عبدالله الرسول الأمين الذي ارسله الله الى الانسانية بشيراً ونذيراً، والاسلام الذي يعتنقه اليوم اكثر من مليار ونصف المليار إنسان، هل يخاف عليه اذا ارتد او غيّر شخص او حتى أشخاص دينهم من الاسلام الى دين اخر “ما زاد حنون في الاسلام خردلة… ولا النصارى لهم شغل بحنون”.

لقد نزل الدين الى العقلاء وانزل الله كتبه على العقلاء، ولذلك فالانفتاح والحوار والنقاش لا يجرح الدين، ولا يخاف من المتشككين، لذلك فان ارتداد رهف عن الاسلام – هذا اذا صح – والزعم بتناولها لحم الخنزير المقدد، أو احتساء كأس من النبيذ الأحمر، قطعاً لا الاسلام انهار ولا بمقدور رهف ان تغير من عقيدة المليار ونصف المليار مسلم، والرقم في ازدياد، لكن أظن ان رهف التي ما زالت في سن لا يسمح لها بأن تقرر أو تحكم على الدين أو صحة تصرفاتها، وظني أن الايام كفيلة لكي تحكم على تصرفاتها، وأن الاهم في اعتقادي الا نحكم على فتاة قاصر أمامها مشوار طويل من الزمن كي تراجع وتستعيد تصرفاتها.

خصوصاً ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي عن أخبارها من قبيل التحامل عليها والتعريض بسمعتها، ويبقى الخوف استغلالها لأمور سياسية، وإظهار ان الاسلام ليس دينا للسلام، انما ارهاب واضطهاد، والخوف اكثر من ان يتم ترشيحها لجائزة نوبل باسم الحرية…!

الكويت ليست أرضاً كافرة، والدستور الكويتي بمادته الثانية التي تنص على دين الدولة الاسلام، لم يمنع وجود اديانٍ اخرى يمارس اناسها عقيدتهم على ارضها، فكما ان الدستور الذي نص على ان دين الدولة الاسلام نص على حرية العقيدة والاعتقاد، من هنا فلا تضارب ولا تناقض بين النصين، لكن التناقض يأتي من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حماة للدين، والحقيقة هم أعدى اعداء الدين، حينما يفرضون جهلهم واضطهادهم على الغير.

إن الدين ليس اضطهاداً، لكن الجهلة ومدعي الدين من أنصاف المتعلمين والغلاة والظلاميين الذين تضيق صدورهم من الاخر، هؤلاء هم بلاء الدين وهم اعداء الدين، يبثون الجهل باسم الدين، والاسلام براء من هؤلاء.

يقول الحق تعالى “لا اكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، ولا ينجرح الاسلام اذا تراجع او ارتد احدهم عن الاسلام، لان الاسلام لا يقوم على شخص واحد، فالاسلام عقيدة وفكر وارتباط بالله.

لعل هروب او لجوء الكويتية استاذة القانون الى الولايات المتحدة لم يكن ليحدث لو وجدت في وطنها من العقلاء من حاورها بلا عسف او اضطهاد. المحاكم ليست منصة للحوار الفكري، في ظل الحرب النفسية والإعلام المنحاز المنافق، ومعاداة الاخر، فاذا في وقت ما كانت هذه السيدة ملتزمة ترتدي الحجاب، ثم انصدمت بمواقف متناقضة حدثت أمامها، ما دفعها للتراجع عن التزامها، وان تخلع الحجاب، من المؤكد ان الوزر على هؤلاء الذين يمارسون التصرفات الخطأ التي لا علاقة لها بالدِّين والأخلاق والعقيدة.

نريد للكويت أن تكون حضنا لكل ابنائها وان تغفر للمخطئ وتبحث له عن العذر.

إن الكويت ليست لفئة او جماعة او فصيل حتى ينفردوا بها، ولا هي ارض للنفاق الديني أو الاجتماعي، حتى نقول بلساننا ما يخالف سرائرنا، ولا هناك سلطة على الارض تقرر مصير الناس ان بالجنة او بالنار، فاذا كان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: “وما انا الا بشر مثلكم لا املك لنفسي ضرا ولا نفعا”. ويقول: “لو كنت اعلم لاستكثرت من الخيرات”. فما بال هؤلاء يمنحون أنفسهم سلطة ليست لهم ويتحكمون بمصائر البشر، وينازعون الناس الامنين راحتهم؟

إن الدين لله والوطن للجميع، والجميع هنا كل من تدب قدماه على ارضه، كفانا جهلاً ومصادرة حق الاخر!

المصدر: http://al-seyassah.com/%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%85-%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك