الحوار في الدعوة إلى الله

 

الحوار هو: أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب بشرط مؤكد لازم هو وحدة الموضوع، وشرط محتمل هو وحدة الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين وقد يصلان فيه إلى نتيجة، وقد لا يقنع أحدهما الآخر[1]، وهو أسلوب مهم من أساليب تبليغ دعوة الحق ونصرته ودفع الباطل، لأنها تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، ولأنها أداة وعي مشترك[2].

 

والحوار من الأساليب التي تسير ضمن المنهج العقلي الذي يرتكز على العقل، ويدعو إلى التفكر والتدبر والاعتبار[3]، وهو من الأساليب التي وردت كثيرا في القرآن الكريم[4]، واستخدمها الأنبياء مع أقوامهم[5]، وكذلك استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، فسيرته زاخرة بالمواقف الحكيمة التي حاور فيها قومه[6] وحاجهم.[7]

 

مجالات استخدام أسلوب الحوار:

مجالات الحوار وأشكاله متعددة، ومما يحدد نوعه ومجاله، الهدف الذي يراد الوصول إليه، أو الموقف العام للمجال المحيط به، ومن ضمن هذه المجالات:

1- حوار الخطاب:

وهو الخطاب الموجه الذي لا يستلزم بالضرورة جوابا معلنا، مثل خطاب الله تعالى للمؤمنين، وتصدير خطابه لهم بنداء ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فإذا قرأها المؤمن، لهج قلبه بالجواب: لبيك يا رب.

 

وقد يجري العكس، بأن يخاطب المؤمن ربه بالقرآن، والدعاء، فيجيبه الله تعالى، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدني.. الحديث[8].

 

وقد يستلزم الحوار الخطابي جواباً قولياً أو عملياً في بعض الأحيان، كأن تظهر الموافقة أو الاستجابة على الطرف المخاطَب، وذاك مثل الحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وهند بنت عتبة أثناء البيعة، لما قال: ((تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئا))، قالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه. قال:(( ولا تسرقن))! قالت: والله إن كنت لأصيب من أبي سفيان الهنَّة والهنَّة. قال: (( ولا تزنين))! قالت: يا رسول الله، وهل تزني الحرة!.. الخ[9].

 

2- حوار الاستجواب:

وعادة يكون على شكل سؤال وجواب يوجه من جانب واحد، وهو للاستفهام عن شيء ما وطلب توضيحه، كالحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين حاطب رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي أن أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله، بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله..) [10].

 

3- حوار الإقناع:

وخاصة الحوار الشخصي، فهو أسهل السبل الإقناعية[11]، لبعده عن تشويش الجماهير المحيطين، ولتمكينه الداعية من تفنيد الشبهات الموجودة عند المدعو شبهة شبهة[12]، ومثال الحوار الإقناعي، الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي سفيان، والذي ناقش فيه واقعه العقائدي، حيث تبين له فساده عن قناعة، فقد قال له صلى الله عليه وسلم: ((ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟)) قال بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره، لقد أغنى عني شيئا بعد. قال: ((ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله))؟.. الخ[13].

 

3- الحوار التقريري:

وذلك عند بداية تكون القناعة في ذهن المدعو، فيعمل الداعية على تثبيتها وإقرار صحتها، كالحوار الذي دار بين الزبير رضي الله عنه وبين أبي سفيان، حين قال له وقد تحطم هبل أمام الجميع يا أبا سفيان، قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه في غرور يوم أحد حين تزعم أنه قد أنعم. فقال: دع عنك هذا يا بن العوام، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره، لكان غير ما كان[14].

 

4- حوار التوضيح:

وذلك عند اختلاف وجهات النظر، فيسعى كلا الطرفين المتحاورين إلى إقناع الآخر بوجهة نظره، فيعرضها ويقدم لها من الدلائل ما يؤكد رجحانها، وهذا ما يقع غالباً بين الناس، وصاحب الكلمة الأخيرة هو الأقوى حجة والأحسن تعبيراً.

 

وقد يستخدم الحوار التوضيحي من طرف واحد عند إرادة شرح وتوضيح الغامض على الطرف الآخر، كحوار النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار على الصفا، لما جاءه الوحي بقولهم، فقال: (( يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله. قال: (( قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته)). قالوا قد كان ذاك. قال: (( كلا إني عبد الله ورسوله. هاجرت إلى الله وإليكم. والمحيا محياكم. والممات مماتكم)). فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله ورسوله يصدِّقانكم ويعذرانكم))[15]. فبين لهم أنه هاجر إلى الله وإلى ديارهم لاستيطانها، فلا يرجع عن هجرته التي وقعت منه لله تعالى، بل إنه ملازم لهم لا يحيى إلا عندهم، ولا يموت إلا عندهم[16].

 

5- حوار التعليم والتوجيه:

وكثيرا ما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة الاستنباطية لاستخراج الحقيقة العلمية المنشودة من أفواه المدعوين، حيث يلقنهم الدين على شكل سؤال وجواب، بعيدا عن الإلقاء والسرد، فتتفتح أذهانهم لتلقي هذه الحقائق بعد تشوق النفوس لها[17]، وفائدة ذلك، سوق المتعلم في الطريق العلمي المطلوب بنفس السرعة التي يسير بها المعلم، إذ أن من أخطر آفات السرد والإلقاء المجرد، أن يسير المعلم في إلقاءه شوطا أو أشواطا إلى النتيجة العلمية المطلوبة، بينما لا يزال السامع واقفا حيث هو، أو متعثرا لم يستفد علما أو يكسب فهما[18]، ومثال ذلك حديث جبريل عليه السلام المشهور لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض أصول الدين على شكل حوار قائم على السؤال والجواب.

 

ومما يدخل ضمن هذا الأسلوب: سؤال الصحابة واستفهامهم عن أحكام الإسلام، فيجيب صلى الله عليه وسلم إجابة وافية تفيد المتعلم ومن وراءه من الناس، وتكون قاعدة يسير عليها الجميع، مثل سؤال هند بنت عتبة عن حقها في النفقة، وحكم ما أخذته من مال زوجها دون علمه، عندما سألت فقالت: (يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك))[19].

 

ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن منزله في مكة، أجاب بقوله: وهل ترك لنا عقيل من منزل)) ثم يبين القاعدة الشرعية: (( لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن)).[20]



[1] بتصرف، أصول التربية الإسلامية ص 185، وانظر الدعوة إلى الله: د. توفيق الواعي ص 289.

[2] بتصرف، الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية: أحمد الصويان ص 28، دار الوطن الرياض، ط: 1، 1413هـ.

[3] بتصرف، المدخل إلى علم الدعوة ص 208.

[4] كحوار الله تعالى مع الملائكة في سورة البقرة من آية 30 - 33.

[5] كحوار إبراهيم عليه السلام مع النمرود في سورة البقرة آية 258.

[6] كحواره مع عتبة بن ربيعة أنظر قصته في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام 1 /313.

[7] للاستفادة انظر الحوار أصوله المنهجية أحمد الصويان من ص 18- 27.

[8] بتصرف، أصول التربية الإسلامية ص 186- 196، والحديث في صحيح مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها، قرأ ما تيسر له من غيرها 1 /296 ح 395.

[9] سبق تخريجه ص 135.

[10] سبق تخريجه ص 109، ولفظه عند الإمام البخاري كتاب المغازي باب فضل من شهد بدرا 5/8.

[11] بتصرف، كيف تقنع الآخرين ص 111.

[12] كحوار ابن عباس رضي الله عنه مع الروافض، انظر للاستفادة المصنف لعبد الرزاق 10/ 157، ومسند الإمام أحمد 1 /342، والمستدرك على الصحيحين 2 /150.

[13] سبق تخريجه ص 117، ومن أمثلة ذلك قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود، انظر صحيح البخاري 6/ 187 وصحيح مسلم 2/ 1137، انظر كيف تقنع الآخرين 129.

[14]انظر أخبار مكة 1 /122، وانظر إمتاع الأسماع 1 /384.

[15] سبق تخريجه ص 125.

[16] بتصرف، صحيح مسلم بشرح النووي 12 /129.

[17] بتصرف، الرسول والعلم ص 150.

[18] بتصرف، منهج تربوي فريد في القرآن ص 38- 39.

[19] سبق تخريجه ص 278.

[20] سبق تخريجه ص 220.

المصدر: https://www.alukah.net/sharia/0/100775/

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك