التواصل الحضاري طريق المسلمين الدعوي نحو الآخر

د: محمد عبد المنعم البري

 

تمر الأمة الإسلامية اليوم بواحدة من أشد المحن التي يمكن أن تعاني منها أمة على وجه الأرض، إن لم تكن أشدها بالفعل، فذوبان الهوية، والتخلف المادي، والضعف الفكري، والهزائم العسكرية بعض أعراض هذه الأزمة الحضارية الشديدة التي تحاصر المجتمعات المسلمة.

 

لقد أفرزت هذه الحالة المرضية كثيرا من القضايا الشائكة، والأفكار المتطرفة، والعنف، وجعلت من الإسلام، أو بتعبير أدق: من المسلمين، صيدا سهلا لقوى الشر الخارجة، التي تحاول منذ زمن بعيد النيل من ثروات هذه الأمة وعقيدتها وتراثها وحضارتها.

وفي محاولة لتفهم بعض مظاهر هذه الحالة التي تعيشها الأمة اليوم؛ يأتي هذا اللقاء مع الدكتور محمد عبد المنعم البري الرئيس السابق لجبهة علماء الأزهر الشريف؛ حيث نتعرف على آرائه في عدد من القضايا المثارة على هامش هذه الحالة في هذه الآونة، مثل:

 جدوى حوار الحضارات، والحوار الداخلي مع الأنا، وغيرها من القضايا لا تزال تحتفظ بأهمية كبيرة لدى القارئ المسلم.

 

·        ما رأيكم فيما يثار حول ضرورة (حوار الحضارات)؟

·    وكيف تنظر إلى جدوى هذه الحوارات وفائدتها بالنسبة للمسلمين، في ظل الأزمة الحضارية التي يعيشها العالم الإسلامي الآن؟

** ظهور الحديث حول حوار الحضارات في هذا الوقت يثير شبهة كبيرة، ويجعلنا نميل إلى أنها كلمة حق أريد بها باطل؛ لأنه إذا كان المقصود بحوار الحضارات هو الموازنة بين حضارة الإسلام التي أشرقت على الدنيا وغمرتها بضعة قرون، وبين الحضارات القائمة الآن على أساس مادي في الشرق أو في الغرب؛ فإن مثل هذا الحواروالحديث حوله يكون غير متوازن؛ وذلك لتغاير الأساس الذي تقوم عليه كل من الحضارتين الإسلامية والغربية؛ فحضارة الإسلام أساسها عقدي روحي وحضارة الغرب أساسها مادي بعيد تماما أو غالبا عن الروح، هذا من ناحية.

 ومن ناحية أخرى فإن حضارة الإسلام أصابها ما أصابها في القرون الأخيرة، وبالتالي فإنها لم تستفد بوسائل التقدم الإنسانية التي ينبغي أن تستفيد منها كل حضارة، بينما حضارة الغرب نهضت على أنقاض حضارة الإسلام مستفيدة منها في الجانب العلمي والتجريبي من ناحية، ومنكرة لأصلها الروحي والعقدي من ناحية أخرى، ومن هنا يأتي عدم التوازن في مثل هذا الحوار.

 

لكن إن قصد بهذا ما كان يسمى بحوار الأديان وأريد بكلمة الحضارات التغطية على مثل هذا الحوار؛ فإن فرص التقارب بين الأديان، لا أقول عفا عليها الزمان، ولكن مسها ما مسها من تغيير بشري مقصود، وبين دين الإسلام الذي تكفل الله بحفظه حين قال (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، والذكر هو القرآن، وحفظ القرآن حفظ للإسلام، فإني أرى أن مثل هذا الحوار لا مجال فيه للتقارب؛ لأن ما أصاب الأديان السابقة يهودية ونصرانية كان تحريفا شديدا أخرج الدين عن أن يكون دينا. ولا أود أن أدخل في التفاصيل فهي معلومة لدى الجميع حتى من يدعون تبني مثل هذا الأمر.

 

وقد أتيح لي في بعض زياراتي للخارج، ومنها زيارة للولايات المتحدة منذ عشرين عاما تقريبا، أن أتكلم مع معتقدي الأديان السابقة وأن أمس موضوع بنوة المسيح لله تعالى كما يزعمون، فكان الرد الذي سمعته أننا لا نستطيع التحدث في مثل هذه الأمور، لكنهم في المقابل ينتهزون فرصة وجود من لا يعلم حقيقة ما في صدورهم وحقيقة التحريف الذي وقع في أديانهم أو ينتهزون فرصة بعض الرسميين الذين يجاملون فيثيرون مسألة حوار الأديان.

 

* ألا ترى حاجتنا الماسة إلى حوار داخلي؛ يتم فيه تقويم الفكر الإسلامي وتوحيد صفه، قبل التفكير والإقدام في حوار مع الآخر؟

** بادئ ذي بدء، الحرص على وحدة الصف الإسلامي لابد أن يكون قائما عند أصحاب الدعوات الصحيحة والجادة؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى يوصينا بذلك في الآية 111 من سورة آل عمران (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..) والمقصود هو الأخوة الإسلامية، ويقال سبحانه وتعالى في أول سورة الصف: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنه بنيان مرصوص).

 

 وتأخير نصرنا حتى اليوم سببه أن صفنا ليس بنيانا مرصوصا، ويوم أن نصل إلى الصف المرصوص بإذن الله تعالى سيكون الله معنا، ويوم يكون الله معنا فلابد من النصر إن شاء الله.

 

نأتي بعد ذلك لنقول: إن استواء الصف داخل الجماعة المسلمة واجب أولي؛ لأن بعض الفرق يتحقق فيها ما قيل في غيرهم (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)، ويأتي استواء الصف داخل الجماعة من الإخلاص أولا، ومن الحب ثانيا، ومن إدراك الأخطار القائمة ثالثا، فإذا استوى الصف داخل الجماعة الواحدة؛ فينبغي أن ينسحب ذلك على الجماعات الأخرى الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى.

 

·        الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني في هذا الوقت بالذات... ألا ترى أنها تحمل خلفها الكثير من علامات الاستفهام؟

·       

** إن اختيار هذا الوقت بالذات لتجديد الخطاب الديني يدل على أنه كلمة حق أريد بها باطل.

 إذا كان تجديد الخطاب الديني يعني التجديد في الأسلوب، فإن هذا لا يستطيع أحد أن يعترض عليه، مثلا إذا تطرقتم إلى طريقة الخطابة المنبرية القديمة تجدون أن الخطبة تكون عبارة عن مجموعة من المقاطع المسجوعة، ولا يهم ما فيها من معان وإنما يهم أن يكون لها مثل هذا الرنين.

بعد ذلك حسب تجديد الخطاب الديني كان الاهتمام بالمعاني، وطبعا العصر الحديث دخل فيه العديد من الأمور التي تجعل التجديد فيه واجبا، وأنا أعود بكم إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة هذا الدين" حديث صحيح رواه أبو داود وغيره( راجع صحيح أبي داود)، وبالطبع هذا التجديد المقصود ليس تجديدا في الأصول، وإنما هو تجديد في الأساليب.

 

 وفي الوقت نفسه ربما يكون فيه تجديد في الفروع؛ كالأشياء التي لم تحدث في الأزمنة السابقة فتحتاج إلى اجتهاد جديد، لكن أن يفهم التجديد الفهم الأمريكي بأن تحذف بعض الآيات الكريمة كالآيات التي تحث على الجهاد، وأن تعلن بعض الاجتهادات الفقهية التي يعتبرونها مصدرا لما يسمى إرهابا أو تطرفا، وأن تعدل المناهج الدراسية لتدرس السماحة بالمفهوم النصراني من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، فإن هذا لن يحدث، ولن يقبل المفكرون المسلمون ولا أهل الحل والعقد بأن يسمحوا بأن يضرب المسلمون على الخد الأيمن وأن يديروا الخد الأيسر، وإنما سنستمسك بإذن الله بما قاله رب العالمين في كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس...) هذا هو حكم الله عز وجل لا تبديل ولا تغيير فيه، فإن كانت السماحة معروضة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فإن السماحة ليست كما هي معروضة عندهم بل السماحة في موضع القوة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

المصدر: http://www.lahaonline.com/articles/view/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك