الخلفية الدينية للدعم الغربي لإسرائيل

د. علي المطرفي
 

يشترك اليهود والنصارى في خلفية دينية واحدة تشكل جزءا مهما من العلاقات بينهما وإن اختلفت تفاصيلها بين اليهود وبين النصارى أو بين فرق النصرانية نفسها. وهذه الخلفية الدينية مرتبطة بتفسير جزء كبير مما جرى في الماضي وما يجري اليوم في فلسطين من اليهود والنصارى ، بل إنها مرتبطة ارتباطا كبيرا بمستقبل العلاقة مع الغرب ، ولاسيما ما يتعلق بدعمه لإسرائيل ، وردود أفعاله ومواقفه من الأزمة في فلسطين ، ومن إخواننا الفلسطينيين والمسلمين بعامة.

والحديث هنا هو عن بيان أسس هذه الخلفية الدينية المؤثرة في الغرب النصراني من خلال مسلمات النصارى أنفسهم ؛ لمعرفة كيف يفكرون من خلال ما يؤمنون به ؛ وليطلع الكثير من مثقفي العالم الإسلامي وسياسيه على مصادر أهل الكتاب ومواردهم الحقيقية فيما يتعلق بفلسطين بخاصة والدول العربية والإسلامية بعامة؛ وليعلموا أنها مصادر دينية تنبع من توراتهم وأناجيلهم المحرفة؛ وليتبينوا أن أهل الكتاب مستمسكون بدينهم المحرف المنسوخ وإن زعموا - تضليلا ومكرا - غير ذلك0

إن هذا الإرث الديني المشترك بين النصارى و اليهود أو العقائد النصرانية المتهودة بعامة والبروتستانتية المتصهينة بخاصة وقفت و تقف خلف الدعم الغربي لليهود ولإسرائيل منذ ما قبل قيامها وإلى اليوم ، إلا أنها ازدادت تمكنا في قلوب النصارى مع مرور الوقت ، ومشاهدة ما يزعمون انه واقع معاش يصدق نبواتهم التوراتية والإنجيلية المزعومة0

و على كل فالمعروف أن البايبل أو الكتاب المقدس عند النصارى يتكون من قسمين هما : العهد القديم ( أو التوراة الحالية تجوزا ) والعهد الجديد ( أو الأناجيل ) . فالعهد القديم عندهم هو : مجموعة من الأسفار التي يرى أهل الكتاب أنها وحي إلهي على نحو عام . بل هناك من يرى أنها وحي باللفظ والمعنى . وتبلغ عدد أسفاره عند البروتستانت من النصارى ( 39) سفرا متبعين في ذلك اليهود العبرانيين ،أما الكاثوليك والأرثوذكس فيرونه ( 46 ) سفراً 0 وعلى نحو عام يعده النصارى كاليهود وحيا إلهيا بكل ما يؤدي إليه ذلك من : الإيمان بصحة نصوصه ، والسعي لاتباع الكثير من عقائده ، وتصديق نبواته، والدفاع عنها عن عقيدة وإيمان . أما العهد الجديد أو الأناجيل فهي تخص النصارى وحدهم حيث يكذبها اليهود جملة وتفصيلا

وإن من النصوص الإنجيلية التي يرون إنها غرست إيمانهم بالعهد القديم ما ينسب إلى عيسى عليه السلام أنه قال : (( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس [ توراة موسى علية السلام ] أو الأنبياء [ أسفار أنبياء بني إسرائيل الآخرين ]ما جئت لأنقض بل لأكمل ))(1) ولا شك أن الإنجيل الحق مكمل للتوراة الصحيحة ، ولعل هذا من الروابط التي بقيت بعد تحريفهم لكتبهم ، لكن الواقع أن كلا الكتابين خاص ببني إسرائيل ، فلا يدخل في ذلك اليونان ولا الرومان أو غيرهم ؛ لكن لما حرف اليهود الإنجيل عن طريق بولس وغيره كان مما ادخلوا فيه من عقائد يريدون بها إفساد الإنجيل وإبعاده عن أن يكون موجها لهم و ضد مصالحهم المختلفة : عالمية النصرانية ؛ و الواقع أن ذلك أدى إلى ربط النصارى من الأمم الأخرى بالتوراة المحرفة المملوءة بتمجيد اليهود وتفضيلهم ومحبتهم ووجوب خدمتهم... إلى غير ذلك مما سيمر بنا إنشاء الله .

وعلى كل أصبح تقديس التوراة الحالية من قبل النصارى هو أهم عامل ربط النصارى ويربطهم من خلال العقيدة بخدمة اليهود والدفاع عنهم والخضوع لهم . فكل مدح وتبجيل لليهود،أو وعد لهم ، أ و وعيد لغيرهم ، أو نبوة صادقة أو محرفة ، أو قصة تاريخية صحيحة أو كاذبة ،أو غير ذلك مما يزعمون انه في توراة اليوم مطلوب من النصارى أن يؤمنوا به ، ويصدقوه ، ويؤيدوه ، بل ويساعدوا – في زعمهم - على تحقيق ما يرون انه لم يقع بعد - كما يرى جيمي سواغارت وبات روبرتسون وغيرهم - فضلا عن الدفاع عنه.

ولذا يعتقد الكثير من النصارى أنهم بذلك يحققون أوامر الرب ووصايا المسيح عليه السلام وأنهم مثابون إذا نفذوا ما جاء في توراة اليوم المحرفة ولاسيما ما يرتبط باليهود، الشعب المقدس عندهم الذي ولد منه ربهم بحسب الجسد - كما يزعمون – المسيح وحاشاه عليه الصلاة والسلام ، وما يرتبط بفلسطين الأرض المقدسة التي ولد على ثراها ربهم بزعمهم ، والأقنوم الثاني من أقانيم ثالوثهم الوثني ( الابن ) وسوف يأتي إليها ثانية (2) ... إلى غير ذلك.

وكنتيجة طبعية لتقديس النصارى للتوراة الحالية أصبحت هناك عقائد توراتية نصرانية ليست بالقليلة تخدم اليهود خدمة كبيرة 0 و أصبحت هذه العقائد معينا لا ينضب في صالح اليهود حيث تجبر النصارى على خدمة اليهود عن عقيدة وإيمان ، بغض النظر عن ما يستخدمه اليهود من مكر وأساليب من أساليب الشيطان .وإن من أهم هذه العقائد ذات العلاقة بموضوعنا ما يلي :

أ- عقائد نصرانية نابعة أساسا من التوراة تسخر النصارى لخدمة اليهود والخضوع لهم ، ومـن ذلك:

1- اعتقادهم أن الله وعد بني إسرائيل أن يعطيهم فلسطين إلى الأبد بعد طرد اليهود للفلسطينيين فقد جاء في التوراة الحالية ما نصه : (( ألست أنت إلهنا الذي طردت سكان هذه الأرض [ فلسطين] من أمام شعبك إسرائيل وأعطيتها لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد ))(3) وقوله ((إنكم [ يابني إسرائيل] عابرون الأردن إلى أرض كنعان فتطردون كل سكان الأرض [فلسطين] من أمامكم ... وتخربون مرتفعاتهم وتملكون الأرض وتسكنون فيها لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها ))(4) ،وغيرها كثير.

ومن ثم فالنصارى ينظرون إلى فلسطين على أنها حق ديني طبعي لليهود ، فهم حين يهاجرون أو يهجَّرون إلى فلسطين إنما يهاجرون إلى ملكهم وفق وعد الهي – بزعمهم- ولذا ساعدوهم ويساعدونهم على الهجرة من قديم بشتى السبل الحسية والمعنوية والمادية وغير المادية ومنها القرارات السياسية على المستوى الدولي لتحقيق هذا الوعد الديني وتحويله إلى واقع ملموس ، وإن من أشهر ذلك كما هو معروف : وعد بلفور، الذي يقول عن نفسه : (( أنا صهيوني أكثر من أي صهيوني )) ولذا يقول وايزمان - عن بلفور - في مذكراته :(( أتظنون أن بلفور كان يحابينا عندما منحنا الوعد ..كلا إن الرجل كان يستجيب لعاطفة دينية يتجاوب بها مع تعاليم العهد القديم )) (5) .

 

2 – ومنها ما يزعمون انه وعد إلهي بإعادة اليهود إلى فلسطين وتجميع اليهود فيها من جميع أنحاء العالم وقد جاء في التوراة الحالية ما نصه (( قال السيد الرب ها أنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها وأجمعهم من كل ناحية وآتي بهم إلى أرضهم )) (6)ويشير أحد النصارى إلى هذه العقيدة والتي قبلها عند بني دينه فيقول : (( إن عودة اليهود إلى أرض الميعاد [ فلسطين ] وامتلاكهم لأرض كنعان إرادة إلهية وحق ديني موعود به من الله لهم ولأحفادهم من بعدهم بحسب توراة موسى الكتاب المقدس لدى اليهود والمسيحيين معا ))(7)

ولهذا وقف البروتستانت منذ نشأتهم خلف تهجير اليهود إلى فلسطين – للمساعدة على تحقيق النبوتين السابقتين بزعمهم - فقد نادى مارتن لوثر الزعيم البروتستانتي المشهور بتهجير اليهود قسرا إلى فلسطين وذلك في بداية القرن السادس عشر الميلادي ( منتصف العاشر الهجري تقريبا ) كما أنشأ الإنجليز- على سبيل المثال - في عام (1809م) جمعية تنصيرية من أول أهدافها تجميع اليهود المتفرقين في العالم وتهجيرهم إلى فلسطين (8) ؛ ولذا ليس غريبا أن تقول دائرة المعارف البريطانية : (( إن الاهتمام بعودة اليهود إلى فلسطين بقي حيا في أذهان النصارى المتدينين وعلى الأخص بريطانيا التي كان اهتمامها أكثر من اهتمام اليهود أنفسهم ))(9) . وما ذلك إلا للعقائد النصرانية ولا سيما البروتستانتية .

ومن المفارقات المهمة في النبوات المزعومة السابقة أن الكاثوليك (10)– بعامة – يرون أن هذه النبوات تحققت قبل المسيح عليه السلام بينما يرى البروتستانت(11) أنها هي التي تمت حديثا من قيام دولة إسرائيل(1948م)

 

3- من عقائد النصارى أيضا أن اليهود مباركون في أنفسهم ومبجلون من قبل الرب وأنهم الشعب الذي ولد منه ربهم – بزعمهم – السيد المسيح عليه السلام الذي يرونه بحسب الجسد يهوديا من بني إسرائيل . فقد جاء في التوراة ما نصه (( أسكب روحي على نسلك وبركتي على ذريتك )) كما جاء في الأناجيل أن بطرس قال مخاطبا بني إسرائيل : (( أنتم أبناء الأنبياء والعهد الذي عاهد الله آباءنا قائلا لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض )) (13) كما يقول مقدس النصارى بولس : (( لأجل إخواني حسب الجسد الذين هم إسرائيليون ولهم المجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد ولهم الآباء ومنهم المسيح … ))(14) .

4- من عقائد النصارى التوراتية المرتبطة بما سبق والتي لها تبعات دينية ودنيوية عميقة بين النصارى : ادعاء أن اليهود شعب محبوب من قبل الرب وأنهم الشعب المختار لله بل يعدونهم أولاد الرب وأبناء الله الحي - بزعمهم - جاء في التوراة الحالية ما نصه (( لأنك شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض ... من محبة الرب إياكم ... )) (15) وقوله : (( أنتم أولاد للرب إلهكم ... لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض ))(16). وقد كذبهم الله – سبحانه وتعالي- جميعا في محكم التنزيل فقال : (( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق ...))(17) الآية

 

5- كذلك من عقائد النصارى التوراتية أيضا والمؤيدة بنصوص إنجيلية :عقيدة مباركة الرب لمن يبارك اليهود ولعن الرب لمن يلعن اليهود في زعمهم وهو ما يعني وجوب مباركة النصارى لليهود لينالوا بركة الرب والحذر كل الحذر من لعنهم لليهود كي لا يتعرضوا للعن من قبل الرب . جاء في التوراة ما نصه (( ليكن لا عنوك [ يا إسرائيل ] ملعونين ومباركوك مباركين ))(18)((وقوله (( و أبارك مباركيك ولاعنك العنه ))(19) وقوله (( مباركك مبارك ولاعنك ملعون (20)

والمقصود عندهم بمباركة إسرائيل دعم اليهود وتأييدهم ومناصرتهم في كل الأمور. كما أن المقصود بلعن اليهود عكس ذلك : كإيذائهم والتقصير في دعمهم وتأييدهم وما شابه ذلك . يقول مايك ايفنز : (( إن الله يريد من الأمريكيين نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس لأن القدس هي عاصمة داود ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود من أن يكون لهم حق اختيار عاصمتهم وإذا لم تعترفوا بالقدس ملكية يهودية فإننا سوف ندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا إن الله سيبارك الذين يباركون إسرائيل وسيلعن لاعنيها )) (21)فهاهو يشرح المباركة واللعن عمليا وينهي ذلك باقتباس النص التوراتي آنف الذكر للتأثير على المخاطبين . كما يقول جيري فولويل – القس المشهور والقسيس الرسمي لرونالد ريجن - : (( لقد بارك الله أمريكا لأننا تعاونا مع الله في حماية إسرائيل التي هي عزيزة عليه )) (22) .

6- أن المسيح سوف يأتي ثانية ولكن مجيئه مرتبط بتحقق نبوات معينه منها:

o هجرة اليهود إلى فلسطين أو بالأحرى تهجيرهم .

o إقامة دولة إسرائيل بعاصمتها ( الأبدية ) القدس.

o هدم المعبد ( المسجد الأقصى حرسه الله ) وإقامة هيكل سليمان مكانه . وهذه النبوات –المزعومة – مشتركة بين اليهود والنصارى ، والملاحظ أن الأمرين الأولين تحققا تقريبا لحكمة، يعلمها الله سبحانه وتعالى ولم يبق إلا أن تتخذ القدس عاصمة رسمية ، أما هدم المسجد الأقصى فهم يسعون جادين لذلك و قد وضعوا في العام الماضي ( 1422هـ ) مجسما للهيكل في ساحة المسجد الأقصى ولا أراه مجرد حلم أو زخرف لخداع الرأي العام عندهم ، فهل يستيقظ المسلمون والعرب بخاصة ؟ و هناك نبوات مزعومة ينفرد بها النصارى إضافة إلى ما سبق منها :

o تنصير العالم أجمع ، أو دخول الإنجيل إلى كل مدن العالم ، فيما يزعمون .

o قيام حرب عالمية بل بعضهم يراها حربين ولكن يهمنا منها حرب يسمونها بمعركة هورمجدون ، يرونها بين العرب - ومعهم إما روسيا أو فارس أو الحبشة ...الخ ويقولون إن العرب يحاولون من خلالها تدمير إسرائيل ( المقدسة عندهم ) - وبين أهل الكتاب ، ويعتقدون أن رحاها سوف تدور في فلسطين بل في وادي مجدون ، ويرونها حرب دمار شامل ؛والمهم ليس صحة النبوة من عدمها عندنا وإنما معرفة ما يبنيه النصارى على مثل هذه الاعتقادات من قرارات وتصرفات 0 والعجيب أن تأثر اعتقاد النصارى وبخاصة البروتستانت - ومن أبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا - بهذه الحرب واضح جدا في السياسة الخارجية للدول البروتستانتية تلك السياسات المرتبطة بالعالم العربي والإسلامي ومن ذلك ما يسمونه بـ : محاربة الإرهاب ، و منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة ؛ حيث يجتهدون في منع هذه الأسلحة عن العرب بخاصة والمسلمين بعامة0 بينما يمكنون لإسرائيل كل ما تريد من أسلحة الدمار الشامل ، ومن وسائل إيصالها إلى أقصى المدن العربية والإسلامية حتى ؛ إذا ما جاءت تلك الحرب - فيما يرون - كانت إسرائيل مهيأة تماما لها ، فضلا عن أنهم من خلفها بل معها آنذاك بالطبع كما يزعمون . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هذه بعض العقائد التي يرونها شرطا لمجيء المسيح عليه السلام إذ قبل تكاملها لا يأتي – بزعمهم – ولذا يحرصون بطرق شتى على مساعدة الرب (هكذا بزعمهم ) وذلك بدعم تحقيق هذه النبوات ليأتي إلههم وربهم الذي يدعون . وكما ترى فإن ادعاءهم المساعدة على تحقيق هذه النبوات ما هو إلا خدمة كبيرة جدا جدا لليهود وتحقيقا لتطلعات اليهود وأمانيهم الباطلة فإذا انضاف إلى ذلك بقية العقائد السابقة اتضح مدى تعلق النصارى الديني بخدمة اليهود والدفاع عنهم وبرهم بهم أكثر مما يبرون آباءهم وأمهاتهم إن كانوا يعرفون البر أصلا .

ونتائج ما سبق كثيرة جدا لمن أنعم النظر، و لكن منها :

- أن هذه العقائد النصرانية المنبثقة من التوراة و الأناجيل تفسر إلى درجة كبيرة - من خلال مسلمات النصارى - دعم الغرب النصراني لإسرائيل واليهود، و توضح أنه دعم مبني على أسس عقدية بالدرجة الأولى ومن ثم له صفة الديمومة عندهم 0 يقول بول فندلي : (( الواقع أن جميع المسيحيين [ !!! ] ينظرون إلى الشرق الأوسط على الأقل من منظار الصلة الروحية بإسرائيل ومن زاوية الميل إلى معارضة أو عدم تصديق أي شيء يشكك في سياسة إسرائيل000 والقناعات الدينية [ !!!] جعلت أمريكيين كثيرين يستجيبون لنداءات اللوبي الإسرائيلي [ لاحظ ليس الضغوط الاقتصادية أو الأخلاقية ...الخ على الرغم من أهميتها وإنما ( القناعات الدينية )] ...وهكذا فإن التقاليد الدينية ونشاطات اللوبي المكشوفة تحصران النقاش المشروع ضمن حدود مصطنعة ضيقة ))(23)

والواقع أنه يحكم على ذلك ويهيمن عليه قبل كل شيء قول ربنا تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم...)) الآية (24) وهذا ولاء عقدي بينهم وضحه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه في جانب تحذيرنا من اتخاذهم أولياء؛ ولذا يجب على العرب أن يفكروا جيدا في دلالات ذلك ويتصرفوا إيجابيا في ضوئه ؛ فالرابط الأول والأساس بين اليهود والنصارى هو : العقيدة. كما دلت عليه الآية السابقة ، وكما هو صريح عقائدهم التي مرت بنا . كما أن العامل الأول والأساس في بغض أهل الكتاب للمسلمين والعرب منهم بالذات وحقدهم عليهم هو : العقيدة أيضا ، كما قال تعالى (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ... )) الآية (25) فعن عقيدة يوالي بعضهم بعضا وعن عقيدة يعادون المسلمين.

- ومنها أن مؤتمرات ( السلام ) مع اليهود لا تجدي نفعا ؛ ففضلا عن نقضهم للعهود كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى ، وعن عدم مناسبة الحال؛ لضعف حكومات العرب والمسلمين اليوم وتفرقهم واستغلال أهل الكتاب لذلك ...الخ فإنها سوف توظف من قبل الدول النصرانية - والبروتستانتية بخاصة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا - على نحو يخدم إسرائيل لما مر من عقائد نصرانية تربط النصارى بخدمة اليهود والدفاع عنهم كما يدافعون عن أنفسهم أو أشد ؛ ولذا ينبغي الحيطة والحذر منهم بل سوء الظن بهم .

- كذلك على أضعف الأحوال إن كان ولابد من عقد مؤتمرات ( السلام ) فحبذا لو استفيد من التفاوت النسبي في المواقف والعقائد بين الكاثوليك والبروتستانت ؛ لتخفيف الضرر مع الأخذ في الحسبان الترابط بين اليهود وغيرهم من النصارى على نحو عام ؛ إذ هناك تفاوت عقدي بين البروتستانت والكاثوليك فيما يتعلق بمواقف كل منهم من اليهود وفلسطين ولهذا التفاوت اثر في ارض الواقع و من الممكن في ضوئه و في حالات الضرورة الاستفادة منه لتخفيف الضرر عن المسلمين.

- كذلك إن كثيرا من القرارات الخارجية للدول النصرانية- والبروتستانتية بخاصة - المتعلقة بما يسمى : ( الشرق الأوسط ) تتأثر بل تسترشد على نحو مباشر أو غير مباشر بالعقائد السابقة و بما يزعمون من نبوات مستقبلية مرتبطة بالمنطقة ولاسيما الحروب المزعومة وتداعياتها وما يدع إليه ذلك من محاولات تحجيم السلاح والجيوش العربية والإسلامية وتقوية إسرائيل على نحو عام في مقابل إضعاف العرب والمسلمين...الخ ؛ ولذا ينبغي على العرب الفطنة والانتباه لذلك والتعامل بحكمة فاعلة مع ما تدل عليه هذه العلاقات من تحيز نصراني عقدي لليهود عميق الجذور،ليس لتأثيره حد يقف عنده فهو يبدو واضحا في : السلاح النووي في المنطقة ، و أسلحة الدمار الشامل ، و بيع السلاح من الغرب ولاسيما البروتستانتي لدول المنطقة كما أنه واضح في : قرارات الأمم المتحدة وما يستخدم فيها من حق النقض ( الفيتو) من قبل أمريكا لدعم إسرائيل والتغطية عليها تحت مبررات واهية ، بل إنه يشمل جميع المجالات التي من الممكن أن تأثر فيها الدول البروتستانتية والنصرانية عموما على المنطقة وهي كثيرة جدا كما هو معروف .

- كما أن هذه العقائد والنصوص الدينية تدل على أن إسرائيل دولة مقدسة عند بعض القيادات الغربية وكثير من النصارى بل ربما عد البعض منهم الدفاع عنها أوجب من الدفاع عن بعض مدنهم وولاياتهم والواقع المعاش خير شاهد ؛ ولذا فإن التنسيق بين إسرائيل وبعض القيادات البروتستانتية العظمى في كل الأمور المرتبطة بإسرائيل وبالمنطقة برمتها أمر بدهي لا يحتاج إلى إثبات وثائقي أو اعتراف غربي معلن في ضوء العقائد السابقة ، على الرغم من وجود هذه الاعترافات علانية وتكاثرها يوما بعد يوم في ضوء الوضع المزري لكثير من القيادات الإسلامية.

هذه النتائج غيض من فيض ، والمتمعن الفطن سوف يكتشف نتائج لا حصر لها تبعا للعقائد النصرانية السابقة – ولا سيما البروتستانتية - ولذا أدْعُ سياسيي العالم الإسلامي إلى أخذ ذلك في الحسبان ، والنظر مليا في تداعيات هذه الاعتقادات النصرانية الصهيونية .

 

ب- الحروب والحصار والمجازر الجماعية من خلال التوراة الحالية:

وهذا من الإرث العقدي المهم المشترك بين اليهود والنصارى ولذا استحق أن يفرد . ومن اللافت للنظر هنا أن اليهود في إسرائيل اقتفوا آثار نصوصهم التوراتية المقدسة لديهم ولدى النصارى بدقة عجيبة فارتكبوا المجازر الجماعية البشعة سواء المعاصرة كما حدث في جنين وغزة أو الماضية كديرياسين أو غيرها والله أعلم بما يخفيه المستقبل وكل ذلك اتباعا للنصوص المقدسة عندهم كما سوف نرى

كما أن النصارى بعامة والبروتستانت بخاصة دافعوا ماضيا عن جرائم اليهود (الشعب المختار عندهم والمبارك من الرب ... الخ ) ويدافعون حاضرا عنهم وعن جرائمهم و من المؤكد أنهم سوف يدافعون عنهم مستقبلا ومن الواضح أن ذلك نابع مما توجبه عليهم النصوص والعقائد الدينية المشتركة السابقة وغيرها التي هي – فيما يرى الكثير من النصارى – وحيا مقدسا ، و أوامر للرب ، ووصايا للمسيح عليه السلام .

وعلى كل فإن من النصوص التوراتية التي تتحدث عما فعله بنو إسرائيل وماهم مأمورون بفعله من الحروب وسفك الدماء والتدمير والحرق بالنار وإهلاك الحرث والنسل والإفساد بعامة - ومن ثم يشكل سوابق تشريعية و تاريخا مقدسا لهم وللنصارى يجب اتباعه فضلا عن الدفاع عنه وعن اليهود الشعب المقدس للرب بزعمهم- ما يلي:

1-جاء في سفر التثنية قولـه (( حين تقترب [ يا إسرائيل ] من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يديك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك هكذا تفعل بجميع المدن ))(26) .هذا هو التوجيه المقدس المزعوم ، فإن سالمت الشعوب وصالحت – وعقدت معاهدات صلح وسلام وفق ما يريدون حتما - فهي مستعبدة لهم ومعدة للتسخير، وإن لم تسالم وتصالح فالويل لها إذ سوف تحاصر تماما كما حوصرت جنين والضفة الغربية وغزة وغيرها ، ثم تباد كما أبيدت جنين وديرياسين .

2-جاء في توراتهم المحرفة(( الآن اذهب [ ياشاول ] واضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة طفلا ورضيعا بقرا وغنما جملا وحمارا )) (27) . يالها من مجزرة وأي مجزرة !! حتى النساء والأطفال لم ينجوا منها ، بل ولا الرضع !! ولا البهائم فضلا عن الرجال . هذه من مجازرهم التي في كتبهم المقدسة لديهم هم والنصارى ، وهذا تاريخهم العسكري المقدس عندهم والتاريخ يعيد نفسه اليوم ، فهل هؤلاء ومن شايعهم من النصارى البروتستانت وغيرهم يمكن أن يكونوا أهلا للرحمة والشفقة أو العدل والحياد أو الإنسانية التي يدعون والإنصاف ؟ ثم كيف يكونون وسطاء محايدين في ضوء هذه النصوص والعقائد التي مرت بنا آنفا ؟

3-جاء في توراتهم أن بني إسرائيل (( تجندوا على مديان وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم أوي وراقم وصور وحور ورابع خمسة ملوك مديان وبلعام بن بعورة قتلوه بالسيف وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مـدنـهـم بـمـساكنهم وجميع حصونهم بالنار وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم ))(28) . كما جاء في توراتهم أيضا : أنهم (( ... حرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف ... وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة الرب )) (29) .

يالها من إبادة جماعية عنيفة بل بركان جاثم بحممه على الشعوب ؛ حيث أحرقوا جميع مدن مديان بمن فيها من أحياء وبما فيها من مساكن بالنار واستأصلوا الجميع في إبادة جماعية لكن المال نعم المال حفظوه من الإبادة ثم نهبوه زاعمين جعله في خزانة الرب. فما الفرق بين يهود الأمس- من غير المؤمنين الصادقين - ويهود اليوم ؟ وما الفرق بين ما فعلوه في مديان وما يفعلونه اليوم في جنين وغزة وسائر فلسطين؟ أليس هذا اقتداءً من بني إسرائيل اليوم ببني إسرائيل الأمس ؟ ترى ما الذي فعله أسلافهم ولم تفعله حثالة اليوم؟ أليس فلسطينيو اليوم هم مديان الأمس عند اليهود ومن يؤمن بهذه النصوص المقدسة والإلهية- بزعمهم- من النصارى بعامة والبروتستانت المتعصبين لليهود بخاصة ؟ ومن ثم فهي مجازر مبررة دينيا سواء عند اليهود أو النصارى . فكيف إذا انضاف إلى ذلك أنها مجازر ترتكب ضد المسلمين الذين يعدونهم العدو المتبقي لهم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كما أوصى بذلك مؤتمر حلف الأطلسي عام ( 1989 ) في هلسنكي الذي أعلن الحرب على الإسلام بوصفه البديل الموضوعي للشيوعية ؟ وهو من أوائل القرارات العلنية –فيما أعلم- من العالم الغربي التي دعت إلى صراع الحضارات كما يقال بل الحرب ضد الإسلام والمسلمين بعد أفول ما يعرف بـ (الحرب الباردة ) . وسبحان الله علام الغيوب القائل : (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم..))(30) الآية .

4-جاء في التوراة الحالية :(( وأخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت المناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وأمرَّهم في أتون الآجر وهكذا صنع بجميع مدن بني عمون )) (31).

ترى هل بعد هذا يستغرب مستغرب ما يصنعه اليهود اليوم من مجازر وإبادات جماعية ؟ وهل يستغرب مستغرب من دعم النصارى لليهود في مجازرهم الحديثة وهم يشتركون مع اليهود في تقديس هذه النصوص ويرونها وحيا يوحى واجب التسليم والقبول وعقائد متبعة يجب تصديقها والدفاع عنها واقتفاء أثرها ؟ بل هل يستبعد عاقل بعد هذا إمكان استخدام الأسلحة النووية- وغيرها من أسلحة الدمار الشامل- من قبل إسرائيل بخاصة والنصارى بعامة وبخاصة البروتـســتانت ضد المـســلمين تحـت أي مبرر، وليـس الـيـورانـيـوم المستنفد فحسب الذي استخدموه فعلا في أكثر من دولة إسلامية بما في ذلك فلسطين؟

5-كما جاء في التوراة الحالية قوله (( تضربون كل مدينة محصنة وكل مدينة مختارة وتقطعون كل شجرة طيبة وتطمون جميع عيون الماء وتفسدون كل حقلة جيدة بالحجارة ... فهدموا المدن وكان كل واحد يلقي حجرة في كل حقلة جيدة حتى ملؤها وطموا جميع عيون الماء وقطعوا كل شجرة طيبة ))(32) . سبحان الله !! حقا إن يهود اليوم مفسدون وليسوا بشرا أسوياء إنهم شعب إرهابي حكومة وأفرادا .

و لهذه النصوص المقدسة عند أهل الكتاب وغيرها ليس غريبا أن تجد كثيرا من النصارى يؤيدونهم في كل ما يفعلونه من مجازر وإبادات وحشية بل ويجتهدون في الدفاع عنهم والاعتذار لهم كما حصل في جنين وغيرها ؛ لما بينهم من عقائد دينية راسخة قوية التأثير في النصارى تسخرهم لخدمة اليهود بما يرضي اليهود وأكثر.

إن هذا الدمار والخراب وعلى هذا النحو قد لا يحدث حتى من القنابل النووية و النيتروجينية لكن النصوص المقدسة عند أهل الكتاب تخبر عن وقوعها وتأمرهم بها جاعلة منها نماذج تحتذى . أما اليهود فقد نفذوها حرفيا ولا زالوا والواقع المشاهد خير دليل، وأما النصارى وبالذات البروتستانت فقد أيدوهم عليها ونافحوا ضد إدانتها واستخدموا حقوق النقض ( الفيتو ) ويؤيدونهم عمليا تأييدا قويا . وأرى انه متى ما احتاج النصارى أنفسهم هذه النصوص وأمثالها ولا سيما مع المسلمين – مثل أفغانستان وغيرها وكالحروب الصليبية سابقا - فلن يراعوا ما زعموا من حقوق الإنسان أو الشرعية الدولية أو غيرها من الألاعيب السياسية المفصلة أصلا لخدمة مصالح العالم الغربي والتي يسلطونها على رقاب المسلمين والمستضعفين في العالم إذا كانت في صالحهم ويتخذونها ظهريا إذا كانت عليهم – وما جوانتانامو ونقض معاهدة جنيف لأسرى الحرب عنا ببعيد –لأنهم يعدون سوابقهم التاريخية الدينية في المجازر والحروب الوحشية سوابق مقدسة ويكفي بذلك مبررا حقيقيا عندهم ومن البدهي ألا يظهر هذا علنا ، فكيف إذا كانت ضد المسلمين الذين يعدهم أهل الكتاب عدوا أساسيا لهم قبل سقوط الاتحاد السوفيتي و بعده؟ . فضلا عن أن الغاية – عندهم – تبرر الوسيلة كما أرشدهم إلى ذلك مقدَّسهم ورسولهم – كما يزعمون - بولس قبل مكيافيلي بقرون .

 

ج- المواثيق والعهود والنفي والإبعاد في توراة النصارى واليهود:

وهذا أمر يساعد بوضوح على تفسير ما حدث وما يحدث للمسلمين من اليهود وكذا النصارى – من خلال مسلماتهم - فيما يتعلق بنقض أهل الكتاب للعهود والمواثيق بما في ذلك الدولية – وأولها قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها - التي يرى البعض صعوبة نقضها وصعوبة عدم التقيد بها إن لم يكن استحالته لكن الأحداث الحالية أثبتت عدم صحة ذلك بالنسبة لأهل الكتاب أما بالنسبة للضعفاء في العالم فمن المستحيل تقريبا ألا يلتزموا بها .

جاء في العهد القديم ما يلي :

1- (( كلم بني إسرائيل وقل لهم إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان فـتطردون كل ســكـان الأرض [ فلسطين ] من أمامكم ... وتخربون مرتفعاتهم وتملكون الأرض وتسكنون فيها لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها ... وإن لم تطردوا سكان الأرض [ فلسطين ] من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكا في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي انتم ساكنون فيها )) (33) .

2- وجاء فيه أيضا (( احفظ ما أنا موصيك اليوم ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض [ أيضا المقصود بها فلسطين ] التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخا في وسطك بل تهدمون مذابحهم وتكسرون انصابهم وتقطعون سواريهم ... احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض [فلسطين] ))(34)

فإضافة إلى ما مر من المجازر والتدمير والإبادات الجماعية الموجودة فيما سبق وفي هذه النصوص ، فان معنى ذلك أن اليهود مطالبون وفق نصوص توراتهم هم والنصارى بطرد إخواننا الفلسطينيين وإبعادهم عن فلسطين فضلا عن السماح لهم بالبقاء وسطهم - كما يقول النص – فما موقع هذه النصوص مما حدث من تهجير إخوتنا الفلسطينيين من بلداتهم وقراهم في( 48 ) و( 1967م) و في : مرج الزهور مثلا ، وما يحدث اليوم للفلسطينيين من طرد ونفي وإبعاد، ومن ذلك : إبعاد المسلمين الفلسطينيين الذين اعتصموا – للأسف ضرورة - في كنيسة المهد وغيرها وما يحدث من إبعاد لعائلات الاستشهاديين وغير ذلك كثير ؟ وما ردة فعل النصارى ولاسيما البروتستانت على ما يقوم به اليهود من مخالفة للقوانين الدولية أثناء الحروب بل مخالفة كل قوانين الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين التي يدعون أنها شرعية دولية وعادلة ؟

هل يعقل في ضوء عقائد النصارى الملزمة لهم بتأييد اليهود والخضوع لهم على النحو القوي الذي مر سابقا أن يواجهوا اليهود ويحجموا من استعمارهم لفلسطين فضلا عن أن يحاولوا قتالهم أو المساعدة على ذلك بالسلاح أو القرارات الدولية الملزمة أو غيره ...الخ ؟ هل من المنطقي أن يخالفوا أوامر الرب ومدلولات وصايا المسيح ونبوات كتبهم – في زعمهم - ويعادوا السامية ( أي اليهود) أيضا من أجل: المسلمين الذين يعدونهم أصلا عدوا لهم ولليهود ؟ ولا سيما في عصر تفجر التيارات المسيحية الأصولية الصهيونية في الغرب اليوم ، وهل من الممكن أن يسمح النصارى – ولاسيما البروتستانت منهم - بتعرض مرتكبي تلك المجازر والجرائم وجزاريها من المجرمين اليهود كشارون وبيريز وبن لعازر وغيرهم لمحاكمات مجرمي الحرب الدولية مثلا ؟

 

إن من يطلع على خـلـفـيـات الـنـصارى العـقـدية: الـتـوراتية والإنجيلية وبخاصة البروتستانت – التي مررنا بطرف منها - يعلم أن صدور هذا من العالم الغربي النصراني إنما هو من الـجــنـوح إ لي الخيال والأوهام بل من المستحيلات العظام - فيما أرى - إن لم يقدر الله أمرا غير ذلك0على الرغم أنه من العجيب حقا واللافت للنظر أن نطالب الغرب النصراني - ذا الخلفية آنفة الذكر- بالدفاع عن المسلمين أو عن حقوقهم أو ننتظر منه ذلك ولاسيما ضد اليهود والأمر كما ترى من خلال مسلماتهم . فكيف وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنهم مثل اليهود لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ، وأن بعضهم أولياء بعض كما مر ، وأنهم لا يودوننا ، ولا يودون لنا أن ينزل علينا من خير من ربنا - سبحانه وتعالى – كما قال : (( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ))(35) ، وأن منهم من يتخذ ديننا هزوا ولعبا كما قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين )) (36) ، وهو مشاهد اليوم من رؤسائهم وكبرائهم علانية كـ : بوش الابن وبيرلسكوني وشرويدر وتاتشر وغيرهم من علمائهم وكبرائهم ، وما تخفيه صدورهم أكبر وأعظم ،ولكن الله مظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون .

 

كما أن النصوص السابقة تحذر اليهود أشد الحذر من أن يقـطـعــوا عـهـودا ومـواثـيـق مع سـكـان فـلـسـطين( الأرض) وهذا يعني أن ما قد يحدث من معاهدات مخالف لشريعتهم المقدسة عندهم ومن ثم فإن من الأولى وفق شرعهم نقضها وإبطالها أو على الأقل التحايل عليها؛ ولذا كان هذا هو ديدن اليهود في المعاهدات التي عقدت وكذا التي سوف تعقد ألم يقل العليم الخبير سبحانه وتعالى : (( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون))(37)

. ولذا يجب الاحتياط الشديد في المعاهدات والمواثيق مع اليهود والنصارى وأخذ جبلتهم هذه في الحسبان بل في ضوء النصوص السابقة ينبغي الاستعداد لهم في كل المجالات ولاسيما العسكرية والحذر منهم ومن محاولاتهم إبعاد الفلسطينيين حتى مما تبقى من الضفة وغزة فضلا عن القدس الشرقية تحت أي ( سيناريو) يتفق عليه مع بعض الدول البروتستانتية العظمى حيث يتولى اليهود دور المجانين والقاصرين الذين يعملون مالا يعمل وتتولى الولايات المتحدة دور المصلح و الوسيط (النزيه ) و ( المحايد ) الذي يحاول في الظاهر معالجة الأمور من خلال الحوار والوساطة بعيدا عن دهاليز الأمم المتحدة و إحراجات - على الرغم من تهافتها أصلا - حيث إنه في آخر الأمر لا يتم إلا المتفق عليه مسبقا مع اليهود، بل ربما أخذت الولايات المتحدة لإسرائيل واليهود مالا يستطيع اليهود أن يأخذوه بأنفسهم كما هو مشاهد.

إن ما سبق يبين أن شارون اليوم لم يبتدع نقض المعاهدات من تلقاء نفسه ، وإنما يسير في ضوء النصوص المقدسة عنده وعند النصارى ، كما أن النصارى لا يغمضون أعينهم عن نقض اليهود للعهود ونفيهم لإخواننا الفلسطينيين من ديارهم وإبعادهم عنها مخالفين للقوانين الدولية ... الخ لأمر شخصي في اليهود أو خضوعا لضغوط يهودية صرفة – على الرغم من أهمية ذلك - كما يزعم : اقتصادية أو سياسية أو أخلاقية أو إعلامية أو غير ذلك ، وإنما من أجل ما تلزمهم به النصوص المقدسة عندهم جميعا و ما تدعوهم إليه بالدرجة الأولى؛ ولذا فإن دعم العالم النصراني لليهود ليس مرتبطا بأشخاص بأعيانهم لا من اليهود ولا من النصارى . فإن كثيرا من الحكومات الغربية بغض النظر عمن يكون رئيسها أو رئيس وزرائها سوف تدعم إسرائيل على كل حال وبما يرضي عقائد شعوبها النصرانية وعقائد ناخبيها النصارى- التي مررنا بطرف منها – تلك العقائد المرضية لليهود والتي خلاصتها ولاء عقدي لليهود وبغض وحقد وبراء عقدي من المسلمين وعليهم.

وكذا اليهود مدعومون من الغرب بغض النظر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي سواء شامير أو شارون أو غيرهما؛ لأن الخلفية الدينية التوراتية والإنجيلية للنصارى تلزمهم بدعم الإسرائيليين واليهود كأمة بغض النظر عن الأشخاص والأسماء ، ولا سيما - كما أسلفت – البروتــسـتانت ثم الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهم. ولذا يقول جيمي سواغارت (( أنا لا أدعم اليهود من أجل سواد أعين اليهود وإنما من أجل الرب السيد المسيح )) ؛ لذا ولغيره يقول بول فندلي : (( أصبح ممكنا لحكومة إسرائيل أن تعتمد على مساندة الحكومة الأمريكية للسياسة الإسرائيلية بالغة ما بلغت شطحاتها ))(38) ، وهو المشاهد اليوم والذي تدع إليه العقائد النصرانية التوراتية كل الشعوب والحكومات النصرانية ولا سيما البروتستانتية .

والمؤسف حقا انهم يسيرون وفق نصوص كتبهم المنسوخة المحرفة بينما هناك فئات من المسلمين - هداها الله - اتخذت دين الله المنزل على خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم ظهريا أو كادت على نحو عام وفي قواعد التعامل الإسلامية مع أهل الكتاب والمشركين على نحو خاص تحت اسم السياسة والعلاقات الدولية إلا ما رحم ربك.

 

(1) - إنجيل متى ( 5 : 17 ) .

(2) -ولاشك في نزوله آخر الزمان عليه السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية مسلما لله متبعا محمدا صلى الله عليه وسلم .

(3) - سفر أخبار الأيام الثاني ( 20 : 7 ) .

(4) - سفر العدد ( 33 : 5 ) .

(5) - نقلا عن : " قبل أن يهدم الأقصى " ص: ( 142 ) .

(6) - سفر حزقيال ( 37 : 21 – 22 )

(7) - الأب طانيوس منعم " خطر اليهودية الصهيونية على النصرانية والإسلام " ص ( 22 ) .

(8) - " التبشير والاستعمار " : ص (181 ) .

(9) - المرجع السابق : ص ( 142 ) .

(9) - منهم اليوم : فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا والبرتغال وكل دول أمريكا اللاتينية .

(10) - منهم اليوم : أمريكا وبريطانيا وهولندا والدول الاسكندنافية وكندا ونيوزيلندا وأستراليا وغير ذلك(11)

(12) - سفر أشعياء ( 44 : - 3 )

(13) - سفر أعمال الرسل ( 3 : 25 ) .

(14) - رسالة رومية ( 9 : 3 – 5 ) .

(15) - سفر التثنية ( 7 : 6 – 8 ) .

(16) - سفر التثنية ( 14 : 1 – 2 ) .

(17) - سورة المائدة : ( 18 ) .

(18) - سفر التكوين ( 27 : 29 )

(19) - سفر التكوين ( 12 : 3 ) .

(20) -سفر العدد ( 24 : 9 ) .

(21) - نقلا عن : غرس هالسل " النبوءة والسياسة " : ص ( 192 ) .

(22) - المرجع السابق : ص (144) .

(23) - بول فندلي " من يجرؤ على الكلام " ص : ( 392 – 393 ) .

(24) -سورة المائدة آية : (51 )

(25) - سورة البقرة : ( 120 ) .

(26) - التثنية ( 20 : 10-15 ) .

(27) - 1 صموئيل ( 15 : 3 ) .

(28) - العدد ( 31 : 7-11 ) .

(29) - يشوع ( 6 : 21- 24 ) .

(30)- سورة البقرة ( 120 )

(31) - 2 صموئيل ( 12 : 30- 31) .

(32) - 2 الملوك ( 3 : 19 و 25 ) .

(33) - العدد ( 33 : 50 – 55 ) .

(34) - الخروج ( 34 : 11-15 ).

(35) - سورة البقرة : ( 105 ) .

(36) -سورة المائدة : (57 )

(37) - سورة البقرة ( 100 ) .

(38) - (من لقاء له مع ديدات ، انظر : احمد ديدات " العرب وإسرائيل شقاق أم وفاق " : ص ( 53 - 54

المصدر: http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-1355.htm

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك