إرهاب.. أم رحمة..؟

د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
 

- يقول الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. 

- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). [رواه أحمد. انظر: صحيح الجامع 3522] 

- ويقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}. 

- ولما جمع النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في فناء الكعبة قال لهم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء). 

هذه النصوص وغيرها مما في معناها: تبين أن الأصل في معاملة الإسلام لسائر الناس، من المخالفين للدين: يقوم على الرحمة، والإحسان، والبر، والقسط، والعفو. 

ووجه كونه أصلا: 

- في الدليل الأول: أخبر تعالى أن إرساله النبي صلى الله عليه وسلم ما كان إلا رحمة للعالمين، فحصر سبب وعلة الإرسال في الرحمة؛ أي ليرحمهم بهذا النبي: بما يدعو إليه من الدين. وجعل الرحمة شاملة بقوله: {للعالمين}، فلم تختص بالمسلمين وحدهم، بل عمت كل الخلق. 

- وفي الدليل الثاني: إغراء بفعل الرحمة وتقديهما لمن في الأرض، لتكون سببا لرحمة من في السماء، وهذه كذلك رحمة شاملة للجميع، لا تختص بالمؤمنين. 

- وفي الدليل الثالث: أن الله تعالى لم ينه المؤمنين عن فعل البر والقسط لمن لم يتقدم إليهم بعداوة في الدين، أو إخراج من الديار، بل دعاهم إليه وأغراهم به بذكره أنه يحب المقسطين. 

- وفي الدليل الرابع: عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين عادوه، وآذوه، وأخرجوه، وأخذوا ماله، هو وأصحابه، عفوه عنهم لما أمكنه الله منهم: دليل على أن الأصل هو الرحمة. إذ لو كان الأصل الانتقام لما عدل عنه، مع تمكنه من ذلك. 

فثبت بذلك: أن الإسلام ليس كما يروج عنه اليوم: أنه دين الإرهاب. فإن هذا الوصف يفيد بأن هذا هو أصل قيام الإسلام، وركنه، وديدنه، وعليه بني، وبه يحيا ويرتفع. وهذا باطل غاية البطلان، فالإسلام ليس دين الإرهاب، كلا، صدقا وعدلا ليس كذلك، لا سياسة، ولا مداراة، ولا تورية. بل الحق نقول،وما نعتقد: 

- فإنه لا يمكن أن يكون أصله الإرهاب، وكافة النصوص تشير إلى أن الرسول مرسل للرحمة. 

- والله تعالى يغري بالرحمة، ويرتب ثوابه عليها. 

- والنبي صلى الله عليه وسلم يطبق ذلك عمليا، في سيرته مع الذين ظلموه، وعادوه، ولو انتقم منهم لما كان ظالما، لكن لما كان قوام دينه الرحمة، لم يسعه إلا العفو. 

لكن لو قال قائل: هذا كلام مثالي جميل، لكن..!!..: 

- أين أنتم من نصوص تأمر بالقتال والجهاد؟، كما في الآية: 

- {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}. 

- أين أنتم من نصوص تأمر بالتمييز بسبب الدين، والبراء من غير المسلمين؟، كما في الآية: 

- {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ء أسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}. 

- {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..}. 

- { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}. 

- بل ما قولكم في نصوص تحث على الإرهاب؟، كما في الآية: 

- {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم..}. 

- وفي الحديث: (نصرت بالرعب مسيرة شهر..). [متفق عليه] 

- ( بعثت بين الساعة بين السيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم). [رواه أحمد. انظر: صحيح الجامع 2831] 

- أين الرحمة في هذه.. أين الإحسان.. أين الأمان والسلام فيها؟. 

- هل هي نصوص منسوخة لا يعمل بها؟. 

- فإن لم تكن منسوخة، فهل لزمن مضى كانت، وهي اليوم غير صالحة؟. 

- فإن تكن كذلك، فهل لها تأويل غير ما نفهمه من ظاهرها؟.إن كان لها تأويل، فما تأويلها، وهل تأويلها يتلاءم مع ما قرر من أصل الإسلام هو الرحمة، أم يتعارض ويتناقض؟. 

***

مثل هذه الأسئلة ترد على المسلمين، ولا مناص من التسليم بوجود هذه النصوص في مصادر الإسلام، فما الحل في مثل هذا الحال؟.. هل حقا نحن المسلمون في مأزق من احتواء مصادرنا: القرآن والسنة على نصوص تحث على القتال، والجهاد، وإرهاب العدو، وتنص على علو الإسلام. فنحتاج إلى دفاع، أو تأويل؟!!. 

هل نحن في حرج من مثل هذه النصوص، فنحتاج إلى تعطيل معناها، بالقول: إنها شريعة ملائمة لوقت نزولها، ليس اليوم. أو القول: هي مجازات، ولها مفهوم باطني غير ما يظهر من معناها..؟!!. 

أم ليس أمامنا إلا القول: نعم ديننا دين الإرهاب، والقرآن والسنة يحضان على الإرهاب..؟!!. 

أليس لدينا جواب يجلي هذه الحيرة، ويريح خاطر الغيورين، الموقنين بعظمة الإسلام ورحمته بالعالمين. جواب يرد كيد الكائدين، ويقع في نحور الكارهين دين الله..؟. 

بلى لدينا، وما خاصم أحد الإسلام، سواء من جهل أو كره الحق: إلا خصم ورجع خاسئا وهو حسير. 

ونحن نعتقد: أن كل نصوص الرحمة التي أوردناها أول الكلام، وقلنا: إنها أصل الإسلام. لا تعارض ولا تناقض نصوص القوة: القتال، والجهاد، وإرهاب العدو، وعلو الإسلام، والبراء من الكافرين. 

بل كل من له دراية بحقيقة القوة والعزة، وحقيقة الرحمة والإحسان: يعلم أنه لا تعارض بين هذه الأحوال. 

فأين ما يمنع أن يكون القوي العزيز رحيما محسنا..؟!!.. فهذه الحقيقة، لكن الخطأ أتى من جهة: 

- الخلط ما بين الرحمة والضعف، وتنزيل أحكام الضعف على الرحمة..!!. 

نعم الضعف يتعارض مع القوة والعزة؛ لأنهما نقيضان، لكن الرحمة لا تتعارض معهما، إذ كنه الرحمة غير كنه الضعف، الرحمة: رقة القلب وحبه وتحركه بالإحسان، ناتج عن رجاء. أما الضعف: فجبن وخور، ناتج عن خوف وجزع. فشتان ما بينهما. 

ومع ذلك فالضعيف غير ممنوع من الرحمة، بل قد يرحم، لكن رحمته لن تكون كرحمة القوي، فأعظم الرحمة وأحسنها هي التي تكون عن قوة وعزة، فهذا ربنا جل شأنه: أعظم الراحمين. سمى نفسه الرحمن، والرحمن هو الممتلئ رحمة، وسمى نفسه الرحيم، والسلام. وسمى نفسه: القوي المتين، العزيز، الجبار، المنتقم، المهيمن. فهل أسماؤه متعارضة متناقضة؟، كلا، وحاشا، بل هذا الكمال عينه. 

فالرحمة والإحسان عن قوة وعزة، أحسن منها عن ضعف وذلة، والضعيف يرحم، لكنك لا تدري، فلربما كان ضعفه سبب رحمته، وكثير من الضعفاء إذا تقووا انقلبوا جبابرة، لا يعرفون رحمة ولا إحسانا. فلم تكن رحمتهم إلا وصفا عارضا زال بزوال سببه، أما رحمة القوي العزيز فهو وصف لازم، وطبع وجبلة مستقرة، لا تغيرها الأحوال والتقلبات، وهكذا الإسلام يعلم وينشئ أفرادا: أقوياء، أعزاء، ورحماء. 

***

أصل دين الإسلام مع الآخرين: الرحمة والإحسان؛ ومعنى أصله: أي عليه يدور، وبه يقوم، وبه يُبدء: 

- فعلى المسلمين أن يبتدءوا به مع غيرهم في: معاملتهم لهم، ودعوتهم، وعلاقاتهم. فلا يعتدون، ولا يظلمون، بل يعدلون، ويحسنون، ولو كانوا على غير ملتهم: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}. 

- وإذا حصل على أنفسهم ظلم فأولى بهم الصبر، والإحسان: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}. 

- ويجب عليهم الوفاء، وعليهم الإثم إذا نقضوا: { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}. 

- ولا يبتدءون الكافرين بقتال ولا عدوان، بل بدعوتهم إلى الإسلام، فإن رغبوا البقاء على دينهم، فلهم ذلك، لكن لا يمنعون شعوبهم من سماع الإسلام، والدخول فيه. 

- وإذا وقعت الحرب بينهم وبين الكافرين، فعليهم أن يعاملوهم بأصل الرحمة حتى في المعركة، باجتناب قتل الجريح، والضعيف، والشيخ، والمرأة، والطفل، ومن لم يقاتل، واجتناب حرق المزارع، وهدم البيوت، وتخريب الممتلكات، وإذا وقعوا أسرى بأيديهم، فلهم أن يمنوا عليهم بالعفو والإحسان. 

ومظاهر وأدلة الرحمة كثيرة جدا، لكن المقصود: أنه إذا كانت الرحمة مطلوبة أولاً، وآخر، وما بين ذلك، يعمل بها ابتداء مع غير المسلمين، ويعمل بها حتى في حال الانتقام واسترجاع الحق، فهذا دليل على أنه أصل في الإسلام، ومن أخلاق المسلمين الأصلية، ثم ما يكون بعد ذلك من جهاد، وقتال، وإرهاب للعدو، وبراء من الكافرين. فكل ذلك له ظرفه، وسببه، الذي لا ينافي الأصل، ولا يلغيه بحال. 

***

إن نصوص الجهاد، وعلو الإسلام، والبراء: نصوص محكمة، قائمة، ماضية إلى يوم القيامة. لا يملك أحد أبدا نسخها، أو محوها، أو تعطيلها في هذا الزمن، أو تأويلها تأويلا يبطل معناها. لا يملك أحد نفيها من أحكام الإسلام إلا في حالة واحدة: إذا استطاع محوها من القرآن. 

- وهل يستطيع أحد أن يمحو شيئا من القرآن..؟!. 

ولسنا بحاجة لأي شيء من ذلك، فليست عيبا نحتاج لطيه، ولا خطأ نسعى في تصحيحه، بل حق وعدل، فنصوص الجهاد والقتال والبراء إنما في حق المحاربين من الكفار، المحتلين البلاد، الذين اعتدوا وظلموا بغير حق، وسفكوا الدم الحرام، واستباحوا الأعراض والحرمات، وسلبوا الثروات والمقدرات، وتركوا الناس أذلاء محرومين، فهؤلاء الذين أرهبوا الناس، وروعوا الآمنين، والضعفاء، والصغار، والنساء، لا يظن بعاقل أن ينهى عن دفع أذاهم، وكف شرهم وعدوانهم، وتسمية هذه المقاومة والدفع –من البعض قصد التشويه- إرهابا. لا يضر بشيء، فالفطرة، والعقل، والعرف، والشرع، وقوانين البشر: كلها تجمع على أن للإنسان وللأمة كل الحق أن تدفع عن نفسها، وتسترد حقها بكافة الطرق التي تضمن لها ذلك، قال تعالى: 

- {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}. 

- {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا}. 

- {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}. 

فإذا كان القتال في حق المحاربين، دون غيرهم، فليس إذن هو الأصل، بل حالة مؤقتة ليست مستديمة، لأن الأصل لا بد أن يكون مستديما، وهكذا هي الرحمة هي الأصل: مع المؤمن، وغير المؤمن.. للإنسان ولسائر المخلوقات.. في السلم، وحتى في الحرب: الرحمة حاضرة. في سائر الأوقات والأحوال. فما اتخذ صفة الاستدامة هو الحقيق بأن يكون أصلا، دون ما اتخذ صفة المؤقت. 

فهذا هو فقه هذه النصوص، وهكذا هو دين الإسلام، ثم إن أخل بعض المسلمين بشيء من هذا، فغلو في بعض أحكام الجهاد أو البراء، فجاهدوا في غير موضع الجهاد، وعاملوا المسالمين كالمحاربين، فهذه أخطاء لا تسلم منها أمة، فكل أمة لها تعاليم وقوانين، وفي كل أمة أفراد يسيئون فهم التعاليم وتطبيق القوانين، فلا يليق ولا يجوز إلصاق أفعالهم بتلك التعاليم، كما لا يجوز القول إن تلك التعاليم تتضمن تلك الأفعال والتطبيقات. 

وهكذا ما يقع من بعض المسلمين من مثل تلك الأخطاء، ليس من الإسلام في شيء، كما أن طريقة البعض الآخر من المسلمين في إنكار فرائض: الجهاد، والبراء من المحاربين، وعلو الإسلام. كذلك ليس من الإسلام في شيء.

المصدر: http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-5666.htm

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك