حوار الحضارات من منظور إسلامي

د.صبري محمد خليل

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

تتناول هذه الدراسة مفهوم حوار الحضارات من منظور اسلامى وذلك من خلال المحاور التالية:

  تعريف حوار الحضارات:

  • الحضارة
  • أنماط الحضارات
  • حوار الحضارات

نبذه تاريخية عن حوار الحضارات

  • حوار وصدام الحضارات فى الغرب
  • حوار الحضارات عند جارودى
  • نهايه التاريخ عند فوكوياما
  • صدام الحضارات( هنتنجتن) نموذجا.
  • مبادرة خاتمي
  • دور الأمم المتحدة

 موقف الاسلام من حوار الحضارات

  • الاسلام والحوار
  • التقدم الحضارى
  • موقف الاسلام من الاخر

        المواقف المختلفة من حوار الحضارات .

         دور الفلسفه فى اثراء حوار الحضارات

           النتائج والتوصيات

تعريف حوار الحضارات

الحضارة: هناك تعريفات متعدده للحضاره نورد منها:

1- هي مجموعة من القيم الثقافية .. فالثقافة هي جوهر الحضارة .

2-هـي مركـب اجتماعـي لثلاثة عناصر ( الإنسان ، التراب ، الزمـن ) مع العـمل الأخلاقي باعتباره الحافز على عمـلية الترابط بينـها ، وبدونه تتحول إلى كومـة لا شكل لها . ¨ هي جملة العوامل المعنوية والمادية التي تؤهل المجتمع لتقديم الضمانات الاجتماعية اللازمة لتقدم كل مجتمع فيه.

3-ومن جانبه يذهب المفكر الغربي جورج باستيد George Bastide إلى أن الحضارة تعني ( التدخل الإنساني الإيجابي لمواجهة ضرورات الطبيعة ، تجاوباً مع إرادة التحرر في الإنسان ، وتحقيقاً لمزيد من اليسر في إرضاء حاجاته ورغباته ولإنقاص العناء البشري ).

4-و أليارشفابتزر يعرف الحضارة ( إنها بـذل الجهـد من أجل التقدم ).

5-أما العالم الألماني غوستاف كلم Gustef Kelmm فإنه يصف الحضارة قائلاً : ( العادات والمعلومات والمهارات والحياة الخاصة والعامة في السلم والحرب ، والدين والعلم والفن وتتمثل الحضارة في نقل تجارب الماضي للجيل الجديد ).

6-ويرى العالم الإنجليزي ســير إدورد تلير Sir Edward Taylor ( أن الحضارة والمدنية ذلك الكم المركب الذي يحتوي على المعلومات والمعتقدات والفنون والقيم الثقافة كعامل أساس في تكوين الحضارة.

 ويمكن أن نورد هنا تعريفا للحضاره يضم اغلب عناصر التعريفات السابقه هو تعريفها بأنها:

اولا: نسق معرفى مركب يضم العادات والتقاليد والاخلاق والقيم الجماليه والاخلاقيه والدين …

 ثانيا : يشكل ضوابط تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه سلوكاً تجاه الآخرين (من طبيعة ومجتمع)

ثالثا: يكتسبه الإنسان من انتماءه إلى مجتمع معين زمان ومكان معين

رابعا: وهومحصله تفاعل الانسان مع الطبيعه والمجتمع خلال الزمان)

هذا التعريف مبنى على اسبقيه المعرفه على الفعل(الاالذين امنوا وعملوا الصالحات) وانه في نطاق التاثير المتبادل بين الطبيعه والانسان فان الانسان هو الفاعل وما الطبيعه الا موضوع فعله( مفهومى استخلاف الانسان وتسخير الطبيعه) وبالتالى تصبح الاشياء الماديه اثار داله على الحضاره وليست جزءا من تعريف الحضاره

انماط الحضارات:

فلكل مجتمع حضارته الخاصه التى تصاحبه وبالتالى تعبر عن درجه التطور الاجتماعى التى بلغها فهى لا تتاخر عنه ولا تتقدم عليه، ولما كانت المجتمعات تتطور من خلال وحدات تكوين اجتماعى  متعدده هى الاسره ﴿ ومن إياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لإيات لقوم يتفكرون﴾ .فالعشيره﴿ وانذر عشيرك إلاقربين﴾  التوبة:24)  .فالقبيله فالشعب.﴿ وجعلناكم شعوباً وقبائل لعارفوا﴾  .فإلامة- التى مناط الانتماء اليها هو اللسان لقوله(ص) (من تحدث العربية فهو عربي) والاستقرار في الأرض الخاصه (الديار) ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ﴾ ( الممتحنه:8)  .فالعالميه الذى تكون إلامم هي وحدات تكوينه وروافده..  وبالتالى فان هناك انماط للحضاره تقابل هذه الوحدات الاجتماعيه فهناك حضارات اسريه و حضارات عشائريه وحضارات قبليه وحضارات شعوبيه وحضارات قوميه

حوار الحضارات:

  الحوار لغة :في المختار من الصحاح : المحاورة : المجاوبة والتحاور والتجاوب

التعريف المنهجى لحوار الحضارات: إذا كانت حركه الانسان جدليه تتم عبر خطوات هى المشكله ( تناقض بين واقع وغايه) فالحل ( محاوله حل هذا التناقض في ذهن الانسان) فالعمل (محاوله حل التناقض في الواقع) فان حركه تطور المجتمع  قائمه على المشاركه والحوار اى تبادل العلم بمشكلة مشتركة ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة وأساليب تحقيقها ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمشكلة اما الصراع والصدام فهو عقبه امام هذا التطور

 ولكل مجتمع حضارته الخاصه وبالتالى مشاكله الخاصه الا انه غير منعزل عن غيره من المجتمعات وحضاراتها بحكم خضوعه لقانون التاثير المتبادل فكل حضاره موؤثره فى غيرها متاثره بغيرها وبالتالى فان هناك مشاكل مشتركه بين كل المجتمعات والحضارات اى مشاكل عالميه لايمكن فهمها إلا في نطاق الواقع العالمى ولا يمكن حلها حلا صحيحا الا فى النطاق العالمى ايضا وهنا يكون حوار الحضارات كاليه لتبادل العلم بهذه المشاكل ونبادل المعرفه بحلولها المحتمله وتعيين القرار الذى  ترى اغلبيه المجتمعات انه الحل الصحيح.

 نبذه تاريخية عن حوار الحضارات

 مفهوم حوار الحضارات فى الغرب:

 شهد العالم في الخمس والعشرين سنة الأخيرة العديد من التغيرات الأيدلوجية التي دفعته إلى حقبة جديدة وشكل غير مسبوق من الصراعات والحروب والتدمير وتحول العالم عبر انهيار سور برلين وسقوط الشيوعية بعد أن كان ثنائي الأقطاب [ بتوازن القوى بالاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية ] إلى عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

إن وضع تصور حاكم للعلاقات بين الحضارات المختلفة كان الهم الشاغل للعديد من المفكرين والسياسيين والمنشغلين بتحليل الوضع الراهن للمنظومة العالمية حتى يمكن التوصل للفهم الناضج الواعي لطبيعة الأحداث ومن ثم محاولة الانتفاع بها وسوقها في الاتجاه المفيد النافع للبشرية وباءا على ذلك فقد انطلقت العديد من النظريات تحاول جاهدة فهم وتحليل الواقع ومحاولة توجيه دفته إلى ما فيه النفع لعموم البشرية وظهرت أقوى تلك الأطروحات أو بالأحرى ما كتب له العيش منها على النحو التالي:

ا/حوار الحضارت عند روجيه جارودى: قبل ما يقارب من عقدين من الزمان والعالم ما زال في ذلك الوقت يتعامل بواقع ثنائي القطب إلى حد ما خرج المفكر الفرنسي روجيه جارودي على العالم أجمع بنظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـ’ حوار الحضارات ‘ وكان مشروعه يتسم بنقد الهيمنة الغربية والسيطرة الأمريكية حتى أنه بشر في ثنايا نظريته بزوال الغرب عموما وكان الاسلاس الفكرى لتصوره لحوار الحضات هو نظريه وحده الاديان القائمه على مذهب وحده الوجود لدى ابن عربى الذى وضع جارودى له مكانه خاصه في نسقه الفكرى الاسلامى (من أجل حوار بين الحضارات ،روجيه جارودي دار النفائس، الطبعة الأولى 1411هـ).

لكن هذه الصيحة وأخواتها من جانب جارودي أو غيره من المفكرين والساسة الذين سعوا إلى وضع نظرية أو قاعدة تحكم وتفسر واقع المجتمع العالمي لم تجد الصدى اللائق بها في ذلك الوقت لواقع الصراع القائم والمسمي بالحرب الباردة.بين قطبي العالم آنذاك ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بدأت نظريات أخرى بالصعود إلى السطح والظهور لتفسير كيفية تعامل القطب الأحادي مع العالم في ضوء الواقع الجديد 

ب/نهايه التاريخ عند فوكوياما: ومن هذه  النظريات ما خرج به الأمريكي الجنسية الياباني الأصل ‘فوكوياما’ بما يسمى ويعرف بنظرية نهاية التاريخ تلك النظرية التي انتشرت سريعا لتتداعى بسرعة أكبر ومفادها تصوير انتصار الرأسمالية على الأرض أنها نهاية التاريخ وأن الإنسان الأمريكي هو من وصل إلى أقصى مستوى حضاري ممكن وبالتالي فهي نظرية نهاية الإنسان والتاريخ.

ج/ صدام الحضارات عند هنتجتون: ثم تلا هذا المشهد مشهد آخر في أواخر صيف 1993 م وكانت أول شرارة أشعلت المشهد مقالة نشرت في صحيفة [ الشؤون الخارجية ] للمفكر الأمريكي الشهير صمويل هتنجتون تحت عنوان [ صدام الحضارات ] والتي حاول فيها قراءة مستقبل العالم المعاصر وقرر فيها أن الصراع في خلال القرن القادم سيكون صراعا بين الحضارات وليس صراعا اقتصاديا أو أيدلوجيا وقد حدد في نظريتهتلك سبع حضارات أساسية يتوقع أن يلتهب بينهم الصراع ولا بد في هذا الصراع من زوال البعض وخضوع البعض الآخر لهيمنة الأقوى وقرر في النهاية أن الحضارات المتوقع لها الاستمرار حتى النهاية لما تحمله من إمكانيات ومقومات للبقاء هي ثلاث حضارات الإسلامية والغربية والكونفوشيوسية [حضارة الصين ] وحذر العالم الغربي من تحالف الحضارة الإسلامية مع نظيرتها الكونفوشيوسية في إشارة إلى إمكانية حدوث تحالف نووي بين الصين وبعض الدول الإسلامية.

 مقالة هتنجتون أثارت عاصفة من الانتقادات والجدل حول المفاهيم التي تضمنتها وقابل هتنجتون ذلك بالرد أنه على الرغم من إمكانية الاعتراف بوجود ثغرات في نظرية صراع الحضارات إلا أن المعارضين والرافضين لهذه النظرية لم ينجحوا أن يقدموا بديلا في طرحهم يوازيها في الواقعية والوضوح وبأن نظرية صراع الحضارات وهذا من وجهة نظر هتنجتون بالطبع هي خير وأفضل تصور موضوع للمستقبل في القرن القادم.ولعل من الجدير بالذكر ردا على دعوى هتنجتون أن أحدا لم يطرح البديل المناسب أقول لعل من المناسب في هذا المقام بيان أن العديد من المفكرين والساسة الذين عارضوا نظرية صراع الحضارات والفكرة القائمة عليها قد طرحوا لها بديلا قويا ألا وهي نظرية حوار الحضارات كوسيلة لتجنيب المجتمع ويلات الحروب والقتال.

المبادره الاسلاميه لحوار الحضارات عند خاتمى و دور الامم المتحده: وتم إنشاء العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام وتبني العديد من الكتاب هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه ومن هؤلاء الكتاب الرئيس الايرانى محمد خاتمى الذى طرح المبادره الاسلاميه لحوار الحضارات في  قمه طهران لمنظمه المؤنمر الاسلامى وفى خطابه امام اليونسكو(انظر: حوار الحضارات، محمد خاتمي ضمن كلمة الرئيس الإيراني في اليونسكو (بتصرف) في فرنسا 30/10/91 دار الفكر دمشق الطبعة الأولى 1423هـ.) وقد حددت الأمم المتحده عام 2001 م عام حوار الحضارات وعينت مندوبا متخصصا لهذا المنصب.

 موقف الإسلام من حوار الحضارات

الاسلام والحوار:   

مفهومي المشاركة والصراع في الاسلام:

انطلاقا من التصور المنهجى الاسلامى الذى يرفض اسناد الصراع والتناقض إلي الماده( كما في الماركسيه) لان هذا يعنى يسخير الانسان لما هو مسخر له كما يرفض اسناده إلي الفكر المطلق(الاله) ( كما في الهيجليه) لان الاله منزه عن التناقض ولان التطور انتقال من النقص إلي الكمال والاله مطلق الكمال فانه يقصر الصراع والتناقض ( الجدلى )على الانسان بناءا على مفهوم الاستخلاف( واذ قال ربك انى جاعل في الارض خليفه) وهذا الصراع له شكل تكوينى يتمثل في التناقض والصراع في الانسان بين واقعه وغاياته وشكل تكليفى يتمثل في التناقض والصراع في الانسان بين المحدود والمطلق وهوماعبر عنه القران بجهاد النفس( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) هذا هو الشكل الاساسى للصراع اما الصراع بين الانسان والانسان بين الذين يريدون تغيير الواقع لتحقيق غايات معينه والذين يقفون عقبه في سبيل هذا التغيير أو بين الذين يريدون تغيير المحدود تجاه المطلق والذين يريدون الاقتصار على المحدود فهو شكل الثانوى للصراع لانه عقبه امام  التطور التكوينى والتكليفى وغايه هذا التطور الغاءه

 فالاصل إذا في التصورالاسلامى هو المشاركه وبالتالى للحوار مع الاخر الحضارى ( حوار الحضارات) أو الاخر الدينى(حوار الاديان) اماالصراع فهوفرع

لذا جعل القران الحوار احد مناهجه الاساسيه

 فهذا حوار الله سبحانه مع ملائكته(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 30].

وحوار الله مع رسله(  وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ..) [المائدة: 116] .

بل حتى مع الكافرين(   قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه: 125, 126].

بل حتى حوار الله جل جلاله مع إبليس( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف: 12].

والقرآن مليء بمحاورات الرسل مع أقوامهم(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [إبراهيم: 10].

وتأمل حوار إبراهيم عليه السلام مع مدى الربوبية(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258].

وحوار موسى مع فرعون مدعي الألوهية والربوبية في سور عديدة في القرآن الكريم، وكذلك بقية الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، حيث يحاورون أقوامهم بالحكمة  لدعوتهم إلى الله وبيان الحق لهم والرد على شبهاتهم.وهذا القرآن يحكي حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع امرأة(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة: 1].

وحضارتنا الإسلامية على مدى التاريخ هي حضارة الحوار فقد حاور علماء المسلمين كافة أهل الملل والنحل بالمنهج القرآني والدعوة إلى الخير(انظرموقف الإسلام من الحضارات الأخرى، د. محمد نورد شان، بحث مقدم إلى ندوة الإسلام وحوار الحضارات، غير منشور، مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض – السعودية، محرم 1423هـ، ص: 6.)

 موقف الاسلام من الاخر

أسباب مشروعية القتال في الإسلام:

أن الإسلام أوجب القتال في حالتين الأولى مرتبطة بواجب نصرة المسلمين غير الخاضعين لولايتها السياسية في الدين ودعوة الناس للإسلام يقتضي قتالها لغير المسلمين في حالة إكراههم على الردة عن دينهم وفتنته عنه (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وهذا يعني عدم إكراه المسلمين على ترك  دينهم والدخول في الإسلام إذ أن هذا يعني إسناد صفة الهداية لغير الله فهو شرك في الربوبية نهى عنه الإسلام ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (القصص: 56)، ومن هنا كانت قاعدة حرية الاعتقاد في الإسلام (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (البقرة: 56).

 وعلى هذا فإن قتال المسلمين كان لإقرار حرية الاعتقاد في الأرض سواء، بعدم إكراه المسلمين على الردة عن دينهم أو عدم إكراه غير المسلمين ترك دينهم والدخول في الإسلام وهذا الأمر واضح في آية القتال  عند الحديث عن البيع والصلوات مع المساجد (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير إلا أن يقولوا ربنا الله، ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثرا).

إن الإسلام دعا للارتقاء إلى طور الأمة الذي تميز بالاستقرار على أرض معينة (ديار) وهنا نجد أن الإسلام أوجب القتال في حالة إخراج المسلمين من ديارهم ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير إلا أن يقولوا ربنا الله)( لا ينهاكم الله عن الذين لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) (الممتحنة: 8) وهذا يعني عدم إخراج غير المسلمين من ديارهم، كما يدل عليه النهي عن الاعتداء (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة: 190) وعلى هذا فإن قتال المسلمين لإقرار حق الأمم في تقرير مصيرها في لغة عصرنا

 وبناءا على هذا  علاقة المسلمين بغيرهم هى:علاقة حرب في حالة الاعتداء على ديار المسلمين أو فتنة المسلمين عن دينهم أو دار حرب في اصطلاح الفقهاء.وعلاقة سلم مع الأمم مادامت لم تعتد على ديار المسلمين أو تفتنهم عم دينهم أو دار عهد في اصطلاح الفقهاء.

موقف الاسلام من التعاون الدولى

وهذا يعني أن الإسلام لا يعارض قيام منظمات عالمية مثل هيئة الأمم المتحدة بشرط تحريرها من سيطرة القوى الاستكبارية أي بشرط لا تجسد عبودية الأمم والشعوب ؟لأمة أو أمم، إذ هي شكل جديد لدار العهد التي أوضحها الفقهاء في مرحلة اكتمال الأمم وانتهاء طور القبلية، وكما في قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) (النحل: 91 – 93). يقول الشيخ أبو زهرة “تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم” أن تكون أمة هي أربى من أمة” أن تكون أمة أكثر عدداً ونماءً وسعة في الأرض من أمة أخرى فإن القوة التي تكون من نقض العهود مآلها الزوال”[1]

وهناك من يرى عدم جواز انضمام الدولة الإسلامية إلى منظمات دولية بحجة أن الإسلام لا يبيح الحلف مع الكفار، وهذا غير صحيح على إطلاقه بل مقيد بشروط.

قال (ص) “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به من حمر النعم، ولو دعي به قبل الإسلام لأجبت” (رواه أحمد رقم 1655 و 1676)، وهو عن حلف الفضول وسببه أن رجلا قدم إلى قوم مكة ببضاعة وباعها على العاص بن وائل من الأشراف، فحبس عنه حقه، فطلب النصرة فاجتمعت زهرة وهاشم وتميم بن مرة في دار ابن جدعان وتعاهدوا أن يكونوا يداً واحدة مع المظلوم على الظالم، وانتزعوا الحق من العاص وكان ذلك في الجاهلية (قول الرسول (ص) صريح لو عرض إليه في الإسلام لأجاب، أي يقبل التحالف مع غير المسلمين لنصرة المظلوم.

ما ورد في السيرة من تحالف بني هاشم وبني عبد المطلب مسلمهم ومشركهم لحماية النبي (ص) ولم ينقضوا عهدهم للنبي رغم الحصار من قريش الذي ظل أكثر من عامين[2]

ما ورد في السيرة أن النبي (ص) بعث المطعم بن عدي يستجيره فقبل وتسلح ودعا أولاده وقومه، فلبسوا السلاح وانتشروا عند الكعبة وأعلن لهم ذلك، فأرسل إلى النبي (ص) ليدخل الكعبة في جوارهم فدخل الكعبة وأعلن المطعم لقريش أن محمدماً في جواره فصلى النبي (ص) ركعتين وعاد إلى بيته لذا فال (ص) في أسرى بدر “لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني فيهم لتركتهم له.[3]

ما ورد في الوثيقة بالمدينة من التحالف بين المسلمين وغيرهم لمحاربة من يحارب أهل الصحيفة

الاسلام والتقدم الحضاري

 ظهرالاسلام في منطقه تعيش في ظلام التخلف الحضارى  بكل اشكاله فانتقل بها في فتره وجيزه إلي نور التقدم الحضارى بكل اشكاله . فقد ساد التخلف الاجتماعى ممثلا في الواقع القبلى( بكل علاقاته الوثنيه( تعدد الالهه رمز لتعدد القبائل) والعرقيه والعصبيه) أو الشعوبى المنغلق على ذاته فارتقى بسكان المنطقه إلي أن يكونوا شعب في المدينه ليلتحم مع غيره من الشعوب ليكون فيما بعد امه لتكون نواه طور اجتماعى اوسع هو الانسانيه ليمهد بذلك للانفتاح والتفاعل الاجتماعى.

 كما ساد التخلف الفكرىممثلا في سياده انماط التفكيرالاسطورى في الشعوب والقبائل التي تسود المنطقة ثم جاء الإسلام فهدي الناس إلي أعمال العقل، وانشأ المسلمون نتيجة ذلك أنماط متعددة من التفكير العقلاني الذي لا تناقض الأيمان أو الوحي وان كانت تناقض بالتأكيد نمط التفكير الأسطوري.

 كما ساد التخلف العلمى ممثلا في سياده انماط التفكير الخرافي القائم على تفسير الظواهر العينية (اي الوقائع المعينة بذاتها زمانا ومكانا) النوعيه(اي المتعلقة بنوع معين من انواع الوجود) في هذا المنطقة عندما كانت مجتمعاتها في الاطوارالقبلية والشعوبية .وعندما جاء الاسلام هدى الناس إلي اصول منهج البحث العلمى وترك لهم وضع فروعه واستعماله ولم يحتاج المسلمون إلي كثير من الوقت لاحتلال المراتب الاولى في كثير من العلوم كما ساد انتهاج الاسلوب العلمى في التفكير والحركة.

 ونتيجه لهذا كان التفاعل مع الاسهامات الفكريه والعلميه للمجتمعات الاخرى ويمكن أن نضرب مثلا بالفلسفه الاسلاميه التى جاءت كمحصله للحوار والتفاعل بين الفكر الاسلامى والفلسفه اليونانيه.

غير انه نسبة لظروف خارجية،( التهديد المغولي، الصليبي)و داخليه (الاستبداد، وصول عناصر لا تجيد اللغة العربية إلي السلطة ، ظهورالبدع… ) قفل باب الاجتهاد وساد التقليد، وعندها توقفت هذه المجتمعات عن التقدم    .

ثم أصطدمت هذه المجتمعات بشعوب اوربا التي حررتها الليبرالية فأنهزمت وهنا خضعت للأستعمار

وقد عمل الاستعمار علي نشر التغريب الذي يمكن تعريفه بأنه قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلي الحضارة الغربية علي حساب الولاء الإسلامي وهكذا فإن الجمود( الذاتي)و الاستعمار (الموضوعي هنا حدث التخلف الحضارى بكل اشكاله  فظهر التخلف الاجتماعى اى التخلف كأمة أي حال هذا التخلف دون أن تبرز الأمة كطور ارتقت إليه القبائل والشعوب،يمكن من خلاله حل مشاكل الناس المتجدده.هنا يبدأ الناس في البحث عن حل مشاكلهم من خلال علاقات أخرى أضيق (العشائريه، القبلية، الشعوبيه، الطائفيه ) فظهرت العنصريه والطائفيه والقبليه…

 وعندما حدث توقف أو بطء التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة، ظهرالتخلف الفكرى ممثلا في ظهوربعض أنماط التفكير الأسطوري.فالتفكير الفلسفي مثلاً كنمط من انماط التفكير العقلاني ازدهر في مراحل التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة، وعندما بدات هذه المجتمعات تتخلف تخلف التفكير العقلانى( ومثاله التفكير الفلسفي اذ أن الفلسفة نشاط معرفي حضاري) ليفسح المجال لظهور بعض انماط التفكير الاسطوري.      وعندما اخذت المجنمعات المسلمه تتخلف حضاريا تخلفت علميا ايضا (لان العلم احد انماط النشاط الحضارى ) فاصبحت تتبنى بعض انماط التفكير العلمى في بعض شئونها بينما تنتهج بعض انماط التفكير الخرافى في البعض الاخر وكان نيجه هذا ظهور القيم السالبه التى تكرس لرفض اسهامات المجتمعات الاخرى والانغلاق والعزله عنها.

المواقف المختلفة من حوار الحضارات

هناك مواقف اساسيه من حوار الحضارات ترتبط بمشكلة (حضارية) أشمل هي مشكلة كيفية تحقيق التقدم الحضاري في المجتمعات المسلمة؟ ويترتب على هذا أن هناك ثلاثة مواقف من  حوار الحضارات  هى ذات المواقف من مشكلة الأصالة والمعاصرة.

الرفض المطلق:يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي والعزلة عن  المجتمعات المعاصرة وبالتالى يقوم هذا الموقف على الرفض المطلق لحوار الحضارات

تقويم: هذا الموقف مبنى على مذهب يرى أن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين (إطلاقاً)، وغزو العالم لنشر الدعوة   إلى هذا ذهب سيد قطب في تفسير سورة التوبة “إن السورة بهذه الاعتبارات ذات أهمية خاصة في بيان طبيعة المنهج الحركي للإسلام ومراحله وخطواته حيث تراجع الأحكام النهائية التي تضمنتها مع الأحكام المرحلية التي جاءت في السور قبلها وهذه المراجعة تكشف مدى مرونة ذلك المنهج، وعن حسمه كذلك” فيرى أن السورة تتضمن “تحديداً للعلاقة بين المعسكر الإسلامي والمشركين عامة في شبه الجزيرة العربية” في المقطع الأول منها كما أن المقطع الثاني “تضمن تحديداً للعلاقات النهائية كذلك بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب عامة….، وعن انحراف أهل الكتاب عن دين  الله الصحيح عقيدة وسلوكاً بما يجعلهم في اعتبار الإسلام ليسوا على دين الله الذي أنزله لهم والذي به صاروا أهل الكتاب”.[4]

         كما ذهب تقي الدين النبهاني إلى ذلك في قوله “إن قول رسول الله عليه الصلاة والسلام وفعله يدل دلالة واضحة على أن الجهاد هو بدء الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام.

  • هذا الرأي مبني على أخذ مذاهب الفقهاء الذين بنوا اجتهادهم على واقعهم وهو واقع الدولة غير ثابتة الحدود متعددة الشعوب والقبائل دون مراعاة واقعنا، واقع اكتمال تكوين الأمم وانتهاء طور القبيلة وما أفرزه من الدولة ثابتة الحدود والشعب الواحد، يقول محمد الغزالي “إن مبدأ المعاملة بالمثل كان وراء أحكام فقهية وصفت بأنها شرعية والواقع أنها لم تقم اعتماداً على نص، وإنما على القصاص مما ينزل بالمسلمين”[5]

وقال الشيخ محمد أبو زهرة في معرض حديثه عن آراء الفقهاء في عدم جواز الصلح الدائم: ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام في جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم وإن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح، إذ أنهم لم يجدوا إلا حروباً مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح مؤقت وقد قرر الكثيرون منهم أن الصلح لا يقع إلا مؤقتاً إذ ما كان يرى إلا ما أيدته الوقائع المستمرة “ثم يقول “والحق أن أقوال الفقهاء لا تعتبر وحدها حجة في الإسلام ولا حجة عليه إلا بمقدار قربها من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والوقائع الزمنية لا تحكم على القرآن بل القرآن هو الحاكم عليها[6] ويدل على هذا أن هناك علماء خافوا ما قرره هؤلاء الفقهاء، فنجد ابن تيمية يخالف الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر “وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة- كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم- فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” وفي السنة عن النبي (ص) أنه مر على إمرأة مقتولة في بعض مغازية قد وقف الناس عليها فقال “ما كانت هذه لتقاتل”، وقال لحدهم: إلحق خالداً فقل له  لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً “وفيها أيضاً عنه (ص) يقول: لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة. وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق كما قال تعالى “والفتنة أشد من القتل”، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم يكن كفره إلا على نفسه[7] واسند أصحاب مذهب قتال المسلمين إطلاقاً إلى القول بأن آية السيف ناسخة لكل الآيات التي تدعو للسلم وهي الآيات:

“فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد” (التوبة: 5).

“وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” (التوبة: 29).

         غير أن هذه الآيات لا تفيد قتال غير المسلمين إطلاقاً، وبالتالي تنسخ الآيات الداعية للسلم، بت هي مقيدة بالحالات التي أباح الإسلام فيها قتال غير المسلمين التي أوضحناها وهي إخراج المسلمين من ديارهم أو إكراههم على الردة على دينهم يقو الشيخ محمد الغزالي “يشيع بين المفسرين أن آية السيف نسخت ما جاء قبلها، وعند التحقيق لا يوجد ما يسمى آية السيف، وإنما هناك جملة من الآيات في معاملة خصوم الإسلام أو في مقاتلتهم أحياناً لأسباب لا يختلف المشرعون قديماً وحديثاً على وجاهتها وعلى أنها لا تنافي الحرية الدينية في أرقى المجتمعات[8]ويقول ” إن الاضطراب الفكري انتقل إلى نصوص الكتاب والسنة فإذا بتيار الفوضى يلغي باسم النسخ نحو 120 آية قرآنية، ويعوج بمفهوم آيات أخرى ويخرج الإسلام للناس في صورة دميمة.[9]

ويرى الشيخ رشيد رضا “أن آية السيف تتراوح الاية الخامسة من سورة التوبة الداعية إلى قتال المشركين كافة كيفما يقاتلون المسلمين كافة، وإنها غير ناسخة لغيرها من الآيات ويستشهد بما قاله السيوطي من أن أياً من الآيتين ليس ناسخاً لغيرها من الآيات التي تتناول علاقة المسلمين بالمشركين ولكن لكل منها حكماً يسري في ظرف معين، ويرى أن الدعوة إلى مقاتلة المشركين هو رد على مبادأة المشركين القتال، وأن المقصود بالآيتين مشركي جزيرة العرب وليس مشركي الأرض، أما الآية 29 الخاصة بأهل الكتاب فإن نزولها جاء تمهيداً للكلام في غزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب بالشام والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ فضلاً عن أن المقصود بها ليس أهل الكتاب ولكن فريقاً منهم له شروط أربعة معينة ذكرتها الآية الكريمة[10]. وهنا نتناول تفسير كل آية على حده.

  • قال تعالى ” فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد”. يقول محمد الغزالي “سبب البراءة من عهدهم والدعوة إلى قتالهم ليس كونهم مشركين لكن كونهم معتدين وناكثين بعهودهم وهؤلاء على وجه الخصوص من نزل فيهم قوله تعالى “فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم …. (التوبة: 5) ثم يضيف ” يأتي عقل مفسر فيقول أن المقصود بهذه الآية كل كافر على وجه الأرض أساء أم أحسن، وفي أمر غدر ظلم أم أنصف، ثم يطلق على الآية المحددة آية السيف، ويلغي بها مائة آية في العرض الهادي والجدال الحسن والوعظ البليغ[11] قال تعالى “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى تعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” يقول الشيخ رشيد رضا “قاتلوا – هذا الفريق من أهل الكتاب – عند وجودها يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك”[12] يقول الشيخ عبد المتعال الصعيدي ” هذه الآية واردة فيمن قاتل المسلمين من الروم ويهود الحجاز[13]) قال تعالى “وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة” (التوبة: 36).

يقول الشيخ عبد المتعال الصعيدي “المراد بهم مشركي العرب جميعاً لا قريش وحدهم لأنهم كانوا قد انضموا إلى قريش[14] قال الشيخ الغزالي يقول: سمعت من يحتج بالآية وقاتلوا المشركين كافة” فقلت له ألا تكملها؟ أليس بعدها .. كما يقاتلونكم كافة.

         فأين في الآية الدعوة إلى الهجوم وإعمال السيف في الناس[15] قوله تعالى “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله” يقول الشيخ عبد المتعال الصعيدي ” المراد فتنة المسلمين من دينهم وإكراههم على الارتداد عنه والمراد بالدين كله لله: كون الجزاء كله له وحده في الدنيا والآخرة حتى لا يكون لغيره حق الجزاء يفتن الناس عن دينهم … فالدين الجزاء لا الدين الإسلام.[16]

القبول المطلق : يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري  للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية وبالتالي يقوم هذا الموقف على القبول المطلق لحوار الحضارات اى يفهم حوار الحضارات على انه تبنى لقيم المجتمعات الغربيه كما أن  هذه الدعوة دعوه فاشلة في تحقيق الحوار لان الحوار هو حوار بين أطراف متكافئه ولان غايته  الالتقاء على ما هو مشترك دون الفاء ماهو خاص فالحوار هنا لا يمكن أن يتم إلا عندما لا تتناقض مع الهيكل الاساسى لحضارة هذه المجتمعات وهو الاسلام وجوهر هذه الدعوة هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد التي جاء بها الاسلام بالقواعد والآداب والقيم الاوربيه التي كانت محصله تطور هذه المجتمعات لمده سبعه قرون وهو ما يؤدى إلى قدر من الشعور بالانتماء إلى الحضارة الغربية وهو القاعدة النفسية اللازمة لنمو الولاء للنظام الليبرالي الفردي الراسمالى العلماني اى يتحول  الحوارالى تغريب

 

الموقف النقدي: يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة سواء كانت من إبداع المسلمين أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.  وبالتالي يتخذ موقفا نقديا من حوار الحضارات اى يفهم حوار الحضارات على انه يهدف إلي تكوين قاعدة من الثوابت المشتركة فيما بينهم وتنطلق من خلال هذه القاعدة إلى حوار يؤمن بالتعددية وعدم هيمنة حضارة على الأخرى , هذا الحوار سيمكن كل طرف من تفهم الآخر والتعايش معه بدلا من الاصطدام والحروب ‘

دور الفلسفة في إثراء حوار الحضارات

 للفلسفة دورا كبيرا في إثراء حوار الحضارات وهو الدور الذي يتضح من خلال تحليل خصائص المنهج الفلسفي  والتي هي ذات مقومات الحوار الناجح

 الشك المنهجي (النسبي): يقوم المنهج الفلسفي على الشك المنهجي أو النسبي وهو شك مؤقت ووسيلة لا غاية في ذاته إذ غايته الوصول إلي اليقين أي أن مضمونه المنهجي عدم التسليم بصحة حل معين للمشكلة إلا بعد التحقق من كونه صحيح ويمكن أن يجد نموذجاً لهذا النوع من الشك في القرآن (فلما رأى القمر بازغاً قال هذاربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين).

والشك المنهجي يختلف عن كل من الشك المذهبي والنزعة القطعية.. فالشك المذهبي أو المطلق دائم وغاية في ذاته أي أن مضمونه المنهجي قائم على أنه لا تتوافر للإنسان إمكانية حل أي مشكلة. وقد عبر القرآن عن هذا الشك المرفوض بالريب ( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا).أما النزعة القطعية فتقوم على التسليم بصحة حل معين دون التحقق من كونه صادق أم كاذب وقد وجه القرآن الذم لهذه النزعة في عدة مواضع كما في قوله تعالى: (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون).

فكل من الشك المطلق والنزعه القطعيه اللذان هما من خصائص التفكير الاسطورى يحولان دون الحوار مع الاخر لانهما يكرسان للقبول المطلق لفكره ما والرفض المطلق للافكار الاخرى بينما الشك النسبى يمكن ان يدعم  الحوار بين الحضارات

العقلانية: ويتصف المنهج الفلسفي بالعقلانية. أي استخدام ملكة الإدراك (المجرد) كوسيلة للمعرفة إذ الفلسفة هي محاولة إدراك الحلول الصحيحة للمشاكل الكلية المجردة. والقرآن يدعو إلي العقلانية التي لا تتناقض مع الدين والعلم (أي التي لا يتناقض فيها استخدام الإدراك أو العقل مع استخدام الوحي والحواس كوسائل للمعرفة لذا فقد ورد في القرآن مادة عقل ومادة أولي الألباب ستة عشر مرة).

 فالعقل كملكه انسانيه مشتركه يمكن ان يمهد للحوار بين الحضارات الانسانيه المتعدده بينما التفكير غير العقلانى كالتفكير العاطفى فيقود في الغالب  إلي التعصب للجماعهالمغلقه كالقبيله أو الشعب أو الامه المعينه

المنطقية: ويتصل بالخصوصية السابقة أن المنهج الفلسفي يستند إلي المنطق بما هو القوانين (السنن الإلهية) التي تضبط حركة الفكر الإنساني ذلك أن الفلسفة لكي تصل إلي حلول صحيحة لمشاكلها يجب أن يستند إلي القوانين أو السنن الإلهية التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان وحركة الفكر. وقد أشار القرآن إلي عدد من قوانين المنطق حيث نجد على سبيل المثال الإشارة إلي قانون عدم التناقض (أما أو لا) كما في قوله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيراً) (الإسراء: 82)). فعلم المنطق باعتباره قوانين تحكم  فكرالانسان من حيث هو انسان بصرف النظر عن ثقافته أو حضارته او جنسه إذا يمكن أن يمهد  لالتقاء الناس على ماهو مشترك بينهم.

النقدية: والمنهج الفلسفي قائم على الموقف الرافض لكل من القبول المطلق والرفض المطلق والذي يرى أن كل الآراء (بما هي اجتهادات إنسانية) تتضمن قدراً من الصواب والخطأ وبالتالي نأخذ ما تراه صواباً ونرفض ما نراه خطأ. وقد أشارتن النصوص إلي هذا الموقف النقدي قال تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).

وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت بل وطنوا أنفسكم إن أحسن أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم).

 والنزعه النقديه يمكن ان تؤدى الى اثراء الحوار كما يتضح من الموقف النقدى من حوار الحضارات.

 النتائج والتوصيات

 يمكن ترجمه الدراسه النظريه السابقه إلي توصيات عمليه لدور المفكرين والمثقفين السودانيين فى اثراء حوار الحضارات:

  -تجاوز موقفي القبول المطلق والرفض المطلق من مفهوم حوار الحضارات الى الموقف النقدي.

 -إبراز القيم الحضارية الاسلاميه الايجابية التي تدعو للانفتاح والتفاعل والحوار مع الاخر ومحاربه القيم السلبية الناتجة عن عهود التخلف الحضاري التي تدعو للانغلاق والعزله والتصادم  مع الاخر (كالتطرف والتكفير)  .

  -تكثيف الحوار مع الآخر من خلال عقد ندوات يشارك فيها ممثلون عن الحضارات الأخرى .

   -تشجيع البحث العلمي المشترك في مجال الدراسات والعلوم الإنسانية بين الجامعات والمراكز العلمية السودانيه والأجنبية .

   – مواصلة وتعميق الحوار مع الحضارات الأخرى من أجل البحث عن نقاط الالتقاء والمشترك الإنساني .

 -استخدام المعلوماتية الحديثة في نشر معطيات الحضارة العربية الإسلامية.

 -دراسة الثقافة السودانية وإبراز جوانبها الايجابية التي تكرس للحوار مع الاخر ونقد جوانبها  السلبيه التى تعوق الحوار والتفاعل.

المراجع 

(1) محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، ص40.

(2) السيرة النبوية، محمد بن عبد الوهاب، ص93.

(3) السيرة النبوية، مرجع سابق، ص31.

(4) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج10، ص1564

(5) محمد الغزالي، جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج، الجزائر، ص87.

(6) محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام “الدار القومية، القاهرة، 1384م، ص78-79.

(7) ابن تيمية، السياسة الشرعية

(8) محمد الغزالي، جهاد اله، ص101.

(9) المرجع السابق، ص24.

(10) رشيد رضا، تفسير المنار، ج10، ص255.

(11) محمد الغزالي، ص189.

(12) رشيد رضا، تفسير المنار، ج10، ص255.

(13) عبد المتعال الصعيدي، حرية الفكر في الإسلام، ص76.

(14) المرجع السابق، ص76.

(15) محمد الغزالي، جهاد الدعوة، ص87.

(16) عبد المتعال الصعيدي، حرية الفكر في الإسلام، ص75.

(17) روجيه جارودي، من أجل حوار بين الحضارات ، دار النفائس، الطبعة الأولى 1411هـ).

(18) محمد خاتمي، حوار الحضارات، ضمن كلمة الرئيس الإيراني في اليونسكو في فرنسا 30/10/91 دار الفكر دمشق الطبعة الأولى 1423هـ.

[1] محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، ص40.

[2] السيرة النبوية، محمد بن عبد الوهاب، ص93.

[3] السيرة النبوية، مرجع سابق، ص31.

[4] سيد قطب، في ظلال القرآن، ج10، ص1564.

[5] محمد الغزالي، جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج، الجزائر، ص87.

[6] محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام “الدار القومية، القاهرة، 1384م، ص78-79.

[7] ابن تيمية، السياسة الشرعية.

[8] محمد الغزالي، جهاد اله، ص101.

[9] المرجع السابق، ص24.

[10] رشيد رضا، تفسير المنار، ج10، ص255.

[11] محمد الغزالي، ص189.

[12] رشيد رضا، تفسير المنار، ج10، ص255.

[13] عبد المتعال الصعيدي، حرية الفكر في الإسلام، ص76.

[14] المرجع السابق، ص76.

[15] محمد الغزالي، جهاد الدعوة، ص87.

[16] عبد المتعال الصعيدي، حرية الفكر في الإسلام، ص75.

المصدر: https://drsabrikhalil.wordpress.com/2011/06/30/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-...

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك