سؤالنا الثقافي الضائع بين النهضة والتراكم

 

إن المتتبع للحركة الثقافية في بلادنا يمكنه أن يدرك، بسرعة وسهولة، أن هناك نوعا من الازدهار الكمي في "الدراسات الفلسفية" الأكاديمية المهتمة خاصة بجوانب مختارة من الفكر العربي الإسلامي، والتاريخ العربي ومناهجمهما وقضاياهما المتفرعة.

إن أغلب النتاجات التي ظهرت في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، بالعربية والفرنسية / في الرباط وباريس، تنصب على هذا الجانب لتخلق تراكما كميا على رفوف المكتبة الجامعية المغربية، ولتضع الفلسفة في موضع استراتيجي على خريطة الثقافة المغربية.

إن اصدارات محمد عزيز الحبابي ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وبنسالم حميش وسالم يفوت وطه عبد الرحمان وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم تعطى الانطباع بأن التملك الفعلي للتراث العربي الاسلامي يمر من مرحلة الاستنطاق، وأن الاهتمام بالفكر العربي الاسلامي من لدن المثقفين المغاربة يدخل في إطار الواقع الحالي للأمة العربية المسلمة وصراعاتها الفكرية المتشابكة والمتداخلة.

ولا نتبين إدراك هذه الحقيقة بكل خلفياتها التاريخية والسياسية والإيديولوجية من خلال الكتب والدراسات الفلسفية الصادرة حتى الآن عن دور النشر المغربية والفرنسية فحسب، ولكن أيضا من خلال الأنشطة والندوات واللقاءات والمهرجانات والمؤتمرات، التي تعقد تباعا على المحور المتوسطي الذي يربط الرباط بمدريد وباريس بروما، وبروكسيل بين المثقفين المغاربة والأوروبيين...

وإن السؤال الذي يفرض نفسه علينا في هذا الموضوع: هل هي نهضة فلسفية مغربية، أم هو تراكم للدراسات الفلسفية الأكاديمية؟

ولأنه لا داعي للوقوف عند قيمة هذه الدراسات الفلسفية، ومقارنتها بمثيلاتها التي صدرت من قبل على أيدي جماعات المستشرقين بالغرب الأوروبي، أو بالشرق العربي على يد كبار المثقفين، فإنه لا بأس من تسجيل بعض الملاحظات الأولية، وقد تكون ملاحظات بديهية:

أ / إن الغزارة النسبية التي تظهر للدراسات الفلسفية بالمغرب الأقصى تأتي نتيجة تلقائية للتنامي المستمر للمشتغلين بالمادة الفلسفية، من أساتذة الجامعات المغربية، إذ نجد الإصدارات المغربية في هذا الاتجاه هي في الأصل رسائل جامعية أو مقالات ومحاضرات ودراسات أعدت بمناسبات ثقافية معينة.

ب / أن هذه الغزارة تؤكد على موضوع مهم وتلح عليه، وهو الطابع التاريخي للكتابة الفلسفية،- نحن والتراث (لمحمد عابد الجابري)- الفكر السياسي عند المارودي (لسعيد بن سعيد العلوي) تاريخ المغرب (لعبد الله العروي) التتشكلات الإيديولوجية في الإسلام (لابن سالم حميش) واللائحة جد طويلة... بينما القليل منها يتجه الى الإبستمولوجية، وفلسفة المعرفة أو فلسفة اللغة أو مفهوم الايديولوجية.

ج / إن هذا الازدهار الكمي للفلسفة بالمغرب يرتبط حتى الآن بالعطاءات الأولى لجامعة محمد الخامس – الرباط - وبالإرهاصات الأولى التي أسسها الدكتور محمد عزيز الحبابي رحمه الله بهذه الجامعة، إذ لم تستطيع هذه الفلسفة حتى الآن الخروج عن نطاق الحرم الجامعي، لتلتحم بالمعرفة السياسية / المعرفة الاجتماعية / معرفة الواقع المغربي.

إن الاهتمام بالفكر الإسلامي ومفهوم التاريخ من لدن المثقفين المغاربة، في رأي الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي – أحد أعلام هذه الحركة- وأحد الأطراف في هذه الإشكالية، واقع فكري لا نستطيع أن نتبينه من خلال الدراسات المنشورة في هذا المجال، ولكن أيضا من خلال الأنشطة الموازية لجمعية الفلسفة المغربية، ولجمعية المستقبليين المغاربة، واتحاد كتاب المغرب... وهذا يعني- في نظره - أن النشاط الفلسفي، بالرغم من انحصاره في محوره "التراثي"، يحاول أن يخلق التقاءه وتداخله وتفاعله بين الأشكال التعبيرية الأخرى ليخرج هذا النشاط من انفلاته داخل المجالات التخصصية التي تتجاهل – منهجيا- ما يحدث خارج الفكر الإسلامي والفكر التاريخي.

الحقيقة أن هناك دراسات- على قلتها وندرتها - تنصب على ميادين فلسفية خارج تاريخ الفلسفة، مثل الدراسات التي أنجزها الأستاذ سالم يفوت حول الإبستمولوجية، أو التي أنجزها الأستاذ محمد وقيدي والأستاذ طه عبد الرحمان حول فلسفة المعرفة وفلسفة اللغة، إلا أن هذا الضعف الكمي يظل هامشيا حتى عند أصحابه. ومن ثم، نجد التساؤلات تفرض نفسها على هذا الموضوع خارج كل الأطروحات الدفاعية عنه.

فهل يعني ذلك أن النشاط الفلسفي بالمغرب لا يريد الانزلاق في حوار مع الفكر الآخر؟ أم يعود ذلك إلى حرص المثقفين المغاربة على توظيف مفاهيم الهوية والتراث في أطاريحهم الفكرية؟.

المصدر: https://www.hespress.com/writers/406035.html

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك