المنظور الاجتماعي التوحيدي لبناء الأسرة

 
(1)

تعاني الأسرة المسلمة المعاصرة من حالة اضطراب شديد في المعنى والمبنى والمآل, إذ تأثرت سلبًا بعمليات الحداثة قسرًا أو بالأحرى عمليات التحديث التي مورست عليها من قبل العولمة وأدواتها، التي لم يعد بيت من بيوت المسلمين إلا وفيه مجموعات من تلك الأدوات، بل أصبحت ركنا ركينا لا تستطيع أسرنا الاستغناء عنه، هذا في مقابل ما نلمسه جميعًا من توترات نشأت جراء تمكن هذه الأدوات من وجدان وأخلاق الأسرة المسلمة، ظهرت في سلوكيات الأزواج تجاه بعضهم البعض من ناحية، وفي مسؤولياتهم تجاه أبنائهم من ناحية أخرى. كما ظهرت في سلوكيات الأبناء تجاه آباءهم من ناحية وتجاه مجتمعهم وأمتهم من ناحية ثالثة. 

ويكفي ما نقرؤه في التقارير المتخصصة حول نسب الطلاق التي تزيد يومًا بعد يوم، وما ينتج عنها من حالات التفكك الأسري وتفاقم مخاطره على الأبناء والمجتمع، وكذلك ما نقرؤه عن جرائم العنف الأسري بين الأزواج بعضهم بعضا، أو بين الأبناء وبين والديهم من ناحية أخرى، مما يجعلنا نؤكد أن منظومة القيم الأسرية في المجتمعات المسلمة في خطر شديد بسبب اختراق القيم الغربية في أقصى وأقسى رذالتها لها، وهو الأمر الذي يدعونا إلى تجديد الدعوة إلى إعادة بناء وترميم الأسرة المسلمة وفق منظورها القيمي والحضاري، الذي يمثل سفينة الإنقاذ الوحيدة في هذه الأمواج المتلاطمة من التفتت القيمي العالمي والمحلي. 

ونتناول في هاتين المقالتين ما يتعلق بمسارات تجديد النظرة إلى بناء الأسرة مفهومًا ومنطلقًا ومرتكزًا، وذلك من خلال تجديد النظر إلى مفهوم الأسرة في ضوء المنظور التوحيدي، وما يرتبط بها من أبعاد ومسؤوليات مجتمعية ودنيوية وأخروية متعددة، وتجديد النظرة إلى الإطار الحاكم للحقوق والواجبات، وطرح بعض الإشكاليات الخاصة بالأسرة ومكوناتها وعلاجها من المنظور التوحيدي.

لماذا المنظور التوحيدي؟ 

  يقوم  المنظور التوحيدي في تصوره للأسرة على مبدئية مكانة الإنسان في الكون ودوره ووظيفته العمرانية فيه، ومن ثم كانت منظومة المجتمع وحركته وبناؤه مصدر اهتمام من المنظور التوحيدي، ووفر لها من التشريعات والأخلاق والأسس ما يساعد على قيامها واستمرارها في أداء حركتها وفعلها الإنساني العمراني. وذلك لأن هذه المنظومة الاجتماعية هي المكلفة بأداء الوظيفة الأخلاقية الإلهية على الأرض.  

ويُعد اهتمام النظام الاجتماعي التوحيدي في المجال الأسري متفردًا لأمرين: الأول في ملاءمته للفطرة الإنسانية من ناحية إقراره العلاقة المعنوية والمادية بين الذكر والأنثى في صورة أسماها “الميثاق الغليظ”، وطرح الوجدان كأساس لهذه العلاقة “المودة والرحمة”،  فلا رهبانية في الإسلام كما في المذاهب والأديان المنحرفة، ولا دعوة إلى التحلل الأخلاقي كما في المذاهب المادية المعاصرة. 

مفهوم الأسرة 

    الأسرة في الفضاء اللغوي تعني “الدرع الحصينة”، ويحمل مفهوم الأسرة -أيضًا- في اللغة معنى الأسر أي  التماسك والقوة، وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون، لأنه يتقوى بهم. وجاء القرآن الكريم معبرًا عن الأسرة بألفاظ متعددة يتبين منها النظرة الاجتماعية لمهمة الأسرة ووظيفتها، ومنها: الزوجية: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، والأهل كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}. وفي السنة جاء لفظ (الأهل) أيضًا ليدل على (الأسرة)، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرحل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في بيت سيده ومسؤول عن رعيته1 

المقتضيات الوجودية للأسرة 

    تقوم الأسرة في الإسلام بمقتضيين وجوديين للإنسان هما: مقتضى “الاستخلاف” أي استخلاف الإنسان في الأرض ليقوم بمسؤوليات ومهام حددها المستخلِف -وهو الله تعالى-، وهي عمران هذا الكون { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }، وتعبيد الكون لله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. وتكوين الأسرة هو أول خطوة لتحقيق هذا العمران وفقًا للمنهج الإلهي، الذي يتربى عليه الفرد داخل الأسرة، وتمثل الأسرة لهذا الإنسان المحضن الأساس والمؤسسة الأكثر فعالية لتعليم واجبات ووظائف الاستخلاف. ولهذا أكدت جميع الشرائع السماوية على مشروعية تكوين الأسرة، بل وضرورتها للوجود الإنساني الذي لا يستقيم في أداءه لوظائفه على الأرض دون هذا التكوين.  

والمقتضى الثاني: هو التوحيد: إن الإسلام يرى أنه لا غنى عن الأسرة لتحقيق مراد الله تعالى من البشر في هذه الحياة الدنيا، ولا يمكن أن يكون هناك أي توحيد دون تحقيق ذلك المراد الإلهي. إن مقتضى التوحيد -أو ما يترتب عليه- هو النظر إلى أن أوامر الله فريضة ملزمة، الأمر الذي يستتبع بدوره السعي لإيجاد المواد التي تتجسد القيم الكامنة في تلك الأوامر.

والواقع أن الله تعالى لم يأمر الإنسان بتجسيد تلك القيم في أرض الواقع فحسب، بل شفع ذلك ببيان وسيلة تحقيقها، وضوابط الوفاء بها ولوازمه، متمثلة في الأسرة وشبكة العلاقات التي تنشأ عنها2. وكل مولود يولد على الفطرة أي على التوحيد، والالتزام بهذه الفطرة أو الانحراف عنها قائم بفعل الأسرة: “فأهله يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه”. ومن الوظائف الأساسية التي تقوم بها الأسرة في هذا المقتضى تنمية القابليات الفطرية لدى الإنسان وتهيئة أفرادها لتحقيق وظيفة “العبودية” في الأرض في كافة معانيها الظاهرة والباطنة. 

طبيعة النظرة إلى الزواج 

     “الزواج” هو المسار الشرعي الوحيد لتكوين الأسرة في الإسلام, وأسماه القرآن “الميثاق الغليظ”، والميثاق في ذاته: “العهد المحكم”، وإضافة “الغليظ” إليه لإبراز قداسته وقوته إذا انعقد. وعليه فالزواج -في هذا الميثاق الغليظ- يكون أحد طرفيه (الزوجين) والطرف الأخر هو (الله تعالى)، ومن هنا يتمايز المنظور التوحيدي بهذا الركن في بناء الأسرة الإنسانية، وهو “ركن الغيب”.

وهذا يعني أيضًا أن حالة البناء وحالة نشاط الأسرة وحركتها الاجتماعية يضاف إليها -أي إلى بعد الشهود الذي هو المجال الحيوي لعمل الأسرة- بعُد أساسي وجوهري آخر وهو “بعُد السماء” أو “بعُد الغيب”.

ويؤثر هذا البعد في أهداف الأسرة ووظائفها وأدوار أعضائها، كما يؤثر على نوعية الحياة المنشودة وشكلها وطبيعة النظر إلى الوسائل المادية وعالم الأشياء الذي يرتبط حتمًا بوجود الأسرة واستمرارها.  

والرابطة التي يؤكد عليها المنظور التوحيدي بين أفراد الأسرة تقوم أيضا على مبدئية قيمة “الولاية” بين أفراد الأسرة: “ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض}، ومن ثم تأتي الارتباطات البيولوجية والفسيولوجية تابعة لهذين الرابطين “الميثاق” و”الولاية”. 

والإسلام لا يرى في الإشباع الجنسي بين الزوجين أساسًا كافيًا لأن يحقق بمفرده الهدف من بناء الأسرة، بل يرى أن الزواج القائم على البعد الجنسي والحب الرومانسي العارض زواج قاصر وبعيد عن الكمال، فالزواج ينشئ شبكة واسعة من العلاقات الإنسانية يدور عليها جزء كبير من الفعل الأخلاقي. وعائل الأسرة هو المسؤول الأول تجاه أفراد أسرته عن واجبات الإنجاب، والحب، والتراحم، والشورى، والتوجيه، والتربية، والتعاون، والمودة.3 

والأسرة في هذا المقام – التوحيدي- تقوم بدور تحديد “الهوية” أو “الوجود” لأعضائها من حيث كونهم “حاملين رسالة إلهية” على الأرض مضمونها وغايتها تحقيق العبادة لله وإعمار الكون وهداية الإنسان.

المصدر: https://islamonline.net/26755

(2)

“الرعاية” في العلاقات الأسرية

وتظهر فكرة “الرعاية” كمفهوم مركزي للوظائف التي ينبغي أن تقوم بها الأسرة تجاه أعضائها، ومبدأ “الرعاية” مفهوم غير محدد في الزمان أو المكان أو الفعل، بل مفهوم ممتد يتسع لكل/ كافة متطلبات الحياة : العقدية والاجتماعية والثقافية، وفي كافة أزمان ومراحل الأسرة، فالرعاية مفهوم شامل يتضمن احتياجات الإنسان الأساسية والطارئة والمتغيرة، الآنية والممتدة.

 

ويرتبط مبدأ “الرعاية” بدوره بمبدأ آخر هو “الوظيفية – العضوية” الصالحة لأفراد الأسرة جذورًا وفروعًا،ويرتكز هذا المبدأ على عدة أسس هي:

أ- الترابط: فالأسرة كيان مترابط المراحل ولتكوين مثل الكائن الحي، الذي يكون في حالة نمو / حركة دائمة.

ب- التكامل بين الفرد والجماعة (الأسرة) فالنظرة الوظيفية – العضوية للأسرة تقوم – أيضًا – على أنه لا حياة للجزء فيها (الفرد) خارج الكل (الأسرة) والكل العضوي (الأسرة) أكبر من مجموع أجزائه. وأن هذا الكل العضوي (الأسرة) هو الذي يتاح فيه للأجزاء (الأفراد) المناخ السوي الذي يهيئ حالة النمو الراشد النافع.

ج- الصالحية الاجتماعية ، يتولد أيضًا عن هذه النظرة الوظيفية – العضوية للأسرة فكرة صالحية المنتج الإنساني الناتج عنهاK أي الإنسان الاجتماعي الصالح لحركة وتطور ونموذج المجتمع والقادر على الفعل / التفاعل / التعاون الإيجابي داخل المجتمع الأكبر.

د- مجتمع البنيان المرصوص، تدعم هذه النظرة الوظيفية للأسرة ، فكرة مجتمع البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضًا.

هـ- ويطرح المنظور التوحيدي – في ضوء هذه الوظيفية – نظرته لشكل الأسرة الذي يراه من الامتداد والاتساع ليشمل حالة اجتماعية أوسع من المفاهيم الوضعية الضيقة التي تطرح المفهوم مقتصرًا على شخصين (الزوج والزوجة) والأبناء.. فيطرح مفهوم (العم) و(الأعمام) (والعمة) و(الخالة) و (الجد) و(الجدة). في إشارة إلى أن الأسرة هي نواة التكوين (شبكة اجتماعية) مترامية الأطراف في المجتمع. حيث يحتل (أولو القربى) مكانة رفيعة في الأوامر الربانية المتعلقة بالبعد الاجتماعي والواردة في القرآن الكريم { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } [النساء:1] .

الحقوق والواجبات .. الإحسان لا الصراع

وتعد فكرة “الحقوق والواجبات” من المبادئ المؤسسة في بناء وتكوين الأسرة في المنظور التوحيديK ويقوم هذا المبدأ على مقولة تأسيسية لها بعدها الاجتماعي وهي “أن كل حق يجب أن يقابله واجب”، أما المثل الأعلى في هذا المنظور فهو “الإحسان” –أي مراقبة الله كاملة في أداء المسؤوليات الأخلاقية من كافة أعضاء الأسرة- وما يتصل بها بأخلاق”الإيثار” و”التضحية”.

فلا يملك أحد أفراد الأسرة أن يكون له الحق دائمًا بلا واجب، ولا على أحد أفراد الأسرة الواجب دائمًا بلا حق له، فللزوج له حقوق وعليه واجبات وكذلك الزوجة و الأبناء، فالحقوق والواجبات في حالة جدل دائم بين أفراد الأسرة, ويجعل الإسلام مثلها الأعلى في قيمة “الإحسان”.

ومن ثم تنتفي فكرة “الصراع” و”التنافسية” ذات المخاطر بين أفراد الأسرة وتحل محلها ميدانية “التكامل” “والوظيفية” فمبدأ / حق “القوامة” -على سبيل المثال – للرجل يقابله واجب الرعاية والمسؤولية المادية والاجتماعية عن كل شأن الأسرة / وهكذا حقوق الزوجة والأبناء.

هذه الحقوق والواجبات التي لا تتصل بعالم الشهود فقط بل تمتد إلى عالم الغيب – أيضًا – (مثال بر الوالدين بعد مماتهما). وهذا يعني تمركز فكرة “الإحسان” في مبدأ “الحقوق والواجبات” بين أعضاء الأسرة (سواء من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى).

وتبدو العلاقة تواصلية بين الأسرة من ناحية والمجتمع / الأمة من ناحية أخرى “فالأسرة هي المؤسسة الاجتماعية النهائية والوحيدة المعززة بالفرد من جانب وبالأمة العالمية من الجانب الآخر وأهميتها في النظام الكوني مؤكدة بنص القرآن  {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا }[الروم : 212].

 

التمايز بين الرجل والمرأة .. تكامل لا تنافس

 فيما يتعلق بمسألة التمايز بين الرجل والمرأة فإن المنظور التوحيدي يؤكد على مبدئية “التكامل” لا “الصراع” أو المنافسة ذات المخاطر: فالمرأة والرجل خلقا لتحقيق وظيفتين مختلفتين ولكن متكاملتين { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن}[ النساء، 32].

فوظائف الأمومة المتمثلة في الرعاية المنزلية وتربية الأطفال، ووظائف الأبوة المتمثلة في حماية البيت وتزويده بمتطلبات المعيشة، والقوامة العامة استدعت اختلاف الرجل عن المرأة في البنية الجسدية والنفسية والعاطفية. ودور المرأة كما هو دور الرجل خاضع على قدم المساواة مع نظيره للأحكام الدينية والأعراف الأخلاقية، ويستدعي كلاهما من صاحبة استخدام كل ما أوتي من الذكاء والموهبة والطاقة والقدرة على العطاء من أجل القيام به[1].

إن وظيفة الأسرة في رعاية أفرادها وتكامل أدوارهم هو الأساس الفطري والحيوي والنفسي لعلاقات أفراد الأسرة الإنسانية، وعدم إدراك المبدأ الإسلامي في تكامل أفراد الجنس البشري عامة، وأدوار أعضاء الأسرة بشكل خاص، يؤدي إلى عدم فهم بناء الأسرة المسلمة وعدم إدراك أدوار كل عضو فيها.

ومن الأخطاء المعرفية في إدراك أدوار الأسرة هو تصور “التماثل” في الأدوار على أطراف العلاقة الأسرية؛ لأن ذلك منطلق خاطئ من ناحية الحقيقة الفطرية، وتشويه للوظيفة الأسرية، وجور على حاجات أطراف العلاقة وحقوقهم، مما يسئ إليهم، ودون الفهم السليم لدور لفطرة في بناء الأسرة المسلمة. المبنية في رؤيتها التشريعية على الاستجابة للفطرة التي تكمن في تكوين الأسرة الإنسانية وحاجاتها الوظيفية. [2]

ومن جهة أخرى فإن هذا التمايز في الأدوار لا يتعلق بمجالات النشاط الإنساني التي يتشابك فيها دور كل من الرجل والمرأة، ولا بالمجالات الأخرى التي لا تتشابك فيها أدوارها. ومن الممكن أن تقوم المرأة بأنشطة ذكورية في الأصل أو العكس، وأن يعبر أي منهما إلى فضاء نشاط الآخر، فيما لو توفرت قابليات فطرية تجعل ذلك أمرًا ممكنًا، أو طرأة ضرورة تجعله مفيدًا شريطة عدم الإخلال بالتمايز الرئيس الذي أودعه الله تعالى فيهما بفطرة حلقهما[3].

الأسرة الممتدة .. إشباعات نفسية واجتماعية ومادية

ومن الجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن الإسلام يرجح نمط الأسرة الممتدة التي تشمل: الآباء والحدود وأزواجهم وذريتهم، ومن أهم خصائص هذا النمط من الناحية الاجتماعية هو عدم وجود فجوة بين الأجيال، إذ أن هذه الأسرة تجمع بين ثلاثة أجيال، الأمر الذي يجعل تنشئته الصغار وانتقال الثقافة بين الأجيال كاملاً على الدوام، على نحو يكفل انتقال الأعراف والثقافة بأدنى درجة ممكنة من الانحراف، وفي ظلها يتصل الماضي بالحاضر والمستقبل على نحو أصيل. كما تفرض الأسرة الممتدة الانضباط والتضحية المتبادلة على أفرادها، وقد يجد هذا من خصوصياتهم الشخصية، ولكن هذا يتماشى مع طبيعة الحياة في هذه الدنيا التي لا تسمح لأي إنسان بالعيش كما يحلو له دون ضوابط ولا تضحيات وكأنه الوحيد في العالم أو أن العالم خلق من أجله فقط. ومن الأفضل للإنسان أن يتمترس على الانضباط الذاتي، وأن يتحلى بالإيثار والتضحية من أجل الآخرين. ومن الأفضل أن تتعلم ذلك على أيدي أحبة لنا في بيوتنا وليس على أيدي غرباء[4].

وكما تحتاج الأمة إلى تجديد إيمانها، فإنها تحتاج  إلى تجديد مفاهيمها في القضايا والموضوعات الأساسية التي تتصل بوجودها وكينونتها وهويتها، وموضوع الأسرة من أخطر الموضوعات التي ينبغي أن تطرح على مائدة التجديد الفكري والثقافي المعاصر نظرًا لما يعتري الأمة من تهديدات وجودية لا حماية لها إلا بهذا الدرع الحصين أي الأسرة.


[1] عبدالحميد أبوسليمان، أزمة الإرادة والوجدان المسلم, ص235.
[2] عبدالحميد أبوسليمان، أزمة الإرادة والوجدان المسلم, دمشق, دار الفكر, 2004, ص236.
[3] المرجع السابق، 292.
[4] إسماعيل الفاروقي: التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة، ،ص286.

المصدر: https://islamonline.net/26826

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك