آداب الحوار العلمية

عمر عبد الله كامل

 

هناك آدابا تتعلق بنفسية المحاور وشخصه، وأن هناك ظروفا نفسية قد تطرأ على الحوار فتؤثر عليه تأثيرا سلبيا، وأنه ينبغي مراعاة ذلك حتى يحقق الحوار غاياته ويؤتي ثمراته، واستكمالا لذلك يطيب لي أن أتناول في هذا المقال آداب الحوار العلمية.

أولا: الـعلـم

العلم شرط أساسي لنجاح الحوار وتحقيق غايته، وبدونه لا ينجح حوار، ويهدر الوقت ويضيع الجهد. فيجب على المحاور ألا يناقش في موضوع لا يعرفه، ولا يدافع عن فكرة لم يقتنع بها، فإنه بذلك يسيء إلى الفكرة والقضية التي يدافع عنها، ويعرض نفسه للإحراج وعدم التقدير والاحترام.

ثانيا: البدء بالنقاط المشتركة وتحديد مواضع الاتفاق

بين كل متناظرين مختلفين حد مشترك من النقاط المتفق عليها بينهما، والتي يسلم بها الطرفان، والمحاور الناجح هو الذي يظهر مواطن الاتفاق، والبدء بالأمور المتفق عليها يساعد على تقليل الفجوة، ويوثق الصلة بين الطرفين، ويعيد الحوار هادئا هادفا.

أما إذا كان البدء بذكر مواضع الخلاف، وموارد النزاع، فإن فرص التلاقي تقل، وفجوة الخلاف تتسع، كما أنه يغير القلوب، ويثير النفوس للغلبة دون النظر إلى صحة الفكرة.

ثالثا: التدرج والبدء بالأهـم

إن المحاور الناجح هو الذي يصل إلى هدفه بأقرب طريق، ولا يضيع وقته فيما لا فائدة منه، ولا علاقة له بأصل الموضوع، فمعرفة الأهم والبدء به يختصر الطريق.

ومع التأكيد على هذا الأدب - البدء بالأهم - فقد يحتاج المحاور إلى أن يتدرج ويتنازل مع خصمه، ويسلم له ببعض الأمور تسليما موقتا حتى يصل إلى القضية الأم والمسألة الأهم.

رابعا: الـدلـيـل

إن أهم ما ينجح الحوار الدليل، ولا بد من إثبات صحة الدليل، كما قيل «إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل»، ولا يحسن بالمحاور أن يستدل بأدلة ضعيفة أو حجج واهية.

ومتى وجد الدليل وثبتت صحته، فلا بد من صحة دلالته على المطلوب، ولا بد من ترتيب الأدلة حسب قوتها وصراحتها في الدلالة على المقصود.

خامسا: ضرب الأمثلة

إن المحاور الناجح هو الذي يحسن ضرب الأمثلة، ويتخذها وسيلة لإقناع محاوره، إذ إن الأمثلة الجيدة تزيد المعنى وضوحا وبيانا.

ولما للأمثلة من دور كبير في تقريب المعاني والإقناع بها، فقد اعتنى القرآن بها كثيرا، وأشار إلى أهميتها وبيان هدفها: (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)، (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون).

سادسا: العدول عن الإجابة

إن الأصل في الحوار الناجح أن يبنى على الإخلاص والتجرد للحق والصدق والوضوح، ولكن قد تتعذر هذه الصفات في الخصوم، فقد يكون الخصم يهوى الجدال والمراء، ويقصد إضاعة الوقت والتهرب من الحوار الجاد، وقد يلقي أسئلة لا قيمة لها ولا تفيد شيئا بالحوار.

ففي مثل هذه الأحوال يعدل المحاور الناجح عن الجواب المباشر للسؤال المطروح، إلى جواب مفيد مهم.

سابعا: الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأ

إن من أهم الآداب والصفات التي يتميز بها المحاور الصادق، أن يكون الحق ضالته، فحيثما وجده أخذه، والعاقل هو الذي يسلم بخطئه، ويعود إلى الصواب إذا تبين له، ويفرح بظهوره، ويشكر لصاحبه إرشاده ودلالته إليه.

ثامنا: التحدي والإفحام وإقامة الحجة على الخصم

إن الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق، فعلى المحاور أن يتجنب أسلوب الإفحام والإسكات، لأنه يترك في نفس المحاور حقدا وغيظا وكراهية.

ولكن قد يلجأ المحاور إلى التحدي والإفحام مع من استطال وتجاوز حدود الأدب، وطغى وظلم وعادى الحق وكابر مكابرة بينة ولجأ إلى الاستهزاء والسخرية، ونحو ذلك.

وفي مثل هؤلاء جاءت الآية الكريمة: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) «النساء: 148».

ولما أمر الله سبحانه بالتلطف في المناقشة - حتى مع الكفار - استثنى حالة إذا ما ظلموا وبغوا، فلا ينفع معهم الرفق واللين، بل يستعمل معهم الغلظة والشدة (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم).

المصدر: https://makkahnewspaper.com/article/81278/Makkah/%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك