زمن الحوار

تغريد الطاسان

 

من حكايا ابني الصغير الكثيرة.. موقف احتد فيه النقاش بيني وبينه..
 
كان ذلك عند استعدادنا للذهاب إلى مناسبة عائلية، اختلفنا حينها على ماذا سيرتدي.. كان لي رأي وله رأي آخر في الاختيار.. وأمام تمسكي برأيي أطاع هو.. ولكنه قال لي جملة كانت لي درساً: 
 
"ماما أنا سمعت كلامك لأنك أمي وما أبيك تزعلين.. لكن أنا بعد لي رأي ولازم تسمعينه مو كل شي على كيفك". 
 
كثيراً ما تضع مشاهد الحياة الواقعية ومواقفها العابرة ألف علامة استفهام على قناعاتنا وأفكارنا وأسلوبنا في الحياة. 
 
فنبدأ بمراجعة أنفسنا محاولين عمل تحديث لكل ما سبق، حتى نستطيع أن ندور مع دورة الحياة واختلافات الأجيال بسلاسة، فلا يطحننا دورانها تحت عجلات القناعات التي لم تعد صالحة لزماننا هذا..
 
ولأن الحياة مدرسة كبيرة عريقة والمواقف كتبها ومراجعها، تعلمت من ابني الصغير أن الزمن تغير.. وأن العقل البشري تطور.. 
 
وأني يجب أن أشكر ابني المؤدب جداً لأنه أطاعني إرضاءً وحباً وبراً، ولكنه في نفس الوقت يملك شخصية تستطيع أن تقول لي أنا كائن مستقل ذو شخصية مستقلة، ولست تابعاً سهل الانقياد. 
 
تعلمت من صغيري أن جيلي المطيع الذي لم يكن يجرؤ على رفع عينه بعين والديه لم يعد صالحاً لهذا الزمان المليء بفتن العنف والإغواء، وغسل العقول التي لا تجرؤ على قول: لا، أو هذا لا يناسبني، وأننا بزمن نحتاج فيه إلى حوار يجعلنا نقرر ماذا نريد ونحن بكامل إرادتنا، دون تبعية قد تجرنا إلى المهالك ودروب الضياع..
 
تعلمت أن الأم بكل رصيدها من العمر الذي صرفته في بنوك سنوات الحياة قد تكون تلميذة في صف طفل صغير تتعلم منه ما لم تعلمه لها الأيام.. وأنها إن عاندت وأصرت على أنها أعلم منه بمصلحته ضاعت منه، وضاع منها في دهاليز استقلالية الشخصية في زمن الحوار..
 
لذلك..
 
كأم .. أحتاج لحوارات أكثر عمقاً تجمع الأجيال المختلفة على طاولة نقاش تعلو بالفكر النامي، وتوجه ذلك الحماس المندفع الثائر ليمشي الهوينى على دروب الحياة.
 
أحتاج ونحتاج إلى نقاشات مرنة شيقة سلسة متنوعة، ننزل بها من برج الحكمة والخبرة العالي الذي أرى ويرى أغلب الآباء أن بلوغه صعب على أبنائهم، ونعيش متغيرات العصر لنستوعبها.. وندرك أن هذا جيل ذكاء وفطنة ووعي قد يفاجئنا، لدرجة أننا قد نعود تلاميذ على مقاعد الحياة، نتعلم من أساتذة هذا الجيل..
 
الحوار يذيب الفجوة بين الأجيال بسرعة عجيبة كذوبان قطعة سكر في كوب شاي ساخن..
 
والنقاش يجعل من الطفل أو المراهق إنسانا صاحب مسؤولية مستمدة من حرية قرار غير مربوط ببيروقراطية عائلية، أو تعال مجتمعي يتعامل مع هذا الفرد أو تلك الجماعة الناشئة بفوقية صدقت كذبة أنه قليل خبرة!!
 
الحوار يعطيهم ثقة بالنفس تجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يبيعوا عقولهم، أو يقدموها قرباناً لمن يرى بها منافع يمكن استغلالها لغايات قد تقتلنا كأهل، في الوقت الذي تقضي فيه على أمن مجتمعاتنا.
 
فليتنا نكثر من حوارات الأجيال من خلال الندوات والمؤتمرات والبرامج التعليمية، وكذلك الترفيهية والبرامج التطوعية، وبكل وسيلة تمزج الحاضر بالماضي ليستفيد جيل اليوم من خبرة جيل الأمس، وليتعلم جيل الأمس كيف يحافظ على توازنه وهو يمشي بثبات، مرتدياً قبعة الخبرة والحكمة في زمن يركض بجنون. 
 
و.. لتتحقق السعادة بفلسفتها الأجمل بلا صدام.
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك