أهل الحَلّ والعَقد: في رحلة المفهوم

يامن نوح

 

من خلال السطور القادمة، سنحاول مناقشة مفهوم "أهل الحل والعقد" منذ نشأته وحتى حضوره المعاصر في فكر جماعة الإخوان المسلمين، عن طريق البحث عن خط متصل يجمع نقاط تاريخية ثلاث تبدو في انفصال:

- المنشأ الفيلولوجي للعبارة (وهو سابق على ظهور الإسلام)

- المعنى الاصطلاحي للمفهوم في أدبيات أصول الفقه (أي بعد إدماجه في الفكر الديني المدرسي)

- المعنى الدارج المستخدم للمفهوم في أدبيات الجماعة (أي بعد أن تحول إلى مفهوم حركي معاصر)

وهي نقاط تفصل بينها مسافات تاريخية شاسعة، لكن ربّما يلقي التعرّض لها بهذا الشكل بعض الضوء على رحلة هذا المفهوم الملغز في بنية الاجتماع السياسي الديني، وتأثيره على واقعنا المعاصر.

المدخل الفيلولوجي

اللغة "هي تحليل خاص للواقع" أو هي "طريقة خاصة في تنظيم العالم" كما يقول أندريه مارتينيه (إبراهيم، 1976)، بمعنى أنّ بنية اللغة تعكس الطريقة التي يفكّر بها أصحابها، والطريقة التي ينظرون بها إلى العالم، وبالتالي يمكن لتحليل المفردة اللغوية أن تكون طريقا لا لفهم المراد منها فقط (المعنى أو المدلول)، ولكن لمعرفة الطريقة التي يفكّر بها أصحابها وينظرون بها إلى العالم كذلك.

وبالنظر في عبارة "أهل الحل والعقد" - كمصطلح سياسي شائع في الكتابات الإسلامية - نجد أنّها لم ترد في أيّ نصّ ثابت من القرآن أو السُنّة (الطريقي، 1998، صفحة 32)، وأنها استخدمت في وقت لاحق على لسان أبي الحسن الأشعري في البداية، ومن بعده الباقلاّني، ثم تلقّفها أبو يعلى الفرّاء والماوردي في مصنّفيْهما - اللذيْن يحملان الاسم نفسه - "الأحكام السلطانية". ويفتح ذلك مباشرة التساؤل المشروع: من أين أتى هؤلاء بالمفردة؟ من أية بيئة استوردوها؟ أم أنّهم صكّوا المصطلح صكّا؟

يدفعنا ذلك إلى تتبّع المفردة رجوعا إلى ما قبل الإسلام، لفهم موقعها في اللسان العربي، لعلّ ذلك يلقي بعض الضوء على بنيتها المفاهيمية على الأقل من حيث النشأة، وهو ما سيساعد في فهم تموضعها اللاحق في الكتابات الإسلامية.

وهذه المحاولة لا تخلو من مغامرة منهجية، نظرا لانعدام أيّ مصدر مدوّن يمكن الرجوع إليه في معرفة دلالة المفردة بشكل دقيق في ثقافة العرب القدامى، التي هي ثقافة شفاهية بالأساس، وبالتالي يصبح المرتكز الوحيد لخوض غمار هذه المغامرة هو الحدس الأنثروبولوجي، والرصيد الإثنوغرافي المتّصل بحياة البدو الرُحَّل، الذين شكّلوا ديموغرافيا الجزيرة العربية التي عرفناها وقت ظهور الإسلام. يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي في أقدم المعاجم العربية - كتاب العين - في باب (عقد): "عقدت الحبل عقدا ونحوه فانعقد...أعقدت العسل فانعقد...وعقد اليمين أن يحلف يمينا لا لغو فيها ولا استثناء فيجب عليه الوفاء بها، وعقدة كل شيء إبرامه، وعقدة النكاح وجوبه، وعقدة البيع وجوبه...وعقد قلبه على شيء: لم ينزع عنه...واعتقد الشيء: صلب، واعتقد الإخاء والمودّة بينهما: أي ثبت...والعقد مثل العهد، عاقدته عقدا مثل عاهدته عهدا..." (الفراهيدي، صفحة 140 ج1)

كما يتضح، نجد أنّ أبسط الاستخدامات وأكثرها بدائية لمفردة "عقد" هو استخدامها المتّصل بالحبال - أي عقد الحبل -، وهو أكثرها اتصالا بالبيئة الطبيعية للعرب بطبيعة الحال، وكلّ الاستخدامات الأخرى، إنّما هي بناء مجازي فوق هذا المعنى البسيط والمباشر. ومن هذا المعنى البسيط تكتسب الاستخدامات الأخرى - مثل "عقد النكاح" و"عقد اليمين" و"عقد البيع" - معاني الجدّية والموثوقية والصرامة والثبات - تشبيها لها بعقدة الحبل.

وليس بغريب أن تكتسب "عقدة الحبل" هذه القيمة الرمزية في بيئة العرب الذين عرفوا الارتحال، إذ بين ارتحال وآخر، ليس سوى الحبال هي ما يربطهم بالأرض: حبال الخيام، وحبال الإبل، فإذا "انعقدت" ثبت كلّ شيء، وإذا "حُلّت" تحرّك كل شيء.

فالحبال هي الشيء الذي لا يُتَصَوّر العربي عاجزا عنه أو مفتقرا إليه؛ يقول ابن منظور في لسان العرب: "العقد: نقيض الحلّ...وقالوا للرجل إذا لم يكن عنده غناء: فلان لا يعقد الحبل، أي أنّه يعجز عن هذا على هوانه وخفّته" (ابن منظور، صفحة 296 ج3)

تحمل إذن مفردة "العقد" دلالات الثبات والموثوقية، لكن توجد دلالة أخرى ربّما تظهر لهذه المفردة عند توظيفها في سياقها الثقافي وبنائها الاجتماعي القبلي. يقول عمرو بن كلثوم في معلّقته الشهيرة مفاخرا بقوّة قبيلته "تغلب" على غيرها:

متى نعقد قرينتنا بحبـــــل       تَجُذّ الحبل أو َتقْصِ القَرِينا

ونُوْجَد نحـن أمنَعَهُم ذِمَارا       وأوْفــَــاهم إذا عقَدوا يَمينا

والقرينة هي "الناقة أو الجمل، يكون فيها خشونة، فيربط أحدهما إلى الآخر حتّى يلين أحدهما" (النحّاس، 1973، صفحة 657 ج2)؛ أي أنّنا إذا قرنا ناقتنا بأخرى قطعت الحبل أو كسّرت عنق الناقة الأخرى، والمقصود من ذلك هو قدرتهم على التغلّب والقهر عند الصدام مع الآخرين، وفي البيت الثاني يشير إلى وفائهم بالعهود المقطوعة.

فالعقد إذن لا يحمل فقط دلالات الثبات والموثوقية - كما في البيت الثاني -، لكن البيت الأوّل يظهر أيضا أنّه يحمل في طيّاته دلالة الصراع، فهو ثبات إذن يخفي في رحمه صراع عنيف، إذ هو "عقد متمرّد"، لا يستقر طويلا، ويميل إلى الحلّ ولو على حساب "رقبة الآخر"!

تحوّل المفهوم

ولم يكن بغريب إذن - بعد أن تلاحقت الأحداث السياسية في بلاد العرب مقضية إلى نشوء "دولة" - أن تصبح رئاسة هذه الدولة/ الإمامة، أمرا من أمور "الانعقاد"، فهي مسألة تمتاز بالجدية والصرامة والموثوقية بالفعل، كما أنها في نفس الوقت تقوم على دعائم من بنية قبلية متصارعة، تحمل جذور الصراع في داخلها، حتى ولو تجاوزت صراعها القبلي في لحظات استثنائية مؤقتة، لكنها ما تلبث أن تعود سريعا إلى سيرتها الأولى: "انعقاد متمرد" يتطلع في كل لحظة إلى "الحل"!

وجاء لفظ "انعقاد الإمامة" في البداية على لسان أبي الحسن الأشعري (ت 330هـ) في "مقالات الإسلاميين" - أول النصوص الإسلامية المدوّنة التي يظهر فيها هذا المصطلح بما هو مسألة سياسية-، والتي أراد فيها أن يستعرض اختلاف الفرق الإسلامية في مسألة اختيار الحاكم، "فقال قائلون: لا تكون إلا بنص من الله سبحانه وتوقيف...وقال قائلون قد تكون بغير نص ولا توقيف، بل بعقد أهل العقد" (الأشعري، 1990، صفحة 148). ولاحظْ هنا الاستخدام غير الاصطلاحي الذي يرد في عبارة الأشعري، حيث يستخدمها كمفردة عامة وبشكل لا يخلو من مجاز، لا كمصطلح تقني خاص، وهو نفس الأمر المتكرر مع مسألة تالية لها بعنوان "قولهم فيمن تنعقد بهم الإمامة"، والتي يفصل فيها اختلافهم في العدد اللازم "لانعقاد" الإمامة، والتي تراوحت ما بين قول "قائلين" بأنّها تنعقد برجل واحد، وحتى قول الأصم أنها "لا تنعقد إلّا بإجماع المسلمين". (الأشعري، 1990، صفحة 149)

نفس الاستخدام غير الاصطلاحي نجده بعد ذلك مباشرة عند أبي بكر الباقلاني (ت 403هـ) في كتابه "تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل" في "باب الكلام في حكم الاختيار"، والذي يتحدث فيه عن الجدال الدائر حول "طريق إثبات الإمامة" ونجده يستخدم مفردة "إثبات الإمامة" و"انعقاد الإمامة" بشكل تبادلي، (ما يوحي بالطبيعة غير الاصطلاحية للمفهوم حتى ذلك الوقت)، ونجده بطبيعة الحال كمتكلّم أشعري ينحاز ضدّ الرأي القائل بوجوب النص في الإمامة قائلا: "فإن قالوا: فإذا فسد النص علي إمام بعينه فكيف طريق إثبات الإمامة وبماذا يصير الإمام إماما؟ قيل لهم: إنّما يصير الإمام إماما بعقد من يعقد له الإمامة من أفاضل المسلمين الذين هم أهل الحل والعقد والمؤتمنين على هذا الشأن، لأنه ليس لها طريق إلاّ النصّ أو الاختيار وفي فساد النص دليل على ثبوت الاختيار الذي نذهب إليه" (الباقلاني، 1987، صفحة 467)، ونفس هذا الاستخدام غير الاصطلاحي يستمرّ مع الباقلاني في مسائل تالية من قبيل "هل تملك الأمَة فسخ العقد على الإمام...كما أنها تملك العقد له؟"، "بكم يتمّ عقد الإمامة؟"، و"هل يجب أن يحضر العقد للإمام قوم من المسلمين؟"...إلخ من المسائل المتعلقة بآلية "العقد".

وعلى الرغم من أنّ عبارة "أهل الحل والعقد" تبدأ مع الباقلاني في الترسّخ تدريجيا كعبارة دالة، نظرا لتكرار استخدامها في هذا الباب، بسبب التفصيل الموسع الذي ناقش به الباقلاني مسألة اختيار الحاكم، إلاّ أنّها ما تزال بعيدة من حيث الدلالة التقنية عن دلالتها الاصطلاحية التي ستنشأ لاحقا، فالباقلاني يعامل "أهل الحل والعقد" معاملة "وليّ عقد الزواج"، بمعني أنّها تمارس دورا أقرب ما يكون إلى الإجرائية، وليس من صميم العملية السياسية ذاتها.

فلدى مناقشته لمسألة "هل يملك الرجل من أهل الحل والعقد عقد الإمامة لنفسه كما يملك ذلك لغيره؟" كانت إجابته بالنفي، قياسا على أنّ "الإنسان يملك العقد على وليّته لغيره ولا يملك العقد عليها لنفسه، وكذلك العاقد على سلعته يملك عقد بيعها على غيره ولا يملك عقد بيعها على نفسه وكذلك الإنسان يملك كتابة عبده وتدبيره ولا يجب أن يملك تدبير نفسه وكتابتها وعتقها" (الباقلاني، 1987، صفحة 469)، وفي مناقشته لمسألة "هل تملك الأمَة فسخ العقد على الإمام...كما أنها تملك العقد له؟" يجيب كذلك بالنفي، ومرة أخرى قياسا - وبشكل منطقي مجرّد من أية واقعية - على عقود الزواج والبيع ومكاتبة العبيد: "ألا ترى في العاقد على وليّته لا يملك فسخ النكاح من حيث كان يملك عقده، وكذلك العاقد للبيع على سلعته لا يملك حلّه، وإن ملك عقده..." (الباقلاني، 1987، صفحة 469)

والأهم من ذلك أنّ الباقلاني كان يرى بأنّ الإمامة "تنعقد وتتمّ برجل واحد من أهل الحلّ والعقد إذا عقدها لرجل على صفة ما يجب أن يكون عليه الأئمة" (الباقلاني، 1987، صفحة 467)، وفي حالة تعدد "العقود" لعدة أئمة في بلدان متفرقة "تصفّحت العقود وتؤملت ونظر أيها السابق فأقرت الإمامة فيمن بدئ بالعقد له، وقيل للباقين: انزلوا عن الأمر فإن فعلوا وإلا قوتلوا على ذلك وكانوا عصاة في المقام عليها" (الباقلاني، 1987، صفحة 470). هذه المسائل وغيرها توحي بالإجرائية الشديدة التي يعامل بها الباقلاني مع دور "أهل الحل والعقد" في مسألة اختيار الإمام، ما يشي كذلك بعدم تشكّل المفهوم من الناحية الاصطلاحية والتقنية حتى عصره، وأنّ استخدام عبارة "أهل الحل والعقد" في هذه الفترة لم يكن يتعدّى الردّ الكلامي على قول الشيعة بوجوب النص في اختيار الحاكم، وليس للدلالة علي آلية سياسية واضحة المعالم، وهو ما يؤكده أنّ الباقلاني نفسه قد أفرد عدّة فصول لاحقة لمناقشة مواصفات الإمام والدور الذي يقام لأجله، ولم يناقش أهل الحل والعقد ولا ماهيتهم ولا شروط اختيارهم!

ثم يظهر المفهوم بعد ذلك عند الماوردي (ت450هـ) في "الأحكام السلطانية"، ونجده يستخدم عبارتي "أهل الاختيار"، "أهل الحل والعقد" بشكل تبادلي، وهو ما يشير مرة أخرى إلى عدم الرسوخ الاصطلاحي لمفهوم "أهل الحل والعقد" حتى ذلك الوقت. ويعطي الماوردي لأهل الحل والعقد دورا أكثر جوهرية مما لدى الباقلاني، غير أنّ هذا الدور مرة أخرى مختلف على مدى ضرورته لإتمام البيعة. فبحسب الماوردي فقد "اختلف أهل العلم في ثبوت إمامته وانعقاد ولايته (يعني الإمام) بغير عقد ولا اختيار، فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته وإن لم يعقدها أهل الاختيار، لأنّ مقصود الاختيار تمييز المولى وقد تميّز هذا بصفته. وقد ذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أنّ إمامته لا تنعقد إلاّ بالرضى والاختيار لكن يلزم أهل الاختيار عقد الإمامة له، فإن توقّفوا أثموا لأنّ الإمامة عقد لا يتم إلاّ بعاقد" (الماوردي، 1989، صفحة 9).

ويظهر كذلك عند معاصره أبي يعلي الفراء (ت458هـ)، ونجده أيضا يستخدم في مطلع حديثه عبارتي "أهل الاجتهاد" و"أهل الاختيار" ثم يستقرّ بعد ذلك على استخدام عبارة "أهل الحل والعقد" في باقي المتن. وينحاز أبو يعلى في البداية لضرورة موافقة "جمهور" أهل الحل والعقد على مبايعة الإمام: "فأمّا انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فلا تنعقد إلاّ بجمهور أهل الحل والعقد" (ويروي في ذلك رواية عن إسحاق بن إبراهيم تؤيّد ما ذهب إليه) (الفرّاء، 2000، صفحة 23)، لكنّه يعود مجدّدا ليفتح باب تحققها بالغلبة والقهر، فيستدرك: "وروي عنه (يعني إسحاق بن إبراهيم) ما دلّ على أنها تثبت بالقهر والغلبة، ولا تفتقر إلى العقد، فقال في رواية... (ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمّي أمير المؤمنين فلا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما، بَرّا كان أو فاجرا)" (الفرّاء، 2000، صفحة 23)

ومن بعد ذلك، شاع استخدام المصطلح لدى كثير من المشتغلين بالفقه وأصوله وعلم الكلام والسياسة الشرعية وغيرهم. (الطريقي، 1998) في محاولة لإيجاد تأصيل شرعي لمفهوم أهل الحل والعقد، ودورهم في اختيار الحاكم وتوليته، والأهم من ذلك محاولة التوفيق بين هذه التصوّرات الشرعية مع مجريات الواقع السياسي المتقلّب من ناحية، ومع السوابق التاريخية المثيرة للجدل، كخلافة أبي بكر وعثمان وعلى ومعاوية، وهي السوابق التي كانت مناقشتها لصيقة دائما بمناقشة مسألة الإمامة والبيعة وأهل الحل والعقد لدى كل من تعرّض لهذه الموضوعات، منذ الأشعري وحتى إلى أبي يعلى من ناحية أخرى.

ظهور المعنى الاصطلاحي

رأينا إذن، كيف أنّ تواتر استخدام عبارة "أهل الحل والعقد" قد خلق منها قضية موضع التساؤل الشرعي، في أصول الفقه والفقه وعلم الكلام وغير ذلك. فبعد أن كانت - في نشأتها الأولى - مسألة "طبيعية" منطلقة من واقع اجتماعي قائم بالفعل، أصبح هناك اتجاه عام للبحث عن أصول شرعية لها، بحيث تنبني على قواعد من داخل بنية التشريع الديني ذاته! وبأثر رجعي، جرى تأويل آيات الشورى وأولي الأمر، حيث تتوافق مع "مفهوم شرعي" جديد عنوانه "أهل الحل والعقد". غير أنّ هذه المحاولات لم تنجح في إعادة توجيه المسألة في التطبيق الواقعي بعيدا عن إكراهات الواقع الاجتماعي وتوازنات الاجتماع السياسي القائمة بالفعل، بل العكس هو الذي حدث على ما يبدو، إذ استطاعت توازنات الاجتماعي السياسي أن توظف التفكير الديني والفقهي في صالح الاعتراف بالتحولات السياسية الواقعية -التي تحركها القوة السياسية على الأرض في نهاية المطاف -، وإضفاء صبغة شرعية عليها!

ويمكننا أن نلمح هذا التدافع الجدلي في بنية المفهوم وتحوّلاته بين إكراه الأمر الواقع من ناحية، وبين محاولة العقل الديني سحب المفهوم إلى أرضية شرعية تضفي عليه طابعا علميا من ناحية أخرى، من خلال التعريفات الاصطلاحية التي استقر الأمر عليها فيما بعد لهذا المفهوم بعد ولادته "كمصطلح"، والتي تحدثنا عنها سابقا.

فبحسب معجم مصطلحات أصول الفقه (مجمع اللغة العربية، 2003)، فإنّ "أهل الشيء: أصحابه وولاته، وعقَد لفلان على البلد: ولاّه عليه، وعقَد التاج فوق رأسه: عصبه به، والعقدة من كل شيء: وجوبه وإحكامه وإبرامه".

ويوضح المعجم أنّ عبارة "أهل الحل والعقد" تطلق إطلاقات ثلاثة "أحدهما عام، والآخران خاصّان، فبالإطلاق العام أهل الحل والعقد هم: قادة المجتمع وأعيانه وذوو الرأي في شؤونه العامة. وبإطلاق خاص - لدي الفقهاء والمتكلّمين، وفي باب "الإمامة" بوجه أخص - أهل الحل والعقد: هم نوّاب الأمّة أو أي مجتمع أو قطر مسلم، الذين ينوبون عن الكافة في اختيار خليفة أو حاكم، وفي خلعه. ويشترط فيهم الخبرة بما يقومون به، دون بلوغ مرتبة الاجتهاد الفقهي، وبالإطلاق الأخص الآخر - لدى الفقهاء والأصوليين -: أهل الحل والعقد: هم المجتهدون القادرون على استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، وباتفاقهم على حكم شرعي ينعقد (الإجماع)، وصفاتهم مبيّنة في علم (أصول الفقه)".

وفي هذا التعريف "الحذر" نلاحظ ملاحظة أولي، وهي أن مفهوم "أهل الحل والعقد" يتأرجح بشكل ما بين "أهل العلم"، و"أهل السلطة الاجتماعية"، وهما معنيان في اتجاهان مختلفان تماما، حتى وإن عمدت كثير من الأدبيات السلفية التقليدية إلى الجمع بينهما لرفع التضارب - الذي لا يمكن رفعه في حقيقة الأمر - وإحداث نوع من الوحدة المفاهيمية المصطنعة!

فمثلا نجد الشيخ د. عبد الله الطريقي في كتابه عن "أهل الحل والعقد" يقول في خلاصة ما توصل إليه بحثه أنّ "أهل الحل والعقد تشمل ثلاث فئات: العلماء والأمراء والوجهاء" وأنّ "الاقتصار على واحدة منها أو اثنتين (هو الرأي) المرجوح" (الطريقي، 1998، صفحة 164). وظاهر من العبارة، أنّ الفئة الثالثة - الوجهاء - لا معنى واضح لها، بينما الفئة الأولى والثانية تدور في نفس المدار الذي لاحظناه على تعريف معجم أصول الفقه، وهو "تردّد" دلالة المصطلح بين "أهل العلم" و"أهل السلطة الاجتماعية"!

الملاحظة الثانية هي أنّ هذا التردد ليس عادلا بين جانبيه، بمعني أنّه ليس في المنتصف، ولكنّه يميل من الناحية العملية باتجاه "أهل السلطة". فمثلا يعود الشيخ الطريقي في كتابه سالف الذكر إلى تقرير أنّه "في حال اختيارهم للإمام ومبايعته يجب اتفاق جمهورهم من ذوي الشوكة، ولا يكتفي بأفراد محدودين، ولا سيما إذا كانوا ذوي كثرة" (الطريقي، 1998، صفحة 164) وبالتالي يبدو الأمر في النهاية متروكا لأصحاب "الشوكة" الفعليين، وأنّ محاولة إقحام "أهل العلم" على هذا المفهوم - بشكل نظري بحت في الغالب - يهدف لإضفاء نوع من "الشرعية الدينية" على توازنات "اجتماع سياسي" قائمة بالفعل تحدّد سلفا ماهية "أهل الحل والعقد"، وربّما أيضا - في الخطاب السلفي المعاصر على وجه الخصوص - بعض المشروعية العلمية "المحببة" في الذائقة السلفية!

وهذا الميل إلى ناحية "أهل السلطة" في تعريف "أهل الحل والعقد" يقرّ به المؤلف نفسه صراحة عن محاولته التمييز بين "أهل الحل والعقد" من ناحية، وبين "أهل الشورى" من ناحية أخرى، فيقول: "إنّ صفة العلم هي الغالبة والبارزة في أهل الشورى. أمّا أهل الحل والعقد، فالصفة الغالبة فيهم هي القوّة والشوكة" (الطريقي، 1998، صفحة 41)

وربما يكون ابن تيمية (ت728هـ) أكثر كتاب أهل السنّة اتساقا مع هذا الانحياز بوضوح تام، فهو من ناحية ينكر أي أصل ديني أو شرعي لمسألة الإمامة: "إنّ قول القائل (إنّ مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين) كذب بإجماع المسلمين سُنّيهم وشيعيهم، بل هذا كفر، فإنّ الإيمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام." (بن تيمية، 1986، صفحة 75)

ومن ناحية أخرى، يرى بأنّ الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع "أهل الشوكة"، فهو يستعرض رأي أهل السنّة قائلا: "بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماما حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإنّ المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما...والملك لا يصير ملكا بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة، إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك" (ابن تيمية، 1986، صفحة 527)

فالمسألة عنده مسألة توازنات قوى اجتماع سياسي بحت، ولا أصل ديني أو إيماني لها مطلقا، وهو في هذا المعنى أقرب ما يكون إلى مفهوم الشرعية السياسية المتداول في السوسيولوجيا السياسية الحديثة. فالشرعية كما - كما يقرّر "موريس دوفرجيه" في كتابه "علم اجتماع السياسة" - تعني أن تكون السلطة معترفا بها من قبل أعضاء الجماعة، أو على الأقل أغلبيتهم، فالسلطة تكون "شرعية" عندما يكون ثمة إجماع ضمني فيما يتعلق بمشروعيتها. (دوفرجيه، 1991)

الحضور المعاصر لمفهوم "أهل الحل والعقد": جماعة الإخوان المسلمين أنموذجا

التأصيل الفكري

على العكس من ابن تيمية، يقدّم "حسن البنا" تصوّره لعلاقة الدين بالسياسة. يقول الشيخ يوسف القرضاوي عن رأي حسن البنا في شؤون الحكم ونظام الدولة وغيرها من الأمور السياسية: "كان هذا الجانب قبل دعوة حسن البنا وقيام مدرسته بعيدا عن اهتمام...الجماعات الدينية في مصر، وخارج نشاطها وتفكيرها، فقد أصبح مفهوم السياسة مقابلا لمفهوم الدين، كما يقابل الأسودُ الأبيضَ، فلا يُتصوّر اجتماعهما في شخص أو في جماعة، والناس رجلان: إمّا رجل دين، وإمّا رجل سياسة […]. كان على حسن البنا أن يخوض معركة حامية الوطيس، لمطاردة المفاهيم الخاطئة عن العلاقة بين الدين والسياسة...وكان لابدّ من حرب الفكرة الخاطئة بالفكرة الصحيحة، وهي (شمول الإسلام) لكلّ جوانب الحياة، ومنها السياسة، كما دلّ على ذلك القرآن والحديث، وهدي الرسول وسيرة الصحابة، وعمل الأمّة كلها طوال ثلاثة عشر قرنا أو تزيد […] وللإمام الشهيد في ذلك كلمات تكاد تكون محفوظة لدى جمهور الإخوان، من ذلك قوله في إحدى رسائله (إذا قيل لكم: إلام تدعون؟ فقولوا: نحن ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد (ًص) والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه"! (القرضاوي، 2007، الصفحات 9-11). في الاقتباس السابق، يبدو بشكل واضح ذلك التطابق الذي يراه حسن البنا بين الدين والسياسة، والأصل الديني الذي يراه لمسائل الحكومة وتدبيرها.

ويستطرد القرضاوي في الحديث عن ركائز "الأمّة الإسلامية"، والتي منها "وحدة (القيادة السياسية) التي يمثلها الخليفة أو الإمام الأعظم، الذي يختاره أهل الحل والعقد في الأمّة اختيارا حرا، وتبايعه الأمة بكل فئاتها بيعة عامة" (القرضاوي، 2007، صفحة 47). يعاود إذن مفهوم "أهل الحل والعقد" للظهور مجدّدا، لكن دون أي تحديد أو وصف في هذا المقام.

لكن يمكن للقارئ أن يجد توضيحا لمفهوم "أهل الحل والعقد" في فكر البنّا في رسالة "نظام الحكم"، والتي يتحدث فيها البنا نفسه عن نظام الانتخابات، موضّحا "رأي الإسلام" كما يراه: "وأمّا عن احترام رأي الأمّة، ووجوب تمثيلها واشتراكها في الحكم اشتراكاً صحيحاً، فإنّ الإسلام لم يشترط استبانة رأي أفرادها جميعاً في كل نازلة، وهو المعبّر عنه، في الاصطلاح الحديث بالاستفتاء العام، ولكنه اكتفى في الأحوال العادية (بأهل الحل والعقد) ولم يعيّنهم بأسمائهم، ولا بأشخاصهم... ولقد رتّب النظام النيابي الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون من نظام الانتخابات وطرائقه المختلفة، والإسلام لا يأبى هذا التنظيم ما دام يؤدى إلى اختيار أهل الحل والعقد" (البنا، 2017)

يتضح إذن، أنّ البنا كان يرى بأنّ "أهل الحل والعقد" يمكن أن يحلّ محلّهم في هذا الزمان "نوّاب الشعب المنتخبون"، ويتسق ذلك مع موقف البنا المؤيد صراحة للنظام الدستوري والبرلماني، والذي يعتبره أقرب أشكال الحكم المعاصرة إلى الإسلام.

وفي مسألة تحديد هوية أهل الحل والعقد، يتبني حسن البنا نفس التعريف الاصطلاحي المضطرب الذي سبق الحديث عنه: "والظاهر من أقوال الفقهاء ووصفهم إياهم أنّ هذا الوصف ينطبق على ثلاث فئات هم: الفقهاء المجتهدون الذين يعتمد على أقوالهم في الفتيا واستنباط الأحكام، وأهل الخبرة في الشؤون العامة، ومن لهم نوع من قيادة أو رئاسة في الناس كزعماء البيوت والأسر، وشيوخ القبائل ورؤساء المجموعات" (البنا، 2017)

واللافت هنا أنّ البنا كان يعتدّ "بمن لهم قيادة في الناس" كمكوّن أساسي من مكوّنات "أهل الحل والعقد"، ولكنه لم يستطع في نفس الوقت أن يرى في هؤلاء رؤساء الأحزاب التي طالما نادى بحلّها لما تسبّبه من فرقة!

ويستمر البنا في محاولته التوفيق الصوري بين مفهوم أهل الحل والعقد وبين نظام الانتخابات الحديث، الذي يمكنه في نظره أن يؤدّي إلى الوصول إلي أهل الحل والعقد: "ذلك ميسور إذا لوحظ في أيّ نظام من نظم تحديد الانتخاب صفات أهل الحل والعقد، وعدم السماح لغيرهم بالتقدم للنيابة عن الأمة" (البنا، 2017)

يبدو إذن مفهوم "أهل الحل والعقد" في فكر حسن البنا مفهوما تراثيا تائها، محتفظا باضطرابه القديم، وهو يحاول أن يجد له مكانا في مكوّنات الواقع السياسي الذي عاصره، دون أن يكون مفهوما منهجيا يؤسّس لموقف سياسي متماسك، ويزداد هذا المفهوم هامشية في فكر البنا إذا ما وضعنا في الاعتبار ما نقله بعض المقرّبين من البنا من أنّه كان يعتبر أنّ الشورى من الأساس معلمة وليست ملزمة، فعلى الحاكم من وجهة نظره أن يستشير أهل الحل والعقد، ولكن ليس عليه أن يلتزم برأيهم أو برأي أكثرهم، وقد نقل ذلك القرضاوي عن بعض المقرّبين من حسن البنا. (القرضاوي، 2007، صفحة 89).

بنية التنظيم واللوائح الإدارية

لا تظهر عبارة أهل الحلّ والعقد بنفسها في نص لائحة النظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين (لائحة 82)، ولكن يمكن تلمس آثارها بوضوح في آلية اختيار المرشد العام للجماعة. إذن تبدأ المادة رقم 11 والمتعلّقة باختيار المرشد العام من استطلاع رأي المكاتب التنفيذية في الأقطار: "يقوم مكتب الإرشاد العام بعد استشارة المكاتب التنفيذية في الأقطار بترشيح أكثر اثنين قبولاً لدى هذه المكاتب"، وهو ما يوحي بشكل ديمقراطي من الناحية المبدئية، غير أنّ المادة تستطرد بأن ذلك فقط يحدث في حال "إذا لم يتم الإجماع على واحد ممن تتوفر فيهم الشروط المذكورة في المادة 10 (المتضمنة لمواصفات المرشد العام)" (النظام العام للإخوان المسلمين - لائحة 1982). وبما أنّ المادة لم تحدّد أي شيء بخصوص ذلك "الإجماع" يحق التساؤل إذن عن آلية هذا "الإجماع" الممكن، إن لم يكن يقصد به إجماع القيادات العليا للجماعة على مرشّح بعينه بشكل مباشر لا يحتاجون معه إلى استطلاع رأي القواعد! وتستمر اللائحة بعد ذلك في بيان خطوات اختيار المرشد، والتي يفترض أن تتم داخل مجلس شورى الجماعة بآلية انتخاب وتصويت إجرائية معتادة.

غير أنّ مجلس شورى الجماعة - وعلى خلاف رأي الباقلاني سالف الذكر - يمكنه أن "يحلّ" ما "عقده"، حيث تنصّ المادة 39 من اللائحة، والمختصة بمهمات مجلس الشورى الجماعة، أن هذا المجلس من مهماته "إعفاء المرشد العام أو قبول استقالته..." (النظام العام للإخوان المسلمين - لائحة 1982)

يبدو إذن أنّ مجلس شورى الجماعة يؤدّي في هذه الحالة دور "أهل الحل والعقد" المتعارف عليه في الكتابات الإسلامية المبكّرة، حيث ينوب هذا المجلس عن أفراد الجماعة في اختيار مرشدها العام وإقالته كذلك، دون الحاجة إلى الرجوع إلى قواعدها ولو بشكل إجرائي.

الخطاب السياسي للجماعة

غير أنّ الخطاب السياسي للجماعة يختلف عن هذه البنية المستبطنة، ويمكن النظر إلى حضور مفهوم أهل الحل والعقد في الخطاب السياسي لجماعة الإخوان من خلال النظر في برنامجها الانتخابي الذي تقدمت به لتأسيس حزب الحرية والعدالة. وأوّل ما يلفت النظر في هذا البرنامج أنّه عند الحديث عن مبادئ الشريعة التي يتبنّاها الحزب كمرجعية أساسية، يستخدم مفردة "الشورى" ثم يضع بجانبها بين قوسين مفردة (الديمقراطية)، باعتبار أن الشورى هي الأصل في التصور الإسلامي الذي يتبناه الحزب، وأنّ الديمقراطية هي تطبيق معاصر يقبله الإخوان بشكل أو بآخر: "وثالث هذه المبادئ هو اعتماد الشورى (الديمقراطية) للحياة، وبخاصّة في النشاط السياسي" (برنامج حزب الحرية والعدالة، صفحة 5)

ويأتي تأويل البرنامج لمسألة الشورى منافيا تماما للمعنى التقليدي الموروث عن "أهل الحل والعقد"، حيث يؤصّل لحقّ الشعب في اختيار حكّامه وعزلهم، دون استئثار أي حزب أو فئة بذلك: "والشورى التي نؤمن بها ونسعى إلي تحقيقها وتأسيس نظام الحكم عليها ليست قالبا جامدا، ولكنها تعني إرساء مبدأ تداول السلطة وحق الشعب في تقرير شؤونه واختيار نوّابه وحكامه ومراقبتهم ومحاسبتهم وضمان التزامهم فيما يصدر عنهم من قرارات أو تصرفات لتسيير شئون العامة برأي الشعب مباشرة أو عن طريق نوابه حتي لا يستبد بالأمر فرد أو ينفرد به حزب أو تستأثر به فئة...إنّ عدم تحديد شكل معين للشورى يوجب علينا أن نأخذ بأحسن ما وصلت إليه المجتمعات الإنسانية في ممارستها الديمقراطية في عصرنا الراهن من أشكال وقواعد وطرق إجرائية وفنية لمعرفة إرادة الأمّة وتحسين ممارسة السلطة وضمان تداولها سلميا وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية فيها وتفعيل المراقبة عليها" (برنامج حزب الحرية والعدالة، صفحة 13)

نفس المعنى يرد على لسان مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة، في كتابه "الإسلام هو الحلّ"، حيث يؤكد الربط بين "الشورى" الإسلامية ونظام الانتخابات الحديث، داعيا إلى تطبيق الشريعة "وفي إطار الشورى التي جاء بها الإسلام، وتؤكد حق إبداء الرأي وحرية التعبير والنقد، واحترام الرأي الآخر وتنزيه الانتخابات عن العبث والتزييف لتبقى وسيلة وسبيل الشعوب لاختيار حكّامها وممثّليها." (مشهور، صفحة 5)

خلاصة

بشكل عام، يبدو أنّ مفهوم "أهل الحل والعقد" قد تنازعته سلطتان منذ نشأته - من الناحية الفكرية علي الأقل -، سلطة العلماء، وسلطة أصحاب النفوذ الاجتماعي، ولم تستطع الكتابات المبكّرة تجاوز هذا الاضطراب في بنية المفهوم، وإنّما احتفظت به رغما عنها ومرّرته عبر العصور، وهي نتيجة طبيعية لسلطة الأمر الواقع التي تحققت بالفعل في مجمل تجربة الدولة الإسلامية، - أي سلطة الشوكة والنفوذ الاجتماعي - وهي التي انتصرت في النهاية لتثبت نفسها أمرا واقعا، لا تجدي معه محاولات العلماء في إضفاء صبغة شرعية علي اختيارات يفرضها الواقع، ولا تفتقر إلي الدليل الشرعي، اللهم إلاّ لإعطاء الذريعة المطلوبة "للمتغلّب" في إقصاء مخالفيه، والذين يعتبرون في هذه الحالة مخالفين للشريعة ذاتها، مادام أهلها "أهل الحلّ والعقد" قد أضافوا الدليل الشرعي إلى إفرازات التغلب السياسي!

ويبدو كذلك أنّ مفهوم الحلّ والعقد قد استقر في وجدان الإسلاميين المعاصرين، متمثلا في طريقة تعاطيهم مع السلطة، حيث يفترض الوعي الإسلامي الحركي بشكل مستبطن إمكانية سلطة فوقية تستطيع اتخاذ القرارات بشكل منفصل عن الناس، مادام التأثير عليهم ممكنا بحكم "الشوكة" والنفوذ الاجتماعي بينهم، وهو ما ظهر على سبيل المثال في البنية الإدارية لجماعة الإخوان المسلمين، وممارستها السياسية، الذي ربّما حاول التوافق مع آليات النظام السياسي الديمقراطي الحديث، ولكن غلبت عليه طباعه الأصيلة عند مواجهة المواقف الحرجة.

 

المراجع:

إبراهيم، ز. (1976). مشكلة البنية. القاهرة: مكتبة مصر.

ابن منظور، أ. ا. (n.d.). لسان العرب. بيروت: دار صادر.

الأشعري، أ. ا. (1990). مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين(Vol. 2). م. م. الحميد، (Ed.) بيروت: المكتبة العصرية.

الباقلاني، أ. ب. (1987). تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل. (ع. ا. حيدر، Ed.) بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية.

البنا، ح. (2017، 8 14). رسالة نظام الحكم. Retrieved from ويكيبيديا الإخوان المسلمين:

http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9...

الطريقي، ع. ا. (1998). أهل الحل والعقد: صفاتهم ووظائفهم. مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي.

الفراء، أ. ي. (2000). الأحكام السلطانية. (م. ح. الفقي، Ed.) بيروت: دار الكتب العلمية.

الفراهيدي، ا. ب. (n.d.). كتاب العين. (د. المخزومي، & إ. السامرائي، Eds.)

القرضاوي، ي. (2007). التربية السياسة عند الإمام حسن البنا. القاهرة: مكتبة وهبة.

الماوردي، أبو الحسن. (1989). الأحكام السلطانية. تحقيق أحمد مبارد البغدادي. الكويت: دار ابن قتيبة.

النحاس، ا. ج. (1973). شرح القصائد التسع المشهورات. (أ. خطاب، Ed.) بغداد: وزارة الإعلام العراقية.

النظام العام للإخوان المسلمين - لائحة 1982. (2017، 8 15).Retrieved from ويكيبيديا جماعة الاخوان المسلمين:

http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%84%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9_(1982)

برنامج حزب الحرية والعدالة. (2017، 8 15) .Retrieved from ويكيبيديا الاخوان المسلمين:

http://www.ikhwanwiki.com/images/1/1c/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%...

بن تيمية، ت. ا. (1986). منهاج السنة النبوية (Vol. 1). (م. ر. سالم، Ed.) جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

دوفرجيه، م. (1991). علم اجتماع السياسة. (د. حداد، Trans.) بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.

مجمع اللغة العربية. (2003). معجم مصطلحات أصول الفقه. القاهرة.

مشهور، م. (n.d.). الإسلام هو الحل. القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية.

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%A3%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D...

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك