الغرب وتيارات العالم الإسلامي.. الموقف وبرامج العمل

هشام منوّر

 

 

لم يعد الحراك الحاصل داخل الجسد الإسلامي حكراً على المسلمين وحدهم، فيما يتعلق بتقرير طبيعة كيانهم السياسي والاجتماعي وتحديد قيمهم ومبادئهم وتصوراتهم، وبناء رؤيتهم الخاصة للعالم والآخر، فقد أضحى (الآخر) عنصراً فاعلاً ـ إن لم نقل أساسياً ـ في صياغة تلك المبادئ والمفاهيم والتصورات، إذ لم يعد العالم الإسلامي في موقع القوة العظمى المهيمنة كما كان في السابق، بل إن حريته واستقلاله السياسيين، أضحى في كثير من جوانبه منتهكاً ما لم نقل مستباحاً؟!. بيد أن ذلك التدخل في شؤون المجتمعات الإسلامية وأسلوب صياغتها لرؤاها وتصوراتها الخاصة، وحتى قراراتها السياسية، ازداد في الآونة الأخيرة وخاصة بعد انهيار المنظومة الشيوعية، وبروز الإسلام بوصفه خصماً جديداً للعالم الغربي. أو هكذا يراد له أن يكون!؟.

إن طرح السؤال التالي والمتلخص بـ «ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه باقي دول العالم المهددة والمتأثرة بالصراع الحاصل داخل العالم الإسلامي للحصول على محصلة سلمية وإيجابية لهذا الصراع؟»، إن طرح هذا التساؤل، وإن بدا للوهلة الأولى محاولة للتدخل في صياغة القرار السياسي والقضاء على ما تبقى من استقلال وحرية للمجتمعات الإسلامية، إلا أن انعكاساته المباشرة على شكل «الدين» وماهيته التي يرغب العالم الغربي في الحصول عليها، يضعنا مباشرة مع عدد من المحاولات الجارية حالياً لتحديث الإسلام والعالم الإسلامي وعصرنتهما والانتقال بهما إلى «واحة» الديمقراطية والمدنية.

فمراكز الدراسات والأبحاث في الغرب تلهج في محاولة ابتكار منهج سليم للتعامل مع ما تعتبره "حالة من الصراع الفكري الداخلي الدائرة داخل الإسلام"، ووضع وسائل كفيلة بتشجيع العناصر المفيدة لها في بناء «إسلام ديمقراطي مدني». وتضطلع الولايات المتحدة في هذا السياق بالدور الأبرز والأهم فيما يخص رسم صيغة علاقة الغرب بالإسلام من خلال تبني عدد من الأهداف التي تضمن للولايات المتحدة، والغرب تالياً، منع انتشار "التشدد والتطرف". من خلال مواجهة الانطباع السائد في العالم الإسلامي بأنها «معادية للإسلام» على المستوى القريب. وعلى المدى البعيد عبر التصدي للأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تغذي "الأصولية الإسلامية"، وتشجيع الولايات المتحدة لتوجه العالم الإسلامي نحو التنمية والديمقراطية.

ويبدو أن الولايات المتحدة قد تجاوزت في سياق مشروعها لبناء علاقات جديدة مع العالم الإسلامي نظرية "السلة الواحدة" في التعامل مع الحركات والمنظمات الإسلامية، فباتت تؤكد على أهمية تصنيف التيارات المتناحرة في العالم الإسلامي، واعتماد آراء وتوجهات كل تيار حول عدد من الموضوعات (كالديمقراطية وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة، والحجاب)، كأسلوب لتصنيف هذه التيارات وسبر فكرها وتوجهاتها.

ولن تأل الولايات المتحدة جهداً في هذا الصدد لتشجيع عناصر من داخل المزيج الإسلامي تكون أكثر مواءمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي، وصديقة للديمقراطية والحداثة، وفق المواصفات الأمريكية بالطبع. إذ مكمن الأزمة الحالية في الإسلام، حسب التوصيف الأمريكي، ينبع من عدم قدرته على النمو الذاتي، وعدم إرادته الاتصال مع الاتجاه السائد في العالم، وشعور أبنائه بالغربة في نظام عالمي جديد كانوا يتبوؤن فيه في الماضي رتبة الصدارة والزعامة، مما ولّد حالة من الإحباط والغضب تنتاب المجتمعات الإسلامية وتفجر كوامن العنف فيها.

وبجولة سريعة على التيارات القائمة في العالم الإسلامي، يمكننا أن نصنف مواقفها إزاء العلاقة مع الغرب والآخر إلى أربع فئات: الأولى: فئة المتشددين الرافضين لقيم الديمقراطية والحضارة الغربية المعاصرة. والفئة الثانية: هم التقليديون الذين يريدون مجتمعاً محافظاً، ويشككون في الحداثة والتغيير والابتكار. والفئة الثالثة: هم الحداثيون (الإصلاحيون) الذين يريدون أن يكون العالم الإسلامي جزءاً من التقدم السائد في العالم، من خلال القيام بتحديث الإسلام وإدخال الإصلاحات فيه حتى يكون مواكباً للعصر وإن كانت هذه الإصلاحات بعيدة عن روح الإسلام وتشريعاته ورغبات أبنائه. فيما الفئة الرابعة، وهم العلمانيون الذين يتقبلون فكرة فصل الدين عن الدولة، كما هو الحال في الغرب، مع حصر الدين في النطاق الشخصي.

وفيما يتعامل الغرب مع (المتشددين) وفق اعتبارات تكتيكية مرحلية (دعمه لهم في أفغانستان على سبيل المثال)، فإنه يرى عدم نجاعة التعاون مع (التقليديين) بشكل دائم؛ لقربهم فكرياً وشعورياً من المتشددين، وشكه في إخلاصهم لمبادئ الديمقراطية والحداثة الغربية. فيما يرى في الحداثيين والعلمانيين أقرب الفئات إلى الغرب، إلا أن منبع ضعفهم في كونهم يفتقدون إلى البنية التحتية والبرنامج السياسي والدعم السياسي والمالي، لكنهم يظلون الشريك المفضّل للتعاون، فيما يعاب على (العلمانيين) ضعف القبول الاجتماعي؛ نظراً لابتسارهم ونخبويتهم، ووجود بعض المشاكل لديهم في التعامل مع القطاع التقليدي في المجتمع المسلم.

ويبدو الغرب سائراً في دعم التيار الحداثي أو الإصلاحي الأكثر تقبلاً للتعامل معه من بقية التيارات من خلال تشجيعه على الكتابة ونشر وطباعة الكتب، وطرح وجهات النظر في المناهج الدراسية الإسلامية، وتزويده ببرنامج سياسي يجعله في موقع أكثر قدرة على المنافسة مع (التقليديين) الذين يمتلكون العديد من المنابر الإعلامية، وسوف يستمر دعم الغرب للتقليديين ضد المتشددين من خلال نشر انتقاداتهم لعنف المتشددين وتطرفهم وتشجيع عدم الاتفاق بينهم، وتشجيع التعاون بين الحداثيين والتقليديين بالمقابل.

لقد بدا مؤخراً أن التدخل الغربي، والأمريكي بالذات، في العالم الإسلامي لم يعد تدخلاً تكتيكياً أو ظرفياً بقدر ما أضحى تدخلاً دائماً واستراتيجياً يهدف إلى إعادة تكوين العالم الإسلامي بما يتناسب مع رؤى وطموحات الغرب، وفي الوقت الذي تعلن فيه الدوائر الغربية رغبتها بالتحالف مع تيار جديد بدا للتو نشاطه في الجسم الإسلامي (الحداثيين أو الإصلاحيين)، مستغلة رغبته الصادقة بالنهوض بالعالم الإسلامي، فإن تلك الرغبة الغربية الحثيثة يجب ألا تعمينا عن مآربها ومطامعها، وألا ننجرف وراءها لتحقيق الإصلاح والنهوض المطلوبين، فما يريده (الغرب) منا كلمة حق يراد بها باطل، إلا أن ذلك يجب ألا يحجبنا عن إرادة التغيير والنهوض المطلوبة، وإن ترددت على ألسنة (الآخر) شريطة أن يكون بأيدينا نحن لا بيد عمرو أو غيره.

المصدر: http://almultaka.org/site.php?id=586&idC=3&idSC=9

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك