بنية المعارضة في التراث الإسلامي؟

الحسن حما

 

تشكل المعارضة السياسية أحد الموضوعات إثارة للجدال داخل المنظومة التراثية نضرا لما تحتويه من اختلافات تأصيلية منهجية تضطر الباحث معها إلى إعادة طرح السؤال التركيبي حولها، خاصة إذا استحضرنا السند الشرعي الذي ينطلق منه أغلب الفقهاء السياسيين في تناولهم لهذا الموضوع، ثم إن القراءة الواقعية لبعض الأحداث التاريخية تشير إلى عكس المنطق التراثي وهذا ما يقودنا إلى القول بالتعارض المنهجي في بنية المعارضة السياسية داخل التراث الإسلامي، ومن هنا- ألا يكون هذا سبب من أسباب- الحديث عن بنية المعارضة في الدولة الإسلامية؟

 

       ثمة أسباب وجيهة تدعو الباحث إلى إثارة سؤال حول المعارضة في الدولة الإسلامية، إذ لا يستقيم الحديث عنها في دولة لا تعطي المشروعية في الفكر التاصيلي لها، بل ترسم حدود الدور الذي يمكن للمعارضة أن تضطلع به وبالتالي فهي ترسم السقف السياسي لأية ممارسة سياسية أخرى خارج الدولة القائمة، وهذه المشروعية التي تقيد المعارضة تجد سندا شرعيا يدعمها التي يجد فيه الحكام - وبخاصة الذين لديهم نية الخلود في السلطة- هذا دون الحديث عن إبداء الرأي أو الجهر العلني بالمعارضة فهذا أكثر الأمور إثارة للفتنة في التعبير التراثي.

 

رغم ما يعرفه الواقع التاريخي للأمة الإسلامية من وقائع و أحداث بارزة تأصل للعمل السياسي المعارض بل وتعطي النموذج الصحيح في التعامل مع السلطان الجائر ( معارضة المعتزلة، المعارضة بين علي ومعاوية الذي انتهت بواقعة التحكيم، خطبة عمر بن الخطاب بعد توليته الخلافة إذ قال :من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه " فاجابه أحد المسلمين قائلا"والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا. ) إلا أن الفقه السياسي في التراث الإسلامي لا يكاد يتحدث إلا عن معارضة ناعمة أكثر حفاظا على سلطة الحكام من ما هي تأصيل للمعارضة الحقة التي تسعى إلى تقويم الخليفة أو السلطان.. إذا تعرضت مصالح الشعب للضرر أو على الأقل تحاول توجيه الأمة إلى أن تقول كلمتها فيه.وعلى المستوى المضموني فإن بنية المعارضة السياسية في الفكر التراثي تتخذ ثلاثة أبعاد:[1]

 

1- معارضة مسلحة ثائرة يمثلها بالأساس ثورات العلويين و الخوارج.

 

2- أو معارضة فقهية صامتة يقودها الحسن البصري و سعيد بن المسيب وأبي حنيفة.

 

3- أو تيارات كلامية معارضة كالمعتزلة.

 

في هذا الإطار تحدت مصنفات الفقه السياسي الإسلامي ، فإذا رجعنا إلى بعض المصنفات وبخاصة في الفكر السوني نجد أغلبها يرسخ للمعارضة الفقهية الصامتة التي يتزعمها الحسن البصري وسعيد بن المسيب يقول صاحب شرح العقائد النفيسة:" ولا ينعزل الإمام بالفسق ( أي الخروج عن طاعة الله تعالى) و الجور (أي الظلم) على عباده تعالى لان الفاسق من أهل الولاية عند أبي حنيفة"[2] وفي نفس السياق نجد احد الفقهاء يرسخ لثقافة عدم الخروج عن الحاكم حفاظا على لحمة الأمة، و خشية الوقوع في الفتنة رغم أنه قد يكون الحاكم ربما ظالما يقول الباجوري " فتجب طاعة الإمام ولو جائرا " [3] انطلاقا من هذه الإشارات يتبين أن الفقه السياسي الإسلامي يسير في منحى المزيد من الحفاظ على سدة الحكم بذريعة وقوع الفتنة ، فإذا تتبعنا تراثيات الفقه السياسي نجد نفس الشيء فنجد مثلا ابن تيمية كمنظر للفقه السياسي الإسلامي في كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي و الراعية بابا بعنوان ( وجوب اتخاذ الإمارة ) إذ يقوم الإمام باستعراض مجموعة من الأحاديث التي توجب إتباع ولي الأمر و لو في حالة الظلم..هكذا ادن يتجه الفقه السياسي في الدولة الإسلامية إلى رسم نموذج من المعارضة السياسية داخل الدولة الإسلامية . أما الوقائع التاريخية فيشير بعضها إلى عكس التحليل الفقه السلطاني، ويكفي في هذا السياق الرجوع إلى أحداث بيعة الخليفة أبو بكر الصديق بحيث نجد نموذجا معينا من المعارضة السياسية دون الحديث عن تداعيات هذه المعارضة المهم أنها تعطي صورة تاريخية عنها يقول الزهري " بقي علي بن أبي طالب وبنو هاشم و الزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها فبايعوه.."[4] و لذلك فبعض الروايات تشير إلى أن سب تخلف علي كان أنه يرى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر لقرابته من رسول الله لذلك تخلف عن البيعة. فإذا تملنا في هذه الواقعة بعيدا عن النقاش السني /الشيعي أي تناولها من زاوية شعب رفض مبايعة أميره حتى استبان الأمر،يتبين من خلالها ما يؤكد على وجود معارضة لتولية السلطان الحكم منذ أول وهلة، أو على الاقل توحي إلى رفض أولي ثم بعد ذلك ستقام لهم الأمر ..

 

وعلى العموم فإن جل الأحاديث التي يستند إليها الفقهاء في تأصيلهم للمعارضة، أحاديث كلها موجودة في الصحيحين غير أن ما يجب الوقوف عنده في دراستها وبخاصة أنها مروية عن طريق الشيخين هو مراعاة المنطق القرآني في رفضه للظلم بكل أنواعه ومن أية طريق كان. فلقد أورد البخاري تحت باب ( باب طاعة السلطان و من حمل علينا السلاح ) مجموعة من الأحاديث في هذا المجال، حديث رقم 772 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كره من أميره شيئا ( من أمر الدين) فليصبر ( على ذلك المكروه و لا يخرج عن طاعة السلطان ) فإنه من خرج من السلطان ( من طاعته) شبرا مات ميتة جاهلية " وفي نفس الباب رقم 773 عن حبوة بن أبي أمية قال : "دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدثنا بحديث لينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فبايعناه فقال فيما أخد علينا (فيما اشترط) أن بايعنا على السمع و الطاعة في منشطنا ومكرهنا و عسرنا و يسرنا وأثره علينا و أن لا تتنازع الأمور ( أي الملك) أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله عند برهان"[5]

 

      لقد أسهم الفقه السياسي السلطاني بنشر وإرساء ثقافة حول بنية المعارضة السياسية في الفكر التراثي، لأنه ندب لنفسه مهمة تذكير الأمة بحق الطاعة وأداء الواجب قبل قيامه بمهمة مراقبة الحاكم و التقنين لحقوق المحكومين. وهذا ما يقودنا لطرح السؤال حول المدعمات الشرعية التي ينطلق منها الفقهاء السياسيين في تحليلهم و ما علاقتها بالمضمون القرآني في هذا الباب؟؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 [1] جدليات الفكر الإسلامي المعاصر إبراهيم العبادي ص 19.

[2] شرح العقائد النفيسة السعد مسعود بن عمر التفتاراني ص 18/181 نقلا عن جدليات الفكر المعاصر.

[3] حاشية الباجوري على شرح الغازي 2/259-260 نقلا عن المصدر السابق.

[4] أبوبكر الصديق أول الخلفاء الراشدين / محمد رضا ص 34.

[5] جواهر البخاري وشرح القسطلاني تأليف مصطفى محمد عمارة ص 307/308. كتاب الهبة باب طاعة السلطان ومن حمل علينا السلاح.

المصدر: http://almultaka.org/site.php?id=805&idC=3&idSC=9

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك