الدبلوماسية والاحتلال الإيراني بقفازات إسلامية

د. شاكر النابلسي

 

نجحت إيران حتى الآن نجاحاً باهراً في إدارة ملفها النووي، والضحك على الغرب، الذي ما زال حائراً في كيفية التصرف تجاه الملف الإيراني.

وهذا الرئيس أحمدى نجاد الذي يبدو رجلاً بسيطاً، وغامضاً، وفقيراً، وكأنه من في مظهرة المتواضع من عمال النظافة، استطاع بذكائه الحاد، وربما بذكاء من هم حوله، أن يمرر كافة مراحل الملف النووي الإيراني بنجاح حتى الآن.

ورثة الإمبراطورية الفارسية

وهذا كله ليس بغريب &Uacu على إيران، ولا على الساسة والسياسة الإيرانية وريثة الإمبراطورية والحضارة الفارسية، صاحبة الانجازات الإنسانية الهائلة في العلوم، والآداب، والفنون. فالحضارة الإسلامية، تدين لأكثر من ثمانين بالمائة للحضارة الفارسية الغنية. وساسة إيران الحاليين هم أبناء، وأحفاد، وورثة هذه الحضارة. وليس من المستغرب أن ينجحوا في تمرير مراحل الملف الإيراني الحالي بسلام، ودبلوماسية احترافية دقيقة حتى الآن. وهم في الوقت نفسه لم ينسوا اهتماماتهم المتزايدة في العراق والخليج العربي باسم الإسلام. فعينهم اليسرى الإيرانية على الغرب وعينهم اليمنى الإسلامية على العراق والخليج. أما سوريا، و"حزب الله"، و"حماس"، و"طالبان"، و"القاعدة"، وغيرها من فصائل المقاومة المسلحة في الشرق الأوسط، فتحظى باهتمام ورعاية كافية من البلاط الإيراني. وآخر الأخبار أن مدرباً أمريكياً للصقور، أكد أن ابن لادن يعيش في إيران في فيلا فخمة منذ سنوات. وقد سُئل أحمدي نجاد في أمريكا عن هذا مؤخراً، فرد ساخراً: بل إن ابن لادن يعيش في واشنطن!

أسس النجاح الإيراني

فهل تسعى إيران الآن بعد هذا النجاح الكبير في الدبلوماسية الإيرانية إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة التي أسسها قورش عام 559 ق.م وأيام كانت هذه الإمبراطورية (في القرن السابع الميلادي) تسيطر على معظم أنحاء العالم العربي، وأجزاء كبيرة من آسيا. واستفاد الإسلام والعرب من التراث الفارسي والحضارة الفارسية استفادة غنية. ففي الإدارة السياسية أخذ الأمويون من الفرس نظامهم الإداري. وفي التنظيم العسكري استعان العباسيون بكثير من الفرس. وغذَّت الحضارة الفارسية الحضارة الإسلامية بالفلسفة، والعلوم، والطب، والآداب، والشعر، وخلاف ذلك. وكان كبار المشاهير في هذه الحقول من أصول فارسية.

إذن، النجاحات التي حققتها إيران في الشرق والغرب حتى الآن وعلى مختلف المستويات، كانت نابعة من تاريخ عريق، وتراث مجيد، ولم تأتِ من فراغ.

نجاحات على مختلف المستويات

وعندما قرأتُ ما حققته إيران في العراق من أهداف كبيرة على المستوى السياسي والتجاري، كانت دهشتي كبيرة. وكما قلنا في الأسبوع الماضي، فقد أعلن الملحق التجاري الإيراني في السفارة الإيرانية في بغداد، أن إيران قد صدَّرت إلى العراق منتجات مختلفة بقيمة 6 مليارات دولار، وهو ما يوازي عشرة أضعاف صادرات إيران إلى العراق قبل 2003. وتسعى إيران إلى تصدير ما قيمته 8 مليارات دولار في هذا العام 2010. وهو ما عبَّرنا عنه بأن "أمريكا طبخت وإيران أكلت على المائدة العراقية". وهذه الأرقام لم تحققها أمريكا، أو أية دولة أوروبية أو عربية أخرى. إضافة إلى أن إيران هي صاحبة الصوت السياسي الأعلى (والذي يعلو ويفوق كثيراً الصوت الأمريكي) والقرار السياسي العراقي الآن. ولعل الأخبار الواردة من العراق عن التحالف الشيعي المنوي إقامته بين كتلة "دولة القانون" و "الائتلاف الوطني العراقي"، ويحظى بتأييد من الأكراد، لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، هو انتصار ساحق آخر ليس لإيران فقط، ولكن لحلفاء إيران أو للمحور الإيراني الضخم في الشرق الأوسط، الذي تدور في فلكه سوريا التي لا تقل ذكاءً سياسياً عن إيران، فهي قد استعادت لبنان وبأقوى مما كانت عليه قبل 2005. وكسرت طوق الحصار العربي من حولها بالتصالح مع السعودية، ومغازلة مصر. كما كسرت طوق الحصار الغربي بالتصالح مع أمريكا، وإعادة السفير الأمريكي إلى دمشق، وفي الوقت نفسه احتفظت بعلاقتها الإستراتيجية المتينة مع إيران و"حزب الله" وباقي فصائل المقاومة المسلحة، التي تتخذ من دمشق مركزاً لقيادتها. كما يدور في فلك هذا المحور "حزب الله" وهو البعبع الإيراني في لبنان أمام إسرائيل، التي تهدد المسيرة النووية الإيرانية. و"حزب الله" أداة فعالة لإبعاد شبح الحرب عن إيران من قبل أمريكا وإسرائيل. كذلك تدور "حماس" في هذا الفلك وهي الشوكة في حلق العلمانيين الفلسطينيين، كما أنها شوكة في حلق مشروع السلام الأمريكي- الإسرائيلي- العربي – الفتحاوي.

ونجاح فريد في أفغانستان

هذا هو كشف الحساب السريع للنجاحات الدبلوماسية والتجارية والسياسية الإيرانية خلال العشر سنوات الماضية بدءاً من مطلع القرن الحادي والعشرين. ويضاف إلى هذه النجاحات ما حققته إيران من نجاح في أفغانستان وبقفازات إسلامية.

فهي رغم عداوتها المذهبية مع "طالبان"، ورغم كراهية "طالبان" لإيران، وعداء إيران لـ "طالبان" التي اتُهمت من قبل إيران بقتل زعيم "حزب الوحدة" الشيعي الأفغاني (عبد العلي مزاري)عام 1995. وكذلك قتل "طالبان" لدبلوماسيين إيرانيين، عندما اقتحمت قنصليتهم في "مزار شريف" في 1998.

ولو نظرنا بتمعن إلى سطوة إيران في الشرق الأوسط، وفي أفغانستان وباكستان، ومكاسبها السريعة خلال العشر سنوات الماضية، لوجدنا أنها حققت أكثر مما حققه الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط خلال أكثر من سبعين عاماً، وبتكلفة مالية وسياسية وعسكرية أقل من التكلفة السوفيتية التي دفعها الاتحاد السوفيتي لمصر، والعراق، والجزائر، واليمن الجنوبي وغيرها، ولم تؤدِ إلا إلى (خيبات) وانكسارات للطرفين الداعم والمدعوم.

إيران والعرب وجرار السمن والعسل

لقد احتلت إسرائيل فلسطين، فحاربها العرب عدة حروب. وسيطر الغرب على أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى ولم يخرج نهائياً من هذا الشرق إلا في عام 1970 (استقلال الأمارات العربية المتحدة) وسيطر الاتحاد السوفيتي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على بعض الدول "الثورية" في العالم العربي. وهؤلاء نالوا من المقاومة والتوبيخ والعداء لما فعلوه الشيء الكثير. واحتلت إيران "عربستان الأحواز" عام 1925 . وأعلنت ضم البحرين كمحافظة إيرانية، رقم 14، عام 1958. كما احتلت ثلاث جزر من الأمارات العربية المتحدة عام 1971. ووصف وزير خارجية الأمارات مؤخراً عبد الله بن زايد آل نهيان، أن احتلال إيران أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي. ورغم هذا فما زالت جرار السمن والعسل بين إيران والعرب عامرة ومليئة، والأخوة الإسلامية تباركها!

وهذه تضاف إلى نجاحات وانتصارات إيران في العشر سنوات الأخيرة.

المصدر: http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=6537

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك