فيلسوف غربي، قال: «لو دام احتلال اليابان لأجزاء كبيرة من الصين، فإنه بعد خمسين عاماً سيتحول اليابانيون إلى صينيين بالغرق بالجموع الشعبية الصينية» وقال الرئيس الجزائري أبو مدين أثناء حرب 1967م واحتلال الأراضي العربية «افتحوا عواصمكم ومدنكم الكبرى لكل الإسرائيليين ليتيهوا في طوفان سكان هذه المدن»..

المثلان وغيرهما تذكرنا بسحب جميع الدول الاستعمارية جيوشها وقواعدها العسكرية من مواقعها في العالم، حتى أميركا، بعد هزيمتها في فيتنام وأفغانستان والعراق أخذت بتقليص نفوذها وقواعدها لأن الكلفة والرفض الشعبي والاحتجاجات الداخلية في أميركا كانت السبب، غير أن قوتين إقليميتين تحيطان ببعض الحدود العربية، تركيا، وإيران، هما من أعاد صورة الإمبراطوريات التي تقادم عليها التاريخ والزمن..

فتركيا حصلت على وجود عسكري في الصومال، وقطر، وجيبوتي، وتسعى بمساعدة قطر، العودة إلى الجزيرة الصغيرة في السودان (سواكن) في وهم عودة الخلافة التركية التي بشر بها الإخوان المسلمون، وموقف أوباما أن تركيا واحة الاعتدال الإسلامي السني بديموقراطيتها وتعدديتها، وموقعها..

القوة الاقتصادية لتركيا، لا تنافس دولة مثل كوريا الجنوبية، ولا قوة إسرائيل العسكرية، وفي داخلها صراع مرير مع الأكراد وغولن، وخارجياً، وبسبب العداء التاريخي مع اليونان، رفضت دول أوروبا دخولها عضواً في ناديها الاقتصادي وقبلوها مجرد قاعدة لحلف الأطلسي، وحتى اعتقادها أن لديها غطاء عسكريا مع روسيا وإيران، وإلى حد ما مع الصين، والبعيدة عن البحث عن دور سياسي وعسكري في العالم، فكل هذا لا يؤهلها إلى التمدد على مواقع تستنزفها عسكرياً واقتصادياً، وهي مجرد محاولات، ثم الموقف من القدس التي حاولت تسويقه للعالم الإسلامي، لتكشف إسرائيل عن وثيقة موقعة معها اعترافها عاصمة أبدية لإسرائيل..

إيران تحتفل في كل مناسبة أنها تحتل أربع عواصم عربية، والزحف سيصل إلى عواصم أخرى، غير أن انفجار ثورة الجياع خسف بالحلم لأن كل قوة غازية بقوتها الناعمة، كالاقتصاد، والخشنة كالعسكرية، يحتاجان إلى أمان داخلي وهو الشرط الأساسي لمن حصلت على فرص تاريخية لغزو دول أخرى، والمثال الإيراني يذكرنا بغروب الإمبراطورية السوفيتية لنفس الدواعي والأسباب.

إيران، كما تركيا، مكونها الداخلي عدة قوميات وطوائف تتبع دولاً أخرى، ولا تزال تعيش مخاض التحاقها ببلدانها الأصلية مع كامل ترابها..

العالم المسيحي انتصر بالحروب الصليبية تحت شعار تحرير بيت المقدس، وتركيا، وإيران مع اختلاف المذهب ليس بقدرتهما تجييش العالم الإسلامي تحت مسمى عودة القائد الذي سيحرر العالم، أو عودة الخلافة، لأنهما أنماط تاريخية غير قابلة للتطبيق حتى لو جاءت الفرصة، بأن محيطهما العربي، الذي سيطبق عليه نواة الإمبراطوريتين مقطّع وهزيل تديره دول الخارج أكثر من الداخل..

تركيا من دول العالم الثاني ولا تزال تعاني مشاكلها الداخلية، وانصراف الحلفاء الكبار عنها، وإيران من العالم الثالث وتواجه قوة ردع داخلي لمغامرات شخصيات تعيش عقلية الأسطورة والتنجيم بقراءة الطالع، وفي كل الأحوال، التاريخ لا يخطئ فكل من يعيش حاسة الماضي يخسر الحاضر والمستقبل..