الخليج..بين التكامل والتأزم والتنمر الإقليمي

نور الدين قلالة

 

اختتم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الإثنين بالدوحة أعمال الدورة الرابعة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية بعد ثلاثة أيام من نقاشات حول الأزمة الخليجية من ناحية السياقات الإقليمية والدولية، ودور الإعلام في التعامل معها، وتحديات التكامل الخليجي ومستقبله في ضوء الأوضاع الحالية.وصادف المنتدى القمة الخليجية الـ 38 التي عقدت الثلاثاء بالكويت، والتي لم يتعرض بيانها الختامي الذي دعا إلى التكامل والعمل الجماعي، للأزمة الخليجية التي تعصف بالمجلس وتهدد كيانه.

 

المنتدى الذي شارك فيه أكثر من سبعين خبيرا وأكاديميا وإعلاميا يمثلون عشرات الجامعات ومراكز الأبحاث الإقليمية والدولية، تناول الأزمة الخليجية في محورين، شمل الأول قضايا الإعلام بما فيها أخلاقيات الإعلام في الأزمة، والتغطية الإخبارية لها، وتشكيل الرأي العام، ودور وسائل التواصل الاجتماعي، في حين ركز المحور الثاني على السياسات الإقليمية والدولية حيال الأزمة الخليجية، وتداعياتها، وأبعادها القانونية والاقتصادية، ومستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل هذه الاوضاع التي تعصف به.

زمن الهيمنة

وفي محاضرة له بالمنتدى بعنوان “السياقات الإقليمية للأزمة الخليجية وأبعادها الدولية”  وصف أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بمعهد العلوم السياسية الفرنسية برتراند بادي أزمة الخليج بأنها عالمية ستعيد هيكلة النظام العالمي لتداخل مصالح القوى الدولية والإقليمية فيها، مؤكدا من أن زمن الهيمنة قد ولى، وعالم القطب الواحد أو الأقطاب المتعددة تلاشى.

وأكد الأكاديمي الفرنسي أنه كمتابع للأوضاع الدولية يمكنه القول إن التجارب أثبتت فشل القوى العظمى في الحل العسكري، ناهيك عن القوى الإقليمية، مشيرا إلى أن فرنسا مثلا تدخلت في أفريقيا خمسين مرة وفشلت، والولايات المتحدة تدخلت في العراق والصومال وفي بلدان أخرى وفشلت.

ولعل من أهم ما طرحه المنتدى هو بحث مستقبل التكامل بين الدول الخليجية، حيث خُصصت جلسة كاملة لموضوع “تحديات التكامل الخليجي ومستقبله في ظل الأزمات الراهنة”، تناول فيها الباحث عبد الوهاب القصاب “صافي الخسارة الإستراتيجية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ضوء الأزمة الخليجية”، إذ أكد أنّ الأزمة الخليجية الراهنة بينت بجلاء غياب رؤية واقعية ومنطقية للمصالح الحيوية الجامعة لدول مجلس التعاون.

تسوية تاريخية

وأوضح القصاب أنّ الأزمة الخليجية الراهنة تحتاج إلى تسوية تاريخية بين مختلف الدول، ما يتطلب فتح الملفات الخلافية كافةً والعمل على حلّها من منظور المصالح والمكاسب المشتركة، وهي الطريق الأنسب للحفاظ على مجلس التعاون بوصفه منظومة إقليمية.‏

وعلى مستوى موازٍ، بيّن الباحث ديفيد دي روش في بحثه “التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون: الوعد غير المتحقق”، ‏‫أنّ آفاق التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون محيرة وغير واضحة، فالخبراء العسكريون كانوا يتوقعون طوال عقود تحوّل مجلس التعاون إلى حلف عسكري متماسك على غرار الناتو، ولا يزال هذا الهدف بعيدًا عن الأفق المنظور اليوم.

وفي سياق آخر، قدّم الباحث أحمد أوجقاج بحثًا بعنوان “الأزمة الخليجية: محاولة لتغيير النظام الإقليمي”، أكّد فيه أن دول مجلس التعاون تمتلك كمية هائلة من الهيدروكربونات إضافةً إلى قوة مالية ضخمة، لكنها فشلت في تحويلهما إلى قوة إستراتيجية تحقق التوازن مع إيران أو العراق عن.

وفي محاضرة حول “بناء الدولة وديناميات التنافس الإقليمي” تحدث الباحث وليام تومسون عن “تشكل الدول الخليجية: الحرب، والنمو الاقتصادي والقادة السياسيون”‏، وخلص إلى أنّ دولة قطر حققت تحسنًا ملحوظًا في درجات بناء الدولة في حين تراجعت عدة دول خليجية أخرى ولم تحقق أدنى الدرجات في بناء الدولة.

فيما أوضح الباحث تيم نبلوك أنّ منطقة المحيط الهندي تمثل منطقة إستراتيجية في علاقة بالمصالح الخليجية وبالقوى العالمية التي من الممكن أن تغير جزءًا كبيرًا من الصادرات الخليجية نحو منطقة المحيط الهندي بنسبة 76 %. وبناءً عليه، ينبغي لدول الخليج أن تكون واعية بالتغيرات العسكرية والدولية في منطقة المحيط الهندي.

تنمّر إقليمي

وبعيدا عن المنتدى، كتب رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو مقالا بعنوان “أزمة النظام الإقليمي في الخليج” أكد فيه أن الأزمة الحالية “ليست أزمةً ثنائيةً، كما أنَّها ليست أزمةً معزولةً جغرافيّاً، محصورةً على الخليج العربي. وإنَّما هي أزمةٌ إقليميةٌ، وهي نتيجةٌ مباشرةٌ لغياب نظامٍ إقليمي مستدام في الشرق الأوسط”.

وفي هذا الصدد –يضيف أوغلو- يجب أن نأخذ أزمة الخليج الأخيرة باعتبارها فرصةً لإعادة التفكير في نظامٍ إقليمي شامل، وشرعي، ومستدام من شأنه أن يتغلَّب على التنمّر الإقليمي ويُحبِط محاولات إعادة تنصيب الوضع الاستبدادي السابق”.

من جهة أخرى قال خبراء مشاركون بالندوة إن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الأزمة الخليجية، مستدلين بهرولة البعض للتطبيع معه، مشيرين في ذات الوقت الوقت إلى أن التسوية ستتم تدريجيا بسبب التطورات الجارية في المنطقة، خاصة و أن كثيرا من الدول أصبحت ترى في استمرار الأزمة الخليجية تأثيرا مباشرا على مصالحها الإستراتيجية.

تكامل وتأزم

هذا وصادف اختتام منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية انطلاق القمة الخليجية الـ 38 في اليوم الموالي بالكويت، حيث أكد قادة دول مجلس التعاون الخليجي، الثلاثاء، على ضرورة مواصلة العمل لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وتعزيز العمل الجماعي لمواجهة جميع التحديات. جاء ذلك في البيان الختامي للقمة الذي حمل اسم “إعلان الكويت”، والذي لم يتعرض للأزمة الخليجية التي تعصف بالمجلس وتهدد كيانه.

كما شدد قادة دول الخليج على “ضرورة مواصلة العمل لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، والتطبيق الشامل لبنود الاتفاقية الاقتصادية، وتذليل العقبات في طريق السوق الخليجية المشتركة، واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي وصولا إلى الوحدة الاقتصادية بحلول عام 2025 وفق برامج عملية محددة”.

ووفق البيان، فإن قادة الخليج “يدركون التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، ويؤكدون أهمية التمسك بمسيرة مجلس التعاون، وتعزيز العمل الجماعي وحشد الطاقات المشتركة لمواجهة جميع التحديات، وتحصين دول المجلس ضد تداعياتها”.

المصدر: https://islamonline.net/23700

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك