تكلّم لأفهمك

سهام الشارخ
 

يتفاوت الأشخاص في الرغبة والقدرة على التعبير عن مشاعرهم وإشراك الآخرين بأفكارهم، فمنهم من يتحفظ في البوح عن مكنونات نفسه وما يحمله من أفكار ومشاعر حتى عن القريبين، ومنهم من يرغب ولكنه يجد صعوبة في التعبير، بعضهم ينطلق في التعبير دون خوف أو حذر، بينما تجد البعض في حالة توازن ما بين الإفصاح أو الإخفاء حسب الموقف والوقت.

القدرة على التعبير عن المشاعر والمواقف ترتبط بأسباب وظروف كثيرة، منها ما له علاقة بالتربية والعادات منذ الطفولة وأسلوب التعامل السائد في البيت بين أفراد الأسرة من حيث الانفتاح أو الانغلاق، ومدى الشعور بالأمن أو الخوف، ومقدار المرفوض أو المقبول أو الممنوع والمرغوب من السلوكيات، ومنها ما له علاقة بشخصية الإنسان ووعيه وثقته بنفسه، وبتجاربه في الكبر، وبالطريقة التي ينظر فيها إلى الآخرين حوله، وبحالته النفسية أو الصحية.

لا شك أن البيئات المنفتحة على الأفكار الجديدة والمختلفة تمنح الناس ثقة أكثر في الحديث عن أنفسهم ورغباتهم دون خوف أو حذر، بينما تضع البيئات المغلقة قيودا على حرية الأفراد في التعبير، وتجعلهم يشعرون بالخوف ويترددون في الانطلاق والحديث عن أنفسهم تحسبا لإصدار أحكام متسرعة في حقهم، وخوفا من عدم فهم آرائهم وأحاسيسهم بالشكل الصحيح، وهذا ما يدفع البعض منهم إلى إخفاء أنفسهم وراء الصمت الملتبس أو الأعذار أو الأكاذيب أو الابتسامات الباهتة أو اللف والدوران.

تصبح الحياة صعبة والتعامل متعبا مع الأشخاص المتحفظين سواء أكانوا أصدقاء أم أقرباء أم زملاء عمل، لأن الغموض الذي يلفهم يجعل من الصعب الوصول إليهم، واستيضاح ما لديهم، ومعرفة الطريقة المناسبة والسهلة للتعاطي معهم، ويعاني الأشخاص الذين يحبون الوضوح والصراحة أكثر من غيرهم عند التعامل مع مثل هؤلاء الغامضين.

عدم الوضوح في المواقف يربك العلاقات ويترك فرصة لتخمينات وتوقعات ربما غير صحيحة قد تتسبب في حدوث التوتر والصراعات، كما أن إخفاء البعض مشاعره بكل أنواعها عن الأشخاص المرتبط بهم يحول دون إشباع حاجاته وحل مشكلاته.

من أقوال سقراط المشهورة «تكلم لأراك»وهي عبارة لها معنى عميق فكلام الإنسان الصادق يحدد من هو؟ وبماذا يحس؟ وماذا يريد؟ وما الذي يميزه عن الآخرين؟

التعبير عن النفس سلوك يمكن تطويره، وقدرة يمكن تعلمها، والمطلوب من الشخص أن يدرك أن استمراره بهذه الحالة يعني أنه لا يريد أن يجعل علاقاته طبيعية مع من حوله، وأنه لن يستطيع على المدى البعيد أن يهرب من مواجهة الحقائق، وإذا كان يظن أن من حوله يفهم ما في داخله دون أن يفصح فهو واهم، فليس بإمكان الجميع قراءة الأفكار والمشاعر، وليس له أن يلوم أحدا لأنه لم يهتم باحتياجاته، ومن جهة أخرى يجب أن يحاول الآخر تشجيعه على الصراحة والوضوح وتحفيزه على التعبير عن نفسه بكل الطرق.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=1040

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك