الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي

توطئة :

1- لقد تصاعدت المتغيرات الدولية في بداية الألفية الثالثة، وتنامت المخاطر التي تهز استقرار المجتمعات الإنسانية، وتهدد الأمن والسلام الدوليين، نتيجة بعض الانعكاسات السلبية لظاهرة العولمة واكتساحها معظم بلدان العالم وسعيها إلى فرض نماذج سياسية وثقافية تقوم على القوة والهيمنة، وترفض التمايز والاختلاف، بدل ترابط العلاقات بين الشعوب والتفاعل بين الثقافات والحضارات ؛ فبينما تؤكد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ومن بينها منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو - على الدعوة إلى الحوار بين الحضارات والثقافات بديلاً عن سيطرة ثقافة العنف والإقصاء، تدفع العولمة بقوة، في اتجاه إذكاء الصراع، وإضعاف ثقافة الحوار والتفاهم، مما يتعارض مع روح القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تقر بالخصوصيات الثقافية والحضارية للأمم والشعوب، وتكفل حق الفرد والجماعة في التشبث بها والعيش في كنفها.

2- يتعزز اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، شعور بضرورة دفع الحوار بين الشعوب والثقافات نحو تحقيق الأهداف الإنسانية، فلا يمكن تصور أي تعاون بناء أو أي حوار حقيقي بين الحضارات والثقافات في عالم يتغير باستمرار دون الإقرار بمبدإ التنوع الثقافي. ومن ثمة فلا بديل عن التربية على الحوار واحترام التنوع الثقافي وصونه باعتباره سبيلاً للتعايش بين بني البشر، والتأسيس لمستقبل مشترك أكثر اطمئناناً وتضامناً.

3- تشترك جميع الحضارات في الإيمان بقيم الإخاء والعدل والتسامح، وهي مبادئ كونية ينبغي الارتقاء بمضامينها وترسيخها في الضمائر والسلوك، باعتبارها موروثاً إنسانياً جماعياً ينبغي التأسيس عليه لبناء حوار حقيقي بين الديانات والثقافات المختلفة، وهو خيار ينبغي بلورته انطلاقاً من تحديد دقيق لشروطه، وتحقيق أهدافه، وتعزيز مبادئه، وضبط منهجيته، وحصر الأطراف الكفيلة بتنفيذه، وجعله قاعدةً من القواعد الثابتة للسياسة الدولية، ووسيلة ناجعة وفعالة لإقرار الأمن واستتباب السلام في العالم.

4- تتطلع الإنسانية اليوم إلى الخروج من دوامة النزاعات المستنزفة للقدرات والطاقات، ومن دائرة الصراعات الرامية إلى فرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي، مما يجعل الوضع العالمي مفتوحاً على أسوإ الاحتمالات، ويهدد الحضارة الإنسانية المعاصرة، ويدفع بالقوى العنصرية المتطرفة المعادية للعدل والسلام إلى ممارسة سياستها ضد الشعوب، مما يتطلب تعزيز الحوار بين الحضارات الذي أصبح اليوم قضية إنسانية دائمة الحضور في ساحة الفكر العالمي، لا ترتبط بفترة زمنية محددة، كما أضحى الحوار اختياراً استراتيجياً يفتح أمام الإنسانية آفاقاً واسعة لبناء عالم جديد، وأصبحت المنجزات الحضارية متاحة للجميع وليست حكراً على دولٍ دون أخرى، لأنها تشكل تراثاً جماعياً للجنس البشري.

5- تمثل العولمة، على الرغم مما تنطوي عليه من إمكانات وإيجابيات، تحدّياً حقيقياً للموروث الإنساني المشترك، الأمر الذي يدعو إلى تدعيم التكافل بين الشعوب، ورعاية تنوعها الثقافي، بسلوك منهج قائم على الحوار المؤدي إلى زيادة الوعي بالقيم المشتركة بين الشعوب جميعاً، وبلورة مفهوم إنساني لتعزيز هذه المبادئ ونشرها، وتعبئة القوى الحية حكومات ومنظمات وهيئات شعبية في العالم الإسلامي لهذا الغرض، والاستفادة مما تنجزه وما تسعى المنظمات الإقليمية والدولية ومنها منظمة الإيسيسكو إلى بلورته من مبادئ وأهداف، وذلك: 

- استناداً إلى القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة بشأن الحوار بين الحضارات والتنوع الثقافي، وإلى المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها الإعلان العالمي حول التنوع الثقافي الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو سنة 2001، الذي دعت فيه الحكومات ومنظومة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المعنية إلى تخطيط برامج ثقافية وتعليمية واجتماعية ملائمة لتعزيز مفهوم الحوار بين الحضارات وتنفيذها.

- وانسجاماً مع مبادئ إعلان طهران الصادر في ديسمبر 1997 عن مؤتمر القمة الإسلامي الثامن، الذي أكد أن الحضارة الإسلامية تقوم على نحوٍ ثابتٍ وعلى مدى التاريخ على التعايش السلمي والتعاون والتفاهم المتبادل بين الحضارات، وكذلك على التحاور المثمر والبناء مع الديانات والأفكار الأخرى والتأكيد أيضاً على ضرورة قيام تفاهم وتفاعل بين الثقافات، بما يتفق مع التعاليم الإسلامية المتمثلة في التسامح والعدل السلام.

- واستلهاماً من القرار الصادر عن الدورة التاسعة لمؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في الدوحة سنة 2000 وما تضمنه من الإعراب عن التقدير البالغ لفخامة الرئيس محمد خاتمي، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورئيس  القمة الإسلامية الثامنة، للمبادرة القيمة التي اتخذها، لإقامة حوار بين الحضارات، والتي تستجيب لتطلعات الأمة الإسلامية المنسجمة مع تقاليدها الراسخة في التسامح والانفتاح.

- واستجابة للنداءات والبيانات والإعلانات الصادرة عن الندوات والمؤتمرات التي عقدتها الإيسيسكو في إطار خطط عملها، بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية حول الحوار بين الثقافات والحضارات والديانات، وما يمكن أن يقدمه من تعزيز الوعي بالقيم المشتركة بين الشعوب، وتدعيم أسس التفاهم بينها.

- وتأسيساً على أهداف الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي التي اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي السادس في داكار سنة 1991، والمؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة في صيغتها المعدلة في الجزائر العاصمة سنة 2004، وعلى مضامينها المؤكدة على احترام التنوع الثقافي، وتعزيز أساليب حوار بين الحضارات والثقافات قوامه التسامح والتعايش والعدل والسلام والتعاون والاحترام المتبادل لجميع الحضارات والثقافات والأعراق والأجناس.

وبناء عليه :

تتبنى الدول الأعضاء المشاركة في المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة، المبادئ والأهداف حول التنوع الثقافي الواردة في هذا الإعلان، تعبيراً منها عن الإرادة الجماعية للعالم الإسلامي، والحرص الذي تبديه الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي على مشاركة المجتمع الدولي، ودعم جهوده المبذولة من أجل وضع الأسس الثابتة للحوار بين الحضارات وإقرار مبادئه وبلورة تصورات منهجية وعملية للحوار بين الحضارات، وللمساهمة في وضع مبادئ إنسانية لهذا الحوار على أسس حضارية وثقافية من منطلقات إنسانية، وباستلهام روح الدين الإسلامي والعمل بمقتضى تعاليمه السمحة.

المبادئ والأهداف :

المادة 1 - مميزات التنوع الثقافي وحوار الحضارات :

إن الثقافات والديانات مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى، للحوار الدائم وتعزيز التعايش، وإغناء بعضها بعضاً، بعيداً عن كل توتر أو احتقار، وَعَبْر سلسلة من الإسهامات المتبادلة المبنية على القيم والمبادئ الكونية المشتركة بينها، والمتمثلة في قيم الحب والإخاء والتسامح والاحترام المتبادل والتضامن والعدل، وهي قيم ومبادئ كونية ينبغي الارتقاء بها وترسيخها في الضمائر والسلوك، باعتبارها إرثاً إنسانياً مشتركاً، وذلك عبر حوار حقيقي بين الثقافات والديانات.

ولا يمكن تصور تعاون بنّاء أو حوار حقيقي بين الثقافات والحضارات دون الإقرار بمبدإ التنوع الثقافي. ولا يعدّ صراع الحضارات قدراً محتوماً، لأن العنف والجهل بالحقائق والخوف من الآخر ليست أموراً حتمية، بل هي نتاج للتربية وللثقافة التي ينشأ عليها الفرد وتطبع سلوكه وردود أفعاله. ومن ثمة، فلا بديل عن الحوار للمحافظة على التنوع الثقافي والتعددية الثقافية. ويتعين على بني البشر كيفما كانت معتقداتهم، أن يتعّودوا على العيش مجتمعين على أساس إرادةٍ مشتركةٍ وحرّة.

وانطلاقاً من ذلك، علينا التمسك بذاتيتنا الثقافية وهويتنا الحضارية والدفاع عنهما، في إطار التفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى، وعلينا كذلك مراجعة أسس النظرة إلى الآخر والابتعاد عن الصور النمطية للشعوب وثقافاتها وحضاراتها ؛ فالحوار نداً لندّ بين الأمم والشعوب يتطلب منا الجرأة لمراجعة النفس دون التنكر للهوية الدينية والثقافية، لأننا من دون الثبات على قيمنا لن يتأتى لنا فهم قيم الآخر وثقافته بشكل صحيح. ولا مستقبل لحوار الثقافات والديانات إن لم يرتو من نبع التسامح والاحترام المتبادل، وتعدد الاقتناعات والرؤى الثقافية.

فباعتبار الإسلام منهجاً ربانياً وسلوكاً إنسانياً، يرى المسلمون أنه مادامت الثقافة تعبيراً عن عبقرية شعب، فلا وجود لثقافة راقية أو ثقافة منحطة ؛ فلكل ثقافة عبقريتها الذاتية وغناها المتميز وحكمتها الخاصة، مما يتطلب التأكيد على ما يلي :

- أن تنوّع الثقافات والحضارات نعمة من الله، وأننا بصفتنا مسلمين، نضطلع برسالة إنسانية الغايات في تركيز أسس السلم العالمي، وعلينا أن نمد أيدينا للتعاون مع جميع الحضارات الإنسانية لما فيه الخير للجميع.

- أن لكلّ ثقافة قيمتها ومكانتها وإسهامها في إغناء التراث الثقافي الإنساني، وأنها معنية بالعمل على تجسير هوة عدم الفهم بين الحضارات، وعدم إخلاء الساحة للتوجهات المعادية وللهجمات المغرضة لتستمر في تشويه صورة الإسلام والمسلمين والتجني على العقيدة السمحة.

- أنه لا وجود من حيث المبدإ لثقافة عدوة أو أمة عدوة، عكساً لما قد تفضي إليه الأحكام المسبقة ضد الثقافات والحضارات والصور النمطية للشعوب والأمم، مع مواصلة الدعوة إلى الإفادة من مزايا العولمة وتلافي سلبياتها ومفاجآتها المحتملة.

- أن التنوع الثقافي ثروة ينبغي أن لا تكون مصدراً للنزاع والتوتر ونبذ الآخر، بل سبيلاً إلى توسيع الأرضية المشتركة ودعم فرص التوافق والتلاقي وتقليل الفوارق وحل النزاعات بالطرق السلمية.

- أن حصيلة التراث الثقافي المادي وغير المادي الذي يراعي التعدد الثقافي في جميع أبعاده، هو الذي يشكل الإرث المشترك للإنسانية جمعاء، والذي تستلهم منه ما يقوي أسباب التفاهم الدولي، ويوفر فرص الحفاظ على الأمن العالمي.

المادة 2 - التنوع الثقافي باعتباره عاملاً من عوامل التنمية الشاملة والمستدامة :

إن الإقرار بالتنوع الثقافي والعمل على صيانته في إطار سياسة دولية مبنية على أسس الحوار والسلم ونبذ منطق الهيمنة والقوة، يتضمن في الوقت نفسه إدانة للعنف وللإرهاب بشتى أشكاله ومصادره، بما فيها إرهاب الدولة، إضافة إلى احترام الحياة والكرامة والحرية وحق المقاومة بالنسبة للشعوب المحتلة وحقها في الدفاع عن كيانها وثقافتها، والتمييز بين ما هو من قبيل الإرهاب وما هو مقاومة مشروعة.

وبإمكان التنوع الثقافي أن يكون عاملاً أساساً من عوامل التنمية والفهم المتبادل والتعايش السلمي والسير نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتصحيح التباينات والاختلالات الحاصلة في النظام الدولي الحالي، واحترام البيئة وحمايتها، وحماية التراث المادي وغير المادي لجميع الشعوب التي يتعرض تراثها الثقافي والحضاري لمحاولات التشويه والتزوير والطمس والتدمير والمصادرة، ومحاربة الفقر والرفع من مستوى النمو والإنتاج، وتوطيد الديمقراطية والتوسيع من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار في كل القطاعات الإدارية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

كما يتعين في هذه المرحلة التي تتميز بالاعتماد المتزايد للصناعات الثقافية على تقنيات الإعلام والتواصل الجديدة التي أصبحت موجهاً قوياً للإبداع الفني، تخفيف العبء على الدول الفقيرة فيما يتعلق بمديونيتها، لتتمكن من تخصيص موارد إضافية لدعم الإنتاج الثقافي المحلي، وإعادة التوازن إلى أسواقها المغرقة بالمنتجات الثقافية الوافدة من الدول الغنية، وتقليص الهوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة، لتصبح هي الأخرى منتجة للثقافات ومساهمة في بناء الحضارة الإنسانية وإغنائها.

وفي هذا الإطار يمكن، التأكيد على ما يلي :

- تشجيع السياحة الثقافية  بصفتها شكلاً من أشكال الحوار الثقافي والحضاري بين الشعوب، وعقد الندوات والمؤتمرات للعمل على تنمية التواصل الثقافي، سعياً إلى التعرف المباشر على ثقافة الآخرين واحترام التنوع والتعددية في الوسائل والمضامين والتعابير الإبداعية والتعريف بالثقافة الإسلامية وضمان الحضور في الفضاء الاتصالي العالمي.

- التعاون الوثيق مع المنظمات الدولية الاقتصادية والمالية، لوضع برنامج طويل المدى لتقليص الفجوة المتنامية بين الدول الغنية والدول الفقيرة، والتي تهدد التنوع الثقافي وتقلل من نجاعة استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة وتوظيفها لفائدة التنمية، وتحول دون المشاركة الجدية والفعالة للدول الفقيرة في إدارة نظام اقتصادي عالمي عادل.

- بلورة تصور تنفيذي لخطة العمل المنبثقة عن القمة العالمية لمجتمع المعلومات بمرحلتيها الأولى والثانية، بما يدعم أسس التضامن الرقمي بين الشعوب.

- الاستناد إلى القيم الأخلاقية في الثقافات المختلفة في إعداد وصياغة منظومة عالمية للأخلاق والاعتراف بالمصادر المتنوعة للمعرفة وبالتنوع الثقافي، بوصفها سمات رئيسة للمجتمع الإنساني كرصيد لا غنى عنه لتقدم البشرية.

- أن التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الشعوب يستوجب أخذ تدابير عادلة ووضع استراتيجيات تنموية ملائمة وإيجاد محيط يسمح ببناء علاقات إنسانية متوازنة ويوفر إطاراً ناجعاً للحوار بين الحضارات، بعيداً عن شتى أشكال العنف والتطرف.

- التعاون على الصعيدين الدولي والإسلامي عن طريق تنفيذ أنشطة ثقافية من أجل مواجهة تحديات النمو الحضري والعولمة والتغيرات التكنولوجية الجارية، وتشجيع إنشاء شبكات للبحوث والمعلومات في مجال السياسات الثقافية من أجل التنمية، بما في ذلك دراسة إنشاء مرصد للسياسات الثقافية والتنوع الثقافي وإعادة التفكير في السياسات الثقافية بهدف تعديل الأولويات والبرامج ومناهج العمل وجعل البعد الثقافي مكوناً رئيساً في التنمية.

المادة 3 - التنوع الثقافي والتفاعل الحضاري والعولمة :

إن ما ورثناه من بداية التسعينيات من القرن الماضي من أحداث حاسمة غيرت البنى الأساس الاقتصادية والاجتماعية لكثير من الشعوب، في إطار هيمنة القطب الواحد والعولمة إضافة إلى تلك السلسلة المتشابكة من التحولات المذهلة التي اجتاحت العالم في بداية القرن الحالي، تشكل في مجملها خريطة معاصرة مليئة بالمتناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جهة، وحافلة بالتحديات الثقافية التي تواجهها أمم الأرض من جهة أخرى، وبخاصة الأمم ذات التاريخ والتراث الثقافي والحضاري العريق والمتنوع والثري، ومن بينها الأمة الإسلامية. وقد ساعد تطور وسائل الاتصال والتقنيات المعلوماتية وتقليص المسافات والتقارب بين الشعوب على تسريع ظاهرة العولمة وإتاحة إمكانات مادية وتكنولوجية غير مسبوقة، ساعدت بدورها على بروز نموذج وحيد مهيمن في جميع المجالات بشكل يلغي الخصوصيات الثقافية للمجتمعات، ويهدد باندثار مقوماتها الشخصية والحضارية.

ومن الآثار السلبية للعولمة السعي نحو تنميط الثقافة على المستوى الكوني. إلا أن العولمة لا تنطوي على سلبيات فقط، بل إنها تتيح إمكانات جديدة للتواصل وفرص للتفاعل والتقارب، يتعين على الأمة الإسلامية استغلالها للتعريف بثقافتها وحضارتها وتوظيف إمكاناتها المتاحة للمضي قدماً على درب التقدم، وتعزيز مفهوم التنوع الثقافي وتأكيد مفهوم الهوية الثقافية وتكامل روافد الثقافة الإسلامية وتفاعلها مع بعضها بعضاً وبينها وبين الشعوب الأخرى.

ولتجنب الآثار السلبية للعولمة، يتجه الأمر إلى تقوية أواصر التعاون من أجل الفهم الصحيح لرسالة الثقافة الإسلامية وتقوية الانتماء إليها والاعتزاز بها ومواصلة الإبداع والتنويع والمشاركة بشكل فعال في الإنتاج الثقافي المعاصر، بتعزيز الدور النشيط لمختلف العناصر التي تعمل في حقول الثقافة، وعلى جميع المستويات وفي كل القطاعات، حتى تصبح الأمة الإسلامية مؤهلة لحماية ثقافتها وفهم ثقافة الآخر، تملك التقنيات الجديدة للتواصل والإعلام التي تعدّ في عالم اليوم مداخل أساساً لإسماع صوت العالم الإسلامي ونقل ثقافته للآخر والدخول معه في حوار بناء.

وبناء على ذلك، فإننا نؤكد ما يلي :

- أن مسار العولمة يقتضي اعتبار التنوع الثقافي والتعدد الحضاري دافعاً للعولمة، لا معوقاً لها حيث يكون من المفيد مراعاة الخصوصيات الثقافية والحضارية، واحترامها في ظل عالم تحول إلى قرية كونية بفضل الثورة المعلوماتية والاتصالية وأصبح ينحو نحو التجانس.

- أن قيم التعددية والتنوع الثقافي لا تمثل ذريعة لاستبعاد الآخر، بل من الواجب استغلال ما تتيحه العولمة من فرص وما تنطوي عليه من إمكانات لمزيد دعم التضامن والتبادل والعيش المشترك  بين الشعوب.

- السعي المشترك إلى تشييد عالم يتخذ من الاتصال والإعلام والتفاهم بين الثقافات ميزاته، ويشجع فيه تنوع القيم الثقافية والرؤى الأخلاقية والتصرفات السلوكية قيام ثقافة سلام حقيقية.

- مساندة الجهود الدولية من أجل صياغة اتفاقية عالمية لاحترام التنوع الإنساني المبدع، لمنع أي محاولة ترمي إلى إبادة لغة أو ثقافة أو عرق، على أن تكون مرجعية من مرجعيات الاستراتيجيات الإنمائية في المستقبل.

المادة 4 - مساهمة الثقافة والحضارة الاسلاميتين في إغناء التنوع الثقافي :

إن الثقافة الإسلامية، وكما يشهد التاريخ بذلك، هي ثقافة تقدم وإبداع وعلم وعمل، احترمت دائماً التنوع وتعاملت معه، وقد ظل تنوع الثقافات والحضارات وتعايشها داخل الرقعة الجغرافية الواسعة التي يدين أهلها بالإسلام، على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وحضاراتهم الخاصة، خير دليل تاريخي على ثقافة الحوار والتسامح التي ينادي الإسلام بها دائماً، بصرف النظر عن الظروف والمتغيرات.

وتميزت الثقافة والحضارة الإسلاميتان بتركيزهما على اعتبار "طلب العلم فريضة"، بغض النظر عن الصعوبات المرتبطة به، مما ساهم في إغناء التراث الإنساني في شتى حقول العلوم والفنون والآداب. وقد جعل الإسلام من طلب العلم فريضة، وأَوْلَى المعرفةَ مكانة كبرى ورغّب في طلبهما مهما تباعدت المسافات.

وتستلهم مختلف الأجيال الإسهامات المتعددة للأمة الإسلامية، وحملها لمشعل حضارة سعت دائماً لتحقيق الإضافة، وعملت من أجل التقدم والسلام والرفاهية المادية والمعنوية، من منطق الإغناء والإضافة، وبما حملته من قدر كبير من العلوم والمعارف في مختلف المجالات. ويقتضي تجسيم هذه المبادئ :

- تأسيس الجوائز التشجيعية والمنح التقديرية للمؤسسات والأفراد الذين قدموا إسهاماً فكرياً متميزاً في مجال تعزيز حوار الحضارات، والتعريف بالحضارة الإسلامية، وبقيمها السمحة ومآثرها الخالدة، وإضافاتها النوعية للحضارة الإنسانية.

- تفعيل التواصل مع العالم من خلال الاهتمام بالمراكز الثقافية الإسلامية بالخارج، والعمل على دعم مراكز البحوث الدولية التي تتناول القضايا الإسلامية بموضوعية، والتوسع في إقامة معاهد ومراكز مماثلة في أهم العواصم العالمية، وإقامة الندوات المشتركة، وتنظيم القوافل والمعارض الثقافية وتكثيف التعاون مع الشبكات الفضائية والالكترونية الناشطة في العالم.

- تشجيع دور النشر العالمية الكبرى على ترجمة روائع الإبداع والدراسات الإسلامية الجادة، إلى اللغات العالمية، والمساعدة على ترويجها، وتشجيع الإنتاج المشترك لبرامج تلفزيونية وأفلام وثائقية وتآليف مرجعية عن تنوع مصادر الثقافة الإسلامية وغناها وإسهاماتها المختلفة في إغناء الحضارة الإنسانية، وتعزيز التفاهم ومعرفة الآخر.

المادة 5 - التنوع الثقافي بإسهام الجميع ولخدمة الجميع :

إن ازدياد الاتجاه في العالم الخارجي نحو الاعتماد في مجال الثقافة، ورعاية التنوع ودعم الحوار الحضاري على أساليب تكنولوجيا الاتصال الألكتروني، ينتقل تدريجياً وبصورة مؤكدة إلى العالم الإسلامي، وهذا يتطلب إعداد الأجيال الشابة من الآن للتغيرات التي بدأت تجد طريقها إلينا، بحيث تصبح ثقافة الإنترنيت جزءاً في التكوين الذهني لهذه الأجيال، حتى تنتقل الشعوب الإسلامية من دور المستهلك إلى موقع المنتج لهذه التكنولوجيات. ويمكن للتنوع الثقافي أن يسهم في إغناء الحياة الثقافية على وجه أفضل بكثير من التجانس أو التماثل الثقافي، شرط أن لا يؤدي إلى التشرذم والتشتت والذوبان. فالثقافة تنمو وتزدهر وتتجذر.

وفي هذا السياق، يتعين التأكيد على ما يلي :

- احترام الشعائر الدينية والكتب والنصوص المقدسة عند أهلها، سواء المكتوبة أوالشفوية، باعتبارها أصولاً للديانات التي تؤمن بها الأمم والشعوب، واحترام وحدة النوع البشري والاختلافات الثقافية.

- مواصلة النهوض بمؤسسات نشر الثقافة في العالم الإسلامي وتحديثها والقيام بإصلاحات هيكلية وتنظيمية متكاملة في جميع المجالات الثقافية، بما يضمن مواكبتها لاحتياجات المستفيد من العمل الثقافي.

- وضع التشريعات والقوانين التي تمنع العبث بالتراث أو سرقته أو إتلافه أو الاعتداء عليه أو الاتجار غير المشروع به واعتبار مثل هذه الممارسات تمس بالأمن الثقافي.

- تعزيز البعد العالمي للثقافة الإسلامية من خلال جلب الاستثمارات الأجنبية التي تساعد على ولوج الأسواق الأجنبية، وعلى الاستفادة من الخبرات المتطورة والمتوفرة بالدول المتقدمة، وذلك على صعيد الإنتاج، وعلى صعيد تنوع مصادر هذا الإنتاج.

المادة 6 - التنوع الثقافي والمنظور الإسلامي لحقوق الإنسان ولثقافة العدل والسلام :

منذ نشأة الثقافة والحضارة الإسلاميتين، حرصت الشعوب المنتمية إليها على إظهار رغبتها وتأكيد إرادتها في المشاركة، على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، إلى جانب جميع الشعوب الأخرى، من أجل بناء عالم ينعم بالسلم والعدل والمساواة والتسامح، ويقوم على احترام حقوق الإنسان وصون المقومات المادية والمعنوية للكرامة الإنسانية، واعتبار التنوع الثقافي والحق في الاختلاف مقوماً أساسياً من حقوق الإنسان، كما شرع لها الإسلام وحددتها القوانين الدولية.

وكما عملت على ذلك دائماً، فإن الشعوب المسلمة تعلن من جديد، عن تشبثها بثقافة العدل والسلام والتسامح، لأن السلام هو الشرط الأساس لتقدم الشعوب والتعايش بين الحضارات ولأنه لا يمكن، من منظور هذا الميثاق فصل السلام عن العدل ؛ فالسلام يفترض احترام حقوق الإنسان، والإرادة الجماعية والصادقة للتعايش على أساس القيم المشتركة بين بني البشر، واحترام حقوق الشعوب في صيانة هويتها وثقافاتها وحضاراتها الخاصة، مما يشكل إغناء للموروث الثقافي والحضاري للإنسانية جمعاء.

ويتطلب السلام كذلك احترام الآخر وثقافته وحضارته ومنظومته الدينية والأخلاقية، إضافة إلى الإرادة العملية في اقتسام عادل لثروات الأرض وحماية البيئة، مع مراعاة مصالح الأجيال القادمة. ويتطلب الأمر التأكيد على ما يلي :

- أن صيانة التنوع والثقافي والدفاع عنه، ومساعدة الدول الفقيرة على  صيانة تراثها وإعادة الاعتبار لحضاراتها، هو مدخل أساس لإرساء ثقافة السلام ومكوّنٌ رئيسٌ لا غنى عنه في حل النزاعات ومحاربة جميع أشكال الإرهاب والتطرف، سواء كان صادراً عن أفراد أو جماعات أو دول.

- العمل على إقامة روابط بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى أوثق مما كانت عليه في الماضي، وعلى إغناء أوجه التفاعل بينها، خدمة للأمن والسلم ودون إلحاق الضرر بالتنوع الثقافي والإبداع لهذه الشعوب.

- اعتبار الحق في التنوع والتعدد الثقافي والاحترام المتبادل للمقومات الحضارية والثقافية شرطاً لا غنى عنه للحوار المتكافئ والتعايش السلمي ودعم منظومة الحقوق الثقافية للشعوب.

المادة 7 - التنوع الثقافي والابداع :

يتطلب صون التنوع الثقافي عملاً دؤوباً يشمل توجيه السياسات الثقافية توجيهاً مناسبا، ودعم مشاريعها ومبادراتها، والنهوض بالصناعات الثقافية وتنميتها، ودعم الفاعلين والمبدعين الثقافيين، وصيانة الممتلكات والخدمات الثقافية، إضافة إلى مراعاة جميع أشكال التراث الثقافي، سواء كانت مادية أو غير مادية، وتعزيز القدرة على الإبداع والتواصل على الصعيد العالمي والوطني والإقليمي، لاسيما من خلال اعتماد شراكات بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، انطلاقاً من توجه يقوم على التأصيل والانفتاح.

وينبغي أن يساهم الأخذ بناصية تكنولوجيا الإعلام والتواصل الجديدة في إغناء اللغة العربية ولغات الشعوب المسلمة، من أجل الرقي بها لمواكبة المستجدات العلمية على الصعيد العالمي.

كما يجب أن تساهم الترجمة، في تشجيع التفاعل والتبادل الثقافيين ونقل المعارف والتقنيات الحديثة، خاصة تلك المتعلقة بتقنيات المعلوماتية والنهوض بالموروث الثقافي.

ومن هذا المنطلق، تجدر الدعوة إلى :

- تفعيل الطاقات الإبداعية المتوفرة لدى الشعوب الإسلامية، وذلك بتوخي سياسة ثقافية يقظة ترصد الإنتاج الثقافي في العالم الإسلامي، وتحلل مكوناته، وتضمن توثيقه والارتقاء به إلى صناعة تزيده جودة وثراء وتعطيه قيمة مضافة.

- توفير الظروف الملائمة لمساعدة المبدع على تثبت موقعه كمنتج حرّ في المجتمع مؤهل للاعتماد على ذاته وطرق مجالات جديدة توفر له موارد ذاتية.

- تعزيز التلاقي والتفاعل الثقافي بين المبدعين في الدول الإسلامية ونظرائهم من البلدان الأخرى، ودفع حركة الإبداع وضمان المشاركة الناجعة والمتوازنة للمبدعين في مختلف الأنشطة الثقافية.

- رعاية المواهب الواعدة من الشباب في مختلف البلدان الإسلامية والعناية بالمادة الثقافية الموجهة للأطفال واليافعين من حيث المضمون والوسائط الثقافية المستخدمة، بما يضمن تهيئتهم وتمكينهم من شتى أدوات التحصين الذاتي، ويسهل اندماجهم في مجتمع المعرفة، وتدريبهم على استثمار الذكاء وتوظيفه.

دور المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو- :

إن منظمة الإيسيسكو هي الآلية الرئيسة للتعريف بهذا الإعلان ومتابعة تنفيذه وتقييم مستوى هذا التنفيذ، لذلك فهي مدعوة إلى :

- العمل على نشر المبادئ الواردة في هذا الإعلان، والتعريف بها والسعي إلى مراعاتها واحترامها من طرف الجهات الرسمية والأهلية، وحث دول العالم الإسلامي على إدماجها في سياساتها الثقافية والتنموية، وأخذها بعين الاعتبار في العلاقات فيما بينها، ومع الشعوب والأمم الأخرى.

- مضاعفة الجهود من أجل تعزيز التفاعل الثقافي والحوار بين الحضارات، وتشجيع التنوع الثقافي داخل دول العالم الإسلامي وخارجه.

- تطوير التعاون والشراكة مع المؤسسات والهيآت الثقافية الوطنية والإقليمية والدولية من أجل المزيد من تنسيق الرؤى والمواقف وتوحيد المقاصد والأهداف، للنهوض بالشأن الثقافي وترسيخ مبادئ العدل والسلام وتوعية الرأي العام والمجتمع الدولي بالآثار السلبية للعولمة.

دور الدول الأعضاء :

- إدراج موضوع التنوع الثقافي والحوار بين الحضارات محوراً في برامج الاحتفال بالعواصم الثقافية الإسلامية.

- تفعيل دور الجامعات في نشر هذا الإعلان وتحقيق أهدافه، وذلك من خلال إجراء البحوث والدراسات وإبرام اتفاقيات الشراكة والتوأمة وتصميم المناهج والبرامج المناسبة وإنشاء الكراسي المتخصصة في هذا المجال.

- تعبئة الجامعات، والمثقفين، والكتاب، والفنانين، والسينمائيين، والحركات الشبابية والنسوية وحركات الأشخاص المسنين، والمنظمات والجمعيات الأهلية، والقطاع الخاص، والصحافيين والإعلاميين، من أجل تعزيز ثقافة العدل والسلام والحوار بين الثقافات والأديان والتعايش السلمي والتفاهم، وذلك من خلال الآليات والوسائل والأساليب التي تناسب كل طرف.

- القيام بدور فعال من أجل إبراز قيم الحوار والتعايش والتسامح في الإسلام، والدفاع عن مبادئ التنوع الثقافي، وذلك من خلال التعاون مع المنظمات والهيئات المتخصصة في العالم الإسلامي، وفي إطار احترام المواثيق والقوانين المعمول بها في دولها.

المصدر: https://www.isesco.org.ma/ar/wp-content/.../Résolutions.doc

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك